الفصل الثاني

ميلاد الرمزية

(١٨٨٠–١٨٨٦م)

  • (١)
    موجة الهجوم الجديدة ضد الشعر الكلاسيكي: اتجاهات وأساتذة الجيل الشاب.
  • (٢)
    البحث عن صيغة: كان، لافورج، واقعة كريجينسكا.
  • (٣)
    رواج قصيدة النثر: «بالعكس»، بانفيل وريشوبان.
  • (٤)
    المجلات الصغيرة: مجموعة «فونتان كوندرسيه» المجموعة البلجيكية.
  • (٥)
    الموسيقى وتأثير فاجنر: النظريات.
  • (٦)
    الانحطاطيون: «لافوج» وتأثير رامبو.
  • (٧)
    ميلاد المدرسة الرمزية: تحرير الشكل وانتصار الشعر الحر.

***

(١) موجة الهجوم الجديدة ضد الشعر الكلاسيكي

اتجاهات وأساتذة الجيل الشاب
إن الجيل الذي خرج من المراهقة — في الفترة من ١٨٨٠م إلى ١٨٨٥م — قد كبر في مرارة الهزيمة وصخب الثورة، لقد انهارت كافة القيم حوله: فلم يعد يؤمن بالجمهورية، المهانة والواهنة، ولا بالفعل، النثري على غير مثال، ولا بالأساتذة الذين بجهلهم الجيل السابق، الذي لم يعد لديه ما يستجيب لهمومه، «لقد قيل، كما يكتب «ا. رينو»، إن كوارث عام ١٨٧٠م قد حفرت هوةً عميقة بين الآباء والأبناء».١
وأخذ الأبناء، في الأدب كما في خارجه، يحرقون ما عبده الآباء: «فهؤلاء الشبان — كما يكتب «بوازا» — لم يعد بمقدورهم التعرف على طريقة شعورهم في كتب البارناسيين والطبيعيين، وإذا ما كانوا قد كفروا بالإله «هوجو»، فإنهم قد تقيئُوا «كوبيه»،٢ وقد رأينا شعراء «ألبوم زوتيك» — منذ عام ١٨٧٢م — وهم يعارضون٣ بوقاحة «أساتذة» الفن البارناسي، وحوالي عام ١٨٨٠م، أصبح تمرد الأقلام عامًّا، وسيرمي الشباب — دفعة واحدة — كل ما ورثوه من أدب السنوات السابقة: أنماط التفكير وأنماط الكتابة.
والواقع أن كل شيء مترابط: فالرمزية، التي نشأت — في آن — من انطواء الفرد على عالمه الداخلي، ومن رد فعل عنيف ضد كل ما سبق (من رخاء، وجمال تشكيلي، وحب للنظام، والسكينة)، لم يعد بمقدورها الحفاظ على «النظم الجميل» و«القافية الثرية»، ولا على الاهتمامات الأخرى للبارناسية، فلنسأل من شاركوا في الحركة: يقول «ﻫ. دي رينييه» إن الفن البارناسي — حوالي عام ١٨٨٥م — «لم يعد يستجيب مطلقًا للتطلعات الخفية للأدباء الشبان لهذه الفترة»،٤ ويفسر لنا «بوازا» السبب: فالرمزية «كانت — على نحو خاص — تمثل دخول الحلم في الأدب، والعودة إلى النظر من الخارج إلى الداخل، وتأمل انعكاس الأشياء فينا كما في صفحة ماء هادئ، وأذننا التي أرهفت السمع لموسيقى متفردة تصَّاعد منا، وتختلف إيقاعاتها — بغرابة — عن الإيقاعات المعتادة للبارناسيين، بدت لنا — بوزنها الجيد تمامًا — منضبطة مثل الخطوات العسكرية».٥
كان على تجديد الحساسية الشعرية — إذن، وبالضرورة — أن يتوافق مع تجديد اللغة الشعرية، ومن المدهش أن نرى ظهور هذه الفكرة — حول ضرورة تطوير الشكل، حوالي عام ١٨٨٠م — لدى كافة منظري نظم الشعر، وستوضح بعض الإشارات — في هذا الصدد — كيفية قيام حركة واسعة لصالح شكل حديث وحر:
فمنذ عام ١٨٧٩م، كتب «جاستون باري» — في «رومانيا» — هذه السطور النبوئية حقًّا:

إن طريقة نظمنا للشعر — التي تستند إلى كيفية القرن السادس عشر في نطق الكلمات — قد تحجرت في هذه اللحظة، وأصبحت اليوم نمطية تمامًا، وهي بإتقانها بعضًا من مميزاتها، تضخم من بعض عيوبها، وشعراؤنا يستخدمون الأداة القديمة دون ملاحظة أنهم يواصلون لمس أكثر من وتر لم يعد يرن، ويحرمون أنفسهم من تناغمات قد يمكنهم الحصول عليها بلا عناء، إنهم وجلون على نحو زائد، وثقافتهم أفقر من أن يحاولوا تجديد الأداة، فهم يخشون تحطيمها، وأكثرهم براعة يصرخون:

صنع آخرون القيثارة، وأنا أخضع لقانونهم.

فهم لن يبتوا في الأمر إلا عندما تصبح القيثارة خرساء تمامًا تحت أصابعهم، أو عندما تجبرهم آلة جديدة — متناغمة مع النبرة الشعبية بفعل يد جريئة وبارعة — على الخروج من حلمهم، وعلى أن يقدموا للغة الفرنسية طريقة حية، في نظم الشعر، منسجمة وحرة.٦
ولا شك أن «الآلة» لم تكن قد وجدت بعد، في هذه الفترة، و«الشعر الحر» الوحيد، الذي يدور حوله الحديث، هو شعر «لافونتين» و«موليير»: فهذا الشعر — ببحوره المتنوعة — يشبه رمزًا لحرية (نسبية) ضائعة، يراد العثور عليها، هكذا نرى «لوجوفيه» يوضح أن في أبيات «بسيشيه» العذبة هذه:

عليَّ أن أسكت عن ذلك، وعليك أن تقوله لي، ورغم هذا فأنا الذي أقوله لك.

تقوم التلقائية ورهافة البوح على حرية بحر الشعر.٧
ونشير إلى أن «لوجوفيه» — في «فن القراءة» — و«كوكيلان» — في «فن إلقاء المونولوج»٨ — قد ساهما في توجيه الأداء نحو البساطة والطبيعية، وبالتالي، في أن يجعلا النبرة المنطقية تهمين على البحر الشعري، «يجب إلقاء الشعر — كما يقول «كوكيلان» — بأكثر الطرق الممكنة طبيعية، مع مراعاة معنى الجملة على نحو خاص وعلامات الترقيم»،٩ ونجد — هنا — هذا الاتجاه نحو الإنشاد «النثري»، إذا جاز القول، الذي شهدنا تطوره في القرن السابع عشر،١٠ والذي يرجع إليه — كما يقول «لوت» — «كل المفهوم الحديث عن النظم وسقوط حساب المقاطع اللفظية، والنظام الكلاسيكي».١١
ومترافقة مع هذا الاتجاه نحو الطبيعية، تمضي فكرة أن البحر السكندري المنتظم — الذي بلغ أوجه في التراجيديات الكلاسيكية — لم يعد قادرًا على إرضاء الروح الحديثة: يكتب «بيسك دي فوكيير» عام ١٨٧٩م: «لم تستخدم التراجيديا سوى الإيقاعات البسيطة، المنسجمة مع الروح الهادئة للمشاهد والمتوازنة جيدًا مثلها، لكن هذه الإيقاعات البطيئة والفخمة قد اضطرت — اليوم — إلى أن تخلي مكانها لإيقاعات أكثر تنوعًا وتعقيدًا، وتبدو — أحيانًا — كأنها تقترب من اللغة الحقيقية للناس»،١٢ اعتراف ثمين يصدر من منظر يدافع عن بيت الشعر ذي الاثني عشر مقطعًا: ففي الفترة البارناسية نفسها، تم إدراك أن نظم الشعر لا يمكن أن يظل وحده بلا تغيير في خضم التحولات والتجديدات التي تمثل القانون الحقيقي للحياة.
وخلال دراسته ﻟ «مشاكل علم الجمال المعاصر»، سيطرح «جويو» على نفسه — هو أيضًا، عام ١٨٨٤م — مسألة «المستقبل وقوانين نظم الشعر»:١٣ «لماذا يظل الإحساس الشعري، مثلما كان في العهود القديمة من التاريخ، مرتبطًا — بالضرورة — بشكل إيقاعي وموسيقي ما؟ وباختصار، هل يحتاج أرقى أنواع الشعر إلى النظم؟» هكذا راح يتساءل:١٤ وواقعة طرح السؤال تمكننا من رؤية الطريق الكامل، ويعيد «جويو» إنتاج الحجج التي روجها أعداء الشعر المنظوم لصالح النثر: فالنثر «يبدو أكثر ملاءمة للتعبير عن أفكارنا الحديثة، المتغيرة إلى هذا الحد»، وهو — من ناحية أخرى — قد اكتسب، في أيامنا، سلاسةً إلى حد «أنه لا يتراجع أمام أية مؤثرات مستبقاة حتى ذلك الحين في الشعر»:١٥ فبامتلاك كل ما أبدعه الشعر، أصبح غنيًّا «بحشد من التعبيرات التصويرية، والكلمات–الصور التي ساهم الأخير (الشعر) في إنتاجها»،١٦ والحقيقة أن «جويو» يؤكد — في ذلك — على أن نظم الشعر ليس إبداعًا مصطنعًا بصورة خالصة، لكنه يمثل الشكل الموزون — بصور طبيعية — للإحساس، ويظل متفوقًا على النثر بفعل الموسيقى والعدد: وهو يقر — رغم هذا — وهو المهم … بأنه ينبغي تحرير الشكل الشعري المتحجر بالفعل والفقير بإفراط: «ففي معنى الحرية يتم كل تقدم بشكل عام: وبهذا المعنى أيضًا يجب أن يتم تقدم نظم الشعر»،١٧ كان الكلاسيكيون تعوزهم الحرية في الإيقاع، والرومانتيكيون، في القافية: «سيكون العلاج في غياب القيود غير الهادفة، وإلغاء القواعد غير العقلانية: الحرية هي الخصوبة».١٨
يتفق الجميع — إذن — على ضرورة تحرير الشكل، لكن التعديلات المقترحة راديكالية إلى هذا الحد أو ذاك: فبالنسبة للبعض، الأكثر محافظة («جويو» و«بيك دي فوكيير»)، يتعلق الأمر — فحسب — بجعل الشعر المنظوم أكثر مرونة، بإلغاء «القيود» غير المبررة، مثل التوقف في منتصف البيت، أو قاعدة تعاقب الصوتين الشهيرة، وبالنسبة لآخرين، الأكثر جرأة، ينبغي أن يكون تحرير الشعر أكثر اكتمالًا، ولنذكر — هنا — البيروفي «ديللا روكا دي فيرجالو» الذي يطالب منذ عام ١٨٨٠م، بالإلغاء التام للوقفة الكلاسيكية، فيما يوصي ﺑ «الوقفة الفيرجالية»١٩ أو المتحركة، بعد المقطع اللفظي الثالث أو الخامس، وأساسًا بالشعر الذي لا وقفة فيه: «هذا الشعر — كما يصرح بعظمة — سيؤسس مدرسة؛ لأن هذا الشعر هو التقدم، هو الإصلاح، هو الثورة»،٢٠ وكان بمقدوره — بتواضع أكبر — أن يجد فيه «الشعر المنثور» ﻟ «سانت–بيف» و«بودلير»،٢١ وأن يقر — أيضًا — بأسبقية «فيرلين» الذي يذكر له، فضلًا عن ذلك،٢٢ «قصائد رومانس بلا كلمات»، التي وجهت — منذ عام ١٨٧٣م — ضربة قاضية للبحر السكندري الكلاسيكي، فبيت الشعر الفيرليني — «بالإرجاءات، والتلاقيات، والجمل الاعتراضية»، على نحو ما سيكتب «ر. دي جورمون» عام ١٨٩٢م — «كان ينبغي بالطبع أن يصبح حرًّا».٢٣
ويحدث أيضًا لفيرلين، لسوء الحظ، أن يضع «الشعر المنثور» — والأفضل أن نقول النثر الخالص والبسيط — تحت مظهر وزني خادع: لا ينتمي ذلك إلى أفضل إنتاجه،٢٤ وكثير من الأمثلة التي ذكرها «روكا دي فيرجالو»:
أعادت جواربها الحريرية بلا مبالاة إلى مكانها٢٥

أو

صنعتُ لنفسي من اليأس عادة٢٦

إنما تنتمي إلى نفس النوع — نوع مزيف ونثري.

ألا يكون، إذن، من الأفضل التخلي — إذا كان الأمر كذلك — عن الشعر لصالح النثر؟ ليس هذا — في الواقع — رأي الطبيعيين وحدهم، الذين حاربهم «جيو» (والذين يلغون الشعر المنظوم والشعر أجمع)، لكنه رأي بعض المنظرين من ذوي الأفكار المتقدمة، فبالنسبة ﻟ «بيرسون» — على سبيل المثال — «لا يعدو نظم الشعر اليوم أن يكون تمرينًا للأدباء، كان له ما يبرره في الماضي لا الحاضر»،٢٧ ما دام قد انفصل — من الآن فصاعدًا — عن الموسيقى، مبرره الوحيد، ومستندًا — مرةً أخرى — على الخطابية البليغة للشعر المنظوم، يعلن «بيرسون» أن «الأشعار الخطابية المنظومة كلها ستتشابه مع النثر الجميل، كلها ستحوز على الإعجاب»،٢٨ وينتهي إلى سمو النثر على النظم: فالنثر — فضلًا عن ذلك — له إيقاعه الخاص به، وما أعظم سلاسته وعفويته بالمقارنة بالأشعار المنظومة: «إن إيقاع الشعر المنظوم مصطنع، أي إنه نتاج الفن، بينما إيقاع النثر طبيعي، ما دام يولد تلقائيًّا من حركة الكلام الحي»،٢٩ كتبت هذه السطور عام ١٨٨٣م: أي إنها تسبق — بقليل — الثورة الشعرية للرمزية، فمن عام ١٨٨٠م إلى عام ١٨٨٦م، يدور البحث والمحاولة والتردد، شيء وحيد هو المؤكد: إن الشعر المنظوم الكلاسيكي شكل بالٍ أنهى دوره، لكن ما الذي سيحل محله؟ لا يطلب الأدباء الشبان الإجابة على هذا السؤال من المنظرين، بل من الشعراء.
فهل نريد أن نعرف كيف نشأ الشعر الحر من خلال أحد البارناسيين؟ لا شيء أبسط من ذلك، مثلما يوضح «هيريديا» إلى «جول هارت»:٣٠ «في البدء نجد قصائد «بودلير» النثرية، التي تمثل «قصائد لم يتمكن من منحها الشكل الشعري، ومثله فعل «مالارميه»، ثم «شارل كرو»، ثم — الأقرب إلينا — صديقهم الذي ينسونه — «جول لافورج»، الذي أضاف إليها سجعًا غامضًا، وبقايا مبهمة لقوافٍ، وأكد على إيقاع هذه القصائد الصغيرة، بحيث أن ما نراه اليوم هو نثر موزون، تقطعه شذرات من النظم، ويقدم بمساعدة حيل طباعية تمنحه مظهر الشعر المنظوم والمترابط تعسفيًّا بكافة المقاييس»، وتقدم هذه الرؤية الهزلية للمسألة — مع ذلك — تسلسلًا دقيقًا إلى حدٍّ كافٍ، وتُرجع إلى «بودلير» — عن حق — أول فكرة حول نثر «موسيقي بلا إيقاع ولا قافية»: الصيغة الشهيرة لشاعر «سأم باريس» التي ستصبح — بالفعل — شعار الجيل الشاب من الرمزيين: رمزيين يحملون شهادة البراءة — مثل «كان» و«ر. دي سوزا»، اللذين ذكرتهما من قبل٣١ — يؤكدون لنا ذلك.
لكن في أعقاب «بودلير»، الذي أصبح إله الكتاب الشبان، كان هناك شاعران، ما يزالان على قيد الحياة، يضعان أسس كنيسة شعرية جديدة، ويجتذبان إليها — وإن يكن لاعتبارات مختلفة — فرقة الرمزيين القادمين: «فيرلين»، الذي قدم عمليًّا — في «قصائد رومانس بلا كلمات» (١٨٧٣م)، ثم «فن الشعر» (١٨٧٤م) — النموذج والقاعدة لنظم شعري جديد، حقق مزية السلاسة وأيضًا التنظيم الوزني في «حكمة» (١٨٨١م)، بوقفات متنوعة، وأبيات مفردة مستخدمة بانتظام، مع أبيات منثورة، وكافة توافقات الإيقاعات التي استخدمها بفن وطلاقة، وبعد أن هاجمته مجلة «نوفيل ريف جوش» — أول متحدث باسم الحركة الوليدة — بدأت تنشر له أشعاره بانتظام،٣٢ وبعد أن أصبحت «لوتيس»، جعلت من «فيرلين» رجلها العظيم، وسينبه «موريا» — في بيان عام ١٨٨٦م٣٣ — إلى أن «فيرلين كان أول من حطم المعوقات الطاغية للشعر المنظوم».
وقرابة عام ١٨٨٠م — أيضًا — بدأ «مالارميه»، في أيام «الثلاثاء» الشهيرة، في تجميع الأدباء الشبان، الذين كانوا — منذ بضعة أعوام — يعلقون بإعجاب على قصائده النثرية وعلى قصيدته «إله الريف»، وإذا ما كان «مالارميه» لم يشاركهم — مباشرة — في حركة تحرير الشعر المنظوم، فإنه قد ساهم — رغم هذا، كما سبق أن رأينا٣٤ — في توجيه الرمزيين نحو مفهوم موسيقي للشعر، بالإضافة إلى أن قصائد النثر، الخاصة بمرحلته الأولى — الأكثر سلاسة من قصائد «برتران»، والأكثر إتقانًا من قصائد «بودلير» — كانت تدعو إلى مساعٍ جديدة في هذا المعنى، وستعيد مجلة «لافورج» نشر «صفحات منسية» لمالارميه في صدر عددها الأول عام ١٨٨٦م (أي قصائد «مالارميه» النثرية الخاصة بعام ١٨٦٧م)، «باعتبارها بيانًا، مثلما قال «ر. دي جورمون».

إنها أشعار «فيرلين» السلسة، وقصائد نثر «مالارميه»: يتردد الأدباء الشبان — حوالي عام ١٨٨٠م — بين هاتين الوسيلتين في تجديد اللغة الشعرية، ولا يمكن، في هذه الفترة، الفصل بين تاريخ قصيدة النثر وتاريخ النظم، إذ إن قصيدة النثر والشعر الحر ينحوان نحو نفس الهدف، عبر طرق مختلفة، ويستفيد كل منهما من الأبحاث التقنية للآخر، وينتهيان — عبر المعارك، والأخطاء — إلى نفس النتيجة، التي كانت محجوزة للرمزيين لينالوها كاملةً ونهائية: تحرير الشكل.

(٢) البحث عن صيغة: «كان»، «لافورج»

واقعة كريجينسكا
في هذه اللحظة، يدور البحث — حسب تعبير «رامبو» — عن «المكان والصيغة»، والمكان — بالطبع — هو الضفة اليسرى، حيث يعقد اﻟ «هيدروبات»، واﻟ «هيرزوت»، واﻟ «زوتيست» الآخرون اجتماعاتهم، وهو — أيضًا — المجلات الأدبية الصغيرة، الصاخبة والعابرة، التي سرعان ما ستنتشر بوفرة، والصيغة في الغالب — بالنسبة لمزاحمي «بودلير»، و«مالارميه» من الشبان — هي قصيدة النثر، لقد تحدث «ج. كان» — مبدع الشعر الحر (هذا ما كان يعلنه دائمًا، على أية حال)، وبابتسام — عن قصائد النثر «الدكة» واﻟ «أم» واﻟ «أبسنت»،٣٥ التي نشرها عام ١٨٧٩م في مجلة «روفي مودرن إيه ناتوريل» ﻟ «توميل وهاري أليس»:
أيها الأبسنت،٣٦ يا أم البهجات، أيها المشروب الروحي اللانهائي، أنت تلتمع في كأسي، مثل العينين الخضراوين والشاحبتين لعشيقتي التي أحببتها في سالف الزمان، أيها الأبسنت، يا أم البهجات، إنك مثلها تترك في الجسد ذكرى آلام غابرة، أيها الأبسنت، يا أم سورات الغضب الجنوني، والسكرات المترنحة.
وقد كتب قصائد أخرى فرض على «مالارميه» أن «يقرأها بشكل شبه دوري»:٣٧ كان «مالارميه» يستمتع تمامًا — فيما يبدو — «بما يسميه طريقةً جديدة وموسيقية تمامًا في معالجة النثر»،٣٨ إنه هو الذي أطلع «كان» على «جاسبار الليلي»، وأعاره نسخته الخاصة به.٣٩
ويبدو أن شعر النثر (شعر «كان» على الأقل) لم يكن مستحسنًا بعد، رغم هذا، في كافة الأوساط، هكذا يحكي «كان» عن فشله في اﻟ «هيدروبات» التي كان «كرو» — رغم هذا — واحدًا من النشطين فيها: «كان «جودو» رئيسًا لهذه الحلقة، و«جرنيه–دانكور» نائب الرئيس، والواقع أن «جرنيه– دانكور»، وهو رجل لطيف للغاية، قد قام ذات ليلة بترك مقعده كنائب للرئيس ليلقي في الحشود المفاجأة قصيدة نثر لي، وغطت سلطته الفشل الذريع لمؤلفي القصير، لقد ورطني «جرنيه–دانكور» — بشكل أبوي — في المحافظة على الجمهور وتعويده على مفهومي للنثر الشعري، شكرته وأرجأت الموضوع٤٠
والطريف أن نسجل أن «كان» قد تلقى التهاني — خلال هذه الجلسة المشهودة — من شخصين: الأول، بالطبع، «شارل كرو»، والآخر، شاب، «يبدو — إلى حدٍّ ما — كقس، شديد اللياقة بالنسبة لهذا الوسط»، هذا الشاب، كما يخبرنا «كان»، «المهتم بهذه السطور القليلة البائسة، الذي سيصبح أفضل صديق فني لي، كان «جول لافورج»،٤١ ويتسم اللقاء بفائدة تاريخية — (يحدده «كان» بعام ١٨٨٠م) — عندما نفكر في أن «لافورج» و«كان» قد عملا، كل من جانبه، على الإعداد لشكل أكثر حرية وانسيابية من الشعر المنظوم القديم، وأنهما سيصلان — عبر طرق مختلفة، وفي نفس الحقبة تقريبًا — إلى إبداع الشعر الحر،٤٢ وبالإضافة إلى ذلك، فمن المفيد لدراستنا — بشكل مباشر — أن نلاحظ أن الاثنين قد اهتما، منذ عام ١٨٨٠م، بقصيدة النثر، وأنهما بدآ منها أبحاثهما حول صيغة إيقاعية جديدة.

(٢-١) جول لافورج

وإذا ما كانت الحياة الأديبة ﻟ «ج. كان» قد انقطعت — بالفعل — حتى عام ١٨٨٥م، بفعل أدائه الخدمة العسكرية، فإن حياة «لافورج» الأدبية تبدأ — على العكس من ذلك — في نفس نهاية عام ١٨٨٠م، بقصيدة نثر، «ثلاثية» — نشرت في ٢٥ ديسمبر في «في مودرن»، بعنوان «المخطوبان في عيد الميلاد»، وها هي السطور الأولى من هذه القصيدة غير المعروفة جيدًا، التي تكشف — رغم تكلف ما في الاستلهام والشكل — البحث عن الموسيقية والإيحاء:

مصراع الباب الأيسر

عيد الميلاد! عيد الميلاد في فردوس الأحلام الصوفية! تهمي تويجات زنبق ثلجية في صمت، في سماء الجمشت الواسعة، مثل زوبعة أبدية من القطن المندوف الرهيف، مثل دفن احتفالي ونهائي لحياة بكاملها، ووسط حديقة كبيرة من الزنبق الشاحب، تنتصب، مشرقة ومضيئة، كاتدرائية من العاج تشق أطرافها المدببة الصقيلة سماء الجمشت، مزينة كلها للعيد، في الضوضاء الصاخبة لأجراسها، إنها تنتظر المخطوبين في عيد الميلاد.

