الفصل الثاني عشر

صبغ النيلة

شامباران هي أرض الملك الهندي الأسطوري جاناكا. وكما كانت تلك الأرض تعج ببساتين المانجو، كانت أيضًا مليئة بمزارع النيلة حتى عام ١٩١٧م. فقد كان على المستأجرين بأرض شامباران بموجب القانون تخصيص ثلاث حصص من أصل كل عشرين حصة من الأرض لزراعة نبات النيلة من أجل مالك الأرض. وهو ما عُرف باسم نظام «التينكاثيا»، نظرًا لأن كل ثلاث حصص «كاثا»١ من أصل عشرين (التي تشكل أكرًا) يجب أن تُخصص لزراعة النيلة.

لا أنكر أنني في ذلك الوقت لم أكن أعرف حتى اسم شامباران، ناهيك عن موقعها الجغرافي، ولم تكن لديَّ أدنى فكرة عن مزارع النيلة. سبق أن رأيت عبوات النيلة لكنني لم أتخيل أن زراعتها وصناعتها هي ثمرة شقاء وعذاب آلاف المزارعين في تشامباران.

وقد كان راجكومار شوكلا من ضمن المزارعين الذين يعيشون تحت وطأة ذلك العذاب. وكان يتوق إلى تخليص أولئك المزارعين الذين يعانون مثله عبء زراعة النيلة.

قابلني ذلك الرجل في مدينة لوكناو، حيث ذهبت لحضور اجتماع الحزب الذي عُقد في ١٩١٦م. قال الرجل: «سوف يخبرك المحامي بكل ما يتعلق بمحنتنا.» وحثني على الذهاب إلى شامباران. كان «المحامي» هو نفسه السيد براجكيشور براساد الذي أصبح زميلي الأغر في شامباران، والذي يمثل روح الخدمة العامة في بيهار. أحضر راجكومار شوكلا إلى خيمتي المحامي الذي كان يرتدي سترة سوداء من صوف الألباكا وسراويل. وقد فشل السيد براجكيشور وقتها في ترك انطباع جيد لديَّ، واعتقدت أنه مجرد محامٍ يستغل المزارعين البسطاء. وكعادتي، وبعد أن سمعته يتحدث عن شامباران قلت له: «لا يمكنني أن أدلي برأيي دون أن أرى الوضع بنفسي. يمكنك أن تقدم الاقتراح إلى الحزب، لكن أرجو أن تتركني في الوقت الحالي.» كان راجكومار شوكلا بالطبع في حاجة إلى بعض العون من الحزب. تقدم السيد براجكيشور براساد بالاقتراح إلى الحزب، معبرًا عن تعاطفه مع أهل شامباران. وقد تمت الموافقة على الاقتراح بالإجماع.

كان راجكومار شوكلا مسرورًا لكن ذلك لم يكن كافيًا له، فقد أرادني أن أزور شامباران بنفسي وأن أشاهد الآلام التي يعانيها الفلاحون هناك، أخبرته أنني سوف أدرج شامباران في الجولة التي سأقوم بها وسأمكث بها يومًا أو يومين، فقال لي: «يوم واحد سيفي بالغرض. وسوف ترى الحال بأم عينك.»

وانطلقت من لوكناو إلى كاونبور Cawnpore حيث لحق بي راجكومار شوكلا. فألح عليَّ بقوله: «إن شامباران قريبة جدًّا من هنا، وأرجو أن تزورها يومًا واحدًا.» فأجبته متعهدًا: «أرجو أن تعفيني هذه المرة، لكنني أعدك بأن آتي.»

عدت إلى مقر الجماعة، حيث وجدت راجكومار شوكلا الذي يطاردني في كل مكان أذهب إليه. فقال لي: «أرجوك أن تحدد يوم زيارتك لشامباران الآن.» فقلت له: «حسنًا، يجب أن أكون في كلكتا في أيام كذا وكذا، يمكنك أن تأتي لمقابلتي وقتها وتصطحبني من هناك.» لم أكن وقتها أدري إلى أين سأذهب؟ وماذا سأفعل؟ وماذا سأرى؟

وقبل أن أذهب إلى مسكن السيد بهوبينبابو في كلكتا، كان راجكومار شوكلا قد سبقني واستقر هناك بالفعل. وهكذا، استطاع ذلك المزارع الأمي البسيط، الذي يتمتع بعزم ثابت، أن يحوز إعجابي.

وفي أوائل عام ١٩١٧م، رحلنا عن كلكتا متوجهين إلى شامباران ونحن نبدو كالقرويين. لم أكن أعرف حتى القطار الذي سنستقله، فأخذني هو إليه، وسافرنا معًا حتى وصلنا إلى باتنا في الصباح.

كانت تلك هي زيارتي الأولى إلى باتنا، ولم يكن لديَّ هناك أي أصدقاء أو معارف يمكن أن أفكر في الإقامة لديهم. كنت أعتقد أن راجكومار شوكلا، الفلاح البسيط، يملك بعض النفوذ في باتنا. لقد تعرفت إليه بصورة أفضل في أثناء الرحلة، وعند وصولنا إلى باتنا كنت قد علمت كل شيء عنه. كان راجكومار شوكلا ساذجًا تمامًا، فلم يكن المحامون الذين يحسبهم أصدقاءه في الحقيقة بأصدقائه، ولم يكن في نظرهم إلا خادمًا، فبين أولئك الموكلين من المزارعين وبين محاميهم فجوة تمتد باتساع نهر الجانج وقت الفيضان.

اصطحبني راجكومار شوكلا إلى مسكن السيد راجيندرا في باتنا، وكان السيد راجيندرا قد ذهب إلى مدينة بوري أو مكان آخر غاب عن خاطري الآن. كان في المنزل خادم أو خادمان لكنهما لم يعيرانا أي انتباه. كان معي من الطعام ما يكفيني، وكنت أرغب في تناول البلح فاشتراه لي رفيقي من السوق.

كان مبدأ النبذ يسود بيهار على نحو صارم، فلم يكن من الممكن أن أسحب الماء من البئر حين يستخدمه الخدم خشية أن تلوثهم قطرات الماء التي تتساقط من دلوي، حيث لم يكن الخدم يعلمون إلى أي طبقة أنتمي. أرشدني راجكومار إلى حمام المنزل الداخلي، لكن الخدم أسرعوا ودلوني على الحمام الموجود خارج المنزل. لم يفاجئني ذلك كله أو يغضبني فقد اعتدت مثل تلك الأمور. إن الخدم لم يفعلوا إلا ما اعتقدوا أن السيد راجيندرا يريدهم أن يقوموا به.

زادت تلك الخبرات المسلية من احترامي لراجكومار شوكلا، وساعدتني أيضًا على معرفته أكثر. وأدركت حينها أنه لا يمكنني أن أترك راجكومار شوكلا يقودني، وأن عليَّ أن أتولى زمام الأمور بنفسي.

هوامش

(١) كاثا katha: وحدة قياس هندية للأراضي تساوي ما يقرب من ٢٠ / ١ بيجا (٧٢٠ قدم مربع أو ٦٦٫٨٩ مترًا مربعًا).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