الفصل السادس والثلاثون

قضية الخلافة مقابل قضية حماية البقر

علينا في الوقت الحالي تنحية تلك الأحداث المؤلمة التي وقعت في البنجاب جانبًا.

كان تحقيق حزب المؤتمر حول الأعمال الوحشية التي قام بها الجنرال دايار١ في البنجاب قد بدأ عندما تلقيت دعوة لحضور مؤتمر مشترك بين الهندوس والمسلمين كان مزمعًا عقده في دلهي لمناقشة قضية الخلافة. وكان من بين الموقعين على الدعوة الراحل السيد حكيم أجمل خان والسيد أساف علي. وقد ورد في الدعوة أن الراحل السيد شراداناند جي سيحضر المؤتمر، وأذكر أنه كان نائب رئيس المؤتمر الذي كان سيعقد تقريبًا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام. كان من المقرر أن يتناول المؤتمر الوضع الناجم عن خيانة الخلافة وإذا ما كان على الهندوس والمسلمين الاشتراك في احتفالات السلام. وجاء في خطاب الدعوة أن المؤتمر سيتناول أيضًا — ضمن موضوعات أخرى — قضية حماية البقر مما سيتيح فرصة ذهبية لتسوية قضية البقر. فاقترحت في خطاب الرد على الدعوة، بعد أن وعدت ببذل كل ما في وسعي للحضور، أنه لا يجب الخلط بين القضيتين أو اعتبارهما صفقة بل يجب أن تُناقش كل قضية على حدة ووفقًا للوقائع المرتبطة بكل منها.

توجهت إلى المؤتمر وتلك الأفكار تملأ رأسي. حضر المؤتمر عدد كبير من الجمهور، لكنه لم يرق في عدده إلى المؤتمرات التي تلته والتي كان يحضرها عشرات الآلاف. ناقشت المسألة التي سبق أن أشرت إليها آنفًا مع الراحل السيد شراداناند جي الذي كان حاضرًا في المؤتمر. وقد استحسن وجهة نظري وتركني أعرضها على المؤتمر. وناقشت الأمر مع الراحل السيد حكيم. أكدت أمام المؤتمر أنه إذا كانت قضية الخلافة تستند إلى أساس عادل ومشروع، وهي الحقيقة التي أؤمن بها، وإذا كانت الحكومة قد اقترفت بالفعل أعمال ظلم فادحة؛ حينها سيكون الهندوس ملزمين بدعم المسلمين في مطالبهم المتمثلة في استعادة الخلافة الإسلامية. ومن غير اللائق إقحام قضية حماية البقر في هذا السياق أو استغلال الموقف للتوصل إلى تسوية مع المسلمين. وبالمثل، لن يكون من اللائق أن يعرض المسلمون وقف ذبح البقر مقابل دعم الهندوس لقضية الخلافة. لكن إذا ما توقف المسلمون من تلقاء أنفسهم عن ذبح البقر بدافع مراعاة مشاعر الهندوس الدينية وبدافع الإحساس بالواجب تجاههم كجيران وأبناء لنفس الوطن، فسيكون الوضع حينها مختلفًا وستُعد لفتة طيبة منهم وسيكون موقفًا لن ينساه الهندوس. ورأيت أن اتخاذهم لذلك الموقف المستقل هو واجب عليهم، وسيزيد من نبل تصرفهم. لكن إذا رأى المسلمون أن حق الجوار يملي عليهم التوقف عن ذبح البقر، فيجب أن يفعلوا ذلك سواء دعمهم الهندوس في قضية الخلافة أم لا. فقلت: «لذلك يجب أن تناقش القضيتان كل على حدة. وأيضًا مشاورات المؤتمر يجب أن تقتصر على قضية الخلافة وحدها.» لاقت حجتي استحسان الحضور، ومن ثَمَّ لم تُناقَش قضية حماية البقر في ذلك المؤتمر.

ومع ذلك، قام مولانا عبد الباري، وقال: «يجب علينا نحن المسلمين أن نتوقف عن ذبح البقر بدافع مراعاة شعور الهندوس سواء ساعدونا في قضية الخلافة أم لا لأننا أبناء وطن واحد.» وبدا لي للحظة أنهم سيضعون حلًّا للقضية حقًّا.

