في الأدب الفرنسي (١)

جان بول سارتر والسينما

تساءل الكاتب الفرنسي المعروف جان بول سارتر عن الأدب ما هو؟ وماذا ينبغي أن يكون؟ ودفعه هذا التَّساؤل إلى أن يَضَع كتابًا قيِّمًا لم يظهر بعد في مُجلد، ولكنه نشر تفاريق في مجلة «العصور الحديثة»، وقد عرضنا لهذا البحث بشيء من النقد المفصل، في عدد يونيو الماضي من هذه المجلة.

والفكرة التي دار حولها هذا الكتاب القيم هي مقدار ما يكون بين الأديب وبين قُرَّائه من الاتصال من جهة، ومقدار ما ينبغي أن يحتمل الأديب من تبعة بحكم هذا الاتصال بينه وبين القُرَّاء، ومُشاركته لهم فيما يعرض من المُشكلات التي تأتلف منها الحياة الاجتماعية مهما تكن طبيعة هذه المُشكلات، ومن دون تفريق بين ما يتصل منها بالسياسة أو بالنِّظام الاجتماعي، أو بأي لون من هذه الألوان التي تؤثر في حياة الناس، والتي يجب على الأديب أن يُشارك فيها، ويحتمل نصيبه من تبعاتها، كما يجب على الأدب أن يُصورها ويصور المُشاركة فيها ويُصور الوسائل المُختلفة لتدبيرها والخروج من ضائقتها واستكشاف ما يُمكن استكشافه من الحلول لأزماتها مهما تختلف في الطبيعة والصورة والأثر.

وهذه الفكرة هي ما يُسميه جان بول سارتر التزام الأدب، وهي ليست أكثر من أنَّ الأديب يجبُ أن يعيش مع مُعاصريه فيشقى بشقائهم ويسعد بسعادتهم، ويُواجه مُشكلات الحياة كما يُواجهونها، ويُصور هذا كله في أدبه تَصويرًا دَقيقًا خصبًا مُجديًا، دون أن ينفصل عن حياة مُعاصريه، أو يعتزلهم ليعيش في برجه العاجي، وينتج في هذا البرج أدبًا لا يتصل بآلام الناس وآمالهم، وما يعرض لهم من بؤس ونعيم.

وقد استعرض جان بول سارتر في كتابه هذا تاريخ الأدب الفرنسي في عصوره المُختلفة، وبيَّن مِقدار ما كان بين الأدباء وقُرَّائهم من الصِّلات والاشتراك في احتمال التبعات على اختلاف العصور وتباين الظروف، ووصل من هذا الاستعراض إلى نتائج رائعة في تاريخ الأدب الفرنسي ليس هنا موضع الحديث عنها.

ولكنه لاحظ أن تطور الحياة الحديثة، ولا سيما في القرن التاسع عشر وفي أوائل هذا القرن، قد انتهى بالأدب إلى أن يكون لونًا من ألوان الترف يترفع عن الحياة اليومية العاملة ليعنى بألوان من هذه الحياة الفنِّية المُترفة التي لا تُتاح إلا لطبقات ضيقة من الناس.

ثم حاول أن يرسم للأديب المعاصر، ولنفسه وأصحابه بنوع خاص، برنامجًا يُحقِّقون به الاتصال بينهم وبين قُرَّائهم، ويُشاركونهم به في مواجهة ما تمتلئ به الحياة المُعاصرة من المُشكلات التي تزداد عُنفًا وتَعَقُّدًا من يوم إلى يوم.

وقد اضطره هذا إلى أن يستقصي مشكلات الحياة الاجتماعية في هذه الأيام، وينتقد المذاهب السياسية الاجتماعية التي تُحاول حل هذه المشكلات، ويختار لنفسه ولأصحابه طريقًا وسطًا بين مذهب الشيوعيين الذين يلغون حرية الفرد، ومذهب البورجوازيين الذين يُبيحون هذه الحُرِّية لفريق من الناس دون فريق.

وأراد أن يصل إلى نوع من النظام يكفل للفرد حريته كاملة، ويكفل للجماعة عدلًا شاملًا، ويكفل للأديب حُريته الكاملة في التفكير والتصوير والتعبير، دون أن يخضع لما تفرضه الأحزاب على أعضائها من قيود وأغلال تضطرهم إلى أن يفكروا ويُصوروا ويُعبروا كما يُريد نظام الحزب، لا كما تُريد حرية الفرد ولا كما تريد طبيعة الأشياء وحقائق الحياة.

وقد استعرض جان بول سارتر وسائل الاتصال بين الأديب المُنتج والجمهور المُستهلك، فلاحظ كما يُلاحظ غيره منَ الناس أن العصر الحديث قد ابتكر لهذا الاتصال وسائل لم تكن مَعْرُوفة من قبل، وأنَّ هذه الوسائل قد طغت وأسرفت في الطُّغيان على الوسائل القديمة؛ فالصحف والمَجلات أكثر اتصالًا بالجماعات وتغلغلًا بين طبقاتها من الكتب، والراديو أكثر اتصالًا بالجماعات وتغلغلًا بين طبقاتها من الصحف والمجلات فضلًا عن الكتب، والسينما أكثر دعاءً وأشدُّ استهواءً للجَمَاعات على اختلاف طبقاتها من التمثيل.

وإذن فما ينبغي للأديب الذي يُقدر الحياة الاجتماعية ويُشارك فيها، وفي احتمال تَبِعاتها أن يُهمل هذه الوسائل المُستحدثة، ويفرغ لاستخدام الوسائل القديمة التي لم تفقد قيمتها وخطرها، ولا ينتطر أنْ تفقد قيمتها وخطرها، ولكنها لا تستطيع أن تظفر من الشيوع والشمول والتغلغل في الطبقات المُختلفة المُتفاوتة بمثل ما تظفر به الوسائل المُستحدثة، فستؤلف الكُتب، وسيقرَؤها القراء، وستنشأ المسرحيات وسيشهدها النظارة، ولكنَّ الصُّحف والرَّاديو والسينما ستَكُون أكثرَ انتشارًا وأشدَّ اتصالًا بالجماعات وأعظم تغلغلًا في طبقاتها من الكتب والمسرحيات.

وقد لاحظ جان بول سارتر في شيء من الدُّعابة أنَّ مسرحية قصيرة من مسرحياته حُظِر تمثيلها في بريطانيا العُظمى، ولكنها أُذيعت في الرَّاديو البريطاني، فكانت النتيجة أنَّ الذين استمعوا لها من الإنجليز كانوا أكثر مرات كثيرة من الذين كان يمكن أن يشهدوها في ملعب التمثيل.

على أن الرقابة البريطانية قد فطنت آخر الأمر لهذه المُلاحظة، فأباحت عرض هذه القصة في المَلاعب، والمُهم هو أنَّ جان بول سارتر يُريد بلا ريب أن يُساير الحياة الحديثة، وأن يتَّصل بقُرَّائه أو بمُستهلكيه من طريق الوسائل المُختلفة التي تُستَحدث لهذا الاتصال.

وقد سلك هو هذه الطريق؛ فهو يؤلف الكُتب على اختلافها، يُؤلف الكتب التي يقصد بها إلى الخاصة ليتحدث إليهم في الفلسفة الوجودية أو في هذا الموضوع أو ذاك من موضوعات الدراسة الأدبية. ويُؤلف الكتب التي يتجه فيها إلى الجماعات الضَّخمة ليُذيع فيها ما يُريد أن يُذيعه من تصوره للمُشكلات وتصويرهِ لها ومَذهبه في حلها، يَسلك في ذلك طريق القصص الطويل والقصير.

وهو يصدر مجلته ليتجه فيها مع أعوانه إلى جماعات من القُراء قد تُؤثر الدراسات المُيسرة، التي لا تنحرف مع ذلك عن مناهج البحث الدقيق على الكتب الفلسفية الجافة وعلى القصص السهل اليسير، ثم هو بعد ذلك يُنشئ المسرحيات التي يتجه فيها إلى جماعات تُحب أن تأتيها مُتعة المعرفة والفن لا من طريق القراءة وحدها، ولكن من طريق القراءة والنظر لحركات الممثلين والاستماع لهم حين يتحاورون.

ثم هو لا يكره أن يتحدث إلى المُستمعين في الرَّدايو أو يُنشئ لهم من الآثار ما يُتلى عليهم من طريق الرَّاديو ليستمعوا له غير مُقبلين عليه كل الإقبال، ولا مُتوفرين له كل التوفر، ولا مُعرضين عنه كل الإعراض.

ولم يبقَ من هذه الوسائل المُستحدثة إلا السينما؛ فقد حاول جان بول سارتر أنْ يتَّخذ هذه الوسيلة ليتصل بالجماعات الضخمة المُتباينة في البلاد المُختلفة المتنائية في وقت واحد، وواضح جدًّا أن الكتاب والصحيفة والمجلة لا تقرؤها الجماهير مُجتمعة، وإنما يخلو فيها القارئ إلى نفسه وإلى الأديب الذي يقرأ كتابه أو مقاله في الصحيفة أو فصله في المجلة، وواضح كذلك أن المسرحية لا تُعرض في غير ملعب واحد في المدينة الواحدة، ولا يشهدها من أجل ذلك إلا جمهور من النظارة مهما يكن ضخمًا فهو محدود.