وستنشر بعد ذلك — دائمًا في «في مودرن»، في ٣ سبتمبر ١٨٨١م — قصيدة «حزن القناديل»، التي تحمل الآن عنوان «لافورجيه»، وبصدد هذه الصفحة، يكتب «ا. شاردان» أنها: «تنطوي على كافة الموضوعات الكبرى التي سيطورها فيما بعد: السأم، والغسق، والقمر «بوجهه الجميل المصاب باليرقان»، والفجر وضوضاء الضاحية، وحلم الفراغ ووحدة الجميع»،٤٣ وقد تحددت الآن طريقة «لافورج» في الكتابة، فنرى بزوغ هذا الأسلوب في «التدوينات» («خطوة بعيدة تتلاشى، عربة جياد تسترخي، سكير يصنع مونولوجات»)، مع مزحات معبرة: «كم أشعر بالضجر! ما الذي فعلته إذن كي أنغرس في هذا الحي القذر بدلًا من موضع آخر!» وأيضًا «ثغرات» شعرية مفاجئة، مثل استدعاء مشعل القناديل و«قبلة النجمة التي ترتعد في المشعل».
وفي قصائد «شكاوى» — المكتوبة عامي ١٨٨٢م و١٨٨٣م، حيث يتدرب «لافورج»، وهو يعمل على صياغة لغة شعرية شخصية، «على التوافقات الوزنية والمقطعية الأكثر تنوعًا»٤٤ — لا نجد سوى قصيدة نثر واحدة، «الشكوى الكبرى لمدينة باريس»، التي توصف بأنها «نثر مرسل prose blanche»، ويعود تاريخها إلى أغسطس ١٨٨٤م، قصيدة تكعيبية قبل الحالة النهائية، مثلما يصرح «روشون»، حيث كل شيء مدون فيها «بلا رابط منطقي، مع السعادات التافهة للاوعي»،٤٥ والنعت «الانطباعي» قد يلائم — بشكلٍ أفضل، فيما يبدو — هذه السلسلة من الإشارات الموجزة، بلا أفعال، المرمية مثل لمسات يعيد تجاورها تكوين «اللون» الخاص بالمدينة الكبيرة، وكان «فيكتور هوجو» قد استخدم — في «فن أن تكون جَدًّا» — هذا النسق في الإشارات السريعة، المبتورة، لترجمة جلبة من الانطباعات الصوتية:

صدامات، ضجيج، وبناءو الأسطح يسيرون فوق المنزل، ضوضاء الميناء، صفير الماكينات الساخنة، موسيقى عسكرية تصل في هبات

جلبة في رصيف الميناء، أصوات فرنسية، شكرًا، صباح الخير، وداعًا.٤٦
والواضح — رغم هذا — أن أسلوبًا كهذا ينتمي إلى النثر بأكثر من انتمائه إلى الشعر المنظوم، بإيقاعه المنتمي المصنوع بشكل أفضل لترجمة الانطباعات المترابطة، المنسقة، ونتذكر المأثورات التي يستخلصها «رامبو» — أحيانًا — من هذا الأسلوب الرصدي، ومن هذه الانقطاعات المفاجئة،٤٧ و«لافورج» — (الذي لم يكن بمقدوره، وقتئذٍ، أن يعرف «رامبو») — يستوحي، عن قصد تمامًا، أسلوب الإعلان، مثلما سبق لهويسمان أن استخدمه في قصيدة «وسواس»،٤٨ ويلعب على مفتاحي الكلام المنمق والرمز.

أيتها العشائر الطيبة التي تنصت إليَّ، إنها باريس، بما فيها شارونتون، منزل مشيد في … للإيجار. ميداليات إلى كافة المعارض والبيانات، إيجارٌ أبدي، ساحات للمباهج بالجملة والقطاعي من كل المقاسات، موردو تراخيص ركام العظمة.

ورغم هذا، فما من تلقائية هذا الأسلوب، فهنا — كما في اﻟ «شكاوى» الأخرى — يطمح «لافورج» إلى تحويل لغة مألوفة — وسوقية عن قصد — إلى مادة فنية، ألفاظ جديدة، نعوت أو تشبيهات غير متوقعة، استعادات للإصاتات: إن لغة «لافورج» هي نفس لغة اﻟ «شكاوى» المنظومة شعرًا ولغة في «أخلاقيات أسطورية»، لكنها أكثر إتقانًا، ولنحكم من هذا اﻟ «مقطع»:

لكن الصفوة المتعذر اقتلاعها، من أين؟ إلى أين؟ بيوت من الأبيض: مضخات شهوانية، بيوت الحداد: كآبات ضغائن بالطلب، والضواحي المتبناة، تربة عضوية فاسدة، أحصنة هزيلة ترعى، حطام أواني المطبخ، شقفات، نعال، بمظهر جانبي على أفق المتاريس والمطر! ثلاث ممسحات على الطريق المضيء إلى الغرفة ذات السقف الواطئ: كلب ينبح كرة في السماء، ومن الأركان الديرية، أجراس نافية لعلامات الرفع، مناظر غروب لمصورين مائيين مميزين، أو لنقاشين في حالة تصفية، عبقرية بسعر المصنع، وهؤلاء الشبان يتدربون على لوائح ذاتية وصياغات عبثية، بسجائر عبثية، كم تنقضي الأربع والعشرون ساعة سريعًا مع الصفوة الرصينة.

كل شيء موجود: الألفاظ الجديدة، من خلال الاشتقاق (ديري، نافية)، واﻟ «عدوى»،٤٩ وخاصة (شهوانية، كآبات، علامات رفع غاضبة)، والنعوت المثيرة للدهشة (الصفوة المتعذر اقتلاعها، الضواحي المتبناة) التي تهدف — كذلك، فضلًا عن صدمة الصور أو المفردات — إلى توليد انطباعات مختلطة، شائهة التحديد، أكثر من توليد أفكار يمكن صياغتها بوضوح، والمزج الدائم للنغمات والمصطلحات المستمدة من كافة الأساليب، وأخيرًا تكرار الكلمات في «صياغات عبثية وسجائر عبثية»، أو الإصاتات الرنانة: haridelles أحصنة هزيلة، vaisselles أواني المطبخ، semelles نعال، أو المظهر النظمي الزائف في الجملة الأخيرة: Que les vingt-quatre heures vont vite à la discrète élite كم تنقضي الأربع والعشرون ساعة سريعًا مع الصفوة الرصينة!» لا شك أنها لغة متقنة تمامًا — (ونمنع أنفسنا من أن نقول «منمقة») — تزعجنا إلى حدٍّ ما بفعل إبهارها واللعب الدائم بالكلمات، لكن ينبغي أن نطبق على هذا النثر ما يقوله «ج. كان» في حديثه عن «أخلاقيات أسطورية»:٥٠ «تذكروا أن الأستاذ الذي سيطر — وقتئذٍ — على النثر كله كان «فلوبير»، وأنه كان ينبغي البحث، كل من ناحيته، عن صيغة لا تمتلك هذا الجمال القاسي، وهذا اليقين العنيد، وهذا المطلق المزعج في الوضوح للتعبير عن الأفكار الجديدة المعقدة التي كانت قد حانت ساعة ميلادها في الأدب»،٥١ والخلاصة أن «لافورج» — قبل السيرياليين — «يفكك» الأسلوب، ويحل محل الجمال «الشرس» والقطعي شكلًا مفتوحًا متغيرًا، في حالة تحول دائم.
وفي نصوص «كائنات مائية Aquarium»، المنشورة في العدد السادس من «لافوج» (٢٩ مايو– ٣ يونيو ١٨٨٦م)، سيتمكن «لافورج» — باستخدام جمل طويلة جدًّا، غير عضوية تقريبًا، تمتلئ باسم الفاعل والمفعول — من الإيحاء بالتقلبات الغامضة لحياة أولية، حياة «ساكنة ومحصورة، وغير متخلصة تمامًا من اللاشعور»، كما يقول «روشون»:٥٢ أورد هنا نص «لافوج» شديد التنقيح والتركيز من أجل الدخول إلى «سالومي»:٥٣

لكن أخيرًا، وعلى امتداد البصر، مروج مرصعة بالأكتين الأيبض، وبصل خصب في وقته، أبصال من مخاط، بنفسجي، أطراف من الأمعاء شاردة هنا، الواقع يستعيد لنفسه وجودًا، بقايا سارياته تنظر خلسة إلى المرجان أمامها، ألف خراج بلا هدف واضح، — نباتات جنينية وديرية، تحرك بشكل اهتزازي الحلم الأبدي الهضمي بالوصول إلى أن نتهامس ذات يوم بتهاني متبادلة حول حالة الأشياء هذه …

ولكن منذ هذه الفترة يهرب «لافورج» من قصيدة النثر — بحصر المعنى — في اتجاهين مختلفين: النثر، الشعري والحر تمامًا، في «أخلاقيات أسطورية» (١٨٨٧م)، والشعر الحر، الذي سنراه يتوصل إليه، في نفس الوقت مع «ج. كان»، منذ عام ١٨٨٦م، وسيتجه نحو الشعر الحر انطلاقًا — من ناحية — من الشعر المنظوم، بتفكيكه لتقريبه من النثر،٥٤ وبالانطلاق — من ناحية أخرى، كما يبدو — من نثر متقطع في «آيات» تتزايد قصرًا: وسأعود — فيما بعد — إلى هذه القصيدة العجيبة — «بوبو»، نصف نثر، ونصف شعر حر — التي سينشرها «لافورج» في ١٥ أكتوبر ١٨٨٦م في «سيمبوليست»: إنه يوجه فيها حرية الشكل وتهجين الأنواع نحو حدهما الأقصى.
وفضلًا عن ذلك، سنرى الكثير من الشعراء، المنطلقين في إثر «بودلير»، والمهتمين بالإيقاع، يجاهدون — حسب تعبير «دوجاردان» — من أجل «ضغط النثر للتوصل إلى إيقاع الشعر المنظوم»،٥٥ وإذا ما كانت صيغة «برتران» تبدو بالغة الصرامة، فإن إفراط ارتخاء البودليري أمر مدرك أيضًا: من هنا، تكمن قصائد النثر هذه التي تنحو نحو الشعر المنظوم نفسه، أحيانًا، في التوزيع الطباعي، وهو ما يقودنا إلى أن نذكر، في أعقاب «دوجاردان»، الواقعة المصورة «كريجينسكا».

(٢-٢) واقعة كريجينسكا

«ماري كريجينسكا» هي هذه الشاعرة ذات الأصول البولندية، التي ادعت أنها — كي نتحدث بطريقة «منديس» — «القديسة جان– باتيست في مدرسة الشعر التحرري»،٥٦ ويبدو أنها قد تولت «المبادرة في هذه التجديدات النثرية» منذ عام ١٨٨٢م، تلك الفترة التي نشرت خلالها عدة قصائد في «شا نوار»، وعندما نشرت هذه القصائد في ديوانها «إيقاعات مصورة» عام ١٨٩٠م، راحت تشكو بمرارة من خداع الشعراء الرمزيين، الذين لم يذكروا حتى اسمها «عندما كانوا يرصدون مجموعتهم التأسيسية»،٥٧ وقد تمادت في الكلام في هذا الموضوع إلى حد أن عددًا من النقاد٥٨ اعتبروها «مبدعة» الشعر الحر، «العذب والباروكي في لعثمة، والملائم — على وجه رائع — للشاعرات اللاتي كثيرًا ما يكون كسلهن مرادفًا للعبقرية …»،٥٩ مثلما يصرح «راشيلد» — بأقصى درجات الجدية — في «ميركور دي فرانس».
لكن الجانب الطريف، والمفيد أيضًا، في الحكاية، هو أن «ماري كريجينسكا» لم تكتب أبدًا شعرًا حرًّا عامي ١٨٨٢-١٨٨٣م، «فمن دراسة هذه القصائد — على ما يقول «دو جاردان»— لا نستخلص سوى نتيجة واحدة، إنه ليس شعرًا حرًّا، إنه قصيدة نثر — وعادية تمامًا …»،٦٠ وقد كانت هذه القصائد مطبوعة — بالفعل — في فقراتٍ قصيرة تمامًا، تشكل — إذا شئنا — نوعًا من الآيات، مصحوبة بلازمات على الطريقة البارناسية، وهو ما يفسر أن «كان» — في حديثه، فيما بعد، عن قصيدة «بومة» التي نشرت في «روفي مودرن» في ٢٦ مايو ١٨٨٣م — قد رأى أنها «قصيدة من الشعر الحر، أو المطبوعة بهذا الشكل، قصيدة نثر أو شعر حر، حسب الرغبة»،٦١ ولنحكم في ذلك من بداية «بومة»:
إنه يحتضر، الطائر المصلوب على الباب.
وجناحاه المفتوحان مسمران ومن جراحه تسَّاقط ببطء لآلئ دم كبيرة مثل الدموع.
إنه يحتضر، الطائر المصلوب!
فلاح له نظرة مرحة أخذه هذا الصباح، وهو مشدوه تمامًا بفعل شمس قاسية، وسمره على الباب.
إنه يحتضر، الطائر المصلوب!

لكن، ها هي التفصيلة الأكثر طرافة: فلأن «ماري كريجينسكا» أرادت أن تضاعف من تدعيمها لنظريتها عن الشعر الحر الذي «اخترعته» منذ عام ١٨٨٢م، فقد أعادت نشر المقطوعة المسماة «سيمفونية من الرمادي» في «إيقاعات مصورة»، بعد نشرها في «شا نوار»، في ٤ نوفمبر ١٨٨٢م … لكن بعد إدخال فراغات وشرطات فيها، والعودة إلى أول السطر بعد كل جزء من الجملة، وكي نقدم فكرةً عن هذا العمل الصغير في التقطيع، ها هي بداية المقطوعة، في شكلها الأول:

لم تعد هناك أضواء محتدمة على السماء المثقلة، التي تبدو أنها تحلم في أسى.
والأشجار، بلا حراك، تكتسي في البعيد بدانتيللا رمادية.
وعلى السماء التي تبدو أنها تحلم في أسى، لم تعد هناك أضواء متقدة.
وفي الهواء الرمادي، تسبح السكينات، والانقيادات والاضطرابات.
ومن الأرض المذعورة تصَّاعد ضوضاء غريبة، فوق إنسانية.
لغة قبلانية غير مسموعة إلا من الأرواح اليقظة.
السكينات، والانقيادات والاضطرابات تسبح في الهواء الرمادي.

وها هو الشكل الذي تتخذه المقطوعة في «إيقاعات مصورة»:

لم تعد هناك أضواء محتدمة على السماء المثقلة،
التي تبدو أنها تحلم في أسى.
والأشجار، بلا حراك،
تكتسي في البعيد بدانتيللا رمادية.
وعلى السماء التي تبدو أنها تحلم في أسى،
لم تعد هناك أضواء محتدمة.
في الهواء الرمادي تسبح السكينات،
والانقيادات والاضطرابات.
ومن الأرض المذعورة تصَّاعد ضوضاء غريبة، فوق إنسانية،
لغة قبلانية غير مسموعة
إلا من الأرواح اليقظة.
السكينات، والانقيادات والاضطرابات
تسبح في الهواء الرمادي.
إنه ادعاء غريب بالتأكيد، وما يثبت وجود نقص يثير القلق في السمع والذائقة، هو تصور إمكانية «صنع» أبيات حرة بتقسيم كل جملة — بهذه الطريقة — إلى جملتين، فعندما تلجأ «ماري كريجينسكا» إلى هذا التقسيم الثنائي، تبدو وقد نسيت تمامًا أن الشعر الحر، في مبدئه، يرفض التعدي (إلا لخلق بعض المؤثرات الخاصة)، وينبغي أن يشكل وحدةً معينة، وطبقًا لتحديد «كان» الشهير، الذي يستعار كثيرًا، فإن البيت الحر هو «أقصر الأجزاء الممكنة التي تشكل وقفةً في الصوت ووقفة في المعنى»،٦٢ فأثناء تأمله ﻟ «بيت»:
الأشجار، بلا حراك،
يصيح «دوجاردان» باستياء متهكم: «هل يمكن أن نتخيل أن هذه الكلمات الأربع٦٣ تشكل بيتًا؟»،٦٤ والخلاصة أن لدينا برهانًا حقيقيًّا (من خلال العبث) يثبت أن الشعر لا يصنع بتجزئة جملة نثرية إلى شرائح، كيفما اتفق.
وبعد ما ذكرناه، فلنعترف أن محاولات «ماري كريجينسكا»، (ولهذا توقفت أمامها طويلًا)، تسمح لنا — رغم هذا — بأن نتبين التماثلات بين أنساق قصيدة النثر وتلك التي سيستخدمها الشعر الحر فيما بعد، ولا يبدو موضع شك — بشكل خاص — أن يكون الشعر التحرري قد انقاد إلى استخدام بعض مؤثرات «الاستعادات» الإيقاعية، وبعض «التوزيعات الأوركسترالية» للصوتيات، عبر محاولاته في قصيدة النثر بالتحديد، وسأعود إلى هذه المسألة، عندما سأقارن — فيما بعد — بين التقنيتين،٦٥ ولنكتفِ — في هذه اللحظة — بأن نسجل أن الباحثين عن صياغات جديدة — حتى حوالي عام ١٨٨٥م — قد توجهوا صوب قصيدة النثر.

(٣) رواج قصيدة النثر «بالعكس»

بانفيل، ريشوبان
أصبحت قصيدة النثر بالفعل، من عام ١٨٨٣م حتى عام ١٨٨٥م، الشكل المفضل — أكثر من أي وقت مضى — لدى الشعراء الشبان، فبعضهم يجذبهم فيها البحث عن احتمالات إيقاعية جديدة، والآخرون تجذبهم الرغبة في ترجمة ظلال جديدة وأكثر تعقيدًا، و«نبضات روح بالغة الحساسية»،٦٦ وكلهم يرون فيها «لذة ممنوحة إلى المرهفين، متاحة لهم وحدهم»،٦٧ وبالنسبة لهؤلاء الشبان، الذين يقضون وقتهم في السخرية من اﻟ «برجوازي»، والتباهي بأنه لا يفهمهم، أليس ذلك ثناءً جميلًا؟ «أكثر مما يمكن للشعر أن يكونه، فإن قصيدة النثر ترعب اﻟ Homais الذين يؤلفون الجانب الأكبر من الجمهور»، كما يكتب «هويسمان» إلى «مالارميه» في نهاية عام ١٨٨٢م، متحدثًا عن اﻟ «أتون» الذي كانته «تخطيطات باريسية»،٦٨ و«هويسمان» نفسه هو الذي سيقدس قصيدة النثر عام ١٨٨٤م، باعتبارها أكثر الأشكال قدرة على إرضاء المولعين بالفن: «من بين كل أشكال الأدب، كان شكل قصيدة النثر هو الشكل المفضل ﻟ «دي إيسانت»،٦٩ «دي إيسانت» المرهف، هاوي الأحاسيس النادرة، ومحب الجمال الباحث أبدًا عن الأشكال الفنية المستحدثة، ولا شك أن قصيدة النثر قد وجدت نفسها مرتبطة — هكذا — بمظاهر الانحطاط المختلفة، وخاطرت بأن تبدو ثمرة غريبة ذات مذاق شاذ لحضارة آفلة،٧٠ ولا أعرف إلى أي حد شعر «مالارميه» — الذي قُدمت قصائده باعتبارها من «روائع قصيدة النثر» (مجاورة — في المختارات الخيالية لدي إيسانت — لمقتطفات من «جاسبار الليلي»، و«كتاب اليشب» و«صوت الشعب» لفييه) — بالإعجاب بنفسه وهو يصف أسلوبه بأنه «أسلوب فاسد»٧١… ومع ذلك، فالحقيقة أن البحث عن النادر، والغريب، واﻟ «مائع»، سرعان ما سيقود شعراء النثر والنظم إلى مبالغات عجيبة: ألن تحمل أول جماعة أدبية وليدة اسم «انحطاطيون»؟
وستثير اهتمام الجمهور بأشكال الأدب الجديدة دراسات «فيرلين» عن «الشعراء الملعونين»، التي نشرت في «لوتيس» في نهاية عام ١٨٨٣م، ثم أعيد جمعها في كتيبات نشرها «فانييه» عام ١٨٨٤م، ومن بين الكتاب الثلاثة الذين تناولتهم الدراسة — «كوربييه» و«رامبو» و«مالارميه»٧٢ — سيكون «كوربييه»، قبل «لافورج»، أول من حطم وفكك بيت الشعر، باعتباره ناظمًا وعروضيًّا، لا يمتلك شيئًا مكتملًا، أي مضجرًا»،٧٣ والثاني، كشاعر متنوع، لو صح ذلك،٧٤ قد انطلق من الشعر الموزون والبارناسي إلى «السجع» و«الجمل الطفولية والشعبية» ﻟ «إشراقات» في شعر منظوم:٧٥ «نجم عنه عروضي مثير للدهشة»،٧٦ ويلمح «فيرلين» — بأسف — إلى نص «كان يحتوي على صوفيات غريبة» (أهو النص الشهير «صيد روحي»؟) وإلى «سلسلة من المقاطع الرائعة، «إشراقات»، التي نخشى أن تكون قد فقدت إلى الأبد»٧٧ (نعلم أن الفضل يعود إلى «كان» ومجلة «لافوج» في العثور على «إشراقات» ونشرها عام ١٨٨٦م)، وأخيرًا الثالث، «مالارميه» الذي يلقي، على ما يصرح «فيرلين»، بتحدٍّ حقيقي لذائقة الجمهور، «البورجوازيين»، فيما يتعلق بالاستسهال: «ينبغي أن نحبه (أو نكرهه) بعنف»،٧٨ ومع ذلك، لا يذكر «فيرلين» من «مالارميه»، في مديحه، إلا الشعر المنظوم، ويمكننا أن نشعر بالدهشة عندما يلمح إلى تفضيله لأعمال «مالارميه» اللغوية وترجماته لبو، على قصائده النثرية: فقصيدة «قبل الأخيرة» — التي اطلع عليها «فيرلين»٧٩ — كان يمكنها، مع ذلك، أن تضع اللمسة الأخيرة لشاعر صعب بهذه الشخصية المتعالية، التي سيدرجها مقال «شعراء ملعونون» في المجد بشكل نهائي، على أية حال، لدى الكتائب الشابة، وبالفعل، سيصبح «كوربييه» و«رامبو» و«مالارميه» و«فيرلين» — نفسه — نتيجة لهذه المقالات المؤثرة، «ملهمي وأساتذة الأجيال الجديدة … فقد اندلع تأثيرهم، الممتد كذرات بارود، كلعبة نارية، وحول — بين عشية وضحاها — العمل الأدبي»،٨٠ هكذا، دفعة واحدة، يتجدد الأفق الشعري وجماليات الشعر.

