الفلاسفة والحكماء

وصية لقمان لابنه

قال لقمان لابنه: لا تركن إلى الدنيا، ولا تشغل قلبك بها؛ فإنك لم تخلق لها، وما خلق الله خلقًا أهون عليه منها، فإنه لم يجعل نعيمها ثوابًا للمطيعين، ولا بلاءها عقوبة للعاصين، يا بني، لا تضحك من غير عجب، ولا تمش في غير أدب، ولا تسأل عما لا يعنيك، يا بني، لا تُضِعْ مالك وتصلح مال غيرك، فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت، يا بني، إن من يرحم يُرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يقل الخير يغنم، ومن يقل الباطل يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم، يا بني، زاحم العلماء بركبتيك، وانصت إليهم بأذنيك، فإن القلب يحيا بنور العلماء كما تحيا الأرض الميتة بمطر السماء.

لقمان ومولاه

كان لقمان عبدًا أسودَ لبعض أهل الأيلة، فقال له مولاه: اذبح لنا شاةً، وأتنا بأطيب مضغة. فأتاه باللسان، فقال له: اذبح لي أخرى وائتني بأخبث مضغة. فأتاه باللسان! فقال له في ذلك، فقال: ما شيء أطيب منه إذا طاب، ولا أخبث منه إذا خبث.

سقراط وأحد الفلاسفة

كان سقراط الحكيم قليل الأكل خشن اللباس، فكتب إليه بعض الفلاسفة: «أنت تحسب أن الرحمة لكل ذي روح واجبة، وأنت ذو روح فلا ترحمها بترك قلة الأكل وخشن اللباس.» فكتب في جوابه: «عاتبتني على لبس الخشن، وقد يعشق الإنسان القبيحة ويترك الحسناء، وعاتبتني على قلة الأكل، وإنما أريد أن آكل لأعيش وأنت تريد تعيش لتأكل، والسلام»، فكتب إليه الفيلسوف: «قد عرفت السبب في قلة الأكل، فما السبب في قلة الكلام؟ وإذا كنت تبخل على نفسك بالمأكل فلِمَ تبخل على الناس بالكلام؟»، فكتب في جوابه: «ما احتجت إلى مفارقته، وتركه للناس فليس لك، والشغل بما ليس لك عبث، وقد خلق الحق سبحانه لك أذنين ولسانًا؛ لتسمع ضعف ما تقول، ولا لتقول أكثر مما تسمع، والسلام.»

فيثاغورس الفيلسوف وسائلوه

قيل لفيثاغورس الفيلسوف: من الذي يسلم من معاداة الناس؟ قال: من لم يظهر منه خير ولا شر. قيل: وكيف ذلك؟! قال: لأنه إن ظهر منه خير عاداه الأشرار، وإن ظهر منه شر عاداه الأخيار!

طاليس الفيلسوف والعجوز

بينما كان طاليس خارجًا من محله لرصد الكواكب؛ إذ مرَّ بحفرة عميقة فوقع فيها، فرأته عجوز فأخرجته منها، ثم قالت له: أتزعم يا طاليس أنك تعلم جميع ما في السماء مع أنك لم تعلم ما تحت رجليك؟!

