في فرنسا

(١) بول فيرلين (١٨٤٤–١٨٩٦م)

استشرف عبر الهمسات

بالإطار الرهيف للأصوات القديمة
ومن خلال اللمع المنغمة،
يا حبي الشاحب، بفجر مقبل!
نفسي وقلبي في حمياهما
ليسا سوى عينٍ مزدوجة
يخفق فيها خلف نورٍ عكر
لحن سرى من كل قيثار!
أواه! أن أموت الميتة الوحيدة
التي تهدهدها دائمًا، يا حبي الخائف الغالي
هنا وهناك الساعات الشابة والقديمة
أواه أن أموت فوق هذه الأرجوحة!

شارلروا

في العشب الأسود
تسري الأرواح١
وأنين الريح
شجو ونواح٢
يا للإحساس!
الأذرة تصفر.
والغصن يرف
في عين العابر،
وبيوت تبدو
مثل الحانات.
والأفق شبيه
بالفرن الأحمر!٣
يا للإحساس!
السكة ترعد،٤
والأعين تسأل
عن شارلروا!
عطر نفاذ
بشع، ما الأمر؟
ما هذا الصوت
يصفر ويئز؟٥
بيد وحشية
يا للأنفاس!
وصراخ المعدن
من عرق الناس!
في العشب الأسود
تسري الأرواح
وأنين الريح
شجو ونواح.

الأيام الجميلة الكاذبة …

الأيام الجميلة الكاذبة يا نفسي المسكينة، شعشعت طوال النهار،
وها هي ذي الآن ترف في نحاس المساء.
أغمضي عينَيك، يا نفسي المسكينة، وارجعي إلى بيتك،
أسوأ الإغراء ما ترين؛ فاهربي من العار!
شعشعت طوال النهار في بردٍ ملتهبٍ طويل،
وراحت تجلد الكروم جميعًا على التلال،
وتهلك الحصاد كله في الوادي
وتخرب السماء العميقة الزرقاء
السماء التي تناديك مشتاقة الألحان.
آه فليشحب وجهك ولتمضِ بطيئة مضمومة اليدَين!
ماذا (تفعلين) لو التهم الأمس غدنا الجميل؟
لو كان الجنون القديم لا يزال يسعى في الطريق؟
هذه الذكريات، أحتم أن تقتل من جديد؟
وثبة غاضبة، أقصى الوثبات بلا جدال!
آه! هيا اذهبي وصلِّي كي تزول العاصفة، هيا للصلاة!

السماء فوق السطوح

السماء من فوق السطوح،
كم هي زرقاء وديعة!
وشجرة، فوق السطوح
تهدهد الأغصان.
ناقوس، في السماء التي تراها،
رنينه عذب.
طائر على الشجرة التي تراها
يشجو بشكواه
يا رب، يا ربي، ها هي ذي الحياة
هادئة بسيطة.
وهذه الضوضاء، طيبةٌ أليفة
تأتي من المدينة،
ماذا تراك جنيت
يا من دموعك لا تجف؟
قل لي وماذا فعلت
بصباك أيام الشباب؟

لست أدري لماذا؟

لست أدري لماذا؟
تطير روحي المرة
بجناح قلق مجنون فوق البحر.
وكل غالٍ عليَّا
يطويه حبي طيًّا
بجناح الرعب، فوق الموج: لمَ ذا؟ ما السر؟
فكري طائر نورس،
تذروه الريح بكل سماء،
ويميل يميل مع الأنواء،
فكري طائر نورس
سكران بالشمس،
نشوان بالحرية،
تدفعه الفطرة، في هذا الأفق، غير المحدود،
ونسمة الصيف
فوق المياه الشقر
تحمله في لطف، بين الكرى والصحو،
وقد يصيح بحزن
فيفزع الملاح
للريح يسلم أمره، فتارة يعلو، وتارة يهبط
ويرفع الجناح
يدمى من الجراح
ويطلق الصياح
فيجفل الملاح
لست أدري لماذا؟
تطير روحي المرة
بجناح قلق مجنون فوق البحر
وكل غالٍ عليَّا
يطويه حبي طيًّا
بجناح الرعب، فوق الموج، لِمَ ذا؟ ما السر؟

أغنية خريف

تنهد نحيب
ترسله الأوتار
في موسم الخريف،
وتجرح القلوب
بالألم الدفين،
بالألم الرتيب.
وبينما الناقوس
يدق في الفضاء
يغلبني بؤسي
تهيجني الذكرى
حزنًا على أمسي،
يخنقني البكاء،
أمضي مع الريح
والريح كم تقسو
كتائه يسعى
وليس لي مأوى
كأنني أوراق
ذابلة موتى.

خضرة

هذي ثمار، وأزهار، وأوراق، وأغصان،
ثم هذا قلبي، الذي لا يخفق إلا لك.
لا تمزقيه بيدَيكِ البيضاوين،
ولتحلَّ الهدية الصغيرة في عينَيك الفاتنتَين.
ها أنا ذا أقبل ولا يزال الندى يغمرني
الندى الذي جمدته ريح الصباح على جبيني
اسمحي أن يستريح تعبي عند قدمَيك
فيحلم باللحظات الغالية التي تسري عنه
دعي رأسي يتقلب على صدرك الريان
رأسي الذي ما يزال يرجع صدى قبلاتك الأخيرة٦
دعيه يسترح من العاصفة الرهيبة،
وأنام قليلًا ما دمت تهجعين.

فن الشعر

الموسيقى أولًا وقبل كل شيء!
وعليك من أجل هذا أن تتخير الفريد،٧
الذي يشتد غموضه ويتبخر بسهولة في الهواء،
ويخلو من الثقل والرغبة في التظاهر والاستعراض.
عليك أيضًا أن تنظر إلى انتقاء الكلمات
بشيء غير قليل من الاحتقار:٨
فما من شيء أثمن من أغنيةٍ غائمة
يلتحم فيها الغموض بالوضوح
إنها أشبه بعينين جميلتين خلف نقاب،
وهي النهار الحار المرتجف في الظهيرة،
وهي الزرقة التي ترف فيها النجوم الساطعة
تحت سماء خريف شديدة الفتور!
فنحن ما زلنا في حاجة للظلال،
للظلال وحدها، لا للألوان!
آه! فالظل وحده هو الذي يستطيع
إن يجمع الحلم مع الحلم، ويوحد بين الناي والبوق!
تجنَّب ما استطعت الحذلقة القاتلة،
والقفشة البارعة والنكتة الفاجرة،
وكل هذه التوابل والملح الجوفاء
التي تدفع الدموع إلى عين السماء الزرقاء!
خذ الفصاحة واكسر عنقها!
ستحسن صنعًا، وأنت تمارس التجربة،
أن تصقل القافية وتضفي عليها قليلًا من النظام،
أما ما سيكون بعد ذلك، فشيء لا يعلمه الإنسان.
كم من حماقة تنطوي عليها القافية!
كم من طفلٍ أصمَّ وكم من زنجيٍّ مجنون
استطاع أن يسبك هذا العبث الرنان
الذي يتردد صداه الأجوف الزائف تحت ثوب الإحكام!
الموسيقى مرةً أخرى وعلى الدوام!
ليكن شعرك كالنفس الناعم الخفاق
نحسُّه يرفُّ من روح إلى روح
منطلقًا نحو سماواتٍ أخرى ونحو حبٍّ جديد!
ليكن شعرك مغامرةً جسورة
منثورة في نسائم الفجر الندية
التي تحمل نفحات المسك والنعناع …
وكل ما خلا ذلك فهو الأدب المصنوع.

(٢) بول فاليري (١٨٧١–١٩٤٥م)

آلهة القدر الشابة (مقتطفات)

الربيع

أنصت … لا تطل الانتظار … السنة التي تولد من جديد
تنبئ دمي كله بحركاتٍ خفية:
الثلج يسلم في أسًى درره الأخيرة …
غدًا، على تنهيدة من عقود الحنان الساطعة كالنجوم،
يأتي الربيع ليكسر أختام الينابيع:
الربيع المدهش يضحك، يغتصب … لا يدري أحد من أين يجيء؟
لكن الصفاء يسيل من كلمات بلغت من العذوبة
أن يشد الحنان الأرض من أحشائها …
الأشجار التي عادت فانتفخت وتغطت بالقشور
وأثقلت بأذرعٍ كثيرة وآفاق بلا عدد،
تحرك أصواتها الراعدة تجاه الشمس
ترتفع في الهواء المر بكل أجنحتها
من أوراق بالآلاف تحسُّ بجدتها …
أولا تسمعين حفيف هذه الأسماء الهوائية،
أيتها الصماء! … وفي الفضاء المثقل بالأغلال
المهتزِّ المرتجِّ بالغابة الحية الملتوية عند الأطراف،
تجدف الشجرة الطيعة في اتجاه الآلهة وعكس اتجاهها،
الغابة الطافية التي تحمل جذوعها الغليظة …
في خشوع إلى جباهها المتقلبة الهوى،
عند البدايات المشقوقة لجزر الأرخبيل الفخمة
نهرًا رقيقًا، إيه يا موت، ومخفيًّا تحت الأعشاب!
١٩١٧م

الغابة الودود٩

رحنا نتفكر في أشياءَ نقية
على طول الدروب، جنبًا لجنب،
نتجوَّل صامتين، يدًا في يد
في ظل الأزهار الغامضة.
سارت خطانا مثل خطبَين
وحيدَين في ليل البراري الأخضر؛
تقاسمنا هذه الفاكهة التي أطلعتها الجنيات:
القمر صديق المخبولين.
ثم متنا على الطحالب
بعيدًا، وحيدين في حضن الظل الرقيق؛
ظل هذه الغابة الحميمة الهامسة،
وهناك في الأعالي، في الضوء الباهر،
التقينا ونحن نذرف الدموع،
آه يا رفيقي الغالي، أنت يا رفيق صمتي!

دعاء لدمعة

لن أبتهل لغير ومضاتك الضعيفة،
(أنت يا من) طالما تمنيت أن تذوبي على وجهي،
أيتها الدمعة الوشيكة، يا من تستطيعين وحدك أن تجيبيني،
أيتها الدمعة التي ترعش أمام نظرتي البشرية
عديدًا من الطرق الجنائزية؛
أنت تأتين من الروح، فخر متاهة (الجسد)
ترفعين عن القلب هذه القطرة المكتومة،
هذا التشتيت لعصيري النفيس
الذي يضحي بظلالي على عيني،
يا قربانًا رقيقًا لفكري الخفي!
من مغارة خوف محفورة في أعماقي
ينضح الملح الغامض الماء في صمت.
من أين تنبعين؟ أية مشقةٍ حزينة أبدًا وجديدة
تشدك بعد الأوان، أيتها الدمعة، من الظلام المرير؟
أنت تصعدين درجاتي، (درجات) فانية وأم،
وبينما تشقين طريقَين، أيها العبء العنيد،
في الزمن الذي أحياه، يخنقني إبطاؤك …
ألوذ بالصمت، وأنا أشرب مسيرك الأكيد …
من يدعوك لنجدة جرحي الشاب؟
عن آلهة القدر الشابة، ١٩١٧م

باطن

أمة ضيقة العينَين، تثقل نظرتها السلاسل الناعمة،
تغير ماء أزهاري، تغوص في المرايا القريبة،
تسخو بيديها الصافيتَين في الفراش الغامض؛
تضع بين هذه الجدران امرأة،
تجوس لطيفة في حلمي،
تمر بين نظراتي بغير أن تكسر شرودها،
كما يمر كأس خلال الشمس،
وتترك مظهر الفكر الخالص لم يمس.
١٩٢١م

الخطى

خطاك، أطفال صمتي،
قدسية وبطيئة،
نحو فراش يقظتي،
تتقدم خرساء مثلجة.
كيان نقي، ظل إلهي،
ما ألطفها، خطاك المتئدة!
أيتها الآلهة …! كل الهبات التي أنتظر
توافيني على هذه الأقدام العارية!
إن أردت، بشفتَيكِ الممدودتَين،
أن تحملي السلام،
إلى المعتاد من أفكاري
وتهبيه طعام قبلة،
فلا تتعجلي هذا الفعل الرقيق —
حلاوة أن نكون ولا نكون —
لأنني عشت على انتظارك
وقلبي لم يكن إلا خطاك.
١٩٢١م

