خلق لغة شعرية
يشير لنا «رامبو» نفسه إلى الطريق
بإصبعه: «هذه اللغة (على ما يقول عام
١٨٧١م، عن اللغة الشعرية) ستكون من الروح
إلى الروح، تلخص كل شيء، الروائح والأصوات
والألوان، والفكر الذي يعلَق بالفكر ويجتذبه».
٢٩٧ ومن هذه الكلمات، نرى أي شاغل
تركيبي يسود — بدءًا من نقطة الانطلاق —
محاولته لخلق لغة شعرية جديدة، سيجد فيها
الواقعي نفسه محاصرًا وملخَّصًا، إلى حد
أنها ستنحو إلى أن تصبح في قمة الاكتمال،
«لغة عالمية».
٢٩٨ و«رامبو» الذي يستلهم «بودلير»
بشكل واضح («الروائح، والألوان والأصوات
تتجاوب»)، سيبذل قصارى جهده — كما نعتقد —
لخلق كلمة شعرية بالغة الثراء، تمتزج فيها
كل عناصر الواقع:
وعندما نقرأ — بعد هذا — الأسطر التي
يخصصها، في «فصل في الجحيم»، لمحاولته
«خيمياء الكلمة»، نرى مشروع الرائي يتقلص
بغرابة:
كنتُ أخترع لون الحروف المتحركة!
–
A
أسود،
E
أبيض،
I
أحمر،
O
أزرق،
U
أخضر. كنت أضبط شكل كل حرف ساكن
وحركته، وبإيقاعات غريزية، كنتُ
أزهو باختراع كلمة شعرية تناسب،
ذات يوم أو آخر، كلَّ المعاني.
واحتفظت لنفسي بالتفسير.
٢٩٩
أينبغي أن نعتقد — إذن — أن «رامبو» قد
اقتصر على بحث «التوزيع الموسيقي اللفظي»،
مثلما سيفعل فيما بعد «رينيه غيل»،
٣٠٠ وتنظيم ألحان كورس الحروف
المتحركة التي يرتبط كلٌّ منها بلون، بصوت،
بشعور ما؟ الواقع أنه — رغم الأبحاث التي
جرت في هذا المجال — فلم يتم التمكن —
أبدًا — من التوصل إلى التوافقات المشار
إليها في سوناتا «حروف متحركة»:
٣٠١ في هذا الصدد، سيكون النثر
أكثر إحباطًا — أيضًا — من الشعر، وثمة سبب
وجيه لذلك: فرامبو — عندما يذكر في «خيمياء
الكلمة» حكاية «إحدى جنوناته» — فإنه يتحدث
بإحباط عن محاولاته السابقة، دون أن تكون
لديه — بالتأكيد — النية في القيام
بمحاولات جديدة في نفس الاتجاه، والقصائد
التي سيكتبها فيما بعد (أي غالبية
«إشراقات» تقريبًا) لا تكشف — وهو ما
نستطيع أن نتوقعه — عن أي انشغال ﺑ «لون
الحروف المتحركة». وذلك من حسن الحظ؛ إذ إن
«رامبو» كان سيتقلص إلى حركات أكروباتية
عقيمة للكفاح ضد هذا «الانحراف» للغة
الفرنسية، الذي يتحدث عنه «مالارميه»،
٣٠٢ والذي يجعل — مثلًا — حرف
I غير
موجود في كلمة
أحمر، أو
O في
كلمة
أزرق،
و
U في
كلمة
أخضر …
والأكثر إمتاعًا أن نتساءل إلى أي مدًى
تحقق «إشراقات» هذه اللغة التي «تلخص كل
شيء، الروائح والأصوات والألوان»، التي
يتحدث عنها «خطاب الرائي».
إن
التداعيات التلقائية — التي استعار «رامبو»
فكرتها، بالتأكيد، من «بودلير»
٣٠٣ — ليست تداعيات عشوائية، إلى
هذا الحد أو ذاك، عن انطباعات ناشئة من
أحاسيس مختلفة، تداعيات ربما استطاع
«رامبو» العثور عليها، بعد «بودلير»، لدى
مؤلفين يعرفهم جيدًا، مثل «روسو»
٣٠٤ و«فرجيل»،
٣٠٥ وقد سبق لدواوين «فيرلين»
الأولى أن قدمت عدة أمثلة منها،
٣٠٦ فهي (اﻟ «إشراقات») — في
أساسها — جهد للوصول، حسبما يكتب «ج.
بلان»، إلى النقطة التي منها «لا تأتي
الحواس بشواهد متراصة، لكنها تُنتج — بلا
جهد — وحدة منظور للموضوع».
