السياسة الإنكليزية بمصر في سنة ١٨٩٢

في ٨ يناير سنة ١٨٩٢ جاء من «فينَّا» إلى رئاسة مجلس النظار بمصر تلغراف هذا نصه:

إن نبأ وفاة سيِّدي ووالدي قد أدهشني؛ فهو مصيبة عظيمة على عائلتي وعلى القطر المصري بأجمعه. ومتى وصلتني منكم الأخبار الأكيدة عن الوابور الذي سيُعَدُّ لسفري من تريستا، أسافر بلا إبطاء، وأخبركم بالتلغراف عن ساعة السفر، وأنني على يقين أن الأعمال تستمر سائرة على أحسن محور بهمَّة عطوفتكم ورفقائكم ريثما أصل إليكم.

كان هذا التلغراف رجْع الصدى لآخر مثله نعى توفيقًا العادل إلى عباس البارِّ، فردَّدت ألسن الكهول قول الشاعر القديم:

هناءٌ محا ذاك العزاءَ المقدما
فما عبس المحزون حتى تبسَّما
ثغور ابتسام في ثغور مدامع
شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما

وكررت ألسن الفتيان قول الشاعر الجديد، شاعر الأميرين:

بين ماضي الأسى وآتي الهناء
قام عذر النعاة والبُشَراء
نبأ معذر نفى بعضه بعـ
ـضًا فكان السفيه في الأنباء

حتى إذا ازدحمت الجموع وتأهَّبت عابدين للترحاب بالأمير الفتى، ألهم جنيَّ القريض ذاك الشاعر الجديد إلهامه فقال:

إن خيلًا حملن سيزوستريس الـ
ـعصر أَوْلى الجياد بالخُيلاء

فردت الشبيبة المصرية بقوله:

وطني قبلتي وأنت إمامي
بك فيه لوجه ربي اقتدائي

ثم خفتت الأصوات وتطلعت الأعناق، فدوَّت المدافع من القلعة. فإذا هي تحيَّات يزفُّها محمد علي الكبير من مرقده العالي لابنه الأمير بالنيابة عن أبنائه المصريين.

هنا اضطرت إنكلترا أن تُغيِّر سياستها التي سارت عليها بمصر من سنة ١٨٨٠ إلى هذا التاريخ المتقدم ذكره، وكانت تلك السياسة قائمة على تأييد المقام الخديوي وحفظ القطر المصري من أن تُمَدَّ إليه يد الطامع، وأن تصلح شئون مصر ويزداد عمرانها. وقد رأت من ودِّ الخديوي المرحوم توفيق باشا وصدق ولائه ما ذلَّل لها الصعاب، فاشتركت معه واستعانت به على القيام بجلائل الأعمال. وبات العرابي ومن خدعهم في سيلان يتحسَّرون على مصر، ولسان حالهم يقول:

فهيهات هيهات العقيق ومن به
وهيهات خِلٌّ بالعقيق نواصله

فأما السياسة البريطانية الجديدة فلم تزد في تغيُّرها على زيادة الانتباه لسياسة عابدين الجديدة. هنالك شرْخ الشباب وخطر المقام وقلة التجربة وكثرة المطامع استدعت ذلك الانتباه، حتى قال طيب الذكر اللورد «سالسبري» في ١٠ فبراير سنة ١٨٩٢: «إن الحكومة الإنكليزية لا تدع مصر فتتسلط عليها دولة أخرى أو تقوم فيها الفتنة.»

ولقد قال «أرل ددلي» في خطبة خطبها في ٩ فبراير سنة ١٨٩٢ بعد خطبة العادلة الفاضلة الشهيرة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى: «أنا على ثقة أن سمو الأمير الجديد سيكون كفؤًا للقيام بأعباء ملكه على توالي الأيام.»

على أن المعية المصرية أخذت تتهيأ لسياسة جديدة بما تدرجت فيه من التغيير الجديد قبل ذلك بأيام.

