المد المتزايد
لا أجد حاجة إلى تخصيص المزيد من الفصول لوصف تطور الخادي بصورة أكبر. وليس محل هذه الفصول ذكر تاريخ أنشطتي المتعددة بعد أن أصبحت معلنة للعامة ويجب ألا أحاول ذلك، حتى لو لم يكن هناك سبب آخر غير أن الأمر يتطلب البحث. إن الهدف من كتابة هذه الفصول هو فقط وصف كيف تجلت لي بعض الأشياء، من تلقاء نفسها، في أثناء رحلة بحثي عن الحقيقة.
أعود للحديث عن قصة حركة عدم التعاون. في حين كانت الثورة القوية لحركة الخلافة التي تزعمها الأخوان مولانا محمد علي ومولانا شوكت علي في أوجها، كنت أجري مناقشات مطولة حول الحركة مع الراحل مولانا عبد الباري وغيره من علماء الدين الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بمدى إمكانية التزام المسلمين بسياسة اللاعنف. وقد اتفقوا جميعًا في النهاية على أن الإسلام لم يُحرِّم اتباع سياسة اللاعنف. وأضافوا أنه ما داموا قد تعهدوا بانتهاج تلك السياسة فسيلتزمون بتنفيذها. وأخيرًا جرى تمرير قرار عدم التعاون في مؤتمر حركة الخلافة وتمت الموافقة عليه بعد مداولات مطولة. أذكر جيدًا كيف ظلت إحدى اللجان ذات مرة في أحمد آباد تدرس المسألة الليل بطوله. كان الشك يساور الراحل حكيم سهيب، في بداية الأمر حول مدى إمكانية تطبيق عدم التعاون السلمي، لكن ما إن زال عنه ذلك الشك، حتى دعم الحركة قلبًا وروحًا، وقدم مساعدة قيمة إلى الحركة.
ثم قدمت قرار عدم التعاون في المؤتمر السياسي بجوجرات الذي عُقد بعد ذلك بمدة وجيزة. وكان الاحتجاج الأولي الذي طرحته المعارضة هو عدم أهلية المؤتمر المحلي لاتخاذ قرار قبل أن يقره حزب المؤتمر. وردًّا على هذا الاحتجاج، ذكرت أن ذلك القيد يمكن أن ينطبق فقط على حركة متأخرة، أما عندما تكون الحركة آخذة في التقدم، لا تصبح المنظمات الفرعية مؤهلة لاتخاذ القرارات فحسب بل يكون ذلك من واجبها إن كانت تمتلك العزم والثقة. فاقترحت عدم وجود حاجة إلى تصريح عند محاولة الرقي بمكانة المنظمة الأم، شريطة أن يقوم بها المرء على مسئوليته الشخصية. هكذا ناقشنا الاقتراح وقتها، وبقدر ما اتسم النقاش بالحماسة اتسم أيضًا بمناخ من «العقلانية اللطيفة». وقد تمت الموافقة على القرار بأغلبية ساحقة. وقد أسهم كل من السيد فالابهباي والسيد عباس طيابجي إلى حد بعيد في الإقرار الناجح للقرار. وقد كان رئيس المؤتمر، السيد عباس، يميل تمامًا إلى قرار عدم التعاون.
قررت لجنة حزب المؤتمر الوطني الهندي عقد جلسة خاصة للحزب في سبتمبر/أيلول من عام ١٩٢٠م في كلكتا لمناقشة المسألة. وقد جرى الإعداد لتلك الجلسة على نطاق واسع. وقد انتخب السيد لالا لاجبات راي رئيسًا للجلسة. وتدفقت القطارات الخاصة بالحزب وبحركة الخلافة من بومباي إلى كلكتا التي عجت بحشود ضخمة من النواب والزائرين.