(٣-١) قصائد نثر «بانفيل» و«ريشوبان»

يكمن الدليل الحاسم على أن الساعة قد حانت لشكل جديد، وأنه لم يعد من الممكن — من أجل التعبير عن الحياة والحساسية الحديثتين — استخدام نفس بيت الشعر المرمري إلا لوصف الكارباتيد٨١ الأثري، فيما يقدمه لنا بارناسيان، على خطى «بودلير» من قصائد النثر.
«بانفيل» (من كان سيصدق ذلك؟)،٨٢ «بانفيل» الذي سبق أن أعلن عام ١٨٧٢م أن قصيدة النثر لا وجود لها،٨٣ سيستخدم هذا الشكل — بالذات — كي ينسج، في «الفانوس السحري»، لوحات ذات «حداثة جذابة»،٨٤ بل أكثر من هذا: يعترف بأن النثر ليس عنصرًا غير متبلور يسهل — دائمًا — تحويله، بل هو شكل فني له قوانينه الخاصة به، وليس من السهل إجادته:
تطويع / النثر شاق أحيانًا:
أكنتن تعرفن ذلك، أيتها الباريسيات الجميلات؟
محرومًا من الوزن بقوانينه العاشقة،
لم يعد في الإمكان ترويض الكلمات المتمردة،
والمضايقات تأتي في مواكب.٨٥
هذه المقطوعات المائة والعشرون الموجزة، التي يستدعي فيها «بانفيل» كلًّا من «برتران» و«بودلير»، تستلهم — بالفعل — كلًّا منهما: لقد قدم «برتران» التصويرية، و«الصفات المتوهجة»،٨٦ التي تستخدم — على سبيل المثال — في وصف رجل الشرطة ﺑ «حمالات السلاح الصفراء، اللامعة مثل الزهور»، وشاربه «ثائر ومتيبس شبيه بمكنسة من شعر الذنب»؛٨٧ وقدم «بودلير» الفكرة العامة للديوان، حيث تسود «اللوحات الباريسية»، التي تصف «العالم الصغير» للشارع، واﻟ «فقراء» واﻟ «أرستقراطيين»، عالم المشروعات وعالم الغزل، وأكثر من موضوع مُستمد منه مباشرة: فقصيدة «حاسة الشم» — في المقطوعات المخصصة ﻟ «الحواس الخمس» — هي، على سبيل المثال: معارضة، أو — بالأحرى — صورة شخصية لبودلير، ما دمنا نرى «الشاعر»، بعد رحيل «جين الطويلة والهيفاء»، «عشيقته السوداء»، جامدًا في تأمله، «سرعان ما قاده حلمه نحو البحر الرهيب، يرى الحبال وصواري السفن مرفوعة في سماء كثيفة الزرقة، إنه يستنشق بلذة النسيم المشبع برائحة القار».٨٨
ومن بين نجاحات «بانفيل» النادرة — لأن «الحداثة» تقوده، في أغلب الأحيان، إلى النثرية — سأذكر «الجزيرة المسحورة»، ذات النغمة البودليرية تمامًا أيضًا، لكنها تبشر الآن — بالإضافة إلى ذلك — ﺑ «المشاهد الطبيعية المجازية» للرمزيين:
ثملين برؤية الرخام والظلال، المكتسية بالساتان، وجالسين مع عشيقاتهم بالقرب من النهر الكئيب الشفيف، ينسى العشاق الشاحبون، الرازحون تحت وطأة الوجد، المداعبات والقبلات، ويستمتعون — في شهوانية — بالحزن الهائل للفرح، وبعيدًا، يسمعون أحيانًا همسات خافتة، وأغاني هامدة، ونحيبًا مخنوقًا، وقرقعة أسلحة مبهمة، هناك الحياة، والكفاح، والوطن، لكنهم، العشاق الأسرى لسعادتهم، كيف يمكنهم الاهتمام بالأعياد والمعارك، ما دام بينهم وبين باقي الرجال ينتصب جبل شاهق وعر، يضيع في اللازورد؟ ورغم هذا، ففي أعماق أرواحهم يدركون حقًّا أنهم إذا ما ساروا هناك بشجاعة، فإن الجبل سينهار وسيتبدد في السحب، لكنهم يفضلون أن يرغموا أنفسهم على الاعتقاد بأنه يستعصي على التخطي، ومثلما في المهاوي المفتوحة، يغرقون أفكارهم ورغباتهم في حدقات Cidalises الباعثة على الدوار، حيث يجول غبار كواكب غير منظور، ناعس ونائح.٨٩
وفضلًا عن ذلك، ستصدر «تخطيطات» ريشوبان الباريسية — التي جمعها في «لوبافيه» عام ١٨٨٣م — عن ميول طبيعية، مشاهد طبيعية، وأنماط، وذكريات، مثلما يراها واحد أقل فنية من «هويسمان»: نعثر هنا على تأثير «سأم باريس»، الذي يقود نحو قصيدة النثر كل كاتب يبحث عن رسم الحياة المدينية والحديثة، لكن هل يمكن الحديث حقًّا عن قصائد بصدد هذه النثريات الثرثارة، ذات النثر المسطح («إنه لمرعب هذا الكم من الوحوش، في باريس!»)،٩٠ إذ إنه لا يكفي — للوصول إلى القصيدة — إعادة جملة البداية في نهاية النص، مثلما يفعل في «الجالسون»، الذين نراهم جامدين على مقاعدهم، «في مناخ مرهق، وفاسد، كثيف، حيث تطبخ على مهل الرائحة القديمة والعفنة للأوراق القديمة والسطور المريبة، والحلقات الجلدية، ومؤخرات السراويل»،٩١ هل كان «ريشوبان» على علم بقصيدة «رامبو» (الجالسون)، التي نشرها «فيرلين» في «لوتيس»، في ١٢ أكتوبر ١٨٨٣م؟٩٢ فإذ يرفع «رامبو» من البيروقراطي إلى مستوى القبح الملحمي، يتورط «ريشوبان» في أخدود الواقعية الطبيعية، أما الدراسات التي تختتم الديوان: «باستيل» و«قلم فحم» و«ألوان مائية» و«رسم مطبوع» و«رسم بالطباشير الأحمر» … إلخ، فإنها تشهد على اضطراب آخر، يتمثل في الرغبة في الرسم داخل الشعر، ها هو مجرى مائي ينفلت من أعماق رواق مظلم، مثلما يقول «ريشوبان»، مجرى «يشبه عمود ضوء، ومن بعيد، لم نعد نرى سوى الأسود وقد قطعه هذا الأبيض الساطع»،٩٣ أو: ها هو هرقل ما وكرسيه الأحمر «يرتفع في اللازوردي مثل دراسة بالطباشير الأحمر على ورق أزرق»،٩٤ رؤى فنان تشكيلي، لا رؤى شاعر! أو — إذا فضلنا — وصف، لا إيحاء، ونتذكر تصريح «مالارميه» الشهير: «تسمية شيء، هي إلغاء ثلاثة أرباع متعة القصيدة المجبولة من الكشف بشكل غير محسوس، الإيحاء به، هو الحلم»،٩٥ ويستحق «ريشوبان» الحكم القاسي الذي أصدره «مالارميه» — قبل ثمانية أعوام — على البارناسيين: «إن البارناسيين يأخذون الشيء بشكل تام ويكشفونه: من هنا ينقصهم الغموض»،٩٦ والمؤكد أنه ليس ثمة غموض مطلقًا في نثر «ريشوبان» مثلما في أشعاره …

(٤) المجلات الصغيرة

مجموعة «فونتين–كوندرسيه»، المجموعة البلجيكية
ينبغي — في الواقع — البحث عن الوجه الحقيقي لشعر التحول، لهذه الفترة، في المجلات الصغيرة، إلى حدٍّ ما، مثلما كنا نرى وجه الرومانتيكية وهو يتجلى في المجلات الشابة لفترة ١٨٢٠–١٨٣٠م، ويرجع ذلك لسببين، الأول، هو أن المجلة — بصيغتها نفسها — تستجيب لكافة الأنواع، وكل التجارب وكل الأشكال الجديدة أو الهجين: فمن بين الأشكال المختلفة، نرى فيها توالد كل هذه النثريات الوصفية إلى هذا الحد أو ذاك، التي تتخذ عناوين من قبيل «وقائع»، أو «أشياء مرئية»، أو «تخطيطات»، أو «دراسات»، تشدها قوانين جاذبية خفية نحو القصيدة، وتحت تأثير «سأم باريس» (دائمًا!) نرى تضاعف «التخطيطات الباريسية»،٩٧ و«التصميمات الباريسية»،٩٨ ونستطيع أن نقوم بتقديم قائمة كاملة لهذه الموضوعات المدينية: أتوبيسات، شوارع رئيسية،٩٩ مهرجو العيد،١٠٠ أراغن نقالة …١٠١ التي تشكل — عندما نتصفح الأعداد القديمة من المجلات — اللوحة المبرقشة، والتصويرية، الشعرية أحيانًا، لباريس هذه الفترة، وسأكتفي بذكر بداية واحدة من وقائع «لوران تايلاد»، المكتوبة بين عامي ١٨٨٠م و١٨٨٥م، لمجلة «باننيير دي بيجور» الصغيرة،١٠٢ وتتخذ من حديقة لوكسمبورج إطارًا لها:
مطرة على مطرة، إنها تمطر و«في اللوكسمبورج، فردوس العالم هذا»، تبكي أشجار الكستناء نجومها البيضاء الضائعة مثل باقة أوفيليا، نجومها الجامحة، التي ترقص الفالس في منتصف الأحواض، وتنفش عصافير الدوري ريشها تحت الأغصان، بينما الأميرات الرخاميات، المتصنعات الثلجيات، ينظرن إلى السماء الرمادية بعيونهن اللامبالية، ويغرس حزن خريفي في القلب همَّ الأفراح القديمة، ويعمق فينا ألم الشيخوخة، رغم هذا، فقرب المساء، عندما ينقطع وابل المطر وينشق الضباب، يتبدى ركن من اللازورد، يطير الحمام البري، وتعبر ثياب فاتحة، ومن بين الحفرات المتقاربة، تتقافز — مثل عصافير — الأقدام اللطيفة للباريسيات اللاتي يرتدين ثياب الربيع …١٠٣
وحتى في الفترة التي ستفضل فيها الرمزية الظافرة أن تشرد بخيالها نحو «توليه»١٠٤ بعيدة، فسيظل هذا النزوع إلى باريس الحكائية — التي تُشاهد أحيانًا في أكثر مظاهرها واقعية، وأحيانًا في مظهر أسطوري١٠٥ — دائمًا مفعمًا بالحيوية لدى كتاب النثر، إنها قصائد، مثلما سيقول «مالارميه» فيما بعد عن مقالات الوقائع هذه، معلنًا أنها «رائعة والشكل المعاصر الوحيد لأنها مفعمة بالأبدية».١٠٦
وثمة سبب آخر يفسر — رغم هذا — لماذا تتلقى المجلات الصغيرة عددًا كبيرًا إلى هذا الحد من قصائد النثر: فهي — ولا ننسَ ذلك — أدوات معركة ضد الامتثالية١٠٧ في الفكرة أو التعبير، وهي — في نفس الوقت — نوع من المعامل التي يتم فيها البحث عن صياغات لخيمياء شعرية جديدة، ولا يعني هذا أن النثريات المنشورة في مجلة «نوفيل ريف جوش» الصاخبة — التي وجه مصيرها «ليو ترزينيك» — ذات قيمة أدبية كبيرة! إن «فيكتور ماكليش» و«شارل موريس» يعتبرانها — بشكل خاص — أوعية ملائمة يخلطان فيها الوصف، بالتأملات الفوضوية إلى هذا الحد أو ذاك١٠٨ — وبطبيعة الحال — تذكيرات بودلير،١٠٩ فيما ينمق «إميل ميشليه» — في تلاعبات إيقاعية بارعة — الرهافة الشكلية لقصيدة النثر البارناسية،١١٠ وعندما ستتحول مجلة «نوفيل ريف جوش» إلى مجلة «لوتيس»، في أبريل ١٨٨٣م، فلن تكتسب مفخرةً كبرى من النثر الذي سيعهد به «فيرلين» لها: تأملات عن نفسه،١١١ أفكار عن «نابليون»،١١٢ أو عن «هوجو»،١١٣ أو عن أي شيء، وكما سيقول «فيرلين» نفسه عند جمع هذه النثريات في كتاب: «سيضم حكايات، أفكارًا، سخريات عديدة، بعضًا من الأدب، كل شيء وعن كل شيء»،١١٤ إنه مثال مزعج للسهولة التي تقدمها «الرابسودية» البودليرية.
وفي المقابل، يمكننا أن نقرأ في «روفي اندبندانت»، في ديسمبر ١٨٨٤م، أول مشاهد طبيعية ﻟ «بواكتوفان»، هذا الكاتب العجيب، وريث الأخوين «جونكور»، الذي سيكون من أوائل من سيوظفون — عن قصد — نثرًا «فنيًّا» وانحطاطيًّا في شكل تخطيطات قصيرة في خدمة انطباعات مرهفة، وهكذا، فإنه يشبِّه القمر في «بحر الشمال» ﺑ «قربة بالية بشكل كبريتي»، ويتحدث عن قرية «غسقية»، وعزلات «ذات ترجيعات منحرفة»،١١٥ أبحاث في اللغة، كما يبدو، «كانت تثير فزع الباقين من آل جونكور»؛١١٦ ولهذا السبب، سنجد صورة هذا الكاتب مرة أخرى، ذلك الكاتب الذي فكر فيه «هويسمان» عندما رسم صورة «دي إيسانت»، الذي سيعتبره الرمزيون أستاذًا لهم، والذي يعتبر نثره — عل ما يقول «مارتينو» — ذا أهمية بلا نظير في تاريخ الرمزية،١١٧ ولنلاحظ فحسب — هنا — أنه نشر في عام ١٨٨٤م أول سلسلة من هذه اﻟ «أحلام»١١٨ التي نجح في أن يصنع فيها، كما سيقول «ش. موريس»، «إشارات واهية لما يستعصي على الإدراك».١١٩
وفي اﻟ «شا نوار»، الصحيفة الوحيدة التي يمكن فيها قول الحقيقة المباشرة والكاملة عن «العُمد الأقوياء في الأدب، الذين يخضعون تمامًا»، كما يقول «ليون بلوي»،١٢٠ تغدق فرقة الكتاب — المثيرة للاضطرابات، التي تضم، بشكل دوري، صاحب الخمارة «سالي» — الشتائم الفكهة إلى هذا الحد أو ذاك، والنداءات إلى الثورة، وتضاعف قصيدة النثر، كل شيء موجود في هذه «القصائد»: حكايات،١٢١ وأشياء مرئية،١٢٢ وقصائد غنائية،١٢٣ وترجمات،١٢٤ واقعية وجونكورية وبودليرية، كثير من «نثريات صغيرة بلا شعر»،١٢٥ وأحيانًا، وهو ما يحدث، قصيدة نثر أصيلة، ونشعر رغم هذا — عبر هذه المحاولات غير المنظمة — برغبة صادقة في العثور على صيغة فنية جديدة، ويلتمع اسما «شارل كرو» و«مالارميه» في فهرست «شا نوار» كمنارتين.١٢٦
لكنها مجلة من بروكسيل، اﻟ «باسوش»، هي التي ستوجه — اعتبارًا من نوفمبر ١٨٨٤م — معاداة الشباب للامتثالية نحو موقف أكثر أدبية، ففيها نجد عينةً حقيقية للتوجهات الجديدة في قصائد النثر، إن اﻟ «باسوش» هي المجلة التي تسيطر عليها مجموعة «فونتان–كوندورسيه»، المسنونة حديثًا من المدارس الثانوية وقتئذٍ — إذا جاز القول — ما دام أعضاؤها لم يتعدوا العشرين من عمرهم: «فونتينا»، و«كيَّار»، و«دارزين»، و«غيل»، و«ميخائيل»، و«ميريل»،١٢٧ وإذا ما كان «فونتينا» و«كيَّار» ينشران قصائد ذات طريقة كلاسيكية تمامًا، فإن الآخرين كانوا أكثر ثورية بكثير: فمن يونيو حتى أكتوبر ١٨٨٥م، يعرض «غيل» نظريته على امتداد هذه الفترة في المجلة، تمهيدًا ﻟ «بحث في الكلمة»، التي سيرد الحديث عنها فيما بعد، هل يعتقد حقًّا، مثلما يقول، أنه صاغها في شكل «قصيدة نثر»؟١٢٨ مصطلحٌ متعسف تمامًا لتحديد مذهب أدبي، مهما بلغ الأسلوب من تعقيد وتفخيم، لكن «أتحبون قصيدة النثر؟ لقد وضعوها في كل مكان»، مثلما يمكن القول في هذه الفترة، فدارزين وميخائيل وميريل يغرسونها حقًّا: «دارزين» في فقرات متكلفة بائسة في آن، رغم سوء استخدام مزعج لحروف البدايات، حروف البدايات هذه التي ستصبح، لدى الرمزيين، «عادة» طباعية حقيقية،١٢٩ و«ميخائيل» بالمجاز البارع، والتعبير المتكلف إلى «حدٍّ ما، والمتشائم الآن في «محل اللعب»،١٣٠ و«ميريل»، الذي سيصبح — فيما بعد — واحدًا من المخلصين لمجموعة «غيل» «الأوكسترالية»،١٣١ ﺑ «فانتازيا محاكية للأصوات»، «آلات البيانو»، حيث يتبدى نزوعه إلى التناغم المقلد:
ترتجف الملابس، ترتجف، ترتجف، وتصطك، تصطك، تصطك، وأنابيب الأرغن تركض وتعدو، وتدمدم، إلى أن ينهكها الشلال المدوم للصرخات، تهدأ آلات البيانو الكبرى في زقزقة صغيرة.١٣٢
وبالإضافة إلى جماعة «فونتان–كوندورسيه»، نجد في — اﻟ «باسوش» — مجموعة هامة من الشعراء البلجيكيين، «جوفان»، و«لومونييه»، و«شيناي»، ويمكننا — بالفعل — أن نقول، مع «ج. ميشو»، أنه في حوالي عام ١٨٨٠م، «انشطرت نواة نشاط الآداب الفرنسية»:١٣٣ فبلجيكا ستساهم بنصيب بالغ الفاعلية في الحركة الرمزية، وإذا ما كان صحيحًا أن «الأدب البلجيكي قد تجاوز المراحل بسرعة، ليعبر — في أقل من عشرة أعوام — خط السير الكامل للقرن التاسع عشر الفرنسي»،١٣٤ فلماذا نندهش من أن شعراء عام ١٨٨٠م، الذين جرفهم حماسهم، كانوا في طليعة الحركة الأديبة؟ وفيما يتعلق بالشكل، فإن نصيبهم كان ينبغي أن يكون ذا أهمية أولى: فعندما لا يستوقفنا ثقل تراث عريق وروائع أدبية تجسدت فيها عبقرية أمة، فإننا نقفز بلا صعوبات خارج القواعد والصياغات المتوارثة عن الأجيال السابقة، وأول شاعر للأمة البلجيكية الناشئة، سليلة نضالات عام ١٨٣٠م، هو «فان هاسيلت»، وجد أنه من الطبيعي تمامًا — في مؤلفه «دراسات إيقاعية» (١٨٦٧م) — أن يتبنى الشعر الفرنسي النظام النثري للغات الجرمانية، ولم يهتم إطلاقًا الكاتب الفلمندي «دي كوستيه» والفالوني «بيرميز» — اللذان حياهما جيل ١٨٨٠م من الأدباء الشبان باعتبارهما رائدين لهم — بإخضاع نثرهما لقوانين أحد الأنواع المعروفة: ففي نثر قديم، تصويري، وشرس، يكتب «دي كوستيه» سلسلة من اللوحات أو المشاهد الجدارية، مشكلًا أسطورة «نيل أويلينسبيجل»،١٣٥ ويخلط «بيرميز» — في كتب لا تخضع لأي تصنيف١٣٦ — اعترافات أحلام اليقظة بالتأملات، بوصف يخترقه كله الشعور ﺑ «رمزية الأشياء»،١٣٧ وشعراء الجيل التالي بدورهم، مثلما سيقول «ليون ديشان» فيما بعد، «قد رحبوا بالاصطلاحات الأدبية الجديدة باعتقاد راسخ وساعدوا عليها، واستكملوها أحيانًا»،١٣٨ والمدهش أن نلاحظ أن الرؤساء «ليمونييه» و«فيرهارين» و«موكيل» و«ميترلينك» قد مارسوا كلهم — في بداياتهم — سواء قصيدة النثر أو أشكالًا وسيطة بين النثر والشعر المنظوم:١٣٩ بعبارة أخرى، لقد بحثوا عن التحرر من التمييز التقليدي بين النظم، كمجال للشعر، والنثر، كمجال للفكر المنطقي، ولديَّ الاستعداد تمامًا للاعتقاد بأن الشعراء البلجيكيين — الذين وجدوا الشعر الفرنسي مصابًا بالأنيميا، وأسير صياغات جاهزة، ويزعجه في مجاهدته للتحرر شبح مائة عام من النظم الكلاسيكي — لم يساهموا كثيرًا في حقنه بدم جديد، وفي تحريره من الطغيان الشكلي.
لقد قدم «كاميل لومونييه»، «الوكيل» الحقيقي ﻟ «الأدب المتجول بين باريس وبلجيكا»،١٤٠ إلى مجلة «باسوش»، في فبراير ١٨٨٥م، قصيدة نثر نصف وصفية، نصف فلسفية، ذات نبرة بودليرية تمامًا، ويعود تاريخها إلى عام ١٨٦٩م،١٤١ لكن مؤلفه «نثريات أولى»، الذي ستنشره «والوني» عام ١٨٨٩م، يرجع تاريخه إلى عام ١٨٦٥م:١٤٢ وهذه النثريات واقعية بوضوح،١٤٣ وتبدو تمهيدًا للروايات التي كتبها «لومونييه» في الفترة الطبيعية، طبقًا لجماليات «زولا»، وإذا ما أخذنا بالاعتبار — فضلًا عن ذلك — هذه الرواية الشعرية التي ستحتفل — (بعد عام ١٨٨٠م)، مع الغنائية — بالطبيعة البدائية، «ذكر» و«الجزيرة العذراء» و«في قلب الغابة الغض»،١٤٤ فسنرى أن نثر «لومونييه» يستجيب ويترجم كافة الاتجاهات الأدبية.
والواقع أن «لومونييه» — وهو كاتب جامح، تصويري، تجرفه أحيانًا نشوة لفظية حقيقية — لم يكن يمتلك حريته — (شأنه شأن «هويسمان» الذي يذكرنا به أحيانًا بثراء أسلوبه وطريقته التصويرية) — في الإطار الضيق لقصيدة النثر، وحقيقة أن «مارشال الآداب البلجيكية»١٤٥ قد اختار — في بداياته — أن يسجنها في إطار اللوحات الصغيرة ذات أهمية بالفعل؛ لانها تكشف لنا القيمة الفنية التي كان يمنحها لها، وعلى النقيض، سيتمكن «جوفان» و«شينييه» — اللذان يظهر اسماهما في فهارس اﻟ «باسوش»، ويعاودان الظهور في المجلات الرمزية١٤٦ — من معالجة «دراسات صغيرة»، و«انطباعات» أو «أحاسيس» هاربة،١٤٧ أو — أيضًا — خرافات قصيرة تخترقها الآن رمزية مطنبة،١٤٨ في نفس هذا الإطار.
وسيساهم «جوفان» و«شينييه» أيضًا في «جون بلجيك»، التي أسسها «ماكس والير» عام ١٨٨١م، والتي كانت قبل أن تجابه الشعر الحر باعتبارها لسان حال البارناسية والرجعية،١٤٩ تضم، في بداياتها، على النقيض من ذلك، الشعراء الشبان المعادين للطبيعية السائدة والطامحين إلى فن جديد، هنا أيضًا نشرت عدة قصائد نثر، بدءًا بقصائد «ماكس والير»، ويدهشنا — هنا — نزعتان، النزعة الفلمندية نحو «التخطيط» التصويري، بألوانه القاتمة،١٥٠ والنزعة الفالونية نحو تأملات أحلام اليقظة، حيث نشعر بالمشاركة مع روح الأشياء:١٥١ «روح الليل دخلت أرواحنا!» كما يكتب «ماكس والير»،١٥٢ إن الشعراء الفالونيين رمزيون سلفًا — بسبب حالتهم الذهنية — قبل الحالة النهائية، فهل ينبغي أن نضيف أن الفلمنديين — إذا ما كانوا تلاميذ «برتران» بطريقتهم التصويرية — فإن الفالونيين يستخدمون بنجاح النثر البودليري الأكثر تموجًا، ذلك الذي يتوافق مع «تموجات أحلام اليقظة»؟

لم تعد بعيدة الساعة التي سيرحب فيها «لومونييه» — في مجلة «سوسيتيه نوفيل»، (التي تم تأسيسها عام ١٨٨٤م، والتي ستصبح، مع اﻟ «فالوني»، واحدة من معاقل الشعر الجديد في بلجيكا) — بقصائد النثر التي سيكتبها «فيرهارين» اعتبارًا من عام ١٨٨٦م، لكن قبل الوصول إلى هذا العام الحاسم، أود الإشارة إلى مؤثر آخر لم يكن أقل فاعلية — خلال هذه الحضانة البطيئة لكافة بذور الثورة الشعرية التي كان لها أن تؤدي به في النهاية إلى إثارة الأزمة الرمزية — في تقنية الشعر كما في الأفكار الجمالية، أود الحديث عن تأثير «فاجنر».