ففي ٢٥ يناير سنة ١٨٩٢ عُزِل المرحوم خليل بك ثابت التشريفاتي الثاني بالمعية، وموسى بك عصمت معاون التشريفات. وفي ٢٧ يناير سنة ١٨٩٢ صدر أمر عالٍ بقبول استعفاء ثابت باشا وذي الفقار باشا. وقبل ذلك؛ أي في ١١ يناير، أُحيل على المعاش أحمد باشا الياور الخديوي الأول، وعُيِّن بدلًا منه عبد الله باشا فوزي، وأُحيل على المعاش أيضًا علي بك ثابت قوماندان المراسلة الخديوية، وعُيِّن مكانه محمد بك توفيق (هو محمد باشا توفيق الذي تُوفِّيَ بعد أن نال رتبة الفريق). وفي ٥ فبراير من السنة عينِها أُحيل على المعاش علي بك حافظ رئيس قلم الترجمة، وعُيِّن مكانه أحمد بك شفيق (هو الآن أحمد باشا شفيق).

ثم حلَّت النقمة بسبعة من عَمَلة التلغراف بالمعية، فصدرت الإرادة بفصلهم جميعًا من أعمالهم، وعيَّنت إدارة السكة الحديد في القاهرة سبعة غيرهم، وذلك في ٨ يونيو سنة ١٨٩٢.

وكان الناس يستشعرون بتجدد في أحوال المعية كلها، كما وقع ذلك التجدد في تغيير رجالها. فباتوا يتوقعون يومه بصبر اضطراري ونظر اختياري، حتى آذن صبحه بابتسام. وإني لذاكرٌ في هذا الفصل قبل الدخول في بيان شيء صورة التقرير الذي سيَّره السير أفلن بارنج «هو اللورد كرومر» إلى طيِّب الذكر ماركيز «سالسبوري» ليكون توطئةً لما سيتلوه من الكلام.

صورة التقرير منقولًا تعريبه عن مجموعة المقطم الشهير

مصر القاهرة، في ٩ فبراير سنة ١٨٩٢
مولاي

كانت عادتي قبل سنة ١٨٩١ أن أبعث إلى فخامتكم أو إلى أسلافكم بتقرير سنوي في مالية الحكومة المصرية. ولكني في السنة الماضية كتبت أول مرة تقريرين، أحدهما في المالية المصرية فقط، والآخر في تقدم الإصلاح الإداري الذي تم بوجه الإجمال في القطر المصري مدة السنين اليسيرة الماضية. وقد قصدت في هذا التقرير الذي أتشرف بعرضه على فخامتكم أن أوضح، بالإيجاز، النتائج التي أدركتها مصر، سواء كانت في المالية أو في الإدارة العمومية بعد تقريري الماضي في ٢٩ مارس سنة ١٨٩١.

figure
المغفور له الخديوي السابق.

أهم الحوادث السياسية التي حدثت بعد كتابة تقريري الماضي في ٢٩ مارس سنة ١٨٩١ وفاة سمو الخديوي السابق رحمه الله، وذلك في ٧ يناير سنة ١٨٩٢ بعد أن مرض أيامًا قلالًا.

وقد كان رحمه الله في مقام عظيم المصاعب طول أيام اشتغاله بالسياسة؛ فإنه ارتقى سرير الخديوية في شهر أغسطس سنة ١٨٧٩ وهو يومئذٍ ابن سبع وعشرين سنة. كانت البلاد قد أمست على شفا الدمار بسبب الإسراف والتبذير في المالية وسوء الإدارة العمومية، وكان نظام الجيش قد اختل اختلالًا عظيمًا بسبب الحوادث التي جرت قبل تنازل إسماعيل باشا؛ فثار الجيش وتمرَّد بعد ارتقائه رحمه الله بزمان قصير، واقتضت الأحوال مجيء جيش أجنبي لرد النظام. ولم أكن أنا بمصر في الثورة العرابية، ولكني كثيرًا ما سمعت الثقات الأكفاء يتكلمون عن تصرف الخديوي المرحوم في تلك الشدة، ويُطنبون في مدحه إطنابًا عظيمًا. ولم يزل مركزه بعد الاحتلال البريطاني محفوفًا بمصاعب عظيمة، وإن كانت مختلفة عن المصاعب الأولى في نوعها؛ فإن سموَّه امتاز بكونه مصلحًا معتدلًا، وكان خبيرًا بأحوال بلاده، يعلم حق العلم بأن إصلاحها يجب، بحكم الضرورة، أن يتم تدريجيًّا، وكان يدري جيِّدًا أنه لا بد من استخدام عدد يسير من الأوروبيين المنتخبين مدة من الزمن، وذلك مع شدة رغبته في ترقية أبناء وطنه إلى المناصب التي يكونون فيها محل الاعتماد وتُلقى عليهم العهدة والمسئولية. أمَّا الخدمة التي خدمها الموظفون الأوروبيون في الحكومة المصرية للقطر المصري، فالناس كلهم يعترفون لهم الآن بهم، وهم أقل كرهًا لوجودهم عندهم، وأقل حذرًا وتخوُّفًا منهم بالنسبة إلى ما كانوا عليه قبلًا.