٣٠٧ إنه نسق في التركيب — إذن —
يستخدمه «رامبو» بالطريقة الأكثر تركيبية،
أعني بالاستخدام المنهجي للاستعارة، لا
للتشبيه، التي تدمج — في واقعة واحدة فحسب
— الواقعتين المذكورتين، وقد قدَّم
«إيتيومبل» و«ياسو جو كلير» عدة أمثلة —
وبشكل كافٍ — على هذه الاستعارات المتداعية
(التي تنبثق في كل سطر)، لذا، فلا يفيد أن
نكرر نفس العمل.
٣٠٨ وعلينا — فحسب — ملاحظة حدة
وحيوية التعبيرات، مثل: «إنه يدق جرسًا من
نار وردية في السحب»،
٣٠٩ و«دوائر موسيقى صماء»،
٣١٠ و«عطور أرجوانية لشمس القطبين».
٣١١ فعالم «رامبو» — كما يكتب
«إيتيومبل» — «يفرض نفسه بقوة الإدراكات
الحسية الظاهرة، ويعرض نفسه لكل المعاني —
في آن — لا بالقصور الذاتي للصور المنقوشة».
٣١٢ فالأمر يتعلق — فعلًا — بعالم
يُعاد خلقُه، من خلال تداعيات غير متوقعة،
وغريبة (أحيانًا ما تقبل التفسير انطلاقًا
من الأشياء الواقعية، لكن ليس دائمًا)،
٣١٣ وتمنحنا الشعور بالجديد
والمجهول. وهكذا، فإن «رامبو»، الذي كان
يلوم الشعراء الفرنسيين بشراسة على زهورهم
وزنابقهم الأبدية:
من غاباتكم ومن مراعيكم،
أيها المصورون الوديعون
للغاية،
النباتات متنوعة فيما
يشبه
لم يخترع، في الحقيقة،
«زهورًا جديدة»،
٣١٥ بحصر المعنى، في «إشراقات».
لكن الانطباع — بزهور جديدة، مجهولة —
تمنحه التداعيات غير المتوقعة لكلمات
تستدعي «الغائب من الباقات»،
٣١٦ و«أزهار حلم تدق، تنفجر، تضيء»،
٣١٧ و«أزهار سحرية كانت تطن»،
٣١٨ و«أضاميم من أزهار كبيرة، مثل
أذرعتنا ورءوسنا، تخور»،
٣١٩ و«أزهار دافئة».
٣٢٠ ومن الشائق أن نلاحظ — في هذا
الصدد — أن «رامبو» الذي طالب الشاعر — عام
١٨٧١م — باختراع:
أزهار من أحجار تقريبًا، شهيرة!
٣٢١
مدمجًا بذلك — مثل
«بودلير» — النباتي بالمعدني،
٣٢٢ يجمع — هو، أيضًا — الجواهر
بالأزهار في «إشراقات»، لكن مع فارق أن ما
يحدث لدى «بودلير» هو أن الواحدة والأخرى —
التي نُفِخَت فيها الحياة — تنظر
وتتحدث:
آه! الأحجار الكريمة المختبئة، –
الأزهار التي كانت تنظر.
٣٢٣
نظرت الأحجار … كان المشروع
الأول، في الممر الممتلئ بالتماعات
غامضة وشاحبة، زهرةً تبوح لي باسمها.
٣٢٤
وذلك ما يقودنا إلى الحديث
عن «إحيائية» رامبو. ففي شعره، ثمة حقًّا:
لغة الأزهار والأشياء الصامتة
٣٢٥
لا كنسق في الأسلوب فحسب — كما يبدو —
لكن، أيضًا، كنتيجة إيمان عميق بالحياة
الموضوعية للأشياء (الشبيه ﺑ «فيثاغورية»
هوجو أو نرفال): «روح صافية تنمو تحت قشرة الأحجار».
٣٢٦ وسيحدثنا «رامبو» عن «انفجارات
إتنا الرخوة»،
٣٢٧ عن «الزهور الشرسة»
٣٢٨ و«العطور المتلاشية».
٣٢٩ وتحت سن قلمه، ستعثر الأشياء
الجامدة على روح، وتستعيد الحياة والحركة:
الأحجار الكريمة تختبئ، والمنافذ «تهدر
متناغمة»، والسماء «تنثني وتتراجع، وتهبط»:
٣٣٠ كل الكون متحول ويصبح ذا
روح.
وامتزاج الملموس والمجرد — عدا ذلك —
دائم لدى «رامبو»، وأحيانًا ما يرينا
مجردات في حالة حركة، «فكرة الطوفان» التي «استقرت»،
٣٣١ والصمت «المتلاطم بشراسة»،
٣٣٢ وأحيانًا ما يضع الملموس
والمجرد على نفس المستوى، كما لو أنهما
حقيقة واحدة: «أيتها المياه والأحزان،
تصاعدي وأكملي الطَّوَافين»،
٣٣٣ «سماء العاصفة وآيات النشوة».
