قصيدة النثر قبل بودلير
لمحة تاريخية
-
(١)
من النثر الشعري إلى قصيدة النثر.
-
(٢)
آلويزيوس برتران وميلاد النوع.
-
(٣)
من الرومانتيكية إلى بودلير.
***
(١) من النثر الشعري إلى قصيدة النثر
النثر الشعري وقصيدة النثر مجالان أدبيان متمايزان، لكنهما — رغم هذا — متماسان، ففيهما تتبدَّى نفس الرغبة في التحرر، ونفس اللجوء إلى طاقات جديدة للغة، فكيف العبور فيما بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين من النثر الشعري، الذي كان ما يزال غير عضوي، إلى «قصيدة النثر» التي اعتُبِرت نمطًا أدبيًّا حقيقيًّا؟ أعتقد أنه لا غنى — فيما أعتقد — عن الإشارة إلى ذلك هنا.
وثمة واقعة جديرة بالملاحظة، ففي كل العصور التي ظهرت فيها العقول الاستقلالية في الأدب (كانعكاس لاتجاه أكثر عمومية في مبدأ السلطة، ومن أجل تحرير الفرد)، نرى الشعر يتراوح بين طريقين مختلفين في اتجاهه نحو الحرية: تحرير الشعر الذي تخلص من قيود العروض والأوزان، والتخلي النهائي عن النظم لصالح الشعر النثري؛ تطوير أو ثورة. ولسوف ندرك نفس «زمن» التردد بين الشعر المتحرر والشعر النثري، في كل مراحل التحرر التدريجي للأشكال الشعرية: الرومانتيكية، الرمزية، السيريالية، وتشكل هذه العهود «نهايات قصوى» في منحنى يمكن أن يمثل كثافة إنتاج قصيدة النثر، وعلى أية حال، فقصيدة النثر تجد نفسها — كل مرة — مهجورةً في النهاية، ويهبط المنحنى من جديد، ما إن يصبح معتادًا ذلك التطور الذي يمنح الشعر مزيدًا من الحرية، بما يجعله يقترب من النثر — وصولًا إلى نقطة النهاية المعاصرة — حيث نرى الشكلين، الشعر والنثر، يتواجدان معًا وأحيانًا ما يمتزجان.
«تليماك» وهجمة «الحديثين»
إنها لإساءة استخدام للمصطلحات، وتخلٍّ عن الأفكار الواضحة والجلية، أن نمنح اسم الشعر — جديًّا — إلى النثر الشعري، على نحو ما حدث مع «تليماك» …
وترجع أهمية هذه المحاولات — مع ذلك — إلى أنها تظهر الفصل الذي حدث، في القرن الثامن عشر، بين الشعر والنظم: فقد أصبحت الأذهان والآذان مهيأةً — من الآن فصاعدًا — للبحث عن المتعة الشعرية في مكان غير الشعر المنظوم، ومع ذلك، فالترجمات — على نحو خاص — هي التي جعلت فكرة «شعر نثري» مألوفة للجمهور.
تأثير الترجمات
لكن هذه الترجمات لعبت — في نفس الوقت — دورًا فعالًا في تجديد النثر الفرنسي، وهو ما أريد التأكيد عليه، وكان على «قصيدة النثر» أن تتوفر على اتجاه حاسم.
ترجمة النص الأصلي | ترجمة الترجمة الفرنسية |
انهضي، يا رياحَ الخريف، انهضي وهُبِّي | انهضي يا رياح الخريف! واعصفي فوق المروج |
على المرج! ويا سيولَ الجبال، اهدِري! | المعتمة! ازبدي يا سيولَ الغابة! واهدري يا |
واهدري يا عواصف في أحراش البلوط! | أعاصير فوق قمم أشجار البلوط! ولتسافر أيها |
ولتمضِ أيها القمر عبر الغيوم المتكسرة! | القمر عبر الغيوم الممزقة! اكشف عن |
اكشف عن وجهك الشاحب، بين حين | وجهك الشاحب، بين حين وحين! ذَكِّرني |
وحين! ذَكِّرني بالليلة التي هَوَى فيها أطفالي | بالليلة الرهيبة التي قضى فيها أطفالي، حين هَوَى |
جميعًا، عندما هوى أريندال القوي، عندما | أريندال القوي، وانطفأت دورا الغالية! |
هوت دورا الجميلة! |
ومن الواضح أن أسلوبًا كهذا (ساد الاعتقاد بالعثور فيه على التدفق الوحشي لشعر بدائي) كان على النقيض من الأسلوب السلس، المنمق، المزدهر في هذا العصر، وقد أبرز «فان تيغيم» ذلك جيدًا:
والواقع أن هذه الترجمات لا تتناقض فحسب مع نظم الشعر، بل مع «النثر الشعري» للعصر، فيكفي أن نقارنها بالفترات المتكلفة لمقلدي «فنيلون»، ويمكننا القول إن ترجمات «تورجو» و«سوار» ذات أهمية تاريخية، وذلك في سياق تطور النثر الشعري أكثر من ترجمة «لي تورنو» ﻟ «أوسيان» عام ١٧٧٧م.
من الصعب العثور — في أية قصيدة — على لوحة مؤثرة إلى هذا الحد، تنحصر في مثل هذا الحيز الصغير، وتكون حركاتها أكثر تنوعًا، وأكثر سرعة، إنها دراما كاملة.