المقبرة البحرية١٠

هذا السقف الهادئ، الذي يخطو عليه الحمام
يرف بين أشجار الصنوبر، بين القبور؛
والظهيرة العادلة تشمله بالنيران
البحر، البحر، الذي يبدأ على الدوام ويعيد!
يا لها من نعمة بعد تفكيرٍ عميق
في نظرةٍ طويلة إلى هدوء الآلهة!
أي عناءٍ خالص للبروق اللطيفة يستنفد
جواهر كثيرة من الزبد غير المنظور،
وأي سلام يبدو كأنه يتخلق!١١
عندما تستريح شمس على الهاوية،
كأعمال خالصة لقضية أبدية
يتألق الزمن ويصبح الحلم معرفة.
أيها الكنز الثابت، يا معبد منيرفا البسيط،
يا كتلة الهدوء ومدَّخر الرؤية،
أيتها المياه المتعالية، أيتها العين التي تختزن في أعماقها
كل هذا النوم تحت نقاب من اللهب
إيه يا صمتي! … يا بناء في روحي
وإن تكن قمته الذهبية ذات ألف سقيفة، يا أيها السقف!
يا معبد الزمن الذي تلم به تنهيدة واحدة،
إلى هذه البقعة الطاهرة أصعد وتعتاد نفسي،
محاطًا من كل جانب بنظرتي المفعمة بالبحر،
وبينما أقدم للآلهة قرباني الأسمى
يبذر الألق الصافي على الذروة
احتقارًا لا حدود لسطوته.
كما تذوب الفاكهة في المتعة،
وكما تحول غيابها إلى لذة
في فم يتبدد١٢ فيه شكلها
أتنسَّم أنا هنا مستقبلي (الملتفَّ) بالدخان١٣
والسماء تغني للروح المجهدة
تغير الشواطئ المغمغمة.
أيتها السماء الجميلة، أيتها السماء الحقة، انظري إليَّ ترينني أتحول!
بعد كل هذا الغرور، بعد كل هذا الخمول الغريب١٤
الحافل مع ذلك بالقوة،
ها أنا ذا أسلم نفسي لهذا الفضاء اللامع،
فوق بيوت الموتى يعبر ظلي
الذي تروضني حركته الواهنة.
بروحي المتعرية لمشاعل الشمس في ميلها الأعظم،
أحتملك (بكل كياني)١٥ يا عدالة النور الرائعة
ذات الأسلحة التي لا ترحم!
وأردُّكِ خالصة إلى موضعك الأول:
انظري ذاتك! … لكن إعادة النور إلى منبعه
تفترض نصفًا محزونًا من الظلال!١٦
آه، من أجلي أنا وحدي، لي أنا وحدي، في أنا وحدي،
بجوار قلب، عند منابع الشعر،
بين العدم والحدث الخالص،
أنتظر. (متسمِّعًا) أصداء عظمتي الداخلية،
هذا المستودع المرير، المعتم، الجهير،
الذي يردد في النفس خواءً مستقبلًا أبدًا
أتعلمين أيتها الأسيرة الزائفة لأوراق الشجر،
أيها الخليج الذي يلتهم هذه المشربيات النحيلة:
وأنت أيتها الأسرار المبهرة فوق عينيَّ المغمضتَين:
أي جسد يجرفني إلى غايته البليدة،
أي جبين يجتذبه إلى هذه الأرض، أرض العظام،
حيث تتفكر شرارة منه في الغائبين عني؟
مغلق، مقدس: ممتلئ بنارٍ خالصة من المادة:
قطعة من الأرض موهوبة للنور،
يعجبني هذا المكان الذي تحكمه المشاعل.
(و) يتكون من الذهب والأحجار، والأشجار المعتمة،
حيث يرتجف كل هذا المرمر فوق كل هذه الظلال،
البحر الوفي يرقد هناك فوق قبوري؛
أيتها الكلبة الباهرة، طاردي الوثني!
إن وجدتني وحيدًا وعلى فمي ابتسامة الراعي،
أقف طويلًا مع الخراف الغامضة،
مع القطيع الأبيض من قبوري الساكنة،
فأبعدي عنها الحمامات الذكية
(و) الأحلام الباطلة، والملائكة الفضوليين!
ما دمنا قد جئنا هنا، فالمستقبل خمول،١٧
الحشرة الحادة تخدش الجفاف،
وكل شيء احترق، تحلَّل، وذاب
في جوهرٍ صارم لا أدريه …
الحياة شاسعة؛ إذ هي مخمورة بالغياب
والمرارة عذبة، والذهن صاف.
الموتى المختبئون١٨ في حالٍ طيبة تحت هذه الأرض
التي تدفئهم وتجفف سرهم.
الظهيرة في الأعالي هناك، الظهيرة بلا حراك.
تتفكر في ذاتها، مكتفية بذاتها …
أيها الرأس الكامل والتاج المكتمل
أنا في داخلك التغير الخفي.
ليس لك إلاي مثوى لمخاوفك!
ندمي، شكوكي، قهري
هي العيب (الكامن) في ماستك العظيمة …
ولكن في ليله المثقل بكتل الرخام،
قد انحاز إلى جانبك في بطء
شعب غامض عند جذور الأشجار.
لقد ذابوا في غيابٍ سميك،
وتشرب الطين الأحمر النوع الناصع البياض،
هبة الحياة قد انتقلت إلى الزهور!
أين من الموتى العبارات المألوفة؟
أين الفن الذاتي، والنفوس الفريدة؟
ها هي ذي يرقات الدود تغزل حيث انسكبت الدموع.
الصيحات الحادة من الفتيات الماجنات،
العيون، والأسنان، والجفون الندية،
النهد الساحر الذي يعبث باللهب،
والدم الذي يلمع في الشفاه المستسلمة.
العطايا الأخيرة، والأصابع التي تذودها،
كل ذلك يثوى تحت الأرض ويدخل في اللعبة.
وأنت، أيتها الروح الرائعة. هل تأملين في حلم
لا تكون له هذه الألوان الكاذبة
التي تصنعها هنا، لأعين الجسد، الموجة والذهب؟
أتراك ستواصلين الغناء عندما تتبخرين في الهواء؟
إليك عني! كل شيء ينقضي! إن كياني مملوء بالمسام،
وحتى نفاد الصبر المقدس يموت بدوره!
أيها الخلود النحيل أسودَ مذهبًا،
يا واهب العزاء المثقل بحمل نحيف من أكاليل الغار،
يا من تجعل من الموت صدر أم حنون،
يا للأكذوبة الجميلة والخدعة الورعة!
هذه الجمجمة الخاوية وهذه الضحكة الأبدية
مَن ذا الذي لا يعرفهما ومَن ذا الذي لا يرفضهما!
أيها الآباء بعيدو الغور، أيتها الرءوس التي لا يسكنها أحد،
يا من تحت وطأة كل هذا التراب،
تصبحون أنتم الأرض وتربكون خطانا،
إن القارض الحقيقي، الدودة التي لا يناقضها شيء،١٩
لم تخلق لكم يا من ترقدون تحت الرخام،
إنها تحيا على الحياة، إنها لا تفارقني!
ألعلَّه الحب، أم الكره لي؟
إن نابها الخفي القريب مني
بحيث تصلح له كل الأسماء!٢٠
ماذا يهم! إنها ترى، وتريد، وتحلم، وتلمس!
إن لحمي يعجبها، وحتى في فراشي
أعيش لكي أصبح ملكًا لذلك الكائن الحي!٢١
زينون! يا زينون القاسي! يا زينون الأيلي!
أنفذت في هذا السهم المجنح
الذي يرفُّ، ويطير، ولا يطير!
إن الصوت ينجبني والسهم يقتلني!
آه! الشمس! … يا لظل سلحفاة (يخيم) على الروح،
يا لأخيل الجامد بخطواته الشاسعة!
لا، لا! … وقوفًا في الأحقاب المتتالية!
حطم، يا جسدي، هذا الشكل المتفكر!
وعب، يا صدري، من مولد الرياح!
إن النداوة التي يجود بها البحر
تعيد إلى روحي … يا للقوة المالحة!
لنعدو إلى الأمواج لننبثق منها أحياء!
نعم أيها البحر العظيم الموهوب بنعمة الهذيان،
يا جلد الفهد، يا عباءة تثقبها
آلاف وآلاف من أوثان الشمس،٢٢
أيتها الهيدرا٢٣ المطلقة، النشوى بجسدك الأزرق،
يا من تعضين ذلك الملتمع
في ضجيج أشبه بالصمت
ها هي الريح تعلو! … يجب أن نحاول الحياة!
الهواء الهائل يفتح كتابي ويطويه،
والموجة المنسحقة ترابًا تحاول الانبثاق من الصخور،
طيري، أيتها الصفحات البراقة!
حطمي يا أمواج! حطمي بمياهٍ فائرة بالبهجة؛
هذا السقف الهادئ الذي كانت تنقره الشراع.
١٩٢٢م

(٣) ماكس جاكوب (١٨٧٦–١٩٤٤م)

الحرب

الشوارع الخارجية يغطيها بالليل ثلج كثير؛
قطاع الطرق جنود؛ يهاجمونني بالضحكات والسيوف،
يعرونني: أنجو بنفسي لأقع في مربعٍ آخر.
الثلج يسقط! يشكونني بحقنة: إنه سم
يراد به قتلي، رأس هيكل عظمي محجب
بالكريشة يعضني في إصبعي. مصابيح باهتة
تلقي ضوء موتي على الثلج.

قصيدة القمر

على صفحة الليل نبتات من عش الغراب، هي القمر.
على غير انتظار، كما يغني «كوكوك» ساعة، تغير
مكانها كل شهر عند منتصف الليل. في الحديقة
تنمو زهورٌ نادرة، هي أقزامٌ نائمة تصحو كل صباح. في حجرتي المظلمة
سفينةٌ صغيرةٌ مضيئة تتجول هنا وهناك، ثم سفينتان … سفن
هوائية من الفسفور، هي انعكاسات مرآة.
في رأسي نحلة تتكلم.

ألوان السحر

استيقظي أيتها الغربان. اخرجي من ضباب السحر،
وانفضي عنك أعلام النوم السوداء،
أبلغي شطآن الظلام الخداع
التي عاقها حلم الأغوار الثقيل؛
أن نداءك الغاضب هو الأرض.
كانت ترجو النهار، فأعلني الآن: «بدأ النوم!»
السحب الفضية تحيي الأحجار:
والنهار مع الليل يحتفلان بعيد الفصح الأبدي.
على السواحل الطباشيرية يتفتَّح جفن:
تكلَّم يا غراب نوح: أهي بقايا الطوفان؟
نافذة الإنسان ونظرته الغارقة في الآفاق!
والثيران التي حكم عليها من قديم الزمان
أن تحمل معابد الآلهة الموتى، وحظائر الأحياء،
اقتربت من الظلال والأمواج الوضاء،
وشربت من الماء الجاري وهي تكشف له الأسنان.
ثم صرخت الأرض كأنما انتزع من إصبع مسمار:
وذعرت أسراب الطيور خائفة من الظلال،
الأرض تهيأت لتقديم مذابحها٢٤ اليومية:
والمولد والممات خرجا من أعواد الغاب.
خالدًا وصامتًا أشبه بالحصن المنيع،
تخترمني الأيام عامًا بعد عام.
كل صباح عندي فهو صباح شتاء
والموت انحنى على بيتي من زمنٍ طويل.

(٤) جيوم أبوللينير (١٨٨٠–١٩١٨م)

منطقة (مقتطفات)

أخيرًا تعبت من هذا العالم القديم.
أيها الراعي. يا برج إيفل، قطيع الجسور يعوي في هذا الصباح.
سئمت الحياة في العهود الإغريقية والرومانية القديمة.
حتى السيارات تبدو هنا وكأنها قديمة قدم الإزل.
الديانة وحدها بقيت جديدة كل الجدة، الديانة
بقيت بسيطة كقاعات المطار.
رأيت صباح اليوم شارعًا جميلًا نسيت اسمه
جديدًا ونظيفًا، كان دوي بوق الشمس.
المديرون، العمال، وكاتبات الاختزال الجميلات
يمرون فيه من صباح الاثنين إلى مساء السبت كل يوم أربع مرات.
كل صباح تنوح صفارة الإنذار فيه ثلاث مرات،
ناقوسٌ غاضب يعوي في منتصف النهار،
الكتابات المنقوشة على اللوحات والجدران،
الإعلانات واللافتات تصرخ كالببغاوات.
أحبُّ رقة هذا الشارع الصناعي.
إنه يقع في باريس، بين شارع أومو-تييفيل وميدان تيرن.
ها هو ذا الشارع الشاب، وأنت طفل لا تزال
أمك لا تلبسك إلا الأزرق والأبيض …
الآن تسير وحدك في باريس بين الجماهير،
قطعان الحافلات تزأر بجانبك.
قلق الحب يخنق لهاتك،
كأنه ليس من حقك أبدًا أن تحب من جديد
لو عشت قديمًا لدخلت الدير.
إنكم تخجلون من أنفسكم عندما تلاحظون فجأة أنكم تصلون،
أنت تسخر من نفسك، وضحكتك تئزُّ كنار الجحيم،
شرارات ضحكتك تكسو بالذهب أعماق حياتك.
إنها لوحةٌ معلقة في متحفٍ كئيب،
وفي بعض الأحياء تذهب لتراها عن قرب …
أنت الآن على شاطئ البحر الأبيض،
تحت أشجار البرتقال التي تزهر طوال العام،
تتنزه مع أصدقائك في قارب …
أنت في حديقة فندق في ضواحي براغ،
تحسُّ أنك في غاية السعادة. هناك وردة على المائدة،
وبدلًا من كتابة قصتك النثرية
تراقب الجرادة الذهبية النائمة في قلب الوردة …
تقف أمام مائدة بارٍ حقير،
تشرب بين التعساء قهوةً رخيصة.
أنت بالليل في مطعمٍ كبير،
هؤلاء النساء لسن شريرات، ومع هذا فلديهنَّ همومهن.
كلهن، حتى أشدهن قبحًا، قد سببت لعشيقها العذاب.
إنها ابنة جاويش في مدينة جيرسي،
يداها اللتان لم أرهما، متورمتان وخشنتان،
أحسُّ بشفقةٍ بالغة نحو الخيوط في بطنها.
أنت وحيد، الصبح وشيك.
بائعو اللبن ترن قدورهم في الشوارع.
وأنت تشرب هذه الخمر الملتهبة كحياتك،
حياتك التي تشربها كما لو كانت نبيذًا محترقًا٢٥
تسير في اتجاه «أوتي»، تريد أن تمشي على قدمَيك إلى البيت
وتنام بين بدودك٢٦ المجلوية من الأقيانوسة وغينيا:
إنها صور للمسيح من شكلٍ آخر وعقيدةٍ أخرى،
إنها صور دنيا المسيح الأمل المظلم.
الوداع، الوداع.
شمس، رقبة مذبوحة.
١٩١٣م

أغنية المهان (مقتطفات)

«إلى بول ليوتو»
وغنيت هذه الخيالية
في سنة ١٩٠٣ دون أن أدري
أن حبي كالعنقاء،
إن مات ذات مساء
ولد من جديد في الصباح.
ذات مساء في لندن، اكتسى نصفه بالضباب
لقيني صبيٌّ فاسد،
كان يشبه حبي،
والنظرة التي ألقاها عليَّ
جعلتني أخفض من الخجل عيني.
تبعت هذا الولد الشرير
الذي راح يصفر ويداه في جيوبه،
كنا ونحن نسير بين ألبيوت
– طوفان البحر الأحمر المفتوح —
هو أشبه باليهود، وأنا شبيه فرعون.
لتسقط أمواج هذه الأحجار
إن كنت لم تحب!
أنا حاكم مصر
زوجته وأخته، جيشه
إن لم تكن الحب الوحيد.
على دوران شارعٍ مشتعل
بكل أضواء واجهاته
– جراح الضباب الذي ينزف
حيث كانت الواجهات تنوح —
امرأة كانت تشبهه،
كانت نظرتها البشعة،
الندبة على رقبتها العارية.
خرجت سكرانة من حانة
في اللحظة التي عرفت فيها
زيف الحب نفسه.
لما رجع أخيرًا إلى وطنه
الحكيم أوديسيوس
تذكره كلبه العجوز،
أمام سجادةٍ رفيعة الخيوط
انتظرت زوجته أن يعود.
زوج ساكونتاله٢٧ الملكي
فرحت نفسه، وقد سئم الانتصار،
عندما وجدها أكثر اصفرارًا
شاحبة العينَين من الحب والانتظار
تداعب يداها غزالها الذكر.
فكرت في هؤلاء الملوك السعداء
عندما وجدت الحب الكاذب
والحب الذي ما زلت متعلقًا به
تتصادم ظلالهما الخائنة
وتجعلني أشد تعاسة.
أحزان يقوم عليها الجحيم.
لتنفتح لضراعتي سماء النسيان!
لأجل قبلتها كان يموت ملوك العالم.
كان العظماء المساكين
يبيعون ظلهم لأجلها.
قضت الشتاء في ماضٍ.
لتعد شمس الفصح من جديد
لتدفئ قلبًا أشد برودة
من الأربعين (شهيدًا) في سيباست٢٨
الذين كان عذابهم أقل من حياتي.
سفينتي الجميلة، آه يا ذاكرتي
أسافرنا بما يكفي على أمواج
لا تصلح مياهها للشرب؟
هل تهنأ بما فيه الكفاية
من الصباح الجميل إلى المساء الحزين؟
وداعًا أيها الحب الكاذب
يا حب المرأة التي تبتعد عني
والمرأة التي فقدتها
في العام الماضي في ألمانيا
ولن أراها بعد اليوم.
أيتها المجرة، أيتها الأخت الناصعة
للجداول البيضاء في كنعان
ولأجساد المحبين البيضاء
أنتبع — نحن السباحون الموتى — في خشوع
طريقك إلى أفلاك أخرى في الضباب؟
ما زلت أذكر سنةً أخرى.
كل صباح يوم من أيام أبريل
غنيت فرحتي الحبيبة
غنيت للحب بصوت الرجال
في زمن الحب من ذلك العام.

