تقييمات

ما الذي يجب أن نكتبه على شاهد قبر كوبرنيكوس؟

«تعفن في صندوق»

بالنسبة لكوستلر، الذي شارك في الحركات الدورانية، ومن ثم كان ينبغي أن تكون معرفته أفضل، بطل كتابنا هذا لم يكن «أصوليًّا أو حتى مفكرًا تقدميًّا»، وإنما كان مجرد مُراجِع لأفكار أرسطو ولأفكار بطليموس مُراجِع أرسطو الأكثر علمًا بالرياضيات والأقل اهتمامًا بالعناصر. يجب النظر إلى كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» باعتباره «محاولة أخيرة لإصلاح ماكينة عفَّى عليها الزمن من خلال تحويل عجلاتها في الاتجاه المعاكس.»

أما توماس كون، الذي كان يجمع بين كونه أكثر إنصافًا وطيبة، فيعلِّق قائلًا: «حاول كوبرنيكوس تصميم منظومة أرسطية في الأساس، ولكنها حول أرض تتحرك، غير أنه أخفق في ذلك. ورأى أتباعه التبعات الكاملة لابتكاره، وانهارت المنظومة الأرسطية برمتها.»

ويرفض أسجر آبوا كتاب «عن دورات الأجرام السماوية»؛ لأنه «يشبه كثيرًا كتاب «المجسطي» فيما عدا جانبين اثنين؛ فهو يشمل علم الكونيات، وهو متمسك بشدة بمبدأ الحركة الدائرية المنتظمة.»

ووفق ما ذكره سانتيلانا، «كانت الأطروحة العظيمة لكوبرنيكوس معروفة على مدار نصف قرن، غير أنه طيلة هذه المدة أثار النقد في أغلب الأحوال. وأسرت الفكرة الجديدة قلة من أصحاب الأنفس الشاعرية والجسورة، غير أنهم لم يستطيعوا أن يفهموا فهمًا تامًّا تلك التفاصيل العويصة للمنظومة.»

غير أنه في بلدة إلبلونك، أصبح كوبرنيكوس موضع اهتمام حقيقي باعتباره مصدر تهديد؛ إذ إنه في وقت مبكر لم يتجاوز عام ١٥٣٣ كان البروتستانت قد ألَّفوا بالفعل عملًا دراميًّا يهاجمونه فيه، وكان بعنوان «مرحلة بلهاء». «قُدِّم كوبرنيكوس في تلك المسرحية باعتباره رجلًا متعجرفًا، باردًا وانطوائيًّا لا يكتفي بالانغماس في علم التنجيم وحسب معتبرًا نفسه ملهَمًا من الرب، وإنما يُشاع عنه كذلك أنه ألَّف عملًا عظيمًا أصابه العفن داخل صندوق.»

يقول أحد فلكيي الفاتيكان عام ٢٠٠٠ ميلاديًّا ضاحكًا: «واقع الأمر، أن المنظومة الكوبرنيكية، حسبما عرضها كوبرنيكوس نفسه، ليست أبسط من المنظومة البطلمية إلا بصورة هامشية … ولم تأتِ فكرة كبلر العبقرية القاضية بأن مدارات الكواكب على هيئة قطع ناقص إلا بعد ما يقرب من مائة عام.» ولا ريب أن كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» «حظي بتقدير رفيع طيلة الخمسين عامًا التالية …»

يوجِز أحد زملاء الجمعية الملكية للملاحة الجوية التطورات الفلكية على النحو التالي: «شكَّلت الكواكب، أو النجوم السيارة، أغلب المشكلات التي أعاقت الفهم. في القرن السادس عشر حلَّها كبلر.» وكوبرنيكوس المسكين لم يُذكر حتى اسمه. دَعْ كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» يتعفن داخل صندوقه!

افتراض خاطئ وشرح صحيح

«حلَّها كبلر.» حسنًا، فماذا قال كبلر نفسه؟ مع أنه هو أيضًا كان ينقصه مفهوم نيوتن للجاذبية؛ فقد فهم مع ذلك أن الشمس المركزية تدفع بصورة أو بأخرى الكواكب إلى الدوران، وأعلن في جرأة أنه «لا توجد دوائر أخرى أصغر تسمى أفلاك التدوير.» بالإضافة إلى تعديله لمدارات كوبرنيكوس من دوائر إلى مسارات بيضاوية (قطع ناقص)، برَّر كبلر قليلًا الحركات الكوكبية بزعمه (كما سنناقش فيما يلي) أن نصف القطر الممتد من الكوكب إلى الشمس يقطع مساحات متساوية في أزمنة متساوية، وهو بالتأكيد تقدُّم عظيم أحرزه على استراتيجية الموازنات التي نادى بها بطليموس؛ ومع ذلك، فإن أجمل أطروحة ألَّفها كبلر كان عنوانها «خلاصة الفلك الكوبرنيكي»، وأشار بإجلال إلى «فلسفة كوبرنيكوس».

عام ١٥٩٤ علَّق أحد الفلكيين الإنجليز على الفكرة التي تميز بها كوبرنيكوس، والتي تدور حول مركزية الشمس، قائلًا: «بمعاونة افتراض خاطئ قدَّم شروحًا للحركات والدورات التي تقوم بها الأجرام السماوية أكثر صوابًا من أي وقت مضى.»

ويعتبره فلكيُّ القرن العشرين إيه سي بي لافل «على صواب بصورة جوهرية»، وفي منتصف القرن التاسع عشر، كتب صديقنا القديم هيرشل — وهو نفسه مكتشفٌ علمي عظيم — ببساطة في كتابه «الخطوط العريضة لعلم الفلك» قائلًا: «بدايةً، سوف نعتبر منظومة كوبرنيكوس الكونية من الأمور المسلم بها.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