الفصل الخامس

التوجُّهات الجديدة

  • (١)
    العودة إلى الحياة واستخدام النثر. تأثير «نيتشه» و«رامبو».

    النزعة الطبيعية، «جام»، «جيد» و«قوت الأرض».

  • (٢)
    رواد شعر جديد: الصورة والحلم.

    «جاري»، «ل.-ب. فارج»، «سان-بول رو»

***

ليس عبثًا أن نوضح في بداية هذا الفصل، الذي ستتأكد فيه بشكل أوضح إشارات التجديد الشعري المستشفة في الصفحات السابقة: أن النثر بشكل خاص — الأفضل من الشعر الحر، الذي تعوقه في أغلب الأحيان جمالية الانحطاط والرغبة في سلاسة تغرق فيها حدود الواقع١ — هو الذي سيمكن من ظهور التوجهات الجديدة: توجه نحو شعر الحياة، أكثر اقترابًا من الواقعي، أكثر حرارة بشكل مرح، وتوجه نحو شعر الصورة واللامعقول. نزعات نستطيع أن نربطها — بلا شك — بمبادئ الرمزية نفسها، لكنها كانت قد تجمدت في واقع الأمر، وأجدبتها مبالغات نزعة العقلنة والمماحكات الجمالية التي ألمحت إليها،٢ وربما أيضًا بفعل عجز معين في إدراك الحياة في روعتها وغموضها، وستصبح قصيدة النثر — أكثر فأكثر، في أشكالها الأكثر فوضوية — أداة تمرد موجهة أحيانًا ضد مبالغات «الحذلقة» الرمزية،٣ وأحيانًا ضد قواعد وتصنيفات نزوع عقلاني مفرط في الصرامة.

(١) العودة إلى الحياة واستخدام النثر

والغريب أن نشهد النثر (كأداة ذات غايتين، مثل اللغة، حسب «إيسوب») وقد تمكن بعد بضع سنوات من أن يُعتمَد كأداة لفن مرهف، متيحًا للرمزيين مؤثرات أسلوبية وإيقاعية غير مسبوقة، ومن أن يتم احترامه — بالعكس — لأنه الشكل الأكثر اعتيادية للغة اليومية، باعتباره الشكل الوحيد الملائم لالتقاط الحياة اليومية في كل اختلاجاتها، أو لترجمة ضوضاء الإنسانية أثناء العمل، ويمكننا أن نضيف أن الكُتاب بدءُوا في الإصغاء إلى نداء الحياة من خلال كتابين نثريين، «هكذا تكلم زرادشت» لنيتشه، و«إشراقات» رامبو.

ولا شك أن رد الفعل ضد الرمزية، وضد طريقتها في «إدارة الظهر للحياة»٤ كان حتميًّا مثل حركة رجوع البندول: قلت إن «روبيل» كان — منذ عام ١٨٩٣م، في «إرميتاج»٥ — يهاجم السفن الحربية للرمزية ويسخر من إقلاعها نحو عالم آخر سحري. لكن تأثير «نيتشه» (الذي ترجمه «روبيل» نفسه عام ١٨٩٣م أيضًا، في نفس المجلة) كان سيوجه الطموحات التي ما تزال غامضة، وستتزايد — في الفترة بين عامي ١٨٩٣م و١٨٩٨م — بالقدر الذي سيستجيب فيه المؤلف لهموم أكثر معاصرة:٦ لقد قرأ «سامان» نيتشه عام ١٨٩٤م،٧ وسمع عن «جيد» من «مارسيل دوران» عام ١٨٩٥م، وسيقرؤه عام ١٨٩٦م،٨ ويؤكد كتاب «ليشتينبرج» الصادر عام ١٨٩٨م٩ على مغزى هذا التأثير: وسيشير «ريتيه» — بصدد هذه الدراسة، في «لا بلوم» — إلى أن «نيتشه» يتوفر على ما هو أكثر من إرادة القوة: «القبول الفرح بالكون، وعبادة الوجود رغم كل شيء»،١٠ ألا يبدو سبابه للشعراء في «زرادشت» — رغم أنها كتبت عام ١٨٨٣م — كأنه موجه إلى بعض المنظرين الجماليين الرمزيين؟ «لم تعد قيثارتهم تملك من واقع سوى العبور الخفي للأشباح التي تتهامس: ما الذي قبلوا به حتى الآن من الحمية؟»١١ الحمية: تلك التي ستكون كلمة السر ﻟ «قوت الأرض».١٢
وإذا ما كنت ألح على هذا التأثير؛ فذلك لأنه لم يجدد فقط الجمالي: فاللغة الشعرية أيضًا، الذابلة بفعل مبالغات النزعة الانحطاطية، كان «هكذا تكلم زرادشت»، سيحقنها بدم جديد، ففي هذا «التجمع لقصائد النثر» (إنه «ج. دي جوتييه» الذي يستخدم هذا التعبير في شهر ديسمبر من عام ١٨٩٨م، في «روفي بلانش»)، ثمة توتر، وقفزة يجعلان من الأسلوب رقصة حقيقية،١٣ كي نستعيد صورة «نيتشه» نفسه: يا لها من حيوية في الإيقاع مثلما في الصور!

أراكم هنا، محترمين وصارمين، فقرات الظهر متصلبة، أيها الحكماء المشهورون! لستم معرَّضين لهبات الريح ولا لهبات إرادة قوية، ألم تروا أبدًا على البحر سفينة شراعية مكوَّرة ومنتفخة، ترتجف في اندفاعات الريح؟

ومثل السفينة الشراعية، المرتجفة في اندفاعات الروح، انظروا لها وهي تجري على البحر، حكمتي، حكمتي الوحشية.

لكنكم، يا خدم الشعب، أيها الحكماء المشهورون، كيف يمكن لكم أبدًا أن تتبعوها؟١٤

سبق أن رأينا كيف حفز هذا الأسلوب — المفعم باللهيب والوميض — «ﻫ. روبيل» على البحث، في «أناشيد المطر والشمس»، عن أنماط من الجمل الحيوية، والأوزان الثانوية، والاختصارات الآسرة. فمن خلال عنفوانه الغنائي، وطاقة عباراته المتسلسلة الموجزة، وثرائه الاستعاري، كان سيساعد الرمزيين بشدة في الكفاح ضد «روح الجاذبية» التي تجذرت في الميادين التي أفقرها حلم اليقظة المتراخي والصور المتجانسة الزخرفية.

قفزة وسكرة الحياة: ألا نكون على وشك النطق بنفس الكلمات عندما نتحدث عن «رامبو»؟ الواقع أن «رامبو» مثل «نيتشه»، سيصبح — أكثر فأكثر، بالنسبة للأجيال الشابة — نبي عهد جديد. فلن يكف تأثيره عن الامتداد منذ إعادة طبع «إشراقات» عام ١٨٩١م،١٥ لقد وقع «جيد» و«فاليري» أسيرين ﻟ «إشراقات» على الفور: «كان رامبو ومالارميه اكتشاف حياتي»، مثلما سيقول «فاليري»،١٦ ويكتب «جيد» إلى «فاليري» عام ١٨٩٢م: «إنني منكب على إشراقات»،١٧ وفي عام ١٨٩٤م: «صديقي العزيز، منذ ثلاثة أسابيع وأنا لا أقرأ سوى رامبو …»، معجبًا في «إشراقات» ﺑ «صخب الحياة هذا، والنكهة»١٨ اللذين يجعلان من «رامبو»، مثلما سيقول فيما بعد، «خميرة بلا نظير»،١٩ وسيقول «بول فور»، هو أيضًا: «لن نستمتع، زملائي وأنا، رمزيي الجيل الثاني، إلا بأربعة قديسين: فيرلين، ومالارميه، وفييه دي ليل-آدام، ولوتريامون. لكن رامبو كان إلهنا — الإله الملعون — إله الشعر، إله الحياة الشعرية الحقيقية»،٢٠ وتثبت المقالات — المتزايدة أكثر فأكثر — المُخصصة له، أن المجال مُمهد الآن لتلقي تأثير «صخب الحياة هذا»: سينشر «فيرلين» عام ١٨٩٥م — في «لا بلوم» — ذكريات عن «الرجل ذي النعلين الهوائيين»، وسيكتب «مالارميه» — عام ١٨٩٦م — مقالًا عن «رامبو» في «شاب بوك»، وستنتبه مجلة «روفي داردين إيه دارجون» إلى وجود رجل أردَني عظيم وتتأهب لنشر دراسة تفصيلية عنه،٢١ لكن أكثر المقالات أهمية ما نشره «ريتيه» في (لا بلوم) (عدد ١٥–٣١ مارس ١٨٩٦م): ففي مواجهة الأدباء المجدبين، الذين يعتبرون أنفسهم فوق مستوى «ممارسة الحياة» بكثير، ويتساءلون «عما إذا كان هناك ما يدعو للكتابة» (يتزايد التلميح إلى «مالارميه» وضوحًا بالإشارة إلى دخان الغليون)، هواة كهؤلاء «سيبتهجون دفعة واحدة، بنثريات وأشعار حادة كي يلتفتوا — بعد ذلك وإلى الأبد — نحو أسباب أخرى للحياة: «آرثر رامبو» على سبيل المثال»،٢٢ هكذا إذن، يتخذ التوازي القائم بين «رامبو» و«مالارميه» قيمة الرمز: فمن ناحية، هناك الفن، والشكل، والأدب في أكثر تنميقاته براعة، ومن ناحية أخرى، هناك هبة قوية من الهواء، تجرف بصخب — في عبورها — كل التعاليم المدرسية.
حينئذٍ، نرى دلالة الحملة التي قادها «ريتيه» ضد «مالارميه» منذ المقال الشهير لعام ١٨٩٥م، الذي أدان فيه البارناسية المتطرفة، والنتيجة الجبرية لنُسَّاك الشكل، والكلمة، والفن من أجل الفن»،٢٣ فما يراه «ريتيه» في «مالارميه» (ومعه، مبكرًا للغاية، الطبيعيون الذين سينسقون بصخب هذه الحلمة)، هو هذه الحالة / النمط ﻟ «عصور الحضارة المتطرفة» هذه «حيث تجتر بعض الأرواح المتعبة، المشبعة بالانفعالات المتباينة، والعاجزة عن الشغف بمفهوم جديد للحياة، رؤى غريبة، وتنسج لنفسها شرنقة من الأحلام من الصعب إدراكها من فرط رهافتها»،٢٤ لم تعد ساعة الرهافات «الانحطاطية»: وقد تولى «جيد» — بشكل جيد، عام ١٨٩٧م — مبادرة الاحتجاج على حملات «ريتيه» الخبيثة، احتجاج انضم إليه «فاليري» و«شووب» و«بول فور» و«فيرهارين»،٢٥ لكن «جيد» يواصل إنجاز «قوت الأرض» التي ستنشر في نفس العام، و«بول فور» يتغنَّى في «قصائد غنائية فرنسية» بكل مظاهر الطبيعة: «قصائد غنائية عن السهول والمراعي والأنهار» و«قصائد غنائية عن الأدغال والغابات والجداول»، و«قصائد غنائية عن الجبل وقباب الجليد والينابيع» … لم يعد الموضوع يتعلق ﺑ «أعمال فنية خارج الزمن والأشياء العارضة»،٢٦ وسيشهد شهر مارس من عام ١٨٩٧م نشر بيان «الجامية» في «ميركور»: «كل الأشياء صالحة للوصف، طالما أنها طبيعية»، مثلما يصرح — بحسم — «جام».

(١-١) النزعة الطبيعية

غير أنه منذ نهاية عام ١٨٩٦م، ولدت حركة تطالب — بشكل مدوٍّ — ﺑ «العودة إلى الطبيعة»، وتدعي النهوض بدور إعادة الاتصال بين الأدب والواقع، وفي ١٠ يناير ١٨٩٧م، تقدم «فيجارو» الطبيعية باعتبارها «القارب الأخير» للأدب، وقبطانها هو «سان–جورج بوئيلييه» و«الربان» هو «إميل زولا» (إذ تعلن الطبيعية تبنيها للفلسفة الطبيعية!)٢٧ يلي ذلك بيان «بوئيلييه»، الذي يشدد على أن «الكآبة الوهمية التي كانت توهن الأرواح حوالي عام ١٨٩٠م» لم تعد تناسب «الكتاب المستشيطين» للجيل الجديد، ولم يعد المقصود استدعاء «عشيقات فاتنات وسادة وهميين يقطرون عذوبة»، وإنما التغني ﺑ «الأعياد العظيمة للإنسان»، وتمجيد «البحارة، والفلاحين المولودين من أحشاء الأرض والرعاة الذين يسكنون بالقرب من النسور»، ويرصد «بوئيلييه» — أثناء رصده ﻟ «الطبيعيين» — أسماء «ميشيل أبادي» و«موريس لوبلون» وأيضًا «أندريه جيد»، العبقري «ذي العذوبة المتوقدة»، و«بول فور» الذي كتب «ترتيلة صافية»، ولا يبدو أن «جيد» قد ابتهج بشكل مبالغ بأن يضمه «بوئيلييه» بهذه الطريقة، إذا ما استندنا إلى المقطوعة الساخرة بهدوء التي نشرها في «إرميتاج» عام ١٨٩٧م، تحت عنوان «الطبيعي  Le Naturiste»،٢٨ وقد رحب بنفس التهكم، عام ١٨٩٧م، بخطاب «فرانسيس جام» المتعجِّل، الذي صرح أن: «كل هذا الأدب الجديد، الطبيعي أولًا، مكون وسيتكون من مثلث زواياه أنت وبوئيلييه وأنا».٢٩
هكذا بدأ الطبيعيون — بعد أن دخلوا بصخب عالم الأدب، وانضموا إلى «أوجين مونفور» — في انتقاد «مالارميه» بشدة (بطبيعة الحال!) في العدد الأول من «روفي ناتوراليست» في مارس ١٨٩٧م. لكنهم يطالبون في نفس الوقت (وهو ما يهمنا هنا) بأن يرافق تجديد موقف الشعراء من الحياة إصلاح لا مفر منه في التعبير، وبعد أن يلفت «موريس لوبلون» الأنظار — في شهر أبريل، في «لا بلوم» — إلى أن تطور اللغة «يتوازى مع تطور الأفكار»،٣٠ يخصص مقالًا في «روفي ناتوراليست» ﻟ «انتصار النثر»: «من الآن فصاعدًا، مثلما سيصرح، لن يتم التنبؤ بالشكل الدبي الذي سيتبناه كُتاب الغد، فالاتجاهات نحو «النثرية» تتأكد أكثر فأكثر». فمن إذن «سيرضى بوصف مشهد مستخدمًا النظم؟» وفي بحثه عن دافع هذا الإحلال البطيء، لكن المحسوس به سلفًا، للنثر محل النظم، فإنه يراه في الانتقال «من الفن الذاتي إلى الفن الموضوعي»: فالشاعر الغنائي ينشد «لحنه» نظمًا، لكن من يريد أن يقدم، مثل اليوم، «الضجيج اللانهائي للوجود الخارجي»، يصبح الوزن القديم غير كافٍ له. وإذا ما كان كل مخلوق مشتت يملك في هذا الكون ذبذباته الخاصة، وأنه ينبغي علينا — في مؤلَّف شفاهي — أن نعيد خلقه باختلاجاته والحركة التي تلائمه، فنيبغي علينا اللجوء إلى كليات سيمفونية». من هنا، يكمن هذا التفضيل للنثر: «نحن بحاجة إلى عدد وافر من الإيقاعات اللانهائية، ولكل المصادر اللحنية والتحولات الصوتية التي لا تُحصى للكلام، فلا غنى عن شكل تركيبي في التعبير». وقد أظهر الشعر التحرري — من قبل — هذا النزوع إلى النثر. وبالعكس، منذ قرن، «مال كل ناثرينا باستمرار نحو الشعر»: وبعد أن ذكر أسماء «شاتوبريان» و«لامنيه» و«ميشليه» و«فلوبير» والأخوين «جونكور» … إلخ، يعثر «لوبلون» — لدى مؤلفي النثر الحديثين — على أكثر الأشكال أصالة في الشعر المعاصر: «بول فور»، بمؤلفه «قصيدة النثر الحر الغنائية»، و«جيد»، الذي يذكِّره بفنيلون و«برناردان دي سان–بيير»! «فاندييوت»، و، بطبيعة الحال، «مونفور» و«بوئيلييه».