فبينما كنت لا أزال أصوغ المفردات الهندية والجوجراتية والأردية المناسبة لكلمة عدم التعاون، طُلب مني صياغة قرار عدم التعاون لتلك الجلسة المهمة. ولقد أغفلت كلمة «اللاعنف» في مشروع القرار الأصلي. فسلمت مشروع القرار إلى مولانا شوكت علي، الذي كان يسافر معي في المقصورة ذاتها، دون أن ألاحظ إغفالي للكلمة. ولم أكتشف الخطأ إلا في المساء. وفي الصباح، بعثت برسالة مع ماهديف تشير إلى ضرورة تصحيح الخطأ قبل إرسال مشروع القرار إلى المطبعة. لكن تولد لديَّ شعور أن مشروع القرار قد طُبع قبل تصحيح ذلك الخطأ. كان من المقرر انعقاد لجنة الرعايا في مساء ذلك اليوم، فكان عليَّ إجراء التصحيح اللازم للخطأ في نسخ مشروع القرار. ووجدت فيما بعد أنه لولا إعدادي لمشروع القرار لكنت واجهت مشكلة كبيرة.
ومع ذلك كنت في ورطة كبيرة حقًّا. كنت متحيرًا تمامًا ولا أعرف من سيدعم القرار ومن سيعترض عليه. ولم تكن لديَّ أي فكرة عن موقف السيد لالا جي. ولم أرَ إلا كتيبة مهيبة من قدامى المحاربين مجتمعين للاشتباك في كلكتا، من بينهم الدكتورة بيسانت والسيد مالفيا والسيد فيجاياراجافاشاري والسيد موتيلال وديشباندو.
لقد تقدمت بقرار عدم التعاون من أجل الحصول على تعويض لما حدث في البنجاب ولحل مشكلة الخلافة لا غير. لكن ذلك لم يرُق للسيد فيجاياراجافاشاري، الذي حاول أن يبرهن على وجهة نظره قائلًا: «إذا ما كنا سنعلن حركة عدم التعاون، فلن نقصرها على مظالم بعينها فقط؟ إن عدم تمتع البلاد بالاستقلال هو أكبر ظلم نعانيه، فيجب علينا إعلان عدم التعاون من أجل رفع ذلك الظلم وتحقيق الاستقلال.» وطالب السيد موتيلال هو الآخر بإدراج مطلب الاستقلال في القرار. تقبلت الاقتراح بسرور، وأضفت مطلب الاستقلال إلى القرار الذي تمت الموافقة عليه بعد مناقشة مرهقة وجادة، وبقدر ما، عاصفة.
كان موتيلال أول المشاركين في الحركة. ولا أزال أتذكر المحادثة اللطيفة التي جرت بيني وبينه حول القرار. اقترح موتيلال بعض التعديلات على المفردات التي اخترتها. وتولى أمر اجتذاب السيد ديشباندو إلى الحركة. وكان ديشباندو ميالًا للحركة بالفعل، لكن ساوره الشك حول قدرة الشعب على تنفيذ خطة العمل. ولم يقبل ديشباندو والسيد لالا جي الحركة تمامًا إلا في اجتماع الحزب بمدينة ناجبور.
شعرت بتردد الراحل السيد لوكامانيا كثيرًا في الجلسة الخاصة. أؤمن حتى يومنا هذا، بأنه إذا كان السيد لوكامانيا حيًّا في وقت قيام حركة التعاون، لأيدني في الحركة. وحتى إن لم يؤيدني واعترض على الحركة، لكنت احترمت معارضته واعتبرتها امتيازًا خاصًّا وخبرة يمنحني إياهما. كنا في خلاف دائم في الرأي، لكن ذلك لم يزرع بيننا أي ضغائن قط. وقد جعلني دائمًا أؤمن بأنَّ أواصر الصداقة بيننا متينة. وحتى في أثناء كتابتي لهذه الأسطر، تمر أحداث وفاته بذاكرتي بكل وضوح. كانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل عندما أبلغني باتواردهان، الذي كان يعمل معه في ذلك الوقت، خبر وفاته بالهاتف. كنت محاطًا في تلك اللحظة برفقائي. فوجدت الكلمات تجري على لساني بصورة تلقائية: «لقد رحل حصني المنيع.» كانت حركة عدم التعاون حينها في ذروتها، وكنت في حاجة ماسة لتشجيعه وأفكاره الملهمة. إن الموقف الذي كان من الممكن أن يتخذه لوكامانيا بشأن المرحلة النهائية لحركة عدم التعاون سيظل دائمًا محض افتراض، وهو افتراض عديم الجدوى. وقد أثقل الفراغ الذي خلفه موت لوكامانيا كاهل الجميع في كلكتا في ذلك الوقت. وشعر كل منا بغياب نصائحه في أوقات الأزمات التي تتعرض لها الأمة.