اقترح البعض إضافة قضية البنجاب إلى قضية الخلافة، لكنني أعرضت عن الاقتراح. وقلت إن قضية البنجاب مسألة محلية ولذا لن تؤثر على قرارنا فيما يتعلق بالمشاركة في احتفالات السلام أو عدم المشاركة. فإذا خلطنا بين القضية المحلية وقضية الخلافة التي نتجت بصورة مباشرة عن شروط السلام، سوف نكون قد ارتكبنا خطأ فادحًا. وقد اقتنع الجميع بحجتي بلا جدال.

كان مولانا حسرت موهاني حاضرًا في ذلك الاجتماع. وكانت تجمعني به معرفة سابقة، لكن في تلك المرة أدركت كم هو مناضل عظيم. اختلفنا معًا منذ البداية تقريبًا، وقد دامت الاختلافات في العديد من الموضوعات.

وكان من ضمن القرارات التي مررها ذلك المؤتمر قرار يناشد الهندوس والمسلمين أن يلتزموا بعهد الاكتفاء الذاتي، ومن ثَمَّ مقاطعة السلع الأجنبية. لم يكن قماش الخادي قد وجد طريقه إلى الصدارة بعد. لكن السيد حسرت لم يكن ليقبل بمثل ذلك القرار، فقد كان يريد أن ننتقم من الإمبراطورية إذا لم تعالج مسألة الخلافة. فتقدم باقتراح مضاد يقضي بمقاطعة السلع البريطانية وحدها قدر المستطاع. اعترضت على اقتراحه لاعتراضي على المبدأ ولاعتراضي على إمكانية تطبيق مثل ذلك الاقتراح، وقدمت براهين أصبحت الآن معروفة للجميع. وعرضت على المؤتمر وجهة نظري فيما يتعلق باللاعنف. ولاحظت أن البراهين التي أوردتها قد لاقت صدى قويًّا لدى الحضور، وكانت الجماهير قد تلقت كلمة السيد حسرت موهاني بهتافات مدوية، حتى إنني خشيت أن تذهب كلمتي مهب الريح. ولقد ألقيت كلمتي لمجرد شعوري بأن عدم عرضي لوجهة نظري أمام المؤتمر يُعد تقصيرًا في واجبي. لكنني فوجئت بأن الحضور قد تابعوا كلمتي بانتباه شديد وأن الكلمة حازت دعمًا كبيرًا من أعضاء المنصة، وأخذ المتحدثون الواحد تلو الآخر يلقون بكلمات تؤيد وجهة نظري. لقد رأى الزعماء أن مقاطعة السلع البريطانية لن تفشل في تحقيق الغاية منها فحسب، بل ستجعلهم محل سخرية؛ فلم يكن هناك أحد في المؤتمر إلا وبحوزته إحدى السلع البريطانية. بناء على ذلك، أدرك العديد من الحضور أن تبني مثل ذلك القرار الذي يعجز عن تنفيذه حتى من صوتوا لتمريره لن يعود عليهم إلا بالخسارة.

قال مولانا حسرت موهاني في كلمته: «إن مقاطعة الأقمشة الأجنبية وحدها لا تكفي، فلا أحد يعرف كم من الوقت سنحتاج حتى نستطيع صناعة قماش «بالاكتفاء الذاتي» بكميات تغطي احتياجاتنا، وكم من الوقت سنحتاج قبل أن نستطيع القيام بمقاطعة فعالة للقماش الأجنبي. نريد القيام بعمل يؤثر على بريطانيا الآن. لا مانع لدينا من القيام بالمقاطعة، لكن يجب أن نتوصل إلى إجراء أكثر شدة ويؤدي إلى نتائج أسرع.» شعرت وأنا أستمع إليه أن هناك ضرورة لاتخاذ إجراء جديد بالإضافة إلى المقاطعة. بدا لي أنه من المستحيل اللجوء إلى مقاطعة فورية للأقمشة الأجنبية في ذلك الوقت. ولم أكن أدري حينها أنه يمكننا، إذا أردنا، إنتاج كمية كافية من قماش الخادي لتغطية احتياجاتنا من الملابس، وقد اكتشفت إمكانية ذلك فيما بعد. وكنت أعرف، حتى في ذلك الوقت، أننا سنتعرض للغدر إذا اعتمدنا على المصانع وحدها لتفعيل المقاطعة. وكنت لا أزال حائرًا في ذلك المأزق عندما ختم مولانا حسرت كلمته.

