الفصل الثالث عشر

إزميرالدا المسكينة

لم يعلم بيير ما يتوجب عليه فعله؛ فقد مضى على اختفاء إزميرالدا ما يزيد عن الشهر. في أحد الأيام كان بالخارج يبحث عنها، فمرّ بالسجن حيث تجمع حشد من الناس.

سأل بيير طالبًا صغير السن: «ما الذي يحدث؟»

– «لا أعلم، يا سيدي. أظن أنهم يحاكمون إحدى الفتيات بتهمة محاولة قتل أحد الجنود. حاولت التحدث مع أخي، رئيس الشمامسة، بشأن هذا الموضوع، لكنني لم أتمكن من الاقتراب منه. كنت آمل في طلب بعض المال منه.»

أدرك بيير أنه يتحدث بالتأكيد مع جيون، فقال: «آسف، يا سيدي الصغير، لكنني لا أملك مالًا أيضًا.»

هز جيون كتفيه، ومضى في طريقه. ولحق بيير بالحشد أعلى الدرج إلى داخل قاعة المحكمة.

سأل بيير، وهو ينظر حوله: «من كل هؤلاء الناس؟ ومن المتهمة؟»

رد رجل كبير كان يقف بجواره: «حسنًا، المرأة التي تقف وظهرها مواجه لنا … هناك» وأشار إليها وهو يكمل حديثه: «هي المتهمة بمحاولة القتل. وتقف عجوز شمطاء الآن على المنصة أثناء تحدثنا؛ إنها شاهدة.»

كانت السيدة العجوز التي أشار إليها تقول: «ما أعرفه هو أن هذه الفتاة لم تؤذ ذلك الضابط. لقد رأيتها تلك الليلة، وقبل أن تدخل إلى المكان سمحت لرجل يرتدي عباءة بدخول الغرفة. سمعت بعد ذلك صراخًا، فركضت إلى الطابق الأعلى لأرى لحظة وصولي شخصًا يقفز في الظلام من النافذة لينزل في النهر. وقد ترك وراءه القائد المسكين يرقد على الأرض على وشك الموت.»

أخذ الناس يتهامسون فيما بينهم، وقال سير روبرت: «قبل أن يختفي القائد فيبس، أخبرنا أنه لا يتذكر ما حدث للرجل الذي كان يرتدي العباءة، وكل ما يمكنه قوله هو أن ذلك الرجل أراد مقابلة الفتاة الغجرية، وعرض عليه مالًا ليحجز الغرفة شريطة أن يختبئ في الخزانة.»

أخيرًا استدارت المتهمة، وصُدِم بيير عندما رأى أنها إزميرالدا! بدت في حالة مروعة؛ فكانت شفتاها زرقاوين من البرد، وشعرها أشعث.

قال سير روبرت: «أدخلوا السجينة الثانية!»

انفتح الباب، وسيقت دجالي إلى داخل القاعة. وقف المحامون أمام المخلوقة البائسة، وجعلوها تؤدي خدعها. لم يستطع بيير إمساك لسانه أكثر من ذلك، فقال: «ألا ترون أن دجالي لا تعلم أنها تخطئ؛ إنها ليست سوى نعجة!»

لكن الحشد تجاهله، وألقى سير روبرت بعد ذلك بمحتويات كيس الحروف الخاص بدجالي على الأرض. وأخذت دجالي تحرك الحروف، واحدًا تلو الآخر، إلى أن كتبت اسم «فيبس».

وأخيرًا، قال سير روبرت: «أيتها الغجرية، أنت مسئولة عن الضرر الذي وقع للقائد فيبس. لقد سحرته أنت ونعجتك، ثم تركتماه ليموت. هل تنكرين ذلك؟»

صاحت إزميرالدا: «يا إلهي! حبيبي فيبس المسكين! هذا أمر مروع لا يمكن وصفه بالكلمات.»

سألها سير روبرت ثانيةً: «أكرر سؤالي، أيتها الفتاة الغجرية، هل تنكرين هذه الاتهامات؟»

أجابته: «لقد أخبرتك أنني لا أعلم ما حدث. كان هناك رجل — لا أعرفه — يلاحقني، بل حاول مرة اختطافي، وأنقذني القائد فيبس. فلماذا أؤذيه؟»

نظر إليها سير روبرت بوجه عابس، وقال: «لم يكن هناك غيرك في الغرفة عندما عثرنا على الجندي، وقد رسمت نعجتك اسمه. غدًا ستوضعين في عمود التشهير إلى أن تخبرينا بالحقيقة، وسيُمنع عنك الطعام والشراب إلى أن تعترفي.»

لم تنطق إزميرالدا، ولم يستطع بيير تصديق ما تسمعه أذناه. وتابع المحامون والعمدة والقاضي الحراس الذين ساقوا الفتاة إلى زنزانتها.

كان السجن باردًا ورطبًا ومظلمًا. خلت جدرانه من أية نوافذ. حاولت إزميرالدا التحلي بالشجاعة، لكنها كانت خائفة.

قال سير روبرت: «للمرة الأخيرة هل تنكرين الاعتداء على القائد فيبس؟»

لم تستطع إزميرالدا التحدث، وما كان منها سوى أن أومأت برأسها.

