النوادر العاشرة

نوادر الخليفة المهدي

المهدي وشريك بن عبد الله

قال علي بن صالح: كنت عند المهدي ودخل عليه شريك بن عبد الله القاضي فأراد أن يخبره، فقال لخادم على رأسه: هات عودًا للقاضي. فجاء الخادم بالعود الذي يلهى به، فوضعه في حجر شريك، فقال شريك: ما هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: هذا أخذ صاحبه أمس البارحة، فأحببت أن يكون كسره على يد القاضي. فقال: جزاك الله خيرًا يا أمير المؤمنين. فكسره، ثم أفاضوا في الحديث، حتى نسي الأمر، ثم قال المهدي لشريك: ما تقول في رجل أمر وكيلًا له أن يأتي بشيء يعينه فأتى بغيره فتلف ذلك الشيء؟ فقال: يضمن يا أمير المؤمنين. فقال للخادم: اضمن ما تلف بقضيته.

المهدي وسفيان الثوري

قال سفيان الثوري: لما حج المهدي قال: لا بد لي من سفيان. فوضعوا لي الرصد حول البيت فأخذوني بالليل، فلما مثلت بين يديه أدناني قائلًا: لأي شيء لا تأتينا فنستشيرك في أمرنا، فما أمرتنا من شيء صرنا إليه، وما نهيتنا عن شيء انتهينا عنه؟! فقلت له: كم أنفقت في سفرك هذا؟ قال: لا أدري، لي أمناء ووكلاء. قلت: فما عذرك غدًّا إذا وقفت بين يدي الله تعالى فسألك عن ذلك؟ لكن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لما حج قال لغلامه: كم أنفقت في سفرنا هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، ثمانية عشر دينارًا، قال: ويحك! أجحفنا بيت المال!

المهدي وإياس بن معاوية

لما دخل المهدي البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة وإياس يتقدمهم، فقال المهدي: أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟! ثم إن المهدي التفت إليه وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني — أطال الله بقاء الأمير — سنُّ أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله جيشًا فيهم أبو بكر وعمر. فقال له المهدي: تقدَّم بارك الله فيك.

صالح بن بشر والمهدي

دخل صالح بن بشر على المهدي فقال له: عظني، فقال: ألم يجلس في هذا المجلس أبوك وعمك قبلك؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم أعمال ترجو لهم النجاة بها؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم سيئات تخاف عليهم الهلكة منها؟ قال: نعم. قال: فانظر ما رجوت لهم فيه من النجاة فأته، وما خفت عليهم فيه من الهلكة فاجتنبه.

المهدي وأبو عبيد الله

كتب أبو عبيد الله إلى المهدي بعد عزله إياه عن الدواوين: «لم ينكر أمير المؤمنين حالي في قرب المؤانسة وخصوص الخلطة من حالي عنده قبل ذلك في قيامي بواجب خدمته التي أولتني من نعمته، فلم أبدل — أعز الله أمير المؤمنين — حالي بالتبعيد، وقربني إلى محل الإقصاء، وما يعلم الله مني فيما قلت إلا ما علم أمير المؤمنين، فإن رأى — أكرمه الله — أن يعارض قولي بعلمه بدأ، أو عاقبة فعل إن شاء الله»، فلما قرأ كتابه شهد بتصديقه قلبه، فقال: ظلمنا أبا عبيد الله؛ فليرد إلى حاله، ويعلم ما تجدد له من حسن رأيي فيه.

وفاة المهدي

نام المهدي يومًا فأنشد في نومه هذه الأبيات:

كأني بهذا القصر قد باد أهله
وأوحش منه ركنه ومنازله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه
ينادي بليل معولات ثواكله

فاستيقظ مرعوبًا ثم نام فأنشد:

أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت
سنوك وأمر الله لا بد واقعُ
فهل كاهن أعددته ومنجم
أبا جعفر عنك المنية رافعُ

فما أتت عليه عشرة أيام حتى مات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