الفصل الثالث عشر

البيهاري النبيل

تعرفت إلى مولانا مظهر الحق في لندن عندما كان يدرس المحاماة. وقد جدد تلك المعرفة عندما قابلته في اجتماع الحزب في بومباي في ١٩١٥م — وهو العام الذي كان يترأس فيه الرابطة الإسلامية — ودعاني للإقامة لديه في أي وقت أكون فيه في باتنا. تذكرت تلك الدعوة، وأرسلت إليه لأخبره بالغرض من الزيارة. وعلى الفور أتى في عربته وألح عليَّ في قبول ضيافته، فتوجهت إليه بالشكر، وطلبت منه أن يرشدني إلى وجهتي بواسطة أول قطار، فدليل السكك الحديدية لا ينفع الغرباء مثلي. تحدث مع راجكومار شوكلا، واقترح أن أتوجه إلى موزافاربور Muzaffarpur أولًا. وكان هناك قطار متوجه إلى ذلك المكان في المساء، فودعني وأنا أستقله ورحل.

كان المدير كريبالاني وقتها في موزافاربور. وقد كنت أعرفه منذ زيارتي إلى حيدر أباد. فقد حدثني الدكتور تشويثرام عن تضحيته الجليلة وحياته البسيطة ومقر الإقامة الذي يديره الدكتور تشويثرام من أموال الأستاذ كريبالاني. لقد كان يعمل أستاذًا في الكلية الحكومية، بموزافاربور، وكان قد استقال للتو من منصبه عندما وصلت إلى موزافاربور. كنت قد أرسلت إليه برقية لأعلمه بوصولي، فقابلني في المحطة وبصحبته مجموعة كبيرة من الطلبة مع أن القطار وصل في منتصف الليل. لم يكن الأستاذ كريبالاني يمتلك مسكنًا خاصًّا به، وكان يعيش لدى الأستاذ مالكاني الذي أصبح مضيفي الفعلي. ولم تكن استضافة أستاذ حكومي لشخص مثلي أمرًا معتادًا في ذلك الوقت.

حدثني الأستاذ كريبالاني عن وضع بيهار البائس، ولا سيما إقليم تيرهوت. وأعطاني فكرة عامة عن مدى صعوبة مهمتي. لقد كان الأستاذ كريبالاني على علاقة وطيدة بأهل بيهار، وقد تحدث إليهم بالفعل عن المهمة التي أتيت من أجلها إلى بيهار.

وفي الصباح، زارتني مجموعة من المحامين. وأذكر من بينهم رامنافمي براساد، نظرًا لإعجابي بجديته.

قال لي رامنافمي: «لا يمكنك إنجاز المهمة التي أتيت من أجلها إذا ما بقيت هنا (يقصد بذلك مسكن الأستاذ مالكاني)، يجب أن تأتي للعيش مع أحدنا. إن السيد جايا محامٍ مشهور هنا، وقد أتيت نيابة عنه لأدعوك للإقامة في منزله. لن أخفي أننا جميعًا نخشى الحكومة، لكن علينا أن نقدم لك كل ما في استطاعتنا من العون. إن أغلب الأمور التي أخبرك بها راجكومار شوكلا صحيحة، وللأسف لا يوجد أحد من زعمائنا هنا اليوم. على كل حال، لقد أرسلت برقية إلى كليهما: السيد براجكيشور براساد، والسيد راجيندرا براساد. وأتوقع وصولهما قريبًا. ومن المؤكد أنهما سيتمكنان من تزويدك بجميع المعلومات التي تحتاجها، وسيساعدانك بصورة كبيرة. أرجو أن تأتي معي إلى منزل السيد جايا.»

لم أستطع أن أرفض مثل ذلك الطلب مع ترددي خوفًا من إحراج السيد جايا، لكنه طمأنني. وهكذا ذهبت لأقيم في منزله، حيث غمرني وأهل بيته بفيض من الحب.

وصل السيد براجكيشور من داربهانجا والسيد راجيندرا من بوري. لكن السيد براجكيشور لم يكن حينها هو نفس الشخص الذي قابلته في لوكناو. فقد أذهلني هذه المرة بتواضعه وبساطته وطيبته وإيمانه الفائق، وهي السمة التي يتسم بها البيهاريون وأدخلت على قلبي السرور. وقد كان احترام المحامين البيهاريين له مفاجأة سارة لي.

