الفصل الثالث والثلاثون

خطأ فادح

توجهت إلى نادياد فور انتهاء اجتماع أحمد آباد. وهناك كانت المرة الأولى التي أستخدم فيها التعبير «خطأ فادح» Himalayan miscalculation الذي انتشر على نطاق واسع فيما بعد. وحتى في أحمد آباد، بدأت أستشعر خطئي بصورة ضئيلة. لكن عند وصولي إلى نادياد ومشاهدتي لما يحدث على أرض الواقع هناك وسماعي لأخبار اعتقال أعداد كبيرة من أهالي خيدا، أدركت حينها أنني قد أخطأت بطلبي من الناس في خيدا وغيرها القيام بالعصيان المدني قبل الأوان. عقدت اجتماعًا عامًّا واعترفت بخطئي، الأمر الذي جعلني محلًّا للسخرية. لكنني لم أندم قط على إدلائي بذلك الاعتراف؛ فلطالما آمنت بأن الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى تقييم نسبي وعادل لنفسه وللآخرين إلا إذا فتش عن عيوبه بعين ثاقبة ولم يركز على عيوب الآخرين. وأؤمن بأن الالتزام بهذه القاعدة بدقة وبضمير ضرورة لكل من يرغب في أن يكون نصيرًا للساتياجراها.

دعونا الآن نتعرف على ذلك «الخطأ الفادح». قبل أن يستطيع المرء ممارسة العصيان المدني عليه أن يكون ملتزمًا بقوانين الدولة طواعية وبصورة تتسم بالاحترام. فغالبًا ما نلتزم بتلك القوانين بدافع الخوف من عاقبة مخالفتها، وهو أمر فعال خاصة عند التعامل مع القوانين التي لا تتعلق بمبادئ أخلاقية. فالشخص الأمين، على سبيل المثال، لن يسرق سواء كان هناك قانون يجرم السرقة أم لا، لكن الشخص نفسه لن يشعر بالذنب إذا لم يلتزم بقاعدة تشغيل المصباح الأمامي للدراجات بعد حلول الظلام. وسيكون هناك شك حتى في تقبله للنصيحة بصدر رحب. لكنه سيلتزم بأي قانون إلزامي فيما يتعلق بتلك المسألة، ولو بدافع تجنب الإزعاج المترتب على مقاضاته لمخالفة القانون. إلا أن مثل ذلك الالتزام ليس هو الالتزام الطوعي والتلقائي المطلوب من نصير الساتياجراها. إن نصير الساتياجراها يلتزم بقوانين المجتمع بعقلانية وبإرادته الحرة لأنه يؤمن بأن ذلك الالتزام واجب مقدس. وعندما يلتزم المرء بقوانين المجتمع بتلك الدقة، حينها يمكنه أن يقرر أي القوانين عادل وأيها ظالم. وفي ذلك الوقت فقط يكتسب الحق في القيام بالعصيان المدني لقوانين بعينها في ظل ظروف محددة. ويكمن خطئي في عدم مراعاتي لذلك التقييد الضروري. فقد طلبت من الناس إعلان العصيان المدني قبل أن يكونوا مؤهلين لذلك، وقد بدا لي ذلك الخطأ بضخامة جبال الهيمالايا. وما إن وطئت قدماي أرض خيدا، حتى مرت أمامي جميع ذكريات نضال الساتياجراها فيها، واندهشت لغياب مثل ذلك الأمر الجلي عن ذهني. فقد أدركت أن على الناس استيعاب المعاني المتضمنة في العصيان المدني قبل أن يصبحوا مؤهلين للقيام به. وبناء على ذلك، من الضروري قبل الشروع في العصيان المدني بصورة جماعية تكوين مجموعة من المتطوعين الأكفاء والمخلصين الذين استوعبوا تمامًا الشروط الصارمة للساتياجراها. ويمكن لهؤلاء شرح تلك الشروط للعامة وإبقاؤهم على الطريق السديد عن طريق تمتعهم بالحذر.

وصلت إلى بومباي وتلك الأفكار تجول في خاطري، واستنفرت مجموعة من متطوعي الساتياجراها عن طريق جمعية الساتياجراها. وبمساعدتهم بدأتُ توعيةَ الناس بمعنى الساتياجراها وكنهها. وقد قمنا بذلك بصورة رئيسية بإصدار نشرات ذات طابع تثقيفي حول الموضوع.

لكنني لاحظت في أثناء ذلك العمل أن من الصعب توجيه انتباه الناس إلى الجانب السلمي من الساتياجراها. ولم يكن عدد المتطوعين بالكبير. وحتى الذين أدرجوا أسماءهم بالفعل، لم يلتزموا بالتدريب على نحو منتظم. وبمرور الأيام، أخذتْ أعداد المتطوعين الجدد في التضاؤل تدريجيًّا بدلًا من أن تزداد. وأدركت أن تقدم التدريب على العصيان المدني سيستغرق وقتًا أطول مما توقعت في بادئ الأمر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