فاقتضى في غضون ذلك أن يكون هناك شيءٌ كثيرٌ من حسن السياسة والتمييز لإجراء معظم الإصلاح على يد الأوروبيين بلا إساءة إلى أهالي البلاد ولا مس حاساتهم. وحسن السياسة هو ما اشتهر به الخديوي المغفور له وفاق فيه، فكان من جهةٍ يشدُّ أَزْر مشيريه الأوروبيين ويؤيدهم تأييدًا لولاه لما جاءت مساعيهم في تحسين أحوال البلاد بنتيجة تُذكر، ومن جهةٍ لا ينسى أن النظامات الأوروبية الشوروية والإدارية يجب إن تُغيَّر في الصورة والجوهر، وتُكيَّف بحيث تصير صالحة لحاجات الأمم الشرقية.

وكان رحمه الله يعلم أيضًا أن أعظم المخاطر التي يجب اجتنابها هي الإسراف والتبذير في المالية، والاستبداد في الحكومة؛ فلذلك جعل علم الزمان الماضي نصب عينيه، فكان في معيشته العمومية أول من يُكرِّه غيره الإسراف والتبذير ويؤيد سلطة القانون، كما كان أيضًا في معيشته الخصوصية التي هي حَرِيَّة بأن يُقتدى بها من كل الوجوه.

فلهذه الأسباب وغيرها مما تيسَّر سرده يحقُّ لأبناء مصر ولكل الذين يهتمون بأمورها أن يندبوا فقيد مصر الذي عاجلته منيته فاخترمته قبل أوانها؛ لا سيما وأنها وافته حينما زالت المصاعب التي خصَّت بخديويته في بداءتها، وابتدأ يجني ثمار جده الدائم الشديد وجهده الثابت الجهيد لتحسين أحوال مصر في السنين اليسيرة الماضية.

وزِد على ذلك أيضًا أنه منذ سنة أو سنتين، زاد نصيبه الخصوصي في تولِّي الأمور وإداراتها بنفسه، فتوفَّر الخير والفائدة لبلاده، وكانت الثقة به آخذة في الازدياد والتعاظم في نفوس الموظفين والوطنيين والأوروبيين الذين مازجوه، وفي نفوس الأهالي عمومًا، وكانوا يزيدون كل يومٍ اعتبارًا لصدقه واستقامته وصحة حكمه وحسن تمييزه. والحق يُقال إن الناس على اختلاف طبقاتهم حزنوا حزنًا حقيقيًّا على وفاته في شبابه.

وأضيف على ما تقدم أن سموَّه طالما شكر وأثنى في حديثه معي على ما فعلته حكومة جلالة الملكة لإنقاذ بلاده من الفوضى في أيام الفتنة العرابية. وقد كان سموُّه طول أيام حكمه على غاية الصداقة والمودة مع حكومة جلالة الملكة ومع الإنكليز الموظَّفين في الحكومة المصرية، وكان يعلم حق العلم أن الغاية الوحيدة من السياسة الإنكليزية في الديار المصرية إنما هي خير المصريين ورفاهتهم؛ وعلى ذلك كان يجري في معاملاته معهم ومع سواهم.