ما هي إذن هذه النثريات المعاصرة و«الطبيعية» التي ينبغي أن تمنحنا تعبيرًا «سيمفونيًّا» عن الحياة؟

قبل كل شيء «الشتاء في حالة تأمل» الشهير (الذي أهداه «سان–جورج دي بوئيلييه» إلى «زولا» في نهاية عام ١٨٩٦م)، وهو كتاب مسهب وكثيف، كحالة وسط بين الرواية، ومحاولة الكتابة بالنثر الشعري وديوان قصائد نثر. «فيض، وفيضان مزدهر تحت شمس ساطعة، تلك هي الكلمات التي تلائم وصف هذه القصيدة المدهشة حقًّا»، مثلما يقول «ريتيه»،٣١ ونجد فيه خليطًا من تأكيدات مثل «لا شيء مما ينشده شيكسبير يساوي رائحة الخبز الناضج»، وتأملات غنائية تنبئ نغمتها أحيانًا بنغمة «قوت الأرض»:
أعاني أحيانًا من عناق الظلام. تتألق خلية، ويشتعل القمح، ويغني الماء– ذلك ما لا يمكن تفسيره، يبدو أننا شهود اختفائنا الخاص بنا. جزءٌ من النفس يتفتت، ويتلف: لا نفهم، لا شيء سيحدث أبدًا، وهؤلاء الذين لم يشعروا أبدًا في داخلهم بهذا الدوار المظلم للروح، آه! ما الذي سيميزونه مما خطر ببالي؟٣٢
ولوحات حميمة أو خشنة مثل التي يمكن أن تقدمها الحياة في الريف، هي بالكاد قصائد نثر بحصر المعنى، لكنها (سيقول «جيد»، وهو يبالغ إلى حدٍّ ما ربما في المديح) «موهبة فذة لناثر»، غنائية، وإصاتات جميلة، و«إيقاع للجملة حقيقي، ومفعم وثري ومتناغم»:٣٣ ولا شك أن «سان–جورج دي بوئيلييه، كاتب طبيعي كبير. وقد نجح كتابه إلى حدٍّ بعيد في تحريض مقلد واحد على الأقل، هو «ب. ل. جارنييه»، الذي أراد — بعد «الشتاء في حالة تأمل» — أن يصف الصيف، «متتالية من النثريات المكتوبة — المغناة بالأحرى — في مجد أحد الفصول»، مثلما يقول «م. دي بلون» الذي يرى أن هذا الكتاب يكشف عن «مزاج طبيعي تمامًا».٣٤
ويضم «المثلث» الطبيعي، إذا ما تحدثنا مثل «جام» (بوئيليه، لي بلون، إ. مونفور)، ناثرًا–شاعرًا ثانيًا: إنه «مونفور» الذي نشر عام ١٨٩٦م «سيلفي، أو الانفعالات الغاضبة»: وهو مؤلف «يضم جملًا جديرة بالمديح»، مثلما يقول «ريتيه»، و«مرصوف بعلامات التعجب والمناجاة»،٣٥ وخرج — بالأحرى — من النوع الروائي. وفي «شهوة»، المنشورة عام ١٨٩٨م، وهي «متتالية من المشاعر المعبر عنها في شكل غنائي»،٣٦ نشاهد عودة هجومية لقصيدة النثر ذات المقاطع: فإذا ما قرأنا المقطوعة الصغيرة التي ذكرها «م. لي بلون» في مقاله المنشور في «لا بلوم»، فسنجد ثلاث فقرات متماثلة تبدأ ﺑ: «عندما تقتربين من المنزل، يا مارت!»٣٧ لكن ذلك يرجع إلى صعوبة العثور — فورًا — على شكل تعبيري «سيمفوني» و«طبيعي»، مثلما لا تجنب أفضل النوايا دائمًا الكتاب من الارتباك والسطحية: «تنهض بلادات»، مثلما يكتب «إ. مونفور» …٣٨
وإذا ما كان «م. لي بلون»، «الزاوية» الثالثة للمثلث، يكتفي بإصدار النظريات الطبيعية وأرجحة المبخرة بالعدل بين صديقيه، فيمكننا أن نضيف إلى المؤلفات ذات الإلهام «الطبيعي» بضع نثريات أخرى: مثل نثريات «فانديبوت» في «ساعاتٍ متناغمة»، التي يجد «مونفور فيها «تحولات صوتية عذبة»،٣٩ و«ﻫ. دي رينيه» الذي يعتبرها «أحاسيسٌ حيوية قوية» مترجمة في «لغةٍ كريهة»،٤٠ وأيضًا أجزاء من «نارسيس» التي لن يتمكن «جواشيم جاسكيه» من إنهائها أبدًا، والتي نشرت «روفي ناتوراليست» جزءًا منها (مهدى إلى «جيد») في مايو ١٨٩٧م،٤١ وسواء ما إذا كانت جيدة أم رديئة، فكل هذه النثريات تدهشنا بنبرتها الحارة، الوصفية تقريبًا، ويتحدث «أ. جالو» — عن حقٍّ تمامًا، في هذا الموضوع — عن «حالة رضى دنيوية» و«نزعة صوفية جديدة» يكتشفها «لدى سان– بول رو، وإ. مونفور، وإ. سينيوريه، وج. جاسكيه، و. ب. فارج، وش. ل. فيليب»:٤٢ كثيرٌ من الكتاب، مثلما يمكن أن نلاحظ، كتبوا نثرًا بشكلٍ خاص، إذا ما استثنينا «سينيوريه» (الذي كتب — رغم هذا — بضع نثريات غنائية)، ونشعر لدى كل هؤلاء الكتاب بما يسميه «جالو» ﺑ «تمجيد الحياة الحقيقية»: ولهذا تنحو رواياتهم أو محاولاتهم نحو الشعر بسبب غنائيتهم، والحمية التي تملأهم»٤٣

(١-٢) جام

ويمكننا أن نضيف اسم «جام» إلى الأسماء التي ذكرتها، فهو من أوائل من أرادوا الوقوف «خارج الشعر المرمري، المجمد، الأسطوري والرمزي» — هو الذي كتب أيضًا نثريات في مجد الواقعي، ودفتر رحلات عام ١٨٩٦م، وقصائد نثر خلال السنوات التالية، وهذه «الروايات الشعرية» الصغيرة الرائعة: «كلارا إيليبوز» (١٨٩٩م) و«الماييد إيتريمون» (١٩٠١م)، وتمثل حالة «جام» حالةً خصوصية جديرة بالملاحظة: فبينما يتسم شعره ﺑ «نثرية» مقصودة ويقترب أحيانًا من السطحية، التي فضحها بخبثٍ «موريس لي بلون» في مقاله بمجلة «لا بلوم» في ١٥ يونيو ١٨٩٨م (عندما ذكر — على سبيل المثال — هذه الأبيات المأخوذة من «من ملاك الفجر إلى ملاك الليل»:

كورا، ستلوثين الجزء الأسفل من سروالك، بلمس هذا الكتاب القبيح، ذلك ما كانت هذه الفتيات الصغيرات ذات النبرة الجيدة سيقلنه في مساءٍ غابر، إلخ …).٤٤
فإن نثره المتقن، والموزون، والمُمتلئ بصورٍ لامعة يكشف — على النقيض — مسعى عكسيًّا تمامًا، ولا يبدي «جام» — في الشعر — «الميل، أو على الأقل السعي إلى إتقانٍ شكلي ما على نحو ما يكشفه لنا نثره عمومًا»، وفقًا لما يقوله — عن حقٍّ تمامًا — «ل. مولان» في «ميركور دي فرانس»،٤٥ وجديرٌ بالملاحظة تمامًا — من وجهة النظر هذه — أن نسجل أنه، من بين دفاتر الرحلات التي نشرها «جيد» و«جام» عام ١٨٩٦م في «ميركور دي فرانس» (عن الرحلة التي قاما بها معًا)، فإن ملاحظات «جام» كانت هي التي تستهدف التأثير الشعري، بغنائية النبرة، وإيقاع الجملة، وثراء الصور، فعلى سبيل المثال، يكتب «جيد» عن القنطرة «ورقة طريق» ترقى إلى الشعر بفعل نوع من الصفاء النغمي، بدون مؤثراتٍ متألقة:
من كل البيوت المبنية من طينٍ رمادي، تصاعد بخار رقيق، دخانٌ أزرق سرعان ما غطى وأبعد الواحة كلها، كانت السماء، في الغرب، ذات زرقة صافية للغاية، وعميقة إلى حد أنها بدت مشبعة بالضوء، أصبح الصمت رائعًا، لم يكن من الممكن تخيل أي نشيدٍ فيها، شعرت أنني ربما أحببت هذا البلد أكثر من أي بلدٍ آخر،٤٦ حيث يمكن التأمل أكثر من أي مكانٍ آخر.
وها هما الآن «مقطعان» من قصيدةٍ تفور بالغنائية عطاها «جام» منذ بضعة شهور ﻟ «ميركور دي فرانس»:

القنطرة! عندما فتحت بابك الذهبي، تفتح قلبي وهو يختلج مثل زهرة أشجار رمانك البيضاء الرائعة، وجدولك الذهبي، الذي ينساب بين أكاليل غارك الوردية، كان في بهاء وشاحٍ بربري، وراحات الصبار تشبه الأيدي الممدودة للعاهرات السوداوات.

(…) أنت المصراع البهي للأحلام الرائعة، أنت المسكن العذب الذي يرتوي فيه الرسامون الرومانتيكيون، المأخوذون بزئير الأسود واللازورد العجيب.٤٧
ونرى كيف أن «السيد جام الطبيب»، الجاهل تمامًا بتركيب الجملة وباللغة الفرنسية — حسب قول «م. لو بلون» — لم يكن يسيء بشكلٍ مفرط استخدام المناجاة والاستعارة … ولنضف، وذلك مهم، أن «جام» نفسه كان يصف لوحات الواحات٤٨ هذه بأنها «قصائد نثر».
وسيكون هناك مزيد من التبسيط «الجامي»، ذلك حقيقي، في «حكايات» التي نشرتها «ميركور دي فرانس» في أبريل ١٨٩٨م (وسيجمعها «جام» في نهاية «رواية الأرنب البري» عام ١٩٠٣م)، ويمكن ﻟ «الترام» — على سبيل المثال — أن يقدم النغمة الصائبة لها إلى حدٍّ بعيد،٤٩ لكن لنقرأ «كليسي»، وهي واحدة من «أربع صور شخصية نسائية» (أربع قصائد نثر!) منشورة في «روفي بلانش» في أغسطس ١٨٩٨م:٥٠

كان يمكن أن تكون فيلي، أو شاري أو كليسي، في المرعى الذهبي الأخضر الذي يرتاده ابن عرس والأرنب، غير بعيد عن المستنقع المزدهر، المخضر بالشبوط، وكان يمكن للقصر أن يكون مضجعًا في الغابة بفعل الحلقة الزرقاء لطاووس أحد الأنهار …

أليس «القصر الأسطوري» و«العشيقة» الخيالية للرمزية، المختلطان بذكرى «جان دي لافونتين»، هما اللذان يعاودان الظهور؟ الحق أن الخاتمة تتكشف عن حسيةٍ أكثر ارتجافًا — والجملة الأخيرة.

وبينما ستذبل، ببطء، آخر ارتعاشة لمداعباتنا، سيطقطق المطر الفاتر والسخي على أشجار الحور السوداء.

تُلمح بالفعل إلى التوافقات المديدة، وعظمة الأسلوب التي ستجعل من «الماييد ديتريمون»، مع الفارق، ردًّا عملاقًا على «أتالا»، وليس من الارتجال أن نستدعي «شاتوبريان» عندما نقرأ، على سبيل المثال: «أيتها الشلالات التي جمدت سقوطك السريع فيما يبدو! أيتها السماوات من القرمزي الذهبي! أيتها الطيور الكواسر التي تغوص في الهاويات التي تنام فيها الضوضاء!»،٥١ لكن لدى «جام» تمجيدٌ مرعب للحياة، والإحساس، واللحظة، مما جعل «جيد» يقول، في جولته الغنائية بعد قراءة «ألماييد»: «إنني ثمل بألماييد، إذ إنني تنفست ما هو أكثر عبقًا في روحك، إنها زهرة سفرجل تويجاتها عذبة عذوبة متوحشة، قابضة ومسكرة».٥٢
إن «الفناء الشهواني» في الإحساس،٥٣ المدرك بفعل العذوبة المبهجة للكلمات والجمل، هو المساهمة «الشعرية» لهذا النثر، ومنه (رغم اختلاف الأساليب) يستمر الجهد المتواصل في نفس اتجاه جهد «جيد» الذي كتب — منذ بضع سنوات — «قوت الأرض».