(٥) الموسيقى وتأثير فاجنر

النظريات الأوركسترالية
كلما ورد الحديث عن الحركة الرمزية، لم ينسَ أحدٌ أن يوضح — عن صواب بالغ — ما تدين به إلى الموسيقى، فقد شدد «برونتيير» — ببصيرة نافذة، منذ عام ١٨٩٠م — على التوجهات «الموسيقية» للشعراء الشبان، وباستعارات مستمدة من المفردات ذاتها التي كانوا يستخدمونها، أظهر تطور الأدب الذي اتخذ الآن أساليب الموسيقى، بعد أن كان معماريًّا ومركبًا في العهود الكلاسيكية، وتصويريًّا بعد ذلك في القرن التاسع عشر (بما في ذلك البارناسية): «إن تطوير مسألة ما — الآن — قد أصبح تطبيقًا لتنويعات على موضوع ما، ولم نعد نمر من فكرة إلى أخرى بفعل الانتقالات، بل بفعل سلسلة من التغييرات»،١٥٣ وكانت رؤيته صائبة تمامًا عندما ذكر أن الرمزيين إنما يسعون — بشكل خاص — إلى أن يضعونا في «حالة روحية»، «عميقة وتستعصي على التعريف، موحى بها، لا مفروضة»، مثلما تفعل الموسيقى،١٥٤ لكنه — لأنه لم يتوغل في عمق الأشياء — فلم يرَ سوى الغموض والإيهام في الشعر الجديد، وأعلم أن «فن الشعر» لفيرلين، بدا صالحًا كحجة له، وأن «هويسمان» قد عرف الشعر — في إجابة له ضمن استقصاء أجراه «ليو دورفيه» — بأنه «شيءٌ غامض مثل موسيقى تسمح لنا بالتحليق بعيدًا، فيما وراء السجن الأمريكي الذي تجعلنا باريس نعيش فيه»،١٥٥ لكن إذا ما كانت مجموعة من الرمزيين («سامان»، على سبيل المثال)، تستند على «فيرلين» في البحث «عن الموسيقى قبل أي شيء»، في دفقات شعورية غامضة، وفي لغة شبه متلعثمة، تحتشد باللانهائي واللامحدود، فإن مجموعةً أخرى، أكثر أهمية، تعبر — مع «مالارميه» — عن رغبتها في «استعادة كل شيء من الموسيقى»،١٥٦ وهو مطلب ذو طابع ثقافي أكثر مما نعتقد عادة،١٥٧ وإذا ما كان الرمزيون قد تبنوا نظريات «فاجنر» — بكل هذا الحماس — فيكمن السبب، بالتحديد، في أنها تستجيب لبعض من حاجاتهم الثقافية والجمالية.
ولنعلم أن «فاجنر»، المنقذ ومثار السخرية — كثيرًا — في عهد «بودلير»، كان قد بدأ، رغم هذا، في التأثير، لا على عقول الموسيقيين فحسب، بل — أيضًا — على عقول الأدباء، وخاصة بعد نشر «دراما موسيقية» ﻟ «شوريه» عام ١٨٧٥م، لكن تأثير «فاجنر» لم يكن من الممكن أن يمارس بطريقة خصبة حقًّا إلا على الأذهان المهيأة لتلقيه، التي كانت — بمعنًى ما — تتطلبه: لهذا؛ فإن العهد الأدبي «الفاجنري» الكبير يعود تاريخه إلى عام ١٨٨٥م، العام الذي تأسست فيه مجلة «روفي فاجنريين»، وقد حكى «دوجاردان»١٥٨ كيف ولدت فكرة «روفي فاجنريين» في بيروت وميونيخ، خلال العروض التي تلت وفاة «فاجنر»،١٥٩ لم يكن هدف «لاروفي فاجنريين» — كما يكتب — هو نشر المؤلفات الفاجنرية، مثلما اعتقد البعض، بل الوعي بها وإدراك مغزاها العميق، وكي نتكلم دون ذكر فروق دقيقة، فقد أردنا — أنا و«شامبرلان» — نشر اكتشافنا: هل «فاجنر» موسيقي كبير؟ المسألة بديهية تمامًا، لكن «فاجنر» كشاعر كبير، «فاجنر» المفكر الكيبر، لا سيما «فاجنر الخالق لشكل فني جديد».١٦٠
ولن أشرع — هنا — في عرض تفصيلي لكافة أفكار «فاجنر» عن «الدراما الموسيقية»، وعن الوحدة الحميمة بين الشعر والموسيقى للتعبير عن الدراما على الصعيد الثقافي والانفعالي في آن، بطريقة تؤثر في «كلية» الطبيعة الإنسانية، في العقل كما في الحساسية، وفي الكائن اللاشعوري»،١٦١ وفي أطروحة «جرانج وولي» (السطحية للغاية)، وفي الفصول التي خصصها «ميشو»١٦٢ لهذه المسألة، سنرى كيف أن هذه الفكرة حول توليفة من الفنون من أجل فن شامل، وأيضًا فكرة اللجوء إلى أساطير رمزية للوصول إلى «الإنسان الأبدي»، قد استعادها، وتمثلها الرمزيون من خلال اهتمامهم بمحاولة العثور — عن طريق الرمز — على الوحدة الأساسية للكون. أود — هنا — الاكتفاء بلفت الأنظار إلى مظهر خاص وأقل شهرة لهذا التأثير: أعني الطريقة التي قاد بها «فاجنر» الفرنسيين، من خلال موسيقاه ونوتاته ونظرياته الفنية، إلى إدراك الشكل الشعري بطريقة أكثر تنوعًا وحرية.
ولا شك أن «فاجنر» قد «خلق لغة موسيقية جديدة»:١٦٣ وذلك أحد أسباب عدم الفهم الذي لاقاه طويلًا، لقد تحرر — بشكل خاص — من التخطيطية الصارمة للإيقاع، والرسم الشديد التحديد للجملة (من خلال «لحنها اللانهائي»)، بل — في أغلب الأحيان — والنظام النغمي الكلاسيكي، ولا شك أن مستمعًا — من هذه الفترة — كان له أن ينصدم بالحريات التي اتخذها مع الشكل الرباعي الإيقاعي: فكيف نندهش إذا ما استلهمه الشعراء لتحطيم الشكل الرباعي العروضي، ولتمزيق هذا البحر السكندري الأحمق الكبير بصورة نهائية؟ وإلى «فاجنر» تعود اهتمامات «دوجاردان» الأولى بتحريرية الشعر المنظوم: «لقد قلت لنفسي، مبكرًا جدًّا، أنه يجب أن يتجاوب مع الشكل الموسيقي الحر لفاجنر، شكل شعري حر، بعبارة أخرى، فما دامت الجملة الموسيقية قد نالت حرية إيقاعية، فينبغي أن ينال الشعر حريةً إيقاعية مماثلة»،١٦٤ وشهادة «موكيل» أكثر دلالة أيضًا: فلأنه نفر «من الخرير الثقيل والممل للبحر السكندري»، فقد اقترح على نفسه أن «يجدد الشعر موسيقيًّا»، تحت تأثير بضعة موسيقيين كبار: «إن البحر السكندري يزحف على قوائمه الاثنتي عشرة، ويترابط عند منتصف البيت، على نحو نشبهه ببنية «الجملة» القديمة للموسيقيين — المجزأة على ثمانية أوزان والمقسمة إلى جمل اعتراضية — هذه الجملة العروضية التي حطمها «فاجنر» إلى الأبد»؛١٦٥ ولأنه لم يحقق نجاحًا ذا بال في جهوده لتأليف «سيمفونية منظومة من أربعة عشر وخمسة عشر قدمًا تتناوب مع نثر موزون» — وهو مفهوم مرعب في فجر عام ١٨٨٦م! — أخذ يبحث «في معنى قصيدة النثر، كما يقول، ساعيًا إلى أن يجمع بحرية بين الإيقاعات والإصاتات»: من هنا، ستخرج الدراسات التي ستنشرها اﻟ «فالوني» عام ١٨٨٧م، التي سأعود إليها.
وسيعقد «مالارميه» — عام ١٨٩١م — هذه المقارنة بين تطور الشعر وتطور الموسيقى: «لقد تلا الألحان السابقة، المحددة تمامًا، ما لا يحصى من الألحان الهامشية التي تثري النسيج دون أن نشعر بالوزن بهذه الدرجة من الوضوح»،١٦٦ هذه الألحان المهشمة، التي يشكل تضافرها «سيلًا لحنيًّا مستمرًّا»١٦٧ يرجع التموجات والتعقيد المؤثر للحدث والمشاعر، ألا يستطيع الشعر المنظوم، المهشم بدوره إلى «ما لا نهاية له من العناصر»١٦٨ أن يحاكي تأثيره الإيحائي؟ ونعلم أن «مالارميه» — تحت التأثير المزدوج للموسيقى الفاجنرية والأشكال الشعرية الجديدة: شعر حر وقصيدة نثر — سيقوم، عام ١٨٩٧م، بمحاولة في هذا الاتجاه في «رمية نرد»،١٦٩ محاولًا — على ما يقول «بوازا» — أن ينقل إلى الأدب أحد الإجراءات الأكثر براعة في الموسيقى الحديثة، التي تتمثل في إدخال «جملة–لازمة» في تكوين أوركسترالي»،١٧٠ ومحاولة من هذا النوع تستدعي — بالتأكيد — الشعر الحر، أو النثر، الأكثر مرونة أيضًا: فقد سعى «دوجاردان» — هو أيضًا، في النثر الموزون، ثم في الشعر الحر — إلى تحقيقي «توزيع أوركسترالي أدبي»، على نحو ما كان يقال وقتئذٍ:١٧١ ومنذ عام ١٨٨٦م، في قصيدته النثرية «إلى مجد أنطونيا»١٧٢ — كما في الأسطورة المسرحية «أسطورة أنطونيا» بعد ذلك — تتشابك جمل قصيرة وتستعيد وتكرر العناصر، لتنتهي إلى خلق نوع من الخلفية الصوتية، وسيتحدث «مالارميه» — في مقاله عن «أسطورة أنطونيا» — عن هذا النسيج القابل للتحول والمتموج»، الذي يمكن أن نرى فيه «عودة إلى الصنعة الفاجنرية»، وسيشير إلى أن شعر «دوجاردان» سيئول — «بالنسبة لأذن غير خبيرة، أحيانًا، إلى نثر».١٧٣
وفضلًا عن ذلك، فلم يؤثر «فاجنر» على الشعراء الشبان من خلال موسيقاه فحسب، بل أيضًا بنوتاته الموسيقية، نوتاته هذه التي نستمع إليها اليوم بلا انتباه (والأسوأ أنها في ترجمة فرنسية …): وهو خطأ جوهري من وجهة نظر «فاجنر»، ما دام الكلام والقصيدة يمثلان الجانب الذهني من الدراما، وما دام المفهوم الدرامي الفاجنري كله يستند على وحدة الشعر والموسيقى، وعلى انصهارهما في الدراما،١٧٤ و«فاجنر»، الذي لا يملك ما يكفي من الكلمات للاحتجاج على «سطحية: وتفاهة نوع الأوبرا»،١٧٥ كان يرى أن على الشاعر أن يؤلف «بروح الموسيقى»،١٧٦ وأن يستبعد — لهذا — كافة الكلمات الطفيلية أو الخالية من المحتوى الانفعالي: هو نفسه — (ولا شك أنه كان عاجزًا عن العمل طبقًا لنوتة موسيقية أخرى) — كان يؤلف نوتته طبقًا لمنهج شخصي تمامًا، ففي قصائد «فاجنر» — مثلما يقول لنا «دوجاردان» — «كل شيء موجز في بضع كلمات محددة، قوية، موحية، تقريبًا أحادية المقطع دائمًا، مستمدة من أكثر مصادر اللغة أصالة»،١٧٧ ألم يعلن بحماس — في «روفي فاجنريين»، منذ عام ١٨٨٧م — أن «قصيدتي «ذهب الراين» وWalcüre جميلتان إلى حد الاكتفاء الذاتي، وجميلتان كمؤلف أدبي وبشكل مطلق»؟١٧٨ ففاجنر يبحث — بالفعل — عن «الكلمات–القمم»، الألفاظ الأساسية أو الصياغات الآسرة، «إنه يخلق الكلمات ويعود إلى جذور اللغة، ويلجأ إلى المحارفة وإلى مؤثرات إيقاعية معقدة»،١٧٩ و«الإحساس والنظام الطبيعي للانطباعات يحددان — بالنسبة له — بنية دائرة الكلام بشكل أكثر فاعلية مما يفعله التبرير النحوي،١٨٠ ولا شك أن شعرًا كهذا، مكونًا من أبيات قصيرة ليست مقفاة دائمًا، قد ساهم — في كثير من الأحيان — في تشكيل الشعر الحر، وهو ما سيتم عرضه بلا شك في يوم ما، وفيما يتعلق بقصيدة النثر، نرى — بلا مجهود — كيف انقاد المترجمون، والكثير منهم شعراء — بإزاء الاستحالة الواضحة لترجمة «فاجنر» في شعر كلاسيكي — إلى حفز أبحاثهم في اتجاه نثر موقع، معبر وموجز، لقد حفز «فاجنر» الشعراء الشبان على «استخدام أداة الأفكار المجردة، اللغة، بطريقة تؤثر على الحساسية نفسها»،١٨١ وسيجتهد الكثيرون للوصول إليها (مثل «فاجنر» نفسه) من خلال المجازفة، ويذكر «دوجاردان» — بتهكم — الترجمة «الأدبية والحرفية» التي قام بها عام ١٨٨٥م مع «شامبرلان»، للمشهد الأول من «ذهب الراين»، كان يمكن أن نقرأ فيها أشياء من هذا القبيل:
قبيحة، ناعمة، — جليد زلق! كم أنزلق! — أيادٍ وأرجل — لا أثبت ولا أتماسك — مسير لاعق مجرى سيل رطب — تملأ أنفي».١٨٢
ومن ناحية أخرى، سيعترف «شامبرلان» — منذ عام ١٨٨٧م — بأن «فاجنر» يستعصي على الترجمة،١٨٣ ولم يكن بمقدور الترجمات، والقصائد والمسرحيات المستوحاة مباشرة من مسرحيات وقصائد «فاجنر» أن تكون روائع أدبية عظمى:١٨٤ قد يرجع ذلك لافتقارها إلى العنصر الأساسي، الموسيقى، التي تستطيع بمفردها — وفقًا لذهنية «فاجنر» — أن تمنح المقاطع اللفظية قيمتها التعبيرية الكالمة، ويبقى — مع ذلك — أن الشعراء الشبان قد انقادوا إلى تحدي بعضهم البعض فيما يتعلق بالتصورية،١٨٥ والرغبة في أن يخلقوا لأنفسهم لغة شعرية مختلفة عن اللغة العادية، وأن يروا في الشعر «موسيقى انفعالية من المقاطع اللفظية والإيقاعات».١٨٦
ولا يفتقر إلى الفائدة أن تعلم — بالنسبة لتاريخ قصيدة النثر — أن نظريات «فاجنر» نفسها قد نقلها الشعراء الشبان إلى مجال الأدب الخالص، تم ذلك بتشويهها بطبيعة الحال: ومثلما أكدت «إيزابيل دي ويزيوا»، كان برنامج المساهمين في مجلة «روفي فاجنريين» ذا سمعة فاجنرية على نحو خاص:١٨٧ ففي حين أراد «فاجنر» أن يصنع تركيبةً من اﻟ «فكرة» واﻟ «انفعال»، بالترابط الوثيق بين الشعر والموسيقى،١٨٨ زعمت مجموعة «دوجاردان» أنها تتطلب من الأدب وحده «ترجمة أفكار، والإيحاء بانفعالات هذه الأفكار في نفس الوقت»، وذلك — في آنٍ — باستخدام المضمون الثقافي للكلمات وموسيقى المقاطع اللفظية، «التي تمثل المصاحبة الموسيقية للفكرة»،١٨٩ وهنا — بالتحديد، كما سيقال — تكمن خصوصية كل شعر في التأثير علينا من خلال قيمة الكل التعبيري والموسيقي للكلمات، فكل قصيدة «حلٌّ وسط compromis بين اللعب بالكلمات واللعب بالأصوات»،١٩٠ لكن ينبغي الإشارة — هنا — إلى أنه، بالنسبة لويزيوا — المنظرة الرسمية ﻟ «الفن الفاجنري» — يمكن لشعر «مؤلف ببراعة إثارة الانفعال الشامل» — (مثلما هو الحال مع شعر «مالارميه»، كما تقول هي) — مع ذلك، بل بشكل أفضل — أن يجد نمطه التعبيري في النثر:
يمكن التعبير بالفعل عن موسيقى الكلمات بنفس الوضوح، وبشكل أكثر شمولية، بواسطة النثر: نثر موسيقي وعاطفي تمامًا، امتزاج حر، امتزاج متناغم من الأصوات والإيقاعات، متنوع بلا حدود طبقًا للحركة المحددة لظلال العاطفة.١٩١
ومن بين أساتذة النثر، تذكر «ويزيوا» كلًّا من «ميشليه» و«رينان»، وبشكل خاص «فييه دي ليل–آدام»: كفاجنري، متحمس و«ساحر الكلمات»، كان «فييه دي ليل–آدام» أول من أدرك «أن الشعر، لأنه موسيقي، ينبغي أن يتحرر من الأشكال الضيقة التي سجنته فيها التقاليد …» ولهذا «أسند إلى النثر المقدرة على خلق العاطفة بواسطة التسلسل الصوتي للإيقاعات والمقاطع اللفظية»،١٩٢ والخلاصة أن مجلة «روفي فاجنريين» قد شرحت «فاجنر» وفكرته عن الفن الكلي من خلال «فييه» و«مالارميه»:١٩٣ وبينما يوضح «دوجاردان» أن الأدب، والفن التشكيلي، والموسيقى، يجب أن يكونوا فنونًا «خاصة — بحصر المعنى — فيما يتعلق بلغاتها، لكن كلًّا منها قابل لإثارة العواطف العامة»،١٩٤ تحلم «ويزيوا» بأدب تركيبي يمكنه أن يجمع بين مزايا كافة الأشكال الأدبية، وتتخيل «فاجنر» يقول للأدباء: «روايتكم لن تكون وصفًا، ولا تحليلًا نفسيًّا، ولا موسيقى لفظية: ستكون مفعمةً بالحيوية، من خلال اتحاد كافة هذه الأشكال».١٩٥
والطريف أن نرى — بتأثير «فاجنر» — ميلاد هذه الفكرة عن فنٍّ تركيبي، يؤدي دائمًا إلى نفس النتيجة: لا ينبغي للأدب — أبدًا، بعد ذلك — أن ينقسم إلى «أنواع» منفصلة، رواية، مسرح، شعر، ينبغي أن يصبح فنًّا كليًّا، فكريًّا وعاطفيًّا في آن، ومثلما سيلاحظ «شارل موريس»، فثمة ركيزة أخرى للأدب «الفاجنري»؛ إذ «تنحو الأنواع القديمة — أكثر فأكثر — إلى الامتزاج في العمل الفني المكتوب، الفريد والجوهري»،١٩٦ والمهم أن نرى جيدًا أن ذلك يقودنا — مباشرة — إلى تركيب للأشكال التعبيرية، إلى «المزيج الجوهري للنظم والنثر المتآزرين لتحقيق نفس التأثير الوحيد»،١٩٧ وسيعبر النثر عن الأفكار، فيما سيوحي النظم بالعاطفة، أما النثر الموقَّع — (الذي سيمنحه الرمزيون — ظلمًا — وعلى رأسهم «موريس»، اسم «قصيدة النثر») — فسيفيد ﮐ «انتقالة توافقية»،١٩٨ وستتاح لنا الفرصة لنرى نحو أية مؤلفات كان ينبغي أن تقود إليها هذه الرغبة في التوفيق — بصورة متجانسة — بين إمكانيات التعبير الأدبي المختلفة، للترجمة والتوصل إلى «الأبدي الإنساني»،١٩٩ وبشكل شامل، مثلما أراد «فاجنر»، ولنقل — منذ الآن — إنه لا يمكن إدراك محاولات الرمزيين وقصائدهم المتجاوزة أحيانًا، ومفرطة الطموح التي تمزج كافة أشكال التعبير، إن لم نضع في الاعتبار هذا التوق إلى خلق شكل فني تركيبي.
وهو ما نتبنيه، ففاعلية «فاجنر» في الأدب الفرنسي الشاب مركبة وعميقة، ولا شك أن الشعراء الشبان «الفاجنريين» — بدلًا من أن يمنحوا أهميةً متساوية إلى الموسيقى والشعر — قد رأوا في «الشعر» الفن الأرقى، وفي «الكتاب» المسرح المثالي الداخلي،٢٠٠ ورغم هذا، فبفضل «فاجنر» أثروا مفهومهم للشعر، الذي أرادوه حرًّا، وإيحائيًّا، وتركيبيًّا، فالفن — كما يدركه الرمزيون — ينبغي أن يكون «تركيبة حية»٢٠١ توحد «كل مظاهر الحياة في تعقيداتها»: فكرة فاجنرية تمامًا، تؤدي — أيضًا — إلى إلغاء «الأنواع» الأدبية، وإلغاء الفصل القائم بين النثر والشعر، وإذا ما كان الرمزيون قد اعترفوا بشرعية كافة أشكال التعبير: الشعر الموزون، والشعر الحر، وقصيدة النثر، وإذا ما كانوا قد طمحوا إلى توحيدها؛ فذلك لأنهم وعوا — عبر «فاجنر» — المهمة الملقاة على عاتقهم: العثور على الوحدة الأصلية، وحدة الإنسان، ووحدة العالم، وأن يخلقوا — عبر جهد التركيب — مؤلفًا واحدًا تمامًا، متناغمًا ومترعًا تمامًا للتجاوب مع هذه الوحدة الكونية.

(٥-١) النظريات الأوركسترالية

تمثل النظرية «الأوركسترالية» الشهيرة ﻟ «رينيه غيل» إحدى التطبيقات الأولى لأفكار «فاجنر» في الأدب، منذ عامي ١٨٨٥-١٨٨٦م، وإذا ما صدقنا «غيل» نفسه،٢٠٢ فإن الحدث الأدبي الكبير لعام ١٨٨٦م لم يكن، مثلما يمكننا الاعتقاد، اكتشاف الشعر الحر، أو نشر البيان الرمزي، بل نشر بحث في الكلمة، حيث يستعيد الشاعر الشاب والمتحمس نظريته عن «شعر–موسيقى» إيحائي وتركيبي، التي سبق عرضها في مقالات بمجلة اﻟ «باسوش» عام ١٨٨٥م، وهو يشبه محاولته — صراحة — بمحاولة «فاجنر»:

بالنسبة لمؤلَّف واحد لا يدرك من الجمال الأدبي العبقرية كلية الرؤية إلا بقدر ما يرمز، ويووحد وينظم كافة التعبيرات الفنية الطبيعية والمصفاة وقد نظمها بمهارة: إنها انتصارات «فاجنر» التي أعلنت عن هذه المهمة الأطلسية.

بالنسبة لمؤلف واحد وضخم في الرموز، في شعر أوركسترالي، فيه العلامات كلمات، توحيد وضياع للأشعار، بليغ، تشكيلي، تصويري، كلها أيضًا بالصدفة: إنه حلمي.٢٠٣
كيف يمكن — إذن — توزيع قصيدة أوركستراليًّا «لتصبح» مقطوعةً موسيقية حقيقية، موحية بشكل لا نهائي»؟٢٠٤ هذا ما يوضحه «غيل» في فصل حول «توزيع الآلات»، أهداه إلى «ف. بواكتوفان»: والأمر يتعلق بالقيام بخطوة إضافية على خطوة «رامبو»، الذي رأى التوافقات الموجودة بين الحروف المتحركة والألوان: «إذا كان من الممكن ترجمة الصوت إلى لون، فيمكن ترجمة اللون إلى صوت، وإلى رنين آلة على الفور، الاكتشاف كله يكمن هنا»،٢٠٥ هكذا تصبح القياثر — بالنسبة لغيل — بيضاء، والكمانات زرقاء، والنايات صفراء، بينما «الأراغن السوداء تمامًا تنوح»،٢٠٦ بذلك، يقيم لوحةً من التوافق بين:
A، أسود والأراغن،
E، أبيض والقياثر،
I، أزرق والكمانات،
O، أحمر، والآلات النحاسية،
U، أصفر والنايات.
سيكفي الشاعر — إذن — أن يختار «الكلمات التي يتعدد فيها «في أغلب الأحيان — الحرف المتحرك الرئيس المطلوب»،٢٠٧ لإصدار الرنين الملائم للأحاسيس أو الأفكار التي يريد التعبير عنها: والواقع أن «غيل» يربط كل حرف متحرك وأداة فحسب، بل — أيضًا — بإحساس ما: E يعبر عن السكينة، وI عن العاطفة، وO المجد، والانتصار … إلخ، فإذا ما كتبت قصيدةً طبقًا لهذا المنهج فستكون «موسيقى من الكلمات الموحية بصور ملونة، دون معاناة من شيء! فلنتذكر، الأفكار»،٢٠٨ ولا شك أن الحروف الساكنة مُصابة — هي أيضًا — بقيمة «آلاتية».٢٠٩
ولا أزمع هنا مناقشة نظريات «غيل» الآلاتية:٢١٠ فنحن نرى — بدرجة كافية — كيف أن نسقًا كهذا هو — (باسم دقته العلمية المزعومة) — شديد التعسف،٢١١ مفرط في محدوديته: فالثراء الموسيقي والإيحائي للشعر يتخطى بكثير اللوحة — المحصورة قسرًا — التي وضعها «غيل»، فما يهمني هنا أكثر من ذلك، أن «الموسيقى» القديمة للنظم إنما تتلاشى في نسق كهذا، أو — على الأقل — لا تعدو أن تكون عنصرًا ثانويًّا، يمكن الاستغناء عنه، ما دامت موسيقى القصيدة قد أصبحت — أساسًا — وظيفة للرنين المختار، و«التنظيم الأوركسترالي» للحروف الساكنة والمتحركة، ألم يقم «مالارميه» بلوم «غيل» على أنه «ترك المبدأ العتيق للنظم يتلاشى إلى حد ما»؛ ولأنه تحذلق كمؤلف موسيقي لا ككاتب»؟٢١٢ لا تصيبنا الدهشة — إذن — إذا ما أعلن «بحث في الكلمة»، حقًّا، أن هذا الشعر التركيبي (الموسيقي–التصويري) يستطيع أن يعثر على نمطه التعبيري في موضع آخر بعيدًا عن النظم:
فن التصوير، مهما بلغت انطباعيته: لم يعد الآن السر الخاص للأشعار المعبودة! وهو ما أقر به، فقد نشأت من النثر كل مجموعة ألوان الأحلام المتنوعة الألوان.٢١٣
وأحلام «بواكتوفان» (الذي أهدي إليه هذا الفصل) نُشرت عام ١٨٨٤م:٢١٤ ونعلم إلى أي حدٍّ بحث هذا الكاتب — هو أيضًا — عن تصور أو الإيحاء بانطباعات بواسطة الصوتيات.
ويلجأ «غيل» — من جانبه، ودون أن يستبعد تمامًا الشعر الموزون — إلى «الإيقاعات المتباطئة»،٢١٥ وهو يدخل مزيدًا من الحرية والتنوع إلى تقنية الشعر المنظوم، بذلك، مثلما قال «ب. جاماتي»، فإن الشعر الحر للرمزيين، «بمساعيه الصوتية التي يغتني بها، مدين له، إلى حدٍّ بعيد، بالوجود»، ومع ذلك، مثلما سنرى،٢١٦ فإن المدرسة «الارتقائية–الآلاتية» ستظل مخلصة لاستخدام الشعر الكلاسيكي أو قصيدة النثر، وستقف بمنأًى عن تحررية النظم.
ونظرًا لميل «غيل» إلى التركيب وغزارة فكره — (نعلم أن نسقه ليس فنيًّا فحسب، بل هو أيضًا فلسفي)٢١٧ — فيمكن أيضًا تشبيهه بفاجنر: فطموحه في كتابه «مؤلف–واحد» تتماسك فيه كافة الأجزاء، حيث كل بيت فيه له موقعه المحسوب وقيمته بالنسبة إلى المجموع، وحيث يتطور كل موضوع ويستعاد، ويتحول من أجل بلوغ الوحدة الكاملة لبناء منسجم، وتقينة كهذه، مثلما يكتب «م. باتيا»، «لا يمكن إحالتها إلا إلى مناهج التأليف السيمفوني»٢١٨ ولنضف أن مفاهيم «غيل» شديدة القرب من أفكار «مالارميه» فيما يتعلق ﺑ «المؤلف»، (كان «غيل»، في بداياته، حَواريًّا متيمًا بمالارميه): فكلاهما — بطموحهما إلى تأليف كتاب «كوني»، «تفسير أورفي للأرض»٢١٩ — ينضمان إلى التيار الكبير للفكر، الذي يدفع الرمزيين إلى إقامة الروابط بين العمل الفني والعالم، وإلى إقامة كون صغير من المؤلف، الذي يشكل التركيب من كافة مظاهر الحياة، ومن كافة أشكال الفن، وكافة أنماط التعبير.٢٢٠