ومما يزيدني رغبة في إيفاء سموِّه حقه بهذه الشهادة هو أنه نظرًا إلى صعوبة مركزه أخطأ كثيرون حقيقة تصرُّفه، ولم يصيبوا في فهم البواعث التي كانت تبعثه على أفعاله، وإذا قُلت ذلك فإني أقوله عن ثقة بعد تقادم عهد العلاقة الشديدة التي كانت بيني وبين سموِّه.

ولما تُوفِّيَ إلى رحمة ربه خلفه بِكره سمو البرنس عباس باشا حلمي على عرش الخديوية عملًا بنص الفرمان الشاهاني الصادر في ٨ يونيو سنة ١٨٧٣. أمَّا الفرمان الناطق بتولية سموِّه فلم يأتِ من الآستانة حتى الآن، ولكن جلالة السلطان بادر بعد وفاة الخديوي السابق فاعترف له بالخلافة الشرعية على الخديوية … إلخ، ويتلو هذا الكلام ثناء على مقام الإمارة الجديدة، ولولا طول التقرير لذكرته برمَّته في هذا الفصل.

ويُستدلُّ من هذا وما يتلوه، أن السياسة البريطانية كانت إلى عام ١٨٩٢ سياسة ود وصفاء. قام العرابيون على أمير البلاد عصيانًا وطغيانًا، ووقفت الحكومة العثمانية وقفة الغريب لا تدري أي طريق يجب عليها أن تسلكه. وقد عرضت عليها إنكلترا إرسال جنودها العثمانية إرهابًا للعاصين وعقابًا، ووعدتها أن تحرس لها جنودها بدوارعها؛ فصدرت الإرادة السلطانية بإرسال عدد كافٍ من الجنود العثمانية التي كانت إذ ذاك بجزيرة كريد، إلا أن المرحوم الشيخ أسعد وكيل الفراشة وشى إلى السلطان بأن الأسرة الخديوية اتَّحدت مع الإنكليز على إعلان الاستقلال المصري والنداء باسم الخلافة لتوفيق باشا؛ فصدرت إرادة سلطانية ثانية نسخت الأولى، وبقي الجنود في كريد كما كانوا. وكتب الشيخ أسعد إلى العرابي وأعوانه يحضهم على الثبات ويعدهم بجعل الإمارة المصرية في نصابهم، إذا هم تمكَّنوا من طرد هذه الأسرة من مصر. فلما يئس الإنكليز من انتباه الحكومة العثمانية وارعواء المتمردين كلموا الثغر الإسكندري بألسنة المدافع وهبطوا مصر إن شاء الله آمنين.

فلما كانت الإمارة الجديدة التي ظهرت في عام ١٨٩٢، وسبق منها ما سبق من التغيير الدال على تغير القلوب وجب على الإنكليز الانتباه.

ولما سقطت الوزارة الفهمية الأولى وحلَّت محلها الوزارة الرياضية حسب المخلصون لمقام الإمارة أن قد تمَّ لهم ما يريدون، وأن الزمان رجع إلى شيمة الوفاء وتاب عن الغدر. ولكن لم تلبث هذه الوزارة أن أشارت على الإمارة برأي كله خطل، فكان انتقاد الإمارة على الأعمال الجندية بما لا يوافق المجاملات السياسية مغضبًا للقواد الإنكليز الذي يدرِّبون الجيش المصري ويصلحونه. فاستعفى السردار كتشنر باشا ومن هم تحت أمره من الضباط واضطرت الإمارة إلى الاعتذار خطًّا وشفاهًا. وكانت الإمارة استدعت رئيس الوزارة الرياضية بالتلغراف سائلة إياه رأيه، فأشار عليها بالاعتذار وقفل راجعًا من ساعته.

