قيمة البلدان التي خسرتها الدولة العليَّة

نعقد هنا فصلًا للولايات التي خسرتها الدولة العلية بعد ما ذكرناه من الحوادث الفواجع، وسيرى المطالع أن الولايات الخمس التي فقدناها، والبلاد الألبانية التي فصلتها الدول عن جسم السلطنة، والجزر التي لم يُجزم في أمرها حتى صدور هذا الكتاب، هي مملكة واسعة طالما كانت مطمح أنظار الفاتحين من الملوك والسلاطين.
  • ولاية سلانيك: أشهر مدنها ثغر سلانيك، وسيزور القائمة على مقربة من نهر ستروما والشهيرة بزراعة التبغ والأرز والقطن، ومدينة أورفاني وهي ميناء على خليج باسمها، وكوبريلي، وقوَله التي وُلد فيها محمد علي باشا رأس الأسرة الخديوية، ومساحة الولاية خمسون ألف كيلومتر، وجوُّها على ثلاثة أقسام: بارد على جبالها، ومتوسط على روابيها، وحار في سهولها، وتجارتها البذور والثمار والعنب والتبغ والقطن، وعدد أهلها ١٢٠٠٠٠٠ نفس بينهم نحو أكثر من ٥٦٠ ألف بلغاري، والباقون من المسلمين والإسرائيليين والفلاخ واليونان،١ وهي وطن الإسكندر ذي القرنين.

    أما مدينة سلانيك، فهي قائمة داخل خليج يُسمى باسمها، وعدد أهلها نحو ١٥٠ ألف نفس نصفهم من الإسرائيليين والباقون من المسلمين واليونان والبلغار والصرب. ومركزها من أفضل المراكز البحرية؛ لأنها قريبة من آسيا وأفريقية وقناة السويس، ومشتملة على خط حديدي يصلها بالطونه وأوروبا، وكل من ينظر إلى موقعها الطبيعي الجميل يتكهن لها عن مستقبل جميل، وهي أهم ثغور تركيا أوروبا بعد الأستانة.

    أما آثارها فأخصها سورٌ ممتدٌّ على ثمانية كيلومترات ومشيَّد منذ القرون الوسطى، ثم مسجد كان كنيسة للقديسة صوفيا وهو مبني على طراز مسجد أجيا صوفيا الشهير في الأستانة لكنه أصغر مساحةً منه، وهناك مسجدان آخران أحدهما يُسمى جامع إسكي جمعه والثاني جامع القديس ديمتري؛ لأنه كان كنيسة باسم هذا القديس.

    وهي قديمة العهد عظيمة التاريخ رأت الحروب المقدونية القديمة وأصيبت بالخراب، ثم جدد كاساندر بناءها سنة ٣١٥ بعد المسيح وسماها تسالونيك، ولقد بلغت شاهقة المجد في عهد الرومانيين وكانت محط رحال التجار، وسقطت تحت سلطان اليونان غير مرة، ثم فتحها السلطان مراد الثاني سنة ١٤٣٠، وبعد معاهدة برلين اشتد طموح اليونان والبلغار إليها، وما برحت موضوع التنازع بينهم حتى الساعة.

  • ولاية مناستر: مساحتها ٢٧٣٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها نحو ٨٥١٣٠٠ نفس، كان بينهم قبل الحرب نحو ١٨٠ ألف مسلم، وأشهر مدنها مناستر وهي مدينة تجارية خطيرة، فيها معامل للأسلحة ونسيج الحرير واللباد، ثم مدينة بريزرن (أوبريزرند)، ومدينة إيلبصان التي فيها مياه كبريتية حارَّة، واوخريده القائمة على بحيرة تُسمى باسمها، وبرليبه المعروفة بإتقان صنع المقصات والمدى، وكاستورا القائمة على بحيرة تُسمى باسمها.

    ومدينة مناستر تُعد من المواقع الحربية المهمة بالنظر إلى ملتقى عدة طرق تصلها بسلانيك واسكوب وأدرنه. ومما يذكر أن هناك خطًّا حديديًّا نال امتيازه جماعة من الماليين الألمانيين، فمدوه في أراضٍ خصيبة جدًّا بين سلانيك ومناستر.

  • ولاية قوصوه: يبلغ عدد أهلها نحو مليون نسمة، ومساحتها ٢٧٥٦١ كيلومترًا وهي عظيمة الشهرة في تاريخ الصرب؛ لأن الأتراك قهروهم في سهلها سنة ١٣٨٩ وفتكوا بهم فتكًا ذريعًا، وأشهر مدنها أسكوب وبرشتينا وأشتيب.
  • ولاية أدرنه: رأى المُطالع من نص معاهدة الأستانة أن الدولة العلية بعد أن خسرت ولاية أدرنه كلها على التقريب بمقتضى معاهدة لندرا، عادت فاسترجعت مدينة أدرنه وقرق كليسا وشطرًا كبيرًا من تراقيه، فكان استرجاع مدينة أدرنه التي بقيت عاصمة للسلطنة مدة سبعين سنة قبل افتتاح القسطنطينية ربحًا كبيرًا، كما أوضحنا في فصلٍ سابق.