(٦) الانحطاطيون

مجلة «لافوج» وتأثير رامبو
قبل أن يعي الشعر الشاب طموحاته بوضوح، كان ما يزال عليه أن يمر — في توجهه نحو عامي ١٨٨٥-١٨٨٦م — بتحول الانحطاطية، وفيما يتعلق بالتعبير، شأنه شأن مفهوم الفن الشعري، فإن الحركة «الانحطاطية» — العابرة والانتقالية — لم تفعل سوى تمهيد الطرق نحو الرمزية. لقد شعر الانحطاطيون بأن اللغة الشعرية ينبغي أن تكون مختلفة عن اللغة الدارجة، عن اللغة المكلفة — عادة — بالتعبير عن الأفكار أو الوقائع، وأن الاختلاف لا ينبغي — في الشعر — أن يتأتى فحسب من استخدام الشكل المنظوم، لكنهم سعوا (بلا جدوى في الأغلب) إلى خلق شعر إيحائي، محمل بالعاطفة والموسيقى، من خلال أنساق خارجية ومصطنعة بإفراط: استخدام مفردات منحطة إلى حد الشطط،٢٢١ واللجوء إلى «ديكور شيخوخة وأحلام يقظة سقيمة، وبساتين في الخريف»،٢٢٢ فالرمزيون هم الذين سيدركون ضرورة إصلاح أكثر عمقًا واكتمالًا: وإذ سيجتهدون في «عزل الشعر نهائيًّا عن أي جوهر آخر سواه»،٢٢٣ فسيسعون — في نفس الوقت — إلى تنقية وإثراء مجمل اللغة الشعرية، والاستفادة — بشكل أفضل من سابقيهم — من كافة المصادر الصوتية والإيقاعية في الكلام الفرنسي، و«نتيجة لمفهومهم البالغ السمو عن فن الشاعر، مثلما سيكتب فيما بعد» فيليه–جريفان»، فإن أفضل الرمزيين — خلال تأسيسهم لفلسفة عن الحياة وعلم الآداب الفكرية — قد طرحوا تساؤلات نقدية حول مصادر اللغة نفسها، وتناولوا — بشكل تجريبي — دراسة إمكانياتها الموسيقية».٢٢٤
ولا نستطيع أن نتوصل إلا إلى فكرة ضعيفة حقًّا، عند قراءة «انحطاطات أدوريه فلوبيت»، التي تمثل — مع ذلك — محاكاة ساخرة للشعب الانحطاطي، وتطرفات لغوية انكب عليها الشعراء الشبان الذين تجمعوا تحت لواء اﻟ «انحطاط»، أولًا حول «فيرلين»، ثم حول «باجو»، وثمة محاكاة ساخرة أخرى، أقل شهرة، تسخر من قصيدة النثر الانحطاطية، المزدهرة بكثرة — وقتئذٍ — في المجلات الصغيرة، وهي مُعلن عنها — في فبراير ١٨٨٦م، في «باسوش» — بهذه التعبيرات، حيث يخصص «جان أجالبير» مقالًا ﻟ «لوتيس»، وللتحريض الانحطاطي: «لقد ابتكر ليو تريزينيك وجورج رال٢٢٥ التهكم على نفسيهما، ونشر ليو تريزينيك «القصائد الانحطاطية»، وإذا ما كانت واضحة — بالفعل، في هذه «القصائد» — نية السخرية من المشاعر المتصنعة، الأثيرية والمرهفة، التي تحلو للمدرسة الشابة — (مثلما في قصيدة «فلسفة بلا رائحة»، التي تدور حول المراحيض العامة، أو في قصيدة «ألعاب طفولية»، التي تقدم — على النمط العذب و«الشعري» — لوحة العذابات و«الشعري» — لوحة العذابات الموجهة إلى ذبابة) — فإن المفردات، بالمقابل، بعيدة عن الوصول إلى قمم الشطط التي جعل منها «باجو» وفرقته بارناسهم الخاص، وها هي بداية قصيدة «ألعاب طفولية»:
في الخدر الباهظ لصلوات الدير المسائية الناعسة، بالقرب من النافذة المرتفعة المفتوحة على مصراعيها على البستان حيث أشجار الدلب المورقة تهتز برقة، على الإيقاع اللين لملاطفة المروحة الفاترة لأغصانها، وطفلان متكئان، والنظرة ضائعة في حلم يقظة ضجر، تنظر إلى الشمس الكبيرة الضاربة إلى الحمرة التي تغرب هناك، دون أن تبصرها، وهي تثقب بأشعتها الأخيرة المائلة الركام الكثيف للأوراق المتشابكة، وتبعثر نثار الذهب على شعر الطفلين الأصفر الذهبي.٢٢٦
طبعًا صلوات الدير المسائية، ضاربة إلى الحمرة، والأصفر الذهبي … لكن، فلنفتح العدد الأول من «الانحطاطي»، جريدة «باجو» الصادرة في ١٠ أبريل ١٨٨٦م: سنقرأ فيها — أولًا، وباسم شعراء هيئة «التحرير» الشبان — الإعلان عن الرغبة في أن يكونوا «المهديين الذين يصيحون باستمرار العقيدة الإكسيرية، والكلمة المتجوهرة، والانحطاط الظافر»: وبعد ذلك، وكعينة — على الأرجح — من «الكلمة المتجوهرة»، هناك قصيدة «ضوء القمر، فانتازيا متفسخة»، التي تبدأ على هذا النحو:

بعد نهار عاصف، ومناخ فاتر، يخفق بالكهرباء، سماء لازوردية مبرقشة بلبنات يرقانية، ذهولٌ كوكبي أقل حمية من المعتاد ومفعم بخمول كوني.

وعلى امتداد الأعداد التالية، هناك شعراء من قبيل «ب. فاريي» و«لويس فييات» و«رولان مونت كلافيل»، لم تجعلهم اجتراءات أسلوبهم — مع ذلك — مألوفين للأجيال القادمة، وهم ينشدون بمرح اﻟ «اخضرار»، واﻟ «زقزقة» و«نسمات أبريلية»، وسيتحدثون بلا قلق عن «غيمة احمرارية» أو عن «صخرة مثالوية»، إن فكر الشاعر الانحطاطي — فعلًا، مثلما يعلن «ب. فاريي» — هو، في الغالب، «لغز موسيقي»: «إنه، بالنسبة للسوقة، خليطٌ من لغات، لكنه إكسير غير مألوف / ثنائي، بالنسبة للأرستقراطية الأدبية، صالح للعلاج في أزمنة التفاهة السأمية»،٢٢٧ فما الأكثر دلالة — حينئذٍ — من نحت مفردات جديدة باللجوء إلى اللغة العادية لعامل البناء المبتدئ، لجعل الفكرة أكثر إلغازًا؟ لا يقصِّر شعراؤنا في ذلك، والشاهد «موسى راينو» في «دراما في الغابة»:
علبة القربان (ستار المذبح) الصارم، وهو يتأمل حياته المهددة، وجَّه ضد جيهان لويزيل المدفع المرعد لجيشه، الذي تصيب قذيفته القاتلة حتى الموت، في قلب الصدر، بالقرب من الضلع التعس، للسائر في نومه.٢٢٨
هنا، بالتأكيد، منهج غريب لخلق لغة شعرية مغايرة للغة المبتذلة، ونتساءل عما كان يعتقده — في هذا الصدد — «مالارميه»، الذي سينصح الشاعر، في «الموسيقى والآداب»، بأن ينتقي «الكلمات، الكلمات القيمة، من المدرسة ومن البيت ومن السوق»،٢٢٩ كل هؤلاء المجددين المجترئين (المجترئين للغاية) اعتقدوا، للأسف، أنهم يسيرون في طريق اختطه «مالارميه» بنفسه … وكان «مالارميه» و«فيرلين» — بالفعل — موضع ترحيب من «باجو» في عدد شهر أكتوبر، باعتبارهما أستاذين أرادا أن يشاركا في الحركة الشابة. أناس حمقى.
هذه اللغة الانحطاطية، «ونعني بهذا — على ما يقول «دوجاردان» صراحة — الرطانة التي بدأت تعيث فسادًا في حوالي عام ١٨٨٤م»،٢٣٠ ستصيب أيضًا — وهو ما كان حتميًّا — أعمال الرمزيين المبتدئين: يعتذر «دوجاردان» نفسه جهارًا، ويعترف بأنه تحدث — من عام ١٨٨٥م حتى عام ١٨٨٨م — «بأكثر مما يحتمل من رطانة»٢٣١ (يكفي فتح مجلة «روفي فاجنريين» كي نوافقه على رأيه)، وكان من الطبيعي البدء في المبالغة والغرابة، وسيقدم الرمزيون — قبل أن تهدأ رغبتهم الجامحة في الجدة، وبنصيب متساوٍ مع الانحطاطيين — محتوى معجم كامل،٢٣٢ غير أن لغة الرمزيين سرعان ما ستصبح رصينة، بصرف النظر عن بعض العادات التعبيرية، «والطريف أن نشير — على ما يضيف «دوجاردان» — إلى أن هذه الغرابات كانت أكثر حضورًا في النثر مما في شعر الرمزيين»،٢٣٣ هل لأن الشعراء اختاروا التعبير عن أنفسهم بالنثر كانوا الأكثر ثورية، والأشد رغبة بالتالي في إصلاح اللغة؟ أم لأن النثر — كأداة — أكثر انقيادًا، ويتكيف مع كل الاجتراءات، وبشكل خاص الاجتراءات النحوية، التي تقلب نظام الجملة المألوف؟ الحقيقة أن قصائد النثر «الانحطاطية» الغامضة، إذا ما كانت قد أظهرت، وبشكل أفضل مما في قصائدهم الشعرية،٢٣٤ رغبةً في التفرد بأي ثمن، فذلك أيضًا متحقق في قصيدة النثر التي سيستسلم فيها الرمزيون إلى أسوأ المبالغات اللغوية، فمن خلال المبالغات والغرائبيات، سيبحث جيل كامل عن نحت لغة لنفسه: وهو الانطباع الذي تقدمه — على سبيل المثال — غزارة المحاولات الغريبة إلى حدٍّ ما، التي تئويها مجلة «لا فوج».

(٦-١) «لا فوج» وتأثير رامبو

والواقع أن عام ١٨٨٦م — الذي شهد ميلاد عدة مجلات صغيرة بعدد الجماعات الأدبية، تقريبًا، الموجودة في الكاتدرائية «الرمزية» التي كانت في حالة تشييد — هو، بشكل خاص، عام «لا فوج»، التي تحكي لنا «كان» حكايتها،٢٣٥ فقد قام مؤسسها «ليو دورفيه»، القادم من مجموعة انحطاطية، بتفويض سكرتارية التحرير إلى «ج. كان»، الذي قاد وحده مصير المجلة بعد ثلاثة أعداد، وقد ميزت «لا فوج» بين «الانحطاطيين» و«الرمزيين»، ونشرت (وذلك أحد أمجادها) «إشراقات» رامبو، وبشكل خاص الشعر الحر، وعند قراءتها، نرى «كان» و«لافورج» و«موريا» وقد أصابتهم الحيرة — في البدء — بين قصيدة النثر والشعر المتحرر، ثم وهم يكتبون شعرًا أكثر فأكثر تحررًا، وأقل فأقل وزنًا، للوصول أخيرًا إلى ما يمكن أن نسميه «الشعر الحر».
وبقدر ما لا يتم العثور على «صيغة» الشعر الحر، بقدر ما تحتل قصيدة النثر مكانة مرموقة في المجلة: وقد افتتح العدد الأول (١١ أبريل ١٨٨٦م) — فضلًا عن ذلك — بثلاث قصائد نثر لمالارميه،٢٣٦ تركت — مع إعادة نشرها هنا، متخذة قيمة «المانيفستو» — أثرًا عميقًا، و— مثلما يقول «ر. دي جورمون»» — «حددت كل هذا التفريخ لقصائد النثر، التي سرعان ما امتلأت بها المجلات الصغيرة»،٢٣٧ واحتوى العدد الأول أيضًا على «ذكريات خفية» لفييه دي ليل–آدام، وهي قصيدة حقيقية ذات جمل موزونة بشكل رائع،٢٣٨ وقصيدة نثر أخرى لشارل هنري، المنظِّر ﻟ «الجمال العلمي»، تبدأ بذكرى من «بو»، وتنتهي بذكرى من «فاجنر»،٢٣٩ واحتوى العدد الثاني، الذي ابتعثه «كان» بلا شك، على تأملات طريفة حقًّا «حول القافية»، ترجع إلى «دالمبير»: الذي انتهى — في ملاحظاته — إلى أننا نتحمل النثر اللاتيني للمزامير الملحنة موسيقيًّا — رغم انعدام النقاء والانسجام فيها، وأضاف: «لماذا لا نمنح نفس الرضاء إلى النثر النفسي الجيد، المليء بالانسجام، والمشاعر والصور؟» إشارة مثيرة للاهتمام حول الإمكانيات الموسيقية للنثر: ذلك ما كان — بالتحديد — أحد اهتمامات الرمزيين.
والواقع أن هاجس الموسيقى — (هذه الكلمة التي تعني — في آن — القوة الإيحائية والمؤثرات الإيقاعية، التي تهدف إليها اللغة الشعرية) — هو مؤثر سائد بين كتاب «لا فوج» جعل منه «كان»، أكثر من الآخرين، مشكلة تقنية شعرية، ففي العدد الثالث، يمنح لقصيدة من الأشعار المتحررة — (أي أبيات منظومة، لكنها ذات بحور متنوعة) — عنوان: «فكرة رئيسية وتنويعات»، وفي موضع آخر، ينكب على الأبحاث التقنية والشكلية، متناولًا نفس الموضوع، «الربيع»، في أبيات متحررة ونثر موقَّع على التوالي: وإذا ما كانت الأشعار — ببحورها الفردية والمتنوعة باستمرار٢٤٠ — تقترب من النثر، فيمكننا القول إن النثر بمؤثراته الخاصة بالمحارفة والسجع،٢٤١ وبتكرار الكلمات والإصاتات، وأحيانًا حتى بمظهره الموزون وبتوازي المقاطع اللفظية،٢٤٢ ينافس الشكل المنظوم، ويملك — مع ذلك — مزية تنوع إيقاعي أكبر، ﻓ «قصيدة النثر الجيدة — على ما سيكتب فيما بعد «ج. كان» — تعيش على الإيقاعات والانتقالات الخاضعة من إيقاع لآخر، ولعبة تنافر الأصوات في الأوزان، التي لن تصل إليها البحور السكندرية … وتحتاج (قصيدة النثر) إلى اللعب المتنوع بالإيقاعات،٢٤٣ ونرى هنا كيف تختفي فكرة القصيدة — على عكس المفهوم البارناسي — لتحل محلها فكرة النثر الإيقاعي، وينبغي أن نقول إنه من هنا (وهو ما سأعود إليه) ينبع إنكار الرمزيين الأساسي لقصيدة النثر.

وسنجد أيضًا مقتطفات من النثر الإيقاعي، سواء سُمي قصيدة نثر أم لا، في الأقصوصة والرواية والنقد، فقد وضعها «موريا» و«بول آدام» — المغرمان وقتئذٍ بالمساعي الشكلية و«الكتابة الفنية» — في العنوان الزخرفي لكل فصل من «شاي لدى ميراندا» المنشورة عام ١٨٨٦م، وسأذكر مقتطفًا منها، أولًا لأنه نُشر في «لا فوج»، وأيضًا لأنه يوضح — (من خلال أسوأ رطانات الحقبة، التي ظلت نموذجًا شهيرًا إلى حد بعيد) — الشواغل التقنية للكتاب الرمزيين الذين كانوا يترددون — مثلما هو الحال هنا — بين النثر «الشعري» والشعر الحر والآية:

إنه الليل الشتوي وأبخرته وغيبوباته العذبة.
حي «مالسيرب».
صالون صغير (للسيدات) مستطيل.
وفي العمق السجاد الضارب للبنفسجي، برقشات دائرية
في طيات الأبسطة ترق انحناءة الأصوات؛ في طيات الأبسطة الثقيلة، المظلمة، ذات التطريز اليدوي.
إنه الليل الشتوي وأبخرته وغيبوباته العذبة.٢٤٤
وسنرى أنها ليست الحالة الوحيدة التي لجأ فيها الكتاب إلى شكل هجين، وسط بين الشعر والنثر:٢٤٥ إنها محاولات تتوجه مباشرة نحو الشعر الحر.
ويبدو الأمر أكثر تعقيدًا فيما يتعلق ﺑ «قصائد النثر» الثماني — (أو — بالأحرى — «مقطوعات» النثر الشعري) — التي شكلت «إلى مجد أنطونيا»، المنشورة في ٢ أغسطس ١٨٨٦م: فحسب «دوجاردان»، يتعلق الأمر بمقطوعات مكتوبة في شعر حر («فرضت ضرورتها — على ما يقول «دوجاردان» — نفسها على روحي منذ الشهور الأولى من عام ١٨٨٦م»)،٢٤٦ وتم تنقيحها بعدئذٍ في شكل منثور بتأثير سخريات «ت. دي ويزيوا»، نستطيع إذن أن نعثر تحت النثر على الأبيات الحرة، مثلما كان بمقدورنا أن نعثر، بالنسبة لماري كريجينسكا، بعمليةٍ عكسية، على قصيدة النثر الأولية تحت الأبيات الحرة، فهل يرجع ذلك إلى هذا المفهوم الأصلي للشعر؟ أهو بسبب التأثير الفاجنري، والانشغال الموسيقي المفرط الذي سيطر وقتئذٍ على «دوجاردان»؟ الحقيقة أن هذا النثر — بأجزاء جمله — (لنقل — ما دام الأمر يتعلق بشعر مقنع — «أجزائه الإيقاعية») — القصيرة للغاية، بتكراراتها واستعاداتها المستمرة، بمحارفاتها المستوحاة من «فاجنر» — («ثيابكم تجري مرتجة، أمواج جارية») التي تمثل قمة للنوع — يقدم ضربًا من الرتابة السحرية الطريفة إلى حد بعيد، لكنه سرعان ما يوقعك في الشرك بشكل لا يحتمل٢٤٧ — وذلك دون ذكر «الكلام الانحطاطي» الذي يعيث فيه.
ونستطيع أن نمنح مزيدًا من الأهمية للترجمات التي نشرها «لافورج» في «لا فوج» من «أوراق العشب» لوالت ويتمان، فالترجمات الجزئية، التي نشرت حتى ذلك الحين في المجلات المختلفة، كانت — كما يقول «دوجاردان» — «مكتوبة طبقًا لنظام عادي يتمثل في نزع هيئة اﻟ «تنظيم» عن الأبيات، وعلى النقيض، فإن ترجمة «لافورج» تملك شكلًا هو «بالتحديد ذلك الذي كان الشعر الحر (أو الآية) يشرع في امتلاكه»،٢٤٨ ويرى «دوجاردان» أن هذه الترجمة — على النحو الذي ظهرت عليه — قد استطاعت أن تفرض تأثيرًا هامًّا على تطوير التقنية الشعرية الفرنسية، ويوافقه «ر. دي جورمون» على نفس الرأي: «لمن ندين الشعر الحر؟ … بشكل خاص لوالت ويتمان، الذي بدأنا منه وقتئذٍ في تذوق الجرأة العظيمة»،٢٤٩ مرةً أخرى، نجد تأثير الترجمات الأدبية التي سبق أن تحدثت عنه كثيرًا، مع الاختلاف الذي يكمن في أن الأمر لا يتعلق — هنا — بشعر منظوم مترجم نثرًا (مثلما كان الحال بالنسبة إلى «هايني»، على سبيل المثال)، بل بشعر مصاغ — في الأصل — في شكل آيات، في شكل يوحد بين أساليب الخطابة وأساليب الشعر،٢٥٠ شكل وسيط — عن قصد — بين النظم والنثر: فقد رأى «ويتمان» — مثل الرمزيين وقبلهم — أن اللحظة قد حانت لإسقاط الحواجز الفاصلة بين النوعين،٢٥١ بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أن الشعر الحديث، شعر المستقبل، ينحو إلى النثر بشكل لا يقاوم،٢٥٢ وسيكون مفيدًا أن نعرف ما إذا كان الرمزيون يعرفون بهذه التصريحات.
لكن التأثير الأعظم — الذي تم ممارسته عبر «لا فوج» — كان، بلا شك، تأثير «إشراقات» رامبو، التي عثر عليها «فيرلين» و«جوستاف» كان «أخيرًا: تأثير مزدوج، من وجهة النظر التقنية وحدها، مادامت «لا فوج» قد نشرت — بالإضافة إلى قصائد «إشراقات» الفعلية، التي فتحت دروبًا جديدة لقصيدة النثر — قصيدتي «بحرية» و«حركة» اللتين لا شك أنهما من الشعر الحر، بل أول شعر حر منشور، على نحو ما أثبت «دوجاردان»،٢٥٣ ومن الصعب معرفة ما إذا كانت قصيدتا «بحرية» و«حركة» هما أداة الفصل التي عثر بعض الشباب بفضلها على الصيغة التي كانوا يبحثون عنها، أو استطاعوا — على الأقل — أن يستكملوها»:٢٥٤ و«دوجاردان»، الذي يطرح السؤال، لم يعثر على أي برهان يثبت أن هناك من رأى نظمًا في هاتين القصيدتين، وبالمقابل، فهو يتذكر جيدًا أنه كثيرًا ما أتى ذكر إشراقات «في أحاديث المساعدين الشبان في لا فوج»، وأنهم كانوا جميعًا «منفعلين بشدة»،٢٥٥ ويدَّعي «دوجاردان» — بمجازفة كبيرة — أن «إشراقات» و«فصل في الجحيم» إن لم يكونا من الشعر الحر، «فربما سيكفي — في الغالب — أقل القليل ليصبحا شعرًا حرًّا»، وأن أية جملة من جمل رامبو «لهي — سلفًا — شعر»٢٥٦ في كل آن. تصريح غريب! يثبت — في جميع الحالات — أن الرمزيين رأوا في قصيدة النثر — بشكل خاص — شكلًا إيقاعيًّا، شكلًا وصلوا — عبره، أخيرًا — إلى الشعر الحر، ولا يبدو أن الرمزيين — فيما يتعلق برامبو — قد استفادوا، في الحالة الراهنة، من هذا النموذج للشعر المباشر، المتدفق، والمتوقد، الذي قدمته لهم قصائد «إشراقات»، فقد ظلوا مذهولين على عتبة هذا العالم من الصور المبهرة، من الرؤى الفجائية والتركيبية، الذي ظل مستغلقًا عليهم بصورة دائمة، طالما أن «خطاب الرائي» لم يكن قد نشر بعد، فلم يؤثر فيهم «رامبو» في سياق تجديد الرؤية الشعرية، فالمؤثرات لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا في أراضٍ مهيأة لاستقبالها: فالعصر، والأمزجة، والنظريات الأدبية، تجعل بعض المؤثرات ممكنة دون الأخرى، والكاتب العبقري — من ناحية أخرى — ثري بما يكفي لأن يمنح كلًّا منا ما يحتاجه: فلكاتب من قبيل «سان–بول–رو» تجديد وألق الصور، ولكاتب مثل «كلوديل»، الكشف عن شعر متحرر من برودة العقلانية، وسيأتي «رامبو» للرمزيين بالإيقاعات الجديدة بشكل أساسي، ونموذج شكل شديد الحرية، دون أن يكون غير عضوي. ولا شك أن «رامبو» قد حقق الكثير بالنسبة لتأسيس الشعر الحر: «انطلاقًا من عام ١٨٨٦م، مثلما يكتب «ميشو»، وبفضل ما نشرته «لا فوج»، سيكسب الشعر الحر القضية»،٢٥٧ أما بالنسبة لقصيدة النثر، فالفضل يرجع كثيرًا إلى «رامبو» و«مالارميه» في ألا تخضع، بعد انتصار الشعر، إلى الخسوف الكلي، لكن ينبغي الانتظار حتى عام ١٨٩١م لنرى شعر «رامبو» و«مالارميه» يمارس تأثيرًا خصبًا حقًّا على روح الجيل الثاني من الرمزيين.
فالأشعار المنشورة في «لا فوج» لا تدين بأي شيء إلى «إشراقات»: لقد كتبت الأشعار المنشورة في الأعداد الأولى في فترة مبكرة للغاية، فلم تخضع لتأثيرها، وبعد «اكتشاف» الشعر الحر (حوالي شهري يوليو / أغسطس)، أصبحت قصائد النثر غائبة — رويدًا رويدًا — عن هذه المجلة، وربما نستطيع كشف آثار هذا التأثير في «لا بلياد»، حيث انتقلت المجموعة التي ظلت مخلصة لكوندرسيه عام ١٨٨٦م، والتي كان يقودها «دارزين» و«كيار» و«ميخائيل»، فاﻟ «بلياد» «تمتلئ تمامًا بالملل، والقمر، والليل، والخريف»،٢٥٨ ولن نلاحظ ما هو أفضل من نثر «سان–بول–رو»، قبل أن يكون حقًّا «بول رو»، بواقعيته وصوره التي تردد بعض الأصداء الرامبوية: «أيها الطفل المسكين، إنه لملطخ بالسواد، لكن تحت ليل الشمع والإجهاد ترقد الثمرة الواضحة لعقيق أخضر …»٢٥٩ وهو أكثر وضوحًا لدى شاعر ثانوي؛ ولأنه يفتقر إلى الموهبة فيعجز عن تمثله واستثماره بطريقة مبتكرة، يقود تأثير «إشراقات» — في قصيدة «المدينة» لدارزين — الموضوعات» المختلطة للمدينة في العيد،٢٦٠ ذات الطين الأسود والمستويات المختلفة: وجمل مثل (أردت) «أن أغوص في الطين حتى الدوار»، «ما يبعث على اليأس إلى هذا الحد هو ألا تتم مغادرة هذا المستوى، ولا يتم أبدًا الهروب من هذا الوسط»، تذكرنا قسرًا ﺑ «القبر الغائر في أعماق الأرض» الذي وصفه «رامبو»،٢٦١ وشكل القصيدة نفسها، المحصور، المختصر إلى ما هو أساسي، مع نهايات معينة لجمل موجزة صائتة مثل تناغمات مموهة («ما دام في الأعالي، الآن، كل شيء ميت») قد تخلص — لحسن الحظ — من الركاكات والتحذلق الخاص بالجمل الانحطاطية، باشتقاقاتها التي تقوم على ure وance وessence، إن مؤلفات «رامبو» — مثلما سيقول «فينيلون»، في مقال شهير نُشر في شهر أكتوبر عام ١٨٨٦م — «خارج كل أدب، وربما أرقى من كل شيء»،٢٦٢ ألم تساهم مؤلفاته أيضًا بشكل أكبر في تخليص الرمزية من كل اﻟ «أدب» الذي كانت تزدحم به ويجعلها قابلة للعطب مع الزمن!