٣٣٤ وأحيانًا (مثل «بودلير» عندما
يتحدث عن «
سماء
مأساوية»،
٣٣٥ و«فيرلين» عن «
لازورد صموت»،
٣٣٦ ولكن بجرأة» أكبر بكثير) يمنح
الكائنات المادية صفات مجردة: دواب
«رشاقتها خرافية»،
٣٣٧ نظرات «تمتلئ بالمزارات».
٣٣٨ ويصل به الأمر إلى حد أن يكتب:
«السور أمام السهران سلسلة نفسية متوالية
من أجزاء أفاريز، وأشرطة جوية، وحوادث جيولوجية»،
٣٣٩ وكأن ورق الحائط نفسه يصبح
حيًّا تحت عينيه.
وموقف «رامبو» — هنا — هو، في آن، موقف
فنان يسعى إلى خلق تعبيرات جديدة، مكثفة
وتركيبية (وهو انشغال ظاهر على امتداد
«إشراقات»)، وموقف مُريد لبودلير (هل يجب
أن نقول موقف صوفي؟) يرى في العالم «كُليةً
مركبة لا تنقسم».
٣٤٠ وقد رأينا أية تجاوبات يقيمها
«بودلير» — باستمرار — بين المادي والروحي،
بين الإنسان والبحر، بين المشهد الهولندي
والمرأة التي تتوجه إليها «دعوة إلى
السفر». هل يمكن أن نجد لدى «رامبو»
رمزيةً مماثلة؟ يبدو من
المستحيل أن نوافق — مع «جينو» — على أن
كل
عنصر من الواقع ذو دلالة لديه على شيء آخر،
وعلى أن
كل قصيدة لها مفتاحها
القياسي ومعناها المزدوج، ولكن بين من لا
يريدون أن يروا في «إشراقات» سوى فوضى
للمظاهر، وصور لا تهدف إلا إلى لألأة
الألوان أمام عيوننا، أولئك الذين يجعلون
منها كتابةً شعرية وتجميعًا حاذقًا من
كلمات جوهرية، يبدو أن ثمة مكانًا لتفسير
يأخذ بالاعتبار — بشكل أفضل — الشروط
الحقيقية للإبداع الشعري، بالاستناد إلى
الميل الدائم للشعر الرامبوي إلى التركيب
والتركيز، ونتخيل عبر أية عملية استطاع
«رامبو» التوصل إلى تكثيف مجموعة كاملة من
الإيحاءات في كلمة واحدة، ليجعلها تقول
أكثر بكثير مما تقول: وهو ميل طبيعي —
فضلًا عن ذلك — لدى الشعراء الذين ينتهي
بهم المطاف إلى خلق «رمزية» خاصة بكل منهم
(يعرف الجميع بأية ظلال عاطفية يثري
«فيكتور هوجو» الكلمات
أصهب،
أسود،
فزع). وكي نكتفي بمثال
واحد، فإن كلمة «
نخيل» تقترن — في
«إشراقات» — بأفكار التفوق، والمَلَكية
المادية والروحية، من خلال استعارة — على
أية حال — مألوفة.
٣٤١ في قصيدة «ملَكية»، «رجل
وامرأة رائعان»، يتقدمان وقد أصبحا ملكين
«في اتجاه بساتين النخيل».
٣٤٢ والأقل شيوعًا هو رؤية هذه
الكلمة المستخدمة بطريقة تعجبية (ومقترنة
بكلمة ذات رمزية قياسية،
ماس)، متخذةً
قوةً تعبيريةً بالغة إلى حد تفجر أفكار
الانتصار، والملَكية، والحماس الغنائي
بطاقة لا يمكن أن تصل إليها جملة
مركبة:
أيا نخيل! يا ماس! — يا حُب، يا
قُوة! — أعلَى من كُل الأفراح والأمجاد!
٣٤٣
وثمة ملحوظة أخرى هامة: فلدى كل كاتب صور
يستدعي بعضُها البعض بالتبادل، وتظهر
مجمعةً وهي تدور حول بعض الأفكار المسيطرة
— (وهو ما يسميه «مورون» ﺑ «الاستعارات
الملحة»، التي يقدم — كمثال لها، لدى
«مالارميه» — العلاقة «زهرة – لازورد –
طفولة»، المرتبطة بفكرة الفردوس المفقود)
٣٤٤ — بحيث تحدد التداعيات ذات
المظهر الاعتباطي، غالبًا، الشكل العميق
لشواغله الخفية: هكذا نجد لدى «رامبو»
الامتزاج الحاد والمتكرر بين النار والجليد
(أو النار والماء)، الذي يبدو رمزًا جيدًا
لنزعته في خلط العناصر المتناقضة، ولرد
ثنائية المادة — بقدرة الذهن — إلى الوحدة.