رأس حمراء جميلة

ها أنا ذا أمام الناس جميعًا رجلٌ حصيف٢٩
يعرف الحياة ويعرف عن الموت ما يسع الحي أن يعرفه،
جرب أحزان الحب وأفراحه،
وعرف في بعض الأحيان كيف يفرض آراءه،
مُلم بلغاتٍ عديدة،
تنقَّل بين البلاد،
رأى الحرب في المدفعية والمشاة،
جُرح في رأسه وأُجريت له عملية التربنة تحت البنج،
فقد أعزَّ أصدقائه في الصراع المخيف،
أعرف عن القديم والجديد كل ما يستطيع واحد بمفرده أن يعرف عنهما،
وبغير أن أعني نفسي اليوم بهذه الحرب
فإنني أحكم — فيما بيننا ومن أجلنا يا أصدقائي —
على هذا النزاع الطويل بين التقليد والتجديد٣٠
بين النظام والمخاطرة
أنتم يا من خلق فمهم على صورة فم الله
فم هو النظام بعينه،
كونوا متسامحين عندما تقارنوننا
بأولئك الذين كانوا كمال النظام
نحن الذين نبحث عن المخاطرة في كل مكان،
نحن لا نعاديكم
نريد أن نمنحكم مناطقَ شاسعة وغريبة
يقدم السر المزدهر نفسه فيها لكل من يشاء أن يقطفه،
هناك نيران جديدة وألوان لم يرها أحد من قبلُ،
ألف خيال عديم الوزن
تحتاج لمن يضفي عليها (ثوب) الواقع
نريد أن نكتشف الحنان، تلك البلاد الشاسعة التي يصمت فيها كل شيء،
هنالك أيضًا الزمن الذي يمكن أن يبعد أو يستعاد
ارثوا لحالنا. نحن الذين نحارب دائمًا
على حدود اللامتناهي والمستقبل
ارثوا لأخطائنا، ارثوا لخطايانا.
ها هو ذا الصيف يعود، فصل العنف!
وشبابي مات كما مات الربيع
أيتها الشمس: هذا زمن العقل المتأجج
وأنا أنتظر، كي أتبعه على الدوام، الصورة النبيلة العذبة
التي يتشكل فيها لأحبه هو وحده،
إنه يقبل ويجذبني كما يجذب الحديد حبيبه المغنطيس
له المظهر العذب
لمعبودةٍ حمراء الشعر،
شعرها من ذهب، بل قد نقول
(إنه) وميضٌ جميل يمكن أن يدوم،
أو (شعلات) اللهب التي تزهو
في أزهار الشاي الذاوية.
لكن اضحكوا اضحكوا عليَّ
أيها الناس من كل مكان، وأنتم أيها الناس من هذه البلاد
لأن هناك أشياء كثيرة لا أجرؤ أن أقولها لكم
أشياء كثيرة لن تدعوني أقولها
ارثوا لحالي.
١٩١٨م

الحسناء ذات الشعر الأحمر

ها أنا ذا أفوق الجميع بذكائي
أعرف الحياة وأعرف عن الموت بقدر ما في طاقة إنسان
جرب أحزان الحب وأفراحه،
وفرض آراءه في بعض الأحيان؛
إنسان يعرف لغاتٍ كثيرة
بعد أن رحل في أسفار عديدة،
ورأى الحرب في المدفعية والمشاة،
وجرح في رأسه وعُملت له «التربنة» تحت البنج،
وفقد خيرة أصحابه في الصراع المخيف.
أعرف عن القديم والجديد ما يمكن أن يعرفه عنهما إنسان،
وبغير أن أكثرت اليوم كثيرًا بهذه الحرب
أحكم — فيما بيننا يا أصدقائي ومن أجلنا —
على هذا النزاع الطويل حول التراث والاختراع،
وحول النظام والمغامرة.
أنتم يا من خلقت أفواهكم على صورة فم الله،
فمه الذي هو النظام نفسه،
كونوا متسامحين عندما تقارنون بيننا
وبين أولئك الذين كانوا كمال النظام،
نحن الذين نسعى وراء المغامرة في كل مكان.
لسنا أعداءً لكم
نحن نريد أن نفتح ممالكَ شاسعة وغريبة٣١
حيث يجود سر الأزهار بنفسه لكل من يحب أن يقطفه
هناك نيرانٌ جديدة ألوان لم يرها أحد،
ألف رؤيا لم توضع في ميزان
ولا بد من جعلها حقيقة واقعة
نريد أن نكتشف المروءة والأرض الهائلة التي تصمت فيها الكائنات،
وهناك الزمن الذي لا بد من مطاردته أو إعادته من جديد.
رحمة بنا نحن الذين نناضل باستمرار
على حدود اللامتناهي والمستقبل،
رحمة بأخطائنا رحمة بخطايانا
ها هو ذا الصيف يقبل، موسم العنف الشديد
وشبابي مات كما مات الربيع
إيه يا شمس! هذا زمن العقل الوهاج،
وأنا أنتظر
كي أتبعه دائمًا ذلك الشكل العذب النبيل
الذي يأخذه كي أحبه دون سواه،
إنه يقبل ويجذبني إليه كما يجذب المغنطيس الحديد،
منظره الساحر الفتَّان،
منظر ذات الشعر الأحمر الحسناء،
خصلات شعرها من ذهب وقد تقول
إنه برقٌ جميل يدوم،
أو هو اللقب الذي يختال
في ورود الشاي الذابلة،
لكن أيها الناس في كل مكان وأنتم يا أيها المواطنون
اضحكوا عليَّ اضحكوا؛
فكم من أشياء لا أجرؤ أن أقولها لكم؛
أشياء كثيرة لن تدعوني أقولها
رحمة بي.

(٥) جول سوبرفيي (١٨٨٤–١٩٦٠م)

قلب

إلى خورخه جين.٣٢
يا قلبًا بطيئًا تعود
ولا يدري عَلامَ؟
يا قلبًا ثقيلًا يطوي
في أعماق يقينه
حقولًا بلا أوراق،
شوارع بلا خيل،
سفينة بلا وجوه
وأمواجًا بلا مياه.
قد كانت تكفي شمعة
لتضيء العالم
الذي تدور حياتك
حوله في صمت.
إن كنت لا ترى أحدًا
فأنت تعرف أنهم ينظرون
خلال هذه الأبواب
التي تؤدي إلى ممراتٍ باهتة.
في النوافذ أشكال
بعيونٍ مخفية
وأيادٍ تتحسس
طيورًا ذبيحة.
لكن آلاف الأطفال
يقفزون في الميدان
ويطلقون الصيحات
من صدورهم الواهنة
حتى يظهر رجل ذو لحيةٍ سوداء
– من أي عالم جاء؟ —
ليطاردهم بإشارةٍ واحدة
إلى أعماق السحابة.

المرآة

ليعطوها مرآة في منتصف الطريق
سوف ترى الحياة تنزلق فيها من يدَيها،
ونجمًا يسطع كقلب لا يعرف الاستقرار
تشتد ضرباته حينًا، وحينًا يخفق بغير انتظام.
وعندما يقتربون، سترى طيورها المحبوبة
لكنها لن تفهم شيئًا،
ستحاول، وقد تملَّكها الخوف، أن ترى وجهها،
وستصمت المرآة صمتًا يطول.

وحش الليل الجميل

«يا وحش الليل الجميل، يا من تختلج بالظلمات،
أنت تكشف عن فاهٍ رطب من وراء السماء،
تقترب مني، تمد إليَّ مخلبك
ثم تسحبه كأنما انتابتك الشكوك.
ومع ذلك فأنا صديق إشاراتك المعتمة،
عيناي تلمسان أعماق فرائك الأخرس.
ألا تراني شقيق الظلمات
في هذا العالم، حيث أعيش مواطنًا في عالمٍ آخر٣٣
وأحتفظ لنفسي بأصفى أغاني؟
تعال، أنا أعرف أيضًا مخاوف الصمت
بقلبي العجلان، الذي يراه الصبر،
ويدق على أبواب الموت بغير جواب.
لكن الموت يجيبك على فتراتٍ قصار
عندما يرتطم قلبك المفزوع بالجدار،
وما أنت إلا من عالم، يخشى الناس الموت فيه.»
والعيون في العيون، في خطوات قصار،
يتراجع الوحش في الظل الجسور،
وتزدهر السماء كعادتها بالنجوم.

خيول الزمن

عندما تتوقف خيول الزمن أمام بابي،
أتردد قليلًا في النظر إليها وهي تشرب،
لأنها تروي عطشها من دمي.
وتتلفَّت إلى وجهي بأعين ملؤها العرفان،
بينما تغمرني رشفاتها الطويلة بالضعف
وتتركني في حال من السأم، والوحدة، والاضطراب
بحيث تستولي ليلةٌ عابرة على جفوني
وأظل أجاهد لاستعادة قواي
حتى أستطيع ذات يوم، عندما تأتي الخيول العطاش
أن أبقى على قيد الحياة لأسقيها.

(٦) سان جون بيرس (١٨٨٧م–؟)

… ثم هذا الذباب، هذا النوع من الذباب، والدرجة الأخيرة في الحديقة … صوت نداء، أنا قادم أتكلم في خشوع.
إن لم تكن هي الطفولة فماذا كان هناك قديمًا، ولم يعد له وجود؟
سهول! منحدرات! كان هناك مزيد من النظام! ولم يكن كل شيء إلا ممالك نور وحدودًا منيرة.
وقديمًا كان الظل والضوء أقرب إلى
شيءٍ واحد بعينه … أتكلم عن خشوع … على حافة الحديقة كان يمكن أن تسقط الثمرة بغير أن تفسد البهجة على حافة شفاهنا٣٤ والرجال كانوا يثيرون مزيدًا من الظلام بفمٍ أكثر جدًّا،
والنساء يثرن مزيدًا من الأحلام بأذرع أشد سأمًا
… أعضائي تنمو، وتثقل، تغذيها الشيخوخة! أبدًا لن أرى مكانًا مقسمًا بين الطواحين
وحقول القصب — حلمًا للأطفال — في مياهٍ مسرعة صداحة … على اليمين. كانوا يحضرون القهوة، وعلى اليسار نبات التابيوكا٣٥ (يا للمناديل المطوية! يا للأشياء المحمودة!)، وهنا كانت الجياد تقف بأفواهها الموسومة، والبغال المقصوصة الشعر، وهناك الثيران؛ هنا السياط، وهناك صيحة طائر «الأناو»٣٦ وهناك أيضًا جراح أعواد القصب في الطاحونة،
وسحابة بنفسجية وصفراء، بلون برقوق الإيكاكو، تكف فجأة عن تتويج البركان الذهبي، وتنادي الخادمات بأسمائهن،
فيخرجن من أعماق كهوفهن!
إن لم تكن هي الطفولة، فماذا كان قديمًا هناك، ولم يعد له وجود؟ …
للاحتفال بطفولة، ٣
مطلع هذه الأغنية لهم يُهدَ للشواطئ ولم يوهب للصفحات … أناس آخرون يمسكون في المعابد قرون المذبح الملونة:
مجدي فوق الرمال! مجدي فوق الرمال! …
وما كان خطأً وضلالًا، أيها الحاج، هذا النهم إلى الخلاء العاري، لكي أجمع في خلجان المنفى قصيدةً عظيمة ولدت من العدم، قصيدةً
عظيمة خلقت من العدم … اصفري، أيتها المقاليع فوق العالم، غنِّي، أيتها الأصداف فوق الماء!
بنيت فوق الهاوية والزبد وغبار الرمال: سأنام في الصهاريج وفي بطون السفن الخاوية،
في كل مكانٍ موحش وعقيم، يرقد فيه الإحساس بالعظمة وهو كسير.
قليلة الأنفاس التي رفَّت على جنس الجوليين، قليلون هم الأعوان الذين التفوا حول طائفة الكهنة العظام.
إلى حيث تمضي الرمال بأغانيها، يمضي أمراء المنفى،
حيث كانت الأشرعة عالية، يمضي الحطام أشد نعومة من حلم صانع الأوتار،
حيث كانت معارك الحروب الكبيرة، يشحب فك الحمار،
والبحر في دورته يدفع صليل الجماجم إلى الشطآن، وذات مساء، على حافة العالم،
روى لنا محاربو الرياح فوق رمال المنفى
أن كل أشياء العالم عندهم وهم وسراب …
يا حكمة الزبد، يا أوبئة الروح في أزيز الملح
والجير الذي لم يطفأ!
علم يأتيني من عذاب النفس …
لتحكِ لنا الريح عن نهبها وسلبها، لتحكِ لنا الريح عن وهمها وضلالها!
كالفارس، والحبل في قبضته، على مشارف الصحراء،
أتلصص في الدائرة الشاسعة على
ارتفاع العلامات المواتية …
والصباح تشير لنا إصبعه المتنبِّئة بين
الكتابات المقدسة.
المنفى لا يعود إلى الأمس فقط! المنفى لا يعود إلى الأمس!
«أيتها الآثار، أيتها الرسل»، هكذا يتكلم الغريب بين الرمال، «كل
ما في الأرض جديد عليَّ! …»
وميلاد أغنيته ليس أقل غرابة لديه.
منفى، ٢