وسرعان ما وجدت نفسي مرتبطًا بتلك الدائرة من الأصدقاء بصداقة أبدية. أطلعني السيد براجكيشور على وقائع القضية، وكان قد اعتاد تولي قضايا المزارعين الفقراء. وكان هناك قضيتان معلقتان عند وصولي، وقد كان يفرح عندما يفوز بأي من تلك القضايا لشعوره بأنه يفعل شيئًا من أجل أولئك الفقراء، ولم يكن ذلك بسبب عدم تقاضيه أتعابًا من أولئك الفلاحين البسطاء. فالمحامون يؤمنون بأنه إذا لم يتقاضوا أتعابًا من الموكلين فإنهم لن يجدوا المال اللازم للإنفاق على أسرهم، ولن يكونوا قادرين على تقديم مساعدة فعالة للفقراء. وقد أذهلتني مبالغ الأتعاب التي يتقاضونها ومستوى أتعاب محامي المرافعات في البنجال وبيهار.

فقد قال لي البعض: «نحن ندفع ١٠٠٠٠ روبية لهذا المحامي وذاك؛ مقابل مشورتهم.» لم أسمع مبالغ تتكون من أقل من أربعة أرقام في أية قضية.

عاتبت الأصدقاء بلطف، وقد استمعوا لي ولم يسيئوا فهمي.

فقلت لهم: «بعد أن اطلعت على هذه القضايا، توصلت إلى أن علينا التوقف عن اللجوء إلى المحاكم، فذلك لا يعود علينا بكثير من النفع. فالمحاكم تكون عديمة الفائدة عندما يكون الفلاحون محطمين ومذعورين. إن المساعدة الحقيقية تكمن في تحريرهم من الخوف. يجب ألا يغمض لنا جفن حتى نخلص بيهار من نظام التينكاثيا. كنت أظن أنني سأتمكن من الرحيل في غضون يومين، لكنني أدركت الآن أن العمل هنا قد يستغرق سنتين، وأنا على استعداد للتضحية بذلك الوقت إذا لزم الأمر. أنا الآن أشعر بالدافع، لكنني أحتاج إلى مساعدتكم.»

وجدت السيد براجكيشور هادئًا للغاية. فقال لي بهدوء: «سنقدم لك كل ما في استطاعتنا من عون، لكن نرجو أن تخبرنا بنوع المساعدة التي ستحتاجها.»

وأخذنا نتحدث على هذا المنوال حتى منتصف الليل.

قلت لهم: «لن أحتاج كثيرًا إلى خبرتكم القانونية، بل سأحتاج إلى مساعدة في الأعمال المكتبية والترجمة. وقد لا يكون هناك مفر من دخول السجن، لكن بقدر حبي لقبولكم لتلك المخاطرة، لكم الحق في العمل إلى المدى الذي تستطيعون تحمله، فحتى تخليكم عن مهنتكم لمدة غير معلومة وعملكم بالأعمال المكتبية ليس بالأمر الهين. وأجد صعوبة في فهم اللهجة الهندية المحلية، ولن أتمكن من قراءة الوثائق المكتوبة بحروف كايثي١ أو اللغة الأردية، وسأطلب منكم أن تترجموها لي، ولن نستطيع أن ندفع مقابلًا لذلك العمل. فيجب أن يُؤدى بدافع الحب وروح الخدمة.»

استوعب السيد براجكيشور كلامي على الفور، وبدأ يوجه لي الأسئلة هو ورفاقه الواحد تلو الآخر. وقد حاول التحقق من المعاني المتضمنة في كل ما ذكرت، كالمدة التي سأحتاج أثناءها إلى خدماتهم، وعدد الأشخاص الذين سأكون في حاجة إليهم، وإذا ما كان من الممكن أن يتناوبوا في الخدمة، وغير ذلك من الأمور. ثم سأل المحامين عن مدى قدرتهم على التضحية.

وأخيرًا، أعطوني ذلك التأكيد: «سيفعل عدد منا كل ما تطلبه منهم. وسيكون بعضنا معك للمدة التي تحتاجها. لكن فكرة دخول السجن أمر جديد علينا، إلا أننا سنحاول التأقلم معه.»

هوامش

(١) كايثي Kaithi: هي كتابة تاريخية شاع استخدامها في شمال الهند، ولا سيما الأقاليم الشمالية الغربية سابقًا وبيهار. وقد كانت تُستخدم في كتابة السجلات القانونية والإدارية والخاصة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