والذين يُمثلون المَسْرحية أو ينشئون أدوارها، كما يقول أصحاب التمثيل، مضطرون إذا نجحت المسرحية أن ينفقوا في تمثيلها الأشهر ليشهدها أكبر عدد ممكن من النظارة، وأن يتنقلوا بها بعد ذلك في كثير من المدن بل في كثير من البلاد؛ ليظهروا عليها أضخم عدد ممكن من الناس، وفي ذلك من الجهد والمَشقَّة والعسر ما فيه، ثم هو بعد ذلك لا يبلغ من إذاعة المسرحية ما يُريد صاحبها وما يُريد ممثلوها، وما يريد الناس أنفسهم.

أما السينما فهو يملك من وسائل التيسير ما لا تملكه الكتب ولا الصحف ولا الراديو ولا التمثيل؛ فالقصة الواحدة إذا أُعِدَّت للعرض تستطيع بعد إعدادها أن تغزو الأرض كلها في وقت واحد، وأن تشهدها جماعات النظارة في جميع أقطار الأرض كلها في غير مشقة يحتملها الكاتب أو المُخرج أو الممثل، شأنها في ذلك شأن الكتاب المطبوع، ولكنها تتحدث إلى الجماعات حين يتحدث الكتاب إلى الفرد، ثم هي تتحدث إلى الجماعات من طريق العين ومن طريق الأذن حين يتحدث الكتاب من طريق العين وحدها أو من طريق الأذن وحدها، ثم هي تستعين على الحديث من طريق العين والأذن بأشياء لا يستطيع الكتاب أن يستعين بها لأنه لا يستطيع أن يحققها؛ ففيها الحركة، وفيها اختلاف المناظر، وفيها ما تمتاز به المناظر من الرَّوعة والقدرة على التأثير المُباشر من طريق الأشياء نفسها، لا من طريق الألفاظ التي تدل عليها بالرمز الذي يُخطئ حينًا ويُصيب حينًا آخر.

وقد تصحبها الموسيقى فتستأثر بملكات النَّظارة كلها؛ فالأديبُ الذي لا يرى الأدب ترفًا ولا فُكاهة ولا تلهية، وإنما يراه جدًّا من الجد، ويراه مُشاركة في الحياة ونهوضًا بأعبائها واحتمالًا لتبعاتها، لا ينبغي له أن يُهمل السينما كما لا ينبغي له أن يُهمل أية وسيلة تُمكِّنه من أن يتصل بالجماعات ويُؤثر فيها فيوجهها إلى ما يريد أن يُوجهها إليه، ويصدها عما يُريد أن يصدها عنه، ويغريها بما يحب أن يغريها به، ويُزَهِّدها فيما يحب أن يُزَهِّدها فيه.

والأديب من بعد ذلك أو من قبل ذلك مُضطر إلى أن يَصْطنع هذه الوسائل ليحمي نفسه من الفناء وليحمي نفوس الجماعات من الفساد؛ فهذه الوسائل المُستَحدثة قد وُجِدت وأصبحت من ضروريات الحياة الحديثة؛ فليس من سبيل إلى إلغاء الصحف، ولا إلى إسكات الراديو، ولا إلى تحريم السينما، فالأديب بين اثنتين: إما أن يغزو هذه الوسائل ويتخذها أدوات لإذاعة الأدب وما يحمل إلى النفوس من خير ورُشد وإصلاح، وإما أن يُهمل هذه الوسائل فيقضي على أدبه بالتزام الحدود التي لا يتجاوزها الكتاب، ويعرِّض نفوس الجماعات لشر عظيم تحمله إليها الصحف والراديو والسينما التي ستكون أداة لقوم ليس لهم حظ من أدب، ولا من فلسفة ولا من فنٍّ ولا من فقه بالحياة ومُشكلاتها، وإنما همهم كله أن يلهوا الجماعات بما يُذيعون فيها من سخف رخيص، وأنْ يستزلوا الجماعات بما ينشرون فيها مِنْ دعوة إلى أشياء لعلها لا تلائم ذوقًا ولا منفعة ولا رقيًّا ولا ميلًا إلى الإصلاح.

والخُلاصة أنَّ الأديب إذا آمن بأنَّه فرد من الجماعة التي يعيش فيها، يُشاركها في حياتها، ويتضامن معها في النُّهوض بأعباء هذه الحياة، ويحتمل معها تَبِعات الجهاد مهما تختلف، فليس له بُدٌّ من أن يصطنع كل هذه الوسائل، قديمها وحديثها، وما يُمكن أن يُستحدث منها في مُستقبل الأيام، ليُحقق اتصاله بالجماعات، ويُحقق اتصال الجماعات به.

وكما أنَّ الأديب لا ينبغي أن يعتزل في بُرجه العاجي وأن يوحي منه إلى الجماعات كتبًا أو فصولًا لا تتصل بحياتها اتصالًا مُباشرًا، وإنَّما ينبغي أن يعيش مع الناس في الأرض، ويشتق كتبه من نفوسهم، فهو كذلك لا ينبغي أن يعتزل في بُرجه العاجي ليُوحي إلى النَّاس قصصًا تعرض عليهم في السينما، دونَ أن تكون هذه القصص مُشتقة من حياتهم، مُصورة أدقَّ تصوير وأصدقه لما يجدون من ألم ولذة، وما يحسون من أمل ويأس، وما يثور في قلوبهم من عاطفة وشعور.

فليست الحياة لهوًا ولا لعبًا، وإنَّما الحياةُ جهاد، يحتاج الناس في أثنائه إلى شيء من اللهو وفنون من التسلية؛ ليستعينوا بذلك على احتمال الحياة والمُضي في جهادهم في غير سأم أو ملل أو فتور.

وإذن فيجب أن يلتزم السينما كما يلتزم الأدب؛ أي: يجب أن يعرض السينما على النَّظارة حياتهم، وما يَمْلؤُها من المُشكلات وما يُمكن أن يُواجهوا به هذه المُشكلات من حزم وعزم، ومن رفق وأناة، ومن صبر واحتمال، ومن حيلة وتصرف، وما يُمكن أن يجدوا لهذه المُشكلات من حلول تُريحهم منها ليستقبلوا غيرها.

فحياة الناس لم تخلُ ولا يُمكن أن تخلو من المُشكلات، ولا سيما حين يكون لهؤلاء النَّاس حظٌّ من رُقي العَقل، وذكاء القلب، ودقة الحس، وقوة الضمير.

وقد حاول جان بول سارتر اصطناع السينما لإذاعة أدبه أول ما حاول بعرض قصته تلك القصيرة التي حُظِرت في بريطانيا العُظمى وأُذيعت في الرَّاديو، وهي القصة التي عنوانها: Huis Clos، والتي أستطيع أن أُسَمِّيها من «وراء السور».

فالقصة تعرضُ أمر نفر من الناس دُفعوا بعد الموت إلى الجحيم، وضرب من دونهم بسور ظاهره فيه الرَّحمة وباطنه من قبله العذاب، وليس في جحيمهم هذا الذي دُفعوا إليه نار تتلظى، ولا سعير تصهر فيه الجلود وتذاب فيه الأجسام، بل ليس فيه ألم مادي ما، وإنَّما هم مدفوعون إلى حجرة من الحجرات التي ألفوها في حياتهم الدنيا، وهم مُكرهون على أن يُقيموا في هذه الحُجرة إلى آخر الأبد، إن كان للأبد آخر.

وهم يصلون متتابعين إلى حجرتهم هذه، لا يَعرفون أنهم موتى، وإنَّما يُخيَّل إلى كل واحد منهم أنه قد أقبل على فندق من الفنادق، وقاده الخادم إلى حجرة من حجراته، فهم يتفقدون في هذه الحجرة مرافقهم التي ألفوها في الحياة الدنيا، وهم يتبينون شيئًا فشيئًا أنهم قد ماتوا، وأنهم يَلْقَون في هذه الحجرة جزاء ما قدموا بين أيديهم من الأعمال.

وليس هذا الجزاء ألمًا ماديًّا، كما قدمتُ، وإنما هو ألم معنوي يتبينون إحساسهم له شيئًا فشيئًا؛ يتبينون ذلك حين يتعرف بعضهم إلى بعض، وحين يذكر كل واحد منهم لنفسه أولًا ولرفاقه بعد ذلك، ما قدم من أعمال مُنكرة وما اقترف من آثام استحقَّ عليها العِقَابُ، ثمَّ حين يكونُ بينهم الاختلاف والتناكر، وحين يستبين كل واحد منهم أنَّه لا يستطيع أن يُعاشر رِفاقه راضيًا عن عِشرتهم، ولا يستطيع أن يُفلت من هذه المعاشرة؛ فهو مُكره إذن على معاشرة لا يُطيقها ولا يطمئن إليها، ولا يستطيع أن يخلص منها إلا إذا عكف على نفسه وأهمل طائعًا أو كارهًا من حوله من الرفاق.

وسواء أراد أو لم يرد، فهو يرى هؤلاء الرفاق ويتأذى بمنظرهم، وهو يسمعهم ويتأذى بما يسمع منهم، وهو يُحاول أن يفر منهم إلى نفسه، فلا يرى في نفسه إلا نكرًا، وهو لا يستطيع أن ينسى هذا النكر الذي يراه في نفسه؛ لأنَّ أعماله كلها تعرض عليه وآثامه كلها تمُرُّ أمامه من وراء هذه الأسوار؛ فيتحدث عنها فيُؤذيه حديثه ويُؤذي رِفاقه، ويسكت عنها فيُؤذيه سكوته ويؤذي رِفاقه؛ لأنَّ كل واحد منهم في حاجة إلى أن يشغل نفسه عن نفسه، ولأنَّ كل واحد منهم يُؤذيه أن يشغل نفسه عن نفسه، كما يُؤذيه ما يُحاول من الفراغ لنفسه والانصراف إليها عمَّن حوله من الناس.

