الفصل الرابع عشر

مع الأهيمسا وجهًا لوجه

كان هدفي دراسة وضع الزراع بشامباران، وفهم شكواهم ضد أصحاب مزارع النيلة، ولتحقيق تلك الغاية، كان عليَّ مقابلة آلاف الفلاحين، لكنني اعتبرت أنه من الضروري أن أعرف رأي أصحاب المزارع في القضية وأن أرى مفوض الإقليم قبل أن أبدأ في التحقيق في الوضع، فطلبت مقابلة كل من أصحاب المزارع والمفوض، وبالفعل قابلتهم.

أخبرني أمين سر جمعية أصحاب المزارع Planters’ Association أنني دخيل، ولا يحق لي التدخل بين أصحاب المزارع والمستأجرين، لكن مع ذلك يمكنني تقديم أي شكوى لديَّ كتابيًّا. فأخبرته بلطف أنني لا أعتبر نفسي دخيلًا، وأن من حقي الاستعلام عن حالة المستأجرين إذا ما أرادوا مني ذلك.

أخذ المفوض يتنمر عليَّ عندما قمت بزيارته، ونصحني بالرحيل حالًا عن تيرهوت.

أطلعت رفقائي على كل ما حدث، وأخبرتهم بأن هناك احتمالًا قويًّا أن تعوقني الحكومة عن المضي قدمًا في مهمتي، وأنه قد يُزج بي في السجن في وقت سابق لما توقعته. وأخبرتهم أن من الأفضل أن أُعتقل في موتيهاري أو بيتياه Bettiah إن أمكن، ومن ثَمَّ كان يُستحسن أن أتوجه إلى تلك الأماكن في أسرع وقت ممكن.

كانت شامباران مقاطعة تابعة لإقليم تيرهوت، وكانت موتيهاري مركزها الرئيسي. كان منزل راجكومار شوكلا يقع بالقرب من بيتياه، وفي الجوار كان الفلاحون المنتمون إلى منطقة كوثي هم الأفقر في المقاطعة. أراد راجكومار شوكلا أن أقابلهم، ولم تكن حماستي لرؤيتهم تقل عن حماسته.

وهكذا انطلقت ورفاقي إلى موتيهاري في نفس اليوم. استضافنا السيد جوراخ براساد في منزله الذي أصبح نزلًا للإقامة. وقد كان المنزل بالكاد يسعنا جميعًا. وفي ذات اليوم علمنا أن أحد الفلاحين على بعد خمسة أميال من موتيهاري قد تعرض للإساءة، وقد تقرر أن أذهب بصحبة السيد دارانيدار براساد لرؤيته في صباح اليوم التالي. وعليه توجهنا إلى المكان المنشود على ظهر أحد الفيلة. والشيء بالشيء يُذكر، كان استخدام الفيلة شائعًا في شامباران شيوع العربات في جوجرات. لم نكد نتخطى منتصف الطريق حتى لحق بنا مبعوث من قائد الشرطة وأخبرنا بأنه يرسل إلينا تحياته. وقد أدركت معنى الرسالة. تركت السيد دارانيدار لكي ينطلق إلى وجهته الأصلية، وركبت العربة التي أحضرها مبعوث قائد الشرطة، فسلمني حينها أمرًا يقضي برحيلي عن شامباران، وأوصلني إلى وجهتي. وعندما طلب مني الإقرار بتسلم الأمر، كتبت ما يفيد بأنني لا أعتزم الاستجابة للأمر وترك شامباران حتى أنتهي من استقصاء الأوضاع هناك. وعليه تسلمت مذكرة استدعاء لمحاكمتي في اليوم التالي لمخالفتي للأمر.

ظللت مستيقظًا طوال الليل أكتب الخطابات وأملي التعليمات اللازمة للسيد براجكيشور براساد.