٣٤٥ ولا يقل عنه غرابة الربط بين
النار والطين، اللذين يبدوان مرتبطين
باستدعاء المدينة الكبيرة، مثل لازمة
حقيقية: «مدينة هائلة ذات سماء ملطخة
بالنار والطين».
٣٤٦ «الطين أحمر وأسود. مدينة
وحشية، ليل بلا نهاية!»
٣٤٧ والعواصم الحقيقية التي تسكع
فيها (تخطر لندن ببالي، وخاصة ضبابها
وأبعادها الساحقة التي أذهلت «فيرلين»
و«رامبو») — بأضوائها التي يعكسها الطين،
وربما أيضًا عربداتها المتوهجة
٣٤٨ — تناقض اﻟ «
مدن» التي
يشيدها بطريقة مثالية، من الجليد
والكريستال.
وإذا ما كنتُ أُلح طويلًا على القيمة
التركيبية والإيحائية للمفردات الرامبوية،
فذلك لأن «رامبو»، وهو يدون «رؤى» (أشكال،
ألوان، حركات)، إنما ينطلق — فعلًا — من
الكلمات ويمنح الكلمات الأولوية والدور
الرئيسي (أكثر من المعنى العام للجملة)،
طبقًا لنمط تأليف شعري خاص، وفي حين أن
الكلمات — في النثر الاستدلالي — لا تعدو
أن تكون أوتادًا للفكرة، التي تجري من
واحدٍ إلى آخر، فإن الجملة كلها — هنا —
تنتظم بطريقة تبرز بعض الكلمات الأساسية،
وخاصة الأسماء، المفعمة والموحية بذاتها
دون احتياج إلى أي تعليق. فعندما يكتب
«رامبو»:
إنه الصَّديق لا محتدمًا ولا
واهيًا، الصديق.
إنها الحبيبة لا معذَّبة ولا
معذِّبة. الحبيبة.
٣٤٩
ألا يجعلنا ندرك أن الاسم،
المستخدم في انعزال — في مفهومه الأكثر
اكتمالًا — أكثر ثراءً والأكثر امتلاءً
بالاحتمالات مما لو حددناه بالصفات،
عندئذٍ، يصبح الاسم — أحيانًا — المحور
الذي تدور حوله الجملة — (من خلال عملية
تكرار) — كما يحدث بالنسبة لكلمتي «صوت»
و«بحر»:
تعلَّقي بنا بصوتك المستحيل،
صوتك! المتملِّق الوحيد لهذا اليأس الحقير.
٣٥٠
فوق مستوى أعلى الذُّرى، بحر
مضطرب بالميلاد الأبدي لفينوس،
محمَّل بأساطيل موسيقية، وضجيج
اللآلئ والأصداف النفيسة، — يعتم
البحر أحيانًا بومضات قاتلة.
٣٥١
وأحيانًا نتيجة قَطع بكامله، وتوليف
سلسلة كاملة من الإيحاءات:
من صحراء القار تهرب على خطٍّ
مستقيم مدحورةً مع غُلَالات الضباب
المتدرجة في شرائط كريهة إلى
السماء التي تعاود الانحناء،
تتراجع وتهبط مجبولةً من أتعس دخان
أسود يمكن أن يصنعه محيطٌ في حداد،
الخوذات، العجلات، القوارب،
الأرداف — المعركة!
٣٥٢
ونصل — هنا — إلى ما قُلته عن البناء من
خلال التجاور: وبالفعل اتخذت الكلمات —
الموحية بالصور — أهميةً على حساب التفكير
المنطقي، كلما أصبح من الواجب تحريرها من
متطلبات التركيب، ومنحها استقلالها. وقد
ذكرتُ من قبل فقرةً دالة من قصيدة
«متروبوليتان»، مجردةً تمامًا من الأفعال.
٣٥٣ ويحدث أن يذهب «رامبو» إلى
أبعد من ذلك أيضًا، فيُعَرِّي الجملة لصالح
الاسم، وتختفي كل المحددات، ونصل إلى
الجملة التعجبية: «يا نخيل! يا ماس!»
٣٥٤ «أيا عذوبة، يا عالم، يا موسيقي!»
٣٥٥ أو بشكل أكثر غرابة: «أيا
فرسان وطواحين الصحراء، أيتها الجزر والرَّحى»،
٣٥٦ التي تنجح في الإيحاء بكل
رحابة مشهد معزول من خلال تعداد بسيط.
فالكلمات — وقد استعادت كل قوتها الإيحائية
— يكفي لها أن
تُسمِّي الأشياء كي ينهض
كلٌّ منهم فاتحًا أمام عيوننا كل باقة
الصور والمشاعر، والأفكار التي كانت
مسجونةً فيه.
