الفصل السابع

محمد الصديق

عطوف ودود

إذا كان الرجل محبًّا للناس، أهلًا لحبهم إياه، فقد تمت له أداة الصداقة من طرفيها …

وإنما تتم له أداة الصداقة بمقدار ما رزق من سعة العاطفة الإنسانية ومن سلامة الذوق، ومتانة الخلق، وطبيعة الوفاء.

فلا يكفي أن يحب الناس ليحبوه، لأنه قد يحبهم وفي ذوقه نقص ينفرهم منه ويزهدهم في حبه.

ولا يكفي أن يكون محبًّا سليم الذوق ليبلغ من الصداقة مبلغها. فقد يكون محبًّا محبوبًا حسن الذوق ثم يكون نصيبه من الخلق المتين والطبع الوفي نزرًا ضعيفًا لا تدوم عليه صداقة، ولا تستقر عليه علاقة.

إنما تتم أداة الصداقة بالعاطفة الحية، والذوق السليم، والخلق المتين، وقد كان محمد في هذه الخصال جميعًا مثلًا عاليًا بين صفوة خلق الله.

كان عطوفًا يرأم من حوله ويودهم ويدوم لهم على المودة طول حياته، وإن تفاوت ما بينه وبينهم من سن وعرق ومقام.

كان صبيًّا في الثانية عشرة يوم سافر عمه، فتعلق به حتى أشفق العم أن يتركه وحده فاصطحبه في سفره.

وكان شيخًا قارب الستين يوم بكى على قبر أمه بكاء من لا ينسى.

وليس في سجل المودة الإنسانية أجمل ولا أكرم من حنانه على مرضعته حليمة ومن حفاوته بها وقد جاوز الأربعين، فيلقاها هاتفًا بها: أمي! أمي! ويفرش لها رداءه ويمس ثديها بيده … كأنه يذكر ما لذلك الثدي عليه من جميل، ويعطيها من الإبل والشاء ما يغنيها في السنة الجدباء …

ولقد وفدت عليه هوازن وهي مهزومة في وقعة حنين وفيها عم له من الرضاعة … لأجل هذا العم من الرضاعة تشفع النبي إلى المسلمين أن يردوا السبي من نساء وأبناء، واشترى السبي ممن أبوا رده إلا بمال.

وحضنته في طفولته جارية عجماء فلم ينس لها مودتها بقية حياته، وشغله أن تنعم بالحياة الزوجية … ما يشغل الأب من أمر بناته ورحمه، فقال لأصحابه: «من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن …» وما زال يناديها يا أُمه كلما رآها وتحدث إليها، وربما رآها في وقعة قتال تدعو الله وهي لا تدري كيف تدعو بلكنتها الأعجمية، فلا تنسيه الوقعة الحازبة أن يصغي إليها ويعطف عليها.

وكان هذا عطفه على كل ضعيف ولو لم يذكره بحنان الطفولة ورحم الرضاع، فما نهر خادمًا ولا ضرب أحدًا، وقال أنس: «خدمت النبي عشر سنين، فما قال لي أف قط، ولا قال لشيء صنعته: لم صنعته؟ … ولا لشيء تركته: لم تركته؟ …»

وكان من أضحك الناس وأطيبهم نفسًا، صافي القلب إذا كره شيئًا رؤي ذلك في وجهه، وإذا رضي عرف من حوله رضاه.

وقد اتسع عطفه حتى بسطه للأحياء كافة ولم يقصره على ذوي الرحم من الناس ولا على الناس من غير ذوي الرحم، فكان يصغي الإناء للهرة لتشرب، وكان يواسي في موت طائر يلهو به أخو خادمه، وأوصى المسلمين: «إذا ركبتم هذه الدواب فأعطوها حظها من المنازل ولا تكونوا عليها شياطين»، وكرر الوصاة بها أن «اتقوا الله في البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة.»

وقال: «إن الله غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس رَكيٍّ يلهث قد كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك …»

وقال في هذا المعنى: «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.»

لا بل شمل عطفه الأحياء والجماد كأنه من الأحياء، فكانت له قصعة يقال لها الغراء، وكان له سيف محلى يسمى ذا الفقار، وكانت له درع موشحة بنحاس تسمى ذات الفضول، وكان له سرج يسمى الداج، وبساط يسمى الكز، وركوة تسمى الصادر، ومرآة تسمى المدلة، ومقراض يسمى الجامع، وقضيب يسمى الممشوق …

وفي تسمية تلك الأشياء بالأسماء معنى الألفة التي تجعلها أشبه بالأحياء المعروفين ممن لهم السمات والعناوين، كأن لها «شخصية» مقربة تميزها بين مثيلاتها، كما يتميز الأحباب بالوجوه والملامح وبالكنى والألقاب.