سولون الفيلسوف وأهل أثينا

جرت قديمًا حروب بين الأثينيين والمغاريين بسبب جزيرة سلامينا، وانتهى الأمر بينهم إلى أن انهزم الأثينيون تعبًا بسبب سفك الدماء، حتى أجمع رأيهم على أن كل من تكلم في شأن المغاريين لأجل جزيرة سلامينا وطلب تجديد الحرب معهم يكون جزاؤه الموت ما دام المغاريون مستولين عليها، فرأى سولون الفيلسوف أنه إذا تكلم في ذلك أضرَّ بنفسه، وإذا سكت يعود الضر على وطنه وأهل مملكته، فتظاهر بالجنون خديعة لهم ليبدي ما يخطر له، فشاع في المدينة خبر جنونه، فأنشأ أبيات شعر محزنة حفظها جيدًا ثم خرج لابسًا ثياب صوف رثة، وفي عنقه حبل، وعلى رأسه طيلسان قديم، فاجتمع عليه أهل المدينة، فطلع إلى مرتفع مخصص للمناداة وأنشد تلك الأشعار المحزنة، ثم قال بأعلى صوته: ليتني ما كنت من أهل هذه البلدة، وا حسرتاه! أتمنى لو كنت مولودًا في بلاد الأعجام أو البرابرة أو في أي مكان آخر؛ فإن ذلك أهون عليَّ من أن يراني الناس ويشيروا إليَّ ويقولون: إن هذا الرجل من أهل أثينا الذين فرُّوا من حرب سلامينا، فأسرعوا في أخذ الثار، وامحوا عنا هذا العار الذي لحقنا، وتنبهوا حتى نأخذ هذه المدينة التي أخذها أعداؤنا ظلمًا وعدوانًا. فأثر قوله ذلك في عقول أهل أثينا، وأبطلوا اتفاقهم، وأخذوا سلاحهم، ومضوا إلى حرب المغاريين.

أكرسيوس صديق يولون الفيلسوف

أسر قيروس ملك العجم إستياجس الملك جد أكرسيوس أبا أمه، وأخذ جميع ملكه رغمًا عن إرادة أكرسيوس، فغضب لذلك أكرسيوس، وأخذته الحمية على جده، وقصد حرب بلاد العجم؛ لأنه رأى نفسه ذا ثروة عظيمة، ورأى أن أهل مملكته أشجع في الحرب من جميع العالم، فضمن لنفسه الظفر، ولكن لسوء حظه انهزم إلى مدينة سارديس في مروره فيها مدة أربعة عشر يومًا، ثم أخذوه أسيرًا بالسلاسل والأغلال، وأحضروه إلى قيروس، فأمر أن يوضع مغلولًا في مستوقد من حطب، ووضعوا حوله أربعة عشر غلامًا، وأمر بأن يحرقوه بالنار بمشاهدة قيروس وجميع العجم، وهموا بوضع النار في الحطب، وإذا بأكرسيوس وقد تذكر كلامًا سمعه من سولون الفيلسوف وصاح آسفًا حزينًا: سولون، سولون، فعجب قيروس، وبعث يسأله عن ذا الاسم الذي قد تذكره؛ أهو من أسماء الآلهة فينقذه؟ فما أجابه أكرسيوس، فشددوا عليه، فقال بصوت ملؤه الأسف: إن من ذكرته رجل يجب على الملوك أن يستصحبوه ويقربوه منهم، ويعتبروه ويسمعوا كلامه، فإنه أنفع من خزائنهم وجميع ما عندهم من الأشياء النفيسة، فقالوا: حدثنا عنه سريعًا. فقال: إنه من أعظم حكماء اليونان، وقد كنت أرسلت له سابقًا لأستشيره في جميع أموري، فقال لي عفوًا: «ما هذه الحياة الدنيا إلَّا باطل زائل، وأنه ينبغي على الأديب أن يتوقع آخر عمره، ولا يغترَّ بسعادته، ولا يعتمد عليها؛ لأنها معرضة لأكثر المصائب التي تفوق الإحصاء»، فقد عرفت الآن حقيقة ما قاله لي. وفيما هو يتكلم اشتعلت النار في الحطب من تحت المستوقد، وابتدأت تتصاعد إلى أعلى، فعند ذلك حصل لقيروس الشفقة، واتعظ بكلامه، وهاجه حالة أكرسيوس المحزنة، وذكر سابق مجده وما كان عليه من العز والرخاء، فأمر للحال بإطفاء النار، وإطلاق أكرسيوس من السلاسل التي كان مقيدًا بها، وأحسن إليه، واعتمد على مشورته في سائر أموره.

بيتاقوس الفيلسوف والمستشير

جاء بيتاقوس يومًا رجل فقال: أريد أن أتزوج بإحدى اثنتين؛ واحدة منهما تساويني في الحسب، وأخرى أغنى مني وأعلى نسبًا، فآخذ لي واحدة منهما. فرفع عليه عصا كان يتوكأ عليها، وقال: اذهب إلى مجمع الصبيان الذي يلعبون فيه واسمع ما يقولون واعمل به! فمضى الرجل إلى ملعب الصبيان؛ فسمعهم ينبهون بعضهم، ويقولون: «كل واحد يأخذ مثله»، فاعتبر الرجل بذلك، وجنح عن أخذ التي فوقه في الغنى والنسب، وأخذ التي تماثله في الصفات والأخلاق.

