الفصل التاسع

الصراع مع السلطة

وأنتقل الآن إلى الحديث عن الإدارة الآسيوية.

كانت جوهانسبرج معقل الضباط الآسيويين. ولاحظت أن هؤلاء الضباط كانوا يضطهدون الهنود والصينيين وغيرهم بدلًا من حمايتهم، وكانت تأتيني شكاوى يومية نصها: «إنهم لا يقبلون من لهم الحق في العودة للبلاد، في حين يجري تهريب من لا يحق لهم العودة مقابل ١٠٠ جنيه إسترليني. يجب أن تعالج هذا الأمر، وإلا فمن سيعالجه؟» وقد شاركتهم هذا الشعور. فإذا لم أنجح في القضاء على هذه الكارثة، سيكون وجودي في الترانسفال عديم القيمة.

أخذت في جمع الأدلة، وفور أن توافرت لديَّ الأدلة الكافية تقدمت إلى مأمور الشرطة الذي كان رجلًا عادلًا. فبدلًا من أن يعرض عني، استمع لي بصبر وطلب مني أن أريه الأدلة التي بحوزتي، واستجوب الشهود بنفسه واقتنع بوجهة نظري، لكنه كان يعلم مثلي تمامًا أنه من الصعب في جنوب أفريقيا أن تدين هيئة محلفين من البيض شخصًا من البيض لصالح الملونين. لكنه قال لي: «لكن دعنا نحاول على أي حال، فليس من الصواب أيضًا أن نترك أولئك المجرمين دون أن يعانوا الخوف من أن تدينهم هيئة المحلفين، فلا بد من إلقاء القبض عليهم. أؤكد لك أنني لن أترك طريقًا إلا وأسلكه.»

لم أكن في حاجة لذلك التأكيد. كنت أشك في عدد كبير من الضباط، لكن نظرًا لعدم توافر الأدلة الدامغة لإدانتهم جميعًا، صدرت مذكرة اعتقال فقط ضد الاثنين اللذين كنت متيقنًا تمامًا من جرمهما.

لم يكن من الممكن أن تظل تحركاتي طي الكتمان، فالكثير من الناس علموا أنني كنت أذهب لمأمور الشرطة بصورة شبه يومية، وكان لدى الضابطين اللذين حُررت ضدهما مذكرات الاعتقال جواسيس أَكْفاء لا بأس بهم، فقد اعتاد جواسيسهما أن يراقبوا مكتبي، وينقلوا جميع تحركاتي إلى الضابطين. ويجب أن أعترف بأن الضابطين كانا من السوء بمكان بحيث لم يكن بوسعهم استخدام الكثير من الجواسيس. ولولا مساعدة الهنود والصينيين لي، لما استطعت أن أساعد الشرطة في القبض عليهما.

فر أحد الضابطين، لكن مأمور الشرطة حصل على مذكرة لتسليم المجرمين، فقُبِضَ عليه وسُلِّمَ إلى حكومة الترانسفال، فحوكم الضابطان، ومع أن الأدلة التي قدمت ضدهما كانت قوية، ومع أنه قد توفر الدليل على هروب أحدهما، فقد حكمت المحكمة ببراءتهما وأخلت سبيلهما.

آلمني حكم المحكمة وخيب أملي بشدة، وشعر مأمور قسم الشرطة بالأسف هو أيضًا. فشعرت باشمئزاز تجاه مهنة المحاماة، وقد أصبحت مجرد فكرة المحاماة بغيضة في نظري لأنني وجدت أنه من الممكن تسخيرها للتستر على الجريمة.

ومع تبرئة ساحة الضابطين، فقد كان جرمهما واضحًا جدًّا لدرجة أن الحكومة لم تستطع أن تتركهما في منصبهما، فطُرد الضابطان من الخدمة، وأصبحت الإدارة الآسيوية نظيفة، فعادت الطمأنينة بقَدْر ما إلى الجالية الهندية.

زادت هذه الواقعة من مكانتي وأدرت المزيد من العمل، وأصبحت الجالية توفر أغلب الأموال التي كانت تفقدها شهريًّا بسبب الاختلاس، والتي كانت تصل إلى مئات الجنيهات. لم نتمكن من توفير جميع تلك الأموال حيث لم يكف بعض عديمي الأمانة عن ممارساتهم. لكن الآن أصبح من الممكن أن يحافظ الأمين على أمانته.

ويجب أن أذكر هنا أنه مع سوء هذين الضابطين إلا أنني لم أكن أحمل ضدهما أي ضغينة شخصية. وقد كانا على علم بهذه الحقيقة، وكنت أساعدهما عندما كانا يلجآن لي في أوقات تعرضهما للمحن. فقد عرضت عليهما بلدية جوهانسبرج العمل لديها في حالة عدم اعتراضي على ذلك العرض. فأتاني أحد أصدقائهما ليحدثني بهذا الشأن، فوافقت ألا أقف في طريقهما، وبالفعل نجحا في الحصول على العمل.

وقد كان لموقفي هذا أثر كبير في التخفيف عن الضباط الذين كنت أتعامل معهم. ومع اضطراري كثيرًا إلى محاربة إدارتهم وإلى استخدام لغة شديدة اللهجة، إلا أنهم ظلوا يعاملونني بود. لم أكن حينها أعي تمامًا أن ذلك السلوك هو جزء من طبيعتي. لكنني أدركت فيما بعد أن ذلك السلوك كان جزءًا جوهريًّا من أجزاء الساتياجراها وأحد خصائص الأهيمسا.

يجب أن نميز بين المرء وأعماله، ففي حين يستوجب العمل الصالح الاستحسان والعمل السيئ الازدراء، دائمًا ما يستحق صاحب تلك الأعمال — سواء الصالحة أو الشريرة — الاحترام أو الشفقة. فمع سهولة استيعاب القاعدة السلوكية التي تقول: «ابغض الخطيئة وليس مقترفها»، نادرًا ما نجد من يعمل بها. وذلك هو السبب وراء انتشار سم الكراهية في أنحاء العالم.

إن الأهيمسا هي أساس البحث عن الحقيقة. أدرك كل يوم أن البحث عن الحقيقة يكون عديم القيمة إذا لم يعتمد على الأهيمسا كأساس له. من الطبيعي أن تقاوم نظامًا ما وتهاجمه، لكن عندما تقاوم واضع ذلك النظام وتهاجمه تكون كمن يقاوم نفسه ويهاجمها. فجميعنا نحمل نفس الصفات السيئة وجميعنا خلقنا إله واحد، ولذلك فالقوى الإلهية بداخلنا مطلقة. إن ازدراء إنسان واحد يعني ازدراء تلك القوى الإلهية، ومن ثَمَّ فإن ذلك لا يضر ذلك الإنسان وحده، بل العالم أجمع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