تحرير اللغة والتجديد الشعري فيما قبل الرومانتيكية
فالكراهية لكل ما يعوق الفرد ويحدده هي وحدها التي ستقود الكاتب إلى رفض الانحصار داخل الحدود، مع الانغماس في أكثر أنواع الإلهام جنوحًا، والدفقات التي لا تنضب. ويكشف المظهر الفوضوي — الذي يبدو في حالة غليان أحيانًا، وإطناب أحيانًا أخرى — لأعمال «ديدرو» و«روسو» عن كراهيتهما الشديدة للإلزام، لكن هذا التكوين السقيم، وهذا الأسلوب الذي لا معيار له هما على طرفي نقيض من التلخيص والتوتر الدائم الذي تطالب به قصيدة النثر، فالشكل هنا شديد الانفتاح، بلا تخوم أو محيط لحدود معينة، وما الذي سيُقال عندئذٍ عن البلازما غير العضوية التي ستتكون داخل مكامن بعض «النفوس المرهفة»، المهيأة سلفًا للاستفاضات اللفظية …
وما يجب تسجيله، لصالح مؤلفي ما قبل الرومانتيكية، هو — في الواقع، وبشكل خاص — الذائقة الجديدة الشخصية للغنائية، وإعادة إدخال هذه اﻟ «أنا» في الأدب، وهو ما سيفضي إلى التخلي (النسبي) عن الرواية والملحمة، لصالح أنماط أكثر حميمية وأكثر غنائية، وسيسعى النثر إلى ترجمة حالات الروح، وأحلام اليقظة، والتأملات، بأكثر من سعيه إلى حكي الأحداث الجسام أو الروائية، وبقدر ما ستتكلم الروح — دون الانشغال بالقواعد الفنية، ولا بالمؤثرات الأدبية — بقدر ما سيجد النثر منابع شعرية كانت تبدو ناضبة.
النثر ملكنا، ومسعاه حر، وعلينا أن نرسخ له سمات أكثر حيوية. إن كُتَّاب النثر هم شعراؤنا الحقيقيون، عليهم بالجرأة، وستحصل اللغة على قوة تعبير جديدة تمامًا.
الترجمة المستعارة وقصيدة النثر
فالإيجاز، وروعة الصور، ومؤثرات «التوازيات»، تجعل من هذه المزامير معارضات، بلا جدال، لكنها لا تقدم النكهة الخاصة.
وسنلاحظ في القصيدة التالية الإيجاز، والتصويرية، وبساطة الأسلوب، وأيضًا وحدة البنية، والمقطع الأخير يستعيد الأول، ويختتم الأغنية.
الأغنية الثامنة
قصيدة النثر في بداية القرن التاسع عشر
لكن الوقت لم يحِنْ بعد، وسنشهد — على النقيض — كيف يسير، في أعقاب «شاتوبريان»، عدد لا بأس به من المقلدين، فكل من لم يعد يرغب في الشعر الكلاسيكي، ولا يملك ما يكفي من الأصالة ليخلق شكلًا خاصًّا به، سيستعير الإطار المريح للترجمة المستترة، ليغير بالنثر صياغات وإيقاعات قادرة على المنافسة الظافرة مع تلك الخاصة بالبحر السكندري، ومحاولات كهذه — تفتقر إلى الأصالة — تثبت، على أية حال، أن هناك جهدًا متواصلًا — منذ بداية القرن، حتى الرومانتيكية — لتجديد الشكل الشعري.
لماذا تأتين، يا نسمة الربيع، وتهمسين في أذنيَّ بتحية الصباح النهارية؟ تأتين لي حقًّا بأريج الزهور الرقيق، لكنك نسيتِ أوهام المستقبل الضاحكة، لقد عرفتُ أن السعادة نبتٌ، ينمو في حقول السماء، ولا يمكنه أن يتأقلم على الأرض، فدعيني، يا نسمةَ الربيع.
لقد بدا النثر — في هذه الحقبة — اللغة الوحيدة الممكنة للبوح والرثاء، فقد أصبح الشعر الكلاسيكي العظيم — على نحو مؤكد — شكلًا طنانًا وجامدًا، صالحًا للشعراء الرسميين (ليبران وسوميه وباؤور لورميان)، ومعه أُبهة الملحمة، التي ستهزمها أول هجمة رومانتيكية.
فجر الرومانتيكية وقصيدة النثر
ألقى بجسده في نهر مجاور، وفي اليوم التالي، منذ فجر اليوم، عندما علم الأصدقاء بمصيره الحزين، بحثوا عنه بحماسة ورعة، لكن النهر — خلال الليل — كان قد تابع مجراه نحو البلطيق.
آه، كم هو عذبٌ يا «ليزيديس» أن يكون الرنين الأخير للجرس، الذي ينقضي في أبراج آرونا، قد دق منتصف الليل، كم هو عذبٌ أن آتي لأقتسم معك الفراش الذي ظل وحيدًا طويلًا، والذي حلمتُ بكِ فيه طوال عام!
أنت لي، يا «ليزيديس»، والعفاريت الشريرة التي كانت تقسم نومك العذب نوم لورينزو لن تخيفني أبدًا بهيبتها!
الفونس رابيه
أيتها الآلهة! كم تغير المشهد من حولي! كم في هذه اليقظة من أحزان وأهوال! كنتُ قد غفوتُ على حافة الهاوية: وأفتح عيني لأرى نفسي غريقًا في أعماقها:
المجبولَ من تراكُم القرون وأماكن
أو — فيما يخص موجز التاريخ العالمي، الذي يقدمه المقطع الأخير من «سيزيف» — («غرق القارات المنسية … اكتشاف العالم الجديد»)، و«انحدار أحلام اليقظة»؟
… والقارات الكبرى، الممتلئة بالضباب، الخضراء أو الذهبية، تلتهمها المحيطاتُ الكبرى بلا انقطاع …
… صوت العالم الجديد قديم قِدم العالم الغابر.