عدل بيتاقوس الفيلسوف

كان تيري بن بيتاقوس الفيلسوف يومًا في حانوت رجل حجام مع جماعة من الشبان الذين كانوا يجتمعون عادةً هناك للتحدث والاستخبار، وبينما هو كذلك؛ إذ سقطت عليه حديدة من يد صانع — غير عامد — فكسرت رأسه، فهم أهل المدينة بقتل ذاك الرجل، وأمسكوه وأحضروه إلى بيتاقوس والد المقتول، فبحث عن السبب؛ فرأى أن الرجل الذي ألقى قطعة الحديد على رأس ابنه غير متعمد، فعَفا عنه، وقال: إن ذنبًا غير مقصود لجدير بالعفو والمسامحة؛ لأن الأعمال بالنيات لا بالمظاهرة.

بياس الفيلسوف والمشركون

كان بياس الفيلسوف يومًا في سفينة مع جماعة من المشركين، هبت عليهم ريح عاصفة، أشرفت منها السفينة على الغرق، فخاف المشركون غاية الخوف، وابتهلوا بالدعاء لآلهتهم؛ لتنجيهم من الموت الذي يتهددهم، فقال لهم بياس: عليكم بالصمت؛ لأن آلهتكم لو علمت أنكم في السفينة لأغرقتها وهلكنا جميعًا!

بياس الفيلسوف والمحكوم عليه

اضطر بياس يومًا أن يحكم بالقتل على أعز أصدقائه؛ عملًا باقتضاء الشرع، فما كاد أن ينطق بصيغة الحكم حتى شرع في البكاء وسط المحكمة، فقيل له: ما يبكيك، وأنت الحاكم المطلق تغير الحكم كيف شئت؟! فقال: إنما بكيت أسفًا وحنانًا على من أصيب بنكبات الدهر، ولكن الشريعة فرضت عليَّ أن لا أعتبر هذه الطبيعة ولا أجري على أميالها.

بياس الفيلسوف والسفينة

تأمل بياس يومًا في شحن ألواح السفينة، فتأوه بأعلى صوته، وقال: إن المسافرين في البحر ليسوا بعيدين عن الموت إلَّا بمقدار أربعة أصابع، فسئل عن آمن السفن، فقال: هي التي تصل إلى البر سالمة.

بياس الفيلسوف ورجل من أثينا

قدم إلى بياس الفيلسوف رجل من أثينا وعيرهُ بأنه من التتار، فقال له: إن بلدي قد فضحتني، وأما أنت فقد فضحت بلدك.

انتيثينوس الفيلسوف

سئل انتيثينوس الفيلسوف يومًا: ما الذي ينبغي طلبه من الدنيا؟ فأجاب: موت الإنسان سعيدًا.

وحصل له غيظ شديد من حساده الذين كان يرعاهم حسدهم رعي الصدأ للحديد، فكان يقول: لو خيرت بين أن أكون غرابًا أو حاسدًا لاخترت أن أكون غرابًا؛ لأن الغربان لا تأكل الميتة، وأما الحساد فإنهم يأكلون لحوم الأحياء.

سمع ذات يوم كثيرًا من الأراذل يمدحونه، فقال: ما الذي صنعت من سيئ الفعال حتى مدحني أولئك الأراذل؟!

أرستيب الفيلسوف ودينيس الملك

اتفق أن دينيس الملك كان في نفسه شيء من أرستيب فلما وصل إليه الطعام وتهيئوا للأكل أمره الملك دينيس أن يجلس في المحل الأخير، فلم يتأثر من ذلك ولم يغضب وقال للملك: يخيل لي أنك أردت أن تشرف بي هذا الموضع.