(٧) ميلاد المدرسة الرمزية

تحرير الشكل وانتصار الشعر الحر
في ١٨ سبتمبر عام ١٨٨٦م، أعلن «موريا» في اﻟ «فيجارو»، في عبارات متألقة وصاخبة، ميلاد المدرسة الجديدة، التي ذكر أنه هو نفسه أبرز ممثل لها، وفي هذا اﻟ «مانيفستو» — وهو «تعميد» حقيقي «رسمي للرمزية»،٢٦٣ وبعد أن حدد السمة الجوهرية للفن الرمزي، التي «تتمثل في عدم المضي أبدًا حتى مفهوم الفكرة في ذاتها» — طالب بمزيد من الحرية في الإيقاع للشعر الجديد، و«فوضى منظمة بمهارة، وقافية غير محسوسة مثل درع من ذهب وفولاذ، مقابل القافية السلسة، والبحر السكندري ذي الوقفات المتعددة والمتحركة، واستخدام بعض الأعداد الفردية …» وفيما يتعلق باللغة، طالب بأسلوب «نموذجي ومركب: كلمات غير ملوثة، ولغو بليغ، وإضمارات غامضة، وتبديل مفاجئ في بناء العبارة في حالة إرجاء معلقة …» وأضاف، في حديثه عن الرواية والحكاية والأقصوصة، أن النثر «يتطور في اتجاه مماثل لاتجاه الشعر»، ولم يكن الشعر الحر ولا قصيدة النثر موضوعين في الاعتبار، (وهي إحدى نقاط ضعف هذا «المانيفستو» الذي ادعى أنه أجمل نظرية المدرسة الجديدة).٢٦٤
غير أن الشعر — بطبيعة الحال — لم يعد مرتبطًا بأي شكل ثابت اعتبارًا من عام ١٨٨٦م، واستطاع العثور على وسيلته في التعبير، في النثر مثلما في النظم، وسندرك ذلك بقراءة ما ركز عليه «بول آدام» («الأنا الأخرى» لموريا)، ردًّا على السخريات التي لاقاها بيان «موريا» من جانب «فاليت» و«فرانس» ضمن آخرين، في هذا المقال عن «الصحافة والرمزية» المنشور في السابع من أكتوبر، في العدد الأول من «سيمبوليست»،٢٦٥ ومن أجل تبرير الأسلوب الرمزي، يأخذ «بول آدام» كمثال جملة ليست من قصيدة منظومة بل من قصيدة «شاي لدى ميرندا»: هي نفس الجملة التي ذكرتها فيما سبق،٢٦٦ «إنه الليل الشتوي، وأبخرته وغيبوباته العذبة، ادعاء فارغ حقيقي للصحفيين، ويزعم إثبات جدارة مصطلحاته، والإرشادات الأسلوبية التي يلحقها بهذا المثال — (والتي تتمتع بمزية البساطة والدقة مقارنة بأطروحات «موريا» اللفظية) — يمكن تطبيقها بنفس القدر على لغة الشعر ولغة النظم: «البحث عن الكلمة الصائبة، التي ستوحد، في شكلها الفريد، محتوى ثلاث أو أربع جمل حالية»، (إنه التكثيف الذي سبق أن طالب به «هويسمان» — في «بالعكس» — لقصيدة النثر)، واستخدام الإيقاعات والإصاتات الملائمة للفكرة: ينبغي، مثلما يقول «آدام»، «توقيع الجملة وفقًا لهيئة الفكرة، استخدام إصاتات معينة من أجل إحساس مطابق لها، ونغمة معينة لإحساس آخر، وإبعاد الأصوات التي تتردد بدون توافق مرغوب فيه، واستعادة فكرة ثم التعبير عنها، في البدء، بمفردة ذات قيمة مغايرة وإن تكن شبيهة في الإصاتة بالتعبير الأول». كل هذا خصائص أساسية: أولًا، اهتمامات «موسيقية» للمجموعة التي تدور في فلك «كان» و«موريا»٢٦٧ (لا يتعلق الأمر إلا ﺑ «إصاتات، ونغمة، وانسجام»)، وبعد ذلك، الأهمية التي يتخذها النثر في مواجهة النظم القديم المخلوع عنه تاجه، الذي لم يعد إلا أحد أنماط النشاط الشعري، لا يزيد ولا يقل عن الشعر الحر وقصيدة النثر: يتحدثون عن «جمل» لا عن أبيات، وعن «إصاتات»، لا عن قوافٍ، وسيطبق «ب. آدام» نفسه نظرياته على النثر وعلى تخطيطاته الباريسية، كدراسات حقيقية في الأسلوب والإيقاع: ها هي، على سبيل المثال، كيفية ترجمة الهزة المفاجئة — في وصف أتوبيس — في إيقاع الجملة الأولى، والأرجحة المملة والمنتظمة في تكرارات الجملة الثانية:
على الرصيف، الأستاذ الذي يدخن، المرأة التي تبكي، الفتى الذي يقرأ، الصغيرة التي تتمخط — يترنحون — وفي زجاج النوافذ تمر باريس رمادية، تمر باريس ذهبية، تمر باريس في أتوبيسات متحركة، تمر باريس في سماء سوداء.٢٦٨
وقبل أن نترك مجلة «سيمبوليست»، يجدر بنا أن نذكر أن «لافورج» قد أرسل إليها مقطوعة طريفة، «بوبو»، ذات نبرة «لافورجية» نموذجية، حيث تمتزج الأشكال الثلاثة: الشعر الحر، والنثر الشعري، وأخيرًا النثر الصافي والبسيط (أي الأخلاقي والاستطرادي)، وفي البدء، قد نعتقد أننا بإزاء قصيدة نثر تصف «عاصفة طينية في الشمال، تحت وابل المطر (أيا مدفآت الفنادق!) على شاطئ البحر حيث يسخر هاملت من النوارس غير القابلة للتدجين»،٢٦٩ لكننا سرعان ما نصل إلى شعر حقيقي:
كنت سأعبر هذه الحياة
مثل غراب فوق المدن،
لأنني أرتاب
من الغزليات؛
في هذه الحياة كنت سأعبر
مثل أحمق مرتاب
كنت سأعبر موزونًا.
مقطع يمكنه، بتكراراته وإصاتاته، أن يرد تمامًا ضمن «الأشعار الأخيرة» للافورج … وبعد ذلك، تأتي التأملات الأخلاقية والتهكمية عن الحب و«المؤنث الأبدي»، والنتيجة أن وحدة النبرة تحل محل الوحدة «الشكلية» (هذه النبرة شبه الساخرة، شبه الجارحة، ﻟ «بيرو حديث»)،٢٧٠ مثلما يحل محل التطور المنطقي التطور الموسيقي، الذي يربط ببراعة، دون أن يبدو عليه ذلك، موضوع المدن وموضوع «الغزليات»، ويعقد شبكة مركبة من العلاقات بين الفتيات الشابات والمشاهد الطبيعية وقلب الشاعر، والشكل المحصور حتى في نظم المقاطع الغنائية يتسع إلى آيات، أو يتمدد في جمل منثورة، عندما يجرفه الوصف أو الاستدلال.
ها هو حقًّا الشعر «الانفعالي» الذي طالبت به «ويزيوا»، في عدد شهر يونيو من «روفي فاجنريين»: «ترابط متوافق من الأصوات والإيقاعات، متنوع بلا تحديد، وفقًا للحركة غير المحددة لظلال الانفعال». لكن «ويزيوا» — خلال الفترة التي كانت تكتب فيها — لم تكن قد رأت الصيغة التي تحلم بها إلا في نثر «موسيقي وانفعالي تمامًا»، وعندما أرسل «لافورج» بمقطوعته «بوبو» إلى «سيمبوليست»، كانت خطوة حاسمة قد تحققت: فمنذ شهر يوليو، أخذت «لا فوج» تنشر شعرًا حرًّا، واستطاع «كان» و«موريا» أن يتوصلا إلى الشعر الحر بعد ذلك بفترة وجيزة، و«لافورج» الذي كان قد أرسل إلى «كان» من برلين مقطوعة «الشتاء الذي يأتي»، و«أسطورة الأبواق الثلاثة»، كتب إلى صديقه في شهر يوليو أيضًا: «أنسى التقفية، وأنسى عدد المقاطع اللفظية، وأنسى توزيع المقاطع الشعرية، وسطوري تبدأ من الهامش مثل النثر».٢٧١
تمتع الشعر إذن — منذ منتصف عام ١٨٨٦م — بثلاثة أشكال مختلفة، بثلاثة «مفاتيح» إذا شئنا: النظم المنتظم، الذي أوضح نموذج «مالارميه» — بشكل خاص — إمكانية استخراج توظيف بارع منه و«أوركسترالي»، وقصيدة النثر، التي يدركها الرمزيون عمومًا كنثر موسيقي، موزون وصائت، قابل للانحلال إلى نثر موجزٍ سريع تقريبًا أو محصور على النقيض إلى حد النظم، بتلاعب أكبر في النبرات والإصاتات، والشعر الحر، الذي حدده «ج. كان» باعتباره وحدة شكلية تتجاوب مع وحدة الفكر، «المقطع الأكثر إيجازًا قدر الإمكان، الذي يمثل وقفةً في الصوت ووقفة في المعنى»٢٧٢ متحررًا من القافية والوزن المحدد ليستجيب — فحسب — ﻟ «الإيقاع الشخصي» للشاعر.٢٧٣
وكثيرًا ما جمع الشعراء التحرريون — في محاولاتهم الأولى — الأشكال الثلاثة، سواء لأنهم ما يزالون مترددين بينها، أو بسبب الرغبة في التركيب وفي «الفن الشامل»، و«ج. كان» الأكثر حماسًا من بين حملة مباخر الشعر الحر (والعامل في سبيله، ما دام هذا اختراعه)، ومع تقديرنا لدعوته إلى أن يحل (الشعر الحر) محل كافة الأشكال الشعرية الأخرى، فإنه يستخدم النثر والنظم معًا في «قصور هائمة» المنشورة عام ١٨٨٧م: يبدأ كل من الأجزاء الثمانية بقصيدة نثر: «لم تكن — من ناحية أخرى — سوى مرحلة؛ إذ يقع على عاتق الشعر الحر واجب تقديم كل شيء بشكل كافٍ في جسد القصائد، لكن ذلك يحدد علامة الوصل مع التقاليد»، حسبما سيكتب في مقدمة طبعة عام ١٨٩٧م الجديدة،٢٧٤ كانت فكرة «كان» أن يجعل من قصيدة النثر هذه نوعًا من الاستهلال الذي يشير إلى النغمة العامة لكل جزء، فما يسميه «بخار أوركسترالي»، شيئًا فشيئًا «يتحدد وعندما يبلغ الدافع لحظة الحياة، يغني»، وها هي اﻟ «قصيدة» التي تستهل السلسلة المسماة «صوت في المنتزه» المهداة إلى «انعطافة الأصوات الأثيرة التي صمتت»:٢٧٥

غابرة هي أزمنة الحب، وملائمة قفزات الجارية الصغيرة التي لك أن تضفي النبل على نظرتها.

ملل العبوديات الطويل، وصراعات صماء ووهن. سخريتها البائسة السيئة بلا ابتسام، قليل من الشفقة من أجل الأسيرة الأبدية، المنذورة للصراعات الطائشة.

بعد الأزمة والهدوء، في الصمت المؤقت، أنصت لأصواتهم، أصوات ماضيك، في سكينة شاملة.

وكي لا نقول شيئًا عن هذه «الرطانة الانحطاطية»، التي تجعل من الصعب احتمال جمل كهذه (ومن بينها «المنذورة للصراعات الطائشة»)، فلنعترف بأن اصطلاح «قصيدة» لهو سوء استخدام فيما يتعلق بهذه السطور الاستهلالية التي لا تملك هدفًا لها في حد ذاتها: فتعبير «قبل أن نتكلم» — كي نتحدث على طريقة الرمزيين — لهو أكثر دقة، فبالنسبة لجوستاف كان، لا اعتبار إلا للشعر الحر بدءًا من هذا التاريخ.

وبالمقابل، فلم تتواصل حركة أنصار الشعر الحر — في مجلة «والوني» لألبير موكيل عام ١٨٨٧م — إلا متأخرة إلى حد ما: ففي هذه الفترة، كان الشعراء البلجيكيون ما يزالون مترددين بين قصيدة النثر (وهو شكل أثير لديهم، ويكفي أن نتصفح المجلة كي نتأكد من ذلك) والشعر الحر الذي قدمت نماذجه «لا فوج» ثم «قصور هائمة»،٢٧٦ وسنرى قصيدة نثر لموريس دوزمبيو مكتوبة بجمل تتزايد قصرًا، وتنتهي بالاستناد إلى الشعر الحر،٢٧٧ وحالة «موكيل» — الذي كان يسعى في هذه الفترة، مثلما قال، إلى «التوليف بين الإيقاعات والإصاتات بحرية» في قصيدة النثر»٢٧٨ — أكثر نموذجية: فثمة تبادل حقيقي، في «الأفق الفارغ»، إحدى مقطوعات «بعض النثريات»، بين الشعر الحر والنثر الموزون، فأبيات البداية:
أيها الطفل الهزيل الذي تؤثره روحي،
لماذا تختفي في هذا النسيان الغامض تمامًا
في النسيان المؤلم للارتخاءات البعيدة
ابتسامات فاترة؟
في الممر! آه لماذا تتمرد على رغباتي!
عيناك السوداوان من معدن ذي انعكاسات زائلة
معدنيتان وبطيئتان، نراهما وجنونهما:
نشعر بهما ترتعدان في نسائم روحي!
يتبعها نثرٌ تذوب فيه الغنائية في الحلم، ويقترن فيه الشكل — الأكثر سيولة، كي نستعيد تعبير «بودلير» — ﺑ «تماوجات أحلام اليقظة»:

تهرب وستشحب، تتبخر بصورة أثيرية.

ورغم هذا، إذا شئت …

حلم يقظة منساب، مخطط بوميض رغبتي، حلم يقظة متأرجح على أمواج الفضاءات، حلم يقظة يغني ويصلي، وينزلق نحو اللانهائي، حلم يقظة من أمواج رخوة، من غاز مجنح، مثل سرب حريري من اليعاسيب تخلتج، تترك ظلالك النهارية تختلج وبصيصك مطوَّق بملاطفات تفوق الوصف.

وفي «البجعة»، آخر هذه «النثريات» التي ربما تعود رمزيتها — إلى حد ما — إلى سوناتا «مالارميه» الشهيرة، يتضح التوجه نحو الشعر الحر — هذه المرة — في استخدام المقاطع القصيرة للغاية، ضرب من الآيات، المكونة من «أجزاء إيقاعية» شديدة الإيجاز: وإن كان من غير الممكن الحديث هنا حقًّا عن شعر حر، مثلما لاحظ «موكيل»؛٢٧٩ لأن «الشكل الطباعي وحده هو ما يبعده عنه»،٢٨٠ ولا يثير دهشتنا أن يشعر «موكيل» — عند قراءة «قصور هائمة»، مثلما يقول — بصدمة حاسمة، بالانطباع برؤية ما كان يبحث عنه منذ عامين، «يتحقق بمعجزة».٢٨١
وهو ما أكده «دوجاردان» عن حق: ولأن الفكرة كانت شائعة؛ ولأن صيغة الشعر الحر كانت النتيجة الضرورية للتطور بكامله، لا في التقنية فحسب، بل في الفكر الشعري أيضًا، فإننا نرى كل هؤلاء الشعراء الشبان يصلون إليها في نفس الوقت تقريبًا، بعضهم بشكل تلقائي، والبعض الآخر بفضل الكشف الذي قدمته لهم «إشراقات» أو «قصور هائمة»، وسرعان ما ستتضخم صفوف أنصار الشعر الحر بعد عام ١٨٨٧م (فلنذكر «فيليه–جريفان» منذ عام ١٨٨٨م، ثم «مايترلينك» و«روتيه» و«رونييه» …»)،٢٨٢ لقد انتهت المرحلة الانتقالية، ونال الشكل الجديد حق المواطنة: وحسب تعبير «ج. كان»، فقد «أضيف سلم موسيقي إلى شعرنا».٢٨٣

يبدو إذن أن اللحظة قد حانت الآن — فيما نسمو فوق المظهر التاريخي إلى مظهرها الجمالي — لبحث المكانة التي تشغلها قصيدة النثر بالعلاقة مع الشعر الحر، من ناحية، والنثر الإيقاعي، من ناحية أخرى، ما يقارب وما يباعد بينها، باعتباراه «أنماطًا» شعرية، وما هي الإمكانيات المتاحة، أيضًا، لتحقيق التركيب بينها في سبيل فن «شامل». هذه الأسئلة التي كثيرًا ما شغلت الرمزيين، لا ينبغي اعتبارها مجرد أسئلة مجدبة على المستوى التقني: إننا نشعر — تمامًا — أنها تقودنا، في النهاية، إلى بحث الإشكالية الرئيسية على اتساعها (حيث تتلاقى مناقشة النظريات بدراسة الأعمال): جمالية نوع «قصيدة النثر»، ويقدم لنا الرمزيون حصادًا من الوثائق، والنظريات، والمحاولات التي يثمر فيها جهد قرن بكامله لعزل الشعر في جوهره، خارج كل تحديد شكلي، فنحن نمتلك الآن عناصر عديدة ومتنوعة بشكل كاف (آخذين في الاعتبار كل الاتجاهات، وكل الصياغات التي عبرت في القرن العشرين عن إرادة قطيعة مع الفن الشعري القديم)، كي نطرح مشكلة قصيدة النثر في مصطلحات محددة، وإيجابية، وأيضًا كي نتناول هذه المشكلة في كل تعقيدها، لا التقني فحسب، بل أيضًا الفني والإنساني.

