إسقاط الدعوى
أرجو من عدالة المحكمة الإذن لي بأن أدلي ببيان موجز يعرض أسباب إقدامي على خطوة خطيرة مثل مخالفة الأمر الذي صدر طبقًا للمادة ١٤٤ من قانون الإجراءات الجنائية. وفي رأيي المتواضع، أجد أن ما حدث لم يكن إلا اختلافًا في وجهات النظر بيني وبين الإدارة المحلية. لقد أتيت إلى البلاد بدافع تقديم خدمات إنسانية ووطنية. وما فعلته عن أمري، بل استجابة لدعوة ملحة لكي آتي وأساعد المزارعين، الذين يشكون من سوء معاملة أصحاب مزارع النيلة لهم. ولم أكن لأستطيع تقديم أي مساعدة دون دراسة المشكلة. ولذلك أتيت لدراسة المشكلة بمساعدة الإدارة وأصحاب المزارع، إن أمكن ذلك. وأنا في ذلك لا يحركني أي دافع آخر، ولا أصدق أن حضوري يمكن أن يخل بالنظام العام ويسبب خسائر في الأرواح؛ فأنا أمتلك خبرة واسعة في مثل هذه الأمور، لكن الإدارة مع ذلك فكرت بطريقة مختلفة. أنا أقدر المشكلة التي تواجهها الإدارة، وأعترف أيضًا بأنها لا تستطيع إقامة دعوى إلا بناء على المعلومات التي تتلقاها. وبما أنني مواطن يلتزم بالقانون، تدعوني فطرتي إلى الامتثال إلى الأمر الذي تلقيته. لكن ذلك كان سيخل بإحساسي بالواجب تجاه من أتيت من أجلهم، فلا يمكنني أن أخدمهم الآن إلا عن طريق بقائي بينهم. ولذلك لم أستطع أن أتراجع طواعية. ولم أستطع في خضم تلك الصراعات إلا أن ألقي بمسئولية إبعادي عنهم على عاتق الإدارة. أنا على دراية كاملة بأن الشخص الذي يحتل مكانة في الحياة العامة الهندية مثلي، يجب أن يكون حريصًا على إعطاء المثال الجيد للآخرين. لديَّ اعتقاد راسخ أنه في ظل النظام المعقد الذي نحيا فيه، يكون التصرف الآمن والمشرف الوحيد لشخص يحترم ذاته، عندما يتعرض لظروف مماثلة لتلك التي أواجهها؛ هو أن يحذو حذوي بأن يخضع دون اعتراض لعقوبة العصيان.
ليس هدفي من إلقاء هذا البيان تخفيف عقوبتي، بل توضيح حقيقة أن مخالفتي للأمر لم تكن بسبب عدم احترامي للسلطة الشرعية، وإنما نتيجة لانصياعي للقانون الأسمى الذي يحكمنا نحن البشر، ألا وهو صوت الضمير.
لم يصبح هناك أي سبب لتأجيل القضية الآن، لكن كلًّا من القاضي وممثل الادعاء فوجئا بموقفي، فأمر القاضي بتأجيل النطق بالحكم. وفي غضون ذلك أرسلت تفاصيل ما حدث كاملة إلى الحاكم البريطاني والأصدقاء في باتنا والسيد مدان موهان مالافيا، وغيرهم.
وقبل أن أمثل أمام المحكمة لسماع الحكم، أرسل القاضي رسالة خطية تفيد أمر نائب الحاكم بإسقاط التهمة الموجهة ضدي. وكتب لي ممثل الهيئة الإدارية يخبرني بأن لي مطلق الحرية في استكمال التحقيق الذي أعتزم إجراءه وأنه يمكنني طلب أي مساعدة من المسئولين. كانت تلك النتيجة السريعة والسعيدة مفاجأة لم يتوقعها أي منا.
توجهت لزيارة مسئول الهيئة الإدارية، السيد هيكوك، الذي بدا لي رجلًا صالحًا ونصيرًا للعدالة. وقد أخبرني بأنني أستطيع الاطلاع على أي وثائق أريدها، وأنه يمكنني مقابلته متى شئت.
وهكذا شهدت البلاد أول نموذج عملي مباشر في «العصيان المدني». تم تناول الأمر بحرية على المستوى المحلي وفي الصحافة، وحصل التحقيق على دعاية غير متوقعة.
كان من الضروري لنجاح التحقيق أن تظل الحكومة محايدة، لكنه لم يكن في حاجة إلى دعم المراسلين الصحفيين أو كتابة مقالات افتتاحية في الصحف. وفي الواقع، كان الوضع في شامباران حساسًا وصعبًا للغاية، حتى إن النقد الحماسي المبالغ فيه أو التقارير العرقية قد تتسبب بلا شك في تدمير قضيتي. بناء على ذلك، بعثت برسائل إلى رؤساء تحرير الصحف الرئيسية أطلب منهم فيها ألا يرسلوا أي مراسلين لأنني سوف أرسل إليهم كل الموضوعات التي تحتاج للنشر وسأبقيهم على علم بتطورات الأحداث.
كنت أعلم أن إقرار الحكومة لوجودي في شامباران قد أثار استياء أصحاب المزارع، وكنت أعلم أن المسئولين أيضًا لم يرقهم وجودي، مع عدم قدرتهم على التصريح بذلك علانية. لذلك كان يمكن لأية تقارير خاطئة أو مضللة أن تزيد من سخطهم جميعًا. وحينها سيصبون جم غضبهم على الفلاحين المساكين والمذعورين بدلًا من أن يصبوه عليَّ، وهو ما سيعيق بحثي عن حقيقة القضية.
ومع كل هذه التدابير الوقائية، أثار أصحاب المزارع ضدي حملة عدائية، فنشرت الصحف جميع أنواع الأكاذيب عني وعن رفقائي. لكن حرصي الشديد وإصراري على الحقيقة، حتى فيما يتعلق بأدق التفاصيل، جعلا السيف الذي وضعوه على رقبتي يرتد على رقابهم.
لم يترك أصحاب المزارع سبيلًا للقدح في السيد براجكيشور إلا وسلكوه، لكن كانوا كلما قدحوا فيه زاد احترام العامة له.
رأيت أنه من غير اللائق أن أرسل في طلب الزعماء من الأقاليم الأخرى في ظل ذلك الوضع الحساس. وكان السيد مالفيا قد أرسل لي يخبرني أنه يمكنني أن أرسل في طلبه وقتما شئت، لكنني لم أرد أن أزعجه. وهكذا حُلت دون إضفاء الصبغة السياسية على الصراع. ومع ذلك كنت أحيانًا أرسل تقارير إلى الزعماء والصحف الرئيسية، ليس بغرض نشرها وإنما لمجرد إطلاعهم على مجريات الأحداث. وجدت أنه حتى عندما تكون الغاية سياسية والقضية غير سياسية، فإن الإنسان يضر بها عندما يضفي عليها الصبغة السياسية ولكنه يدعمها عندما يحافظ عليها ضمن نطاق غير سياسي. كان الصراع في شامباران دليلًا على أن الخدمة المجردة من المصالح الشخصية في أي مكان في العالم تساعد الدولة سياسيًّا في النهاية.