(١-٣) جيد و«قوت الأرض»

رواية، أم متتالية من القصائد، أم بحث في الأخلاق (أو، ربما، في اللاأخلاقية)؟ ذلك أن مؤلف «جيد» يستعصي على التصنيف إلى حد أن النقاد الحائرين لم يذكروه إلا قليلًا، «أعترف أنه ليس سهلًا إدخال هذا في تصنيفاتهم»، ميثلما سيقول «جيد» عام ١٩٠٤م في حديثه عن «ساؤول»، ويضيف: «والأمر كذلك بالنسبة ﻟ «قوت» (…) إنني أزعج «النقاد»، وذلك أسوأ لي»،٥٤ واليوم تمت إعادة وضع «قوت الأرض» في المرتبة الأولى تمامًا، نظرًا للرسالة التي ساهم بها هذا الكتاب، والتي لا يزال يسهم بها لعديدٍ من الشبان المتوقفين على حافة الحياة مثلما أمام مياهٍ جارية حيث لا يجرءُون على المخاطرة بأنفسهم، لكن ديوان «جيد» لا يقل أهميةً وتجديدًا من وجهة النظر الجمالية — إذ لا ينبغي أن ننسى كلمة «جيد» في دفتره — وقد ذكرنا بها عن حق «ج. إيتيه»،٥٥ إن وجهة النظر الجمالية هي الوحيدة التي ينبغي أن نتخذها للحديث عن مؤلفي بطريقةٍ صحيحة»،٥٦ وفي حين أن «شووب»، على سبيل المثال، يُدرس هدم القيم المكتسبة وعبادة اللحظة بلهجةٍ تعليمية وفي شكلٍ وعظي يتجمد فيه درسه الحماسي،٥٧ يحقق «جيد» هذه المعجزة بأن يعلمنا الحماس المختلج، والتوقد أمام «الأشكال المختلفة للحياة»،٥٨ سواء بنغمة وشكل جمله أو بالمعنى الذي تحتويه.
ويكشف لنا «جيد» بنفسه — هذه الأهمية الأساسية ﻟ «الشكل» والطريقة التي يجب أن تقترن بها الفكرة أو الانفعال على نحوٍ وثيق — في مقالٍ مركزي يهمنا بشكلٍ خاص هنا؛ لأنه يستند على «قصيدة نثر صغيرة» كتبها «جيد» قبل عام ١٩٠٠م، والجملة الأولى من هذه القصيدة،٥٩ التي انتقد «مارسيل دوران» بناءها، كانت — على النقيض — تفتن «جيد» ﺑ «إيقاعها» و«تعرجها».

باردة على يدي لكنها فاترة بالنسبة لها، أشعر، آه! في هذي المياه المصقولة، بهذه الجذور الحية السعيدة.

لقد ادعى تحقيق بناء منطقي فيها «شبه مرضٍ على الطريقة اللاتينية»، «يقول كل شيء وبطريقةٍ بارعة، منفعلة، ممتعة ومحتفظة بالمفاجأة، جملة حيوية، تحترم نظام الأحاسيس، والتأملات» — «وأعترف — مثلما يكتب «جيد» (بعد ثلاثين عامًا) — أن هذه الجملة لا تزال تفتنني اليوم»،٦٠ وهو يذكرها مرتين في دفتره، ويضيف:
عبثًا كافحت ضد ما يمكن أن يبدو لي (عن خطأ بلا شك) عبودية غير مبررة: فالعدد يسير على جملتي، ويكاد يمليها، ويقترن على نحوٍ وثيق بفكري، هذا الاحتياج إلى إيقاعٍ محدد يستجيب لضرورةٍ خفية، فتفعيلة الجملة، وترتيب المقاطع اللفظية، وموضع المقاطع القوية والضعيفة، كل هذا يهمني مثلما تهمني الفكرة نفسها، وهي تبدو لي عرجاء أو معوجة إذا ما نقص منها أو أثقلها بيت شعري، وهكذا، فقيمة الكرة محكومة — بالنسبة لي — بأن تساهم في الحياة، وتتنفس، وتتحرك ونشعر — عبر الكلمات ومن خلال جرأتها — بقلبٍ يدق.٦١
كيف لا نرى هنا مفهومًا شعريًّا للكتابة؟ الواقع أن «جيد» يضيف أيضًا: «الفكر المجرد بارد»، فقط عندما يصبح مشحونًا، بفضل حركة الجملة، والانفعال والحرارة الإنسانية، «يصبح حيًّا، عندئذٍ فحسب يمكن أن يصبح إيجابيًّا»،٦٢ لا يتعلق الأمر إذن بالإقناع بالتوجه إلى العقل وحده، ولا السعي (مثلما فعل «لووي»)٦٣ إلى جمالٍ شكلي تمامًا من خلال تناغم الجملة: إن العدد، وتفعيلة الجملة، اللذين يتحدث عنهما «جيد» لا قيمة لهما إلا بالنسبة للانفعال أو الإحساس الذي ينبغي توصيله إلى القارئ.
لقد شعر «جيد» — في وقتٍ مبكر للغاية — بهذه الحاجة إلى إيقاعٍ حي، وجملة «تتنفس»، حتى لو تأثر تركيب الجملة التقليدي بذلك، و«كراسات أندريه والتر» تحمل آثار ذلك،٦٤ ورغم هذا، يبدو أن جهوده في هذا الاتجاه قد انحرفت لا بتأثير الرمزية فحسب (وخاصة في «رحلة أوريان»، حيث يتميز «هيتييه» ﺑ «مسحة مايترلينكية إلى حدٍّ ما»، على الأقل في أسماء الشخصيات)،٦٥ بل أيضًا بلفظيةٍ ما من أصلٍ بروتستانتي: ﻓ «لهجة صلاة التقوى» في «كراسات أندريه والتر» ستيثير غيظ «جيد» فيما بعد.٦٦
ويمكننا الاعتقاد بأن قراءة «رامبو»، التي كان يفتن فيها عام ١٨٩٤م ﺑ «صخب الحياة، والنكهة»،٦٧ وتأثير «جوته» أيضًا الذي اعترف به بنفسه،٦٨ ساهما إلى حدٍّ بعيد في تخليص «جيد» من هذه المبالغة في «الأدب» التي يسخر منها الآن في «مستنقعات»، عام ١٨٩٥م،٦٩ لكنها الحياة نفسها، أكثر من كل شيء، هي التي ستتكفل بأن تجعله يعرف مصادر تجميد أقل كتبية («ناتانائيل، متى سيكون علينا أن نحرق كل الكتب!»)،٧٠ وأن تعلمه الانفتاح بلا تفحظٍ على الفرحة البسيطة للوجود: ونعلم أن قوت الأرض «إن لم يكن كتاب شخص مريض، فهو — على الأقل — كتاب من يتماثل للشفاء، من شفُي — كتاب شخص كان مريضًا، وفي غنائيته نفسها، ثمة مبالغة من يعانق الحياة، مثل شيءٍ كان على وشك أن يفقده».٧١
ونفس الميل إلى الترحيب الذي يبديه «جيد» إزاء الأشكال المتنوعة للحياة٧٢ (الذي يمنعه من الارتباط بواحدٍ منها أكثر من الآخر) يتحقق في انتقائيته بالنسبة لأشكال التعبير: الرغبة في عدم استبعاد أية إمكانية تتاح لنا، داعيًا إلى استخدام — إذا صح القول — الغزارة، والتعددية الفوضوية — كل هذا يميز، هنا، الشكل الأدبي والإلهام، بقدر توحد الجوهر بين أحدهما والآخر، و«إستيف»، الذي يشير إلى استكشاف «قوت الأرض» للشعر «الحر وما حوله، من آياتٍ أو إشارات، تمده أو تختصره في اتجاه النثر»،٧٣ يلاحظ عن حقٍّ أن هذه الأشكال المختلفة تتوافق مع غاياتٍ وتسمح بتأثيراتٍ مختلفة للغاية، ويمكن للقطع — بشكلٍ خاص — أي الإيقاع، وبفضل هذه الحرية، والتنوع في الأشكال، أن يقترن ويعيد خلق حركات وتوثبات الكائن الداخلي، فأحيانًا ما يهتاج بيت الشعر، ويمتلئ بقفزةٍ غنائية تمده إلى حدود الآية:
«آه! فليكن ما تستطيع لمسه هو ما ترغب فيه، يا ناتانائيل، ولا تبحث عن سيطرةٍ أكثر كمالًا …».٧٤

ليصل أحيانًا إلى المرحلة الخطابية الكبرى، التي ينطمس فيها مفهوم البيت (الشعري) أمام الحركة الكبيرة التي تخترق فقرةً بكاملها.

«أيتها الرغبة! لقد جرجرتك على الطرقات، وهجرتك في الحقول، وأسكرتك في المدن الكبرى، أسكرتك دون أن أروي ظمأك، وحممتك في الليالي التي اكتمل فيها القمر، وطفتُ بك في كل مكان، وهدهدتك على الأمواج، أردت أن أنيمك على الأمواج … أيتها الرغبة! الرغبة! ما الذي أفعله لك؟ ما الذي تريدينه إذن؟ ألن يصيبك الضجر؟».٧٥

فالجملة تتجزأ أحيانًا، وتتخذ مظهرًا متقطعًا، لاهثًا، تؤكده الشرطات، وأسلوب «الإشارات»:

توقع الموجة — ألق مفاجئ لكتلة الماء، اختناقات، انتفاخات، انتكاسات — خمول الأنا، من أكون؟ — سدادة فلين — سدادة فلين مسكينة على الأمواج.٧٦

أو من خلال التركيبات الغريبة، وتفكيك أو استعادة الكلمات:

في هذه الشجرة، كانت هناك عصافير تغني، كانت تغني، اه! أعلى مما يمكن، فيما أعتقد، للعصافير أن تغني، كان يبدو أن الشجرة نفسها تصرخ — تصرخ بكل أوراقها — إذ لم نكن نرى العصافير.٧٧
وإذا ما تأملنا الأشكال المنظومة جيدًا (المطبوعة في حروفٍ مائلة) فسنجدها مصطنعة؛ لأن ضرورة الوزن والتماثل مفروضتان عليها: ذكرى الآيات التوراتية،٧٨ والرغبة في تحديد وزن،٧٩ وجهد الصياغة الفنية الذي يعيد «جيد» إلى الأساليب القديمة الخاصة ﺑ «العودة الأبدية»٨٠ — كل هذا لا يتحقق دون قدرٍ من التعسف والذكريات المبهمة، ونثر «جيد» — على النقيض — أصيلٌ للغاية، بفعل الأهمية التي يوليها للكلمة، لا سيما الاسم، المتكرر أحيانًا:
قوافل! — قوافلٌ تأتي في المساء، قوافل ترحل في الصباح، قوافل متعبة بفظاعة، ثملة بالسرابات، ومحبطات الآن! قوافل! ألا أستطيع أن أرحل معكن، أيتها القوافل!٨١

ذلك الاسم المنفصل أحيانًا عن الجملة بالأساليب السابق ذكرها، الشرطة أو تفكيك الجملة، وعلامات التعجب التي تقاطع هذه الجمل، «آه!»، «وا أسفاه!»، «ما الذي سأقوله لك؟»، لا تؤدي فحسب إلى منحها نغمة أكثر انفعالية، بل أيضًا إلى تحقيق القطع وإبراز كلمات معينة:

أن آتي وحيدًا هنا وأتذكر الشتاء فيه، أن أشعر فيه بالضجر الشديد لأن الربيع، وا أسفاه! لا يدهشك حتى …٨٢

وتغير أساليب المناجاة — الكثيرة للغاية — من نغمة وحركة الجملة في آن، فتدخل فيها وقفات مشابهة للوقفات التي تفصل بين الأبيات:

آه! كم استنشقت إذن هواء الليل البارد، آه! أيتها التقاطعات!٨٣

أو أيضًا:

