الفصل العاشر

إزميرالدا تلتقي فيبس ثانيةً

أشرقت الشمس، وأخذ الناس يتجولون جيئة وذهابًا مستمتعين بالربيع في باريس. أخذت مجموعة من الشابات النبيلات الجميلات يضحكن في منزل السيدة ألويز الجميل الموجود بالجانب الآخر من كاتدرائية نوتردام. كانت فلور دي ليس، ابنة السيدة ألويز، تقهقه مع صديقاتها.

جلست السيدة ألويز في كرسي مخملي، وبجانبها شاب طويل. كان القائد فيبس الذي أنقذ إزميرالدا منذ شهور طويلة.

كانت السيدة ألويز بين الحين والآخر تتحدث مع القائد فيبس، ثم تنظر إلى ابنتها، وتقول شيئًا من قبيل: «انظر كيف تحسن التطريز.»

ويكون رد القائد: «نعم، بالتأكيد.»

سألت السيدة ألويز القائد: «هل رأيت فتاة على القدر نفسه من جمال خطيبتك؟ إنها كالبجعة في جمالها، أليست كذلك؟»

فجاء رده تلك المرة أيضًا: «نعم، بالتأكيد»، بالرغم من أنه لم يكن يفكر في فلور دي ليس.

دفعته السيدة ألويز تجاه فلور دي ليس، وهي تقول: «هيا اذهب وتحدث معها! لقد دام صمتك طويلًا اليوم.»

توجه فيبس إليها وقال: «عما يعبر ذلك النسيج الذي تطرزينه، يا فلور دي ليس؟»

أجابت: «كهف جميل في إيطاليا يُعرف باسم كهف نبتون. هذه المرة الثالثة التي تسألني فيها هذا السؤال.»

قال: «آه!»

كان فيبس يعلم أنه من المفترض أن ينحني ويهمس بكلمات حب في أذنها، لكن لم يكن بباله أي شيء آخر يمكنه قوله.

رفعت فلور دي ليس عينيها الزرقاوين الجميلتين لتنظر إليه، وقالت: «هل «آه» هي كل ما يمكنك قوله لي؟»

لم يعلم فيبس ما كان عليه فعله بالضبط بعد ذلك، فوقف وقال بصوت أشبه بالصياح: «يا له من تطريز رائع!»

بدأت الفتيات تتحدثن في الحال عن تطريزهن، وكل منهن تحاول جذب القائد فيبس للتحدث معها. رفعت إحداهن نظرها، ونظرت من الشباك، وقالت: «هناك فتاة ترقص وتعزف الرقّ في الميدان.»

قالت فلور دي ليس، وهي تعود إلى ما كانت تحيكه: «أظن أنها غجرية.»

تزاحمت الفتيات الأخريات مندفعات نحو النافذة. واستراح فيبس بابتعادهن عنه. كان يعلم أن السيدة ألويز ترغب في تزويجه ابنتها، لكن كانت هناك فتيات أخريات في باله.

قالت فلور دي ليس: «أيها القائد فيبس، ألم تقص علينا من قبل مغامرتك العظيمة في إنقاذ إحدى الفتيات الغجريات؟ أليس من الممكن أن تكون هي نفسها تلك الفتاة الموجودة بالخارج؟»

توجه فيبس ناحية الشرفة التي طلت منها جميع الفتيات على ما يحدث بالخارج. ومع فتح النوافذ تمكنت الفتيات من سماع قرع أجراس نوتردام من بعد.

قال فيبس: «نعم، ها هي نعجتها.»

قالت إحدى الفتيات: «انظروا إلى ذلك الرجل الذي يقف على سطح الكنيسة!»

ردت أخرى: «إنه كلود فرولو، رئيس الشمامسة. انظروا كيف يحدق فيها! يا له من أمر غريب أن يهتم بفتاة غجرية.»

قالت فلور دي ليس: «أيها القائد، لتنادي على تلك الغجرية وتطلب منها الصعود إلى هنا. سنمرح بالتأكيد.»

قال: «أشك أنها ستتذكرني.»

نظرت فلور دي ليس إليه، وتجهمت.

قال: «حسنًا، إذن سأفعل.»

صاح من الشرفة: «أيتها الفتاة!»

توقفت إزميرالدا، ونظرت إليه بأعلى. وأردف هو: «اصعدي إلى هنا!»

تورد وجه إزميرالدا خجلًا، وبدأت تسير عبر مجموعة الناس المحيطة بها متجهة نحو المنزل.

وفي غضون ثوانٍ كانت بأعلى داخل الشقة. انبهرت الفتيات بجمالها، الأمر الذي أتعسهن وجعل الصمت الشديد يخيم عليهن.

كسر فيبس حاجز الصمت بقوله: «يا لها من فتاة فاتنة! ألا تعتقدين ذلك، يا فلور دي ليس؟»

قالت: «لا بأس بها.» وبدأت الفتيات الأخريات في التهامس فيما بينهن.

سأل فيبس إزميرالدا: «هل تتذكرينني؟»

أجابت بعذوبة: «نعم، أتذكرك.»

ابتسم وقال: «لقد غادرت فجأة تلك الليلة التي التقينا فيها، وتركت وراءك الأحدب، فهل أخفتك؟»

أجابت إزميرالدا: «كلا، على الإطلاق!» لم تلق تلك المناقشة الدائرة بين فيبس والفتاة الغجرية إعجاب فلور دي ليس. في الواقع، هي لم تكن تحب فيبس أن يتحدث مع أية فتاة أخرى.