فكل واحد منهم إذنْ إنَّما يحمل جحيمه في نفسه، وليست جهنم شيئًا مُنفصلًا عن الإنسان، وإنَّما هي شيء مُستَقِرٌّ في ضميره حيًّا وميتًا، وكل ما في الأمر أنَّ الإنسان في حياته الأولى قد يخدع ضميره، أو يخدع عن ضميره، بما يكسب من عمل، وبمن يُعاشر من الناس، وبما يَعْرِضُ له من المُشكلات التي يَشْغَله بعضها عن بعض، ومن اللذات التي قد تشغله عن آلامه وقتًا يقصر أو يطول.

فأما بعد الموت فليس يشغله عن نفسه شيء، وليس يصرفه عن آلامه وآثامه شيء، وهو يعلم حقَّ العلم أنَّه موقوف على هذه الآلام والآثام، وأنَّ هذه الآلام والآثام موقوفة عليه أبد الآباد أو أبد الآبدين.

وقد يخطر لك أنَّ هذه الفكرة الفلسفية المُجردة قد تكون في نفسها قيمة عظيمة الخطر بعيدة الأثر في نفس الذين يظهرون عليها من النَّظارة حين يشهدون التمثيل أو من القُرَّاء حين يقرءون القصة، ولكنك تسأل: كيف عُرِضت هذه الفكرة على المسرح، وعلى الشاشة البيضاء، كما يقول أصحابُ السينما؟ وهذا بالطبع حديث لا أريد أن أقف عِنده الآن، وقد أُلِمُّ به في مقال آخر حين أعرض لمسرحيات جان بول سارتر، وإنما يكفي أن تعلم أن التمثيل إنما يقوم على ما يكون بين هؤلاء النفر حين يلتقون من حوار فيه العسر واليسر، وفيه العنف واللين، وفيه الخلاف والوفاق.

وكله منتهٍ آخر الأمر إلى العجز واليأس اللذين ينتهيان بأصحابهما إلى الجُنون، إلَّا أنَّ الموتى لا يُصيبهم الجنون، فأما السينما فإنه يُصور هذا كله ويؤديه أداءً حسنًا، ولكنه يعرض مع هذا كله تلك الآلام والآثام التي اقترفها هؤلاء النَّفر في حياتهم الأولى، والتي يتحدث بها بعضهم إلى بعض في ملعب التمثيل، فلا تظهر النَّظارة عليها إلا من طريق اللفظ الذي تسمعه الأذن. فأما في السينما فيظهر النظارة عليها من طريق العين لأنها تمر أمامهم مرًّا كلما عرض لها أصحابها في الحديث.

وكأنَّ نجاح هذه القصة في السينما قد أغرى الكاتب إغراءً شديدًا بأن يعنى بالسينما من حيثُ هو سينما، فلا يُعيره قصة كُتِبت للمَلعب، وإنما يمنحه قصصًا تُكتَب له خاصة.

ومن الكُتَّاب الفرنسيين المُمتازين من حاول وما زال يُحاول هذا الفن السينمائي الخالص فيظفر بكثير من النجاح والتوفيق، والنَّاس كُلهم يذكرون رَوائع جان كوكتو ومارسيل بانيول، ولكنَّ هذين الكاتبين وغيرهما لا يتجاوزون بآثارهم محاولة التوفيق بين السينما والفن؛ فليس يعنيهم أن يُذيعوا فكرة فلسفية أو أدبية ما، وإنَّما يعنيهم أن يُمتعوا النَّظارة بالسينما كما تعودوا أن يمتعوهم بالتمثيل فأمَّا جان بول سارتر، فهو لا يكره أن يمتع النظارة ولكنه لا يكتفي بإمتاعهم، وهو لا يكره أنْ يعظ النظارة ولكنه لا يكتفي بوعْظهم، وإنَّما يُحاول فوق الإمتاع والوعظ أن يعرض عليهم مُشكلات عنيفة، بعضها يعرض للإنسان من حيث هو إنسان يُفكر في حياته ومَصيره تفكيرًا فلسفيًّا، وبعضها يعرضُ له من حيث هو إنسان يُدَبِّر حياته تدبيرًا سياسيًّا واجتماعيًّا، فيلقى في هذا كله ما يلقى من المصاعب والعقاب.

وقد كتب جان بول سارتر للسينما قصتين إلى الآن، عُرِضت إحداهما في كان ولم تُعرض على الجمهور بعد، ونُشرت الثانية في مجلة من مجلات السينما، ولست أعلمُ أنَّ المُخرجين قد هموا بإخراجها بعد.

فأما القصة التي أخرجت وعرضت بالفعل فعنوانها الفرنسي Les jeux sont faits وتستطيع أنْ تترجم هذا العنوان بهذه الكلمة العربية: «لقد تمت اللعبة»، كما تستطيع أنْ تُتَرجِمه بكلمة واحدة، وهي «هيهات». وهذا العنوان الفرنسي ليس إلا الجُملة التي ينطق بها مُحرك «الروليت» في أندية القمار قبل أن يحرك هذه الأداة، وبعد أن يضع اللاعبون ما يضعون من النقد على ما يختارون من الأرقام.

وإذا نطق صاحب الأداة بهذه الجُملة فهو إنَّما يُنَبِّه اللاعبين إلى أنَّ أحدهم لا يستطيع أن يختار رقمًا غير الرَّقم الذي اختاره، ولا يستطيع أن يستردَّ النقد الذي وضعه على هذا الرقم؛ فقد تمت اللعبة ولم يبقَ إلا أن تجري الكرة وتختار اللاعبين أو تختار من اللاعبين صاحب الرَّقم الذي أُتيح له الكسب، فإذا قُلت: تمت اللعبة، أو قُلت: هيهات، أو قُلت: سبق السيف العذل، أو قُلت: لا سبيل إلى استدراك ما فات، فقد أديت المعنى الفلسفي الذي قصد إليه الكاتب حين أنشأ قصته.

ويقول النقادُ الذين شهدوا عرض هذه القصة في مدينة كان إنها لم تظفر بشيء منَ النَّجاح، ثم يختلفون بعد ذلك في مصدر هذا الإخفاق؛ فبَعضهم يحمل تبعته على جان بول سارتر لأنَّه كلف السينما ما لا يطيق، وعرض على النَّظارة مشاهد لا يحبون أن يروها ولم يتعودوا أن يروها، وكلفهم أن يخادعوا أنفسهم خداعًا عظيمًا قوامه التحكم الخالص ليُفرقوا بين أشخاص ومشاهد لم يألفوا التفريق بينها.

وبعضهم يحمل تبعة هذا الإخفاق على المخرجين والممثلين لأنهم لم يُحسنوا الإخراج والعرض والتمثيل، ومن المُحقق أني لن أحاول القضاء بين هؤلاء المُختصمين؛ فلست من السينما في شيء، وليس السينما مني في شيء، ولكن من المحقق أيضًا أني قرأت هذه القصة التي أُذيعت في الناس تمهيدًا لعرضها عليهم، وقرأتها ثلاث مرات، فلم تزدني قراءتها إلا إعجابًا بها ورضًا عنها لا لما فيها من آراء فلسفية فحسب، ولا لما لها من قيمة أدبية فنية فحسب، ولكن لهاتين الخصلتين جميعًا ولخصلة ثالثة، وهي طريقة العرض التي يقتضيها السينما والتي تدفع الكاتب والقارئ جميعًا إلى شيء من النشاط والحركة والتنقل السريع المُفاجئ من بيئة إلى بيئة، ومن طور إلى طور، بل من عالم إلى عالم كما سترى.

وليس يعنيني أن تظفر هذه القصة بالنَّجاح على الشاشة البيضاء أو لا تظفر به، وإنَّما الذي يَعنيني أنا قبل كلِّ شيءٍ هو أنَّ هذا اللون من الكتابة القصصية يُمكن أنْ يَقصد إليه الكاتب في نفسه، سواء عُرِض على النظارة أو لم يُعْرَض، فهو في نفسه فن طريف حي خصب يستطيع أن يكون أداة قيمة جدًّا لإبلاغ ما يُريد الأدباء أن يُبلغوه إلى قُرَّائهم من طريق الكتاب، ولا عليهم بعد ذلك أن يستغله السينما فينجح في استغلاله أو يُخفق، ولا عليه ألَّا يستغله السينما أصلًا.

وقد أستطيع أن أضرب لك مثلًا مُقاربًا، فالأدب التمثيلي القديم اليوناني واللاتيني مُمتع حين تقرؤه، خالد بحكم هذا الإمتاع، وقليل منه يُمكن أن يمثل في الملاعب ويظفر برضا النَّظارة ولكن أكثره قد فقد هذه الخصلة، وأصبح مُمتعًا بقراءته ليس غير.

وقد يستطيع الممثلون المعاصرون أن يعرضوا على النظارة «أنتيجون»، أو «أوديب» أو الكنز من آثار سوفوكل، ولكني أشك أعظم الشك في أنهم يستطيعون أن يعرضوا على النظارة «فيلوكتيت» أو «إياس»، من آثار هذا الشَّاعر نفسه، وأن يظفروا بشيء من إعجاب النَّظارة المُحدثين.