مدائح ٢

وخادمات أمي، فتياتٌ طويلاتٌ مضيئات … وأجفاننا الخرافية … يا للبهاء! يا للجميل!
دعوت كل شيء، فرويت أنه كان عظيمًا، دعوت كل حيوان، فذكرت كيف كان جميلًا وعطوفًا.
يا لأزهاري الضخمة النهمة، بين أوراق الشجر الحمراء، تلتهم جميع حشراتي الجميلة الخضراء! باقات الأزهار في الحديقة فاحت برائحة مقبرة العائلة. وأخت صغيرة جدًّا ماتت: كان لدي تابوتها الذي يعبق بعبير الماهون٣٧ بين مرايا حجراتٍ ثلاث. ولم يكن من الواجب قتل الطائر الطنان بحجر …
لكن الأرض كانت تجثم قابعة في ألعابنا٣٨ كما تفعل الخادمة، تلك التي كانت تملك الحق في كرسي عندما تبقى الأسرة بين جدران البيت.
مدائح، ١٩١١م

قصيدة للغريبة

لكن مساء العصر العظيم٣٩ هذا والصبر العظيم، في الصيف المثقل بالمنحدرات وما السمك٤٠ المعتم، لتخليص أناس مصابيحكم من أعماق الهاوية،٤١ (ها أنا ذا) رجل جد وحيد، أسير في هذا الحي
المرتفع، (حي) مؤسسات العميان، والمستودعات المكفَّنة (في أوراق الأشجار)، والديوان الحبيسة من أجل الموتى، المحيطة بالبوابات والمروج وكل هذه الحدائق الجميلة على النسق الإيطالي
التي تركها أصحابها ذات مساء، وقد راعهم شذا القبر،
و(ها أنا ذا) أسير في طريقي، أيتها
الذكريات! بخطى إنسانٍ حر،
بلا قطيع ولا ذكريات، بين غناء الساعات
الزجاجية، جبهتي عارية، يُكلِّلها النحل الفسفوري، تحت سماءٍ شاسعة
من صلبٍ أخضر كما لو كنت في أعماق البحر، أصفر لشعبي من العرافين، أصفر لشعبي من المنكرين (الكافرين)، وأنا ما زلت ألاطف في الحلم بيدي، بين كائناتٍ كثيرة غير مرئية، كلبتي التي (تعيش) في أوروبا وكانت بيضاء كما كانت شاعرة أكثر مني.
إلى غريبة، ١٩٤٢م

هذا الذي يجوب الدروب الحجرية في منتصف الليل، لكي يقدر قيمة شهابٍ جميل؛ والذي يحرس، بين حربين، نقاء العدسات البللورية الكبيرة، الذي صحا من نومه قبل طلوع النهار لكي يطهر الينابيع، وقد انتهت الأوبئة العظيمة؛ الذي يسكر في وليمة بأعالي البحار مع بناته وزوجات أبنائه، وكان هناك ما يكفي من رماد الأرض …

الذي يتملق الجنون في المصحات الكبيرة (المطلية) بالطباشير الأزرق ويوم الأحد فوق (سنابل) القمح، في ساعة العمى الشديد؛ الذي يصعد للأرغن الوحيد،٤٢ عند دخول الجيوش؛ الذي يحلم ذات يوم بمغارات حجريةٍ كبيرة، بعد الظهر بقليل، في ساعة الترمل … الترمل الكبير؛ الذي يوقظه في البحر، تحت رياح تهب من جزيرةٍ منخفضة، عطرٌ جاف منبعث من زهرةٍ رمليةٍ صغيرة؛٤٣ الذي يحرس في الموانئ … الموانئ أذرع نساء من جنسٍ غريب، وثمة مذاق نبات نجيلي٤٤ في الرائحة المنبعثة من إبط الليل العميق، والوقت بعد منتصف الليل بقليل، في الساعة التي يدلهمُّ فيها الظلام؛ الذي ينام وتتحد أنفاسه بأنفاس البحر، وعندما تثور الأنواء٤٥ يتقلب فوق فراشه كسفينة تتوقى الريح …

الذي يسير على الأرض في اتجاه المراعي الكبيرة، الذي يقدم النصيحة في أثناء الطريق لعلاج شجرةٍ عتيقة؛ الذي يصعد بعد العاصفة فوق الأبراج الحديدية ليتشمم هذا المذاق النباتي المعتم الذي يفوح في الغابة من أشجار العوسج؛ الذي يسهر في الأماكن المقفرة على مصير خطوط التلغراف العظيمة …

الذي يفتح حسابًا في البنك لرعاية الأبحاث العقلية، الذي يدخل دائرة عمله الجديد وهو أشد ما يكون حماسًا وانفعالًا، وبعد مضي ثلاثة أيام لا يكترث بصمته أحد ما خلا أمه، ولا يسمح لأحد بدخول حجرته فيما عدا أكبر الخادمات سنًّا؛ الذي يسوق دابته إلى الينابيع دون أن يشرب هو منها؛ الذي يتخيل أنه يستنشق من السروج رائحة أشد نفاذًا من رائحة الشمع …

الذي يضع المهام الكبرى للغة في مراتب ودرجات؛ الذي تُعرض عليه، من أعلى مكان، أحجارٌ هائلة تتألق باللهب الصامد …

أولئك هم أمراء المنفى، وليسوا في حاجة لأغنيتي …

منفى، ٦، ١٩٤٢م

(٧) بول إلوار

مرآة لحظة

تبعثر النهار،
تبِينُ الصورُ للناس خالصة من المظهر،
تسلب الناس القدرة على التشتت.
هي صلبة كالحجر.
الحجر الذي لا شكل له،
حجر الحركة والرؤية،
وبريقها من النوع الذي يجعل كل الأسلحة،
وكل الأقنعة تبدو كاذبة.
حتى ما تُمسك به اليد، يزدري أن يأخذ شكل اليد
ما وعاه الفهم، ليس له وجود،
الطائر اختلط بالريح،
والسماء بحقيقتها،
والإنسان بواقعه.

العاشقة

تقف على جفوني
وشعرها في شعري،
لها شكل يدي،
لها لون عيني،
تغوص في ظلي
كحجر على السماء.
عيناها مفتوحتان أبدًا
ولا تتركني أنام.
أحلامها في الضوء الساطع
تجعل الشموس تتبخر،
تجعلني أضحك، أبكي، أضحك،
أتكلم دون أن أعرف ما أقول.
١٩٢٤م

عاشقة

عاشقة تلوذين بالسر خلف ابتسامتك
(عندما) تكشف كلمات الحب العارية
عن نهدَيك وعنقك
وأردافك وجفونك
تكتشف الضمات جميعًا
لكيلا تبين القبلات في عينيك
أحدًا سواك، بكليتك.
الحب، الشعر، ١٩٢٩م

أخفي الكنوز السوداء

أخفي الكنوز السوداء
للتراجعات المجهلة
قلب الغابات، نعاس
صاروخ ملتهب،
الأفق الليلي
الذي يتوجني،
أستبق خطاي
وأنا أحيي بسرٍّ جديد
ميلاد الصور.
الحب، الشعر، ١٩٢٩م

حبي

(يا) حبي لأنك مثلت٤٦ رغباتي
وضعت شفتيك كالنجم في سماء كلماتك
قبلاتك في الليل الحي
وصحوة ذراعيك حولي
كأنها شعلة (ترسم) علامة انتصار
أحلامي عن العالم
واضحة ومستديمة
وعندما تغيبين
أحلم أنني أنام، أحلم أنني أحلم.
الحب، الشعر، ١٩٢٩م

عنف …

عنف رياح الفضاء،
سفن وجوهٍ قديمة،
مأوًى دائم
وأسلحة للدفاع،
شاطئ مهجور،
طلقة نار، طلقةٌ واحدة،
فزع الأب،
الذي مات من زمنٍ بعيد.
١٩٣٢م

بالكاد مشوه

وداعًا يا حزن.
صباح الخير يا حزن.
أنت منقوش في خطوط السقف.
أنت منقوش في العيون التي أحبها.
لست التعاسة تمامًا
لأن أتعس الشفاه تشي بك
بابتسامة.
صباح الخير يا حزن.
(يا) حب الأجساد المحبوبة،
(يا) قوة الحب
التي تثب محبتها٤٧
كوحش بلا جسد،
رأس خائب الأمل،
حزن وجه جميل.
الحياة المباشرة، ١٩٣٢م

وجود

الجبهة كرايةٍ ضائعة،
أجرك، عندما أكون وحيدًا
في شوارعَ باردة،
حجرات سوداء،
وأصرخ في عذاب.
لا أريد أن أتركهما،
يديك الواضحتَين العسيرتَين،
المولودتَين في مرآة يدي المقفلة.
كل ما عدا ذلك حسن،
كل ما عدا ذلك أشد عقمًا
من الحياة.
احفري الأرض تحت ظلك.
ماء بالقرب من النهدين
يغرق الإنسان فيه
كالحجر.
١٩٣٦م

لا أطمع إلا في حبك

لا أطمع إلا في حبك
عاصفة تملأ الوادي
سمكة (تملأ) النهر
صنعتك على قدر وحدتي
العالم كله لتختبئ فيه
الأيام الليالي لنفهم بعضنا
لئلا أرى في عينَيك
إلا رأيي فيك
وفي عالم على صورتك
وأيام وليالٍ تحكمها جفونك.
العيون الخصبة، ١٩٣٦م

القبلة

دافئة لا تزالين من الغطاء المرفوع٤٨
تغمضين العينَين وتتقلبين
كما تتقلب أغنية تولد
غامضة، لكن من كل مكان
عطرة وشهية،
تتجاوزين، بغير أن تنكري نفسك،٤٩
حدود جسدك.
خطوت فوق الزمان
وها أنت ذي امرأة جديدة
تكشفت على اللانهاية.
تفكير عاشق طويل، ١٩٤٥م

العدالة الحقة

هذا قانون البشر الدافئ؛
من العنب يصنعون النبيذ،
من الفحم يصنعون النار،
من القبلات يصنعون البشر.
هذا قانون البشر القاسي؛
يحافظون على سلامتهم
رغم الحروب والشقاء
رغم مخاطر الموت.
هذا قانون البشر العذب؛
يجعلون الماء ضياءً،
الحلم حقيقة،
والأعداء إخوة.
قانونٌ قديم وجديد
ينشد الكمال كل يوم
من أعماق قلب الطفل
إلى العقل الأسمى.

معنا سيحيا كل شيء

(أيتها) الحيوانات (يا) أعلامي الذهبية الحقة
أيتها السهول يا مغامراتي الناجحة
أيتها الخضرة النافعة أيتها المدن الحية،
سوف يتقدمك رجال ذات يوم؛
رجال من تحت العرق الضربات الدموع،
لكنهم سيقطفون كل أحلامهم.
أرى رجالًا صادقين حساسين طيبين نافعين
يطرحون حملًا أخفَّ من الموت
وينامون من الفرح في ضوضاء الشمس.

عيونهم الصافية أبدًا

أيام الخمول، أيام المطر،
أيام المرايا المكسورة والإبر الضائعة،
أيام الأجفان المغمضة على أفق البحار،
الساعات المتشابهة أبدًا، أيام الحصار،
روحي التي كانت لا تزال تسطع فوق الأوراق والأزهار،
روحي عارية كالحب،
الفجر الذي تنساه يجعلها تخفض الرأس
وتتأمل جسدها الخاضع العقيم.
مع هذا، رأيت أجمل ما في العالم من عيون،
آلهةً فضية، تمسك بأحجار الياقوت في أيديها،
آلهةً حقيقية، طيورًا في الأرض
وفي الماء، أنا رأيتها.
أجنحتها هي أجنحتي، وليس هناك
سوى طيرانها الذي يهزُّ شقائي،
طيران النجوم والضياء،
طيران الأرض، طيران الحجر
على أمواج أجنحتها.
فكري، يحمله الموت والحياة.

بلا عمر

نتقدم
في الغابات.
اسلكوا شارع الصباح،
اصعدوا درجات الضباب!
نتقدم
يتشنَّج قلب الأرض.
ما زال هناك
يوم نهديه إلى العالم.
سترحب السماء.
فقد سئمنا السكن،
في أطلال النوم،
في ظل الراحة الدنيء
في ظل التعب والملل.
الأرض ستتخذ شكل أجسامنا الحية،
الريح ستجري على هوانا،
الشمس والليل سيعبران في عيوننا،
بغير أن يغيراها أبدًا.
قضاؤنا الأكيد، هواؤنا النقي قادران،
على ملء الفراغ الذي حفرته العادة.
سنرسو جميعًا على شط ذاكرةٍ جديدة،
سنتحدث معًا لغةً محسوسة.
آه يا أخوتي المتنازعين، يا من تحفظون في حدقاتكم
الليل المندفق ورعبه،
أين تركتكم؟
بأيديكم الثقيلة في الزيت الكسول
زيت أفعالكم الماضية؛
بقليل من الأمل، حتى ليصبح الموت على حق،
يا إخوتي الضائعين،
أنا أستقبل الحياة، أنا أحمل شكل الإنسان؛
لأثبت أن العالم قد خلق على قدري.
وأنا لست وحيدًا.
ألف صورة مني تضاعف نوري،
ألف نظرةٍ مشابهة تسوي الجسد.
الطائر، الطفل، الصخر، السهل
تنضمَّ إلى صحبتنا.
الذهب ينفجر ضاحكًا إذ يرى نفسه خارج الهاوية.
الماء، والنار يتعريان لفصلٍ واحد.
ما عاد هناك كسوف على جبهة الكون.
أيدٍ تعرفتها أيدينا،
شفاه ذابت في شفاهنا،
أول دفء الزهور
اتحد مع انتعاش الدم.
المنشور يتنفس معنا،
فجر ناصع،
على قمة كل عودٍ ملكي،
على رءوس الأعشاب، على أطراف الثلوج
والأمواج والرمال المقلوبة
والطفولات الصامدة
خارج كل الكهوف
خارج أنفسنا.

عن أحد أبطال المقاومة

الليلة التي سبقت موته
كانت أقصر ليالي حياته،
وفكر أنه ما زال حيًّا؛
فالتهب دمه في قبضتَيه،
ثقل جسده أضجره،
قوته جعلته يئنُّ؛
في قلب هذا الرعب
بدأ يبتسم،
لم يكن له رفيقٌ واحد
بل ملايين وملايين،
كان يعلم أنهم سيثأرون له
ثم أشرق عليه النهار.

