الفصل السادس عشر

الهجوم على نوتردام

كان بيير قد سمع أن إزميرالدا تنعم بالأمان في كاتدرائية نوتردام، فأسعده هذا. لكنه افتقد دجالي. مرت الأيام، ولم تعد «زوجته» تشغل تفكيره في أغلب الأحيان.

كان بيير يؤدي الخدع أثناء النهار في الطرقات مع المتشردين الآخرين، وفي الليل يمارس الكتابة.

في أحد الأيام، وأثناء سيره بالشارع، نزلت يد ثقيلة على كتفه. وعندما استدار رأى كلود فرولو.

صُدِم بيير من مدى الشحوب الذي بدا عليه أستاذه الذي تتلمذ على يده في الماضي. سأله كلود فرولو: «كيف حالك، يا بيير؟»

– «على ما يرام. صحتي جيدة.»

– «ألم تواجه أية مشكلات إذن؟»

– «كلا، مطلقًا.»

– «أين أنت ذاهب الآن؟»

– «لا مكان في الحقيقة.»

سأل بعد ذلك كلود فرولو الكاتب عما إذا كان ينعم بالسعادة أم لا، فأجابه بيير بأنه سعيد للغاية.

سأله كلود فرولو: «لكنك ما زلت فقيرًا، أليس كذلك؟»

أجابه بيير: «بالطبع.»

في تلك اللحظة مر القائد فيبس ورفاقه من حرس الملك سريعًا بجانبهما على ظهور خيولهم. حدق كلود فرولو بفتور في القائد.

سأل بيير: «لماذا تحملق على هذا النحو في ذلك الجندي؟»

– «هذا القائد فيبس.»

صاح بيير: «فيبس! هذا الجندي الذي تسبب في كل العناء الذي واجهته إزميرالدا؟»

– «ما الذي تعرفه عنها؟»

نظر بيير إلى كلود فرولو مستغربًا، وقال: «لا شيء، لم أرها منذ يوم محاكمتها عندما كانوا سيضعونها في عمود التشهير.»

– «هل هذا كل ما تعرفه؟»

– «سمعت أنها أُخذت إلى المحراب الموجود في كاتدرائية نوتردام، لكن المحكمة أصدرت حكمًا بأنها ستتلقى عقابها مع ذلك. هذه المرة الأولى التي يفعلون فيها ذلك، لقد سمعت عن ذلك بالأمس.»

– «ماذا؟ ما الضرر في بقائها بكاتدرائية نوتردام؟»

– «إنهم يرون أنها يجب أن تنال عقابها لمحاولتها قتل القائد فيبس. وقد سمعت أيضًا أن الجندي ألقى باللوم عليها. إنه لأمر مدهش حقًّا اختفاؤه وعودته على هذا النحو.»

– «ألا ترغب في مساعدتها؟»

أجاب بيير: «إنني منشغل للغاية بكتبي.»

سأل كلود فرولو: «نعم، لكن ألا يمكنك التفكير في أي وسيلة لمساعدتها؟»

– «حسنًا، يمكننا أن نحاول الحصول على عفو من سير روبرت.»

قال كلود فرولو: «لن يوافق أبدًا.» وأخذ يسير جيئة وذهابًا ثم قال: «ليس هناك سوى سبيل واحد لإنقاذها.»

رد بيير: «استمر.»

– «يجب أن نهربها خارج المدينة. سيكون عليها أن تدعي أنها أنت، وأنت تدعي أنك هي. وفي اللحظة الأخيرة يمكنك أن تكشف عن هويتك الحقيقية.»

– «لكنهم سيعاقبونني بدلًا منها!»

– «كلا، لن يفعلوا؛ فأنت لم ترتكب جُرمًا.»

تردد بيير؛ فهو لا يريد أن يُعاقَب. كان لديه أيضًا الكثير من الأمور ليفعلها؛ السير في شوارع المدينة، وقراءة كتبه، ليس لديه وقت ليوضع في عمود التشهير. فقال: «لا أعتقد أنها فكرة جيدة، لكنني سأفكر فيها.»

نظر بيير إلى كلود فرولو، وسقطت دمعة على وجه القِس.

قال بيير: «حسنًا، سأساعدك. لكن لدي فكرة أفضل.»

قال كلود فرولو: «حسنًا …»

قال بيير: «أصدقائي المتشردون سينقذونها؛ إنها المفضلة بينهم. إليك الخطة.» ثم همس في أذن كلود فرولو.

وعند انتهائه صافحه كلود فرولو، وقال: «حسنًا، ستنجح هذه الخطة.»

عاد كلود فرولو إلى كاتدرائية نوتردام ليجد جيون في انتظاره. قال جيون: «أخي، لقد جئت لأراك.»

سأله كلود فرولو دون أن ينظر إليه: «ما الأمر؟»

– «أنا بحاجة إلى نصحك. إنك محق. كنت محقًّا بشأن المدرسة والدراسة.»

– «و؟»

– «لقد أسأت التصرف حقًّا، تورطت في حماقات، وجعلت من نفسي أضحوكة. أدين للجميع بالمال. أود أن أحيا حياة أفضل من تلك التي أحياها.»

