خاتمة: الدروس المُستفادة
أثناء بحثنا لكتابة هذا الكتاب، تعلَّمنا بعض الدروس التي تستحقُّ التلخيص هنا.
الدرس الأول: التفكير الحوسبي إضافة وليس بديلًا
يعتقد الجميع أن طرُق التفكير (والممارسة) الخاصة بمجالهم قيِّمة وتستحقُّ التعلُّم في العديد من المجالات الأخرى. ويرغب المتحمِّسون في نشر سجل النجاح في مجالاتٍ أخرى. قائمة أنواع «التفكير» التي ستُنشَر طويلة: ومنها التفكير الحوسبي، والتفكير المنطقي، والتفكير الاقتصادي، والتفكير النظامي، والتفكير الفيزيائي، والتفكير الرياضي، والتفكير الهندسي، والتفكير التصميمي، وغيرها.
استنتاجنا هو أن التفكير الحوسبي غالبًا ما يكون إضافة مرحَّبًا بها في المجالات الأخرى، ولكنه ليس بديلًا لأساليب التفكير الخاصة بهذه المجالات، وليس مهارةً عُليا تصلح في جميع المجالات.
الدرس الثاني: التفكير الحوسبي موضوع قديم ومُتفرع خضع لدراسة مُستفيضة
ذاعَ صيت مصطلح «التفكير الحوسبي» بعد أن أدرجته المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم في دعوة للتمويل في عام ٢٠٠٧. بالنسبة إلى العديد من الناس، كانت هذه هي المرة الأولى التي يسمعون فيها آراءً حول قيمة الحوسبة في التعليم. وبدا وقتها أن التفكير الحوسبي اختراع جديد، وإنجاز يُبشِّر بثورة في التعليم من مرحلة رياض الأطفال إلى مرحلة التعليم الثانوي. ولكن الحقيقة هي أن البشر كانوا يُمارسون التفكير الحوسبي منذ أكثر من ٤٥٠٠ عام. وقد رُشح للتعليم ما قبل الجامعي منذ ستينيات القرن العشرين.
حاول بعض أوائل مُصمِّمي مناهج التفكير الحوسبي للمراحل من رياض الأطفال وحتى مرحلة التعليم الثانوي إنشاء «دليل معرفي» للتفكير الحوسبي من الصفر دون أن يكونوا على دراية بالتاريخ الطويل للتفكير الحوسبي، بما في ذلك المحاولات المُماثلة لإدخال الحوسبة إلى المدارس. ومن ثَمَّ، ارتكبوا، عن غير قصد، بعض الأخطاء المفاهيمية في ادعاءاتهم حول قدرات التفكير الحوسبي وطبيعته. ونحن قلقون لأن التوقُّعات المبالَغ فيها والمشاكل المفاهيمية يمكن بسهولة أن تُصبح جزءًا من فولكلور التفكير الحوسبي، وقد يستغرق الأمر سنواتٍ للتخلُّص منها. ولذا نُحِثُّ معلمي الحوسبة على الرجوع إلى الدليل الضخم الموجود بالفعل من أبحاث تعليم الحوسبة للقيام بهذا الأمر على أكمل وجه.
الدرس الثالث: سرعة أجهزة الكمبيوتر هي المُحرك الرئيسي لثورة الحوسبة
معظم ما تفعله البرامج لنا يُصبح ممكنًا بسبب تفاوت السرعة غير المفهوم بين أجهزة الكمبيوتر والبشر؛ فأجهزة الكمبيوتر أسرع من البشر بمليارات إلى تريليونات المرَّات. وعلى الرغم من أن البشر يُمكنهم تنفيذ خطوات الحوسبة، فلن يتمكنوا من تنفيذ معظم هذه العمليات الحوسبيَّة في فترة حياتهم. ومن ثَم يمكن للآلات أن تفعل ما هو مُستحيل حرفيًّا بالنسبة إلى البشر. ومع أن البشر يُمكنهم تنفيذ الخوارزميات الخاصة ببعض مهام معالجة المعلومات، فإن ثورات عصر الكمبيوتر لا تدور حول ما يمكن للناس تنفيذُه من الخوارزميات في فترة حياتهم، ولكنها تدور حول ما يمكن للكمبيوتر القيام به بالنيابة عن الناس.
الدرس الرابع: التفكير الحوسبي المُتقدِّم يعتمد على المجال
في حالة المهام المُتقدمة، أنت تحتاج إلى فهم المجال الذي تريد أن تعرِف فيه كيف تجعل الكمبيوتر يقوم بمهمةٍ ما نيابةً عنك. على سبيل المثال: فإن مبرمجًا خبيرًا لا يعرِف شيئًا عن فيزياء الكَم سيكون لدَيه القليل ليُقدمه إلى فريقٍ من علماء الفيزياء الذين يعملون على كمبيوتر كَمي. وبالمثل، فإن العمل مع خوارزميات الطبيعة المُعقَّدة في علم الأحياء يتطلَّب فهمًا كبيرًا للعمليات البيولوجية. وتتطلَّب النماذج الخوارزمية في الكيمياء درايةً عميقة بالعمليات الكيميائية المناظِرة. ويتطلَّب إنشاء نظام معلومات لأي مُستشفًى فهمًا واسعًا للعمليات المؤسسية والمعلوماتية ولمجالات العمل في سياق المُستشفى. ومن ثَمَّ، فإن الكثير من التفكير الحوسبي المُتقدِّم مُحدد بالسياق ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بمجال التطبيق.