    أما أشهر المدن الأخرى الباقية للدولة من ولاية أدرنه فهي كليبولي على بحر مرمرا عند مدخل الدردنيل، ورودوستو على بحر مرمرا أيضًا، وإينوس عند مصب نهر مريتزا (مريج)، وغيرها مما يراه القارئ في خريطة تراقيه المفصلة والمنشورة في غير هذا الموضع، ومساحة ولاية أدرنه كلها ٤١٤٠٧ كيلومترات مربعة.

  • ولاية أشقودره: مساحتها نحو ١٠٧٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها نحو ٣٢٢٠٠٠، بينهم نحو ١٤٠٠٠ ألباني كاثوليكي، و٨٠٠٠٠ ألباني مسلم، و١٢٠٠٠ تركي، و١٠٠٠٠ من الفلاخ، و٥٠٠٠ من البوهميين، و٥٠٠٠ من الإسرائيليين.
    أما عاصمتها فمدينة أشقودره، وهي واقعة على ٧٣٥ كيلومترًا من الأستانة ومشيَّدة في سهل، تكثر عندها المستنقعات فتجلب الحُمَّى، وتنبسط لديها بحيرة تُسمَّى باسمها، وهي تشبه من بعض الوجوه مدينة «جنوى» بالنظر إلى بحيرتها والنهر الذي يتسرب هناك والجبال التي أمامها، وقد فتحها الرومانيون والصربيون والغوطيون والفينيقيون والمجريون ثم الفينيقيون أيضًا، وفي سنة ١٤٧٧ فتحها الأتراك وبقيت في قبضتهم حتى خسروها في هذا الزمن.٢

•••

تلك هي البلدان التي خسرناها في هذا الزمن السيئ الطالع علينا، وحسبنا لنظهر أرباح خصومنا أن نذكر للمطالع إحصاءً تقريبيًّا حديثًا نشرته الجرائد الأوروبية بعد الحربين البلقانيتين وبعد معاهدة بوخارست، وهو:

كانت مساحة بلغاريا ٩٦٣٠٠ كيلومتر مربع، وكان عدد أهلها ٤٣٨٠٠٠٠ نفسًا، فصارت مساحتها بعد ما أخذته رومانيا من أملاكها بمُقتضى معاهدة بوخارست ٨٨٨٠٠ كيلومتر مربع، وصار عدد أهلها ٤١٠٠٠٠، أما الأراضي التي أخذتها من بلاد تراقيه فمساحتها ٣٢٧٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها ٦٧٠٠٠٠ فتكون مساحة أرضها اليوم نحو ١٢٩٠٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها ٥٠٥٠٠٠٠ نفس، فهي إذن لا تزال رابحة.

وكانت مساحة أراضي اليونان ٦٤٦٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها نحو ٢٨٠٠٠٠٠، أما الأراضي التي ضمتها إليها بعد الحربين فتبلغ مساحتها نحو ٥٦٠٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها نحو ١٩٠٠٠٠٠ نفس، فيكون مجموع أهلها الآن نحو ٤٧٠٠٠٠٠.

وكانت مساحة أراضي صربيا قبل الحربين ٤٨٩٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها ٢٩٥٠٠٠٠ نفس، فصارت مساحتها بعد الأراضي التي غنمتها ٨٤٤٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها ٤٢٤٠٠٠٠ نفس.

أما رومانيا فقد كانت مساحتها قبل الحربين ١٣١٠٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها ٧٢٦٢٠٠٠ نفس، وأما الأراضي التي اغتصبتها من بلغاريا فتبلغ مساحتها ٧٥٠٠ كيلومتر مربع، وعدد أهلها نحو ٢٨٠٠٠٠ نفس، وعليه يكون مجموع مساحة رومانيا بعد الحربين ١٣٨٨٠٠ كيلومتر مربع، ومجموع أهلها ٧٥٥٠٠٠٠ نفس.

على أنه يجدر بنا أن نكرر هنا أن هذا الإحصاء تقريبي، ولكنه قريب جدًّا من الحقيقة، ثم يجدر بالمُطالع أن يُسقط من أعداد الأهالي ألوفًا كثيرة ذهبت فريسة الجوع، أو سالت نفوسها على ظُبَى السيوف وتحت نيران المدافع.

ومما لا ريب فيه أن ربح اليونان كان أعظم من سواه بالنسبة إلى عديدهم وخسارتهم، ولا سيما أنهم سينالون عدة جزر لها شأن حربي كبير وأخصَّها جزيرة كريت المشتملة على خليج الصودا الشهير، وسيكون لتلك المواقع إذا بقيت لليونان شأنٌ يحمل الدول التي يهمها البحر المتوسط على خطبة مودَّتهم، وأضف إلى هذا كله الأرباح الاقتصادية، فإن الموسيو فنزيلوس رئيس وزارتهم يرى دخل الولايات المكتسبة سيكون في العام المقبل نحو ٤١٧١٠٠٠ جنيه عثماني.

١  عن دائرة المعارف الفرنساوية الكبرى.
٢  عن دائرة المعارف الفرنساوية الكبرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