كلمة أخرى في تأليف هذا الكتاب

رأس الأمور التي يجب على كل مؤلفٍ أن يهتمَّ بها في كل تأليف، هو إفراغ الجهد في الحصول على ثقة القارئ، وها أنا شارح لقراء هذا الكتاب ما فعلتُه لأكتسب ثقتهم؛ لأنها أفضل ما أرجوه من الأرباح: ما صَفَّر الرصاص وغَنَّت المدافع نغمات الشؤم على هضاب البلقان حتى أخذتُ أجمع كل مستندٍ رسمي أو شبيه بالرسمي وأطلعُ على رسائل المكاتبين الحربيين وأُرتبها حسب تواريخها. وكنت كلما سمعتُ أن مراسلًا أو كاتبًا شهيرًا قديرًا أصدر كتابًا في موضوع الحرب، بادرتُ إلى شرائه إذا كان موجودًا بمصر أو طلبتُه من أوروبا، حتى اجتمع لدي عدة كتب منها: كتاب الموسيو استفان لوزان رئيس تحرير الماتين الذي كان في الأستانة مدة الحرب الأولى.

وكتاب الموسيو رينيه بيو مراسل التان الحربي الذي كان مع الجيش البلغاري، وزار صوفيا وبلغراد ونقب عن أسرارهما السياسية، وكتاب الموسيو وجنر مراسل الريشبوخت النمساوية، وكتاب الضابط الألماني هوشوختر أو (هوخوختر) الذي كان مع الجيش العثماني، ورسائل المكاتبين الحربيين لجرائد الألوستراسيون والجورنال والديبا، وكتاب الكولونل بوكابيل الكاتب العسكري المعروف في فرنسا، وهو لم يذهب إلى إحدى ساحات القتال، بل جمع كل ما كُتب عن الحرب البلقانية الأولى، وقابل بين الروايات المختلفة واستخلص الحقائق بما يدل على مقدرته وطول باعه.

وما تركت حديثًا لوزير أو سياسي أو قائد إلا جمعتُه.

ولما صدر أخيرًا كتاب دولتلو محمود مختار باشا الذي كان قائدًا للفيلق العثماني الثالث، أضفتُه إلى كل ما تقدم.

بعد أن توفرت لديَّ كل تلك المصادر درست موضوعي درسًا وافيًا وقابلت بين الأقوال والروايات، حتى آنست من نفسي المقدرة على تقديم مؤلف جدير بالذكر، ومما يراه القارئ في هذا الكتاب أني لم أروِ خبرًا يُقام له وزن إلا بعد أن رأيت تأييده في أقوال كاتبين أو مؤلفين على الأقل.

وكنت مع ذاك كله أراقب كل ما كُتب أيام طبع هذا الكتاب لعلِّي أرى ما يجب إصلاحُهُ، ثم نشرتُ في آخره ما رأيت نشره مفيدًا من الملحوظات، وبذلت الجهد من جهة أخرى في مقابلة الذين عادوا من ساحات القتال، كدولة الأمير عزيز باشا حسن ومندوبي جمعية الهلال الأحمر المصري، وقلبت معهم الحديث على وجوهٍ عديدة، بقصد أن أعرف فائدة جديدة أو أصلح هفوة من الهفوات.

تلك هي المجهودات التي بذلتها وأضفتها إلى اختبار عشرين سنة قضيتها بين المحابر والأقلام، ودرست فيها المسألة الشرقية، وطالعت جلَّ ما كتب فيها بيراع أكابر المؤلفين وبحثت غير مرةٍ في موضوعها، وكلُّ ما أرجوه أن أكون موفقًا في خدمة الحقيقة والتاريخ.

المؤلف
٢٠ أكتوبر سنة ١٩١٣

وسأصدر ملحقًا أُضمنهُ ما يتقرر في شأن جزر بحر إيجه، وتحديد ألبانيا، وما يعقد من الاتفاقات أو يقع من الحوادث الكبرى وعلى الله الاتِّكال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