اغتالوا جارثيا لوركا

بيت من كلمة واحدة.٥٠
وشفاه اتحدت لتعيش،
طفل صغير بلا دموع
في حدقتَيه اللتين من ماء ضائع
ضوء المستقبل
يغمر الإنسان قطرة قطرة
حتى الجفون الشفافة.

اعدموا سان-بول-رو

عذبوا ابنته
مدينةٌ ثلجية ذات أركانٍ متشابهة
أحلم فيها بالثمار الناضرة،
بالسماء كلها وبالأرض
وكأني أحلم بالعذارى تعرَّين
في لعبة لا تنتهي أبدًا،
يا أحجارًا ذاوية يا جدرانًا بلا أصداء،
إني أتحاشاك بابتسامة
«ديكور» حكم عليه بالإعدام.

الفجر يبدد الوحوش٥١

لم يعلموا
أن جمال الإنسان أسمى من الإنسان،
عاشوا ليفكروا، فكروا ليصمتوا،
عاشوا ليموتوا، كانوا فاشلين،
استعادوا براءتهم في الموت،
نظموا
تحت اسم الثورة
بؤسهم عشيقاتهم،
مضغوا الزهور والابتسامات
لم يجدوا القلب إلا في أفواه بنادقهم،
لم يفهموا إهانة الفقراء
الفقراء الذين سيتحررون غدًا من همومهم.
خلدتهم الأحلام بلا شموس،
ولكنهم لكي يحولوا السحابة إلى وحل
انحدروا لم يرفعوا جباههم للسماء.
كل ليلهم موتهم ظلهم الجميل شقاء؛
شقاء للآخرين.
سوف ننسى هؤلاء الأعداء البلداء.٥٢
وقريبًا تأتي جماهير
تعيد بصوتٍ هامس ما قاله اللهب؛
اللهب من أجلنا معًا من أجلنا وحدنا صبرًا،
لكلينا قبلة الأحياء في كل مكان.

الأغبياء والأشرار

يأتون من الداخل،
يأتون من الخارج
أولئك أعداؤنا!
يأتون من أعلى،
يأتون من أسفل،
من قريب وبعيد،
من يمين وشمال،
في ملابس خضر،
في ملابس قاتمة،
السترة شديدة القصر،
المعطف شديد الطول،
والصليب معقوف،
طوال ببنادقهم،
قصار بمديهم،
فخورون بجواسيسهم،
مزهوون بجلاديهم،
ومثقلون بالأحزان،
أسلحتهم تبلغ الأرض،
أسلحتهم تنفذ في الأرض،
متصلبون عندما يؤدون التحية،
متصلبون من الرعب
أمام رعاتهم،
سكارى من الجعة،
سكارى من القمر،
ينشدون بوقار
أغنية الأحذية الضخمة،
نسوا فرحة٥٣
من يحبه الناس!
إذا قالوا نعم
أجاب كل شيء بلا!
عندما يتكلمون عن الذهب
يصبح كل شيء رصاصًا،
ولكن محاربة ظلمهم
تحيل كل شيءٍ ذهبًا،
وترد كل شيءٍ إلى الشباب.
فليذهبوا فليموتوا؛
إن موتهم يكفينا.
نحن نحب الناس،
وسينجون بأنفسهم،
وسوف نعمل على ذلك
في صبيحة يوم النصر
(لبناء) عالمٍ جديد؛
عالمٍ سليم.

الموت الحب الحياة

ظننتني قادرًا على كسر الأعماق اللانهاية
بحزني العاري الوحيد بلا أصداء،
تمددت في سجني ذي الأبواب العذرية
مثل ميتٍ عاقل عرف كيف يموت؛
ميت غير متوَّج إلا بعدمه،
تمددت فوق الأمواج الباطلة
وقد أهلكني السم من حبي للرماد.
الوحدة بدت لي أكثر حياة من الدم،
أردت أن أمزق الحياة،
أردت أن أشارك الموت في الموت،
أن أرد قلبي إلى الفراغ والفراغ إلى الحياة،
أن أمحو الكل لكيلا يبقى شيء لا النافذة ولا الأنفاس
لا شيء أمامها ولا شيء وراءها لا شيء على الإطلاق.
تخلصت من ثلج الأيدي المضمومة،
تخلصت من هيكل العظم الشتوي
لرغبة الحياة التي تلغي نفسها.
جئت فالتهبت النار من جديد؛
الظل تنحَّى برد الأعماق انتثرت فيه نجوم،
والأرض تغطت
بجسدك الناصع وشعرت أنني خفيف،
جئت فانهزمت الوحدة،
أصبح لي دليل على الأرض،
عرفت وجهتي علمت أنني بلا حدود،
تقدمت كسبت المكان والزمان،
سرت نحوك سرت بلا انقطاع نحو النور،
الحياة صار لها شكل الأمل نشر جناحه،
النوم تقطرت منه الأحلام والليل
وعد الفجر بنظرات ملؤها الثقة والاطمئنان،
أشعة ذراعَيك شقت الضباب،
فمك كان مبتلًا بقطرات الندى الأولى،
الراحة الباهرة حلت محل التعب،
وتبتلت للحب كما فعلت في أيام الشباب،
الحقول مخضرة بالزرع والمصانع تلمع،
والقمح يبني عشه في موجةٍ هائلة،
الحصاد الكروم لها شهود بلا عدد،
لا شيء بسيط لا شيء عجيب،
البحر في عيون السماء أو الليل،
الغابة تمنح الأشجار الأمان،
وجدران البيوت متشابهة الجلود،
والطرق تتقاطع على الدوام،
خلق البشر ليسمعوا بعضهم،
ليفهموا ويحبوا بعضهم بعضًا،
لهم أطفال سيغدون أباء للبشر،
لهم أطفال بلا بيت ولا نار
سيعيدون صنع البشر
والطبيعة ووطنهم
وطن كل الناس
كل الأزمان.

الصدفة

للصدفة ملحمة، لكن فلنعدل عنها الآن.
كل الأفعال مساجين عبيد
لهم لحى عجائز،
والكلمات التقليدية
لا قيمة لها إلا في ذاكرتهم.
للصدفة كل ما يلتهب، كل ما يؤلم،
كل ما يبلي، كل ما يعضُّ، كل ما يقتل،
لكن ما يلمع كل يوم
هو تجانس.٥٤ الإنسان والذهب
هو نظرة اقترنت.٥٥ بالأرض.
للصدفة تحرر،
للصدفة الشهاب،
والسماء الخالدة لرأسي
تنفتح لشمسها
لخلود الصدفة.
عاصمة الألم، ١٩٤٦م

شعرك البرتقالي

شعرك البرتقالي في فراغ العالم،
في فراغ الألواح الزجاجية المثقلة بالصمت والظل
حيث تبحث يداي العاريتان عن كل انعكاساتك.
صورة قلبك طيف خيال.٥٦
وحبك يشبه رغبتي المفقودة
إيه يا زفرات من عنبر، يا أحلامًا، يا نظرات.
لكنك لم تكوني دائمًا معي. ذاكرتي
ما زالت (ملفوفة) في الظلام لأنها رأتك تأتين وتذهبين.
الزمن، كالحب، يلجأ للكلمات.٥٧
عاصمة الألم، ١٩٤٦م

هي …

هي تكون، ولكنها تكون في منتصف الليل فحسب، عندما تضم كل الطيور البيضاء
أجنحتها على الظلمة الجاهلة، عندما تخفي شقيقة آلاف اللآلئ
كلتا يديها في شعرها الميت، عندما يفرح القائد الروماني المنتصر
بنشيجه، بعدما سئم استسلامه للفضول، هذا الدرع الرجولي
البراق للشهوة. هي من العذوبة بحيث حوَّلت قلبي. كنت أشفق من الظلال الكبيرة التي تغزل أبسطة اللعب والزينة، كنت أخاف من الْتواءات الشمس في المساء، من الغصون التي لا تنكسر، والتي تظهر نوافذ كل كراسي الاعتراف حيث تنتظرنا هناك نساءٌ غارقات في النوم.
آه يا تمثال الذكرى، يا خطأ الشكل، يا خطوطًا غائبة،
يا لهبًا خابيًا في عينيَّ المغمضتَين، أنا أمام رقتك.٥٨ كطفل في الماء، كباقة ورد في غابةٍ كبيرة. بالليل يتقلب الكون في دفئك،
وتصبح إشارات الشوارع في مدن الأمس ألطف من وردة شوكية.٥٩ وأشد امتلاكًا للقلب من لحظة الزمن.٦٠ على البعد
تتكسر الأرض في ضحكٍ جامد، السماء تلف الحياة:
كوكب حبٍّ جديد يشرق في كل مكان، وأخيرًا، فما من دليل بعد على وجود الليل.

لغة الألوان

أعرفك (يا) ألوان الرجال والنساء،
زهور نضرة، ثمار عطنة، هالات منتثرة
موشورات.٦١ موسيقية، (كتل) ضباب أبناء الليل
ألوان، وكل ما يفتح عيني مضيء
ألوان، وكل ما يدفعني للبكاء كئيب
ألوان العافية، الرغبة، الخوف
وعذوبة الحب تضمن.٦٢ المستقبل
ألوان جريمة وجنون وتمرد وشجاعة
والضحك في كل مكان يعري السعادة،
وأحيانًا العقل الذي يبصقنا (ﮐ) أغبياء
ودائمًا العقل الذي يعيد خلقنا عظماء،
خفق الدم على كل دروب العالم،
ألوان: ليحفر اليأس الليل (كما يشاء)،
ولتسود الألغاز.٦٣ المؤرقين حتى العظام،
فالأحلام تشرق بالجمال (و) الخير.
إن يقم الشتاء في ركن من قلبي،
ففي (الركن) الآخر أرى بوضوح وأرجو و(أبتهج) بالألوان،٦٤
أعكس أخصب جسدًا سوف يدوم،٦٥
أكافح، أسكر بالكفاح من أجل الحياة،
في نصاعة الآخرين أشيد انتصاري.
١٩٤٩م

نقد الشعر

النار توقظ الغابة
الجذوع القلوب الأيدي الأوراق
السعادة في باقة واحدة
مضطربة خفيفة ذائبة محلاة.٦٦
غاية كاملة من الأصدقاء
تتجمع حول النوافير الخضر
للشمس الطيبة والغابة الملتهبة.

على الشعر أن يستهدف الحقيقة العملية

(إلى أصدقائي الطموحين.)

إن قلت لكم إن الشمس في الغابة
تشبه جدًّا يهب نفسه في الفراش
صدقتموني لبيتم كل رغباتي!
إن قلت لكم إن بلور يوم يطير
يتردد (صداه) دائمًا في كسل الحب
صدقتموني أطلتم زمن الحب
إن قلت لكم: على أغصاني فراشي
طائر يبني عشه ولا يقول أبدًا نعم
صدقتموني شاركتموني عذابي.٦٧
إن قلت لكم في أعماق نبع.٦٨
مفتاح نهر يدور ليشقَّ الخضرة.٦٩
صدقتموني، بل فهمتوني
فإذا تغنيت مباشرة.٧٠ بشارعي كله
وبلدي كلها التي تشبه شارعًا لا ينتهي
لم تصدقوا كلامي، ذهبتم للصحراء
لأنكم تسيرون بلا هدف لا تعرفون أن الناس
في حاجة إلى الاتحاد إلى الأمل إلى الكفاح
من أجل تفسير العالم ومن أجل تغييره.
بخطوةٍ واحدة من قلبي سآخذكم معي،
إني مسلوب لقوة، عشت وما زلت أعيش،
لكني أعجب من نفسي إذ أتكلم كي أبهجكم
بينما أريد أن أحرركم لكي أوحد بينكم
وبين أعشاب البحر وأعواد الفجر
وإخوتنا الذين يشيدون نورهم.

(٨) أندريه بريتون (١٨٦٩–١٩٦٧م)

فعل يكون

أعرف اليأس بملامحه الكبيرة. اليأس ليست له أجنحة، إنه لا يجلس بالضرورة أمام مائدةٍ خالية في شرفة، بالليل على شاطئ البحر. إنه اليأس، لا عودة بعض الأشياء الصغيرة كالبذور، التي تترك عند هبوط الليل حفرة من أجل حفرةٍ أخرى. ليس هو الأعشاب على حجر ولا هو كأس الشراب.
إنه سفينة ثقبها الثلج، إن شئت هذا، كالطيور التي تهبط وليس لديها أدنى كثافة. أعرف اليأس بملامحه الكبيرة. شكلٌ صغير جدًّا، تحدُّه جواهر معلقة بالشعر.
إنه اليأس. عقد لؤلؤ، لا يعرف الإنسان له قفلًا بل ولا يعلق وجوده في خيط، ذلك هو اليأس. نحن لا نتكلم عن شيءٍ آخر. نحن لا نكف عن اليأس، إذا ما بدأناه. أنا، أنا أيئس من غطاء المصباح حول الساعة الرابعة، أيئس من المروحة حول منتصف الليل، أيئس من سيجارة المحكوم عليهم. أعرف اليأس بملامحه الكبيرة. اليأس لا قلب له، اليأس المقطوع الأنفاس يفتتح اللعبة دائمًا، اليأس الذي لا تقول لنا المرايا أبدًا إن كان قد مات. أنا أعيش على هذا اليأس الذي يفتنني. أحب هذه الذبابة الزرقاء، التي تطير في السماء عندما تدندن النجوم. أعرف اليأس بملامحه الكبيرة، اليأس باندهاشاته الطويلة النحيلة، يأس الكبرياء، بأس الغضب. أستيقظ كل صباح كما يفعل كل الناس وأفرد ذراعي على بساط من الورق منقوش بالزهور، لا أتذكر شيئًا، وأكتشف دائمًا في يأسٍ أشجار الليل الجميلة التي اقتلعت من جذورها.
هواء الحجرة جميل مثل عصى الطبلة. إنه جو الجو. أعرف اليأس في ملامحه الكبيرة. إنه كريح الستارة التي تساعدني في الشدائد. هل خطر مثل هذا اليأس على بال أحد! نار! آه، إنهم سيعودون … النجدة!
ها هم أولاء يسقطون في بير السلم … وإعلانات الجرائد، واللافتات المضيئة على طول القنال. كوم الرمال، اذهب يا كوم الرمال السخيف! في ملامحه الكبيرة ليس لليأس أهمية. إنه سخرة أشجار، تتكون منها غابة، إنه سخرة نجوم، ستصنع يومًا أقل، إنه سخرة أيام أقل، ستصنع حياتي.