١  E. Raynaud, La Mêlée Symboliste, Renaissance du Livre, t. 1, p. 48.
٢  Poizat, Le Symbolisme, de Baudelaire à Claudel, Renaissance du Livre, 1919, p. 138.
٣  المقصود: المعارضات الشعرية.
٤  Figures et Caractères (Mercure de France, 1901, p. 315).
٥  Le Symbolisme, de Baudelaire à Claudel, Renaissance du Livre, 1919, p. 135.
٦  ذكره A. Spire, La technique du vers français (Mercure de France, 1912, t. 98, p. 498).
٧  وإذا ما جعلنا هذا البيت بيتًا سكندريَّا، كما يقول «لوجوفيه»، عندما يكتب، على سبيل المثال، «ورغم ذلك، يا سيدي، فإنه أنا الذي يقول ذلك لك»، فإننا نرى «— في نفس اللحظة — اختفاء كل الإهمال الساحر لهذا الاعتراف» (La Vie Littèraire, 5 Juillet 1877)، وقد كتب «لوجوفيه» — عام ١٨٧٧م، في La Vie Littèraire — سلسلةً من مقالات حول «فن القراءة»، جمعت في كتاب بعد ذلك.
٨  Ollendorff, 1884.
٩  L’Art de dire le Monologue, p. 14.
١٠  قارن بما سبق في [قصيدة النثر قبل بودلير].
١١  قارن ﺑ Lote, La Déclamation du vers français à la fin du XVI° siècle (Revue de phonétique, t. II, 1912, pp. 313–363).
١٢  Traité général de versification français, Charpentier, 1879, pp. 101-102.
١٣  Les problèmes de l’esthétique contemporaine, Alcan, 1884, livre III.
١٤  نفس المرجع، ص١٧٦.
١٥  نفس المرجع، ص١٧٦.
١٦  نفس المرجع، ص١٧٧.
١٧  نفس المرجع، ص٢٤٣.
١٨  نفس المرجع، ص٢٤٣.
١٩  نسبةً إلى «فيرجالو»، ديللا روكا نفسه.
٢٠  La poètique nouvelle, Lemerre, 1880, p. 13، لقد سخر «تيبوديه» بسرور من «أ. بار»، الذي يشرح — بوقار — في أطروحته حول «الرمزية»، أن «ديللا روكادا فيرجالو» أراد أن يغرس في لغتنا القواعد النثرية والنحوية للغة بيرو. «هذه اللغة الشقيقة للغة النمساوية، والسويسرية، والبرازيلية» (Réflexions sur la Littèrature, Gallimard, 1938, p. 12).
٢١  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثاني.
٢٢  النبع «الذي ينساب بكآبة في الجوار» (Le Rossignol, Poèmes Saturniens).
٢٣  ذكره Mathieu, Le vers de Verlaine (Revue d’Histoire littéraire, 1932, p. 558).
٢٤  في L’impénitence final على سبيل المثال، أو في Amoureuse du diable (Judis et Naguère).
٢٥  Richepin, Indifférence (Les Caresses), cité p. 30.
٢٦  J. Aicard, Les Apaisements, XXVI, cité p. 30.
٢٧  Métrique naturelle du langage, Bibliothèque des Hautes Etudes, 1884, p. 187.
٢٨  المرجع السابق، ص٢٢٧.
٢٩  المرجع السابق، تقديم، ص XIX.
٣٠  إجابة على الاستقصاء الذي أجراه «ج. هوريه» عام ١٨٩١م (Enquéte sur l’Evolution littéraire, Charpentier, 1913, p. 307).
٣١  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثاني.
٣٢  في العدد الصادر في ١٨ سبتمبر ١٨٨٢م، أخذ «شارل موريس» — تحت الاسم المستعار «كارل مور» — يلوم «فيرلين»، في مقال بعنوان «بوالو–فيرلين»، على الهجوم الذي شنه كتابه «فن الشعر» على البلاغة والقافية، وقد رد عليه «فيرلين» في العدد التالي، مقدمًا تنازلات بصدد القافية، وممتدحًا «هوجو» و«موسيه» (انظر Martino, Verlaine et les poètes symbolistes, dans son Verlaine, Boivin, 1930, pp. 184–202).
٣٣  قارن بما سيلي، الفصل الثاني من القسم الثاني.
٣٤  قارن بما سبق، الفصل الرابع من القسم الأول.
٣٥  Revue Moderne et Naturaliste, 1878-1879 (Bibliothèque Jaques Doucet, Paris)، استبعد «هاري أليس» كل قصائد «كان» التي يمكن اعتبارها رمزية، قبل القول بالرمزية»، واختار — في النهاية — «ثلاثًا من أكثرها بساطة، بدت له حديثة وطبيعية» (Les Origines du Symbolisme, Messein, 1936, p. 22).
٣٦  مشروب كحولي.
٣٧  Les Origines du Symbolisme, p. 25.
٣٨  المرجع السابق، ص٢٤.
٣٩  Les Origines du Symbolisme, p. 24.
٤٠  المرجع السابق، ص٢٦.
٤١  المرجع السابق، ص٢٦.
٤٢  ورغم هذا، يعترف «جوستاف كان» — الذي دائمًا ما كان يدعي بإلحاح أنه «مخترع» الشعر الحر — أن «لافورج» قد توصل إلى الشعر الحر — من جانبه — تقريبًا في نفس الفترة، أي عام ١٨٨٦م، حول هذه المسألة المتنازع عليها، انظر — فيما يلي — الفصل الثاني من القسم الثاني.
٤٣  Sur une page de Jules Laforgue, Le Goëland, Avril-Mai 1949.
٤٤  Guichard, Jules Laforgue et ses poèsies, Presses Universitaires de France, 1950, p. 30.
٤٥  Ruchon, Jules Laforgue, Ciana, Genève, 1924, p. 59.
٤٦  نوافذ مفتوحة (الصباح – أثناء النوم)، L’Art d’être grand-père.
٤٧  قارن بما سبق، الفصل الثالث من القسم الأول.
٤٨  «Corricide روسي، وورق لينسي — مرضعة ضامرة تطلب مكانًا — لا جمجمة صلعاء! نمو ثانٍ ومؤكد للشعر، وسنحكم! …» (Croquis Parisiens, éd. de 1886, Œuvres complètes, t. VIII, p. 141)، وانطلاقًا من إلهامٍ مشابه — إلى حدٍّ ما — كتب «رامبو» قصيدة «رصيد»، لكن الإيقاع والأثر الناتج مختلفان تمامًا.
٤٩  حول هذا النسق، الذي يتم الحصول بفضله على كلمٍ جديدة، مركبة، بدمج كلمتين معًا، انظر «روشون»، مرجع سابق، ص١٥٢، «لعب بالكلمات، لكنه جمالي تمامًا»، مثلما يكتب «لافورج» إلى «ج. كان» (ذكره Guichard, J. Laforgue et ses poésies, P.U.F., p. 96)، وحول استخدامات «ماكس جاكوب» والسيرياليين لهذا النسق، انظر ما سيلي، الفصل الثاني من القسم الثاني.
٥٠  وأيًّا ما كان ما قيل، فإن «الدروس الأخلاقية» هي كتاب حكايات (أو حكايات خرافية، مثلما يدل العنوان)، وليست قصائد نثر، رغم شعرية أسلوبها.
٥١  Symbolistes et Décadents, Vanier, 1902, p. 187.
٥٢  Laforgue, Ciana, Genève, 1924, p. 168.
٥٣  نشرت «سالومي» في «لا فوج» عام ١٨٨٦م، ثم أعيد نشرها في «دروس أخلاقية أسطورية»، وقد قدم «روشون» — في ملحق كتابه عن «لافورج» — نصي «كائنات مائية».
٥٤  «أنسى التقفية، أنسى عدد المقاطع اللفظية، وأنسى توزيع المقاطع، وتبدأ سطوري من الحافة، مثل النثر»، هكذا كتب إلى «كان» من برلين، في يوليو ١٨٨٦م (ذكره Guichard, op. cit., p. 155).
٥٥  Les premiers poètes du vers libre, dans Mallarmée par un des siens, Messein, 1936, p. 188.
٥٦  Mendés, Rapport sur le Mouvement poétique français, Fasquelle, p. 152.
٥٧  مقدمة Rythmes Pittoresques, Lemerre, 1890.
٥٨  روسيني، الذي كتب مقدمة ﻟ Rythmes Pittoresques، وراشيلد وأيضًا أندريه إبيل، الذي يصرح عام ١٨٩٥م: «في عام ١٨٨٠م بالفعل — ما دام ينبغي استعادة القافية — نشرت السيدة «ماري كريجينسكا»، في عدة جرائد معروفة، أشعارًا متحررة من كل وقفة، من كل قافية، ومن كل إيقاع (Invectives amicales, La Plume, 15–30 Avril 1895).
٥٩  Mercure de France, Août 1894.
٦٠  Les premiers poètes du vers libre (Mercure de France, 1922, p. 18).
٦١  Les Origines du Symbolisme, Messein, 1936, p. 29، لا يذكر «كان» — عند ذكره ﻟ «في موديرن» — عنوان القصيدة ولا مؤلفها، ويشير إلى «ماري كريجينسكا»، التي عرفته جيدًا، باعتبارها شخصية أرادت أن «تخضع بدقة لجماليته»، وإذا ما قبلنا بصحة ذلك، فلا ينبغي أن ننسى أن «كان» لم يكن قد كتب بعد — عام ١٨٨٣م — ولا بيت شعر حر.
٦٢  تمهيد ﻟ Premiers poèmes (Mercure de France, 1897, p. 20).
٦٣  من الواضح أنه تم احتساب أداة التعريف في كلمة «الأشجار» باعتبارها كلمة.
٦٤  Les premiers poètes du vers libre (Mercure de France, 1922, t. VII, p. 301).
٦٥  قارن بما سيلي، الفصل الثاني من القسم الثاني.
٦٦  Huysmans, A Rebours, 1884, (Œuvres complètes, Crès, 1927, t. VII, p. 301).
٦٧  المرجع السابق، ص٣٠٢.
٦٨  خطاب نوفمبر ١٨٨٢م، Mondor, Vie de Mallarmé, p. 21.
٦٩  Huysmans, A Rebours, 1844 (Œuvres complètes, Crès, 1927, t. VII, p. 301).
٧٠  «انحطاط أدب»، «تفكيك اللغة الفرنسية»، كما يكتب «هويسمان» بصدد قصائد «مالارميه» النثرية … (ص٣٠٣).
٧١  بالعكس، ص٣٠٤.
٧٢  لا تحتوي طبعة عام ١٨٨٤م إلا على هذه الدراسات الثلاث، في عام ١٨٨٨م، سيضاف إليها دراسات عن «مارسلين ديبورد–فالمور» و«فييه دي ليل–آدام» و«ليلين المسكين».
٧٣  Les Poètes Maudits, Verlaine, Œuvres complètes, Messein, 1910, t. IV, p. 3.
٧٤  «إن ربة شعر السيد آرثر رامبو تتخذ كل النغمات، وتلتقط كافة أوتار الهارب، وتضرب على كل أوتار الجيتار، وتداعب ربابة قوس رشيق، إذا ما وجد …» (الشعراء الملعونون، المصدر السابق، ص١٤).
٧٥  المصدر السابق، ص٢٩، نحن نتحدث اليوم — بشكل أدق — عن الأشعار الأخيرة.
٧٦  المرجع السابق، ص٣٠.
٧٧  المرجع السابق، ص٣٠.
٧٨  الشعراء الملعونون، ص٣٣.
٧٩  عندما كان في إنجلترا، بعث «فيرلين» — في ٢٠ سبتمبر ١٨٧٥م — في طلب إرسال العدد الأول من «روفي دي موند نوفو» الذي يحتوي على قصيدة «قبل الأخيرة» (مذكور في Mallarmé, Œuvers, Pléiade, Notes et variantes, p. 1551)، ويذكر «هويسمان» هذه القصيدة في «بالعكس»، تحت عنوانها النهائي «شيطان التماثل».
٨٠  Tailhade, Fantômes de Jadis، ذكره «موندرو» في Vie de Mallarmé, p. 430.
٨١  تمثال لامرأة يستخدم — في المبنى — بدلًا من العمود.
٨٢  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثاني.
٨٣  قارن بما سبق، ص١٥، من هذا الجزء.
٨٤  La Lanterne Magique (sous-titre: Tableaux rapides), Charpentier, 883, Introduction, p. 3.
٨٥  La Lanterne Magique, Charpentier, 1883, Avant-propos, p. X.
٨٦  Boniment du Montreur de lanterne, p. 4.
٨٧  Le Gendarme, p. 17.
٨٨  L’Odorat, p. 46، وقد تعرفنا على موضوعات وكلمات «خصلة الشعر»، وبالمثل، تذكرنا المومس التي «تمضي، ببطء ومهارة بخطوة إيقاعية وموسيقية» (Promenade Galante, p. 86) ﺑ «دوروتيه الجميلة» على سبيل المثال.
٨٩  L’Ile enchantée, p. 176.
٩٠  Le Pavé, Dreyfous 1883, p. 196، قارن ببداية «العجائز الصغيرات» وختام قصيدة «الآنسة بيستوري» (Baudelaire, Œuvres, Pléiade, t. I, pp. 102 et 487)، كانت «العجائز السبع» لبودلير في ذاكرة «ريشوبان» وهو يكتب «كابوس»، حيث تتبدى لنا، في الضباب «ذي الكثافة الفلزية»، سلسلة من الخيالات المخيفة، التي يتكشف أنها تخرج من ملجأ مخصص لتقويم اعوجاج الأعضاء (ص١٠٦).
٩١  Types: Les Assis, p. 287.
٩٢  ربما تكون الكراهية ضد الجالسين، وإزاء الثبات، هي الملمح الوحيد المشترك بين «رامبو» و«وريشوبان» (وقد سافر هذا الأخير، الذي كان — على التوالي — مدرسًا وبحارًا وحمالًا، إلى جميع أنحاء أوروبا وتركيا)، ويمكننا أن نضيف أن «ريشوبان» قد شارك في «ألبوم زوتيك  Album Zutique»، قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثاني.
٩٣  «قلم فحم»، Le Pavé, p. 366.
٩٤  «رسم بالطباشير الأحمر»، Le Pavé, p. 369.
٩٥  إجابة على استقصاء «ج. هوريه»، عام ١٨٩١م (Mallarmé, Œuvres, Pléiade, p. 869).
٩٦  إجابة على استقصاء «ج. هوريه»، عام ١٨٩١م (Mallarmé, Œuvres, Pléiade, p. 869).
٩٧  ظهرت «تخطيطات» هويسمان في عدة مجلات، قبل جمعها في ديوان (الفصل الأول من القسم الثاني).
٩٨  نشرت «التصميمات الباريسية» ﻟ «ج. دوبوي» في «في ليترير» عام ١٨٨٣م، وتتضمن «المنشد العجوز» و«مغني الشوارع» و«سيدة مكتب الصرافة» … إلخ.
٩٩  قارن ﺑ «عن الإمبراطوري» ﻟ «ج. أوريول» (Chat Noir, 25 Août 1883)، ونعلم أن الأتوبيس قد لعب دورًا هامًّا في «أناشيد مالدورور»، الكتاب الثاني.
١٠٠  قارن ﺑ «النشيد الغنائي للشمس الصخرية الجميلة» ﻟ «ج. أوريول» أيضًا (Chat Noir, 9 Février 1884).
١٠١  فيما يتعلق بمقطوعة «المهرج الصغير» ﻟ «جييومو»، المنشورة في «روفي موديرن إيه ناتوراليست» عام ١٨٨٠م، يمكننا أن نذكر «المهرج العجوز» لبودلير، و«الأرامل» (التي أصبحت «ذكرى غامضة») لمالارميه.
١٠٢  «لو باياسون»، التي كان «تايلاد» يوقع فيها باسم «لورينزاكيو» الأشعار والمقالات والحوليات، التي أعطاها «تايلاد» إلى «لو باياسون»، وقد جمعت في Bagnères-Thermal publié à Bagnères chez Léon Péré en 1887.
١٠٣  Bagnères-Thermal, 1er série (1880–1885), p. 259.
١٠٤  Thulé اسم أطلقه اليونانيون والرومان على أقصى أرض شمالية في العالم المعروف.
١٠٥  «باريس، أسطورة حديثة» مظهر بحثه «ر. كايو» في Le Mythe et l’homme, Les Essais, VI, Gallimard, 1938, pp. 180–206، إنها السيريالية — بشكل خاص — التي ستقود هذه الأسطورة نحو ازدهارها (الفصل الثالث من القسم الثاني).
١٠٦  La Musique et les Lettres, Œuvres, Pléiade, p. 655.
١٠٧  الامتثالية conformisme: نزعة التقيد بالأعراف السائدة في مجال ما.
١٠٨  قارن — على سبيل المثال — بتهجم «موريس» العنيف، في «التعميد» المنشورة باعتبارها «قصيدة نثر» ضد الإنجاب (Nouvelle Rive Gauche, n° 8, 29 Déc. 1882).
١٠٩  تذكرنا «عجائز عذراوات» ﻟ «ميتينييه») ٢٤ نوفمبر ١٨٨٢م) ﺑ «عجائز صغيرات»، وفي «جورب وردي» لموريس (١٩ يناير ١٨٨٣م)، يدور الموضوع حول «حلية وردية وسوداء»، تعود — مباشرة — إلى Lola de Valence (Baudelaire, Œuvres, Pléiade, p. 175).
١١٠  على سبيل المثال في «مشاهدة» (٩ فبراير ١٨٨٣م)، تعود الجملة الأولى من القصيدة إلى الظهور — في أجزاء متعاقبة — موزعة في نهاية كل مقطع: إنه — إلى حد ما — النسق المستخدم، نظمًا، في الروندو القديمة.
١١١  Cheval de retour, Lutèce, 11–18 Mai 1883.
١١٢  L’autre un peu, 25 Octobre, 1er Novembre 1885.
١١٣  Panthéonades, 23–30 Août 1885.
١١٤  Apologie (Mémoires d’un Veuf, 1886, Vanier; Œuvres complètes, t. IV, Messein, p. 229).
١١٥  Revue Indépendante, Décembre 1884، وستنشر Paysages في ديوان عام ١٨٨٨م.
١١٦  Deffoux et Dufay, Anthologie du Pastiche, Crés, 1926, t. II, p. 130.
١١٧  مارتينو، مقال عن «بواكتوفان» في Mercure de France, 15 Novembre 1921, p. 129، كان «بواكتوفان» مرتبطًا بشدة بهويسمان.
١١٨  Songes, Bruxelles, Kistemaecker, 1884 ستلي Derniers Songes, Lemerre, 1888 (إضافة إلى اﻟ «أحلام» المنششورة بعد الوفاة).
١١٩  La littérature de tout à l’heure, Perrin, 1889.
١٢٠  Le Chat Noir, 24 Novembre 1883.
١٢١  «الخرافة، حكاية مختلفة»، بقلم «جان لوران» (٤ أغسطس ١٨٨٣م)، «لأن قصيدة نثر بقلم «ش. بوييه»، هي — في الواقع — أقصوصة، لكنها مكتوبة في مقاطع (١٥ أغسطس ١٨٨٥م) … إلخ.
١٢٢  Bohémienne, Croquis à la plume, par R. d’Alzac (20 Octobre 1883), Neige à minuit, par Ajalbert (28 Février 1885), etc ….
١٢٣  ويذكر «ج. أوريول» سلسلة كاملة — من فبراير إلى أبريل ١٨٨٤م — تتميز باستخدام التكرار.
١٢٤  ومن بينها «طبلة آر كول» المترجمة من مجلة «ميسترال» (٢٤ مايو ١٨٨٤م)، ومذهب العامية الذي كانوا يتحمسون له وقتئذٍ (قارن بمقال «ل. بلوي»، ٣١ مايو ١٨٨٤م)، هل كان له تأثير ما على قصيدة النثر؟ يمكننا اعتقاد ذلك عندما نقرأ — في «شا نوار» — أن مؤلف «نيرتو» قد ترجم هذه القصيدة في «نثر موزون» مذكرًا بتجريديتها باللغة الفرنسية ببعض ليدات هايني» (٢٤ مايو ١٨٨٤م).
١٢٥  عنوان (حقيقي تمامًا!) أعطاه «أوريول» لسلسلة من النثريات عام ١٨٨٥م.
١٢٦  «دي كرو»، «ماسة سودها الدخان» (٢٠ ديسمبر ١٨٨٤م)، «أغنية أجمل امرأة» (٧ فبراير ١٨٨٥م) … إلخ، ولمالارميه «شيطان التماثل» (٢٨ مارس ١٨٨٥م)، وعديد من «صفحات منسية» عام ١٨٨٦م.
١٢٧  ويمكننا الرجوع إلى Ghil, Les dates et les œuvres, Crés, 1923، وM.-L. Henry, Stuart Merrill, Champion, 1927، فيما يتعلق بهذه المجموعة، التي ستصبح واحدة من أنشط خلايا الرمزية.
١٢٨  Ghil, Les dates et les œuvres, Crés, 1923, p. 23.
١٢٩  Chapelets (2 Décembre 1884), Hiemal (Janvier 1885)، ومقطوعة «الغائبة» (٢ مارس ١٨٨٥م)، الأكثر إثارة للاهتمام، مكونة من سبع مقطوعات تبدأ كل منها وتنتهي بنفس الكلمات، ويقترن تنميق هذا الشكل — هنا — بتنميق الفكرة، فالتغني ﺑ «اللذة القصوى للغياب» لهو أمر انحطاطي تمامًا.
١٣٠  مارس ١٨٨٥م (Œuvres de Mikhaël, Lemerre, 1890).
١٣١  أو الآلاتية Instrumentiste: نسبةً إلى الآلات الموسيقية، وستتضح دلالة المصطلح في سياق الحديث عن «فاجنر» فيما يلي (المترجمة).
١٣٢  يونيو ١٨٨٥م، حول هذا الميل، الذي دفع به «ميريل» إلى حده الأقصى، فيما يتعلق بالمحارفة والانسجام المحاكاتي (وربما تحت تأثير الشعر الإنجليزي)، قارن بما سيلي، الفصل الرابع من القسم الثاني.
١٣٣  Michaud, Le Message du Symbolisme, Nizet, 1947, t. II, p. 236.
١٣٤  المرجع السابق، ص٢٣٨.
١٣٥  La Légende de Thyl Ulenspiegel, 1867.
١٣٦  خمائل، ١٨٦١م، أيام العزلة، ١٨٦٢م، ساعات الفلسفة، ١٨٧٣م (وقد أعيد نشر هذا المؤلف الأخير عام ١٨٨١م).
١٣٧  Heures de philosophie, CL., p. 216.
١٣٨  La Renaissance belge ، في العدد الخاص الذي خصصته La Plume في ١٥ يونيو ١٨٩١م لمجلة La Jeune Belgique.
١٣٩  وسنتحدث — فيما بعد بقليل — عن «بعض النثريات» المختلطة بالنظم لدى «موكيل» (Wallonie, 1887)، وعن «المخالب الدافئة» ﻟ «مايترلينك»، التي تقترب «أبياﺗ»ها أو «آياﺗ»ها من النثر وقصائد نثر «فيرهارين». قارن بما سيلي، الفصلين الثاني والثالث وما يليهما في القسم الثاني.
١٤٠  العبارة لميشو، سبق ذكره، المجلد الثاني، ص٢٣٧.
١٤١  L’Orgue de Barbarie .
١٤٢  ونضيف أن «لومونييه» كان قد جمع — عام ١٨٧٠م — سلسلةً من «تخطيطات الخريف» (باريس– بروكسيل ١٨٧٠م) كتبها قبل أربعة أعوام، وهي أوصاف أكثر من كونها قصائد.
١٤٣  على سبيل المثال «في المغسل» (Wallonie, 1889)، التي تصف برهافة التفاصيل الواقعية لاستخدام خادمة من المزرعة.
١٤٤  المنشورة — على التوالي — أعوام ١٨٨١م و١٨٩٦م و١٩٠٠م.
١٤٥  منح «رودينباخ» هذا العنوان إلى «لومونييه» باسم «بلجيكا الشابة»، خلال مأدبة أقامها له زملاؤه وأصدقاؤه عام ١٨٨٣م.
١٤٦  قارن بما سيلي، الفصل الرابع من القسم الثاني.
١٤٧  «دراسات صغيرة» ﻟ «أرنولد جوفان» في «لا باسوش»، أبريل ١٨٨٥م، و«انطباعات وأحاسيس» لنفس الكاتب أيضًا في «لا باسوش»، ديسمبر ١٨٨٤م.
١٤٨  قارن ﺑ L’Heure vague, de Chainaye (La Basoche, Octobre 1885).
١٤٩  قارن بما سيلي، الفصل الرابع من القسم الثاني.
١٥٠  قارن ﺑ «العيد الشعبي لخبز الأبازير» ﻟ «أ. بونتييه» (الأول من يونيو ١٨٨٢م)، وهو احتفال شعبي فلمندي حقيقي: «كل شيء يطقطق، كل شيء يفرقع، كل شيء يشخر … وعلى المسارح راقصات باليه قامت الشمس بإحراقهن وإحراق وجوههن، والثياب الرثة حائلة، والموسيقيون ذوو الشوارب، الملتحون والحليقون، والمترعون بالتراب حتى أمعائهم …» وتتلاقى — بكثرة — عناوين فرعية مثل: رسم مطبوع، تخطيطات.
١٥١  «روح الأشياء» سيكون العنوان الذي سيمنحه «شاماني» إلى ديوانه النثري (قارن بما سيلي، الفصل الرابع من القسم الثاني).
١٥٢  «على ضوء القمر»، قصيدة أعيد نشرها في «شا نوار»، في ١٧ ديسمبر ١٨٨٣م، قارن أيضًا — على سبيل المثال — ﺑ «حلم خريف» (Jeune Belgique, 15 Février 1884).
١٥٣  Revue des Deux Mondes, Novembre 1890, p. 220.
١٥٤  Revue des Deux Mondes, Novembre 1890, p. 221.
١٥٥  Définition de la Poésie (Enquête de Léo d’Orfer), La Vogue, 18 Avril 1886.
١٥٦  خطاب من «مالارميه» إلى «غيل»، ٧ مارس ١٨٨٥م، ورد ذكره في Les Dates et les Œuvres, de Ghil, Crés, 1923, p. 17.
١٥٧  حول هذه الطرق المختلفة في «جعل» الشعر «موسيقيًّا»، انظر أطروحتي حول Mallarmé et la Musique, Introduction.
١٥٨  La Revue Wagnérienne, à la suit de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936.
١٥٩  بعد وفاة «فاجنر» (١٨٨٣م)، التي جددت الاهتمام به، توجه كثيرٌ من الفرنسيين إلى بيروت عامي ١٨٨٣م و١٨٨٤م للاستماع إلى «بارسيفال»، وذهب بعضهم أيضًا إلى ميونيخ عام ١٨٨٤م للاستماع إلى «رباعية»: هناك خطط «دوجاردان» وبعض الأصدقاء لإنشاء «روفي فاجنريين».
١٦٠  La Revue Wagnérienne, à la suit de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 201.