دفعها الحراس إلى داخل الزنزانة، وقيل لها: «حسنًا، ستبقين هنا حتى الصباح، ثم ستوضعين في عمود التشهير.»

صاحت إزميرالدا بكل ما تبقى لديها من قوة: «أنا بريئة!»

أُغلِق الباب خلف إزميرالدا لتبقى وحدها وسط الظلام الدامس. سمعت صوت نبش الفئران في الجدران، وتقاطر المياه خلفها. لم تكن دجالي معها، وبدا العالم من حولها صغيرًا للغاية، والأرض باردة جدًّا، والجدران شديدة الرطوبة. تذكرت مدى بشاعة عمود التشهير لكوازيمودو المسكين، وكيف سخر منه الناس وقذفوه بالأشياء، فلم تتحمل فكرة مشاهدة الجميع لها في هذا الوضع.

صاحت إزميرالدا: «انتظر! إنني أعترف؛ الذنب ذنبي. إنني أعترف!»

فُتِح الباب، ووقف سير روبرت فيه، وقال: «هل تعترفين بكل شيء؟»

– «نعم، أعترف.»

قال سير روبرت: «فتاة صالحة.»

سيقت إزميرالدا ثانيةً إلى قاعة المحكمة، وثغت دجالي ورغبت في الجري نحوها، لكنها كانت مربوطة في المقعد.

قال سير روبرت: «لقد اعترفت الفتاة بكل شيء.»

قالت إزميرالدا: «ليكون عقابي سريعًا، هذا كل ما أسألكم إياه.»

ألقى العمدة خطابًا طويلًا للغاية حتى وصل إلى النطق بالعقوبة، ألا وهي إرسال كلٍّ من إزميرالدا ودجالي إلى السجن الموجود في كاتدرائية نوتردام لتبقيا فيه إلى الأبد.

•••

كان السجن بكاتدرائية نوتردام يزداد ظلمة وكآبة مع النزول لأسفل. وما إن يُرسَل السجناء إليه يكون إطلاق سراحهم ضربًا من المحال. أخذ الحراس إزميرالدا إلى زنزانتها بالأسفل. ولم يبق من إزميرالدا، وهي مثقلة بالأغلال، سوى شبح.

كان قد مضى على وجودها في السجن بضعة أيام عندما فُتِح الباب، ودخل أحدهم زنزانتها. أعماها الضوء، فأغلقت عينيها. وعندما فتحتهما كان كلود فرولو واقفًا أمامها مرتديًا عباءته السوداء.

سألته: «من أنت؟ وما الذي تفعله هنا؟»

أنزل قلنسوة العباءة، وقال لها: «تعالي معي.»

– «إلى أين … إلى أين تريد أن تأخذني؟»

لم يجبها القِس.

سألت إزميرالدا: «هذا أنت! كنت هناك تلك الليلة. أنت من ألحق الأذى بفيبس، أليس كذلك؟ لماذا تحاول اختطافي؟ لماذا تكرهني؟»

جاء رده: «أكرهك؟ إنني أحبك. لقد كنت سعيدًا قبل أن أعرفك.»

قالت: «وا حسرتاه! وأنا أيضًا كنت كذلك.»

قال كلود فرولو للفتاة الغجرية: «أرجوكِ، دعيني أتكلم»، وأخبرها كيف أحبها، وكيف كان يراها يومًا بعد يوم في الميدان القريب من كاتدرائية نوتردام. وبالرغم من أنه يعلم بارتكابه خطيئة، فإنه أحبها. رقصها، وفستانها، وبشرتها الجميلة … كل هذه الأمور شغلته عن دراسته وما عرفه طوال حياته.

قال: «تملكتني روحٌ لا سلطان لي عليها. لم أتمكن من نسيانك، وفي ذلك اليوم الرهيب لحقت به، واختبأت في الخزانة. وفي اللحظة التي أوشكتِ فيها على تقبيل ذلك المحتال قفزت من الخزانة، وهاجمته.»

صاحت: «يا إلهي! حبيبي فيبس!»

قال: «لا تنطقي باسمه، إنه السبب في كل ذلك؛ كان من المفترض أن يخبرك أنني أنتظرك. جعلني أدفع له المال مقابل أن أراكِ فحسب. إذا ظننت أنه أحبك يومًا فأنت مغفلة.»

– «لا أصدق ما تقوله؛ فقد أحبني. إذا لم يكن حرًّا فلا رغبة لي في أن أكون حرة. وإن كان ميتًا فلا أهتم إذا كنت سأحيا أم لا. لن أسامحك أبدًا على إيذائك له. أنت المذنب في كل ذلك.»

– «في نهاية الأمر، قرر القاضي وضعك في عمود التشهير، لكن بإمكاني مساعدتك. يمكنني إخفاؤك في الكنيسة.»

قالت: «كلا! إن كان عمود التشهير هو مصيري، فليكن. اتركني الآن! لا أرغب في رؤيتك ثانية أبدًا … أبدًا!» ودفعته بعيدًا، ثم سقطت على الأرض المبللة المتسخة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