ولا ينبغي — رغم هذا — أن نستنتج أن
«إشراقات» ليست إلَّا ألعابًا ناريةً
بالكلمات، تنبثق — صدفةً — بشكل متتالٍ،
وينبغي تصحيح الانطباع الأول بالفوضوية
الناجمة من هذا الأسلوب في «السرد»، بأن
نلاحظ إلى أيِّ حدٍّ — في هذا النثر —
«تعمل» كل كلمة وتلعب دورها: أولًا بأن
تساهم في الإيحاء الكلي، المرتبط بأداءات
أخرى، فلا يوجد عنصر بلا فائدة، في هذه
الجمل المختزلة إلى الحد الأساسي (وهكذا في
جملة قصيدة «طفولة–٢» — المذكورة فيما سبق
— التي تندرج في كُلٍّ يتبارى فيه كل شيء
للإيحاء بالعزلة والهجران: «تصعد الحقول
إلى النجوع بلا ديكة، بلا سنادين. ارتفع
هويس القناة. أيا فرسان وطواحين الصحراء،
أيتها الجُزر والرَّحَى!») ثم تساهم —
بموقعها في الجملة — في إنتاج مؤثرات
إيقاعية معينة، فجملة «رامبو» ليست تناثرًا
خالصًا وبسيطًا للكلمات: إنها تمتلك
قوانينها وضروراتها الداخلية، لكنها ليست
قوانين وضرورات النسق الخطابي أو
الاستدلالي، أو النثر «الغزير»، ولا بد من
الحديث — هنا — من خلال التقابل مع
«النثر
الشعري»، حيث يسود العدد
والانسجام والأسلوب الدوري لنثر إيقاعي،
وهنا، يتجلى «رامبو» أستاذًا.
وبعد انطلاقه — كما رأينا — من البحر
السكندري الكلاسيكي الكبير، أخذ يتحرر،
تدريجيًّا، من «الشكل المربَّع» والعروضي،
متخذًا منحًى يمر عبر «أغنيات» عام ١٨٧٢م،
وصولًا إلى «
الشعر
الحر» في «إشراقات» (بحرية
وحركة)، وانتهاءً بالنثر، ونراه — بشكل
متوازٍ — يخلق لنفسه لعبةً جديدة من
«الثوابت الإيقاعية»، من خلال توليفات
السجع وتنافر الأصوات، والمجموعات النحوية،
والنبرات والوقفات الموزعة، بشكل حر وبارع
للغاية، في آن.
٣٥٧ فنثر «إشراقات» شديد الحرية،
فوضوي، حتى بذلك المعنى الخاص الذي يعني
أنه لا يخضع أبدًا — (مثلما لدى «آلويزيوس
برتران») — إلى ضرورات «قالب» واحد، وأنه
يقلل من شأن كل «القواعد» الأسلوبية، ويبدو
— أحيانًا — أنه يستمتع بصدم آذاننا التي
اعتادت على «شاتوبريان» و«فلوبير»، وعلى
«انسجام» و«هدهدة» الجملة. ولن تقودنا
الدراسات في الإيقاع الحسابي والنبري إلى
أبعد من ذلك، هنا: فبعدما نلتقي — في قصيدة
«متشردان» — بهذا البحر السكندري: «كنا
نهيم مشبعين بنبيذ الكهوف وبسكويت الطريق،
وأنا متلهف على إيجاد المكان والصيغة»،
٣٥٨ تكون دهشتنا من وجود هذه
المقاطع اللفظية الاثني عشر أقل من دهشتنا
إزاء إيجاز العبارة، الشديدة الحيوية
والكثافة، إلى حد أن نكون مجبرين على رصد
خمس نبرات في هذا الجزء من الجملة: «وأنا
متلهف على إيجاد المكان والصيغة
Moi pressé de trouver
le lieu et la
formule». وفي الواقع، فإن
إيقاع هذا النثر — حتى إذا ما كشف، من بعض
الجوانب، عن نفس اتجاهات نثر «هوجو»،
٣٥٩ وبشكل خاص «برتران» — لهو
إيقاع أصيل للغاية. وقد أحس «رامبو» — مثل
«هوجو» و«برتران» — بضرورة أن يُدخل، على
النثر، تماثلات أقل اصطناعًا من التماثلات
العروضية، وأكثر تنوعًا، لكنها خالقة —
أيضًا — للإيقاعات، سواء تعلق الأمر
بالتماثلات النحوية أو الصوتية، أو — حتى،
بشكل أكثر ندرة — الحسابية (متشابهة
المقاطع). لكن، فيما يراكم «هوجو» سلاسل من
التماثلات «الثلاثية» في أنساق واسعة تلائم
عبقريته الخطابية، يسعى «برتران» و«رامبو»
إلى خلق تكرارية إيقاعية، داخل قصيدة قصيرة
أو فقرة موجزة، من خلال تماثلات محددة،
وأيضًا واضحة، وغالبًا من خلال الشَّرطة.