سأل فيبس: «ما الذي كان ذلك المسخ يريده منك؟»

أجابت الفتاة الغجرية: «لا أدري.»

قال القائد: «حسنًا، لقد تلقى جزاء ما فعله؛ فقد قضى بعض الوقت كما تعلمين في عمود التشهير.»

قالت إزميرالدا: «نعم، أعلم. لقد لقي ذلك المسكين معاملة شديدة القسوة في ذلك اليوم.»

صاحت السيدة ألويز: «يا إلهي! ما هذا الحيوان؟» كانت دجالي قد علقت في طيات تنورة السيدة العجوز.

قالت فلور دي ليس: «إنها نعجة! لقد سمعت عن هذه النعجة … لتجعليها تؤدي إحدى الحيل.»

ردت إزميرالدا: «لا أعلم ماذا تعنين.»

قالت إحدى الفتيات: «هيا، أخبرينا ما هذا الذي تعلقينه حول عنقك؟»

أمسكت إزميرالدا بالكيس الصغير بين يديها، وقالت: «هذا سري.»

ضاقت السيدة ألويز ذرعًا بالفتاة، وقالت لها: «إذا كنت لن ترقصي لنا فما الذي جعلك تصعدين؟ لتغادري الآن! أنت لا تنتمين إلى هذا المكان.»

بدأت إزميرالدا في البكاء وهي في طريقها نحو الباب. ألقت نظرة أخيرة على فيبس الذي قال: «لا يمكنك المغادرة هكذا. لتعودي وتؤدي لنا إحدى رقصاتك! كما أنك لم تخبرينا بعد باسمك.»

قالت: «إزميرالدا»، وهي تفك حبلًا مربوطًا برقبة النعجة وتفتح الكيس. سقطت الحروف الأبجدية على الأرض، وأخذت دجالي تخلطها معًا بقدميها الصغيرتين.

صاحت إحدى الفتيات: «انظروا إلى ما فعلته النعجة!»

اندفعت فلور دي ليس، ورأت أن دجالي قد رسمت اسم «فيبس». فسألت: «أفعلت النعجة هذا؟»

أجابت صديقتها: «نعم.»

قالت فلور دي ليس لإزميرالدا غاضبةً: «كيف تعلمت فعل ذلك؟ لا بد أنك ساحرة.»

التقطت إزميرالدا الحروف سريعًا، وغادرت الشقة. نظر فيبس للفتيات اللاتي تجمعن حول فلور دي ليس، واتخذ قراره؛ ترك الشقة ولحق بالغجرية.

•••

كان كلود فرولو جالسًا أعلى برج كاتدرائية نوتردام يراقب إزميرالدا.

تساءل كلود فرولو عند رؤيته شخص ما يدفع الحشد المتجمع للخلف: «من هذا الرجل الذي يصاحبها؟ إنه بيير جرينجوار، لكن ما الذي يفعله معها؟»

خرج كلود فرولو لتبين ما يحدث، لكن إزميرالدا كانت قد اختفت حينذاك.

سأل كلود فرولو الرجل الذي كان يقف بجانبه: «أين ذهبت الفتاة؟»

أجابه: «لا أعلم. لقد غادرت فجأة، وصعدت تلك البناية. نادى عليها شخص ما من النافذة.»

سار كلود فرولو تجاه سجادة إزميرالدا الصغيرة التي اعتادت الوقوف والرقص عليها، وسأل بيير: «ما الذي تفعله هنا؟»

أخاف صوت كلود فرولو الغليظ الشاعر؛ فألقى التحية متلعثمًا.

سأل كلود فرولو: «هل تركت العمل كشاعر، وصرت الآن مؤديًا بالشوارع؟»

أوضح بيير أن مسرحيته بالقاعة الكبرى قد باءت بفشل ذريع، وأنه يعيش الآن مع المتشردين في ركن المعجزات.

سأل كلود فرولو: «كيف عرفت الفتاة الغجرية؟»

أجاب بيير: «إنها زوجتي.»

غضب كلود فرولو غضبًا شديدًا، وسأله: «ما الذي تعنيه؟ أنت لست متزوجًا من إزميرالدا.»

بدأ بيير يرتعد وقال: «ليس الأمر كما تظن.» وأخبر رئيس الشمامسة كيف أنقذته إزميرالدا من موت محقق.

سأل كلود فرولو بيير عن كل ما يتعلق بإزميرالدا، وأخبره الشاعر بكل ما يعرفه. وأضاف بيير: «واستغرق منها الأمر شهرين لتعلم دجالي كيف ترسم اسم «فيبس» بالحروف.»

سأل كلود فرولو: «لماذا «فيبس»؟»

أجاب بيير: «إنها تعتقد أنها كلمة سحرية.»

سأل كلود فرولو: «أهي كلمة أم اسم؟»

رد عليه الشاعر متسائلًا: «ما الذي يهمك في هذا الأمر، يا سيدي؟»

غضب كلود فرولو، وصاح في بيير آمرًا إياه بالمغادرة. حقيقة الأمر أنه كان يحب إزميرالدا؛ رآها وهي تعزف على الرق وترقص، وأدرك أنها يجب أن تكون له، مهما كلفه الأمر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