أرضٌ شرسة، أرضٌ بلا طيبة، بلا عذوبة، أرض الهوى والحماسة، أرض محبوبة الأنبياء — آه! أيتها الصحراء الأليمة، صحراء المجد، لقد أحببتك بعنف.٨٤
وعلينا أن نؤكد — في النهاية — تواتر الإضمار: فإلغاء الفعل لا يبقي إلا على الكلمات الأساسية، سواء أشكلت لوحة (إنه «أسلوب المجذافين، حدائق مسيجة بحيطانٍ في الشمس، طريق، حيوانات عائدة من المراعي»،)٨٥ أو نوعًا من الابتهالات الغنائية:
أكوام حبوب، سأمتدحك، نباتات موسمية، قمح أصهب، ثروات في الانتظار، مئونة نفيسة للغاية.٨٦
ونصل هنا إلى مظهرٍ يميز «قوت الأرض» عن شعر التعداد، الذي يكتفي بتعدادٍ بسيط للأشياء، دون الشعور بالحاجة إلى الاختيار ولا إلى التأليف — فحماس الشاعر كبيرٌ للغاية لكل ما يوجد في الكون: «أريد — مثلما يقول «جيد» — أن أكون قد ولدت في زمنٍ لا ينبغي عليَّ فيه أن أتغنى، كشاعرٍ، بكل الأشياء، بل بتعدادها ببساطة»،٨٧ ومن هنا، يكمن هذا الشكل «الابتهالي» الذي يعدد كل الفواكه،٨٨ وكل المنابع (التي يتم تقديمها — ببساطةٍ — بصيغة «هناك» …»)،٨٩ والمشروبات والمياه:
صهاريج، آبار مخفية تنزل فيها النساء، مياه لم تر النور أبدًا، مذاق الظل، مياه مشبعة بالهواء.
مياهٌ شفافة بشكلٍ غير طبيعي، وكنت أتمناها لازوردية …٩٠
ومثلما نرى، لا يكمن الموضوع في «تكوين» ما — إلغاء، تجميع، وتركيب — «ما دام لا وجود للتكوين، فلا ينبغي الاختيار هنا»، طبقًا لقول «جيد»،٩١ فالشاعر يرفض التدخل، وفرض تنسيق فني على الأشياء: فهو لا يريد إلا أن يظل في حالة استعداد،٩٢ وقابلية لامتصال الأحاسيس، إنه يريد أن يستقبل في كل لحظةٍ كل ما تحويه هذه اللحظة ويشكل الحياة، الثرية المتناثرة — ويصل في ذلك إلى التمرد على الكتابة المضطردة والخطية واختراع «التزامن»٩٣ قبل الحالة النهائية.
فهل يمكننا — ابتداءً من ذلك الحين — الحديث عن قصائدٍ في ديوان يكون كاتبه أول من يصرح بأنه «لا شيء سوى رؤيا»؟٩٤ أليست نزعة التلقي والترحيب هذه — بالتحديد — هي النقيض للنزعة الفعالة، والخلاقة الخاصة بالشعر؟ ولا شك أنه إذا ما أمكن القول — بالمعنى العام — إن الكتاب كله يشكل قصيدةً في تمجيد الواقعي، وإنه لا يمكن إنكار وحدة النغمة والإلهام، فينبغي أن نضيف أن الكتاب لا يستجيب إطلاقًا للتعريف الذي وضعه صاحب «مستنقعات» — المعني بالأدب — للكتاب (والذي قد يمكن تطبيقه بشكلٍ أفضل أيضًا على قصيدة النثر): «الكتاب شيء مغلق، ممتلئ، ناعم مثل بيضة، لا نستطيع أن نقحم فيه أي شيء، ولا حتى دبوس، إلا بالقوة، وإلا تحطم بذلك شكله»،٩٥ إنه — على النقيض — شكلٌ مفتوح ومشتت عن قصد، ذلك الذي يقدمه لنا «قوت الأرض».
وذلك إلى حدٍّ ما، فحسب، فلا شك أن فوضويةً شاملة لن تكون فحسب غير محتملة، وإنما هي — بالمعنى الحرفي — مستحيلة؛ ولهذا السبب ينتظم هذا الكتاب الوجيز عن الفوضى في كتبٍ وموضوعات: وحتى دون الحديث عن «القصائد» — بحصر المعنى — في شعرٍ حر وآيات تحدد أكبر لحظات التوتر الغنائي وتحافظ، بفضل الاستعدادات والتماثلات، على شكلٍ أكثر تنظيمًا، فغالبًا ما سنجد نثريات تنظيم، ضمن حريتها الظاهرة، في قصائدٍ بطريقةٍ مرنة، لكنها موسيقية: سأكتفي بذكر قصيدة «قوافل»، مع المقاطع الشعرية المتماثلة: «هناك (قوافل) كانت ترحل نحو الشرق … وهناك من كانت ترحل نحو الجنوب … وهناك نحو الغرب …» واستعادة الموضوع الرئيسي في الخاتمة:
عربٌ مخيمون في الميدان، نيرانٌ تشتعل، أدخنة لا تكاد ترى في المساء.
(…) نيرانٌ تشتعل في الميادين من أجل وجبة المساء.٩٦
وسلسلة القصائد التي تشكل الجزء الثالث من الكتاب الخامس، «المزرعة» — وبشكلٍ خاص القصيدة الأخيرة التي يتكرر فيها الموضوع الرئيسي، «الرغبات»، ثلاث مرات، وقد أعاده استدعاء «عربات الخيل» و«الزلاجات».٩٧
«كتبت هذا الكتاب، مثلما قال «جيد»، في لحظةٍ كان الأدب يتسم بالافتعال والعفن بشكلٍ يبعث على الحنق، وبدا لي ملحًّا أن الأمس الأرض من جديدٍ وأضع ببساطةٍ قدمًا عاريةً على التراب»،٩٨ تلك هي، في الواقع، أول رسالة جمالية ﻟ «قوت الأرض»: لقد انتهى عهد المساعي الزخرفية والمجازات البارعة، فبدءًا بعام ١٩٠٠م، سيلاحظ «ﻫ. دي رينييه» نزوعًا إلى إعادة «ربة» الشعر إلى الحياة،٩٩ لكن «قوت الأرض» يطالب — في نفس الوقت — بضرورة إيقاع شعري جديد: «إيقاع النثر»، حيث تسترد الكلمة قوتها، والجملة حيويتها، إيقاع اكثر تنوعًا، وأكثر حرية من الشعر الحر نفسه، والواقع أنه من المدهش — إلى حدٍّ بعيد — أن نشهد، مع «هيتييه»، فيما يتعلق بقصائد هذا الديوان، أنها غالبًا «بعد بدايةٍ أكثر تنظيمًا ينتهي بها الأمر إلى النثر الخالص»:١٠٠ وهكذا الأمر في «دائرة الأمراض»، وكذلك في «دائرة كل رغباتي»، وأيضًا في «دائرة عطشي المرتوي»،١٠١ ويمكننا القول إن «جيد» — مع «قوت …» — يتخذ المسار الذي يقود من الشعر الحر١٠٢ إلى النثر كشكلٍ في التعبير الشعري، فهل ينبغي الاعتقاد — طبقًا لملحوظة السيدة «دوري»١٠٣ — أن الأمر قد انتهى به إلى أن يعتبر الشعر الحر شكلًا ما يزال اعتباطيًّا بشكلٍ مفرط، «مستقلًّا عن الشعور الذي يملأه»؟١٠٤ من المهم — على أية حال — أن ننقل هنا الجمل التي أشار — جيد — خلالها — عام ١٨٩٩م إلى أن حركة التحرير الشعري لن تظل، بالتأكيد، محصورة في الشعر الحر، وإلى أن أناسًا من قبيل «فيليه– جريفان» و«فيرهارين» قد وجها — ربما دون وعي — ضربة قاضية للشعر المنظوم، وربما في المستقبل.
لن يكتب الشعراء الحقيقيون بالضوررة نظامًا أبدًا، ولن يكون لكلمة شعر بالضرورة أن تصبح مرادفصا لكلمة نظم، إذ إن كلمة «نظم» مستخدمة الآن بشكلٍ نادر في فرنسا كمرادف للشعر — وربما سيكون موفقًا، إذا ما استفاد النثر كلك منه، وإذا ما وجد الشعراء القادمون، الذين لم يرثوا أي شكل، بل ورثوا الحماس الخصب، والشعور المكثف والمتنوع لكوكبة شعراء اليوم، لغةً قابلة للتشكل حسب المراد، لغة نثر بقدر ما نريد، لكنه جميلٌ للغاية، وسلس للغاية، غزير وإيقاعي في النهاية، جريء للغاية، حسي ومهموم بالانفعال، إلى حد أن أكثر العبقريات شعرية ستتمكن من التعبير به، فيما سيحتمي الشعراء الرديئون وحدهم بالأشكال المتخلف، المساعدة على إخفاء عجزهم الغنائي …١٠٥
«الحماس الخصب»،«الشعور المكثف والمتنوع»، ألم يكن لجيد أن يفكر سوى في نفسه وهو يكتب هذه الكلمات؟ هل كان بمقدوره ألا يفكر في «قوت» وهو يمتدح هذه اللغة الشعرية الجديدة، «نثر بقدر ما نريد، لكنه جميلٌ للغاية، وسلس للغاية، غزيرٌ وإيقاعي في النهاية، جريء للغاية، حسي ومهموم بالانفعال إلى حد أن أكثر العبقريات شعرية ستتمكن من التعبير به»؟ مرة أخرى، ليست النظريات الجمالية هي التي ستجدد الأدب، لكنها المؤلفات (الشعرية) مع «خميرة بلا نظير» (لاستعادة تعبير «جيد» عن «رامبو»)١٠٦ هي التي تأتي بالتجديد.

(٢) رواد شعر جديد

الصورة والحلم
هذا الخط «الطبيعي» و«الحيوي»، الذي يبرز أكثر فأكثر بشكلٍ أوضح خلال الأعوام الأخيرة من القرن،١٠٧ لا يشير — رغم هذا — إلا إلى تحديد أحد الطرق التي يهرب إليها الشعراء من الرمزية، أو — بقولٍ أفضل — كيف يتخطونها، بعد أن تمثلوا القوى الحية فيها، وسيقود طريقٌ آخر منها الشعر — فيما بعد بكثير — إلى الأقطار المظلمة للسيريالية، وهذا الخط الذي يمكن — شأنه شأن الآخر — أن نستمده من «رامبو»، والذي يجتاز أيضًا الرمزية ليتجه إلى «شيءٍ آخر»، يبدو محدودًا بشكلٍ خاص للغاية بمؤلفات النثر، ويمكن أن نرى جذره البعيد في هذا الوريد الفانتازي الذي كان يجتذب — منذ فترةٍ طويلة — نثر حكايات ونصوص القرن التاسع عشر نحو القصيدة، فإذا ما كان ثمة أناشيد غنائية فانتازية شهيرة مكتوبة شعرًا (مثل «لينور» لبورجيه، و«ملك الصفصاف» لجوته، إلخ …)، فالأغلب — في النص النثري — أن الفانتازي يتطور بشكل أكثر تأكيدًا، وينتج كل تأثيراته، فالتوازن، وانتظام البيت، والامتثال الذي يفرضه على نظامٍ مستقر، لا يجعل منه — في الواقع — أفضل أشكال التعبير بالنسبة لنوعٍ فوضوي ومتمرد في جوهره ضد القوانين الطبيعية، نوعٌ محكومٌ عليه بفقدان التوازن الدائم بفعل وضعه غير المستقر، لا بين العالم الحقيقي والعالم فوق الطبيعي، مثلما يقال كثيرًا، بقدر ما هو بين عالم مطمئن من المظاهر المألوفة والعالم المزعج، حيث يعاود الظهور العبث الأصلي و«الغرابة» الأساسية للأشياء،١٠٨ ومن ناحية أخرى، فإن الحقيقة البسيطة — المتمثلة في أن الفانتازي يطالب، كي يتبدى، بسرد وحدث — تحدد له الحكاية والأقصوصة كمجال، وهما نوعان شكلهما الطبيعي هو النثر.
ولأنهما — في آن — نتاج النشيد الغنائي الفانتازي (نتذكر الدور الذي لعبته الترجمات والترجمات المستعارة للأناشيد الغنائية في نشوء قصيدة النثر)١٠٩ والحكاية الفانتازية التي سادت موضتها إلى حدٍّ كبير بعد «هوفمان»،١١٠ والتي وصل بها «نودييه» إلى شكل «القصيدة» في «ساعة أو الرؤيا» وفي «سمارا»،١١١ فإن قصيدة النثر الفانتازية أكثر إيجازًا، وبالتالي أكثر شعرية وغرابة في آن: فالانتقالات تختفي، والغرابات تتزايد، وتصبح الأجواء مشحونة وأكثر كبريتية، إلى حدٍّ يكاد ألا يطاق أحيانًا: توترٌ ضروري، إذا ما أردنا التوفر على كثافةٍ كافية لقصيدةٍ مهددة في جوهرها دائمًا بالشكل المؤقت ﻟ«الحكاية» التي تحويها، فالمقصود منح المناخ الفانتازي أهمية أكبر من الحكاية نفسها: إنه التغريب (الذي كثيرًا ما يتم التوفر عليه باقتصادٍ كبير في الوسائل) الذي يصبح الأساسي هنا، فنحن نلمح أحيانًا، حول الأشياء المألوفة، هالةً من الغموض الناجمة عن بعض التفاصيل الغريبة،١١٢ وأحيانًا ما سنصبح «مقتلعين» دفعة واحدة، مغمورين في عالمٍ مختلف — هو عالمنا مع ذلك، لكننا لم نعد نتعرف عليه، مثلما الحال غالبًا مع «لوتريامون»، ومثلما لدى «ميشو» فيما بعد،١١٣ وفي أغلب الأحيان أيضًا، سيستخدم الكاتب الحلم، كذريعةٍ لإدخالنا في هذه المناطق الغامضة التي يسودها التحول، حيث تنبثق رموزٌ غريبة من الأعمال المجهولة، وقد أوضح «أ. بيجين» بشكلٍ كاف العلاقات بين الحلم والشعر بما لا حاجة معه إلى الكلام عنها هنا،١١٤ ونعلم المكانة التي اكتسبها الأدب الحلمي في فرنسا منذ الرومانتيكية، منذ «سمارا» وصولًا إلى نقد حلمي «لأبوللينير،١١٥ مرورًا ببلزاك،١١٦ و«نرفال»١١٧ و«جوتييه»،١١٨ أريد فحسب — التأكيد — هنا على كيفية التحرر التدريجي لتقنية «سرد الحلم» — التي ترجع في بدئها إلى نوعٍ من الحكاية الفانتازية — من التزامات السرد، أعني التسلسل الخطي والزمني للأحداث، لتنحو أكثر فأكثر إلى التحرر من المكان والزمان، فتتخذ بجرأةٍ طابعًا شعريًّا، لم يعد النص خطًّا نغميًّا، وإنما تكوينًا متعدد الأصوات، تتتالى فيه الموضوعات، وتندفع، وتختفي، كي تعاود الظهرو فيما بعد،١١٩ تتسارع التحولات والتغيرات في الديكورات والظروف بشكلٍ مدهش في نصٍّ مدغم أكثر فأكثر: فلم يعد ثمة سعي إلى تخفيف التنافرات، وإنما تأكيدها، فبدلًا من استئناف خيط السرد، تتم مضاعفة مظهره المتشظي والمهشم — تنفتح فجوات كبيرة فاغرة، نأمل العبور من خلالها إلى إلى المجهول، أو الإيحاء به على الأقل، وبذلك، سينتهي الحلم إلى ألا يصبح سوى سلسلة من الرؤى المتتالية بلا نظامٍ زمني ولا منطق،١٢٠ أو — بالأحرى —رؤيا وحيدة منعزلة، خارج الزمن، تقدم — من هذا المنطلق — طابع غرابة لا حل لها،١٢١ فكل جهد الكاتب ينحو نو تحقيق أو خلق١٢٢ واقع فيما وراء الحواجز المنطقية، خارج مقولات الزمان والمكان.
وكانت الحكايات الفانتازية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تستمد طاقتها الإيحائية من التناقض بين التقنية التي لا تتغير، وعقلانية السرد وغرابة الأحداث المروية، فيما تنزع الإرادة الفوضوية التي تتجلى في القصائد الحلمية والفانتازية في نهاية القرن التاسع عشر — على النقيض من ذلك — إلى اقتلاع كل عنصرٍ منطقي أو تعاقبي، وتمنح الهيمنة ﻟ «الصورة» أو «سلسلة الصور» على السرد، عندئذٍ، نشهد — عبر الأثر الذي خطه «رامبو» و«لوتريامون» — ميلاد «شعر الصورة»، في الأسلوب — من خلال الاستعارة — مثلما في التنظيم «البصري» للقصيدة، وفيما يتعلق بسان — بول — رو، فسيكتب «أندريه بريتون» عام ١٩٢٥م: إن «أنماط التعبير الأدبي الأفضل اختيارًا، الاصطلاحية إلى هذا الحد أو ذاك دائمًا، تفرض على الروح نظامًا أقتنع بأنه بالكاد يصلح له، فالصورة وحدها — بما تملكه مما هو غير متوقع ومفاجئ — تمنحني معيار التحرر الممكن، وهذا التحرر يصل إلى درجةٍ من الكمال إلى حد أنه يفزعني».١٢٣
شعر الحلم، وشعر الصورة: نعلم إلى أي مدى سيستخدم السيرياليون — بالفعل — هذين الأسلوبين في تحرير الروح الإنسانية المقيدة بالعقلانية، وأيضًا بأمل أن تعود الشباك الملقاة في الأعماق السحيقة للاوعي بالكنوز المخبأة والإلهامات غير المتوقعة، لكن منذ نهاية القرن التاسع عشر، سيبحث بعض الشعراء عن طاقاتٍ جديدة في الحلم،١٢٤ وبشكل خاص شعراء النثر: وهذا الشعر غير المقفى — وغير المنطقي — يستتبع من الآن فصاعدًا إرادة القطيعة، لا مع كل أشكال التعبير القديمة فحسب، وإنما مع مجمل القيم المكتسبة وطرق التفكير، وهكذا نصل — مع الابتعاد الزمني — إلى اعتبار شعراء من قبيل «جاري» و«فارج» و«سان– بول– رو» روادًا، كان يمكن لمؤلفاتهم أن تبدو — في هذه الحقبة، وبدرجاتٍ متفاوتة — هذيانات جنونية ضائعة أو مهازل لطيفة: وإذا ما كان ثمة جانب من أعمالهم يبدو لنا اليوم مثيرًا للسخط أو باليًا، فهو — بالضبط — الجانب الذي يظل — (وينبغي أن نذكر أن ذلك ما يزال قائمًا بشكلٍ قوي إلى حدٍّ بعيد) — تابعًا للرمزية، ولعاداتها الذهنية، ومفرداتها، وبالمقابل، تظهر لنا صفحاتهم الأكثر غرابة، وبإلحاحٍ منذر — حسب تعبير «بول إيلوار» — «واقعٌ ما هو غير واقعي».١٢٥