يقول «برتران»، على سبيل المثال:
وكنتُ أتساءل ما إذا كنتُ سهرانَ
أم نائمًا، — ما إذا كان هذا هو
شحوب القمر أم «لوسيفير»، — ما إذا
كان منتصف الليل أم مطلع الفجر!
٣٦٠
(تماثل
مزدوج، وكل جزء من الثلاثية — هو نفسه —
منقسم)، أو حتى:
وصلَّيت، وأحببت، وأنشدت، شاعرًا
فقيرًا ومعذَّبًا!
٣٦١
(تماثل نحوي وصوتي (ثلاث كلمات تنتهي ﺑ
é)
وحسابي). وفضلًا عن ذلك، فهو يعمم هذه
القصدية في التماثل — كما رأينا — على
القصيدة كلها:
٣٦٢ وهكذا، فإن كُلًّا من الأفعال
— «يصلِّي»، «يُحب»، «يغنِّي»، في المثال
الثاني — يستعيد موضوع أحد المقاطع السابقة
(المتماثلة هي نفسها):
لا، الله (…) لا أبدًا …
لا، الحُب (…) لا أبدًا …
لا، المجد (…) لا يكون …
ويكمن ضرر نظام كهذا في
أنه سرعان ما يصبح مصطنعًا وآليًّا، ويفرض
على الذهن الشعري قالبًا جاهزًا، في نفس
تصلب النظم، وتفوق «رامبو» يكمن — بالتحديد
— في الاستخدام الأكثر حرية بكثير والأكثر
تعقيدًا لهذه التماثلات الإيقاعية. وها هو
مثال للتجميع الثنائي — «مرهف الحساسية»،
كما يقول «روشون»
٣٦٣ — لكن شديد التنوع رغم هذا،
حيث يتوحد التماثل النحوي بالاتساع
المتزايد ثم المتناقص للمجموعات:
فلتنبجس، أيها المستنقع،
ولتتدحرج أيها الزَّبَد على الجسر
وفوق الغابة — أيتها الملاءات
السوداء والأراغن، يا بروق ويا
رعود انهضي وتدحرجي، — أيتها
المياه والأحزان، تصاعدي وأكملي الطَّوَافين.
٣٦٤
وفي هذا المثال الآخر، تجد لعبة
التماثلات نفسها — فجأةً — وقد انقطعت
بتدفق آخر جزء من الجملة:
أن نتدحرج في الجراح، عبر الهواء
المُضني والبحر، في العذابات، –
عبر صمت المياه والهواء القاتلين،
في العذابات التي تضحك، في صمتها
المتلاطم بشراسة.
٣٦٥
وعلينا أن نضيف أن «برتران» — فيما يقوم
بالتقسيم، بشكل منتظم، والتوزيع طبقًا
لنظام تحليلي — فإن «رامبو» يؤلف بفن أكثر
تركيبية، وغالبًا ما ينجح في أن يمنحنا هذا
الانطباع بالكلية التي يهدف إليها كل نثره:
مثلًا، في نهاية «عبقرية»، عندما يوازن
الكتل النحوية من الجهتين في جملة متلاحقة
(هي التي أؤكد عليها):
فلنعرف، في هذه الليلة
الشتائية، من رأس بحري إلى رأس
بحري، من القُطب الصاخب إلى القصر،
من الحشد إلى الشاطئ، من النظرات
إلى النظرات بقوى ومشاعر منهكة، أن
نناديه
ونراه ونستعيده، وتحت
الموج وأعلى صحاري الجليد، أن
نتبع
نظراته – أنفاسه –
جسده، – نهاره.
٣٦٦
لكن براعة «رامبو» تتجلَّى — أساسًا —
عندما يجمع التماثلات النحوية مع التماثلات
الصوتية، التي تتمتع — في نثره — بتعقيد
وثراء بلا مثيل، فالسجع البسيط الذي
استخدمه في «أغنيات» — عن وعي — ما يزال
يتكرر في نثره، مثلما في نهاية «أمسيات–١»:
– أكان هذا إذن؟ (ccci)
– والحلم يترعرع (
frichit).
٣٦٧
وبالمثل، نقرأ في «جُمل»:
عندما نكون أقوياء جدًّا، — مَن
يتراجع؟ في غاية المرح، — مَن الذي
سقط من السخرية.
٣٦٨
وفي «متروبوليتان»، هذه الجملة المدهشة،
حيث يبدو أن نوعًا من الجنون اللفظي يستثير
— بشكل لا يُقَاوَم — اختيار الكلمات
المتماثلة صوتيًّا: الكلمات المتماثلة
صوتيًّا:
… les
atroces fleurs qu’on appellerait
cœurs et sœurs, Damas damnant de
longueur.
… الأزهار الشرسة التي سندعوها
القلوب والأخوات، دمشق الهالكة من الخمول.
٣٦٩
ويحدث — على أية حال — أن يكرر «رامبو»
نفس الكلمة للحصول على تأثير القافية
(مثلما فعل «فيرلين» في أشعاره):
ذات مساء، كان يركض في خيلاء.