ذو ذوق سليم

هذه العاطفة الإنسانية التي رحبت حتى شملت كل ما أحاطت به وأحاط بها، لم تكن هي كل أداة الصداقة في تلك النفس العلوية، بل كان معها ذوق سليم يضارعها رفعة ونبلًا ويتمثل — فيما يرجع إلى علاقات النبي بالناس — في رعاية شعورهم أتم رعاية وأدلها على الكرم والجود.

«كان إذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه. وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه …»

«وكان إذا ودع رجلًا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده …»

«وكان أرحم الناس بالصبيان والعيال … وإذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته.»

«وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، وأصبر الناس على أقذار الناس» … يحفظ مغيبهم كما يحفظ محضرهم ويقول لصحبه: «من اطلع في كتاب أخيه بغير أمره فكأنما اطلع في النار.»

ومع العاطفة الإنسانية والذوق السليم والأدب الكريم سمت جميل ونظافة بالغة وحرص على أن يراه الناس في أجمل مرآه.

ومع هذا كله أمانة يثق بها العدو فما بال الصديق؟ … وحسبك من ثقة الناس به ما أودعوه من أمانات وهم يناصبونه العداء، فلم يخرج للهجرة وهو مهدد في سربه حتى رد الأمانات إلى أصحابها، وقد يكون في ردها ما ينبههم إلى خروجه ويأخذ عليه سبيل النجاة، وهذا إلى اشتهاره بالأمانة في صباه حتى سمي بالأمين قبل أن يتجرد لدعوة تنبغي لداعيها أمثال هذه الصفات.

أصدقاؤه المحبون

كل هذه المزايا النفسية — بل بعض هذه المزايا النفسية — خليق أن يتم لصاحبه أداة الصداقة أوفى تمام، وأن يجعله محبًّا لمن حوله جديرًا منهم بأحسن حب وولاء. فلم يعرف في تاريخ العظمة — لا بين الأنبياء ولا غير الأنبياء — إنسان ظفر بنخبة من الصداقات على اختلاف الأقدار والبيئات والأمزجة والأجناس كالتي ظفر بها محمد، ولم يعرف عن إنسان أنه أحيط من قلوب الضعفاء والأقوياء بما يشبه الحب الذي أحيط به هذا القلب الكبير.

تقدم في بعض فصول هذا الكتاب حديث زيد بن حارثة الذي خطف من أهله وهو صغير، ثم اهتدى إليه أبوه واهتدى هو إلى أبيه على لهفة الشوق بعد يأس طويل، فلما وجب أن يختار بين الرجعة إلى آله وبين البقاء مع سَيِّده «محمد» اختار البقاء مع السيد على الرجعة مع الوالد، وشق عليه أن يحتجب عن ذلك القلب الذي غمره بحبه ومواساته، وهو ضعيف شريد لا يرى ذويه ولا يدري من هم ذووه.

وكان لا يغني من لازموه أن يلزموه في الحياة حتى يثقوا من ملازمتهم إياه بعد الممات فضعف مولاه ثوبان ونحل جسمه وألح عليه الحزن في ليله ونهاره، فلما سأله السيد العطوف يستفسره علة حزنه ونحوله قال في طهارة الأبرار: «إني إذا لم أرك اشتقتك واستوحشت وحشة عظيمة، فذكرت الآخرة حيث لا أراك هناك لأني إن دخلت الجنة فأنت تكون في درجات النبيين فلا أراك.» ورويت هذه القصة في أسباب نزول الآية الكريمة: وَمَن يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (النساء: ٦٩).

وأدرك الموت بلالًا فأحاط به أهله يصيحون «واكرباه» وهو يجيبهم: «واطرباه … غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه!»

وقد عنينا مما تقدم بحب الصداقة بين الإنسان والإنسان؛ لأننا لم نقصد حب المؤمن لنبيه في هذا الباب، فقد بلغ من امتلاء قلوب المسلمين والمسلمات بهذا الحب أن المرأة كانت تسمع أنباء المعركة فينعى إليها خاصة أهلها وهي تسترجع وتعرض عن هذا لتسأل عن النبي، وتهتم بسلامته قبل اهتمامها بسلامة الإخوة وبني الأعمام.