(٢-١) جاري والدعابة الأوبوية

وبينما كان «فارج» و«سان–بول–رو» لا هم لهما سى إطلاق شراراتهما الشعرية الأولى في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، أعقب نشاط «جاري» العابر — إذ توفي في الرابعة والثلاثين من عمره عام ١٩٠٧م — نسيان ساد الاعتقاد أنه نهائي، ورغم هذا فهو الذي يجتذب اليوم أنظار الجمهور، ويبدو — من بين الشعراء الثلاثة — الأكثر تمثيلًا للاتجاهات الجديدة.

ومن الطريف أن نلاحظ أسماء الكتاب الثلاثة في فهرس «لار ليترير»، وهي إحدى المجلات الصغيرة التي قادها قدرٌ غريب إلى استقبال مؤلفات شعراء شبان واعدين بمجدٍ بعيد: فجاري وفارج — اللذان تعارفا في ليسيه هنري الرابع — بدءا معًا في «لار ليترير»١٢٦ تحت رعاية «لويس لورميل»، وهو «فتى طويل القامة وديع، أمرد وشعره أحمر، معذب بالجرائد والمجلات»، وسيكتب مقالًا تذكاريًّا في «فالانج» عام ١٩٠٧م، عقب وفاة «جاري»، كانت قصيدة النثر تحتل مساحةً كبيرة في المجلة: وقد تحدثت عما كتبه «لورميل» نفسه،١٢٧ وكانت هنك قصائد أخرى لكلٍّ من «م. كرمنيتز» و«موريس» و«موكلير»، وسنقرأ فيها أيضًا — عام ١٨٩٤م — مقتطفات من «مذبح الطواف»، و«لورميل» — الذي كان يسمي «سان–بول–رو» «فيكتور هوجو الخاص بنا» — كان يصرح أن قصائده النثرية «ذات لغة جديدة ومختلطة، حيث كل شيء فيها يترجم في صور»،١٢٨ و«افتتاحية التراجيديا» لفارج، التي بدأت بضربة الطبل هذه المشهودة:
إن الزعماء المنتصرين لهم رائحة قوية!١٢٩
ظلت في منتصف الطريق بين الشعر والنثر، وقد نشر «جاري» — في «لار ليترير» عام ١٨٩٤م — نثريات عجيبة: «الوجود والحياة»، ولا سيما «رؤى راهنة ومستقبلية»، التي تظهر فيها سلفًا «آلية نزع الدماغ» و«العصا الفيزيقية»،١٣٠ وLes Palatins ﺑ «آذانهم الأربع» و«جنيحاتهم الصغيرة» و«أقدامهم الكبيرة المفلطحة الرنانة»، وأيضًا اﻟ «باتافيزيقا»، التي تمثل «علم هذه الكائنات أو أجهزة معاصرة أو مستقبلية مع سلطة استخدامها»،١٣١ ويبدو هذا الخليط الغريب من الاختراع الفانتازي والدعابة «السوداء» سمة «جاري» الخاصة («الشنق أحد أهداف الإنسان»، مثلما سيقرر على سبيل المثال …)، وينبغي أن نؤرخ بنفس الفترة ثلاث نثريات غير منشورة، نشرها «موريس ساييه» عام ١٩٤٩م،١٣٢ تمثل محاكاة ساخرة ﻟ «لووي» و«مارسيل شووب» و«لوتريامون»، تكمن قيمتها الأساسية في إثبات الاهتمام الذي أولاه «جاري» وقتئذٍ إلى تقنية قصيدة النثر.
وخلال عام ١٨٩٤م، نشر «جاري» أيضًا قصيدة «قيصر المسيخ الدجال» في «لار ليترير»، وفي «ميركور دي فرانس»١٣٣ نشر «هالديرنابلو»، التي ستنشر في كتابه الأول «دقائق رمل تذكاري»، في نهاية العام، يا له من كتابٍ غريب، «دقائق رمل تذكاري» هذا!،١٣٤ فنقاد الوقت الراهن، الذين يأسفون على ارتباط شهرة «جاري» بشكلٍ مفرط ﺑ «أوبو—ملكًا» وحده، أكدوا على أهميته،١٣٥ وأراد بعضهم أن يروا فيه بدايات السيريالية والكتابة الآلية، ومثلما يقول «لوت»، تعتبر قصيدة «الحواس الخمس» «نموذجًا للنص السيريالي»،١٣٦ ويتم — عن طيب خاطر — اقتباس جملة «جاري» الشهيرة الواردة في مقدمته، باعتبارها مفهومًا سيرياليًّا قبل الحالة النهائية: «إن علاقة الجملة الفعلية بكل المعاني التي يمكن أن نجدها فيها لهي علاقة وثيقة»،١٣٧ ولا ينبغي أن ننسى — رغم هذا — أن هذه الجلمة تأتي في سياقٍ يدعي فيه «جاري» — بالتحديد — تمييز الظلمة التي ليست سوى «عماء سهل» (وهما كلمتان «مأخوذتان» خارج معناهما، أو — بالتحديد — بدون أفضلية في المعنى») الظلمة التي هي «بساطة مكثفة» (أي — مثلما يضيف «جاري» — «مركب مندغم وتركيبي»):١٣٨ لدينا هنا نظرية تقترب بشكلٍ فريد من النظريات لمالارميه،١٣٩ وإذا ما كان ثمة سيريالية، فينبغي الحديث — عندئذٍ، مثلما يلاحظ «م. ساييه» — «عن سيرياليةٍ أخرى، غير قابلة للفساد، مثالية، ومضادة بلا شك للسيريالية التي تدين بازدهارها المفرط إلى وصفات الكتابة الآلية»،١٤٠ والواقع أن فن «جاري» فن ملموس بإحكام، حيث الصور غير المتوقعة، والتشبيهات الأكثر غرابة، محسوبة، مثلما هي لدى «لوتريامون»، «إنه لا يترك مكانًا للإلهام، والهذيان، والاكتشاف»، مثلما يكتب «ج. أمروش»١٤١ الذي يعتبر «جاري» شاعرًا «شيطانيًّا».
ويمكننا اعتبار هذا الديوان — إلى حدٍّ ما — كتاب «تمارين»، وسلسلة من المحاولات المشدودة في اتجاهاتٍ مختلفة، من أجل «اختراع لغة»، حسب صيغة «رامبو»، والواقع أن التنوع الشكلي للأجزاء مدهش — وكأن «جاري» كان يحاول، بكل الطرق، العثور على نمط تعبير لا يخون رؤيته الأصيلة للعالم، و«الليدات الجنائزية» الثلاث، المتطورة أكثر من التقنية التي ستدفع «بول–رو» إلى الشهرة، هي «أبيات مكسورة»:

إنه رجلٌ ضئيل يرتدي زغبًا أحمر وتنيمه وتمزقه ريحٌ عاصفة، ذراعاه ملتويتان وأصابعه مقطوعة، قاع الأرض يمسك به من قدميه، ومن المشقنة تتدلى سلسلة مفاتيح، كسقيفةٍ ظافرة.

وإذ ينتفش بالبرد، لا يستطيع أن يعقد ذراعيه العاليتين دائمًا، لا يستطيع أن يغلق فمه الملتحم، صناجات هي أسنان المشنوق، اضربوا الأرض بأقدامكم، أيها المشنوقون، إلى الموت … قاع الأرض يمسك به من قدميه.١٤٢
ولا شك أن هذه المقطوعات ما تزال مشبعة — بشدة — بالرمزية و«عاداتها» اللغوية («تتدلى»، «صناجات هي …»، ومحارفات من قبيل «pendus aux poteaux = أيها المشنوقون إلى الموت)»، ونتبين أيضًا آثارًا رومانتيكية جنائزية ومؤثرات باطنية، ورغم هذا، فإن غرابتها المفارقة ونبرتها لا تنتميان إلا إلى «جاري»، وتليها سوناتات عادية، ثم «مسرح عرائس» بشخصيته الرئيسية «أوبو»،١٤٣ والجزءان المسرحيان اللذان يؤطران قصيدة النثر العجيبة التي تحمل عنوان «فونوجراف»، والتي تسمح بتوقع الاستفادة الرائعة التي سيحققها «جاري» من الاختراعات الحديثة والفانتازيا الآلية، وإذا ما كانت قصيدة «أفيون» — وهي «صفحة جديرة بمختاراتٍ من الأدب الحلمي»١٤٤ — ليست سوى سرد لحلمٍ يسجل، في اتجاه الفانتازيا والغرابة، تقدمًا واضحًا بالمقارنة ﺑ «حلم أفيون» ﻟ «إيلين»، فإن النثريات المكرسة ﻟ «الحواس الخمس» تشكل كلًّا يستحق تمامًا اسم قصيدة نثر، إنها قصيدة — من ناحيةٍ أخرى — ذات فانتازيا موجهة تمامًا، أكثر من النص السيريالي الخاضع للترتيبات العشوائية للاوعي: يكفي أن نرى بأية عناية اختار «جاري» العبارات الملائمة لاستدعاء «معنى» خاص لكل جزء، مثلما — على سبيل المثال — في الحاسة الخامسة، التذوق: «القطيع اللانهائي لرباعي الأقدام النحيلة يرقد مثل كلب يبحث عن عظم»، والهياكل العظمية «تفتح بلا صوتٍ شفاهها الصفراء في ابتسامات الذواقة»، والمومياوات «يقربن مفاصلهن الجادة من كسارة البندق»،١٤٥ وهذه الغرابة الكابوسية لحلقة الهياكل — العظمية — هذه التي تتقافز حول جنين — متسقة بشكلٍ متقن، وإتقان الأسلوب والتدقيق في التعبير يبلغان حد استخلاص مادة مشاهد خارقة شعرية من هذه العناصر ذات الجاذبية المحدودة:
أحمله خلال الرعشة التي لا شكل لها ولا لون من التراب الميت، الهواء تتسلط عليه أرواحٌ غير مرئية، لكن ليست أثيرية: ويتصاعد غبارٌ رقيق من العظام المتدفقة ويسبقني مثل عمود غامض مضيء.١٤٦
ربما أمكن لكل هذا أن ينشأ من زيارةٍ لمتحف … فنقطة الانطلاق تكمن دائمًا — لدى «جاري» — في الحياة الواقعية: ﻓ «جزء من الواقع القريبة منه كان ضروريًّا في بادئ الأمر، مثلما يكتب «ف. لوت»، عندئذٍ، تأخذ التشجرات المتفرعة لتبلورٍ ثقافي مجنون في التنامي بشكلٍ سريع حوله، وبشكلٍ جيد إلى حد أنه سرعان ما يصبح من الصعب ملاحظة النواة الأولية»،١٤٧ ومن «تبلور» كهذا حول أستاذ في ليسيه رنييه — كما نعرف — خرج الأب «أوبو».
ولدى «جاري» — من ناحية أخرى، دائمًا — ثمة مزيج من الشطط والمنطق، هذا المنطق الخاص بالحلم، الذي يمثل أيضًا شكلًا طبيعيًّا للدعابة لديه: وها هو مثال مميز من «أفيون»:

وقال لي موظفٌ مؤدب كان يغسل الموتى: «لا تتذمر أبدًا بعد ذلك، فمنذ ثلاثين عامًا لم نعد نعيش، اتبع الممر الموجه وأنت تحصي الأعوام، بعد ثلاثين عامًا، ستجد مشرحةً يغط فيها الشعراء، وتتحدث التليفونات إلى الموتى من خلال حواجز زجاجية، ومن خلال كوات زجاجية فيها يتعارف القتلة».

وبعد ثلاثين عامًا، وإذ أدرت الزر النحاسي، دخلت قاعة — قاعة مكتب تليغراف — فيها رجل، ريشة الكتابة في أذنه، وإذ سألني عما أريد، بلا هدف، أجبت: «أتيت من أجل الميت رقم ٤».

