الفصل الثاني والثلاثون

يا له من أسبوع لا ينسى! (٢)

توجهت إلى مكتب المفوض السيد جريفيث. رأيت الجنود خلال السلم المؤدي إلى المكتب مدججين بالأسلحة كأنهم متأهبون للقيام بمهمة عسكرية. كان الرواق يعج بالحركة. وعند دخولي إلى الغرفة، رأيت السيد بورينج يجلس بصحبة السيد جريفيث.

وصفت للمفوض الأحداث والمشاهد التي مررت بها. فأجابني بإيجاز: «كنت أريد ألا تصل المسيرة إلى منطقة فورت حيث لا محيص من وقوع شغب. ولم أستطع إلا أن أصدر أوامري للخيالة بأن يهاجموا الحشود المتجمهرة عندما وجدت أن الناس لن يستجيبوا إلى أسلوب الحوار.»

قلت له: «لكنك كنت تعلم عواقب مثل ذلك الإجراء. لقد كانت الخيول تطأ رءوس الناس. أعتقد أنه لم يكن هناك داع لإرسال فرقة الخيالة تلك.»

أجاب السيد جريفيث: «أنت لا تستطيع الحكم على مثل هذه المسائل، فنحن على دراية أكبر منك بتأثير مبادئك على الناس. فإذا لم نبدأ باتخاذ إجراءات عنيفة، سيتفاقم الوضع ويخرج عن سيطرتنا. أؤكد لك أن الجماهير كانوا بالتأكيد سيخرجون عن سيطرتك. وكانوا سرعان ما يروق لهم مخالفة القانون، فهم لا يدركون معنى واجب الحفاظ على الأمن. لا تساورني أي شكوك حول نواياك، لكن الناس لن يفهموا تلك النوايا بل سيتبعون فطرتهم.»

فأجبته: «هنا يجب أن أختلف معك في الرأي. إن الناس ليسوا بطبيعتهم عنيفين بل مسالمين.»

وأخذنا نتجادل هكذا لمدة طويلة. أخيرًا، قال السيد جريفيث: «ماذا ستفعل إذا ما اكتشفت أن الناس لا يدركون معنى مبادئك؟»

– «سأوقف حركة العصيان المدني.»

– «ماذا تقصد بذلك؟ ألم تخبر السيد بورينج بأنك ستذهب إلى البنجاب عند إطلاق سراحك؟»

– «نعم، كنت أنوي الذهاب باستقلال أول قطار، لكن ذلك لن يكون ممكنًا اليوم.»

– «إذا ما تحليت بمزيد من الصبر، ستتأكد مما أخبرتك به. هل تعلم ما يحدث الآن في أحمد آباد؟ وما حدث في أمريتسار؟ لقد جن جنون الناس تقريبًا في كل مكان. لكنني لم أحصل على جميع الوقائع بعد فقد قُطعت أسلاك التلغراف في بعض المناطق. أظن أن مسئولية كل أعمال الشغب هذه تقع على عاتقك.»

– «أؤكد لك أنني سأتحمل مسئولية تلك الاضطرابات عن طيب نفس أينما وقعت. لكنني سأشعر بألم عميق ودهشة شديدة إذا ما اكتشفت وقوع اضطرابات في أحمد آباد. أما ما حدث في أمريتسار، فلا يمكنني الدفاع عنه. فلم أذهب إلى هناك قط، ولا أحد يعرفني بها. لكن حتى ما حدث بالبنجاب، أنا على يقين من أنه لولا منع حكومة البنجاب لي من دخول حدودها لكنت ساعدت بصورة كبيرة في حفظ الأمن هناك. فقد أثاروا الناس دون داعٍ بمنعي من الدخول إلى حدودها.»