(٢) آلويزيوس برتران وميلاد النوع
أخذ يتلو علينا — على ما أضاف «سانت-بوف» — دون إلحاح منا، وبصوت متقافز، بعضًا من قصائده الغنائية النثرية الصغيرة، التي كان المقطع منها، أو الآية المحكمة، تتخذ مظهرًا إيقاعيًّا دقيقًا: لقد حصلنا، منذ ذلك الحين، على تطبيقات في كتاب «الحجاج البولنديون» المترجم، و«أحاديث مؤمن».
في ملتقى المؤثرات … رومانتيكية برتران
مسكني في قلب الموجة، زنبقة الماء سريري، واللآلئ الأكثر ألقًا التي تدحرجها الأنهار معقودة حول ثديي ورأسي.
السمكة تسبح بتكاسل بجوار سريري، وكثيرًا ما تمس زعانفها المرتعشة جبيني، وأنفاسها تصَّاعد في سكون نحوي، فيما تتدحرج الأمواج فوقها الهوينى.
تعالَ إذن في هاتين الذراعين اللتين أفتحهما لك، تعالَ إلى هذا الثدي الساحر، وستجدل بين أمواج الفضة شعري الحريري.
-
الاستلهام الفانتازي، الملموس من قبل — كما سبق وقلت — في قصص «نودييه» وأناشيد هوجو الغنائية، وهو ما ستمنحه ترجمات «هوفمان»، بعد عام ١٨٢٩م، مزيدًا من الأهمية.
-
حب العصر الوسيط، و«القوطي»، «والآثار»، الذي ستكون «نوتردام دي باري» مثالًا ساطعًا عليه، إنه «فيكتور هوجو» — حسبما نعلم من خطاب لبرتران٢٠٥ — الذي علَّم الديجوني الشاب «تَهَجي» بيوت وكنائس مدينته التي وُلِدَ فيها، الغنية بالماضي، وسيعرف «برتران» كيف يستخدم — كفنان — تصويرية الحياة، ولغة القرون الوسطى: ﻓ «الماسوني» الذي يرى «تماثيل «التاراسك» الحجرية وهي تتقيأ ماء أكواخ الاردواز في الهاوية الغامضة للممرات، والنوافذ، ومثلث القبة، والقباب الصغيرة والأبراج الصغيرة»؛٢٠٦ ألا يقدم لنا — مثلما يقول «سانت-بوف»، في «لمحة» عن سيرة «برتران» الذاتية — «إحساسًا مسبقًا، في شكل منمنمات، بباريس القديمة، التي يتم النظر إليها، في روعة، من فوق أبراج نوتردام؟».
-
النزوع إلى «الجروتيسك Grotesque»، المرتبط مع ذلك، بشدة، باستلهام العصور الوسيطة،٢٠٧ الذي نَظَّر له «هوجو» في «مقدمة كرومويل»، ونعلم أن «هوجو» قد جعل منه أحد محركات الفكر الحديث (بالتعارض مع العصور القديمة: فأحيانًا ما يمثل «الجروتيسك» «المشوه والمرعب»، وأحيانًا «الكوميدي والهزلي»).٢٠٨ وفيما يتعلق ﺑ «الجروتيسك»، يستعيد هوجو «الكائنات الوسيطة»، التي تسكن «التقاليد الشعبية للعصور الوسطى» و«محفل السبت المرعب»، والشيطان، والمزاريب، ويستعيد أيضًا الكوميديا الإيطالية، بالإضافة إلى «كالوت،٢٠٩⋆ مايكل أنجلو» «الهزلي»٢١٠ (وهو أمر ممتع، إذا ما فكرنا في «برتران»). كانت كتابة «فانتازيات على طريقة «كالوت» مشروعًا رومانتيكيًّا بقدر ما هو هوفماني (نسبةً إلى هوفمان)، ولكن لا بد من التأكيد على أن هذه الاتجاهات «الرومانتيكية» الثلاثة: الميل إلى الفانتازي، وحب العصور الوسطى، ودور «الجروتيسك»، قد وجدت — لدى «برتران» — أرضًا خصبةً تمامًا، وذلك بسبب مؤثرات شبابه «البورجيني»، ونزعاته المزاجية العميقة، في آن، وعلى غرار «شاتوبريان»، قضى لويس الصغير طفولته في بلد مترع بالأساطير، واسترجع، فيما بعد، جولاته في وادي سوزون، وصيده في «مخاضات تيسي الصاخبة»،٢١١ حيث يختبئ «جان دي تيي» «حوري البحر الداهية والخبيث»،٢١٢ وزياراته لكنيسة نوتردام دي ايتان، «منبع الأشباح والساحرات، وصومعة الشيطان!» ومحفل السبت هذا الذي سيصفه في «جاسبار»، والتقاليد الشعبية لساحل الذهب، ألم تنقل لنا الأوصاف المرعبة للمكان؟٢١٣ والواقع أن كل هذه الأساطير قد وجدت البيئة الأكثر ملاءمة في نفس خيالية لمراهق حالم بطبيعته، مغرمٍ بالتنجيم والسحر، «يهب نفسه لوهم طفولي»، فيما يقول لنا شقيقه إنه «كان يسمع أصواتًا مجهولةً كانت ترعاه في سكون الليل.٢١٤ وهكذا، نرى التهيئة لشعر لا ينطوي على أي شيء مصطنع، رغم أنه مسكون بالسحرة والتجليات الفانتازية، لأنه — من ناحية — يغرس جذوره في أرض بورجينيون القابلة للزراعة، وفيما هو حميمي لدى «آلويزيوس»، من ناحية أخرى، وسيكون له أن يرى — بلا جهد يُذكَر — «الحورية» في المطر، و«السمندل» في الشعلة، و«جان دي تيي» في جداول المياه.