انتشرت أخبار الأمر والاستدعاء كانتشار النار في الهشيم، وقيل لي إن موتيهاري قد شهدت في ذلك اليوم أحداثًا لم تشهدها من قبل، فقد عج منزل السيد جوراخ والمحكمة بالناس. لحسن الحظ كنت قد انتهيت من عملي في الليل، لذلك كنت قادرًا على التعامل مع الحشود، وقد كان رفقائي نعم العون، فعملوا على تنظيم الحشود الغفيرة التي كانت تتبعني حيثما ذهبت.

نشأ بيني وبين المسئولين — ممثل الهيئة الإدارية والقاضي وقائد الشرطة — نوع من المودة. كان يمكنني أن أعترض على الأوامر التي تلقيتها بصورة قانونية، لكن بدلًا من ذلك، قبلتها جميعًا، وعاملت المسئولين بصورة لائقة. فعلموا بذلك أنني لم أرد الإساءة إليهم بصورة شخصية، بل كنت أريد أن أقدم مقاومة مدنية ضد أوامرهم. هكذا اطمأن المسئولون، وبدلًا من مضايقتي، انتفعوا بتعاوني أنا ورفقائي في تنظيم الحشود. لكن ذلك كان برهانًا جليًّا على أن سلطتهم قد تزعزعت. تخلص الناس ساعتها من الخوف من العقاب وخضعوا لقوة الحب الذي أظهره صديقهم الجديد.

ويجب أن يتذكر القارئ أنه لم يكن هناك من يعرفني في شامباران، فقد كان جميع الفلاحين جهلاء. وكانت شامباران معزولة عن باقي أجزاء الهند نتيجة لموقعها الجغرافي في أقصى شمال نهر الجانج ومباشرة أسفل سلسلة جبال الهيمالايا قرب نيبال. ولم يكن حزب المؤتمر معروفًا تقريبًا في تلك الأجزاء من البلاد. وحتى من سمعوا عن الحزب خشوا من الانضمام إليه أو حتى ذكر اسمه. والآن دخل حزب المؤتمر وأعضاؤه تلك الأرض بوجود حقيقي، وإن لم يكن تحت اسم الحزب.

قررت بعد استشارة رفاقي ألا نقوم بأي عمل تحت اسم الحزب. لقد أردنا العمل من أجل العمل وليس من أجل السمعة، والجوهر وليس الشكل. وقد كانت الحكومة والمتحكمين فيها — أصحاب المزارع — يبغضون اسم الحزب بشدة. لقد كان الحزب في نظرهم نموذجًا يمثل نزاعات المحامين، والتهرب من القانون من خلال ثغراته، والقنابل وجرائم الفوضى، والدبلوماسية والنفاق. ولذلك كان علينا أن نصحح صورتنا لدى كل من الحكومة وأصحاب المزارع، وبناء عليه، قررنا ألا نذكر اسم الحزب وألا نخبر الفلاحين به. فلقد رأينا أن إدراكهم لروح الحزب واتباعهم لها أهم من اسم الحزب.

ونتيجة لذلك لم نرسل أي مبعوثين، سواء علانية أو خفية، بالنيابة عن الحزب للإعداد لوصولنا. كان راجكومار شوكلا عاجزًا عن الوصول إلى الآلاف من الفلاحين؛ فهم لم يشهدوا أي عمل سياسي بينهم من قبل، ولم يكونوا على دراية بما يجري في العالم خارج شامباران. ومع ذلك كله، استقبلوني وكأننا أصدقاء قدامى. لا أكون مبالغًا حين أقول إنني في الاجتماع مع الفلاحين كنت أواجه الإله والأهيمسا والحق، بل هي الحقيقة بكل موضوعية.

وعندما بحثت في سبب وصولي لذلك الإدراك، لم أجد إلا حبي للناس. ولم يكن هذا بدوره إلا تعبيرًا عن إيماني الراسخ بالأهيمسا.

لقد كان ذلك اليوم في شامباران من الأيام التي لا تنسى في حياتي، وكان يومًا سعيدًا لي وللفلاحين.

من الناحية القانونية، كان من المفترض أن أخضع للمحاكمة، لكن في الواقع كانت الحكومة هي التي تخضع للمحاكمة. وهكذا نجح المفوض في إيقاع الحكومة في الفخ الذي كان قد نصبه لي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