إلا أننا عنينا محبة الصداقة في هذا الباب لأنها هي المحبة التي جعلت كثيرًا من الناس يؤمنون بمحمد لمحبتهم إياه واطمئنانهم إليه، فكانت سابقة في قلوبهم وأرواحهم لحب العقيدة والإيمان.

عظمة العظمات

إن عطف العظيم على الصغير حتى يستحق منه هذا الحب لفضيلة يشرف بها مقام العظيم في نظر بني الإنسان.

ولكن قد يقال إن استحقاق العظيم أن يحبه العظماء لأشرف من ذلك رتبة، وأدل على حظه الجليل من فضائل التفوق والرجحان … وهذا صحيح لا ريب فيه …

وهنا أيضًا قد تمت لمحمد معجزته التي لم يضارعه فيها أحد من ذوي الصداقات النادرة …

فأحدقت به نخبة من ذوي الأقدار تجمع بين عظمة الحسب وعظمة الثروة وعظمة الرأي وعظمة الهمة، وكل منهم ذو شأن في عظمته تقوم عليه دولة وتنهض به أمة، كما أثبت التاريخ من سِيَر أبي بكر، وعمر، وخالد، وأسامة، وابن العاص، والزبير، وطلحة، وسائر الصحابة الأولين …

وربما عظم الرجل في مزية من المزايا فأحاط به الأصدقاء والمريدون من النابغين في تلك المزية، كما أحاط الحكماء بسقراط والقادة بنابليون.

بل ربما أحاط الصالحون بالنبي العظيم كما أحاط الحواريون بالمسيح عليه السلام وكلهم من معدن واحد وبيئة متقاربة.

أما عظمة العظمات فهي تلك التي تجذب إليها الأصحاب النابغين من كل معدن وكل طراز، وهي التي يقابل في حبها رجال بينهم من التفاوت مثل ما بين أبي بكر وعلي، وبين عمر وعثمان، وبين خالد ومعاذ، وبين أسامة وابن العاص: كلهم عظيم وكلهم مع ذلك مخالف في وصف العظمة لسواه.

تلك هي العظمة التي اتسعت آفاقها وتعددت نواحيها حتى أصبحت فيها ناحية مقابلة كل خلق، وأصبح فيها قطب جاذب لكل معدن، وأصبحت تجمع إليها البأس والحلم، والحيلة والصراحة، والألمعية والاجتهاد، وحنكة السن وحمية الشباب.

تلك هي بلا ريب عظمة العظمات، ومعجزة الإعجاز في باب الصداقات، وما استحقها محمد إلا بنفس غنيت بالحب وخلصت له حتى أعطت كل محب لها كفاء ما يعطيها؛ مودة بمودة وصفاء بصفاء، وعليها المزيد من فضل التفاوت في الأقدار.

ولقد كان صاحب الفضل على أصفيائه جميعًا بما هداهم إليه من نور العقل ونور البصيرة، وهما أشرف من نور البصر لأنه نعمة يشترك فيها الإنسان والعجماوات، ونور العقل ونور البصيرة نعمتان يختص بهما الإنسان.

ومع هذا كان يذكر فضلهم ويشيد بذكرهم كما قال عن أبي بكر: «ما أحد أعظم عندي يدًا من أبي بكر؛ واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته»، وكما قال عن أبي بكر وعمر: «أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر»، وكما قال عن علي: «علي أخي في الدنيا والآخرة»، وكما قال عن بعض أصحابه: «إن الله تعالى أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم: عليٌّ منهم، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان»، وكما قال عن الأنصار جميعًا وهو في مرض الموت: «استوصوا بالأنصار خيرًا. إنهم عيبتي التي أويت إليهم، فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم» … وغير ذلك كثير عن الصحابة كافة وعن بعضهم مذكورين بأسمائهم.

على أننا نلمس دلائل هذا الفؤاد الرحب وهذا العطف الإنساني الشامل في معاملته لأعدائه وشانئيه فضلًا عن معاملته للأصفياء، ومن ليس بينهم وبينه عداء ولا صفاء …

فما ثأر من أحد لأنه أساء إليه في شخصه، وقد عفا عن رجل هم بقتله وهو نائم ورفع السيف ليهوي به فسقط من يده على كره منه، وما حارب قط أحدًا كان في وسعه أن يسالمه ويحاسنه ويتقي شره.