في الساعة التي تفصل بين يوم وآخر، عندما تنام المدينة في سكون، استيقظتُ ذات ليلة شتوية مذعورًا، كما لو أنني سمعتُ من ينطق باسمي إلى جواري.
كانت غرفتي شبه مظلمة، القمر يرتدي ثوبًا من بخار مثل ساحرة بيضاء، يحرس نومي ويبتسم عبر زخرفات الزجاج الملون.
دورية ليلية تمر في الشارع، وكلب بلا مأوى ينبح في ملتقى طريق قفر، والجُدجُد يغني في بيتي.
وسرعان ما خفتت الأصوات تدريجيًّا، كانت الدورية الليلية قد ابتعدت، وكانوا قد فتحوا بابًا للكلب المسعور المهجور، والجُدجُد، بعد أن تعب من الغناء، راح في النوم.
وأنا، أكاد أكون قد خرجتُ من حُلم، وعيناي ما تزالان مبهورتين بعجائب عالم آخر، كل ما أحاط بي كان حلمًا ثانيًا لي.
آه! كم هو عذب الاستيقاظ وسط الليل، عندما يوقظك القمر — الذي ينزلق في السر حتى سريرك — بقُبلة حزينة!
وها هي الآن «ضوء القمر»، كما نقرؤها اليوم في «جاسبار الليلي»، تسبقها عبارة توجيهية مستعارة من صرخة «حارس ليلي»:
تقنية «برتران»: التكوين، الإيقاع، الصوتيات
أكتوبر (مقال من عام ١٨٣٠م)* | أكتوبر (نص من «جاسبار الليلي»)† |
---|---|
لقد عاد السافواريون الصغار، وأصواتهم الشابة تقرع الآن صدى صوت حيِّنا. كان السنونو يتبع الربيع، وهم يسبقون الشتاء، والمطر المتقطع، الذي يضرب زجاج نوافذنا، وناقوس «سانت آن» الذي يرن في كآبة بالغة، والمتسولة التي تحرك رماد مدفأتها الصغيرة، والشبان المتعجلون المتدثرون بمعاطفهم، والفتاة العابرة التي ترتدي معطفها المبطن بالفراء، والعربة الثقيلة التي تهتز على ضربات سوط الحوذي، وأشجار كستناء متنزهاتنا التي تتأوه، جرداء عارية، والريح التي تكنس من وجه الأرض الأوراق الميتة، وذلك الأفق الشاسع بلا لون، بلا أبعاد، الذي تستجديه، بلا جدوى، النظرات العابسة، من المتاريس، كل شيء يدعونا إلى أن نأوي إلى محباتنا الأسرية، ونضيق دائرة ملاهينا، ورغم هذا، فها هي ليالي السهر بجوار النار تجيء، السهرات المسرحية، عيد القديس مارتان ومشاعله، عيد الميلاد وشموعه المضيئة، رأس السنة وأوراق الزينة، الملوك، وحلوى الفول، الكرنفال وصولجان مهرجيه، وأخيرًا عيد الفصح. عندئذٍ، سيكون قليل من الرماد قد مسح الملل عند جباهنا، وسوف يُحَيي السافواريون الصغار من أعلى التل النجع الذي وُلِدُوا فيه. |
لقد عاد السافواريون الصغار، وصراخهم يستجوب الآن صدى حيِّنا، ومثلما يسبق السنونو الربيع، يسبقون الشتاء. أكتوبر، بريد الشتاء هذا، يلطم أبواب منازلنا، ومطر متقطع يغمر زجاج النافذة المصدوم، والريح تنثر أوراق «الدلب» الميتة في الداخل المنزوي. ها هي سهرات العائلة تأتي في عذوبة بالغة، عندما يكون الخارج كله جليدًا، طبقات من الجليد وضباب، وعندما تزهر ورود الياقوت على المدفأة في جو الصالون الدافئ. ها هو عيد القديس مارتان يأتي بمشاعله، وعيد الميلاد وشموعه، رأس السنة وألعابها، الملوك وحبات فولهم، الكرنفال وصولجان مهرجيه. وأخيرًا، عيد الفصح، بتراتيل الصباح المرحة، عيد الفصح الذي تتلقى الفتيات فيه القربان الأبيض والبيض الأحمر! عندئذٍ، سيكون بعض الرماد قد مسح عن جباهنا ملل أشهر الشتاء الستة، وسيُحَيي السافواريون الصغار النجع الذي وُلِدُوا فيه من أعلى التل. لقد عاد السافواريون الصغار، وها هو صراخهم يستجوب الآن صدى صوت حيِّنا، ومثلما يسبق السنونو الربيع، يسبقون الشتاء. |
ها هنا، نرى «إبداع» برتران — في الصميم — وبراعته التقنية، التي ربما لم تكن بلا مخاطر، فإذا ما كان التقسيم إلى مقاطع يسمح بمنح القصيدة بناءً أكثر دقة وتوازنًا أفضل، فلا نستطيع أن نمنع أنفسنا من اكتشاف ميكانيكية معينة في تكوين من هذا النمط؛ إذ يقطع النص بطريقة عشوائية — على نحو أو آخر — إلى «شرائح» من نفس الأبعاد، ونشعر بقلق عندما نفكر أن نسقًا كهذا يسمح لأي كاتب فقير الموهبة بالحصول على «قصيدة»، انطلاقًا من مقال في جريدة.