أرستيب الفيلسوف وأبو التلميذ

أرسل بعض الناس ولده إليه ليعلمه وطلب منه أن يعتني بتعليمه فطلب منه أرستيب خمسين درهمًا، فاستعظم ذلك أبو الغلام وقال: كيف أدفع خمسين درهمًا مع أني قادر على شراء مملوك بها؟! فقال له أرستيب: اذهب واشترِ بها مملوكًا يكمل لك خادمان.

أرستيب وديوجينوس الفيلسوف

كان ديوجينوس الفيلسوف يومًا يغسل حشائش على عادته، فبينما هو كذلك إذ مرَّ به أرستيب، فقال له ديوجينوس: لو أمكنك أن تقنع بمثل هذه الحشائش لما اضطررت للذهاب إلى الملوك وسمعت منهم ما لا يلذك. فقال أرستيب: وأنت لو عرفت صناعة مجالسة الملوك لكرهت هذه الحشائش.

أرستيب الفيلسوف وأثخينس

وقع بين أرستيب وأثخينس منازعة عظيمة أدت إلى إعراض كل منهما عن صاحبه، فذهب أرستيب إلى أثخينس وقال له: هل لك في الصلح؛ فنكف عنا لسان الساخرين؟ فقال أثخينس: الصلح بغيتي وعين مرامي. فقال أرستيب: لا تنس أني أنا الذي سعيت في الصلح وطلبته منك مع أني أكبر منك سنًّا.

أرستيب الفيلسوف والرجل

أخذ أحدهم يسب أرستيب يومًا ويذمه بحضرته، فتركه أرستيب وذهب فذهب خلفه وقال: لمَ تذهب يا قبيح؟ فقال له أرستيب: أنت رجل قادر على السب، أما أنا فلست مأذونًا بسماعه.

أرستيب الفيلسوف والملك

لما أكثر أرستيب الذهاب إلى مدينة سراقوسة واعتاده أضمر دينيس الملك في نفسه أن يسأله عن ذلك، فسأله: ماذا تصنع في هذه المدينة؟ فقال له أرستيب: آتي لأعطيك ما عندي، وأستعيض عنه بما عندك.

أكسينوقراط الفيلسوف وتابع الإسكندر

كان أكسينوقراط الفيلسوف قنوعًا للغاية، فاتفق أن الإسكندر بعث له جملة من الدراهم، فلم يأخذ منها إلَّا ثلاثة وردَّ الباقي، وقال لحامل الهدية: إن للإسكندر خلقًا كثيرًا يطعمهم؛ فيحتاج للدراهم أكثر مني.

ديوجينس الفيلسوف والرجل

أراد أحدهم أن يظهر دقة عقله لديوجينس فقال له: إنك لست أنا، وأنا رجل، فلست أنت برجل! فقال له ديوجينس: لو قلت أنت لست أنا واقتصرت لأنتجت بنفسها أنك لست برجل.

ديوجينس الفيلسوف والطفل

رأى ديوجينس يومًا في سيره طفلًا يشرب بكفيه؛ فاستحيا من ذلك جدًّا، وقال: كيف تكون الأطفال أشد معرفة مني بالأشياء التي يُدرك التخلي عنها؟ وأخرج عند ذلك قدحه من خرجه وكسره؛ لأنه رآه غير نافع له.

ديوجينس الفيلسوف وديموثينس

اتفق أن ديموثينس أكل يومًا في حانة؛ فحانت منه التفاتة؛ فأبصر ديوجينس فاختفى، فلما لمحه ديوجينس قال: كلما اختفيت في مثل ذا المكان تمكنت فيه.

ديوجينس الفيلسوف ومعيروه

عيره أراذل الناس بالفقر وعابوه به؛ فقال لهم: لم أرَ أحدًا عوقب على فقره، ورأيت كثيرًا من الناس أرباب القبائح والخيانات يعاقبون على خيانتهم.

ديوجينس الفيلسوف وصديقه

أتى ديوجينس صديقٌ مدة أسره؛ لكي ينقذه من ذل يد العبودية، فقال له ديوجينس: أبك جنون، أم تهزأ بي؟! أما علمت أن الأسد ليس أسيرًا عند من يطعمه، إنما المطعم للسبع هو أسيرهُ.