ظهر جني يفوق جمالُه الوصف، بل لا
يمكن البوح به. ومن محياه ومن
هيئته كان ينبثق الوعد بحب متعدد
ومركَّب! بسعادة لا تُقال، بل
تفوق
الاحتمال!
٣٧٠
بل يحدث أن يبني جملةً على قافية مزدوجة:
Sa
solitude est la
mécanique érotique; sa
lassitude, la
dynamique
amoureuse.
عزلته هي الآلية الشبقية، وضجره،
الدينامية العاطفية.
٣٧١
لكن
هذا النسق في السجع، الذي ينحو إلى خلق
مؤثرات الاستعادة في نهاية أجزاء الجُمل،
ويعلن عن الشعر الحر، يبدو بدائيًّا حقًّا
أمام التوازنات الصوتية الأكثر براعة التي
يقيمها «رامبو»، «إن مبدأ «القافية
الداخلية»، والتوافق المسيطر، الذي وضعه
باسكال، قد تطور — بثراء دون نظير — في
التنغيمات والحلول»، على ما يكتب «كلوديل»
عن النثر الرامبوي.
٣٧٢ وبالإضافة إلى التماثل الصوتي
في البداية، الذي يشكل نوعًا من القافية
المعكوسة:
Les Sodomes et
les Solymes،
٣٧٣gazes grises … velours
verts،
٣٧٤ فكثيرًا ما نجد جملةً أو فقرةً
مبنية بكاملها على اللعب المعقد بالتوافقات
والإصاتات التي تتجاوب، وهكذا، ففي جملة
قصيدة «ضيق أليم
Angoisse»
المذكورة في الصفحة السابقة، نجد — في آن —
السجع
blessures –
tortures، وتكرار
كلمات
air
و
silence،
والتماثل الصوتي في
supplices –
silences، ولعبًا
بارعًا بالسَّجع والمحارفات التي تخلق
علاقةً بين
air
و
mer
وبين
rouler
و
houleux،
فيما يتضاعف عدد الحروف الصامتة
r
و
i
و
s على
طول المقطع، وليس ذلك سوى مثال، ويمكننا
القيام بدراسة مشابهة — إلى حدٍّ ما — لأي
نص من «إشراقات». وهكذا، يذكر «ريفيير» —
كمثال على توظيف «الحرف
O،
المستخدم بالتناوب في كل تنويعاته الصوتية»
— هذا المقطع من «ليلية مبتذلة»:
Ici va-t-on
siffler pour l’orage et les
sodomes et les bêtes féroces et
les
armées.
(–Postillon et
bêtes de songe reprendront-ils
sous les plus suffocantes
futaies, pour m’enfoncer
jusqu’aux yeux dans la source de
soie?)
–
Et nous
envoyer, fouettés à travers les
eaux clapotantes et les boissons
répandues, rouler sur l’aboi des
dogues٣٧٥⋆
…٣٧٦
ويرى فيها — بالأساس — نسقًا موسيقيًّا:
«يعرف رامبو الذبذبة الخاصة بكل حرف متحرك،
وهو يستخدم كل حرف كعلامة ويكتب تناغمات».
٣٧٧ وخلافًا لبرتران، يلجأ «رامبو»
— إلى حدٍّ ما، في الواقع — إلى المحارفات
المسماة «تعبيرية»، لكنه يستخدم — باستمرار
— الاستعادات الصوتية باعتبارها نسقًا
توافقيًّا ونسقًا إيقاعيًّا في آن، وكي
يمنح جملته — أيضًا — حبكةً أكثر توترًا
ووحدةً أكبر.
إنه أيضًا الميل نحو الإيجاز — (الذي
رأيناه يتبدى باستمرار في «إشراقات») —
الذي سيمنح إيقاع هذا النثر طابعين مميزين.
الأول، هو تعدد النبرات، من خلال حذف كل
الأجزاء المحايدة من الجملة، فلا يبقى سوى
الكلمات الدالة وحدها: ثمة إذن خمس نبرات
في: «أيا فرسان وطواحين الصحراء، أيتها
الجُزر والرَّحى»،
٣٧٨ وثمة ست نبرات في جملة: «وهنا،
الأشكال والعرق، والشَّعر والعيون، طافية».
٣٧٩ واقعة مميزة، عندما نرى تجارب
«ج. لوت» و«ر. دي سوزا» وهي تقودهما إلى
تسجيل أن «من النثر إلى النَّظم يتجه
الإيقاع إلى الإيجاز. تتقارب النبرات، دون
عودة أبدًا إلى المسافات المنتظمة بشكل
مطلق. وتصبح الجملة أكثر تركيزًا وتوترًا.
ويختفي كل ما هو غير مفيد أو شديد الحياد».