ومعاملته لعبد الله بن أُبيٍّ الذي كان المسلمون يسمونه رأس النفاق مثل من أمثلة الإغضاء والصفح الجميل، فقد عاهد وغدر ثم عاهد وغدر وعاش ما عاش يكيد للنبي عليه السلام في سره ويمالئ عليه أعداءه، وشاع أن النبي عليه السلام قضى بقتله فتقدم ابنه، وقال له: «يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلًا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه. فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني، وإني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله؛ فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل رجلًا مؤمنًا بكافر فأدخل النار.»

فأبى النبي أن يقتله وآثر الرفق به، وزاد في إفضاله وإجماله فكافأ الولد خير مكافأة على خلوص نيته وإيثاره البر بدينه على البر بأبيه فأعطاه قميصه الطاهر يكفن به أباه، وصلى عليه ميتًا ووقف على قبره حتى فرغ من دفنه، وقد حاول عمر أن يثنيه عن الصلاة على ذلك العدو الذي آذاه جهد الإيذاء فذكر الآية: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ (التوبة: ٨٠).

فقال: «لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له زدت.»

تهمة باطلة

هذه النفس المطبوعة على الصداقة والرحمة والسماحة ما أعجب اتهامها بالقسوة على ألسنة بعض المؤرخين الأوروبيين! …

ما أعجب اتهامها بالقسوة لأنها دانت أناسًا بالموت كما يدين القاضي مجرمًا بذنبه وهو من أرحم الرحماء؟ …

ما أعجبهم إذ يذكرون العقوبة وينسون الذنب الذي استوجب العقوبة كما يستوجب السبب النتيجة.

وأي ذنب؟ … ذنب لو قوبل به غير محمد لأراق فيه أنهارًا من الدماء وله حجة من سلطان الدنيا والآخرة.

فلا نذكر استهزاء المشركين به وإعناتهم إياه وإلقاءهم عليه القذر والحجارة، وائتمارهم بحياته وحياة أصحابه وإخراجهم المسلمين من ديارهم إلى أقصى الديار، ولا نذكر العناد والإغاظة والاستثارة لغير جريرة إلا أنهم دعوا إلى عبادة الله والتحلي بمكارم الأخلاق وترك عبادة الأصنام وترك الرذيلة.

لا نذكر شيئًا من هذا فهو أطول من أن يحصيه هذا الكتاب، ولكننا نذكر حادثًا واحدًا تجمع فيه من اللؤم ما تفرق في كثير غيره، وذلك حادث الرسل الأربعين — وقيل السبعين — الذي قتلوا في بئر معونة، ولا ذنب لهم إلا أنهم ذهبوا تلبية لدعوة الداعين لِيُعلِّموا من ينشد علم القرآن والدين، غير مغصوب عليه.

فماذا كانت دول الحضارة صانعة بالقاتلين الغادرين لو كان هؤلاء الأربعون أو السبعون مبشرين بالدين المسيحي قتلوا في قبيلة من الهمج الذين يأكلون الآدميين ومن حقهم أن يعذروا كما تعذر الوحوش … إن بقي من أبناء القبيلة من يروي أنباء المقتلة، فقد يقال إن القوم لرحماء في العقاب! …

ولم يكن حادث بئر معونة بالحادث الوحيد من حوادث الغدر بالرسل الأبرياء. فلعلنا نختم هذا الفصل عن الصداقة بخير ما يختم به حين نشير إلى غدر قبيلة هذيل بالرسل الستة الذين ذهبوا إليهم ليعلموا من شاء أن يتعلم أحكام الدين وهو آمن في داره، لا إكراه له ولا بغي عليه. فقتلوا جميعًا وجيء بأحدهم زيد بن الدَّثِنَة أسيرًا ليباع … فاشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، ونصب للقتل فسأله أبو سفيان مستهزئًا: «أنشدك الله يا زيد. أتحب أن محمدًا الآن عندنا في مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك؟» فأجابه زيد: «والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي …»

فصاح أبو سفيان دهشًا: «ما رأيت من الناس أحدًا يحبه أصحابه ما يحب أصحاب محمد محمدًا …»

•••

من فعلة كهذه تعلم مدى ما استحقه محمد من حب الأصدقاء، ومدى ما استحقه أعداؤه من جزاء، فقد أحب أصدقاءه وأحبوه لأنه طبع على الصداقة. أما أعداؤه فقد لقوا جزاءهم لأنهم هم طبعوا على العداء والاعتداء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