ديوجينس الفيلسوف وأفلاطون

كان أفلاطون يقول في تعريف الإنسان: إنه حيوان ذو رجلين لا ريش له! فأخذ ديوجينس ديكًا ونتفه وخبأه تحت عباءته، ولما دخل المكتب أخرجه وطرحه في الوسط، وقال: هذا إشارة أفلاطون! فاضطر أفلاطون لتصحيح تعريفه أن يزيد عليه: «ذو أظفار عريضة»!

ديوجينس الفيلسوف في ميغاره

مرَّ ديوجينس يومًا بمدينة ميغاره فرأى أطفالهم عراة ورأى الغنم مرتدية بصوفها، فقال: غنم هذه المدينة أسعد من بني آدم!

ديوجينس وحامل الخشبة

كان أحدهم يحمل خشبة طويلة على ظهره، فصدم بها ديوجينس على حين غفلة ثم قال له: قِ نفسَكَ. فقال له ديوجينس: لقد ضاربتني ثانية بهذه الكلمة.

ديوجينس والرجل المسرف

رأى ديوجينس رجلًا مسرفًا سائرًا في طريق فسأله دينارًا؛ فقال له ذلك المسرف: لمَ طلبت مني دينارًا وتطلب من غيري درهمًا فقط؟! فقال: لأنه يعطيني مرة ثانية، وأشك في أن أراك مرة أخرى قادرًا على إعطائي!

ديوجينس وأهل التلميذ

أتوا ديوجينس يومًا بتلميذ ومدحوه له بالعقل والمعارف والنباهة وحسن الأخلاق، فلما أتموا كلامهم قال: من كانت هذه صفاته فلا حاجه له بي، ولِمَ جئتم به إلي؟!

بيرهون الفيلسوف وركاب السفينة

بينما كان بيرهون في سفينة صغيرة؛ إذ هبت ريح عاصفة على غفلة، فغدت السفينة في خطر أزعج من كان معه، أما هو فلم يكترث، بل ظل يأكل ساكنًا دون خوف ولا حذر، ثم أشار إلى غنمة كانت بجانبه تأكل، وقال: يجب على العاقل أن يدرك بقوة القلب والجنان رتبة هذا الحيوان الصغير.

بيون الفيلسوف والملك

بلغ بيون الفيلسوف يومًا أن أحد الأعداء وشى به وعرَّض برداءة أصله لدى الملك أنتيفونوس، فلم يكترث ولا تأثر من ذلك، مظهرًا أنه غير عالم به، فأرسل الملك إلى بيون زاعمًا أنه يفحمه بتلك الحجج ويحيره، فقال له: ما اسمك؟ واسم بلدك؟ وأصلك؟ وحرفة أهلك؟ فلم يتحير من ذلك، وقال: كان أبي رجلًا عتيقًا، وكان يبيع دهن الخنزير والسمن، ولا أعلم إذا كان جميلًا؛ لأن وجهه الآن مشوه بآثار ضرب سيده، وكان تتاري الأصل، مقيمًا في بلدة على شاطئ نهر يورثينوس، ولا أدري ما ارتكبه أبي من الذنب حتى بيع مع زوجته وأولاده؟! وكنت أنا إذ ذاك فتى جميلًا، فابتاعني أحد الخطباء، وأوصى لي بجميع أمواله، فلما مات مزقت الوصية وحرقتها في النار، وذهبت إلى أثينا، وتعلمت الفلسفة، وهذا كل ما يقال عني وعن أهلي أيها الملك. فعجب من تواضعه وذكاء فؤاده.