يقظة

برج سان جاك في باريس
الذي يتمايل كزهرة عباد الشمس
يخبط السين بجبهته في بعض الأحيان وينزلق ظله
دون أن يلحظه أحد بين السفن الجرارة
في هذه اللحظة أسير في نومي على أطراف قدميَّ
وأتَّجه إلى الحجرة التي أتمدد فيها،
وهناك أوقد النار
لكيلا يبقى شيء من هذه الموافقة التي انتُزعت مني،
عندئذٍ تستحيل قطع الأثاث إلى حيوانات تشبهها في الحجم،
تنظر إليَّ نظراتٍ أخوية،
أسود تلتهم أعرافها الكراسي الوثيرة،
أسماك قرش تزدرد الرعشة الأخيرة لملاءات السرير!
في ساعة الحب والجفون الزرقاء
أراني أحترق بدوري، أرى هذا الصندوق الحفي للعدم
الذي كأنه جسدي
تحفره المناقير الصابرة لطيور أبيس النارية،
وعندما ينتهي كل شيء أدخل السفينة.٧١ دون أن يراني أحد
دون أن ألتفت لعابري السبيل
الذين تتردد أصداء خطاهم الثقيلة على البعد
أرى ذؤابات الشمس
عبر شجيرات المطر الشوكية،
أسمع ثياب البشر وهي تتمزق كورقة شجرةٍ كبيرة
تحت أظفر الغياب والحضور (وهما متآمران)
كل الحرف تذبل، لا يبقى منها غير طرف نسيج معطر.٧٢
صدفة من الدنتيلا لها الشكل الكامل للصدر
ما عدت ألامس إلا قلب الأشياء،
أمسك في يدي الخبط.

(٩) لوي أراجون (١٧٩٨م–؟)

ريشارد الثاني — أربعون

وطني مثل مركب
تخلى عنه ملاحوه،
وأنا مثل حاكم
هو أشقى من الشقاء،
ظل ملكًا على أحزانه!
ما الحياة الآن إلا مناورة،
الريح لا تحسن تجفيف الدموع
لا بد أن أكره كل ما أحب،
أن أجعلهم يحصلون على كل ما فقدت،
ما زلت ملكًا على أحزاني،
ليكفَّ القلب، إذا شاء، عن الخفقان،
ليسل الدم بلا حرارة،
اثنان لم يعودا يساويان أربعة،
كما يلعب اللصوص في ألعاب الأطفال
سأظل ملكًا على أحزاني!
لتمت الشمس أو تولد من جديد
السماء قد فقدت ألوانها
يا باريس شبابي المحبوبة
وداعًا يا ربيع «الأرصفة الوردية».٧٣
ما زلت ملكًا على أحزاني
فروا بعيدًا عن الغابات والينابيع
أسكتي أيتها الطيور المشاكسة
أغانيك فرض عليها الحصار
اليوم يحكم صياد الطيور
ما زلت ملكًا على أحزاني
هناك زمن للعذاب
عندما جاءت جان إلى «فوكولير».٧٤
آه! مزقوا فرنسا إربًا
فقد كان النهار بهذا الشحوب
ما زلت ملكًا على أحزاني.
انكسار القلب، ١٩٤٠م

الليالك والورود

آه يا شهر الازدهار يا شهر التحولات
مايو الذي خلا من السحب ويونيو المطعون
أبدًا لن أنسى الليالك ولا الورود
ولا أولئك الذين حفظهم الربيع في ثناياه.
أبدًا لن أنسى الوهم المأساوي
الطابور الصيحات الجمهور والشمس
العربات المحملة بالحب هدايا بلجيكا
الهواء المرتعش والطريق الذي يطنُّ النحل فيه
الانتصار الطائش قبل أن تبدأ المعركة
الدم الذي تصوِّره القبلة بلون الياقوت
وهؤلاء الذين سيموتون وقوفًا في الأبراج
تحيط بهم الليالك من شعبٍ سكران
أبدًا لن أنسى حدائق باريس
شبيهة بكتب القداس في القرون الخالية،
ولا اضطراب الأمسيات لغز السكون
الورود على طول الطريق الذي قطعناه
كذبة الزهور لرياح الرعب،
للجنود العابرين على جناح الخوف،
للدراجات الهاذية للمدافع الساخرة،
لبزة المعسكرين الباطلين الجديرة بالرثاء.
لكنني لا أدري لماذا تعيدني هذه الدوامة من الصور
دائمًا إلى نفس المحطة
عند سانت — مارت، أغصان سوداء
دارة نورماندية على حافة الغابة
كل شيء هادئ العدو يستريح في الظل
أخبرونا في هذا المساء أن باريس استسلمت!
أبدًا لن أنسى الليالك ولا الورود
ولا الحبين الذين فقدناهما.٧٥
باقات اليوم الأول زنابق زنابق الفلندر،
نعومة الظل الذي يلون الموت به خدودنا،
وأنت يا باقات الانسحاب أيتها الورود الرقيقة
يا لون حريق الورود البعيدة في «أنجو».
انكسار القلب، ١٩٤٠م

ورود عيد الميلاد

عندما كنا الكأس الزجاجي المقلوب
شجرة الكرز الجرداء تحت وابل الأمطار
الخبز المكسور، الأرض المشقوقة
أو السكارى الذين يجوبون شوارع باريس،
عندما كنا العشب الأصفر الذي تستحقه الأقدام،
القمح المنهوب وخشب النافذة الذي تلطمه الرياح،
الأغلبية المخنوقة والشهقة في الزحام،
عندما كنا الجواد الذي سقط (من الإعياء)
عندما كنا في فرنسا غرباء
شحاذين في وطننا نجوس الطرقات،
عندما كنا نتضرع لأشباح الآمال
ونمدُّ لها عري أيدينا الخجلان
هناك، هناك كان الذين نهضوا من أجلنا
– وإن لم يلبثوا لحظات حتى ضربتهم الريح —
كانوا ربيعنا اليانع في قلب الشتاء
وكان لنظراتهم بريق السيوف
عيد الميلاد! عيد الميلاد! هذه الأسحار المختلسة
ردت إلينا، نحن الهيابين ضعيفي الإيمان
الحب العظيم الذي يستحق من أجله أن نموت
ليحيا المستقبل الذي يجدد القديم
أو تقدم على ما أقدموا عليه في الشتاء
يا ربيعي الجميل الذي تجاوز الأخطار:
أو تذكر هذا العطر الفاغم للورود.٧٦
عندما تلألأ النجم فوق رءوس الرعاة؟
هل ستنسى النجم بعد أن ارتفعت الشمس في السماء،
وهل تنسى الليل وكيف انتهى الظلام؟
وعندما تأتي الريح لتنفخ الشراع
هل تستطيع أن تنسى ميتة أفيجينية؟
وإذا تساقطت الدموع القرمزية من جفون الأقحوان
أو تجمد عليها — كحبة لؤلؤ — عرف من دم
فهل تنسى البلطة التي كانت دائمًا على استعداد؟
وهل تنظر إليها شارد الذهن والعيون؟
لا يستطيع الدم المسفوك أن يصمت على الدوام.
أيمكنك أن تنسى من أين جاء الحصاد،
وتنسى عنب الشفاه فوق الأرض،
والمذاق المعتم الذي احتفظ به النبيذ؟

جمال الشيطان

أيها الشباب، الزمن أمامكم مثل جواد عابر
من يقبض عليه من عرفه من يشده من ركبتَيه
لا يسمع بعد ذلك إذ ضربات حوافره على الأرض،
ينتشي بهذا الكفاح الجديد فلا يفكر في عواقبه.
أيها الشباب! الزمن أمامكم كأنه شهيةٌ مبكرة للطعام،
والمرء حائر لا يدري ماذا يختار من الوليمة الفاخرة،
ويرى الخوان ناصع البيان فيخاف من الخمر،
ومن ميدان المعركة الرهيب بعد أن تنفضَّ مأدبة العرس.
من ظن أنه يستطيع أن يقيس الزمن بالمواسم والفصول
فقد صار شيخًا عجوزًا لا يمكنه النظر إلا للوراء،
يتوه المرء بين هذه التحولات كما تتوه العجلة الدائرة والرماد،
وتعود أوراق الشجر في كل ربيع فتخفي الأفق البعيد.
الزمن أمامكم أيها الشباب لامتناهٍ وقصير
ولكن ماذا يعود عليكم من هذا الهراء السخيف؟
خذوه إذن كما يجيء، كلازمة.٧٧ لم يرددها المغنون،
كسماء لا يحدها شيء كامرأة تهب نفسها على الدوام.
يا للطفولة! ذات مساء جميل دفعتم باب البستان
وها أنتم أولاء على بابه تتابعون رفيف العصافير.٧٨
وتحسون في أذرعكم فجأة باتساع العالم الكبير
وبقوَّتكم وبأن كل شيء ممكن وغير مستحيل.
افتحوا عيونكم لا تتركوا هذه اللحظة تضيع،
إني أسمع ضحككم في الأرض التي اكتشفتموها من جديد،
أسمع في ضحكاتكم وخطاكم خطى الزمن القديم،
ومرةً أخرى أسمع ضوضاء اللعب التي ستغدو صيحة الصراع،
ومرةً أخرى أسمع صوتكم وقد بدأتم تملكون،
وفرحة الأكتاف عندما تتصور أنها شبيهة بالجسور التي تجري تحتها الأنهار.
وتهليل المقدرة التي اجتهدت واجتازت التجربة بنجاح
وأسمع الليل الذي ازداد عمقًا مع جدة الأصوات
وذات صباح لا تكاد تعرف نفسك في المرآة
أسرع قبل أن تستيقظ الحياة واهبط في طراوة الطريق،
لم تعد هناك غير بقية من ضباب يرتعش فيها ماضٍ اختفى وزال،
وريحٌ خفيفة تطرد أنفاسها آخر أخبار المساء،
تلك هي الساعة التي يحييك فيها كل شيء مضيء،
الساعة التي تبدو فيها الكلمات كأنها تشغل في الحال أرجاء المكان،
ولك عندها عيونٌ صافيات، عيون كل النساء العابرات.
انظر حولك بانتباه تر النهار مقبلًا عليك كالعشاق.
أيتها الإشراقة الصغيرة
توثبي توثبي في أعين الشباب،
المد والجزر دائمًا عاليان،
والخطر دائمًا في ازدياد،
الحظ موضوع الرهان،
والعجلة تدور وتدور،
لا يكسب الإنسان إلا الورود،
ويخسر الإنسان ما يملك،
السماء ماؤها عكر على الدوام،
والنرد يتنقل بين اللاعبين،
ودائمًا يجازف الإنسان،
وأبدًا لا يقنع الإنسان،
لن يعرفوا قيمة هذه الساعة العابرة إلا بعد فوات الأوان،
ومع ذلك فإني أتذكر هذا العطر الذي يتبدد على الدوام،
وبعينين مفتوحتين أستطيع أن أحسَّ بقلبي المفتون من جديد،
كلما رأيت شبابهم تذكرت شبابي
تذكرت شبابي.

(١٠) هنري ميشو (١٨٩٩م–؟)

حصان صغير جدًّا

ربيت في بيتي حصانًا صغيرًا. إنه يركض في حجرتي.
إنه تسليتي.
في البدء راودتني الشكوك. سألت نفسي
إن كان سيقدر له أن يكبر. لكن صبري
لقي خير جزاء؛ فهو يبلغ الآن أكثر
من ٥٣ سنتيمترًا ويلتهم ويهضم طعام شخص بالغ.
المشكلة الحقيقية جاءت من جانب هيلينه.
ليست النساء بسيطات. إن كومةً صغيرة من
الروث تعكر مزاجهن. شيء كهذا يفقدهن
توازنهن. إنهن يخرجن عن أطوارهن.
قلت لها: «من مقعدة ضئيلة كهذه، لا يمكن
أن يخرج إلا روثٌ قليل.» ولكنها …
لا يهم، فليست الآن موضوع الحديث.
إن ما يقلقني شيءٌ آخر، وأقصد به تلك
التغيرات العجيبة التي تصيب حصاني
الصغير فجأة في بعض الأيام. ففي أقل
من ساعة ينتفض رأسه وينتفخ؛ ويتقوَّس
ظهره، ويتموَّج، وينسل خيوطًا ويرفرف
في الريح التي تهب من النافذة.
آه! آه! وأسأل نفسي: ألا يخدعني
إذ يظهر أمامي بمظهر الحصان؟ لأن
الحصان، مهما صغر، لا يفرد نفسه كالعلم،
لا يرفرف في مهب الريح، ولو كان ذلك
للحظاتٍ قليلة.
لا أريد أن أصدق أنني كنت المغفل بعد
كل هذه الرعاية، بعد كل الليالي التي قضيتها
ساهرًا بجواره، أحميه من الفيران،
من الأخطار القريبة منه، ومن ألوان
الحمى التي تصيب صغار السن مثله.
في بعض الأحيان يضايقه أن يرى نفسه
صغيرًا كالقزم، فيضطرب، أو يشتد
هياجه فيقفز قفزاتٍ هائلة فوق الكراسي
ويبدأ يائسًا في الصهيل.
وتلقي إناث الحيوانات المجاورة سهام أنتباهها،
من كلاب، ودجاجات، وديوك، وبغال، وفيران.
ولكن الأمر يقف عند هذا الحد. إنهم يقررون
كلٌّ بينه وبين نفسه، وهو مقيد بقيود غريزته:
«لا، ليس من شأني أن أرد عليه.»
وإلى هذه اللحظة لم ترد أنثى واحدة.
وينظر حصاني إليَّ وفي عينَيه شيءٌ من
الأسى والغضب.
ولكن، مَن المخطئ فينا؟ أنا؟

أكتب إليك من بلد بعيد

١

قالت: ليس عندنا هنا إلا شمسٌ واحدة تظهر كل شهر، ولمدةٍ
قصيرة فحسب. يفرك الإنسان عينَيه أيامًا قبلها. ولكن بلا جدوى
زمن قاسٍ. الشمس لا تأتي إلا في موعدها. ثم يكون
أمام الإنسان دنيا من الأشياء يقوم بها، طالما ساد
الوضوح، بحيث لا نكاد نجد فرصة لننظر قليلًا إلى بعضنا.
يضايقنا في الليل أننا نضطر إلى العمل، ونحن مضطرون
إليه: الأقزام تولد باستمرار.