– هل من إثباتٍ أنك قتلته؟ ألا أوراق ولا سكين مختومة؟ لا يهم، إنني أعتمد على مظهركم الشريف، في الكوة السادسة، خذ النقود التي كانت معه».١٤٨
«مع جاري وأبوللينير»، تبدأ الدعابة والمفاجأة بدايةً رائعة في مجال الشعر»، مثلما سيكتب «نزارا» عام ١٩٥٠م،١٤٩ وذلك ليس دقيقًا تمامًا، حيث سبقهما في ذلك «لوتريامون»، وما يهم التأكيد عليه هنا، هو إلى أي حدٍّ تجد الدعابة — كعنصرٍ شعري — مجالها الأكثر ملاءمة في النثر، ففي نثريات «لوتريامون»، ثم «جاري»، — وفي القرن العشرين — نثريات «ميشو» ضمن نثرياتٍ أخرى، سينتشر بوجهٍ خاص «هذا المرح الفريد الذي تصبح فيه الغنائية هجائية، حيث الهجاء، وهو يُمارس على الواقع، يتخطى موضوعه إلى حد تدميره، ويتصاعد عاليًا إلى حد ألا يصل إليه الشعر إلا بعناء»، مثلما يقول «أبوللينير» عن «جاري» بالتحديد،١٥٠ والواقع أن الدعابة ترتبط بشعر الهدم، ويصعب إدراكها في شعرٍ منظوم، فهي — مثلما يكتب «ل. بيير كينت» (هذه المرة عن «لوتريامون»)، نقلًا عن «أندريه بريتون» — طريقة في التأكيد على «التمرد الأسمى للروح»،١٥١ فالفرد، بفضلها، يعلن عن حريته إزاء نظامٍ اجتماعي، أخلاقي، وجمالي يرفض الخضوع له، ويتبنى إزاءه موقف ترفع تهكمي، وهو يعيد خلق عالم خاص به: «فباحتكاكه بدعابته القاسية — مثلما يكتب «ج. ﻫ. لفيك» عن «جاري» — يتفكك العالم كي يتكون من جديدٍ في ضوءٍ مغاير تمامًا»،١٥٢ فكيف لا نتعرف هنا على هذا الموقف الفوضوي والفرداني الذي يميز — مثلما ذكرت في الفصل السابق — جانبًا كاملًا من الشعر المعاصر (أو الحديث، ببساطة)، والذي يمثل — بوجهٍ أخص — أحد قطبي قصيدة النثر؟ فمن الضروري، لفهم «جاري» والدعابة الأوبوية، أن نرده إلى حقبة الفوضوية الثقافية و«الفردانية المحتدمة»،١٥٣ وأن نتذكر أيضًا أن «أوبو» هذا — الذي يدفع بمرحٍ كل الفئات الاجتماعية إلى الفخ، ويعلن «سأقتل الناس جميعًا وسأرحل عنهم»،١٥٤ — يمثل تقريبًا (وذلك ما قاله) «الفوضوي الكامل مع ما يمنع من أن نصبح نحن الفوضوي الكامل الذي هو إنسان، تنبع منه النذالة، والقذارة، إلخ …»،١٥٥ ونعلم أن «جاري» بعد تقديم «أوبو– ملكًا» تقمص — أكثر فأكثر، وعن وعي — شخصيته المسرحية، وجعل من وجوده قصيدة دعابة عدوانية وهدامة: هزليات متعمدة، وانحرافات وفظاظات،١٥٦ وكم من مظاهر هدم للعالم من خلال العبث، وكم من «لا» المعارضة لعالمٍ موجد، تجعل من «جاري» رائدًا للدادائية.
وعلينا أن نؤكد — رغم هذا — أن هذا التمرد وهذا الهدم يديان، بطريقةٍ مفارقة، إلى خلق عالم أوبوي بشكلٍ خاص، يملك — شأنه شأن العالم الدوكاسي — مذاق حضور بلا مثيل، وتصحبنا «رحلات الدكتور فاوسترول»١٥٧ عبر مشاهد طبيعية غريبة (تحتشد — رغم هذا — بأشباحٍ مألوفة)،١٥٨ لا تتبدى فيها قوانين الفيزياء والمنطق إلا مشوهة أو مقلوبة، ورغم هذا — مثلما يكتب «ج. ﻫ. لفيك» — ﻓ «في حين أن كل شيء يبدو، أمام النفي الكامل لأكثرك المعطيات أولية، كأنه ينبغي أن ينحل ويتلاشى، وينفلت من عقلنا تمامًا، فثمة عالم آخر موجود هنا، مغلق وراسخ، فيما وراء العبث، متماسكٌ في بعدٍ جديد»،١٥٩ ألا تكمن غاية باتافيزيقا «جاري» في وصف «كون ملحق بهذا الكون» — أو على الأقل «كون نستطيع أن نراه أو ربما ينبغي أن نراه بدلًا من الكون التقليدي»؟١٦٠ وبدلًا من الفصول التلميحية المخصصة ﻟ «الجزيرة العطرية» أو «جزيرة بتيكس»،١٦١ سنضع ضمن قصائد النثر قصيدة «ثلاث عشرة صورة»، التي يعود تاريخها إلى نوفمبر ١٨٩٧م، والتي تتكون من لوحاتٍ غريبة وموجزة لا نستطيع القول ما إذا كانت رموزًا لدلالةٍ خفية، واستعارات مستخدمة بانتظام (مثلما في «النهر والمرج»)،١٦٢ أم أجزاء من عالمٍ على غرار «جيروم بوش»، فريسة تحولات غامضة، مثلما في «نابوشودونوصور متحولًا إلى حيوان»:
يا له من غروبٍ جميل! أو هو بالأحرى القمر، الشبيه بكوةٍ في برميلٍ كبير للنبيذ أكبر من باخرة، أو سدادة قارورة زيت إيطالية، والسماء (لونها) كبريت من الذهب المحمر إلى حد أنه لم يعد ينقصنا حقًّا سوى عصفور بطول خمسمائة متر سيكشفنا للسحب، والمعمار قاعدة كل هذه الشعلات، حي بشكلٍ جيد ومؤثر إلى حدٍّ ما، لكنه رومانتيكي بشكلس مفرط! هناك أبراج بعيونٍ ومناقير، وأبراج صغيرة تعطي رءوسها بقبعات الشرطة، امرأتان تنظران بشكلٍ متماوج إلى الريح من النوافذ مثل قمصان المجانين التي تجف …١٦٣
لن أقول سوى كلمة الختام، عن كتابٍ صغير ملغز سيشهد — مع مرور الوقت — تزايد الدراسات حوله، كتبه «جاري» في نفس فترة كتابة «إشارت وتأملات الدكتور فاوسترول» (نشر عام ١٨٩٩م): إنه «الحب المطلق»،١٦٤ وهو رواية — قصيدة غريبة يرى فيها «م. ساييه» شيئًا نم قبيل «العهد القديم والجديد» مكثفين في حدود قصيدة، أو حكاية من خمسة عشر نصًّا.١٦٥
وقد قيل عن هذا العمل الصغير أنه «ربما كان أول محاولة لخلق لغة لاعقلانية تمد دلالتها والأحداث التي تعرضها إلى زمنٍ ذي عدة أبعاد»،١٦٦ وفيه نجد أيضًا استخدامًا ﻟ «أحد الأساليب الأساسية في الشعر المعاصر»، هو «هذا التفكيك وإعادة البناء للكلمات»١٦٧ الذي يستخدمه (ويسيء استخدامه أحيانًا) الشعراء الحديثون منذ السيريالية: تلميحات وتشويهات و«تلاعب بالكلمات»، يسعى الشاعر من خلالها إلى أن يعيد للكلمات معناها الخفي وحيويتها الإبداعية،١٦٨ وذلك عندما يقارب «جاري» بين الكلمات myrrhe-mort-Miriam (مر–موت–ميريام)،١٦٩ أو يستخرج من كلمة Absolument (مطلقًا) لغزًا، يستخدمه في تحديد ما يحتويه الكون،١٧٠ وقد تمت الإشارة أيضًا إلى الأهمية والقيمة الشعرية ﻟﻟ تحول في هذا النص الاستثنائي حيث المؤلف هو نفسه والله في آن، وحيث تحل الشخصيات الواحدة محل الأخرى باستمرار، ويدور الحدث في بيت لحم وبريتاني في نفس الوقت — وهو ما يشير، أفضل من أي نصٍّ آخر، إلى عاقبة الإرادة الفوضوية التي تؤدي بالإنسان إلى عدم التمييز أبدًا بين الله وأن يكون الله، ولا يقل عن ذلك أهميةً أن نؤكد إلى أي مدى يكون لتكثيف الحدث والعلاقات القائمة بين العناصر المختلفة — (شخصيات تعاود الظهور، وأفعال تستمر أو تتكرر على مدى قرونٍ أو فصول، ومسافات، واستعادات للصور والكلمات)١٧١ — أن تحقق وحدةً بنية لهذا النص، بالطبع خارج كل منطقٍ عقلاني، لتصنع منه قصيدة، ولا شك أنه ليس من الخطأ — من جميع الأحوال — أن نقول إن «جاري» يبشر بالكتابة الآلية، لكن ينبغي هنا أن نصحح هذا التأكيد بأن نشير إلى مدى الوضوح (نستطيع القول–والفن) الذي ينظم ويركب به «جاري» العناصر العبثية والمجانية للوهلة الأولى — والمتنافرة، ما دام يخلط الذكريات الشخصية،١٧٢ والاختراعات اللفظية، والصور، والتلميحات إلى موضوعاتٍ أسطورية كبرى: كل هذا يشكل كلًّا واحدًا ومتعددًا في آن، ونوعًا من الحجارة ذات الوجوه المتعددة، والمهم — من الناحية التقنية — أن نرى كيف يحول «جاري» السرد إلى قصيدة، ويتمكن من هزيمةٍ تتابعية للسرد، بأن يقبل إمكانية أن تكون الأحداث ماضية ومستقبلية في آن، وأن تكون الشخصيات هي نفسها وشخصيات أخرى في نفس الوقت: على العموم، نجد هنا العودة الأبدية، لا في «الشكل الأولي»، بل في «الشكل الثانوي».١٧٣
نرى — في كل هذه الحالات — أن الموقف الجمالي والميتافيزيقي لجاري ليسا غير وجهي العملة لنفس الموقف إزاء الكون: فجاري هو الرجل الذي يسجن نفسه في «علبة جمجمته»١٧٤ سواء على صعيد الفن أو الفكر، ويعيد — من أجل استخدامه هو — خلق كون فردي، متحر من المكان والزمان،١٧٥ هو الله — أو الساحر الشيطاني.

(٢-٢) بدايات «ليون–بول–فارج»

وسنعثر — في عبورنا من «جاري» إلى «فارج»، أعني «فارج» الأول (مؤلف «ثانكريد» و«قصائد») — على نفس المزج بين الرمزية التي ما تزال حية والسيريالية في عنفوانها، والميل إلى الغريب والمساعي اللفظية والموسيقية، وثراء الصور، لكن النغمة مختلفة تمامًا: فالدعابة السوداء، و«الحداثية» العدوانية لجاري بعيدتان تمامًا عن الميل الحالم والنغمة الرثائية التي تغلب على «فارج».

ففي «ثانكريد» (وهو عمل من ثلاث «نثريات» تليها قصائد نظم)، المكتوب عام ١٨٩٤م، والمنشور عام ١٩١١م فقط، لا يمكن إنكار تأثير «رامبو»، ومثلما قال «رولان دي رونيفيل»،١٧٦ «تتضح الأبوية الرامبوية عندما نتأمل تقطيع الجملة، واختصارات الفكرة، وطريقة ما في تعرية أشياء الديكور من طابعها الشائع والمألوف، ومعاودة تقديمها لنا باعتبارها منارات مشهد خطر»، وبدلًا من الفقرة التي ذكرها «رولان دي رونيفيل» — على سبيل التدعيم لفكرته، والتي تيبدو لي صورها ما تزال رمزية في حذلقتها («في عقدة الستار، يعقد الصباح ببرود أفضاله الزرقاء»)١٧٧ — سأذكر بضعة سطور من النثرية الثالثة:
أسكت السندان والدائرة صوتهما البارع، وتجمدت النيران مهجورة، ومررت حيواناتٌ رشيقة لسانها المطاطي الأسود على ثوبها، خرج كل هذا في المشهد المتالق الذي جاء لينضم، وأمام النصر، فلم تعتد ذلك مطلقًا، تهللت شخوصٌ طيبة وصمتت، لكن لا شيء أثار قلقها، ورغم هذه الوقفة، لم تستثن أية هدنة صوت النيران المتألقة، والحب، في سماء الصباح، أحرق مائة راية، وجرت العصافير في كل مكان …١٧٨

خليطٌ من المجرد والملموس («الحب في سماء الصباح، أحرق مائة راية»)، والرغبة في التعميم («جرت العصافير في كل مكان»)، و«إيقاع النثر» في النهاية، فكل شيء هنا يذكر رامبو: فنرى في «ثانكريد» ميلاد أسلوب شعري جديد، واستخدامًا فنيًّا للقطع، والتوقف، والصورة المفاجئة، الذي سينتشر في القرن العشرين، وحتى الأسلوب.