– «حقًّا؟»

– «نعم، لكنني بحاجة لبعض المال أولًا.»

– «ليس لدي أي أموال لأعطيك إياها.»

سأل جيون: «صدقًا؟»

أجابه كلود فرولو: «صدقًا.»

قال جيون: «حسنًا، سأصير إذن متشردًا.»

نظر إليه كلود فرولو نظرة خلت من المشاعر، وقال: «حسنًا.»

حنا جيون رأسه قليلًا، وغادر الغرفة. أخذ كلود فرولو يراقبه من النافذة. وبينما أوشك جيون على مغادرة الحديقة ألقى إليه كلود فرولو بكيس من النقود.

– «هذه آخر نقود ستحصل عليها مني!»

ابتسم جيون، ومضى في طريقه.

•••

جلس بيير في زاوية الغرفة المظلمة محاطًا بالمتشردين. كانت هناك حفلة كبيرة، وانتشر الناس في كل مكان، يرقصون ويغنون.

صاح أحدهم: «مرحى! مرحى!» وكان ذلك جيون الذي أردف: «أنا متشرد! كنت سيدًا نبيلًا من قبل، لكنني الآن واحد منكم! وإليكم بخطتنا لهذه الليلة: سنذهب إلى كاتدرائية نوتردام، ننقذ الفتاة، ونشعل النيران في المكان! ضاعت ثروتي، لذا سأنضم إليكم أيها النساء والرجال العظماء. يتوجب علينا إنقاذ إزميرالدا!»

ناولت إحدى السيدات جيون عشاءه، فجلس وأخذ يأكل، ناسيًا خطابه في الحال. قرعت أجراس الكنيسة من بعد.

وقف كلوبان المتسول، وقال: «هذه هي الإشارة! أجراس نوتردام تقرع … حان وقت الذهاب.»

غادرت عصبة المتشردين غرفتهم الدافئة، وساروا بشوارع باريس المتعرجة نحو كاتدرائية نوتردام.

•••

لم يستطع كوازيمودو النوم بعد قرع أجراس منتصف الليل، فصعد الدرج إلى أعلى، وجلس على قمة البرج الشمالي. كان الظلام الدامس يخيم على المكان، والضوء الوحيد جاء من بوابة سانت أنطوني.

ثمة أمور غريبة كانت تحدث مؤخرًا. على مدار الأيام القليلة الماضية رأى كوازيمودو رجالًا ينظرون إلى أعلى تجاه نافذة إزميرالدا. وصارت تصرفات كلود فرولو أيضًا أكثر غرابة من المعتاد.

لاحظ كوازيمودو فجأة أن خط الماء الأسود بدا أطول من المعتاد، فدقق النظر واكتشف أنها رءوس بشرية. كان حشد من الناس يتحركون تجاه الكنيسة. خيم الصمت على هذا الصف الطويل من الناس، وبدوا كالضباب الذي يزحف ببطء للأمام.

فكر كوازيمودو: «إزميرالدا! لا بد أنهم جاءوا من أجلها.»

عرف كوازيمودو أنه يجب عليه إيقافهم. اقترب الحشد أكثر، كانوا يحملون عصيًّا وأسلحة أخرى. توقفوا أمام الكنيسة، وأضاءوا مشاعلهم. تعرف كوازيمودو على بعض الوجوه، وهي وجوه السيدات والرجال الذين توجوه ملك المهرجين.

اتخذ المتشردون أماكنهم حول الكنيسة. جيون أيضًا كان هناك. أصدر كلوبان الأمر: «تريد المحكمة معاقبة إزميرالدا بالرغم من أنها التمست الأمان في الكنيسة! يجب علينا إنقاذها. هيا بنا!»

صعد الرجال درجات السلم، وحاولوا فتح الباب عنوة. فأخذوا يدفعون ويدفعون، لكنه لم يتزحزح.

سقطت بعد ذلك عارضة من أعلى الكنيسة، واصطدمت بالأرض. أصيب المتشردون بالرعب، وفر الكثيرون منهم. لم يعلموا ما حدث، وظن بعضهم الأمر سحرًا.

قال كلوبان: «انهضوا يا رجال! هلم إلى الباب! هيا بنا!»

نظر الرجال إلى العارضة، ثم إلى قمة الكنيسة، ولم يتحركوا. كانوا مذعورين للغاية.

صاح كلوبان: «إنها ليست سوى قطعة من الخشب! ليست بالشيء الذي تخافونه!»

صاح جيون: «لنستخدمها في كسر الباب!»

صاح المتشردون حماسًا، وهم يدفعون العارضة بعنف تجاه الباب. أصدر الباب صوتًا كالطبلة الكبيرة، لكنه لم ينكسر، فضربوه ثانيةً.

سقط بعد ذلك وابل من الحجارة على المتشردين من أعلى. كان كوازيمودو؛ يدافع عن كاتدرائية نوتردام!

علم الأحدب أن الباب لن يصمد طويلًا. ضرب المتشردون الباب مرة أخرى، وسمعوا ضجة مدوية خلفهم.