الدرس الخامس: التفكير الحوسبي غيَّر أدوات العِلم وأساليبه ونظرياته المعرفية
لقد عزَّز التفكير الحوسبي حدوث ثورة في العلوم. فقد وجد العلماء في جميع المجالات أن التفكير الحوسبي هو أسلوب جديد لممارسة العلوم، مختلف عن الأساليب الكلاسيكية القائمة على النظرية والتجريب. وتوصَّلوا إلى هذا الاكتشاف في ثمانينيات القرن العشرين عندما بدءوا في استخدام أجهزة الكمبيوتر الفائقة للتصدِّي ﻟ «التحديات الكبرى». وكان هذا تحولًا كبيرًا في النموذج مهَّد الطريق أمام العديد من الاكتشافات العلمية الجديدة. وطوَّر كلُّ مجالٍ نوعَه الخاص من التفكير الحوسبي الذي لم يُستجلَب من علوم الكمبيوتر. وأُثري التفكير الحوسبي في علوم الكمبيوتر من خلال تعاونه مع العلوم الحوسبيَّة.
الدرس السادس: الوجه المعروف للتفكير الحوسبي هو التفكير الحوسبي الأساسي
يُوصَف التفكير الحوسبي لأغراض المناهج الدراسية من مرحلة رياض الأطفال وحتى مرحلة التعليم الثانوي بأنه مجموعة من مفاهيم البرمجة وقواعدها. ولكن الكثير من المُحترفين يرَون التفكير الحوسبي على أنه مهارة تصميم، ويرى العديد من علماء الطبيعة أنه طريقة مُتقدمة للتفسير العلمي. ومثل جميع المهارات، يُمكنك أن تكون مبتدئًا، أو مبتدئًا متقدمًا، أو كفئًا، أو مُتمكنًا، أو خبيرًا، أو محترفًا. ويبدو أن العديد من النقاشات حول ماهية التفكير الحوسبي «الحقيقي» لا تستطيع التمييز بين المستويات المختلفة لمهارات التفكير الحوسبي. على سبيل المثال: يدافع المعلِّمون من مرحلة رياض الأطفال إلى مرحلة التعليم الثانوي عن مناهج التفكير الحوسبي التي تستهدف بشكلٍ أساسيٍّ المبتدِئين، وتحتوي على مجموعة صغيرة قابلة للتدريس من الأفكار والممارسات والمهارات المتعلقة بالتفكير الحوسبي. ويرى آخرون التفكير الحوسبي على أنه مهارات مُتقدمة ومحترفة تتطلَّب سنواتٍ عديدة من الممارسة والخبرة. إن الفشل في التمييز يؤدي إلى الصراعات؛ على سبيل المثال: فإن الضجَّة حول كيف يُتيح تعلم البرمجة مساراتٍ وظيفية جديدة صامتة حول ما يفعله مصممو الحوسبة المُحترفون. وجهود التعليم مهمة على جميع المستويات من مرحلة التعليم ما قبل الجامعي وحتى التعليم الجامعي وما بعده.
الدرس السابع: التفكير الحوسبي للمُبتدِئين والتفكير الحوسبي للمحترفين يُشكِّلان معًا نسيجًا غنيًّا من التفكير الحوسبي
طوَّر التربويون في قطاع المدارس من مرحلة رياض الأطفال وحتى مرحلة التعليم الثانوي «تفكيرًا حوسبيًّا للمبتدئين»؛ أي أفكارًا وأساليب لتدريس الحوسبة للمبتدئين. وطوَّر مُصمِّمو نظم البرمجيات المحترفون والعلماء «تفكيرًا حوسبيًّا للمحترفين»؛ أي أساليب متقدمة لتصميم وإنشاء برامج مُعقَّدة تعمل بشكلٍ موثوق به وآمِن، ولإجراء دراساتٍ علمية. وقد شجَّع التضافُر بين هذَين الجانبَين من التفكير الحوسبي على ثورة الكمبيوتر.
الدرس الثامن: التغيير جزء لا يتجزأ من التفكير الحوسبي
لم يكن هناك قطُّ إجماع حول ماهية التفكير الحوسبي «الحقيقي». وربما لن يكون هناك إجماع كامل على ذلك. ففي كل عَقدٍ في التاريخ الحديث للحوسبة، كانت هناك إجابات مختلفة عن جوهر التفكير الحوسبي. إن التقدُّم في الحوسبة يحافظ على التفكير الحوسبي في حالة تغيُّرٍ مُستمر. ويجب أن نعتبر عدم وجود تعريفٍ ثابت دليلًا على حيوية المجال بدلًا من أن نعتبِره فشلًا من جانبنا في فهم حقيقة أبدية.