وعلى أية حال، فما إن يتضح المظهر «الفني» والشكلي الإراديان لقصائد «برتران» الغنائية، حتى يقودنا كل شيء إلى أن نتعرف فيه على تقنية شديدة الدقة، لا تترك شيئًا للصدفة (هل يجب أن نقول للتلقائية؟)، لا معمار القصيدة العام، ولا معمار المقطع، ولا تركيب الجملة، سواء تعلق الأمر باختيار الكلمات أو بنظامها.
-
(١)
إن البحث — بالنسبة لمجمل القصيدة — عن وحدة «معمارية» (الذي تم تسهيله بالبناء في مقاطع) محسوس للغاية، لكن التصميم — مع ذلك — لا يتغير أبدًا، فما بين فاتحة وخاتمة، هناك ثلاثة أو أربعة مقاطع موزعة بشكل متماثل، هذا التماثل الذي يتم التشديد عليه — بشكل عام — بطريقة مدرسية، وذلك بتكرار نفس الألفاظ في بداية كل مقطع: ففي «كوخي القش»، هناك ثلاثية٢٥٥ الصباح، المساء، الليل:
ولكن الشتاء، أية متعة! عندما في الصباح …
أية متعة! في المساء …
أية متعة! في الليل …
ونجد نفس التركيب، مع «التكرارات» الثلاثية في «قُداس منتصف الليل»،٢٥٦ وأربعة تكرارات في «الغرفة القوطية».٢٥٧ وفي «ضوء القمر»، كما سبق ورأينا، فيما بين الفاتحة والخاتمة — المخصصتين للقمر، واللتين تتبعان نسقًا سبق أن استخدمه «رونسار»٢٥٨ — يمهد المقطع الثاني للموضوعات الثلاثة التي ستتطور في المقاطع الثلاثة التالية: البرصاء، الكلب، الجُدجُد.بين هذه المقاطع، تدخل — أحيانًا، وإن يكن نادرًا — لازمة مخصصة للتأكيد على حركة مستمرة، في «الصيد»،٢٥٩ «وكان الصيد يمضي، والنهار كان مضيئًا»؛ وفي «البغَّالون».٢٦٠ إنها طريقة عادية في الأناشيد الغنائية الشعبية، وعلى سبيل المثال، في ترجمات «لويف-فيمار»، كما نجدها في أناشيد «فيكتور هوجو» الغنائية المنظومة، واستطاع «برتران» استعادتها في مقطوعاته الأولى (تحمل «البغَّالون» تاريخ ١٨٢٧م)، إضافةً إلى طريقة نهاية المقطع ذات الصدى، التي سيتخلى عنها فيما بعد.٢٦١ لكنه — في الأعمال التالية — سيتبنى، عن طيب خاطر، نسق استعادة المقطع الأول كمقطع ختامي، ويقفل العمل على نفسه، نجد هذا النسق لا في «أكتوبر»٢٦٢ فحسب، بل أيضًا في «المساء على الماء»،٢٦٣ و«ربيع آخر»،٢٦٤ و«الخيميائي»:٢٦٥لا شيء أيضًا! وعبثًا تصفحتُ طوال ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، على ضوء المصباح الشاحب، كُتب ريمون لول الغامضة!
***
لكن لا شيء أيضًا! وطوال ثلاثة أيام أخرى وثلاث ليالٍ أخرى، سأتصفح، على ضوء المصباح الشاحب، كُتب ريمون لول الغامضة!
كل هذه الأساليب البنائية — التي سأصفها بأنها أساليب «دائرية» — هي من الوسائل التي تسمح للكاتب بالتركيب، بدلًا من العرض، بشكل خَطِّي (وهو عيب بعض القصائد الغنائية الطويلة والرابسودية، مثل نشيد «حسن أغا» الغنائي)، وتنظيم أجزاء قصيدته بطريقة موسيقية تقريبًا، وتأسيس توازن معماري، إن الإرادة التركيبية والفنية تقود وتراقب الإلهام بلا انقطاع، كما سيكون عليه الحال بالنسبة لكل «شعراء النثر»، الذين يسيطر عليهم هاجسٌ جمالي شكلي ومحدد تمامًا.
-
(٢)
ونفس الملاحظات ستنطبق على تركيب المقطع، وتنظيمه التماثلي مع ملاحظة أهمية نسق الطباعة الذي يستخدمه «برتران»، بصورة منهجية تقريبًا، مثلما يستخدم شعراء العروض تغيير السطر ليفرضوا وقفةً ما، وترقبًا معينًا، إنها «الشَّرطة» التي سيكثر استخدامها عند «رامبو» و«مالارميه»، وتؤكد الشَّرطة — في فصلها بين أجزاء السرد المختلفة — على تركيب المقطع: بناء ثلاثي في «جَد أبي»،٢٦٦ ورباعي في «الرجل الثاني»،٢٦٧ وتركيب أكثر تعقيدًا — ويمكن وصفه بأنه متعدد الأصوات — في «حلم»،٢٦٨ حيث تتابع ثلاثة أفعال بشكل متوازٍ، بفضل الشَّرطة، وكل مقطع يستعيد — على التوالي — الموضوعات الثلاثة:
… - نحلة على الأسوار التي شققها القمر، - غابة تخترقها دروب ملتوية - والمورمون محتشدون بالقبعات وأغطية الرأس.