زينون الفيلسوف

كان زينون آتيًا من «قيتيا» ومعه شيء من أرجوان الصينيين، فكسرت به السفينة، وتلف ما كان معه بمينا «بيري» فاغتم لتلك الخسارة، وجاء مدينة أثينا، فدخل على بائع كتب، فقرأ المقالة الأولى من كتاب زنفون الفيلسوف؛ ليسلي همه بها، فسرَّ بقراءتها كثيرًا، وسأل الكتبي عن أماكن الذين يتكلم عنهم زنفون، وإذا بأقراطيس الكلبي مارًّا بالصدفة، فأشار إليه الكتبي، وقال لزينون: اتبع هذا الرجل، وكان زينون في الثلاثين من العمر شديد الحياء والخجل، فلما رآه أقراطيس على ذي الحال أراد أن يقوي عزمه؛ فأعطاه ذات يوم قدرًا ممتلئة عدسًا، وأمره أن يدور بها في طرق المدينة، فاحمرَّ وجه زينون خجلًا من ذلك، واختفى خشية أن يُرى من أحد أصحابه، فقال له أقراطيس: لِمَ هربت يا مكار مع أنه لا يضرك ذلك بل يمهد لك سبيل الدعة والتواضع؟!

الفيلسوف والولد

دخل ولد صغير على فيلسوف وطلب إليه أن يعطيه جمرة نار، ولم يكن معه وعاء يأخذ فيه النار، فتعجب من أمره، وقال له: كيف تأخذ النار وأنت لم تأتِ بوعاء لها؟! قال: إن شئت أعطني وها قد جئت بالوعاء اللازم. قال هذا وغرف رمادًا ملء كفه، وقال: ضع النار هنا، أرأيت ما أحسن هذا الوعاء. فتعجب الفيلسوف من فطنته، وقال: حقيقة إن الإنسان مهما تعلم يبقَ قاصرًا.

زينون الحكيم والرجل

رأى زينون الحكيم رجلًا على شاطئ البحر مفكرًا حزينًا على الدنيا، فقال له: يا فتى، ما تلهفك على الدنيا؟! لو كنت في غاية الغنى وأنت راكب لجة البحر، وقد انكسرت بك السفينة، وأشرفت على الغرق أما كانت غاية مطلوبك النجاة، وأن يذهب كل ما بيديك؟ قال: نعم. قال: ولو كنت ملكًا وأحاط بك من يريد قتلك، أما كان مرادك النجاة من يده ولو ذهب جميع ما تملك؟ قال: نعم. قال: فأنت ذلك الغني الآن، وأنت ذلك الملك. فتسلى الرجل بكلامه.

الرجل الحكيم بألف رجل

قيل لرجل من عبس: ما أكثر صوابكم في مباشرة ما تأتون ومجانبة ما تعرضون عنه! قال: نحن ألف رجل، وفينا رجل واحد حازم ذو رأي ومعرفة، فنحن نشاوره في الجليل والحقير، ونعمل برأيه، فكأننا إذا عملنا برأيه ومشورته قد عملنا برأي ألف حازم، وجدير بألف حازم أن يصيبوا.

وصية بعض الحكماء

أوصى بعض الحكماء ملكًا فقال: «لا يكوننَّ العدو الذي كشف لك عن عداوته بأحقرَ عندك من الظنين الذي يستتر لك بمخاتلته، فإنه ربما تخوف الرجل السم الذي هو أقتل الأشياء، وقتله الماء الذي هو محيي الأشياء، وربما تخوف أن تقتله الملوك التي تملكه ثم تقتله العبيد التي يملكها.»

عمر بن عبد العزيز والحسن

كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: اجمع لي أمر الدنيا، وصف لي أمر الآخرة. فكتب إليه: «إنما الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والموت مستيقظ، ونحن في أضغاث أحلام، من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر في العواقب نجا، ومن أطاع هواه ضلَّ، ومن حلم غنم، ومن خاف سلم، ومن اعتبر أبصر، ومن فهم علم، ومن علم عمل، فإذا زللت فارجع، وإذا ندمت فاقلع، وإذا جهلت فاسأل، وإذا غضبت فأمسك، واعلم أن أفضل الأعمال ما أكرهت النفوس عليه.»

ابنة حاتم

اجتاز بعض الأمراء باب حاتم الأصم، فاستسقى ماءً فلما شرب رمى إليهم شيئًا من المال، ووافقه أصحابه، ففرح أهل الدار سوى بنية صغيرة لحاتم فإنها بكت، فقيل لها: ما يبكيك؟! قالت: مخلوق نظر إلينا نظرة فاستغنينا، فكيف لو نظر إلينا الخالق سبحانه وتعالى؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