١٦١  Lichtenberger, Wagner, Alcan, 1910, p 138.
١٦٢  Grange Woolley, Richard Wagner et le Symbolisme français, P.U.F., 1931; Michaud, Message du Symbolisme, t. I, pp. 205–210; t. II, pp. 321–326 et passim، لقد بحثت العلاقات بين «مالارميه» و«فاجنر» في أطروحتي الثانوية حول «مالارميه والموسيقى».
١٦٣  Lichtenberger, Wagner, Alcan, 1910, p. 218.
١٦٤  Les premiers poètes du vers libre, à la suite de Mallarmé par un des siens, p. 173.
١٦٥  خطاب «موكيل» إلى «دوجاردان»، مذكور في Les premiers poètes du vers libre, pp. 170–172.
١٦٦  رد على «استقصاء» جول هوريه، Mallarmé, Œuvres, Pléiade, p. 867.
١٦٧  بفضل التعقيد السيمفوني، كما يقول «ليشتنبرجر»، «يتدفق إلى الخارج … الغموض المرعب لحياة الروح الحميمة، ويترجم في شكل يؤثر مباشرة على الحواس في سيل لحني مستمر» (Wagner, Alcan, 1910, p. 137).
١٦٨  رد على «استقصاء» جول هوريه، Mallarmé, Œuvres, Pléiade, p. 868.
١٦٩  حول «رمية نرد»، قارن بما سبق، الفصل الرابع من القسم الأول، ومؤلفي Mallarmé et la Musique.
١٧٠  Du Classicisme au Symbolisme, Nouvelle Revue Critique, 1929, p. 199.
١٧١  يقول «بوازا» إن «ارتياد أوبرات فاجنر قد ولد — لدى بعض الشعراء — فكرة الأوركسترالية الأدبية للقصيدة» (Le Symbolisme, Renaissance du Livre, 1919, p. 152)، وسنرى فيما بعد (الفصل الرابع وما يليه من القسم الثاني) التطبيق الذي ستقوم به الدراسة الأوركسترالية لهذه الفكرة.
١٧٢  قارن بما سيلي، الفصل الثاني من القسم الثاني.
١٧٣  Crayonné au théâtre (1893), Œuvres, Pléiade, p. 327، و«في ذكرى اللحن الفاجنري»، مثلما يقول أيضًا «جرانج دوللي» عن «أسطورة أنطونيا» (Richard Wagner et le Symbolisme français, P.U.F., 1931, p. 165).
١٧٤  انتشرت مفاهيم «فاجنر» بكثرة — في هذه الفترة — من خلال «خطاب إلى فيبو»، الذي ألحقه «فاجنر» بترجمة مؤلفه «أربع قصائد للأوبرا» (نودريبا، ١٨٦١م)، ومن خلال «المجلة الفاجنرية» التي ستستمر حتى منتصف عام ١٨٨٨م.
١٧٥  Lettre à Villot, p. XXIII.
١٧٦  على الشعر أن يعترف — كما يقول «فاجنر» — بأن «طموحه الخفي والعميق هو أن يتحول في النهاية إلى موسيقى» (Lettre à Villot, p. XXVII).
١٧٧  La Revue Wagnérienne, à la suit de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 230.
١٧٨  Considérations sur l’art Wagnérien (Revue Wagnérienne, Juillet-Août 1887).
١٧٩  حول بحر الشعر ولغته لدى «فاجنر»، انظر — بشكل خاص — Ernst, L’art de Wagner, L’œuvre poétique, Plon, 1893, pp. 59–87.
١٨٠  إرنست، المرجع السابق، ص٦٨. وحول التماثلات بين المفاهيم الفاجنرية والفكرة المالارمية عن «لغة جوهرية»، انظر كتابي Mallarmé et la Musique, chap. 1.
١٨١  Lettre à Villot, précédent Quatre Poèmes d’Opéra, Bourdilliat, 1861, p. XXV.
١٨٢  Revue Wagnérienne, 8 Octobre 1885 قارن ﺑ Dujardin, La Revue Wagnérienne, à la suite de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 219.
١٨٣  Revue Wagnérienne, Septembre-Octobre 1887 (حول ترجمات «فيكتور وايلدير») ص١٩٣.
١٨٤  وستذكر — بسهولة أكبر — ضلالات أبية غريبة، مثل قصيدة «حلقة» لألبير تراشيل، التي يتحدث عنها «ر. دي جورمون» باعتبارها محاولة في «الموسيقى الأدبية»، حيث يتبادل فيها راعٍ ومسافر صيحات: «هو هوو!» لا تنتهي … (Mercure de France, Mai 1894).
١٨٥  مذهب يرى أن الكليات لا مقابل لها في الخارج، من حيث هي كذلك، وأنها تركيب من صنع العقل.
١٨٦  I. de Wyzewa, Revue Wagnérienne, Juin 1886.
١٨٧  انظر I. de Wyzewa, La Revue Wagnérienne, Essai sur l’interpretátion esthétique de Wagner en France, Perrin, 1934, pp. 132-133، وقد اعترف «دوجاردان» بنفسه أن «فاجنر» كان له — في «روفي فاجنريين» — «حواريون راحوا، على ضوء مؤلفاته، لا يبحثون عنه فحسب، بل يبحثون عن أنفسهم، بدلًا من أن يكتفوا بالتقاء أثره» (La Revue Wagnérienne, à la suite de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 214).
١٨٨  لأن الموسيقى — من ناحية أخرى — مكلفة بالدور الرئيسي، وتعبر عما لا يستطيع الشعر قوله، «وفي الحقيقة، فإن عظمة الشاعر تقاس، بشكل خاص، بما يتجنب قوله كي يتركنا نقول لأنفسنا، في صمت، ما لم يعبر عنه، لكن الموسيقي هو الذي يجعل ما لم ينطق مسموعًا بوضوح، والشكل المؤكد لصمته الباهر هو اللحن الذي لا ينتهي» (Lettre à Villot, p. LXII).
١٨٩  Wyzewa, Revue Wagnérienne, Juin 1886 (أعيد نشره في Nos Maitres, Perrin, 1895, p. 50).
١٩٠  قارن ﺑ Jamati, Le langage poétique, dans Formes de l’Art, Formes de l’Esprit (N° spécial du Journal de Psychologie, P.U.F., 1951) p. 270.
١٩١  Revue Wagnérienne, Juin 1886.
١٩٢  Revue Indépendante, Décembre 1886 (ذكرته «إ. ويزيوا»، مرجع سابق، ص٢٣)، قارن ﺑ La Revue Wagnérienne, Juin 1886.
١٩٣  الذي أبدى تحفظات دالة اعتبارًا من ٨ أغسطس ١٨٨٥م، في Revue Wagnérienne على «التحدي» الذي فرضه «فاجنر» على الشعراء (R. Wagner, Rêverie d’un poèt français, Œuvres, Pléiade, p. 541).
١٩٤  Considérations sur l’Art Wagnérien (Revue Wagnérienne, Juillet-Août 1887).
١٩٥  Revue Wagnérienne, Juin 1886; Nos Maitres, p. 51.
١٩٦  La Littérature de tout-à-l’heure, Perrin, 1889, note، وموريس — الذي يلوم «فاجنر» على صنعه الوحدة أكثر من التركيب بين الفنون — يرى، هو أيضًا، أن كافة الفنون ينبغي أن تخضع للشعر، الفن الأسمى.
١٩٧  المرجع السابق، ص٢٤٠-٢٤١.
١٩٨  المرجع السابق، ص٣٨١، ووفقًا لموريس، فإن التركيب قد يتحقق بشكل أكثر توفيقًا بالتحام الشعر والنثر في «مزيج لا يمكن تسميته» (ص٣٧٩)، مزيج ليس شيئًا آخر، بداهة، سوى الشعر الحر.
١٩٩  قارن بما سيلي، الفصل الثالث من القسم الثاني.
٢٠٠  هو الموقف الذي اتخذه «مالارميه» منذ عام ١٨٨٥م، وأكده في مقالاته التالية حول المسرح (قارن ﺑ Planches et feuillets, Œuvres, Pléiade, p. 328).
٢٠١  Michaud, Message du Symbolisme, Nizet, t. II, p. 415، ونقرأ — بالفعل، لدى «موريس» — «أن التركيب» سيعيد الفن إلى الوحدة البدائية والمركزية» (La Littérature de tout-à-l’heure, Perrin, 1889, p. 356).
٢٠٢  Les dates et les œuvres, Crés, 1923, pp. 58-59.
٢٠٣  R. Ghil, Traité du Verbe, 1er édition (1886), p. 23؛ الفصل بعنوان «الفاجنرية».
٢٠٤  المرجع السابق، ص٣٠.
٢٠٥  المرجع السابق، ص٢٦.
٢٠٦  المرجع السابق، ص٢٧.
٢٠٧  المرجع السابق، ص٢٨.
٢٠٨  المرجع السابق، ص٣٠.
٢٠٩  ها هي — على سبيل المثال — سلسلة من المعادلات مستمدة من «من المنهج إلى المؤلف» الذي هو «بحث في الكلمة»، وقد أعيدت كتابته واستكمل (طبعة نهائية، عام ١٩٠٤م):
ô, o, io, oi السلسلة الخفيضة الهيمنة، المجد، اليقين ô, o, io, oi
p, r, s آلات ساكسفون غريزة التفوق، والتأسيس. حمراء
تأمل، إرادة، حزم.
٢١٠  سبق أن قمت بذلك في أطروحتي عن Mallarmé et la Musique, Introduction، انظر أيضًا Lote, Poétique du Symbolisme, V: La valeur synesthésique des timbres vocaux et René Ghil (Revue des Cours et Conférences, 1933-1934, t. II, pp. 357–371).
٢١١  سنلاحظ — على سبيل المثال — أن القيم الحسية أو الشعورية، المسندة إلى الحروف المتحركة، ليست واحدة لدى «غيل» و«رامبو»، ورغم هذا، فقد ادعى «غيل» أنه يقيم نظامه على أسس علمية، على الأقل فيما يتعلق بالعلاقات حرف متحرك — لون — أداة، فنظريته مبنية على أعمال «هليمولتز».
٢١٢  خطاب إلى «غيل»، في ٧ مارس ١٨٨٥م (حول أساطير الروح والدم)، جاء ذكره في Les Dates et les Œuvres, Crés, 1923, p. 17، وفي «بحث في الكلمة»، يذكر «غيل» مالارميه باعتباره الشاعر الأسمى، أستاذ الشعر والموسيقى.
٢١٣  Traité du Verbe, p. 27.
٢١٤  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثاني.
٢١٥  قارن ﺑ P. Jamati: Les découvertes techniques de René Ghil, L’instrumentation verbale et les rythmes évoluants, dans Hommage à René Ghil (No spécial de Rythme et Synthèse, Paris, 1926), pp. 93–98.
٢١٦  قارن بما سيلي، الفصل الرابع من القسم الثاني.
٢١٧  حول «فكر رينيه غيل»، انظر مقال «جاماتي» المنشور في Hommage à René Ghil, pp. 89–92.
٢١٨  René Ghil et l’Œuvre-une, Hommage à René Ghil, p. 80، ونعلم أن «غيل» قد توفي دون أن ينجز هذا «المؤلف – الواحد»، الذي تخيله، منذ شبابه، نصبًا ثلاثيًّا، كنوع من ملحمة للكون، لم يكتب منه سوى حلقتين.
٢١٩  العبارة لمالارميه في Autobiographie (Œuvres, Pléiade, p. 663).
٢٢٠  قارن بمقالي حول Le Coup de Dés de Mallarmé replacé dans la perspective historique (Revue d’historie Littéraire, Avril–Juin 1951, pp. 194-195).
٢٢١  نعلم أن «هنري بوكلير» و«جابرييل فيكير» قد نشرا — عام ١٨٨٦م — محاكاة ساخرة للأشعار «الانحطاطية»، تحت عنوان «الانحطاط، قصائد انحطاطية» لأدوريه فلوبات، بيزنطة، لدى «ليون فانيه» (أي «ليون فانييه»)، ويمكن قراءة بعض منها في Anthologie des Poètes d’Aujourd’hui par Van Bever et Léautaud (Mercure de France).
٢٢٢  Michaud, Message du Symbolisme, Nizet, 1947, t. II, p. 409.
٢٢٣  العبارة لفاليري، Variété, p. 95، وقد استعادها «مارسيل ريموند» De Baudelaire au Surréalisme, Corti, 1940، الذي رأى في هذا الجهد السمة المميزة للحركة الشعرية الحديثة منذ «بودلير».
٢٢٤  La Phalange, 1907, p. 415.
٢٢٥  مديرا «لوتيس Lutèce».
٢٢٦  Proses Décadentes, Imprimerie de Lutèce, 1886, p. 73.
٢٢٧  Le Décadent, 1er Mai 1886.
٢٢٨  المرجع السابق، ٣٠ أكتوبر ١٨٨٦م.
٢٢٩  La Musique et les Lettres (Œuvres, Pléiade, p. 653).
٢٣٠  Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 52.
٢٣١  المرجع السابق.
٢٣٢  المقصود هو «معجم صغير لخدمة مهارات المؤلفين الانحطاطيين والرمزيين Petit Glossaire pour servir à l’intelligence des auteurs décadents et symbolistes»، تأليف «بلويير»، ونشره «فانييه» عام ١٨٨٨م، وفيه يرد ذكر «بول آدام» و«بواكتيفان» و«مالارميه» نفسه في مكانة مناسبة.
٢٣٣  Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 56.
٢٣٤  وهو ما لن يمنعنا من العثور — على سبيل المثال — على هذا البيت لباجو: «السماء النضرة أبدًا بعذراواتها الزرقاوات»، وهذا البيت الأخير ﻟ «أ. أوريه»: «أيتها المرأة الفاتنة بشكل فوق الإلهي!»
٢٣٥  Les origines du Symbolisme, Messein, 1936, pp. 43–50.
٢٣٦  وسيعاد نشر هذه القصائد الثلاث (شكوى الخريف، ارتعاشة الشتاء، ظاهرة مستقبلية) في شهر يونيو في «شا نوار»، مصحوبة ﺑ «شيطان التماثل» التي خارت أمامها شجاعة «كان».
٢٣٧  Promenades Littéraires, 4° série, Mercure de France, 1920, p. 14.
٢٣٨  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثاني.
٢٣٩  «التلال المنحنية ٤٥ درجة على مساحة ثابتة مثلما في أملاك آرنهايم …»، «نسمع طوائف المغنين الكبار».
٢٤٠  على سبيل المثال:
L’éphémère Idole, au frisson du printemps, (11)
Sentant des renouveaux éclore, (8)
Se guêpa de satins si lointains et d’antan: (12)
Roses exilés des flores! (7)
المعبودة الفانية، في ارتعاشات الربيع، (١١)
تتفتح وهي تشعر بتجديدات (٨)
تحيط خصرها النحيل بالساتان البعيد وبالعام الماضي: (١٢)
زهور منفية من نباتات البلد! (٧)
٢٤١  مثلما في الجملة الأولى: «تحت الأشجار، التي تتأرجح أغصانها على إيقاعات المبخرة، تحت المطر المتحرك لأشعة الشمس، جاء العشاق يجلسون (لاحظ السجع في asseoir يجلسون وencensoir مبخرة).
٢٤٢  هكذا يجعل «كان» الإيقاع الحي والمنتظم للمجاذيف — وهي تضرب الماء — محسوسًا بأن يجمع الأجزاء الفردية، اثنين اثنين: Pavoiser de rouge, /pavoiser de bleu/l’allance rapide/entre les rivages/les villas sourient/entre les glycines/les refrains s’en vont/le long des coteaux (ثمانية أجزاء يتكون كل منها من خمسة مقاطع لفظية).
٢٤٣  G. Kahn, Les Poèmes (à propos de Ballades Françaises de P. Fort), Revue Blanche, 1897, t. XII, p. 403.
٢٤٤  La Vogue, n° 2, et Le Thé Chez Miranda, Tresse et Stock, 1886, Quatrième Soirée.
٢٤٥  ويذكر «دوجاردان» عن «موريا» و«ب. آدام» مقطوعة «يوبيل الأرواح الوهمية» (المستمدة من روايتهما الثانية: «آنسات جوبير»)، المنشورة في شهر أكتوبر في «لا فوج»، باعتبارها مكتوبة في جزء منها نثرًا، وفي جزء شعرًا، شعرًا حرًّا، رغم أنه يمكن مناقشة صفة «الشعر» فيها (Les premiers poètes du vers libre, à la suite de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 139).
٢٤٦  مرجع سابق، ص١٧٤ من الأصل الفرنسي، مثل «كان» و«موريا»، يطرح «دوجاردان» نفسه كقائد.
٢٤٧  وها هي عينة: «عينان مفتوحتان على الحلم، عينان نادرتان، شديدتا الصفاء، عينان شاحبتان، عينان واسعتان وسط صفاء، نظرة عذبة، مؤثرة، عميقة مثل يوم قمري، عينان شديدتا الاتساع ومضيئتان، وجه بلا لون وغير ملون مثل القمر الوحيد الحزين …» (Vogue, t. II, n° 3, 2 Août 1886)، وسنلاحظ «علامة الانتقال»، «يوم قمري jour lunaire»، التي تتيح «تحويل» العينين إلى قمر — وبطريقة مضحكة، أعرب «لافورج» خلال وجوده في برلين، في ١٣ أغسطس — عن هلعه إزاء نثر مشوش إلى هذا الحد، «هذا النثر، هذا النثر ذاك! إنه يخنقني مثل التراب، إنه يلتصق بي مثل العسل الأسود، قرأته أثناء تناول العشاء، حسنًا! لم أستطِع بلع اللقيمات» (Lettre à un ami, Mercure de France, 1941, p. 209).
٢٤٨  Les premiers poètes du vers libre, à la suite de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 157.
٢٤٩  Promenades Littéraires ، ذكره Mansell Jones, Walt Whitman and the origines of the vers-libre, French Studies, Avril 1948, p. 128، ويرى «مانسيل جونز» أن هذا التأثير موضع شك إلى حد بعيد، وخاصة بسبب الطبيعة الخطابية لشعر ويتمان، ورغم هذا، يبدو أن هذا التركيب لعناصر «النثر» وعناصر «الشعر» كانت تتفق مع نزعات الرمزيين.
٢٥٠  انظر Jean Catel, Rythme et langage dans la première édition des Leaves of Grass, Causes, Montpellier, 1930، وفيما يتعلق بالآيات، قارن بما سيلي، الفصل الخامس من القسم الثاني.
٢٥١  «لقد حان الوقت — في اعتقادي — لتحطيم حواجز الشكل أساسًا بين الشعر والنثر»، هكذا قال «ويتمان» في «نيو بويتري New Poetry»، ويضيف متحدثًا عن الشعر الموزون: «لقد انتهى يوم هذه القافية التقليدية» Œuvres complètes, t. II, p. 272, cité par Mansell Jones, Walt Whitman and the origines of the vers-libre, French Studies, (Avril 1948, p. 61).
٢٥٢  New Poetry ، ذكره أيضًا «مانسيل جونز»، ص٦٢، قارن بما سيلي، الفصل الخامس من القسم الثاني.
٢٥٣  نشرت قصيدة «بحرية» في العدد السادس من «لا فوج» (٢٩ مايو–٣ يونيو ١٨٨٦م)، و«حركة» في العدد التاسع (٢١–٢٧ يونيو)، وأول شعر حر نشره «كان» و«لافورج» كان في شهري يوليو وأغسطس (انظر Dujardin, Les premiers poètes du vers libre, pp. 134–145).
٢٥٤  المرجع السابق، ص١٥٥.
٢٥٥  المرجع السابق، ص١٥٣.
٢٥٦  مرجع سابق، ص١٥١.
٢٥٧  Message du Symbolisme, Nizet, 1947, t. I, p. 156، قضية رابحة طبعًا، لا بين الجمهور العريض، بل بين الرمزيين المترددين حتى ذلك الحين بين عدة أشكال شعرية.
٢٥٨  Michaud, Message du Symbolisme, Nizet, 1947, t. II, p. 409.
٢٥٩  Sur le cadavre d’un petit Savoyard, Pléiade, 1886, p. 182.
٢٦٠  «تزين أعلام العيد الملونة المدينة …» La ville, Pléiade, p. 186. قارن أيضًا في قصيدة «مدينة» لرامبو: «رايات الحرب اللامعة»، «احتدام السماء يزين الصواري» (Œuvres, Pléiade, p. 181).
٢٦١  «على مسافة هائلة فوق صالوني تحت الأرض، كانت البيوت تتجذر، والضباب يتجمع، الطين أحمر أو أسود، مدينة، مدينة بلا نهاية!» (Enfance V, Œuvres, Pléiade, p. 170).
٢٦٢  Le Symboliste, n° 1, Octobre 1886.
٢٦٣  التعبير لميشو Message du Symbolisme, Nizet, 1947, t. II, p. 340.
٢٦٤  وما يزيد دهشتنا أن «مورييه» قد طالب — فيما يبدو — ﺑ «أولوية الشعر الحر» (قارن ﺑ Dujardin, Les premiers poètes du vers libre, p. 129)، وأنه كان سيرسل إلى «لا فوج» — عام ١٨٨٦م — قصيدة كاملة من الشعر الحر، «آه! لماذا شفتاك بين ضربات بلطة الملك؟»
٢٦٥  ولم تتجاوز مجلة «سيمبوليست» — التي أسسها «كان» و«آدام» و«موريا» — العدد الرابع. وبالإضافة إلى نظريات «آدام»، ستترك الذكرى التي لا تفنى لحوليتها الأولى، التي وصفت فيها — بمحببات مالحة — «بوليفار» الإيطاليين برطانة هذا العهد: «تحت وطأة سماوات مستوية، في الأضواء المحتدمة للمصابيح تطرز الشارع البيوت … إلخ».
٢٦٦  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثاني.
٢٦٧  ومن جانبهم، أسس «كان» ومجموعته — التي وحد بينها الإعجاب بمالارميه والنزعة الأوركسترالية — مجلة «الانحطاط» كي يسجل «الانشقاق التام مع تلاميذ فيرلين المزعومين» — وهو عنوان فريد ما دام الأمر يتعلق بإعلان الحرب ضد «كان» و«موريا» الموصومين بأنهما انحطاطيان. حول هذه المشاحنات، انظر Michaud, Message du Symbolisme, Nizet, 1947, t. II, pp. 345-346، وبالنسبة لغيل و«ميريل لي كاردونيل» و«ليو دورفيي» — (الذي قطع علاقته بكان) — فإن «الشعر الكلاسيكي هو الشعر الوحيد».
٢٦٨  Le Symboliste, n° 3.
٢٦٩  Bobo, Le Symboliste, n° 2.
٢٧٠  «روح» بيرو «حديث تحت قفزات مهرج» (L. Guichard, Jules Laforgue et ses poésies, P.U.F., 1950, p. 117).
٢٧١  يوليو ١٨٨٦م، Lettre à un ami, Mercure de France, 1941, p. 194.
٢٧٢  انظر Premiers Poèmes, avec une Préface sur le vers libre (Mercure de France, 1897), et Dujardin, Les premiers poètes du vers libre, pp. 109–128.
٢٧٣  نجد العبارة أيضًا — على سبيل المثال — لدى «فيليه–جريفان» (Préface de Joies, 1889)، ولدى «روتيه» (Mercure de France, 1893).
٢٧٤  Premiers Poèmes, Mercure de France, 1897, Préface sur le vers libre, p. 21، إنها — كما يقول «كان» — المقارنة بين الأجزاء الإيقاعية في «أزهار الشر» و«قصائد النثر»، التي أعطته فكرة «كتاب مختلط، يتناوب فيه — بطريقة منطقية — شكل الجملة المغناة» (Préface, p. 20).
٢٧٥  نتعرف على «متنزه» قصيدة «محاورة عاطفية» لفيرلين «في المنتزه القديم الوحيد والبارد …»
٢٧٦  تتكون «قصور هائمة» من قصائد مكتوبة بأبيات متحررة في البدء، ثم حرة تمامًا، وقد نشرت في «لا فوج» عام ١٨٨٦م.
٢٧٧  La Nuit Tragique, 15 Août 1887.
٢٧٨  خطاب إلى «دوجاردان» بتاريخ ٢ سبتمبر ١٩٢٠م، ورد ذكره في Les premiers poètes du vers libres, à la suit de Mallarmé par un des siens, Messein, 1936, p. 171.
٢٧٩  تسع نثريات منشورة في «فالوني» في شهر أغسطس عام ١٨٨٧م، و«موكيل» نفسه يذكر لدوجاردان قصيدتيه النثريتين «الأفق الفارغ» و«بجعة»، باعتبارهما الأكثر تميزًا.
٢٨٠  خطاب إلى «دوجاردان»، المرجع السابق، ص١٧٢.
٢٨١  خطاب إلى «دوجاردان» (Les premiers poètes du vers libres, p. 172)، وقد نشرت «فالوني» في ١٥ يونيو ١٨٨٧م — بتوقيع «إيما كليو كابل» (التي ينبغي أن نتعرف فيها بالبديهة على «م. م، ألبير موكيل» — «Mot Quel — كلمة ما»)، دراسة مطولة حول الشعراء الملحنين الذين يريدون إلغاء «القواعد العروضية الجائرة»، وعن «قصور هائمة» لكان، حيث يبدو الاتجاه الحالي الموفق كتحفظات موجهة — رغم هذا — إلى «اللوحات النثرية» التي «تفتقر إلى الدقة المطلوبة» باعتبارها جملًا اعتراضية بين الأجزاء المختلفة.
٢٨٢  حول الأعمال الأولى المنشورة لأنصار الشعر التحرري، انظر «دوجاردان»، مرجع سابق، ص١٣٤–١٤٧.
٢٨٣  Les Origines du Symbolisme, Messein, 1936, p. 11.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