ويصبح الإيقاع نفسه محسوسًا بصورة أكبر بهذا التقسيم للجملة، أو المقطع، إلى عناصر ذات أطوال متباينة، نرى الإيقاع يتسع — على سبيل المثال — في سلسلة من أساليب التعجب التي تستهل «الرجل الثاني»:جحيم! جحيم وفردوس! - صرخة يأس! صرخة فرح! تجديف المنبوذين! حفلات المصطفين الموسيقية! - أرواح الموتى الشبيهة بسنديان الجبل وقد اقتلعته الشياطين!
والأثر الناتج مزدوج: أثر التناقض بتجميع أساليب التعجب المتضادة، اثنين اثنين، وأثر اتساع الإيقاع، حيث ينقسم المقطع إلى أجزاء ذات أطوال متزايدة.
وفي موضع آخر، وبتوافق مع المعنى، ستأتي الشَّرطة، على النقيض، لتكسر الإيقاع، وتُنتِج أثر الانقطاع:
لكن سرعان ما ازرقَّ جسده، شاحبًا مثل شمع الشمعة، وامتقع وجهه واصفَر، مثل شمع الذُّبالة الأخير - وفجأةً انطفأ. ٢٦٩وفي هذه الحالة الأخيرة، تعمل الشَّرطة بطريقة الإرجاء، وتسمح أيضًا بإطلاق خاتمة مفاجئة، بل تستطيع حتى أن تبرز كلمةً دالة، لا تسمح علامات الترقيم بفصلها:
كم ضحك هازئًا ذلك المجنون الذي يهيم كل ليلة، عبر المدينة المهجورة، وعين على القمر والأخرى - مفقوءة!٢٧٠ -
(٣)
وسواء كان إيقاع الجملة مشددًا عليه بالشَّرطة أم لا، فعلينا — في جميع الحالات — ملاحظة تنوعه وقيمته التعبيرية: من هنا، يبدو «برتران» خبيرًا حقيقيًّا بالنثر، بارعًا في الإيحاء بالفكرة من خلال الإيقاع: إيقاع حيوي، صارم، ﻟ «المرهف»،٢٧١ بخاتمته ذات الثمانية مقاطع التي تذكرنا بمونولوج «فيجارو» الشهير:٢٧٢
هل كنا سنتخيل أبدًا / عند رؤية قيافتي المضحكة الأنيقة / أن الجوع المتوطن في معدتي/ي سحب منها - هي المعذبة - ! حبلًا! يخنقني كمشنوق!
إيقاع احتفالي لحلقة السحرة، الذين تجتاز أصواتهم الظلمات٢٧٣ - «في شكل موكب» (وعلينا ملاحظة كيف أن «في موكب» ستكون أقل طنطنة)، إيقاع راقص، في غاية التحديد، ﻟ «أغنية الأقنعة».٢٧٤… لهذا البهاء السحري/ للثريا/ لهذه الليلة الضاحكة/ مثل النهار.
مقطع لا هو بالبطيء ولا المتجانس، بل العكس تمامًا! ويتضمن «على انفراد: هل» المزعجة حقًّا … فالنثر (نثر «برتران» على الأقل) يتأكد إذن بصورة أكثر سلاسة، وأكثر غنًى من الشعر ذي الشكل الثابت.
وعلينا أن نلاحظ — مع ذلك — أن «برتران»، في أغلب الأحيان، يتجنب «الطلاوة» (التي كثيرًا ما سعوا إليها في نثر القرن الثامن عشر الشعري) أحيانًا بتمزيق الجملة بالشَّرطات:
وهكذا حدث أن تَعلَّق على نار الشعلات، مع متسولي الليل، وكيلٌ في البرلمان، كان يسعى إلى مغامرات عاطفية، وصبية العسس الذين كانوا يحكون، دون ضحك، مآثر بنادقهم القديمة الفاسدة.
يتخذ نهر «أودير» — أمام «مولجاست» — مجرًى هادئًا، إلى حد الاعتقاد أنه قد توقف للحظة، وفي منتصف اﻟ «أودير»، أمام أسوار المدينة، تنتصب القلعة، محاطة بحظائر متينة من قصب، وصفين من الأوتاد الخارجة من الماء، والعسكر المجندون يحتلون الأبراج الدائرية والمربعة، ودخان المدفع يخرج في سحابات خفيفة من الفوهات العميقة، ومدافع الحنشية ترمي — وهي تصفر — بألسنتها على الأمواج الهادرة.
كم هي هادئة ومهيبة القلعة البيضاء، على اﻟ «أودير»، بينما كل فوهات المدافع تعوي ضد المدينة والمعسكر، ومدافع الحنشية ترمي — وهي تصفر — بألسنتها على المياه ذات اللون النحاسي.
إنه، على ما تقول الغسَّالات والفتيات، هو الحوري من آرمانسو، الذي تستهويه سرقة خواتمنا، عندما تداعب الأمواج أذرعتنا، والذي يرقص ويغني في الليل على زبد الشلال، والذي يقطف — وهو الخبيث المغرور — الفاكهة الناضجة ويلقي بها في المياه.
هذه الجملة الطويلة، المتوازنة في انسجام، وذات الجمال المسطَّح إلى حدٍّ ما («تداعب الأمواج أذرعتنا»، على ما تقول الغسالات «بشعرية») لن يتبقى شيء منها في «جان دي تَيِّي»: فلن يُقال لنا إن «حوري البحر تستهويه سرقة الخواتم»، فهناك مشهد، خاطف وتصويري، يوحي بذلك، مشهد يتحول فيه «آريل» الرشيق — خلال رقصه «على زبد الشلال» — إلى «تيي» الخبيث، فيطارد الغسالات بأفعاله الماكرة:
«خاتمي، خاتمي!» وأرعبت صرخة الغسالة فأرًا يغزل خيوطه في أجمة الصفصاف.