وكل رجل مُثقَّف يَجِدُ المتاع كل المتاع في قراءة هاتين القصتين، بل قد حاول أندريه جيد في كثير من التوفيق أن يجدد قصة «فيلوكتيت»، كما جدَّد قصة «أوديب»، وكما جدد كُتَّاب آخرون قصصًا أخرى لسوفوكل وغيره من القدماء، فالكُتَّاب الذين يستعيرون من السينما طريقته في العرض والحركة والتنقل السريع يجددون في الأدب تجديدًا خطيرًا، ويفتحون للأدباء آفاقًا واسعة سواء وفق المخرجون أم لم يُوفقوا في إخراج ما يكتبون.

والذين قرءوا «طريق الحرية»، أو ما ظهر من «طريق الحرية»، لجان بول سارتر، يُلاحظون أنه لم يصل إلى هذا اللون من الفن فجاءة ولا عن إرادة وتعمد، وإنما وصل إليه شيئًا فشيئًا من طريق التطور الفني الرفيق، تأثر في ذلك ببعض الكتاب الأمريكيين، وتأثر فيه بالسينما، وتأثر فيه بالحياة الحديثة نفسها.

فهو في طريق الحرية قاصٌّ، ولكنه لا يقص أحداثه كما تعود الكُتَّاب أن يفعلوا، وإنما هو أمام أشخاص كثيرين جدًّا مختلفين أشد الاختلاف، يعيشون في أقطار مُتنائية متباعدة، وتحدث لكل واحد منهم ألوان مُختلفة من الأحداث، كلها مُتأثر بذلك الروع الذي ملأ الأرض قُبيل الحرب العالمية الثانية.

وهو يُلقي إليك أطرافًا من هذه الأحداث في شيء يُشبه أن يكون فوضى، ولكنه قد نُظِّم أدق تنظيم وأمتنه، فهو يحدثك عن رجل مروع في هذه المدينة من مدن تشيكوسلوفاكيا، ثم يثب بك إلى مدينة ميونيخ حيث الاستعداد للقاء هتلر وتشمبرلين، ثم أنت في باريس في نادٍ من أندية اللهو، ثم أنت في باريس في غرفة خاصة حيث يتناجى عاشقان.

وهو كذلك يتنقل بك في أقطار أوروبا، ورُبَّما نقلك إلى إفريقية، ورُبما عبر بك البحر بين مراكش وفرنسا، وأنت لا تستقر في مكان من هذه الأماكن إلا ريثما ينقلك منه إلى مكان آخر.

ولكنه على كل حال مُغرق في هذا الروع الذي ملأ الأرض قبيل الحرب، مفكر في الحرب، مُستحضر لها ولأهوالها، شاهد لآياتها وبوادرها، مُتأثر بعد ذلك بما لكل قصة من هذه القصص الكثيرة المُختلفة المُختلطة من عبرة تتصل بالسياسة أو بالخلق أو بالفلسفة أو بنظام الاجتماع.

فهو لا يقص عليك الأحداث، وإنما يعرضها عليك عرضًا، قد استعار للكتابة فن السينما في العرض، فأتقن الكتابة والعرض جميعًا، بحيث يُمكن أن يعرض هذان الجزءان اللذان ظهرا من كتابه عرضًا سينمائيًّا في غير مشقة ولا عناء.

فلا غرابة إذن في أن يستقبل الكتابة الأدبية الفلسفية للسينما، ولا غرابة كذلك في أن يجد الفنيون مشقة في الإخراج، ويجد النَّظارة عُسرًا في الفهم والاستمتاع.

والقصة التي نحن بإزائها، تعتمد على شخصين اثنين، هما البطلان، ومن حولهما أشخاص كثيرون، لكل منهم مكانه وأثره، وهذان الشخصان رجلٌ وامرأةٌ، فأمَّا الرَّجل فهو بيير دومين وهو عامل مُمتاز بين زُملائه، قد أسس مع جماعة من رِفاقه جماعة الحرية التي تنظم مُقاومة الطاغية منذ أعوام، وهي تستعد للثورة من غد، وأمَّا المَرْأة فهي إيف شارلييه، وهي بالطبع جميلة رائعة الجمال، غنية واسعة الغنى، تشغل مع زوجها في الطبقة الممتازة مكانًا رفيعًا.

فإذا بدأت القصة، فإيف هذه مريضةٌ تراها في سريرها مكدودة، وقد أقبل زوجُها مُترفقًا، فدنا منها وتبين أنها لم تحس مقدمه لأنها مغرقة في النوم، ثم يعرض عليك منظر غرفة حقيرة في بيت متواضع، وقد اجتمع رؤساء العمال حول رئيسهم بيير، وقرروا بعد مُناقشة أن تبدأ الثورة من غد.

ثم نترك هذه الغرفة، ونرى بيير في الشارع يركب دراجته، ويدنو منه غلام يعتذر من بعض الخطأ، ونفهم أنه قد وشى بالجماعة إلى الشرطة بعد أن عذبته الشرطة عذابًا شديدًا، ونفهم كذلك أن بيير لا يُريد أن يعفو عنه، وإنما يزدريه أشد الازدراء، فيمتلئ قلب الفتى حفيظة وموجدة وخزيًا.

ثم نرى بيير قد وصل إلى مكان خارج المدينة حيث تعمل طوائف من العمال والفتى يتبعه، حتى إذا بلغ قريبًا من أصحابه أطلق الفتى عليه مسدسه فخر صريعًا، وأقبل العمال من كل صوب حين سمعوا انطلاق المسدس.

ثم نعود إلى الغرفة التي تمرض فيها إيف، فنرى زوجها قد انحنى ينظر في وجهها، حتى إذا استيقن أنَّها نائمة استخرج من جيبه زجاجة صغيرة وصب منها قطرات في قدح من الماء وُضِع إلى جانب السرير، ثم انسل إلى الصالون حيث كانت تنتظره لوست أخت امرأته، وهي فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، مشفقة أشد الإشفاق على أختها، فلا تكاد تسأله عن حالها حتى يهيئها للنبأ الخطير، والفتاة جزعة أشد الجزع، ولكن الرَّجل يُهدِّئ من روعها في رفق، ونفهم أنه يتملقها ويُريد أن يُخيِّل إليها شيئًا يُشبِه الحب.

ثم نعود إلى خارج المدينة فنرى بيير صريعًا قد أحاط به العمال، وقد أقبلت فرقة من الجُند فالعمال يتحرشون بها، ويريدون أن يرجموها بالحجارة، والجُند يتهيأون لإطلاق النار، ثم نعود إلى الغرفة التي تمرض فيها إيف فنراها قد أفاقت من نومها وأخذت الكأس وشربت ما فيها، ثم نهضت متثاقلة فسعت إلى الصالون ودعت زوجها، ثم عادت إلى سريرها وجعلت تحذر زوجها في صوت خافت مُتهالك من أن يعرض لأختها بشرٍّ، وتنبئه بأنها ستبرأ وستحمي أختها منه، وبأنه لم يتزوجها إلا رغبة في ثروتها، وبأنه الآن يطمع في ثروة أختها، وزوجها يسمع لها غير حافل ولا مُكترث، ثم لا تلبث أن تموت.

ونعود إلى خارج المدينة فنرى العمال مُزدحمين حول الصريع يتأهبون لرشق الجند بما في أيديهم من حجارة وحديد، ويأبون أن يُفسحوا لهم الطريق، والجند يريدون إطلاق النار، ولكن بيير ينهض من مصرعه ويتخطى جثته التي لا تزال في مكانها، وينصح للعمال بأن يتفرقوا ملحًّا عليهم أشد الإلحاح، ولكنَّ أحدًا من العمال لا يسمع صوته ولا يرى شخصه، فإذا استيأس منهم رفع كتفيه ومضى لوجهه.

ونعود إلى غُرفة المريضة التي صرعها الموت، فنراها قد نهضت وجعلت تسعى من الغرفة حتى تبلغ الصالون، فترى أختها الفتاة مُنتحبة قد وضعت رأسها على كتف الزَّوج الذي جعل يهدئها ويُواسيها مُتلطفًا مُترفقًا مُتحببًا أيضًا، وهي تقف أمامهما فلا يريانها وتتحدث إليهما فلا يَسمعانها، حتى إذا استيأست منهما تركتهما ومضت نحو الباب، فتلقى الخادم في طريقها فتتحدث إليها، ولكنَّ الخادم لا تراها ولا تسمعها، وهي تمر أمام المرآة فتنظر إليها، ولكنَّ المرآة لا ترد إليها صورتها، وهي تنظر فترى المرآة ترد صورة الخادم ولا ترد صورتها هي، فتنطلق.

ونحن في الشارع نرى حركة الناس وازدحامهم واضطرابهم فيما يضطربون فيه، ونرى في الوقت نفسه بيير يسعى في بعض الطريق وإيف تسعى في بعض الطريق أيضًا، وكلاهما يرى الناس ويسمع منهم، ويُحاول أن يعرض لهم فلا يراه أحد، وأن يتحدث إليهم فلا يسمع منه أحد.

وكلاهما يمضي في طريقه يسأل عن شارع بعينه؛ لأنه على موعد في هذا الشارع، ولكنه يسأل في غير طائل؛ فالناس لا يرونه ولا يسمعونه ولا يُجيبونه، وكلاهما يسعى مع ذلك حتى يصل إلى زقاق ضيق غريب قد كتب عليه اسم الشارع الذي يسأل عنه، وكلاهما يدخل في هذا الزقاق، فإذا جماعة من الناس قد وقفت أمام باب مغلق في أقصى الزقاق، وهذا الباب يُفتح بين حين وآخر فيدخل منه أحد هؤلاء الناس، ثم يُغلق حينًا ثم يُفتح ليدخل منه شخص آخر.