صرخ أحدهم: «ماذا كان ذلك؟»

صاح آخر: «إنه مزيد من السحر!»

– «هيا بنا! لا يستحق الأمر التضحية بحياتنا!»

دوت انفجارات عنيفة من السقف، وأضاءت كل التماثيل الموجودة بجانب الكنيسة، فجعلتها تبدو كما لو كانت حية. كان كوازيمودو يشعل مفرقعات نارية!

سأل كلوبان وهو ينظر حوله: «ماذا حدث للجميع؟ أين ذهبوا؟»

أجابه أحد المتشردين: «روعهم السحر، ففروا!»

– «أين بيير؟ هل فر هو أيضًا، ذلك الجبان؟ وماذا عن جيون؟ هل ذهب أيضًا؟ بالله عليكم يا رجال. ماذا سيحدث لإزميرالدا إن لم ننقذها؟»

سار جيون نحوهم حاملًا سُلمًا، وصاح: «لنستخدم هذا السلم!» كان قد عثر على خوذة معدنية غريبة، وارتداها على رأسه.

سأله كلوبان: «ما الذي ستفعله بذلك؟»

رد جيون: «أترى تلك النافذة؟» أومأ كلوبان برأسه، فأردف جيون: «سأستخدم السلم لأمر من خلالها إلى الداخل. ومن الرواق يمكنني الدخول إلى الكنيسة.»

في غضون لحظات كان السلم قد وُضِع قبالة جدار الكاتدرائية، وبدأ جيون في الصعود عليه ببطء. وما إن وصل إلى داخل البهو حتى ظهر كوازيمودو. تأوه الأحدب أثناء دفعه للسلم بعيدًا عن الحائط. وعندما سقط السلم على الأرض انكسر إلى نصفين، وما عاد صالحًا للاستخدام بعد ذلك. صار جيون بالداخل وحده مع كوازيمودو الذي أمسك به، وأحكم قبضته عليه، ثم أوثق تقييده.

•••

قضى بيير ليلة مزعجة بحق، فعندما كان يحاول الوصول إلى المتشردين بالقرب من الكنيسة، سحبه أحد حراس الملك إلى داخل القاعة الكبرى حيث كان سير روبرت منتظرًا.

قال الحارس: «ها هو أحد المتشردين الذين يهاجمون المدينة.»

سأل سير روبرت: «من أنت؟ وما الذي تفعله؟»

نكس بيير رأسه، وقال: «أنا بيير جرينجوار، أعمل شاعرًا، وما هذا كله سوى خطأ كبير.»

صاح سير روبرت: «خذوه إلى السجن!»

صرخ بيير: «كلا، انتظروا …» وأخذ يشرح أنه مواطن باريسي شديد الإخلاص، وليس متشردًا على الإطلاق.

قال سير روبرت: «آه، لقد عرفتك الآن. أنت الرجل الذي كتب المسرحية التي عُرضت أثناء مهرجان المهرجين. دعوه يذهب … إنه ليس واحدًا من مثيري الشغب.»

عندما كان الحراس يلقون ببيير ثانية في الشارع وصل حارس آخر. قال ذلك الحارس: «سير روبرت، يهاجم الجمع كاتدرائية نوتردام. إنهم يحاولون إنقاذ الفتاة الغجرية.»

استغرق سير روبرت دقيقة في التفكير، ثم أمر الجميع بالخروج لمقاتلة الجمع. وأضاف: «احرصوا على أخذ حراس القائد فيبس معكم. إنهم الأفضل لدينا.»

•••

سار بيير مترنحًا في الشارع حتى توقف أمام رجل يرتدي عباءة سوداء، فقال له: «هل هذا أنت، كلود فرولو؟»

– «متأخر كعادتك، يا بيير.»

– «ليس الذنب ذنبي؛ ألقى حراس الملك القبض عليّ.»

قال كلود فرولو: «لا يهمني! ما كلمة السر للمتشردين؟ بدونها لن يسمحوا لي بالاقتراب منهم. أخبرني بها الآن!»

– «آه، آه، إنها … اممم … «حريق صغير في الباستيل» نعم، هذه هي.»

– «حسنًا، سيسمحون لي الآن بالمرور. لقد أقاموا الحواجز بجميع الطرقات، أولئك المتشردون. لقد حصلت على مفتاح الأبراج التي ستقودنا إلى داخل الكنيسة. هيا بنا!»

ومن ثم، أسرع الرجلان بالشارع في تجاه كاتدرائية نوتردام.

•••

نظر كوازيمودو للخارج، ولاحظ ازدياد غضب الجمع. لم يعرف ما يجب عليه فعله، كان على وشك الاستسلام كليةً عندما رأى القائد فيبس ورجاله. دار قتال بين رفاق القائد والمتشردين، لكن الجنود كانوا أقوى. كان مشهدًا مخيفًا. كانت الكنيسة وإزميرالدا في أمان! لكن عندما ركض كوازيمودو بالرواق حتى وصل إلى غرفتها كانت فارغة؛ لم تكن إزميرالدا فيها!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