حيلة أخرى لجان دي تيي، حوري البحر اللئيم والخبيث، الذي يجري، يشكو ويضحك تحت الضربات العنيفة للمقرعة!
كما لو أنه لا يكفيه أن يقطف، في أجمة النهر الكثيفة، الزعرور الطازج الذي يغرقه في التيار.
والغسَّالات، المشمَّرات مثل عاملات يضربن الغسيل، يعبرن المخاضة المنثورة بالحصى، والعشب، ونبات سيف الغراب.
هذا الضوء المرعب كان يلون أسوار الكنيسة القوطية بشعلات المطهر والجحيم الحمراء، ويمد على البيوت المجاورة ظل التمثال الهائل للقديس جان.
… لاحظَ، في الأفق، قريةً أحرقها المحاربون، كانت تتوهج مثل شهاب السماء اللازوردية.
خاتمة: حدود برتران وقيمته
(٣) من الرومانتيكية إلى بودلير
لقد رميت بيت الشعر النبيل إلى كلاب النثر السوداء.
وسنرصد بضع محاولات منعزلة — فحسب — في قصيدة النثر، حتى حوالي عام ١٨٦٠م، محاولات تحققت في فترات شديدة الاختلاف، وتمثل الجهود الفردية لبعض الكتاب في استخدام النثر لتحقيق أهدافهم الخاصة، شعريةً كانت أو حتى غير شعرية (أفكر في «لامنيه»)، أكثر من تفكيرهم في انتصار نوع معين تبنته وتمثلته إحدى الجماعات (على نحو ما سيكون عليه الحال بالنسبة لقصيدة النثر الرمزية)؛ إن قصيدة النثر صيغة فردية بحكم تعريفها، وتنوع الأهداف والمدارك فيها مدهش على نحو خاص، عندما نلاحظ — على نحو ما سأفعل حالًا — أن كُتَّابًا من قبيل «لامنيه» و«موريس دي جيران» وبضعة آخرين (مثل «لوفيفر-دومييه» أو «باربي دورفيي») يؤلفون أعمالًا متدنية، لكنهم يتوفرون على شخصيات متفردة.
لامنيه والأسلوب التوراتي
ومضى هنا على الأرض، فلعل الله أن يهدي المنفِيَّ المسكين.
والخلاصة أن أفضل فقرات الكتاب، وأكثرها أصالة، هي نصوص الغضب والقتال: صياغات مؤثرة، وتعبيرات لاذعة الأسلوب، ومقاطع غنائية حارة ومتقدة، جدل كامل متوقد لنبي ومحرض:
وفيما كان «لامنيه» يثري قصيدة النثر بنبرة قيامية متشددة، كان «موريس دي جيران» يتهيأ ليجعلها تعبر عن المد والجزر الداخليين لروح تمتزج بحياة الطبيعة.
موريس دي جيران والأسطورة
بينما يزحف نصفي على الأرض، فإن الآخر الذي لا يستطيع أي وسخ الوصول إليه، عاليًا وصافيًا، يُكَدِّس — قطرةً قطرةً — هذا الشعر الذي سينبثق، إذا ما منحني الله الوقت (١٣ أغسطس ١٨٣٢م).
وإذا ما أخذنا في الاعتبار — مع ذلك — هذه الإرادة «الفنية» عند «دي جيران» في «كاهنة باخوس»، فسنرى أن أسلوب وإيقاع الجملة يتمتعان — في كلا القصيدتين — بخصائص مشتركة، لا يكون مفيدًا معها تخصيص دراسة مفصلة لكل منها، فثمة نثر «جيراني» أصيل، سأبحث — في عجالة — في تحديد قدرته التعويذية العجيبة.
عبر ظلال الريحان سأنال راحتي …؟
قصيدة النثر
من يحب للمرة الأولى، حتى بدون أمل، هو إله، ومن يحب للمرة الثانية فهو مجنون.
عندما تصفر الورقة
تقود عربة جياد المسافرين شبانًا شاحبين وشعراء على حالتهم — وهو الأسوأ — شعراء رثاء. يذهبون إلى الغابة، عندما تصفر الورقة.
إن طموحات ومطالب الشعراء ربما كانت — في هذه اللحظة من التاريخ الأدبي — أكثر ميتافيزيقية مما هي شكلية، لكن من أجل الوعي بهذه الاحتياجات — على نحو واضح — وإعادة الصلة بين إبداع لغة شعرية جديدة، والمهمة الجديدة التي يضطلع بها الشعر، كان لا بد أن يظهر — في سماء الأدب — كتاب عباقرة، ستكون أسماؤهم «بودلير» و«رامبو» و«لوتريامون» و«مالارميه».
(Œuvres, éd. Moland, t. XXVIII, p. 303 en note).
(قارن Dumesnil. Sur le rythme musical. Mercure de France, 16 Nov. 1919).
ومن المفيد الإشارة إلى أن الموسيقى قاومت — في نفس العصر — الطغيان الإيقاعي لألحان الأوبرا، ومالت إلى تقريب «جملتها الموسيقيى» من لغة الكلام، وسترتبط جملة الأوبرا الملحنة، التي أبدعها «لوللي» بمعنى الكلمات، وستتعلق — بأمانة — بمقاطع الكلام (في حين أن الإيقاع الموسيقي ينتصر، في اللحن، على التعبير). ويقول «لوللي»: «إن جملتي ليست إلا للنطق بها.» (انظر R. Rolland, Musiciens d’autrefois, Hachette, 1917, notes sur Lully, III, p. 152).