ويلاحظ بيير وإيف أنَّهما يريان هؤلاء النَّاس ويسمعان منهم، وأنَّ هؤلاء الناس يرونهما ويسمعون منهما، والباب يُفتح فيدخل بيير، وإذا هو في حُجرة ضيقة يمضي فيها حتى يبلغ أقصاها، فإذا سيدة نصف قد جلست أمام مائدة وعلى المائدة دفتر ضخم.

فإذا انتهى بيير إلى هذه السيدة سألها في أدب: أهي تنتظره؟ فتنبئه السيدة بأنها تنتظره، ثم تنبئه باسمه وتاريخ مولده، ولا يكاد يدهش لذلك حتى تنبئه بأنه قد مات مَقتولًا، ثم تَطْلُب منه إمضاءه على الدفتر، فإذا فعل أذنت له في الانطلاق، ولكنْ على أنْ يخرج من باب غير الباب الذي دخل منه؛ فإذا سألها: إلى أين أذهب؟ وماذا يجب أن أعمل؟ أنبأته بأنَّ الموتى أحرار يذهبون إلى حيث يشاءون ويعملون ما يشاءون.

وتجري القصة نفسها لإيف بعد حين، فتعلم من السيدة أنها قد ماتت مَسمومة، وتمضي على الدفتر، وتمضي حرة تذهب إلى حيث تشاء وتعمل ما تشاء لأنَّ الموتى أحرار بعد أن يُوقعوا بأسمائهم في سِجِلِّ الأموات.

ولست أقص عليك تفصيل ما يعرض لهذين الميتين بعد خروجهما من هذه الحُجرة وانطلاقهما في المدينة يريان الأحياء ويَسمعانهم، ولكنَّ الأحياء لا يرونهما، ويلقيان الموتى فنونًا وأشكالًا، منهم المُحدثون ومنهم الذين بَعُدَ عهدهم بالموت.

وهما يستطيعان أن يتحدثا إلى الموتى، وأنْ يسمعا منهم، وأن يتندَّرا معهم بالأحياء وما يعملون، لا أقص عليك ما يعرض لهما من خطوب، فذلك شيء يطول، وإنَّما أُسَجِّل شيئين اثنين؛ أحدهما: أنَّ بيير يَذهب مع دليل له من الموتى إلى قصر الطاغية، فيدخل القصر وينسَلُّ إلى غرفة الطاغية، فيراه مُتبذلًا مُتهيئًا لاتخاذ ثيابه الرَّسمية، ويتناول طعامه ومن حوله موتى كثيرون، كلهم مُبغض له سَاخِطٌ عليه يُريد أن يُصيبه بالمكروه، ولكنَّه لا يبلغ مما يُريد شيئًا لأنَّ الموتى لا يبلغون مما يريدون شيئًا.

وقد أنبأهم بيير بأنَّ الطاغية سيموتُ من غد حين تشب الثورة التي دبَّرها، والموتى لا يُصَدِّقونه، ولكنَّه يُلِحُّ حتى يُوشك أنْ يقنع بعضهم بصدق ما يقول، ولكنَّ رئيس الشرطة يدخل فيُنبئ الطاغية بأنَّ زعيم الثورة قد قُتِل، ويغضب الطاغية لذلك غَضبًا شديدًا؛ فهو قد كان أعد للثورة جيشًا ضخمًا، وقرر أن يسحقها سحقًا وأن يريح نفسه منها عشر سنين على الأقل.

وإذن فقد استيقن بيير بأنَّ الثورة ستُسحق، وأنَّ الطاغية لن يُفاجأ، والموتى يَضحكون منه ويُحاولون تعزيته، ولكنه يمضي مُغضبًا لا يلوي على شيء، حتى يبلغ الغُرفة التي كان يأتمر فيها مع أصحابه، فيراهم ويسمعهم، ويعلم أنَّ مصرعه قد بلغهم، ويُحاول أن يتحدث إليهم ليردهم عن الثورة، ويحملهم على تأجيلها، ولكنهم لا يرونه ولا يسمعون منه، فينصرف عنهم يائسًا مُستيقنًا بوقوع الكارثة من غد.

هذا أحد الأمرين، أما الأمر الثاني: فهو أن بيير يلقى إيف فينظر إليها ويدنو منها ويكون بينه وبينها حديث ثم شيء يُشبه الأُلفة، وهما يذهبان معًا إلى إحدى الحدائق، وإلى نادٍ من أندية اللهو في هذه الحديقة تغشاه الطبقة المُمتازة من أصحاب إيف، وهما يريان ويسمعان، ولكنَّ أحدًا لا يراهما ولا يسمعهما، وقد استحالت أُلفتهما إلى تعاطف، ثم إلى شيء يُشبه الحبَّ، وهما يتراقصان، ولكنهما لا يجدان لذة الرَّقص لأنَّ الموتى لا يجدون لذة لشيء.

وكلاهما يودُّ لو بذل نفسه ثمنًا للحظة قصيرة ينفقها مع صاحبه كما ينفق الأحياء أوقاتهم حين يكون بينهم الحب، ولكن كليهما يحس كأنه مدعو إلى موعد، فينطلقان حتى يبلغا تلك السيدة التي تسجل الموتى، فتنبئهما بأنَّها كانت تنتظرهما، وبأنَّها قد علمت أنَّ كليهما يظن أن قد غلط به في الحياة، وأن كلًّا منهما قد خُلق لصاحبه، وأنَّ المادة الأربعين بعد المائة من القانون تقضي في مثل هذه الحال بتصحيح الخطأ ورد الحياة إليهما أربعًا وعشرين ساعة.

فإذا استطاعا أن يستأنف كل منهما حياة قوامها الحب الصحيح مُدَّت لهما أسباب الحياة، وإلا عادا إلى الموت، وهما يزعمان لهذه السيدة أن قد غلط بهما وأن كلًّا منهما قد خُلق لصاحبه فتُرد إليهما الحياة، ويودعان الموتى الذين يتمنون لهما الخير، ومنهم من يُكلفهما بعض الأعمال في عالم الدنيا.

ثم نعود إلى خارج المدينة؛ فإذا جُثة بيير في مكانها، وإذ العمال من حولها يتأهبون لرشق الجُند بالحجارة، والجُند يتهيأون لإطلاق النار، فقد حدثت كل هذه الأحداث على كثرتها في لحظة قصيرة؛ لأنَّ الزمن لا حساب له بالقياس إلى الموتى، وقد جلس بيير بعد أن رُدَّت إليه الحياة، وتحدث إلى العمال فاستيقن أنَّهم يرونه ويسمعونه، وآية ذلك أنهم أطاعوه وتفرقوا، ولكنه ينهض في شيء من ذهول ويعمد إلى درَّاجته فيركبها ويعود إلى المدينة، وقد أرسل العمال من ورائه أحدهم ليتبعه ويُعينه إنِ احتاج إلى شيء من عون.

ونعود إلى الغرفة التي ماتت فيها إيف، فنراها على سريرها وقد جثت أختها مُنتحبة إلى جانب السرير، ولكن إيف تتحرك ثم تتكلم ثم تنهض، وقد حدثت كل هذه الأحداث في أقصر لحظة مُمكنة؛ لأنَّ الزمن لا قيمة له بالقياس إلى الموتى، وقد ابتهجت أختها الفتاة حين رأتها تفيق، وسقط في يد الزوج فخرج يلتمس لها الطبيب، وجعلت إيف تتحدث إلى أُختها مُحذِّرة لها من هذا الزوج الخَائن الذي يخدعها ليظفر بثروتها، والفتاة تدافع عن هذا الزوج لأنها لم ترَ منه إلا خيرًا.

ونحن أمام الدار التي تسكنها وهي دار أنيقة فخمة، قد أقبل عليها بيير، حتى إذا بلغها نزل عن درَّاجته ودَخَل وسأل البوَّاب عن الطابق الذي تسكنه إيف شارلييه، فيدله عليه مُزدريًا له، ويأمره بأن يرقى إليه من سلم الخدم، ثم نرى الخادم قد أقبلت تنبئ سَيِّدتها بمكان هذا العامل، وبأنَّه يُريد أن يلقاها، وبأنَّه ينتظر في المطبخ.

فتذكر إيف كل ما حدث لها أثناء الموت وتأذن لبيير، فإذا أقبل راعه ما في هذه الدار من ترف لم يرَ مثله قط، وهو على كل حال يلقى صاحبته ويتحدث إليها ويدعوها إلى أنْ تُرافقه، وهي تتردد شيئًا، ثم تذكر ما زعمت لمُسجلة الموتى، فتهم أن تخرج، ولكن الزوج يُقْبِل، فيراهما وقد ظهر تفوقه على امرأته، فقد رآها في غرفتها مع رجل غريب من غير طبقتها، ورأى بينهما صلات لا تكون إلا بين العاشقين، فهو يريد أن يطردها، ولكنها تخرج مع رفيقها وفي نفسها شيء من حب، وفي نفسها كثير من حسرة وخوف على أختها.

وهما يستأنفان في الشارع كل ما حدث لهما أثناء الموت، فيسعيان إلى الحديقة، وإلى النادي، ويريان أصحاب إيف ويسمعانهم، ولكنَّ أصحاب إيف يرونهما هذه المرة ويُنكرون مكانهما ويسخرون منهما، وهما يشقيان بذلك شقاءً مُختلفًا مصدره استخذاء المرأة من رفيقها العامل الوضيع أمام هذه الطبقة الممتازة، واستخذاء الرجل من ضعة هيئته، ومما بينه وبين صاحبته من الفرق الهائل في الطبقة وفي الفقر والغنى.