وأخذنا نتناقش ونتناقش فقد كان من المستحيل أن نتفق. فانصرفت بعد أن أخبرته أنني أعتزم الدعوة لعقد اجتماع على شاطئ شاوباتي، ومناشدة الجماهير أن يحفظوا الأمن. عُقد الاجتماع على رمال شاطئ شاوباتي. وتحدثت بإسهاب عن واجبنا نحو اللاعنف وعن حدود الساتياجراها، وقلت: «إن الساتياجراها في جوهرها هي سلاح الصادقين. ونصير الساتياجراها يجب أن يلتزم باللاعنف، وإذا لم يلتزم الناس باللاعنف فكرًا وقولًا وفعلًا، فلن أستطيع أن أقوم بساتياجراها جماعية.»

تلقت السيدة أناسويابين هي الأخرى أنباء اندلاع أحداث شغب في أحمد آباد. وقد نشر أحدهم إشاعة تفيد اعتقالها أيضًا، فثار عمال مصانع النسيج إثر سماع أنباء اعتقالها، فأضربوا عن العمل وقاموا بأعمال عنف أدت إلى مقتل أحد الضباط.

توجهت إلى أحمد آباد. فعلمت أن هناك من حاول اقتلاع قضبان السكك الحديدية بالقرب من محطة نادياد، وأن أحد الضباط قد لقي حتفه في فيرامجام، وأن أحمد آباد أصبحت خاضعة للأحكام العرفية. فزع الناس لسماع الخبر. فقد اشتركوا في أعمال عنف وعليهم أن يدفعوا ثمن ذلك وزيادة.

كان في انتظاري ضابط شرطة بمحطة القطار ليصطحبني إلى المفوض، السيد برات، الذي وجدته محتدمًا غيظًا. تحدثت إلى المفوض برفق، وعبرت له عن أسفي لما وقع من أعمال عنف. وأخبرته بأنني لا أجد حاجة لتطبيق الأحكام العرفية، وصرحت له باستعدادي للتعاون بكل ما أملك من قدرة لإعادة الأمن. طلبت تصريحًا لعقد اجتماع عام في سابارماتي أشرام. راق الاقتراح للمفوض، وعُقِدَ الاجتماع على ما أعتقد يوم الأحد الثالث عشر من أبريل/نيسان. وقد أُلغيت الأحكام العرفية في اليوم ذاته أو في اليوم الذي تلاه. خاطبت الحضور محاولًا توضيح الخطأ الذي اقترفه الناس، وأعلنت عن صومي لمدة ثلاثة أيام تكفيرًا عما حدث، وناشدت الناس أن يلتزموا بصوم مماثل لمدة يوم. واقترحت على من اقترفوا أعمال العنف أن يعترفوا بذنبهم.

كانت مسئوليتي واضحة وضوح النهار. فلم أكن أحتمل رؤية العمال — الذين قضيت بينهم مدة كبيرة من حياتي وخدمتُهم والذين توقعت منهم التصرف بصورة أفضل — يشاركون في أعمال الشغب وشعرت بأنني مشترك معهم في الذنب.

طلبت من الناس أن يعترفوا بذنبهم، وناشدت الحكومة أن تتغاضى عن الجرائم التي ارتكبت. لكن لم يرضخ أي منهما لطلبي.

جاءني الراحل السير رامانباي وغيره من مواطني أحمد آباد وطلبوا مني تعليق أعمال الساتياجراها. لم أر حاجة لمثل ذلك الطلب لأنني كنت قد قررت تعليقها بالفعل حتى يتعلم الناس درس الحفاظ على الأمن. فرحل الأصدقاء وهم مسرورون.

ومع ذلك، لم يَرُقْ ذلك القرار لآخرين. فقد شعروا أنه من المستحيل تحقيق الساتياجراها الجماعية إذا ما توقعت الحفاظ على الأمن في كل مكان واعتبرته شرطًا لانطلاق الساتياجراها. شعرت بالأسف لاختلافي معهم في الرأي. كان من المستحيل إطلاق الساتياجراها إذا لم يلتزم باللاعنف من عملت بينهم والذين تصورت استعدادهم لانتهاج سياسة اللاعنف والمعاناة الذاتية. كانت لديَّ قناعة تامة بأن على زعماء حركة الساتياجراها أن يكونوا قادرين على السيطرة على الجماهير فيما يتعلق بحدود اللاعنف. ولا أزال أحتفظ بتلك القناعة حتى يومنا هذا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