وهكذا يُعَد الشعر وحده هو الذي لا يغني «الإنشاد الرتيب»، بل وقفت الموسيقى نفسها ضد التماثلات الإيقاعية والأشكال الثابتة.
La Question des règles au XVIII° siècle (Revue d’Histoire Littéraire de la France, 1914).
وإذا ما كان احترام القواعد قد استمر طويلًا، فذلك — بوجه خاص — لأن «العبقرية المجهولة» القادرة على أن تفتح «بضربة واحدة الطرق الجديدة التي ستنوع من قواعد الماضي» لم تكن قد ظهرت بعد (3° partie, p. 617).
Poéme en prose (Mercure de France, 1er Février 1937).
Houdar de la Motte (1898).
(Lettre à l’Académie, ch. V, Projet de Poétique).
Dissertation sur la Poésie épique (Mercure de France, Janvier 1717).
والجدير بالذكر أن الفلاسفة قد توصلوا — خلال إدانتهم للشعر باسم الحقيقة والحكمة — وإن يكن عبر طرق متعارضة، إلى نفس النتائج التي توصل إليها من أدانوا ذائقتهم باسم السمع والإحساس، مثل «الأب دي بو».
Questions sur l’Encyclopédie (1re partie, articles: Anciens et Modernes, 1770) (Œuvres de Voltaire, XVII, p. 236).
(Correspondance, avril 1762, cité par Van Tieghem, Ossian en France, p. 145).
A. Anglès, sur L’esprit de la prose, dans Action du 5 Juin 1945.
Histoire intérieure du préromantisme français (Arthaud, 1930).
اللاوي: «أحد أبناء قبيلة «اللاويين» الإسرائيلية القديمة، ومهمته خدمة المعبد (المترجمة).
وأيضًا، في مقالة «عبقرية Génie»، في Encyclopédie في عام ١٥٥٧م: «القواعد وقوانين الذوق ستعرقل العبقرية، والعبقرية تحطمها كي تطير نحو السامي، نحو ما يؤثر على العواطف، وما هو عظيم».
(قارن Le Préromantisme, Etudes d’histoire littéraire européenne, 2 vol., Alcan, 1924).
«ساتير»: شخص خرافي، نصفه الأعلى إنسان والأسفل عنزة (المترجمة).
(De la Littérature, 1800, éd. Didot, 1861, t. I, p. 286).
(De la Littérature, p. 286).
تعبير أغاريد «خيمة» استخدمه «أبيل هوجو» عن «القدس المحررة» ﻟ «بلور-لورميان»، وفيه يرثي الناقد الشاب الافتقار إلى «هذه التعبيرات التي يخلقها الشاعر، والتي لا يصنعها ناظم الشعر» (tome II, p. 75).
(Le conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, Corti, 1951, p. 132).
- (١) ترجمة عام ١٨٧٨م، عن ترجمة «فورتي» الإيطالية:
«أي بياض يتألق في هذه الغابات الخضراء؟ أثلوج، أم بجع؟ ستكون الثلوج قد ذابت اليوم، والبجع قد طار. إنها ليست بثلوج ولا هي ببجع، لكنها خيام حسن أغا. فيها يرقد جريحًا وهو يتوجع بمرارة».
- (٢) ترجمة «نودييه» نقلًا عن «سمارَّا» (وقد تمت أيضًا عن «فورتي»):
«أي بياض باهر يشرق بعيدًا على العشب الأخضر الشاسع للسهول والأجمات؟ أهو ثلج أم بجع، طائر الأنهار البراق هذا الذي يغطيها بالبياض؟ لكن الثلوج تلاشت، لكن البجع استأنف طيرانه نحو مناطق الشمال الباردة.
لا ليس الثلج، ولا البجع. إنه سرادق حسن، حسن الشجاع، الجريح على نحو يبعث على الألم، الذي يبكي من غضبه أكثر من بكائه من جرحه.»
- (٣) ترجمة «مريميه»:
«ما هذا البياض على السهول الخضراء؟ أهي الثلوج؟ أهو البجع؟ ثلوج؟ كان لا بد أن تذوب. بجع؟ كان لا بد أن يطير. ليست الثلوج أبدًا، ليس البجع أبدًا، إنها خيام الأغا حسن أغا. وهو ينتحب من جراحه الأليمة.»
(Cargill Sprietsma, Louis Bertrand, Thèse. Champion, 1926, pp. 3–5).
(Lettre citée par Marsan, Mercure de France 1er Mars 1925).
«والمأخذ النقدي، في اعتقادي، هو اعتبارها — في صالة التحرير — نوعًا مستقلًّا» (La Musique et les Lettres, Notes, Œuvres de Mallarmé, Pléiade, p. 665).
⋆الأنابيست: تفعيلة في الشعر اليوناني واللاتيني، على وزن فعلن.
(La jeunesse de Mérimée, Champion, 1924).
Paroles d’un Croyant. Colin, 1949, pp. 270–271.
(Le style oral rythmique et mnémotechnique chez les verbomoteurs. Beauchesne, 1925).
(11 Avril, 1833, Œuvres, p. 288).
(Maurice de Guérin, Colin, 1921, pp. 199–212).
(Histoire de la langue française, t. XII, p. 290).
Le Hir, L’originalité littéraire de Sainte-Beuve dans Volupté (S.E.D.E.S., Paris, 1953, pp. 8–12).
Ariane, ma sœur, de quel amour blessée …
(Correspondance de Flaubert, éd Charpentier, t. II, p. 95).