ولكنهما كليهما حريصان مع ذلك على أن يستأنفا حياة قوامها الحُبُّ؛ فقد أعطيا بذلك عهدًا في دار الموتى؛ فهما يُعرضان عن كل ما يلقاهما من المصاعب، وهما يتراقصان في نفس المكان الذي تراقصا فيه ميتين، ولكنهما يجدان لذة الرقص في هذه المرة، ويكادان ينعمان بهذه اللذة لولا هذه البيئة التي تُنَغِّص عليهما كل شيء.

وقد وقع الشرُّ بين بيير وبين رَجُلٍ من هذه البيئة، وأقبل جندي يُريد أن يعنف بيير، فتُظهر إيف بطاقتها للجندي، ويعلم بيير لأول مرة أن زوجها يشغل منصبًا خطيرًا في الشرطة؛ فينصرف عنها هاربًا، ألم ينفق حياته كلها في مُقاومة هذه الشرطة والكيد لها؟

فالنظام الاجتماعي كله، والنظام السياسي كله، والنظام الاقتصادي كله، يحول بينه وبين هذه المرأة التي زعمت أنَّها خُلقت له، والتي زعم أنَّه خُلق لها، ولكن إيف تُدركه وما تزال به حتى ترده إلى بعض الهدوء، ثم يتعاونان على إنفاذ ما أوصاهما به بعض الموتى فيُقرب ذلك بينهما شيئًا ما، ثم يذهبان إلى دار بيير ويفترقان حين يبلغانها، يُريد بيير أن تستأنس صاحبته إلى هذه الدار وحدها من جهة، وأن يسرع إلى أصحابه فينبههم إلى الخطر الذي ينتظرهم من جهة أخرى، فأمَّا هي فتصعد إلى الغرفة التي يعيش فيها بيير، وتجد شيئًا من الحرج في الاطمئنان إليها والاستقرار فيها، ولكنها مع ذلك تُذعن لما ليس منه بُدٌّ فتأخذ في إصلاح الغرفة.

وأمَّا هو فيذهب إلى أصحابه، فإذا لقيهم أنكروه أشدَّ الإنكار، لأنَّهم عرفوا دخوله دار هذا الموظف الكبير من موظفي الشرطة وخروجه مع امرأته، ثُمَّ لم يكتفوا بالشك فيه، وإنما اتهموه بالتجسس عليهم بأنه قد أفضى بأمرهم كله إلى حكومة الطاغية.

وقد انصرف عنهم يائسًا منهم، وعاد إلى صاحبته حزينًا كئيبًا؛ فهي تواسيه وتُسليه وترفق به وتذكره الحبَّ وما أعطيا من عهد وما ضرب لهما من موعد سينتهي إذا كان الغد، وبينما هما كذلك إذ يأتي أحدُ العُمَّال فينبئ بيير بأنَّ أصحابه قد ائتمروا به ليقتلوه، ويُحثه على الهرب بأنَّهم قادمون لإنفاذ ما أزمعوا، والعامل ينصرف وبيير يُنبئ صاحبته بأنَّه مقتول بعد حين ويأبى الهرب، وهذه أقدام يسمع وقعها، وإذا العاشقان يعتنقان والبابُ يطرق ثم يطرق، ثم ينصرف الطارقون فلا يشك العَاشقان في أنَّ النصر قد كُتب لحبهما، وفي أنَّ الموت قد صُرف عنهما لينعما بهذا الحب السعيد.

فإذا أصبحا من الغد فهما راضيان بعض الرضا لا كله، لا يشك أحدهما في أنَّه يُحِبُّ صاحبه، ولكن بيير يذكر الثورة التي ستُسحَق بعد حين وأصحابه الذين سيُمحَقون مَحقًا، ويُريد أن يبذل آخر جهد لينقذ الثورة من الإخفاق، وينقذ أصحابه من الموت، وإيف تذكر أختها التي تُوشك أن تكون فريسة لهذا الرجل الذي لا يُحبُّها وإنما يُحب ثروتها، وهي تُريد أن تبذل آخر جهد ممكن لإنقاذها.

وهما مع ذلك يحاولان أن يستمسكا بالحب والحياة، ولكنهما يفترقان على أن يلتقيا بعد ساعة قبل أن يحين الموعد الذي ضُرِبَ لهما في دار الموتى.

فأمَّا هي فلا تكاد تدخل دارها حتى ترى أختها وزوجها قد جلسا إلى طعامهما جلسة لا تخلو من رِيبة، فتُخرج المسدس وتأمرهما ألا يتحركا حتى تقص على أختها خيانة زوجها، ثم تأمرها بأنْ تستخرج من مكتب زوجها رَسائل الحُبِّ التي تُثبت خيانته.

وأما بيير فقد ذهب إلى أصحابه في نفس ذلك الوقت، وقد اجتمع إليهم زُعماء العمال، وقد أخذ أصحابه ينكرونه، وأخذ هو يدافع عن نفسه حتى اطمأنت إليه الجماعة بعد لأي وهمت أن تؤجل الثورة، ولكنَّ الثورة قد بدأت في مواضع كثيرة، وهم يتداولون فيما ينبغي أن يتخذوا من قرار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وقد دنا الموعدُ الذي ضُرِبَ لبيير وصاحبته في دار الموتى؛ فهو يُسرع إلى التليفون لينبئ صاحبتَه بأنَّه لا يستطيع فراق زملائه، وهو يُحاورها حوارًا شديدًا في التليفون نسمعه نحن، والوقت يمضي ويمضي، وقد أقبل الجند فحاصروا المُجتمعين، وتُطلق رصاصة فيخرُّ لها بيير صريعًا والجُند يقتحمون الدارَ ويقهرون من فيها.

ثم نرى بيير يتخطى جثته ويمضي لا يراه أحد ولا يسمعه أحد، ثم نراه بعد ذلك وقد لقي إيف ميتين، وكلاهما يتحدث إلى صاحبه كأنَّهما قد خدعا عن أنفسهما وعنِ الحب، وبأنَّ التجربة قد أخفقت، وبأنَّهما قد عادا إلى الموت؛ لأنَّ بيير لم يتمنَّ الحياة إلا لينقذ الثورة وأصحابه، ولأنَّ إيف لم تتمنَّ الحياة إلا لتنقذ أختها من زوجها الخائن الأثيم.

وقد أخفقا جميعًا، فلم يستطع بيير أن ينقذ الثورة ولم تستطع إيف أن تنقذ أختها، ويلقاهما أحد المُوتى فيسألهما دهشًا: ألم تنجحا فيما حاولتما؟ فيُجبيه بيير: كلا يا سيدي، لقد تمت اللعبة، فليس لأحد اللاعبين أن يختار، ويلقاهما مع ذلك ميتان آخران فتى وفتاة يُخيَّل إليهما أن كلًّا منهما قد خُلِق لصاحبه، وأنه قد غلط بهما في الحياة الأولى، وأنهما يستطيعان إن أُتيح لهما الانتفاع بالمادة الأربعين بعد المائة أن يستأنفا حياة سعيدة قوامها الحبُّ، فيُشير عليهما بيير وإيف بأنْ يُحاولا، فمن يدري لعلهما أن يظفرا بما لم يُتح لهما الظفر به.

وكذلك تنتهي هذه القصة التي لم أرسُم لك منها إلا أيسر ما فيها، وهي على ذلك تُصَوِّر لك ما قصد إليه جان بول سارتر من عرض هذه الظروف القاسية المَحتومة التي يفرضها النِّظام الاجتماعي والسياسي، والتي تُفرق بين الناس تفريقًا محتومًا لا سبيل إلى التخلص منه، إلا إذا تغير النظام السياسي والاجتماعي، وزالت هذه الفروق التي تجعل من الناس أقوياء وضعفاء وفقراء وأغنياء، لا سبيل إلى أن يلتقوا ولا إلى أن ينعموا بالحياة ما دامت قائمة.

فهم يجدون المُساواة إذا ماتوا ويَطمحون إليها مُخلصين ويودون لو رُدُّوا إلى الحياة ليحققوها، ولكنهم لا يستطيعون تحقيقها إذا ردوا إلى الحياة؛ لأنَّ اليد الواحدة لا تستطيع التصفيق، ولأنَّ النِّظام السياسي والاجتماعي لا تُغَيِّره إرادة أو فرد أو أفراد، وإنما تغيره إرادة إجماعية لا تتحقق إلا بالتطور، ومن يدري! لعل التطور لا يكفي لتحقيقها، ولعلها تحتاج لشيء أشد عنفًا من التطور وهو الثورة.

وليس هنا مَوضِعُ الحديث عَمَّا يُمكن أن يكون بين هذا التفكير الفلسفي، وبين الفلسفة الوجودية من تقارُب أو تباعد، وإنَّما الشيء الذي ليس فيه شك هو أنَّ هذا النحو من التفكير مُلائم لما أشرت إليه آنفًا من رأي الكاتب في بحثه عن الصلة بين الأديب وبين الجماعات؛ فجان بول سارتر يُريد أن يجعل المساواة بين الناس حقيقة واقعة تُريدها الجماعة كلها ولا يُريدها لأفراد متفرقين، وأحسبك توافقني على أنه قد صور من ذلك ما أراد تصويره، فبلغ من هذا التصوير ما أحب.

