ذلك المشهد الرائع!
تزايدت حدة الثورة ضد تقرير لجنة رولات وحجمها من جهة، وزاد اتجاه الحكومة إلى تنفيذ توصيات اللجنة من جهة أخرى، ونُشِرَ مشروع قانون رولات. لقد حضرت فعاليات جلسات الهيئة التشريعية بالهند مرة واحدة فقط في حياتي لمناقشة مشروع القانون هذا. وقد ألقى لال بهادور شاستريجي خطابًا مثيرًا للعواطف، وجه فيه إنذارًا جادًّا إلى الحكومة. كان الحاكم البريطاني يستمع إلى الخطبة وكأنه مسحور. فقد كانت عيناه ثابتتين في اتجاه شاستريجي في حين كان شاستريجي يقدم فيضًا متقدًا من الخطابة. بدا لي في ذلك الوقت أنه لا بد للحاكم البريطاني من التأثر بتلك الخطبة لما اتسمت به من صدق وعاطفة جياشة.
لكن يمكنك أن توقظ شخصًا ما إذا كان نائمًا حقًّا، لكن لا جدوى من محاولة إيقاظ شخص يتظاهر بالنوم فحسب. كان ذلك بالضبط موقف الحكومة. فقد كانت الحكومة مهتمة فقط بالخوض في مسرحية الإجراءات القانونية الهزلية؛ فالقرار كان قد صدر بالفعل. ومن ثَمَّ ضاع أثر إنذار شاستريجي الجاد للحكومة كليًّا.
وفي ظل تلك الظروف، لم يكن خطابي إلا صرخة في فلاة. تحاورت بجدية مع الحاكم البريطاني، ووجهت له خطابات شخصية وعامة أخبرته فيها صراحة أن ما قامت به الحكومة لم يترك لي خيارًا إلا اللجوء إلى الساتياجراها. لكن ذلك كله كان دون جدوى.
لم يكن مشروع القانون قد نُشر في الجريدة الرسمية بعد. وكانت صحتي متدهورة، لكنني قررت أن أخاطر بالقيام برحلة طويلة عندما تلقيت دعوة من مدينة مدراس. كان الوهن قد أصاب صوتي في تلك الفترة، حتى إنني لم أكن قادرًا على رفعه بدرجة كافية في أثناء الاجتماعات. ولم أتخلص من عجزي عن إلقاء الخطب واقفًا في الاجتماعات. كان جسدي بأكمله ينتفض وكانت نبضات قلبي تتسارع إذا ما شرعت في الحديث واقفًا لأية مدة من الزمن.
لطالما شعرت وأنا في الجنوب بأنني في موطني. وبفضل عملي الذي أنجزته في جنوب أفريقيا شعرت بأن لي حقًّا خاصًّا على التاميليين والتيلوجيين، ولم يخيب أهل الجنوب ظني فيهم قط. كانت الدعوة موقعة من السيد كاستوري رانجا إينجار، لكنني علمت فيما بعد وأنا في طريقي إلى مدراس أن راجاجوبالاشاري هو الشخص المحرك لتلك الدعوة. ويمكن القول بأنني تعرفت إليه للمرة الأولى في تلك المناسبة. وعلى كل حال، كانت تلك هي المرة الأولى التي نتعارف فيها شخصيًّا.
كان راجاجوبالاشاري قد رحل حديثًا عن مدينة سالم ليستقر في مدراس لممارسة المحاماة بناء على الدعوة الملحة من أصدقائه من أمثال الراحل السيد كاستوري رانجا إينجار بغرض الاضطلاع بطريقة أكثر فعالية في الحياة العامة. وقد استضافنا راجاجوبالاشاري عند نزولنا بمدراس. ولم أدرك تلك الحقيقة إلا بعد أن مكثنا لديه لبضعة أيام. فنظرًا لأن المنزل كان ملكًا للسيد كاستوري رانجا إينجار، تولد لديَّ انطباع بأنه هو مضيفنا. لكن ماهديف ديساي صحح لي تلك المعلومة. وما لبث أن كَوَّنَ ماهديف علاقة قوية بالسيد راجاجوبالاشاري، الذي اختار أن يكون بعيدًا عن الأضواء باستمرار نتيجة لحيائه الفطري. لكن ماهديف نصحني ذات يوم، قائلًا: «عليك أن تكسب صداقة ذلك الرجل.»
وبالفعل كسبت صداقة راجاجوبالاشاري. فكنا نناقش يوميًّا خطط النضال، لكنني لم أكن أستطيع التفكير في أي خطة عمل أخرى غير عقد الاجتماعات العامة. كنت في حيرة من أمري بشأن اكتشاف طريقة أقدم بها العصيان المدني ضد قانون رولات إذا ما مُرِّرَ كقانون. فلا يمكن للمرء أن يخالف القانون إلا إذا أعطته الحكومة الفرصة للقيام بذلك. وإذا لم تمنحنا الحكومة تلك الفرصة، هل يمكننا مخالفة القوانين الأخرى؟ وإذا خالفنا القوانين الأخرى، فإلى أي مدى يجب أن نستمر؟ وقد كانت مثل هذه الأسئلة وغيرها هي المحور الرئيسي لمناقشاتنا.
دعا السيد كاستوري رانجا إينجار إلى عقد اجتماع مصغر للزعماء بهدف مناقشة المسألة بعناية. وكان من ضمن الزعماء البارزين الذين شاركوا في ذلك الاجتماع السيد فيجاياراغافاشاري، الذي اقترح أن أصيغ كتيبًا شاملًا عن علم الساتياجراها أجمع فيه حتى أدق التفاصيل. لكنني شعرت بأن تلك المهمة تفوق قدرتي، وأسررت له بذلك.
لقد جاءتني الفكرة ليلة أمس في صورة حلم، وتتمثل الفكرة في أن نناشد الشعب كي يقوم بإضراب عام. إن الساتياجراها هي عملية تطهير للنفس، ونضالنا نضال مقدس، ويبدو لي أنه يجب أن نبدأها بعمل يطهر الأنفس. فدع جميع أبناء الشعب الهندي يتوقفون عن العمل في ذلك اليوم ويعتبرونه يوم صيام وصلاة. لا يمكن للمسلمين أن يصوموا لما يزيد على اليوم، لذلك تقرر أن يكون الصوم لمدة أربع وعشرين ساعة. كان من الصعب أن نجزم بأن جميع الأقاليم ستستجيب لذلك الطلب، لكنني كنت واثقًا أن بومباي ومدراس وبيهار والسند. وأعتقد أنه يكفي التزام تلك المناطق بالإضراب العام على نحو سليم.
وعلى الفور وافق راجاجوبالاشاري على اقتراحي. ورحب غيره من الأصدقاء بالفكرة عندما أخبرتهم بها لاحقًا. فكتبت طلبًا موجزًا يحمل ذلك المعنى. كان من المفترض أن يكون الإضراب في يوم ٣٠ مارس/آذار ١٩١٩م، لكننا عدلنا التاريخ فيما بعد ليصبح ٦ أبريل/نيسان. ومن ثَمَّ، لم يكن لدى الشعب فترة طويلة للاستعداد قبل القيام بالإضراب. فلقد كان من الصعب مد مدة الإخطار لضرورة البدء في العمل على الفور.
لكن لا أحد يدري كيف حدث الأمر. فلقد التزم جميع شعب الهند في مشارقها وحتى مغاربها من مدن وقرى بإضراب تام في ذلك اليوم. كان ذلك المشهد الأروع بحق!