وإذا ما كنت أتحدث هنا عن قصائد (نثر) كتبت في الفترة بين عامي ١٩٠٠م و١٩١٢م؛ فذلك لأنها هي أيضًا تبدو — مثلما يقول «س. شوميه» عن «ثانكريد» — كأنها «تلحق الرمزية بالسيريالية الوليدة»،١٧٩ فنحن نحس فيها بالرغبة المزدوجة في «أن تستمد من الموسيقى فضيلتها» من خلال لغة سلسة، تقترن بتموجات أحلام اليقظة، واللجوء إلى طاقات الصورة لتحقيق التحول الشعري، وفي هذه القصائد، حيث تنتشر «أشكال بطيئة»،١٨٠ وظلال متقلبة، مثلما في حلم، نرى أيضًا إشارات عجيبة وامضة، وتشابهات غريبة، واستعارات غير متوقعة، ولا شك أننا بعيدون هنا تمامًا عن الوضوح المذهل، وإشراقة الرؤى الرامبوية: كل شيء يدور في الغبش، في أقاصي الحلم والماضي: «يأتي رجلٌ من أعماق ماضيه»،١٨١ «تطفو الحياة السابقة وتوشوش»،١٨٢ وبلا انقطاع، في «محطةٍ صامتة وخاوية»، يبتعد ضجيج قطار،١٨٣ لكن — مثلما كان يمكن لرامبو أن يقول — «لا أحد يرحل»: فهذه التسكعات على غير هدى، وهذه النزهات الشبحية لا تقودنا أبدًا نحو الحياة الحقيقية، والجملة نفسها تضعف، وتتباطأ بفعل نقاط الإرجاء والشرط:
الحارس وعامل الهويس في البلد المحموم إذن — العظاية الرمادية الضخمة التي أوت إليها روح قديمة — ينفخ بصوتٍ بعيد يستدعي طقسًا وآلة متوحشين — لأنه يرى مرور أشياء لا نعرف أن نراها — يلحقان بالأفق حيث ينام الماضي تحت الرماد …١٨٤
غير أننا نجد في هذه القصائد ما هو أفضل من وعدٍ بمواهب لفظية نادرة: لقى من الصور: «هذه النظرة لامرأةٍ في نافذتها — رزينة وثقيلة مثل عنب أسود»،١٨٥ «فوهة موسيقى تنفتح»١٨٦ (صورة رامبوية للغاية)، «أشرق فجرٌ ذو قلب منقبض»،١٨٧ وشعور حاد بالفانتازي المديني والحديث يتلبد في أزقة المدن الكبرى — («أحب أن أبحث في ضواحيك عن عيني المجهول هاتين المألوفتين لي»، مثلما يقول «فارج»)١٨٨ — موصولًا بموهبة تحريك الأشياء، والحوائط، والشوارع، ومصاحبي حياة خفية، غريبة، مثيرة للقلق: «حائط إعلانات مرعب»،١٨٩ شارع رئيسي «يتتالى ويتثاءب»،١٩٠ «الخد الشاحب لساعة حائط»، «يهتاج بين الأشجار النحيلة»،١٩١ والطرق القديمة المسدودة، «الفاغرة مثل خرس يريدون الكلام».١٩٢
ونعثر على «فارج» — (بعد صمتٍ طويل)،١٩٣ خلال تواطؤه مع المجموعة السيريالية وانتقاله إلى مجلة «كوميروس»١٩٤ — أستاذًا لنثره، ومدركًا من الآن فصاعدًا لمواهبه الأصيلة كشاعرٍ باروكي وكوني، خرافي وشرس في آن، لكن دواوينه الأولى تجعلنا نتوقع — سلفًا — لغة شعرية جديدة، بل و«منطقًا شعريًّا» جديدًا، لن تجتمع فيه الكلمات أبدًا حسب المنطق التقليدي كي تخضع لفكرةٍ موجودة خارجها، لكنها ستسطع كل واحدةٍ ببريقها الخاص، وسترتبط في أفلاكٍ من الصور، والإيحاءات:١٩٥ نحن هنا في فجر تقنية جديدة، لا توشك أن تستنفد تأثيراتها.

(٢-٣) «سان–بول–رو»، أستاذ الصورة

أيضًا، ينتمي «سان–بول–رو» («أستاذ الصورة»، مثلما كان يسميه «أندريه بريتون»)١٩٦ إلى الرمزيين والسيرياليين في آن: إذ إن هذه الموهبة في الصورة، والاستعارة المدهشة تمامًا، غير المسبوقة دائمًا، تسمح له بالجمع بين الملموس والمجرد وأكثر الوقائع تباعدًا في وحدةٍ متوهجة، ولا شك أن هذا السيل من الصور يفيض أحيانًا إلى استعاراتٍ يمكن الحكم عليها بالتحذلق أو الغموضن أو الغزارة المفرطة،١٩٧ ولا يقل عن ذلك صحة أن هذه الأهمية الممنوحة للصورة تربط «سان–بول–رو» بالرمزيين الذين أرادوا — في ظل تنوع المظاهر المحسوسة — اكتشاف الوحدة العميقة للكون، لكنها تعلن أيضًا عن اتجاهات الشعر السيريالي الذي سيعتبر الصورة — «المجانية» إلى هذا الحد أو ذاك، لكن المفاجئة والخاطفة دائمًا — وسيلة لتفجير شرارة وإشراقة كاشفة، ولتحريرنا من المفاهيم المحفوظة: «في صورٍ معينة، مثلما يكتب «أندريه بريتون»، نجد بالفعل بداية هزة أرضية»،١٩٨ لا شيء يثير الدهشة إذن من أن نرى «أندريه بريتون» يعبر عن غيظه، في «مقدمة خطاب عن ضعف الواقع»، من ادعاء «ريمي دي جورمون» بأن يشرح لنا ما الذي تعنيه كل استعارات شاعر: فالشعر لا يُصنع كي يُفهم، وإنما ﻟ يخلق، وعلينا أن نأمل — مثلما يقول «بريتون» — أن تكون «الإبداعات الشعرية» مطالبة ﺑ «تحريك تخوم الواقع المزعوم».١٩٩
ومن الطريف الإشارة إلى أن «كاميي موكلير» قد وصفت «سان–بول–رو» — عام ١٩٠١م — مستخدمة كلمتي «عبقرية مهلوسة»،٢٠٠ لتذكر كمثالٍ على «الهلوسة الهادئة» قصيدة «دورق الماء الصافي» الشهيرة:
على مائدة ماخور أسود حيث سنحتسي خمرًا أحمر
كل شيءٍ مظلم ومضطرب بين هذه الجدران الأربعة
وحدة الثدي الكريستالي يؤكد معجزة مائه الساذج.
هل تشرب الضوء المفعم له ليلتمع هكذا، كأنه سقط من بنصر رئيس الملائكة؟ …٢٠١
ومن ناحيةٍ أخرى، من الخطأ أن نعتبر «سان–بول–رو» — مثلما يفعل «موكلير» — «شاعرًا غريزيًّا»٢٠٢ خالصًا، رجلًا من الطراز البدائي: فالعلاقات التي تقيمها الاستعارة في كل لحظةٍ بين الوقائع الملموسة والأفكار، بين الكون المحسوس والكون الروحي، تبررها نظرية الفكرة الواقعية Idéoréalisme، المعروضة بشكلٍ خاص في استهلال «مذابح الطواف»: ﻓ «عالم الأشياء» — مثلما يقول عنه «سان–بول–رو» ليس سوى اللافتة غير الملائمة لعالم الأفكار، ويبدو لي أن الإنسان لا يسكن إلا في عالمٍ غريب من إشاراتٍ غامضة، وتبريرات سطحية، وتحريضات خجولة، وقرابات بعيدة وألغاز»،٢٠٣ وعلى الشاعر أن يعثر على «الجمال» الأبدي المتخفي خلف قناع المظاهر، وأن يؤلف بين الأفكار والأشياء، ويمنح الكلام مغزى ﻟ «كل العماء الذي لا يصوغه العالم»؛ ولهذا، يمكن ﻟ «سان–بول–رو» أن يقول إن «الكائن المثالي، الشاعر، يحتوي الكون بالقوة».٢٠٤
وتربط هذه النظرية «سان–بول–رو» — من ناحية — بالسلالة الكبيرة للشعراء/السحرة أو الرائين الذين يأتي الشعر، لديهم، بالكشف إلى الإنسان، بمفتاح لأبجديةٍ ضائعة، على النحو الذي لم يكف عن تأكيده كل من رولان دي رونيفيل» و«تيوفيل بريان»،٢٠٥ وهي — من ناحيةٍ أخرى — تفسر التنوع الشكلي لقصائده ورغبته في «تحرير الكلمة»:٢٠٦ ولأن الكلمة بالفعل تصبح أداة خالقة، ولم يعد التحديد وظيفة الكلمات وإنما الخلق (لا يقول «سان–بول–رو أن «الشاعر استمرار لله»،)٢٠٧ فيصبح من الضروري تحرير هذه الكلمات من طغيان القاموس الذي يثبتها كل واحدة في معنى، وأيضًا الأشكال الفنية الثابتة التي تسجنها في أطرٍ محددة سلفًا، فما إن نعي أن الكلمة «كائنٌ حي» — مثلما يقول «فيكتور هوجو»٢٠٨ — حتى صبح «الحركة والانفعال من مكتسبات الكلمة؛ ولهذا رأينا الجمل المتجمدة، الملولبة، المصلوبة، تفيض في الهامش أو تتخطى الصفحة»،٢٠٩ وبعد أن تحررت القصائد الجديدة (أي قصائد سان–بول–رو») من كل قيدٍ خارجي، أخذت تبدو مثل «وحدات بكتريولوجية حقيقية، يتأثر فيها كل شيءٍ بالوحدة مثلما في الطبيعة، وفيها تنظم وترتب عبقرية الشاعر التركيبية»،٢١٠ ويرفض «سان–بول–رو» أن يميز بين «كتابةٍ بالشعر» و«كتابة بالنثر»، فبالنسبة له، هناك «أسلوب الجمال بكل بساطة»،٢١١ فالواقع أن «الجمال» — في أي شكلٍ يتخذه — «يمتلك الإيقاع كأساسٍ جوهري»، وهو ما لا يمكن تدريسه في الأبحاث، لكنه ينبغي أن يتخذ «حركات الحياة نفسها»:٢١٢ ويخلص إذن — مع الرمزيين — إلى أن الشكل حر، ومتغير إلى ما لا نهاية، حسب الانفعالات أو الحركات التي يتم التعبير عنها، ويقطع «سان–بول–رو» شوطًا أبعد من أتباع الشعر الحر، فيستخدم — في قصيدة «السيدة المزيفة» «أشكالًا تتلاءم مع الانفعالات المتقاطعة»، ونثرًا موقعًا وآيات وشعرًا حرًّا، وعندما يسألونه عام ١٩٠٥م عما «إذا كان يؤمن بمستقبلٍ للشعر الحر»، يجيب: «بالتأكيد، وأيضًا بمستقبلٍ للنثر ذي الأوزان المتأرجحة بالأسجاع»،٢١٣ والواقع أن الجزء الأكبر من أعماله يتكون من قصائد نثر موزونة ومسجوعة، لكن إنتاج «سان–بول–رو» يمثل مظاهر متنوعة للغاية؛٢١٤ لأنه — في آن — يريد أن يتنوع ويتعدد كالحياة نفسها؛ ولأنه يمتد على مدى خمسين عامًا (١٨٩٠–١٩٤٠م).
وتقدم لنا قصيدة «دورق الماء الصافي»، السابق ذكرها، مثالًا جيدًا لهذا النثر «المتأرجح بالأسجاع»، حيث نشهد مشاركة «سان–بول–رو» لجهود «جوستاف كان» وكل من يدعون — في الفترة بين عامي ١٨٨٥م و١٨٩١م — «التنظيم الأوركسترالي» للنثر (يعود تاريخ هذه القصيدة إلى عام ١٨٨٩م): فثمة تلاعب كامل بالقوافي الداخلية بين bouge (ماخور) وrouge (أحمر)،noir (أسود)، boire (يشرب)، وبين absorbé (تشربت)، lumière plénière (الضوء المفعم) وcéans وtombée (سقطت)، وannulaire (بنصر)، archange (رئيس الملائكة) … وفي قصيدة «اليمامة» ثمة استخدام للمحارفات بحروف ou, r, l, c أو cr بما يصل إلى حد التناغم القائم على المحاكاة، ليس بدون بعض التفاهة:
La colombe roucoule; écoute, un caillou roule en le soufflé qui coule ou croule dans le joujou frêle de son cou.
تهدل اليمامة، أنصت، حصة تتدحرج في النفس الذي يسيل أو يميل في اللعبة الهزيلة لرقبتها.٢١٥
وينبغي القول إن اللهجة الرمزية — وهفوات الذوق، والافتقار إلى ترخيم الصوت غالبًا، ما رأيكم في هذه اللازمة: «يا من تنتمي إليَّ، فلنتجنب المنغصات التي تتلاعب بها أيد نحيفة إلى حد الاختفائية؟»٢١٦ — تجعل قراءة كثير من هذه القصائد غير محتملة، وبشكلٍ خاص أكثر القصائد «فنية»: تلك التي يفرض عليها «سان–بول–رو» — رغم نظرياته — البناء في مقاطع ولازمات بشكلٍ مصطنع إلى حدٍّ بعيد («قبرة» و«ميناء الساعة» و«الخفاش») … في الجزء الأول من «مذابح الطواف»، و«اليمامة»، و«الغراب» (في الجزء الثاني)، هل أعترف أنني — رغم الإعجاب الذي أبداه «ر. دي جورمون» بقصيدة «حج القديسة آن»٢١٧ — أجد هذه «الوعود» المرتديات ملابس الأحد، والمعطرة بالزعتر البري»، و«آذان هؤلاء المزينات بالضفائر الشقراء «انحطاطية بشكلٍ يدعو إلى الاستياء؟
ورغم هذا، فسرعان ما انصرف الشاعر (ربما اعتبارًا من الفترة التي أقام فيها في «روسكانفيل»، واختلط بالصيادين البريتونيين أكثر من احتكاكه بالوسط الأدبي الباريسي)، عن هذه المؤثرات المصطنعة إلى حدٍّ ما، فقد رفضت موهبته المتأججة، الغنائية والاستعارية بعنف، كل الأطر، وأحيانًا ما يستولي على «سان–بول–رو» — مثلما في قصيدة «سلام ملائكي لماسيليا» — هذيان تعدادي حقيقي:
… جوقة السردين الحي، دغل «روف»، بنجر «جاردان»! انتصار la favouille، وتوتياء البحر، والمحار، وبلح البحر، والعصيدة وحساء السمك حيث تنتصب أسماك الرسكاس! تمجيد النوجا، والشاب الأنيق، والحلوى، وقبور الأولياء والمضخة وبهرجات عيد الميلاد، وعيد الفصح وعيد سان ميشيل!٢١٨

وهو أحيانًا ما يترك «عوالم الجن الداخلية» — وهو عنوان الجزء الثالث من «مذابح …» — تنساب في مجازاتٍ رائعة (هو الذي يلقبونه ﺑ «الرائع»): في قصائد «الشاعر ذو الزخارف الزجاجية» و«البهجة» و«العملة النادرة»، أو يعظم — وهي الكلمة التي ترد بالبال — من أكثر الوقائع يومية، القوارب البريتونية أو عرائس «ديفين»، إن لم يعرض — في نثرٍ طنان دائمًا ومزركش بالصور — مفاهيمه الشعرية والجمالية: في قصائد «تحرير الكلمة» («مذابح»، الجزء الثاني)، و«نظم الشعر» (الذي يرجع تاريخه إلى عام ١٨٩٨م، في الجزء الثالث)، وهكذا أمكنك لبطاقة «قصيدة نثر» أن تغطي أشياءً متنوعة رخيصة ومدهشة وغزيرة مثل الحياة نفسها، حيث تتجاور قصائد ووقائع ومجازات وعروض نظرية … وإذا ما كانت الأنواع متنوعة للغاية، فضلًا عن ذلك، فإن الشكل لا يقل عنها تنوعًا، إذ يبدأ من الشعر الحر إلى النثر المتفتح في دوائرٍ كبيرة، مرورًا بأشكال الآية، وذلك في نفس النص في أغلب الأحيان: ثمة هنا ملاحقة للمحاولة «التركيبية» الكبرى للرمزيين.