أما القصة الثانية فعنوانها «الأنوف المُستعارة» وهي تدور بالفعل حول أنوف مُستعارة يخفي بها أصحابها أنوفهم التي ركبها الله في وجوههم. والقصة فُكاهة، ولكنها فُكاهة مُرَّة تُضحك ولكن من حماقة الإنسان وسخفه وضعفه وتعلقه بالمنافع العاجلة، وانقياده للوهم، واستسلامه للسلطان وإن كان ضعيفًا لا يعتمد على قوة تسنده أو تجعله مصدرًا للخوف.

فأنت حين تبدأ القصةَ في دِهليز من دَهاليز القصر المَلكي في مورافيا، وهذا الدِّهليزُ قذر مُهمل قد ضَربت عليه العنكبوت بنسجها، ورجلٌ قائم على سُلَّم يُحاول أن يرد إلى سقف الدهليز وجدرانه نظافتها ويُزيل عنها نسج العنكبوت، ثم تعرض عليك صورة أخرى ترى فيها حجرة العرش، وقد اجتمعت فيها حاشية الملك ووجوه الدولة وفي مَوقدها نارٌ ضئيلة تخمد شيئًا فشيئًا.

ولكنك تُلاحِظُ على كل من ترى في القصر من رجال ونساء ومن سادة وخدم أنَّهم يحملون في وجوههم أنوفًا ضخمة مُسرفة في الضَّخامة تجعل هذه الوجوه قبيحة مُضحكة.

ثم يُقْبِلُ المَلك والمَلكة فتنهض الحاشِيَةُ، ويُحاول الملك أن يجلس على عرشه فإذا هو مضطرب لا يثبت قد قصرت بعض قوائمه، فيضطر بعض الحُجَّاب إلى أن يتموا هذه القوائم القصيرة بقطع من الخشب يزجونها بينها وبين الأرض، حتى إذا ثبت عرش الملك واستطاع أن يجلس جرت القصة نفسها لعرش الملكة.

وقد أخذ الملك يتحدث إلى وجوه دولته، فيُعلن إليهم أن ابنه الأمير أندريه سيقترن بالأميرة أجات بنت ملك القوقاز، وأن هذه الأميرة في طريقها الآن إلى عاصمة مورافيا ومعها حاشيتها وتتبعها عربات ضخمة قد مُلئت ذهبًا، وستمتلئ خَزَائنُ مورافيا، وسيجْعَلُ الله لهذه الدولة الضخمة الفقيرة يُسرًا بعد عُسر وغنى بعد فقر وفرجًا بعد حرج. ثم يُشير الملك إلى صورة مُغَطَّاة قد عُلقت إلى أحد الجُدران فيرفع عنها غطاؤها، وتظهر الأميرة من ورائه رائعة الجمال، بارِعَة الحُسنِ ليس فيها إلا عيبٌ واحدٌ وهو أنَّ أنفها طبيعي جميل، فإذا نبه الملك إلى ذلك دعا رسام القصر فأمره بأن يُصلح هذا الأنف؛ فيُقبِل الرسام على الصورة يُضَخِّم أنفها ويُفخمه ويسبغ عليه من القبح ما تمتاز به الأنوف في مملكة مورافيا.

هنالك يرضى الملك ورجال الدولة عن الصورة، ويدعى الأمير الشاب ليراها، فإذا أقبل نظر إلى الصورة في تكره واشمئزاز ثم انصرف عنها مُعرضًا يُظهر الإذعان للقضاء المَحتوم أكثر مما يُظهر الشوق إلى خطبه التي شغفت قلبه حبًّا.

وفي أثناء هذا كَلِّه يُلاحظ المَلِكُ أنَّ خدم القصر قد تركوا أعمالهم وأبوا أن يَستجيبوا له إذا دعا، فإذا سأل عن ذلك أنبأه وزيرُ العمل بأنَّ خَدَمَ القَصر قد قرروا الإضْرَاب إذا تمت الساعة الحادية عشرة؛ لأنَّهم لم يقبضوا أجورهم منذ ستة أشهر، وقد حاولت الحكومة إقناعهم بأنَّ زواج الأمير سيملأ الخزائن ذهبًا وسيقبضون رواتبهم ومكافآت أخرى، ولكنهم لم يحفلوا بهذه الوعود.

هنالك يُعلن الملك أن لا بد مما ليس منه بد، وأن رجال القصر كلهم ومعهم وجوه الدولة يجبُ أن يتناوبوا فيما بينهم أعمال الخدم، ثم ينهض الملك نفسه فيُقدِّم الأُسوة الصَّالحة ويأخذ في ترتيب الحُجرة، ويضطر وجوه الدَّولة إلى أن يصنعوا صنيعه، فهم ينقلون الأثاث القديم الموروث ليضعوا مكانه أثاثًا جديدًا أنيقًا قد استعاره الملك من أعضاء حاشيته.

ورُبَّما كانَ من المُضْحِكِ أنْ نُلاحِظَ أن الملك في أثناء حديثه إلى وجوه دولته يرى سيدة تصطك أسنانها من البرد، فإذا نهاها عن ذلك حاولت أن تملك نفسها ولكنها لا تستطيع، فيأمرها الملك بالخروج ويمضي في حديثه، ولكنه يسمع أسنانًا أخرى تصطك فيَهمُّ أن يغضب، ولكنه ينظر فإذا الملِكة هي التي تصطك أسنانها من البرد؛ هنالك يأذن بالنهوض وضرب الأرض بالأرجل طلبًا لبعض الدفء، وكذلك ينهض هو وتنهض معه حاشيته ويأخذون في طرق الأرض بأرجلهم، حتى إذا ظفروا ببعض الدفء، عادوا إلى مقاعدهم ومضى الملك في حديثه.

ثم يعرض علينا المطبخ، وقد أخذ رجال ونساء من وجوه الدولة يعملون فيه، يُهيئون الوليمة التي ستُدعى إليها الأميرة إذا كان المساء، وهم يختصمون فيما بينهم خصومات مضحكة تدل كلها على أنهم مُحنقون من هذا العمل الذي اضطروا إليه والذي لا يُحبونه، ولا يحسنونه، ولا يعملونه في قصورهم، وإنما هو فقر الدولة قد اضطرهم إلى هذا الهوان؛ لأنَّ هذا الزواج سيجلب للدولة مالًا كثيرًا فيعُود أمرها إلى اليُسر والثراء، ولكنهم على ذلك قد ضاقوا بالملك وابنه وبهذه الحياةِ المُنكرة التي تفرض عليهم وعلى الشعب.

فهذه الأنوف الضخمة الفخمة البشعة، إنَّما فرض عليهم وعلى الشعب كله حَمْلها؛ لأنَّ الأَمِير قد وُلد كبير الأنف بشعه، فأراد الملك ألَّا يحس الأمير أنه منفرد بهذه البشاعة ممتاز بهذا القبح، فشرع قانونًا يفرض على الشعب كله أن يتخذ الأنوف الضخام، ومضى الشعب على هذه السُّنة المُنكرة حتى ألفها وحتى أصبحت الأنوف الطبيعية عورة يجبُ أن تُستر، وحتى تهالك الناس على التماس هذه الأنوف الطبيعية، يختلسون النظر إليها خفية ومن وراء الحُجُب، ويتحدثون عن أماكن اللهو التي يُمكن أن يغشوها وأن ينفقوا فيها النفقات الضخمة ليروا أنفًا طبيعيًّا جميلًا، وليستطيعوا مسه، فأما تقبيله فشيء لا يُتاح إلا للذين ينفقون في سبيله أضخم النفقات.

وللملك أخ ضيق بهذه الحياة، طامع في العَرْش، يُدَبِّر ثورة يخلع بها أخاه ويطرد بها ابن أخيه، ويرقى بها إلى المُلك، ويزيل عن الناس أنوفهم هذه المُستعارة، ويبيح لأنوفهم الطبيعية أن تظهر للهواء والنور وتستمتع بحريتها كاملة، وهو يتحدث في المطبخ إلى أعوانه من وجوه الدَّولة بما دبر من هذه الثورة، فيقرونه على خطته، ويتفقون على إفساد خطة الملك، ومنع زواج ابنه، وعلى أن وسيلتهم إلى ذلك ستكون إفساد الوليمة أولًا، فسيُقدَّم إلى المدعوين أقبح طعام وأردؤه، وستكون الخدمة مُنكرة مُخالفة للمراسم والتقاليد، وسيتعمدون حين يَدُورون بالصِّحاف والشراب على المدعوين أن يُسيئوا الخدمة، فيصُبُّوا النبيذ والمرق على ثيابهم الجميلة وعلى أكتاف السيدات العارية، ثم سيفسدون على الضيف نومهم، فيضعون الضفادع في الأَسِرَّة، حتى إذا كان الغد واحتشدَ الأشرافُ والشَّعبُ لإمضاء عقد الزواج صدرت إشارة، فألقى كلُّ إنسانٍ أنفه الصناعي، وأظهر الأشراف جميعًا أنوفهم الطبيعية وأُعلِنت الثورة، ورأى الأمير أنه وحده صاحب الأنف الضخم القبيح.

وهم يتفقون على هذا كله، وقد استمع الأميرُ لبعضه أثناء مروره أمامَ المطبخ فابتهج له؛ لأنَّه كاره لهذا الزواج، يُريد ألا يتم.