٢

صارحته كذلك بقولها: عندما يتجول الإنسان في
الريف، يحدث له أن يلتقي في طريقه
بكتلٍ عظيمةٍ. إنها جبال، ولا بد بعد فترة تطول أو
تقصر من أن يثني المرء ركبتيه. المقاومة لا تفيد،
فالمرء يعجز عن التقدم، حتى ولو آذى نفسه.
لا أقول هذا لأجرح الشعور. يمكنني
أن أقول أشياء أخرى إن أردت
أن أجرح الشعور حقًّا.

٣

قالت له أيضًا: الفجر هنا داكن. لم يكن
دائمًا كذلك. لا ندري من الذي نتهمه
لهذا السبب.
بالليل تهدر البهائم بصوتٍ عالٍ، ممدود
وفي آخره نبرةٌ صغيرة. نحسُّ بالشفقة،
ولكن ماذا نفعل؟
عبير الريحان.٧٩ يفوح حولنا: متعة، صفاء،
غير أنه لا يستطيع أن يحفظنا من كل شيء، أم
تظن أنه يستطيع أن يحفظنا حقًّا من كل شيء؟

٤

أضيف كلمةً أخرى إليك، أو بالأحرى سؤالًا:
هل تسيل المياه في بلادكم أيضًا؟ (لا أذكر
إن كنت قد قلت لي شيئًا عن هذا)
ويُصاب الإنسان برعشة منه، إن كان
ماءً حقيقيًّا.
أأحبه؟ لا أدري. الإنسان يحسُّ بنفسه في
غاية الوحدة، عندما يكون باردًا. وهو إحساسٌ
مختلف تمامًا، عندما يكون دافئًا. عندئذٍ؟
كيف يمكن الحكم عليه؟ قل لي: كيف تحكمون
أنتم عليه، إذا تحدثتم عنه بغير قناع،
بقلب مفتوح؟

٥

أكتب إليك من آخر العالم: يجب أن تعرف
ذلك. في كثير من الأحيان ترتعش الأشجار.
يجمع الناس الأوراق. على سطحها عدد لا حصر له
من العروق. ولكن ما الفائدة؟ انقطعت
الصلة بينها وبين الشجرة، ونفترق عن بعضنا
متضايقين.
ألم يكن من الممكن أن تجري الحياة على
الأرض بلا رياح؟ أم لا بد أن يرتعش كل
شيء، دائمًا، دائمًا؟
هناك أيضًا زلزلات تحت الأرض، وفي البيت ما يشبه
انفجارات الغضب، تواجهك كأنها مخلوقاتٌ قاسية
تريد أن تنتزع منك اعترافًا.
الإنسان لا يرى إلا ما لا يهمه أن يراه. لا شيء،
ومع ذلك يرتعش الإنسان. لماذا؟

٦

نحن جميعًا نعيش هنا ضيقي الصدور. أتعلم أنني، وإن
كنت لا أزال صغيرةً جدًّا، قد كنت فيما مضى أكثر شبابًا
وكذلك رفيقاتي؟ ما معنى هذا؟ لا شك أنه شيء فظيع.
وقديمًا، عندما كنا — كما قلت لك — أكثر شبابًا،
كنا نحس بالخوف. كان من الممكن استغلال قلقنا.
كان من الممكن أن يقولوا لنا: «انظرن، سوف توارين
التراب. لقد حانت الساعة.»
فكَّرنا: حقًّا، من الممكن أيضًا أن نواري الليلة في
التراب، إذا ما تأكد أن اللحظة قد جاءت. وما كنا
لنجرؤ على الجري؛ أن نبلغ، في نهاية السباق، قبرًا
واسعًا وقد تقطعت منا الأنفاس.
قل لي: ما السر إذن ها هنا؟

٧

قالت له أيضًا: هناك أسود تتنزه في القرية على الدوام،
بغير حرج على الإطلاق. وهي لا تهتم بنا، إذا فرض
أن أحدًا لم يهتم بوجودها. ولكنها إذا أبصرت فتاة
تجري أمامها، لم تغفر لها هذا الاضطراب. لا! إنها
تلتهمها على الفور. لهذا تتنزه دائمًا في القرية، حيث لا تجد شيئًا
تعمله، إذ إنها تستطيع بطبيعة الحال أن تتثاءب في أي مكانٍ آخر.

٨

صارحته بقولها: منذ زمنٍ طويل، طويل ونحن في صراع مع البحر. في أحيانٍ نادرةٍ جدًّا، حين يكون أزرق لطيفًا، ربما يظن الإنسان أنه راضٍ. غير أن هذا الظن لا يدوم. فرائحته تقول هذا، وهي رائحة فاسدة (إن لم تقله مرارته).
هنا يجب عليَّ أن أشرح موضوع الأمواج. إنه موضوعٌ شائك، والبحر … أرجوك أن تثق فيَّ. هل تعتقد أنني أريد أن أخدعك؟ إنه ليس مجرد كلمة. ليس مجرد خوف. إنه موجود، أقسم لك، يراه الإنسان باستمرار. من؟ نحن بالطبع، نحن الذين نراه. إنه يأتي من بعيد جدًّا لكي يضايقنا ويفزعنا. عندما تأتي، ستراه بنفسك، ستدهش كل الدهشة. ستقول «أهذا ممكن؟» لأنه يذهل. سوف نتأمله معًا. أنا متأكدة أنني لن أخاف بعد ذلك. قل لي: ألن يحدث هذا أبدًا؟

٩

استمرت تقول: لا يمكنني أن أتركك في شك، لا يمكن أن أتركك مزعزع الثقة. أحب أن أكلمك مرةً أخرى عن البحر. ولكنني ما زلت في حرجٍ. إن الجداول تسيل، أما هو فلا. اسمعني، لا تغضب، أقسم لك إنني لا أفكر في خداعك. تلك هي حاله. قد يثور ويهيج، إلا أنه يتوقف أمام قليل من الرمل. إنه يتعطل تمامًا. إنه يريد بغير شك أن يتقدم، ولكنه يبقى في مكانه. ربما يتقدم ذات يوم، في وقتٍ متأخر.

١٠

قال خطابها: نحن محاطون بالنمل أكثر من أي وقتٍ مضى. إنها تنفض التراب بنشاط، قلقة، بطونها على الأرض. إنها لا تكترث بنا. ما من واحدة ترفع رأسها.
إنها أشد المجتمعات انغلاقًا، برغم أنها تنتشر نحو الخارج باستمرار. لا يهم. المشروعات التي تحققها، مشاغلها … إنها منطوية على نفسها … في كل مكان. وإلى الآن لم ترفع أحداها رأسها نحونا. أحب إليها من ذلك أن تدوسها الأقدام.

١١

كتبت إليه أيضًا: «لا يمكنك أن تتصور كل ما في السماء. لا بد أن يراها الإنسان بنفسه لكي يصدق. مثال ذلك … ولكنني لن أبوح لك الآن باسمها.» مع أنها تبدو كما لو كانت ثقيلة الوزن أو كأنها تشغل معظم مساحة السماء، إلا أنها، على ضخامة حجمها، لا تساوي وزن طفلٍ حديث الولادة. نحن نسميها السحب.
صحيح أن الماء يأتي منها، ولكنه لا يأتي عن طريق عصرها أو تفتيتها. إن هذا لن يساوي الجهد المبذول، فما تحويه شيءٌ قليل. ولكنه يأتي من أنها تشغل أطوالًا وأطوالًا، وعروضًا وعروضًا، وأعماقًا وأعماقًا، وأنها تحاول أن تنتفخ، بحيث تنجح في آخر الأمر في إسقاط بعض قطرات من الماء، أجل، من الماء.
وفي الواقع يبتل الإنسان. وتفر ساخطات لأننا قد ضحك علينا؛ إذ لا يعلم أحد متى تسقط قطراتها، فكثيرًا ما تمر أيام بغير أن تسقط شيئًا. ومن العبث أن يبقى الإنسان في بيته لينتظر.

١٢

إن تعليم الرعشات أمره سيئ في هذه البلاد. نحن نجهل القواعد الصحيحة، وعندما يقع الحدث، نكون غير متهيئات له، إنه الزمن، بغير شك. (هل الأمر كذلك عندكم؟) من الواجب على الإنسان أن يسبقه. أنت تعلم ما أريد أن أقول، يجب أن نسبقه بقليل. أتعرف حكاية البرغوث في درج المكتب؟ نعم، بغير شك. وما أصدقها، أليس كذلك؟! لا أدري ماذا أقول أكثر من هذا. متى نلتقي أخيرًا؟

راحة في الشقاء

أيها الشقاء يا فلاحي الكبير،
أيها الشقاء، أجلس،
استرح
لنسترح قليلًا، أنت وأنا،
استرح،
إنك تجدني، تخبرني، تقدم لي الدليل.
أنا حطامك.
يا مسرحي الكبير، مينائي، موقدي،
يا كهفي الذهبي،
يا مستقبلي، أمي الحقة، أفقي الأزرق
في نورك، بعدك، رعبك،
أسلم نفسي.

أناجونج٨٠

في أغنية غضبي بيضة،
وفي هذه البيضة أمي وأبي وأولادي،
وفي كل هذا يمتزج فرح وحزن وحياة،
هبَّت لمساعدتي عواصف وأعاصير،
وقفت في طريقي شمسٌ جميلة،
في نفسي حقدٌ قوي وقديم،
وستكشف الأيام أن كان جميلًا.
الواقع أنني لم أصبح صلبًا إلا في رقائق المعدن النحيلة؛
لو علم الناس كيف بقيت لينا في صميمي.
أنا جونج وقطن طبي وأغنية ثلجية،
أقول هذا وأنا واثق مما أقول.

(١١) جاك بريفير (١٩٠٠م–؟)

صراع مع الملاك

لا تذهب إلى هناك
كل شيء قد رتِّب من قبل،
اللعبة زيِّفت.
وعندما يظهر في الحلبة،
تحيطه هالة المغنسيوم،
عندئذٍ ستدوِّي أصواتهم «حمدًا لله.»٨١
وقبل أن تنهض من مقعدك
سيدقُّون لك جميع الأجراس.
سيقذفون في وجهك
بالإسفنجة المقدسة،
ولن تجد الوقت لتتشبث بريشة،
سيلقون بأنفسهم عليك
وسوف يصيبك تحت الحزام.
وعندئذٍ تنهار،
وذراعاك مصلوبتان في غباء،
في النشارة،
ولن تقوى أبدًا على الحب.
١٩٤٦م

أبانا الذي في السموات

أبانا الذي في السموات
ابقَ هناك
وسنبقى نحن على الأرض
الرائعة في بعض الأحيان،
بأسرارها في نيويورك
ثم أسرارها في باريس
التي تفوق أسرار التثليث
بقناتها الصغيرة في «أورك»،٨٢
وسورها العظيم في الصين،
بشاطئها في «مورليه»،٨٣
وحماقاتها في «كامبريه».٨٤
بمحيطها الهادي
وحوضي المياه في «التويلري»،٨٥
بأطفالها الطيبين وفتيانها الأشرار،
بكل عجائب الدنيا
الموجودة هنا
ببساطة على الأرض
متاحة لكل إنسان
متناثرة
تتعجب من كونها عجيبة
ولا تجرؤ أن تعترف لنفسها بذلك
كفتاةٍ جميلة عارية تتهيب أن تري نفسها للناس
الأرض بكل مصائبها المخيفة
بالفيلق الجبار
وجنده الجرار
وكل جلاديه
بسادة العالم
وراءهم كهنة، وخلفهم خونة، يحميهم الحراس
بفصول العام،
بالأعوام،
بالبنات الجميلات والقديسين العجائز،
بقش البؤس المتعفن في صلب المدافع.

(١٢) رينيه شار

لمَ تراجعتم؟٨٦

ثلج، نزوة طفل، شمس لا تملك غير الشتاء لتصبح كوكبًا. على عتبة مخبئي الحجري، تعالوا وابحثوا عن مأوًى! على منحدرات أولان،٨٧ سيزداد أبنائي مشعلو النيران، أبنائي الذين يقتلون بغير أن تغمض عيونهم، غنًى من قوَّتكم.

هذا الدخان، الذي حملنا

هذا الدخان، الذي حملنا، كان شقيقًا للعصا، التي تزحزح الحجر، وللسحابة، التي تفتح السماء. لم يكن يشعر بالاحتقار نحونا، أخذنا على علاتنا، جداول ضئيلة تتعذى على الخيبة والأمل، بمزلاج على الفكين وجبل في النظرة.

أعيدوا لهم …

أعيدوا لهم، ما لم يعد حاضرًا فيهم، سيرون حبات الحصاد وهي تنكمش في السنبلة وتترنح فوق الأعواد.
علِّموهم، من السقطة إلى النهوض، الاثني عشر شهرًا لوجوههم،
سيحبون فراغ قلوبهم حتى الرغبة المقبلة؛ لأنه ما من شيء يعاني الغرق أو يفرح بالرماد؛ والذي يعرف كيف يرى الأرض وهي تصل إلى الثمار، فلن يؤثر الفشل عليه، ولو فقد كل شيء.

الصبر

الطاحونة

أزيزٌ ممدود ينفذ من السقف؛
عصافير جنة دائمًا بيضاء؛
الحبة التي تقفز، الماء الذي يسحق
والمأوى الذي يغامر فيه الحب،
يتوهَّج شرره ويترك أثره.

مساعدون

أولئك الذين ينبغي شدهم بالأرض
لإرضاء الجمال،
المألوفون بقدر ما هم مجهولون،
على صورة العاصفة،
ماذا ينتظر بعضهم من بعض؟
ستطاردهم سحابة.
يكفي أنهم عاشوا
في نفس اللحظة كما عاش النورس.

الصفير (٣ سبتمبر ١٩٣٩م)٨٨

الصفير دخل في ذروة الفجر.
سيف أغنيته طوى الفراش الحزين.
كل شيء انتهى إلى الأبد.
وحدهم يبقون، ١٩٤٥م

الريح في إجازة

على امتداد رابية القرية حقول ممتلئة بالست المستحية تتولى الحراسة. يتفق في موسم القطاف، بعيدًا عنها، أن تلتقي لقاءً عطرًا بفتاة كانت يداها مشغولتَين طوال النهار بالأغصان الهشة. كمثل مصباح هالته الساطعة أريج، تسير في طريقها، ظهرها للشمس الغاربة.
أنت تدنس الحرمات (إن حاولت) مخاطبتها. بينما يدوس صندلك العشب، أفسح لها الطريق.
أترى يكون من حظك أن تميز على شفتيها الخيال المخيف.٨٩ لرطوبة الليل؟

حبي لرداء المنارة الزرقاء

حبي لرداء المنارة الزرقاء
أقبل حمى وجهك
حيث ينام النور يهنأ سرًّا.
أحب وأنشج. أنا أحيا
ونجمة الصباح هذه هي قلبك،
(نجمة) الدوام المنتصر التي توردت
قبل أن تنهي معركة الكواكب.
بعيدًا عنك، يا ليت جسدي يصبح الشراع
الذي يعاف الريح.
١٩٤٧م

فتون أربعة

(١) الثور

أبدًا لن يكون ليل، عندما تموت
يحوطك نُواح الظلمات،
يا شمسًا ذات برجَين متشابهَين
وحش الحب، حقيقة في السيف
اثنان متطاعنان، فريدان بين الجميع.

