الفصل السادس

التضحية من أجل النباتية

نظرًا لتجلي فكرتَيِ التضحية والبساطة لديَّ أكثر فأكثر، ونمو الوعي الديني بوتيرة أسرع أثناء حياتي اليومية، زاد شغفي بالنباتية كرسالة تبشيرية. كنت أعرف طريقة واحدة فقط للقيام بالعمل التبشيري، ألا وهي إعطاء القدوة ومناقشة الباحثين عن المعرفة.

كان في جوهانسبرج مطعم للأطعمة النباتية يديره رجل ألماني يؤمن بالمعالجة المائية التي أنشأها «كون»، فزرت المطعم بنفسي، وساعدته عن طريق اصطحابي لبعض الأصدقاء الإنجليز إلى المطعم، لكنني أدركت أنه لا يمكن للمطعم أن يستمر لمعاناته الأزمات المالية باستمرار. لقد قدمت إليه المساعدة التي كان يستحقها، وأنفقت بعض الأموال لدعمه، لكن في النهاية كان يجب غلقه.

إن أغلب الثيوصوفيين تقريبًا نباتيون، فأنشأت سيدة مقدامة تنتمي للجمعية الثيوصوفية مطعمًا ضخمًا للمأكولات النباتية. كانت تلك السيدة مغرمة بالفن ومسرفة وجاهلة بالحسابات. وكانت دائرة أصدقائها كبيرة للغاية. بدأت السيدة المطعم على مستوى صغير، لكنها قررت فيما بعد أن تقوم ببعض التوسعات، فطلبت مساعدتي، ولم أكن على دراية بحجم أموالها حينما طلبت مساعدتي، وظننت أن تقييمها لا بد وأن يكون دقيقًا، وكنت بالفعل قادرًا على مساعدتها، فلقد اعتاد موكليَّ أن يتركوا في عهدتي مبالغ كبيرة من المال وديعة. فاقترضت ما يقرب من ألف جنيه من حساب أحد موكليَّ بعد أن حصلت على موافقته، وقد كان موكلي ذلك كريمًا وشديد الثقة بي، وكان في الأصل من العمال الذين حضروا إلى جنوب أفريقيا بعقود لأجل. قال لي: «يمكنك أن تهب المال إذا شئت، فأنا لا أعرف شيئًا عن هذه الأمور، فأنا لا أعرف غيرك.» وكان اسم ذلك الموكل «بادري»، وقد شارك بصورة بارزة فيما بعد في حركة الساتياجراها، وتعرض للسجن أيضًا. وهكذا أقرضتها المبلغ ظنًّا مني بأن موافقته كانت كافية.

بعد مرور شهرين أو ثلاثة أشهر، علمت أنه لن يمكنني استرداد المبلغ، ولم أكن أستطيع تحمل تلك الخسارة. فقد كان هناك العديد من الأغراض التي كان من الممكن أن أنفق فيها ذلك المبلغ. ولم أسترد ذلك القرض مطلقًا. لكن كيف يكون ذلك جزاء ثقة السيد بادري بي؟ فلم يكن يعرف أحدًا سواي، وقد تسببت له في تلك الخسارة.

ولقد عنفني أحد موكليَّ بلطف لحماقتي عندما أخبرته بما حدث، فقال لي: «يا أخي،» ولم أكن وقتها لحسن الحظ قد لُقبت «بالمهاتما» أو حتى «الأب»، وكان الأصدقاء ينادونني بالاسم المحبب «أخي» قال لي: «لم يكن عليك فعل ذلك. فنحن نعتمد عليك في كثير من الأمور. إنك لن تتمكن من استرداد هذا المبلغ، وأنا أعرف أنك ستدفع للسيد بادري من أموالك الخاصة حتى لا تجعله يشعر بالأسى، لكن إن استمررت في دعم خططك الإصلاحية من أموال موكليك، فسوف تتسبب في إفلاسهم، وسوف تصبح شحاذًا عما قريب. لكنك الوصي على أموالنا، ويجب أن تعلم أنه إن أصبحت فقيرًا، فسيتوقف العمل العام ككل.»

أحمد الإله على أن ذلك الصديق لا يزال على قيد الحياة. فلم ألتقِ في حياتي بأي شخص بنقائه في جنوب أفريقيا أو في أي مكان آخر. علمت أنه كان يعتذر للناس ويطهر نفسه من ذنبهم عندما يشك في أحدهم ثم يكتشف أن شكه لم يكن له أساس من الصحة.

أدركت أن صديقي كان على حق في تحذيره لي. فمع تعويضي للأموال التي خسرها السيد بادري، ما كان ينبغي لي أن أتعرض لمثل هذه الخسارة أو أن أقع في الدين، وهو الأمر الذي لم أتعرض له في حياتي قط وكنت دائمًا أمقته. فأدركت أنه يجب على الإنسان ألا يتعدى حدوده حتى لو كان الدافع حماسته للإصلاح. وأدركت أنه بإقراضي المال الذي كنت وصيًّا عليه، خالفت القاعدة الأساسية في تعاليم الجيتا، ألا وهي أن يعمل الشخص الرزين دون أن ينتظر مقابل أعماله. وقد كان ذلك الخطأ الذي اقترفته بمنزلة تحذير واضح.

إن التضحية التي قدمتها على مذبح النباتية لم تكن متعمدة أو متوقعة، بل كانت وليدة الضرورة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