ثم يعرض علينا مقدم الأميرة، وقد خرج الملك لاستقبالها في بعض الطريق، فلم يكد يتلقاها ويتحدث إليها، ويظهر لها صورة الأمير حتى تُراع الفتاة حين ترى هذا الأنف، وحين تعلم أن الأنوف كلها في مورافيا على هذا النَّحو من البشاعة، ويزدادُ جزَعُها حين يعرض عليها الملك أنفًا صناعيًّا تُخفي به أنفها الصغير الجميل، وهي تثور وتمتنع وتُحاول أن ترفض هذا الزواج، ولكن وزير أبيها يذكرها بأنَّه الزواج أو الدير، فتُذعنُ كارهة، وتضع أنفها الصناعي كما يضَعُ رجالُ حاشيتها ووصائفها أنوفهم الصناعية.

وتصلُ إلى القصر وهي تتمنى ألا يتم هذا الزواج بشرط ألا تكون هي مصدر هذا الإخفاق حتى لا تضطر إلى الدير، وقد احتاط أبوها الملك واحتاطت معه دولة القوقاز لهذا النكر الذي ستدفع إليه الفتاة، فألحق بحاشيتها ضابط رشيق وسيم ليَكون في خدمتها وليُعزيها عن حياتها تلك المُنكرة. وقد أخذ هذا الضابط يتقرب إليها، وأخذت هي تطمئن إلى دعابته، ولكنها رُبَّما فكرت في أن تهرب مع هذا الضابط إلى حيث يعيشان عيشة الحب والسعادة بعيدين عن هذه الأنوف الكبار.

وقد بلغت الأميرةُ القصر واستقبلها الأميرُ استقبالًا فاترًا مُتكلفًا، أنكر أنفها، وأنكرت أنفه، وتمنى كلاهما ألا يتم هذا الزواج، ثم كانت الوليمة، وأقبل الخدَم وهم من وجوه الدولة، فقدَّموا أردأ طَعامٍ وخدموا أسوأ خدمة، وهمَّ بعضُهم أن يَصُبَّ النبيذ على الأميرة فيتقيه الأمير بيده، وهمَّ آخر أن يُميل قنديله ليسقط على كتف الأميرة الشمع المُذاب، فيضع الأمير يده على كتفها ليتلقى هذا الشمع، وتذعر الأميرة لذلك فتلطمه، ويُوشك الأمر أن يفسد لولا أنَّ الوزير يرمق الفتاة فتذكر الدير، ولولا أن المرضع تمس الأمير فيذكر حاجة الدولة إلى المال.

وتمضي السهرة على شر حال، وتمُرُّ الأميرةُ بالمطبخ مُستخفية حين يتقدم الليلُ، فتسمع الأشراف وهم يتخذون قراراتهم الأخيرة لإتمام الثورة، فتبتهج بهذه القرارات، وتنضم إلى المؤتمرين؛ لأنَّها لا تُريد أن يتم الزواج، ولأنَّها لن تحتمل تبعة الإخفاق إذا كانت الثورة.

ولكن وزير أبيها مُختبئ كما كانت مختبئة، وهو يسمع لما سمعت له ويندس بين المؤتمرين، حتى إذا أجمعوا أمرهم أعلن إليهم أنَّه مكلف أن يزوج الأميرة من وارث العرش في مورافيا كائنًا من يكون، فإما أن يقبل أخو الملك، أن يتخذ الأميرة لنفسه زوجًا، وإما أن يفضح هذه الثورة قبل وقوعها.

هنالك يتقدم أخو الملك مُعلنًا اغتباطه بهذا الزوج، ويسقط في يد الأميرة، فهي بين اثنتين: إمَّا أن تتزوج الأمير الشاب وأنفه الكبير، وإما أن تتزوج الأمير الشيخ وسِنُّه التي تُشرف به على الهرم والفناء؛ فإن لم تقبل هذا ولا ذاك، فهو الدير، وهي مقتنعة بأن ليس لها بُدٌّ من الهرب، فهي تأمر الضابط بأن يُهيئ لها وسائل الفرار، والضابطُ كاره لذلك، فهو لم يُرسَل ليحتمل تبعات الحُبِّ الحُر، وإنما أُرسل ليكون خليلًا لولية العهد، ثم خليلًا للمَلِكَة حين يرقى زوجها الأمير إلى العرش.

ولكنه مع ذلك يُظهر الطاعة ويُسرع إلى الوزير فيظهره على جلية الأمر، ويطلب إليه أن يحتاط لمنعهما من الهرب، وقد خلت الأميرة إلى نَفْسِها آخر الليل في غرفة من غرفات القصر، ولم تكد تدخل هذه الغُرفة حتى رأت جماعة من التماثيل قد وُضِعت لها أنوف ضخام، وهي ثائرة فتضرب أنوف هذه التماثيل حتى تسقط وتنزع أنفها الصناعي وتمعن في البكاء.

ويمر الأميرُ فيسمع نحيبها فيدخل الغرفة، ولا يكادُ ينظر إلى الفتاة ويرى أنفها الطبيعي الصغير الجميل، حتى يأخذه دهش، وإذا هو ينزع أنفه المُستعار، وترى الفتاة فيه شابًّا أنيقًا وسيمًا، وهو يَعطف على الأميرة عطفًا لا حدَّ له، فقد عرف أنها مثله قد ابتُليت بأنف صغير، وأنَّها تُخفي هذه الآفة بأنفها الصناعي، فهو يُحبها لأنها شريكته في هذه المحنة، فأنوف الناس كُلهم كبار إلا أنفه هو، وهو من أجل ذلك مضطر إلى أن يتخذ هذا الأنف الصناعي ليُخفي به عاهته.

وتحاول الأميرة أن تقنعه بأنَّ أنوف الناس كلهم صغار ولكنه لا يقتنع، والمُهمُّ هو أنه أحبها لأنَّ لها أنفًا صغيرًا كأنفه الذي كان يخفيه، وهي تُحبُّه لأن له أنفًا طبيعيًّا كأنوف غيره من الناس، ويُقْبِل الضابط وقد هيأ للهرب كل شيء، ولكنَّها تُعلن إليه أنها لن تقبل.

ثم نرى الجمع قد احتشد من غد لإمضاء عقد الزواج، ونرى عرش الملك مضطربًا كما رأيناه من قبل، ونراه يسند بقطع الخشب، ونرى المائدة التي سيمضي عليها العَقدُ مضطربة قد قصرت قوائمها، فما تزال تُسنَد بقطع الخشب والمُجلدات الضخام حتى تستقر وقد ارتفعت فلم يحتج الملك أن يجلس ليمضي العقد، وإنما هو يمضيه قائمًا مُتطاولًا.

ثم تصدر الإشارة التي اتُّفِق عليها فتُلقى الأنوف الصناعية كلها ويظهر الناس بأنوفهم الطبيعية الصغار، ويطلب أخو الملك إلى الأمير الشاب أنْ يعتزل ولاية العهد؛ فما ينبغي لملك مورافيا أن يكون مُشوه الخلق، وما ينبغي أن يملك على هذه الأرض من أكره الشعب في سبيله عشرين عامًا على حمل هذه الأنوف المُستعارة البشعة.

هنالك يلقي الأمير أنفه الصِّناعي ويظهر كما خلقه الله شابًّا وسيمًا جميل الأنف، فيضطرب الناس ويَميلون إليه، ولكنَّ أخا الملك يُعلن أنَّ هذا الفتى ليس ولي العهد؛ فقد وُلد ولي العهد كبير الأنف، وأثبت الأطباء ذلك وصدر القانون بحمل الأنوف الكبار من أجل ذلك.

والملك نفسه دهش فهو يعلم أن ابنه وُلد كبير الأنف، ولكنَّ المُرضع تعلن الحقيقة، وهي أنَّ ابن المَلك قد مات بعد ولادته بأشهر قليلة، وأنَّ أُمَّه المَلكة التي ماتت مُنذ عشر سنين قد اتخذت مكان ابنها طفلًا صغيرًا، واتخذت له هذا الأنف الصناعي، فعلت ذلك كله حبًّا للملك وإشفاقًا عليه أن تنتقل ولاية العهد من ذُرِّيته، فيُورِثه ذلك حزنًا عظيمًا، وقد نهضت الأميرة فألقت أنفها الصناعي، وأعلنت أنَّها لن تتزوج إلا هذا الفتى، وأنها إن صرفت عنه فستؤثر الدير.

هنالك يتجه الملك إلى الشعب والأشراف سائلًا: ماذا تُريدون؟ أتريدون ملكًا من الأسرة المالكة، أم تريدون ذهب القوقاز؟ فيتلقى الجواب الإجماعي بأنَّ الشعب يُريد مال القوقاز، ويُعلن الملك أنَّه تبنى هذا الفتى؛ فأصبح أميرًا شرعيًّا وليًّا للعهد.

وكذلك تنتهي هذه القصة، وقد عرضت عليك خُلاصتها موجزة، ولم أعرض عليك شيئًا من خصائصها الفنية التي تتصل بالإخراج والعرض، وتُلائم السينما بوجه عام، وقد رأيتُ ما في هذه القصة من مغزى سياسي واجتماعي وخلقي، ورأيتُ أنَّ جان بول سارتر قد استطاع أن يُذيع في القِصَّة الأولى من طريق الجد آراء فلسفية هي بعينها التي تؤلف فيها الكتب وتكتب فيها الفُصول وتنشأ فيها المسرحيات، واستطاع في القصة الثانية أن يُذيع من طريق الفُكاهة آراء فلسفية ليست أقل خطرًا من الآراء التي أذاعها في القصة الأولى من طريق الجد؛ فجد السينما وهزله كجد التمثيل وهزله، وكجد الكتاب والمقالة وهزلهما يُمكن أن يكونا وسيلة من وسائل التصوير والتعبير التي تحقق الصِّلة المُنتجة المُجدية بين الجماعة وبين الأديب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