(٢) السمكة

أيتها الشطآن، تغوصين وأنت في زينتك
لكي تملئي المرآة كلها،
أيها الحصى، يتلعثم فيك القارب
الذي يحصره التيار ويرفعه،
يا عود العشب، يا عود العشب، أبدًا ممدود،
يا عود العشب، يا عود العشب، أبدًا مضطرب مشدود،
ماذا سيكون مصيرك
في الأنواء الشفافة
يرميك إليها القلب؟

(٣) الحية

يا أميرة المغالطة، دعي حبي
الذي يعيش في منفًى يشبه منفاك،
يفلت من الإله العجوز الذي أكرهه
لأنني استطعت أن أخدعه، بعدما تمكنت من إرباكه.
ويل لألوانك، أيتها الحية الوديعة،
في حمى الغابة وفي كل البيوت.
بالرباط الذي يوحد بين النور والخوف.
تتظاهرين بالهروب، يا حية الحواف والأطراف!

(٤) القبرة

أقصى وهج في السماء وأول عنفوان النهار،
تكمن جوهرة في الفجر، تشدو للأرض المضطربة
رنة ناقوس، سيدة أنفاسها: حرة التحليق.
الفاتنة، يقتلها الناس بين الدهشة والإعجاب.
١  حرفيًّا: الكوبولد، وهي أرواحٌ طيبةٌ أليفة يعتقد الألمان في أدبهم الشعبي أنها ترعى البيت وتحرس المعادن النفيسة في باطن الأرض.
٢  ح: والريح عميقة يخيل للمرء أنها تبكي.
٣  ح: أية آفاق من أفران حمراء.
٤  ح: محطات السكك الحديدية.
٥  ح: روائح بشعة! ماذا في الأمر؟ ما الذي يدوي كأنه الصلاصيل (وهي آلةٌ موسيقيةٌ مخشخشة كان يستعملها قدماء المصريين).
٦  ح: الذي ما يزال يُدوِّي بقبلاتك.
٧  الكلمة الأصلية L’impair تدل على كل ما لا يقبل القسمة إلى قدرَين متساويَين، كما تدل في علم الحساب على الأعداد الفردية التي لا تقبل القسمة على اثنين (كالأعداد. ١، ٣، ٥، ٧).
٨  أي أن يبدو لك وزن الكلمات على اللسان واختيارها بدقة أمرًا جديرًا بالاحتقار.
٩  اهتديت في هذه القصيدة بترجمة الأستاذ شفيق مقار في كتابه «شيء من الشعر» (ص١٧٠).
١٠  اهتديت بترجمة الأستاذ شفيق مقار لهذه القصيدة العسيرة التي تُعد أصعب قصائد الشعر الفرنسي الحديث على الإطلاق، وقد تكون أيضًا من أعقد الشعر بوجهٍ عام. وقد غيرت في هذه الترجمة القيِّمة تغييرًا كبيرًا، ومع ذلك فإنني أدين لها بأعظم الشكر والتقدير.
١١  حرفيًّا: يتسبب لنفسه في الحمل، وقد ترجم «رلكه» هذا البيت بتصرفٍ شديد: سلام، فيما يبدو، يتفكر في قوته.
١٢  حرفيًّا: يموت، ويترجمها «رلكه» بقوله: تنمحي أو تختفي، وهي توضح المعنى قليلًا.
١٣  حرفيًّا: مستقبلي المدخن، وفي ترجمة الأستاذ شفيق مقار: دخان المستقبل، ولعله خطأٌ مطبعي.
١٤  بمعنى اللهو والتبطل والفراغ.
١٥  زيادة من «رلكه» قد توضح النص.
١٦  هكذا في ترجمة الأستاذ مقار، ولعل ترجمة «رلكه» للبيتَين الأخيرَين تساعد على توضيحهما: لكن من يقدر أن يهدي النور بغير أن يفصله عن شطره الآخر، عن الظل …
١٧  هكذا في ترجمة الأستاذ مقار، غير أن «رلكه» ينسب المجيء إلى القطعان البيضاء فيقول: «إن جاءت إلى هنا، أصبح المستقبل بليدًا كسولًا.» ومع ذلك فقد فضلت الترجمة الأولى، وما زلت أرى أن هذا المقطع من أصعب أجزاء القصيدة.
١٨  هكذا في الترجمة العربية، على أن يفهم منها معنى المختبئين أو المطمورين المخفيين.
١٩  أو لا يفندها ولا يدحضها بحيث لا يرد أمرها شيء، ولا يفلت منها أحد.
٢٠  في ترجمة رلكه: إن نابها يغور في جسدي بحيث لا يقدر اسم من الأسماء أن يخالفه.
٢١  أبقيت هنا على البيتَين الأخيرَين من الترجمة العربية، أما رلكه فيقول: وحتى فراشي يقدمني حيًّا لهذا الكائن الذي يقدمني حيًّا لهذا الكائن الذي يعيش دائمًا عليَّ!
٢٢  أي أساطير الشمس، وكذلك في ترجمة رلكه …
٢٣  الهيدرا في الأساطير اليونانية حيةٌ ضخمة ذات رءوس سبعة، وقد استطاع هرقل أن يقضي عليها.
٢٤  أو قرابينها التي هي أشبه بالمذابح. والكلمة الأصلية الهيكاتومب hécatombes تدل على القربان الذي كان القدماء يقدمونه للآلهة من مائة ثور، كما يدل على المجازر الوحشية بوجهٍ عام.
٢٥  براندي.
٢٦  جمع بد، وهو شيء كانت الشعوب البدائية تعتقد في قدرته السحرية على حماية صاحبه وتتقرب إليه بطقوس العبادة، والكلمة الأصلية هي Fétiches وتعرَّب أحيانًا بأفتاش.
٢٧  زوجة الملك دوشمانتا في المسرحية الهندية المعروفة «ساكونتالا» التي ألَّفها كالبداسا (القرن الخامس بعد الميلاد).
٢٨  هي الآن سيفاس، مدينة تركية معروفة بالتجارة وبشهدائها الأربعين.
٢٩  أو شديد العقل والفهم، رجل فهَّامة Un homme plein de sens.
٣٠  حرفيًّا: الابتكار.
٣١  راجع قصيدة برخت المشهورة إلى الأجيال المقبلة. وقد أثبت النقاد أن برخت كان شديد التساهل في مسألة السرقات الأدبية.
٣٢  يجدر بالذكر أن «جين» قد ترجم أشعار سوبرفيي وفاليري إلى الإسبانية.
٣٣  يذكرنا هذا البيت بعبارةٍ مشهورة للفيلسوف كانت في كتابه «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» ويعبر بها من ازدواج حياة الإنسان بين عالم المادة وعالم الواجب والروح والضمير، ولعلها أيضًا تذكرنا بالبيت المشهور الذي جاء على لسان فاوست لجوته: نفسان آه! تسكنان صدري …
٣٤  إشارة إلى البيت الذي كان الشاعر يقيم فيه، وكان يقع على حافة الغابة الاستوائية.
٣٥  نبات الكسافا أو التابيوكا Manioc (الأصح مانيهوك Manihoc) وهو نبات يستخرج من جذوره دقيق التابيوكا الذي تصنع منه ألوان من الحساء وينمو في الغابات الاستوائية.
٣٦  Annao.
٣٧  هو خشب الماهوجني.
٣٨  إشارة إلى بدائيتها وفطرتها، فعلى الرغم من أن الخادمة تستطيع أن تجلس على كرسي إلا أنها تستجيب لفطرتها وتُقعي على الأرض.
٣٩  Grand âge قد تفيد العمر المتقدم في السن، أو تُذكِّر بعظمة الإنسان في عصورٍ خالية. ولعل المعنى الأخير أقرب، فالقصيدة تسجل حنين الشاعر الدبلوماسي في المنفى إلى بلاده التي سقطت في قبضة النازيين وتؤكد حريته الروحية، في استسلامه لمظاهر الطبيعة، وجولاته في حي الدبلوماسيين في العاصمة الأمريكية حيث عاش عشرين عامًا.
٤٠  ماء الذكورة في الأسماك وهو في بياض اللبن.
٤١  إشارة إلى أولئك الذين يدرسون أحداث الحرب تحت أنوار مصابيحهم ويفكرون في مواجهة كوارثها.
٤٢  الكلمة في الأصل بالجمع لا بالمفرد، ولم أجد في المعجم ما يفيد جمعها في العربية.
٤٣  نبات صحراوي دائم الزهر يُسمى دم المسيح وهو بالفرنسية immortelle.
٤٤  الوتويرية Vetiveria نباتٌ نجيلي ينمو في جنوب آسيا، ويخرج منه زيتٌ طيارٌ معطر ويُعمل منه نقوعٌ مرطب.
٤٥  أي يتقلَّب بين المد والجزر.
٤٦  أي صورتها في أشكال Figuré.
٤٧  حرفيًّا: كونها محبوبة L’amabilité.
٤٨  حرفيًّا: من القماش الملغي، وواضح أن القصيدة تبدأ بوصف امرأة شالت أغطية الفراش عن جسدها الدافئ الذي يبدو أنه يختلج بأغنيةٍ غامضة.
٤٩  حرفيًّا: بغير أن تفقدي نفسك أو تكفي عن وجودك أنت نفسك.
٥٠  هو البيت أو المنزل لا بيت الشعر.
٥١  تفيد الكلمة الأصلية أيضًا معنى العمالقة.
٥٢  حرفيًّا: غير المكترثين.
٥٣  حرفيًّا: نسوا فرحة أن يكون الإنسان محبوبًا، أو نسوا فرحة المحبوبين.
٥٤  أي توافقه وتناغمه معه.
٥٥  بمعنى الاتحاد عن طريق الزواج.
٥٦  أي خادعة كالطيف أو الخيال والوهم.
٥٧  أي يستخدم الكلمات ويلجأ مضطرًّا لاستعمالها.
٥٨  أو رقَّتك وسماحتك ولطفك وعذوبتك، وكلها كلمات عاجزة عن التعبير الصحيح عن كلمة Grâce الفرنسية.
٥٩  هو الزعرور l’aubépine.
٦٠  حرفيًّا: الساعة l’heure وقد فضَّلت هذا التصرف منعًا للالتباس.
٦١  جمع موشور أو منشور وهو في الهندسة جسم متعدد الأضلاع متماثل الزوايا.
٦٢  أو تكفل وتؤمِّن.
٦٣  أو الأسرار.
٦٤  يقصد الشاعر ألوان قوس قزح.
٦٥  أي يتصل ويستمر في الوجود.
٦٦  حرفيًا: محلَّاة بالسكر أو مسكرة.
٦٧  حرفيًّا: قلقي.
٦٨  ح، في خليج نبع.
٦٩  ح، ليفتح للخضرة.
٧٠  ح: بلا لفٍّ أو دوران.
٧١  لعلها سفينة نوح المشهور.
٧٢  حرفيًّا: لا يبقى منها غير دنتيلا معطرة.
٧٣  Quai aux fleurs.
٧٤  Vaucouleurs.
٧٥  إشارة إلى أغنية شعبية فرنسية تقول: أحب اثنين (لي حبان) وطني وباريس.
٧٦  حرفيًّا: العطر الثقيل.
٧٧  اللازمة أو «الرفران refrain» جملة تتكرر على نحو موصول في أغنية أو قصيدة.
٧٨  العصافير المقصودة هي نوع من الخطاف أو عصفور الجنة، وهو طائرٌ طويل الجناحين مشقوق الذيل (Les arondes).
٧٩  الكلمة المستعملة هي الاوبكاليبتوس Eukalyptus وهي يونانية الأصل، وتدل على أحد نباتات المناطق الحارة، والريحان يستخرج منه زيتٌ طبي.
٨٠  الجونج قرص من المعدن يكون غالبًا من النحاس، ويطرق بعصًا صغيرة حُشي طرفها بالقماش، وذلك أثناء الملاكمة أو للدعوة للطعام في الفنادق أو يستخدم كآلةٍ موسيقية. والكلمة مأخوذة من لغة الملايو حيث جاءت هذه الآلة من الشرق الأقصى.
٨١  في الأصل باللاتينية Te Deum.
٨٢  قناة يبلغ طولها ١٠٨ كيلومترات تربط نهر الأورك بنهر السين وعندما انتصر القائد الفرنسي مونوري على الألمان بقيادة فون كلوك وذلك في سبتمبر ١٩١٤م.
٨٣  مورليه هي أكبر مدن فينيستير تقع على نهر مورليه، ويبلغ عدد سكانها نحو عشرين ألفًا. تشتهر بصناعة الدواء والسجائر.
٨٤  أكبر مدن المحافظة الشمالية على نهر الأسكو، ويبلغ عدد سكانها حوالي ستة وثلاثين ألفًا، والمقصود بحماقات أو سخافات كامبريه نوع من الحلوى اشتهرت به هذه المدينة الفرنسية المعروفة بصناعاتها الغذائية.
٨٥  قصر في باريس يشتهر بحدائقه، وقد كان مقر الملوك ثم هجره لويس الرابع عشر وفَضَّل عليه قصر فيرساي، ثم عاد بعد الثورة الفرنسية فأصبح مقر الحكم في عهد الإمبراطورية، وقد خرب تمامًا سنة ١٨٨٢م.
٨٦  العنوان الأصلي باللاتينية cur secessisti?.
٨٧  Aulan.
٨٨  كُتبت هذه القصيدة مع بداية الحرب العالمية الثانية، أطفئت الأنوار في أنحاء أوروبا، واستطاع الشاعر أن يتنبأ بالأهوال التي سيتحملها مع غيره (من المعروف أنه كان أحد أبطال المقاومة). أن الطائر يغني فوق قمم البيوت في القرية وأغنيته المرحة تنفذ في السماء كبريق السهم. ولكن نداءه الذي يشبه السهم يسلب القرية السلام (الذي يرمز له الفراش المطوي أو المغلق كما يقول الأصل).
٨٩  حرفيًّا: الضغث La chimère.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