كنت عاجزًا عن إيجاد الكلمات الهندية أو الأردية المناسبة. فقد كانت تلك المرة الأولى التي ألقي فيها خطبة جدلية أمام جمهور، ولا سيما جمهور مكون من مسلمي الشمال. سبق أن تحدثت أمام الرابطة الإسلامية في كلكتا، لكن ذلك لم يستغرق إلا دقائق معدودة وكان الغرض من تلك الخطبة استثارة عواطف الجماهير. أما هنا، فعلى العكس، كان عليَّ أن أشرح وجهة نظري وأوضحها لجماهير ناقدة، إن لم تكن عدائية. لكنني حينها استجمعت كل ما أوتيت من شجاعة. لم أكن أستطيع إلقاء كلمتي باللغة الأردية السليمة والدقيقة التي يستخدمها المسلمون في دلهي، لكنني كنت أنوي عرض آرائي على الحضور بما أملك من لغة هندية ركيكة. وقد نجحت بالفعل في ذلك. وقد أثبت لي ذلك الاجتماع أن اللغة الهندوستانية هي اللغة الوحيدة التي تصلح لتكون اللغة المشتركة للهند. لم أكن لأحدث ذلك التأثير على الحضور لو أنني تحدثت باللغة الإنجليزية وعلى الأرجح لم يكن مولانا حسرت ليرى حاجة لاعتراضه حينذاك. ولم أكن لأتمكن من الرد على اعتراضه بفعالية إذا ما تقدم به.

وقد أزعجني عدم قدرتي على إيجاد كلمة هندية أو أردية مناسبة للفكرة الجديدة. وفي النهاية، أطلقت على تلك الفكرة «عدم التعاون» التي استخدمتها لأول مرة في ذلك الاجتماع. بدا لي في أثناء إلقاء مولانا حسرت لكلمته أنه من غير المجدي له — إذا كان اللجوء لاستخدام السلاح مستحيلًا أو غير مرغوب فيه — التحدث عن مقاومة فعالة ضد الحكومة التي يتعاون معها في أكثر من مجال. فلاح لي أن المقاومة الحقيقية الوحيدة تكمن في عدم التعاون مع الحكومة. وهكذا توصلت للتعبير «عدم التعاون». ولم تكن لديَّ وقتها فكرة واضحة عن جميع جوانبه المتضمنة، لذلك لم أتطرق إلى التفاصيل. فقلت بسهولة:

لقد تبنى المسلمون قرارًا شديد الأهمية. وسوف يوقفون جميع أشكال التعاون مع الحكومة إذا كانت شروط السلام سلبية، وهو ما ندعو الإله ألا يحدث. ومن ثَمَّ يكون وقف التعاون حقًّا مطلقًا للشعب. ليس علينا الاحتفاظ بالألقاب والمراتب الشرفية التي منحتنا إياها الحكومة، أو أن نستمر في خدمة الحكومة. فإذا غدرت بنا الحكومة ولم تدعمنا في قضية كبيرة مثل قضية الخلافة، لن يسعنا إلا اللجوء إلى عدم التعاون. فيحق لنا عدم التعاون مع الحكومة إذا ما غدرت بنا.

مع ذلك، مرت الأشهر قبل أن تنتشر كلمة «عدم التعاون». فقد استهلكنا الوقت الحاضر في جلسات المؤتمر. وفي حقيقة الأمر، كان أملي في عدم تعرضنا للغدر هو ما دفعني لتأييد قرار عدم التعاون في حزب المؤتمر الذي اجتمع في أمريتسار في الشهر التالي.

هوامش

(١) ريجينالد إدوارد هاري دايار: جنرال في الجيش الهندي البريطاني، وهو المسئول عن مذبحة أمريتسار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