ولم تكتفِ الإمارة المصرية بهذا القدر من إعلان العداء للمحتلين وإظهار الإخلاص لجماعة من أهل البطالة والعرَّافين، فاتَّخذت بدار الإمبراطورية العثمانية من تعتمد عليهم وتحمل الهدايا إليهم. ومن هؤلاء عزت العابد وعبد الله النديم والمرحوم جمال الدين الأفغاني، ولا إخالُ أن في أكثر الفضلاء من المشتغلين بمثل هذه الأشياء من يكون نسي سفر الإمارة إلى الآستانة، مُتقدمة جماعة من أهل الشبيبة المصرية، معتمدة على آراء من ذكرت من رجالها، وقضية المضبطة التي قامت لها القيامة إذ ذاك معروفة، وما أريد من هذا كله إلا تجديد الصلة بين التابع والمتبوع في الظاهر، وبث الفتن في الباطن.

ثم ظهر مصطفى كامل وراح ينتصر بالمسيو دلونكل أحد أعضاء مجلس الأمة الفرنساوي وناظر المستعمرات في فرنسا في أواخر سنة ١٨٩٤ تقريبًا، وكان هذا الوزير ووزير الخارجية إذ ذاك المسيو هانوتو من أضداد الاستعمار الإنكليزي، ولم تكن فرنسا اقتنعت بنصيبها من البلاد المغربية بدل البلاد المصرية، فرحَّب الوزيران بالشاب المصري واستخدماه في آرابهما، فكان لهما أشد من البنان طوعًا وأكبر من الظل انقيادًا، فخَلق مصطفى كامل من العدم وخلقت السياسة البريطانية الجديدة معه. ولما بدت على تلك السياسة التي كانت آية في الولاء والسلم آثار الاشمئزاز، بلغ الخوف من القلوب مبلغه، حتى لقد اضطر جماعة من أولي الحماسة إلى إنكار المضبطة متقدمة الذكر، وكانوا يريدون الاحتجاج بها على الاحتلال عند القصر السلطاني.

فرأى كبار الساسة في إنكلترا بذل النصح أوَّلًا والإرهاب ثانيًا، فكلَّم اللورد كرومر مقام الإمارة مرارًا ناصحًا غير مخادع؛ فلم يُجدِ ذلك نفعًا ولم ينتبه أحد إلى ما في هذه السياسة العوجاء من الخطأ العظيم، ثم تبدلت وزارتان، إحداهما لم تدم أكثر من الأربع والعشرين ساعة، ورجعت الوزارة الفهمية في حكمتها وسداد رأيها، فعاشت تعاني الشدائد وتجاهد في الإخلاص للبلاد جهادًا. غير أنها لم تفز كل الفوز، إذ كانت الحيل التي يتدبرها جماعة خافية عنها، ولو خُيِّرت لاختارت طريق الإصلاح مع الوقار.

وإني لأعجب من قوم حببوا إلى الإمارة الاستمرار على سياسة العداوة للمحتلِّين، وأذكر جيِّدًا أني لاقيت بعض وجهائهم (والأمانة تقضي بستر اسمه في هذا الكتاب)، فقال: أتدري ما يُراد بالمحكمة المخصوصة؟ قلت: وما أدراني ذلك. قال: هي ضربة على الإمارة، ولو بقي عبد الله نديم بمصر إلى اليوم لما أقدم هؤلاء على أمر كهذا. قلت له إقدامهم على طرده من مصر دليل على احتقارهم له ولشيعته، وتركته لا يحير جوابًا. ومثل هؤلاء أسسوا الإحن في قلوب المصريين، ولقَّنوهم أقوال السوء، وغشُّوا الإمارة وآلوا بها إلى ما لا أحب بيانه في هذه الفصول.

على أن المحتلين أصرُّوا في طلب العفو عن العرابيين من الإمارة، وما زالوا بها حتى أجابتهم إليه. وقد أرادوا أن يُعرفوا الأمة أنهم قوم لا تحمل صدورهم دخلًا وأنهم لا يستثمرون أحقادًا. ولا أظنُّ أن رجلًا يشفق على بنيه إشفاق اللورد كرومر على المصريين؛ فهو أبو حريتهم ومصدر إنصافهم ومورد سعدهم، إلا أنه كان يخدم من لا يحبُّونه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