٣٨٠ وهكذا، فإن هذا الإيجاز في
الإيقاع، الذي يصاحب هذا الإيجاز في
الجملة، هو طابع شعري صرف، وستُتاح لنا
الفرصة لنرى أن القصائد القصيرة والقصائد
التحررية
libristes
ستكون وسيلةً لزيادة عدد النبرات.
٣٨١
وفي المقام الثاني، وبعيدًا عن البحث عن
«الإيقاع الأكبر
cadence
majeure» المتكرر
بكثرة في النثر الفرنسي
٣٨٢ — وبفضله يتجه الإيقاع نحو
الاتساع — فإن الجملة الرامبوية تنتظم في
كتل غير متزايدة، بل متناقصة، تنتهي —
غالبًا — بأجزاء موجزة للغاية. وقد سبق أن
رأينا مثالًا مميزًا في «متروبوليتان»، وها
هو مثال آخر من «ليليَّة مبتذلة»:
٣٨٣
في عيب بأعلى المرآة على اليمين
تحوم صور قمرية شاحبة، وأوراق، وأثداء.
٣٨٤
هذه الخاتمة المفاجئة، المختلفة تمامًا
عن الأجزاء الأخيرة الأثيرة لدى النثر
الإيقاعي وغزارته التناغمية، تلفت انتباهنا
هنا، وتركزه على كلمات الختام الموجزة: فكل
قوة الجملة ترجع إليها (بالإضافة إلى أننا
مجبرون على تحميل عدة نبرات متتالية على
هذه الكلمات الموجزة: «قمرية، أوراق،
أثداء»، «رحيل في المحبة والصوت الجديدين»).
٣٨٥ فمن خلال تركيب مشابه، يركز
«رامبو» الاهتمام على الأفعال، في هذا النص
من «جُمل»، المركب بطريقة تماثلية، حيث
تقود كل فقرة إلى جملة رئيسية موجزة:
عندما سيُختَصَر العالم إلى غابة
سوداء واحدة لعيوننا الأربع
المندهشة — إلى شاطئ لطفلين
مخلصين، — إلى منزل موسيقي لمحبتنا
الصافية المضيئة — سأجدكم.
ألا يوجد هنا في الأسفل سوى عجوز
وحيد، هادئ وجميل يحوطه «ترف غير
مسموع» — وسأتدله بكم.
أن أكون قد حققت كل ذكرياتكم، –
أن أكون من يعرف تقييدكم، — سأخنقكم.
٣٨٦
ولنضف أنه إذا ما تأملنا المقطع في
مجمله، فسنلاحظ — هذه المرة — أن الفقرات،
هي أيضًا، ذات أطوال متناقصة، وأن «رامبو»
ينهي القصيدة ﺑ «مقطع» موجز، حيث تسود
أفعال الحركة، وقد سبق أن ذكرت ولع «رامبو»
بالنهايات السريعة المتنافرة: «قادمًا من
الأزل، ستذهب إلى كل مكان»،
٣٨٧ «عند الاستيقاظ كانت الظهيرة»،
٣٨٨ «ها هو زمن
القتلة»:
٣٨٩ اللافت للنظر أن هذه النهايات
الشديدة التركيز والبالغة الغموض غالبًا،
بدلًا من أن «تقفل» القصيدة نهائيًّا،
فإنها توسِّع — على العكس — من الأفق،
وتطيل الرنين الإيحائي إلى أبعد من النقطة
النهائية: أية حقبة فسيحة ستمنحنا الإحساس
بالفضاء بشكل أفضل من هذه الكلمات الثلاث
الموجزة التي توازن أجزاء الجملة الثلاثة
في قصيدة من سطرين: «مددتُ حبالًا من قبة
ناقوس إلى قبة ناقوس، وأكاليل من شباك إلى
شباك، وسلاسل ذهب من نجمة إلى نجمة، وها
أنا ذا أرقص».
٣٩٠ ويتمكن «رامبو» — من خلال
الإيقاع، كما بالمفردات — من أن يقول
الأكثر بالأقل، وأن يأسر — في بضع كلمات،
وبكيفية استخدامه لها، وبالمكانة التي
يمنحها لها — عالمًا بكامله من
الإيحاءات.
وهو يمنح النثر طاقةً شعريةً مجهولةً
فيما قبله: من خلال التركيز الذي يفرضه
عليه، وبالطريقة التي يكونه بها، وبالطاقة
الإيحائية والإيقاعية التي يمنحها له، يصنع
منه — حقًّا — أداة شعر جديد. وعلينا —
كختامة — أن نؤكد على أهمية اللغة الشعرية
الجديدة التي خُلِقَت بهذه الطريقة، وأن
نكشف ما يدين به لرامبو لا قصيدة النثر
فحسب، بل الشعر بشكل عام، الذي منحه توجهًا
حاسمًا.