والقصائد المعدودة التي كتبها «سان–بول–رو» بين عامي ١٩٠٠م و١٩٣٨م، ويجمعها ديوان «الغابرة ذات التسريحة متعددة الجوانب» (المنشور بعد وفاة الشاعر)، تضم أنواعًا متنوعة للغاية: فبعضها يتاخم النثر والنوع الخطابي (قصيدة «إلى فييه دي ليل–آدام» عام ١٩٣٨م)، والبعض الآخر كُتب في شعرٍ حر أ وآيات (قصيدة «صلاة إلى المحيط»، عام ١٩٢٧م، أو «شكوى مورفين الجالي» المكتوبة إلى «ماكس جاكوب»)، ورغم هذا، فينبغي التأكيد على أن عددًا منها يرجع لمؤثرات الأسجاع واللازمات، لكن في لغةٍ أبسط وأرخم بكثير، وربما تكون قد خضعت لتأثير «بول فور» (تأثير التبادل، إذا ما سلمنا بأن بول فور نفسه قد تأثر في قصائده الأولى بصديقه «سان–بول–رو»، الذي طبع اسمه على رأس «أناشيد غنائية»): ثمة تنظيم عروضي واضح في «المجهول» (١٩٢٠م) أو في «صندوق الذخائر» (١٩٢٧م)، مثلما في «أناشيد غنائية» لبول فور:

هل كنت أشقر، هل كنت أحمر الشعر، هل كنت أسمر، هل كنت أبيض، محاربًا أزرق لفحته صدمةٌ شريرة فحولته إلى الأحمر؟ من الشرق أو من الجنوب، من الشمال أو من الغرب، هل كنت عجوزًا أم شابًّا ما تزال، قل، هل كنت فقيرًا أم فاحش الثراء؟٢١٩
وهكذا، نجد في هذا العمل — في آن — تطورًا وختامًا لدائرة، مع استمرار الثوابت في نفس الوقت (غنائية عالية التحليق، وخيال عنيف) التي تتأكد من خلالها شخصية الشاعر: لقد ظل «سان–بول–رو» «أستاذ الصورة»٢٢٠ حتى النهاية.

ها هو إذن شاعر يقف على حدود المرئي واللامرئي، يعرف كيف يجعلنا نشعر باللامرئي دون أن يكف عن تمجيد المرئي بعظمة، ولا شك أننا نجد في مؤلفاته الأفضل والأسوأ، وأحيانًا ما تتحد مبالغات هذه العبقرية الغزيرة مع المبالغات الرمزية لتفضي إلى أخلاطٍ غريبة، غير أنه — حتى في مغالاته — يستحق الاحترام: فالدور الذي منحه للصورة، والمفهوم الذي يصوغه للشاعر– الخالق، بل حتى انغماسه في الهذيان اللفظي، ينطوون على مبادئ خصبة، وربما بذور شعرية جديدة.

وشأن «جاري» و«فارج»، يقيم «سان–بول–رو» جسرًا بين الرمزية والسيريالية: وسيكون مثيرًا للدهشة أن نرى انبعاث هذه الأسماء الثلاثة بعد تدهور عام ١٩١٨م، ولا يقل عن ذلك أن نعتقد أن أفضل ما في رسالتهم قد تركه لنا هؤلاء الشعراء في لغة النثر، فلو كانوا قد عبروا عنه شعرًا (حتى بالشعر الحر)، أكان له أن يظل كما هو؟ ثمة شكل ما في الدعابة، ومناخ حلمي معين، وغزارة ما في الصور تعلن — مع «جاري» و«فارج» و«سان–بول–رو» — عن دخولها الشعر، من خلال قصيدة النثر، وبفضلها.

١  ينبغي — بطبيعة الحال — تصحيح ما قد يكون لهذا التأكيد من قيمة مطلقة، بأن ننحي جانبًا أعمالًا من قبيل مؤلفات «فيرهارين»، وبشكلٍ خاص «فيليه–جريفان».
٢  انظر الفصل السابق، الفصل الرابع من القسم الثاني.
٣  هو التعبير الذي استخدمه «ميشو» في Message de Symbolisme, Nizet, 1947, t. III, pp. 480-481.
٤  «أهرب وأتعلق بكل المفترقات،
التي ندير منها الظهر إلى الحياة …» (Mallarmé, Les Fenêtres, Œuvres, p. 33).
٥  انظر نهاية الفصل السابق، الفصل الرابع من القسم الثاني.
٦  ويوضح «وايلد» — مثلما يقول لنا «جيد» — أن بعض المؤلفات تظل غير مفهومة لفترة طويلة؛ لأنها «تأتي بإجابات على أسئلة لم يتم طرحها، فالسؤال يأتي غالبًا بعد الإجابة بفترة طويلة بشكل مرعب» (Prétextes, Mercure de France, 1919, p. 280)، وهكذا، يبدو أن تأثير «ويتمان» الحقيقي، الذي ترجم له «لافورج» و«فيليه–جريفان» عدة قصائد من «أوراق العشب» في الفترة بين عامي ١٨٨٦م و١٨٩٢م، قد تحقق فقط على الكتاب الشبان في بداية القرن العشرين، الأكثر انفتاحًا على هذه الاتجاهات «الحداثية» و«العالمية» (قارن بما سيلي، الفصل الأول من القسم الثالث)، انظر — في هذا الموضوع — مقالي «مانسيل جونز Mansell Jones» في The background of modern french poetry, Cambridge, 1951، لن نندهش إذن — رغم أن «ويتمان» هو «شاعر الحياة» بامتياز — من أن أمر عليه مرور الكرام في الفصل الحالي.
٧  خطاب إلى «ب. موريس»، أغسطس ١٨٩٤م، Lettres de Samain, Mercure de France, 1933, p. 64.
٨  قارن ﺑ Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, p. 57, et Nietzsche et Gide, dans A. Gide et la pensée allemande, par R. Lang, L.U.F., Egloff, 1949.
٩  La philosophie de Nietzsche, Alcan, 1898.
١٠  Sur Nietzsche, La Plume, 1er Septembre 1898, p. 520، انظر أيضًا مقال «روبيل» عن Le Nietzschisme في La Plume du 1er Août 1902.
١١  Ainsi Parlait Zarathoustra, trad. G. Blanquis, Collection Billingue, 1946, p. 265.
١٢  بالنسبة لجيد، ثمة لدى «نيتشه» — في آن — درس عن «الحياة الفرحة» ودرس عن حرية الروح، التي تشبه إلى حدٍّ بعيد روح النقد الحر للبروتستانتية (Prétextes, Mercure de France, 1919, pp. 167, 174, et 177).
١٣  تعاود صورة «الرقص»، «زرادشت الراقص»، الظهور بلا انقطاع لدى «نيتشه» (Ainsi parlait Zarathoustra, p. 567)، «ينبغي أن يكون السديم ما يزال في النفس لإنجاب نجمة راقصة»، مثلما يقول «زرادشت (id., I, 5, p. 61)، ويقترح على نفسه الكفاح ضد «روح الجاذبية» (ص١٧٩): وسنجد لدى «رامبو» نفس الصور عن الرقص (Phrases, Œuvres, p. 178)، والاندفاعة (Solde, Œuvres, p. 201)، ولنضيف أن «نيتشه» نفسه كان يقول: «أسلوبي رقصة» (ذكره R. Barkan, Nietzsche maître de style, Mercure de France, 1er Janv. 1935, p. 71).
١٤  Des Sages illustres, t. II, p. 221، أتصور أن الرمزيين قد شعروا بجدة الإيقاع والصور، حتى من خلال ترجمات «هنري ألبير» الرديئة.
١٥  قارن بما سبق، الفصل الرابع من القسم الثاني.
١٦  ذكره Pierre-Quint, André Gide, Stock, 1952, p. 428.
١٧  ١٣ فبراير ١٨٩٢م (ذكره Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, p. 40).
١٨  ٣١ أغسطس ١٨٩٤م (السابق، ص٤١).
١٩  إجابة على استقصاء مجلة Poésie 41, Octobre-Novembre 1941 عن رامبو.
٢٠  المرجع السابق.
٢١  انظر — في هذا الموضوع — خطاب «إيزابيل رامبو» إلى «باتيرن بيريشون» في ١٢ أكتوبر ١٨٩٦م (Œuvres de Rumbaud, Pléiade, p. 591).
٢٢  La Plume, 15–31 Mars 1869, p. 190.
٢٣  La Plume, 1er–15 Juin 1895.
٢٤  La Plume, 1er–30 Mai 1896.
٢٥  احتجاج منشور في Mercure de France, Février 1897.
٢٦  «كنا نحلم في ذلك العهد بأعمال فنية خارج الزمن والأشياء العارضة»، مثلما كتب «جيد» إلى «شلومبيرجيه» حول الفترة «لمالارميه» الرمزية، واعترف — إلى «ج. دوسيه» — قائلًا: «بلغت أقصى درجات المعاناة لأعيد وضع قدمي على أرض الواقع» (ذكره Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, p. 21).
٢٧  انظر الحديث مع «زولا» حول «النزعة الطبيعية Naturisme»، الذي أعادت «لا بلوم La Plume» نشره في العدد الخاص عن «الطبيعية»، في الأول من نوفمبر ١٨٩٧م، ص٦٨١.
٢٨  سنجدها مذكورة في كتاب Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, p. 33، حيث توجد كل الوثائق الخاصة بعلاقات «جيد» بالحركة الطبيعية.
٢٩  انظر Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, p. 30، والصفحات التالية.
٣٠  La Plume, Avril 1897, p. 210.
٣١  مقال منشور في La Plume, 1er–15 Décembre 1896, p. 773.
٣٢  ذكره «ريتيه»، المرجع السابق، ص٧٧٣، والطريف للغاية أن نقارن بين القطع في الجملة الأخيرة واﻟ «آه!» التي ترجئها، وبين كل الجمل المقطوعة ﺑ «آه!» في «قوت الأرض»، ما كان لهذا التقارب أن يكون من ذوق «جيد».
٣٣  في Lettre à Angèle, Ermitage, Septembre 1898 (ذكره Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, p. 34)، وبالمقابل، فبعد نشر La Route Noire عام ١٩٠١م، سيوجه «جيد» نقدًا عنيفًا حقيقيًّا لأسلوب «دي بوئيليه» (جمع في Prétextes, Mercure de France, 1919, pp. 225–234): «لم يعد السيد دي بوئيليه يعرف اللغة الفرنسية»، مثلما سيصرح (ص٢٢٦).
٣٤  La Plume, 15 Juin 1898, p. 423.
٣٥  La Plume, 1er–15 Décembre 1896, p. 771.
٣٦  مقال M. Le Blond dans La Plume, 15 Juin 1898, p. 423.
٣٧  قارن بقصيدة «مونفور» بعنوان «عشيقة»، المنشورة في Revue Naturiste, Juillet 1897، التي تتكرر فيها هذه «اللازمة» بين المقاطع: «عشيقة! عشيقة! عشيقة!»
٣٨  في قصيدة «عندما تقترب من المنزل»، التي سأعود إليها.
٣٩  Revue Naturiste, Mai 1897, p. 116.
٤٠  Mercure de France, Juin 1897.
٤١  كان «جاسكيه» سينشر شهادات للطبيعية في العدد الخاص من «لا بلوم La Plume» (الأول من نوفمبر ١٨٩٧م)، يعبر فيها عن إيمانه بنهضة فنية قوية، وثنية و«طبيعية» في آن، حول أجزاء «نارسيس»، انظر E. Jaloux, Les Saisons Littéraires, L.U.F., Fribourg, 1942, p. 99.
٤٢  E. Jaloux, Les Saisons Littéraires, L.U.F., Fribourg, 1942, p. 273.
٤٣  السابق، ص٢٧٤، ويشير «جالو» — عن حق — إلى أنه بين عامي ١٨٩٦-١٩٠٢م، ساد في النثر «شكل في السرد الغنائي أو الفلسفي» (les Nourritures, Jacinthus de Signoret, Narcisse de Gasquet, Tancrède de Fargue, etc.)، «ثم حدثت بعد ذلك عودة إلى رواية التحليل أو رواية الأخلاق، الملائمة أكثر للعبقرية القومية» (ص٢٧١-٢٧٢).
٤٤  «كل الناس تعرف أن السيد جام يجهل تركيب الجملة الفرنسية وقواعد الشعر الأكثر أولية»، مثلما يقول «م. لي بلون» (ص٤٢٤)، و— فيما بعد — «لقد عثر السيد جام الطيب هذا على الشعور المتضخم بالسخرية منه»، فنجاحه لن يرجع إلا إلى «تفاخر بالحماقة» (ص٤٢٥).
٤٥  الأول من يوليو ١٩٢٠م.
٤٦  Mercure de France, Février 1897، أعيد نشر النص في Journal de Gide (Pléiade, 1948): انظر Feuilles de route, 1896, p. 74.
٤٧  في نوفمبر ١٨٩٦م، أعيد نشرها بعد Roman du Lièvre, Mercure de France, 1903, p. 291.
٤٨  «أبعث إليك بعض قصائد نثر عن هذا البلد الذي ازدهرت فيه صداقتنا»، على ما يكتب «جام»، مرسلًا «واحات» إلى «جيد»، في يوليو ١٨٩٦م (Correspondance entre Gide et Jammes, 1893–1938, N.R.F., 1948, p. 78).
٤٩  «كان ثمة عامل يكدح كثيرًا له زوجة صالحة للغاية وابنة صغيرة جميلة، كانوا يسكنون مدينةً كبيرة، ولعيد الأب، اشتروا سلطةً بيضاء جميلة ودجاجة وحمروها، والناس كلهم كانوا سعداء» … إلخ … (Roman du Lièvre, p. 250).
٥٠  ستجمع اثنتان منها، «سيلفي» و«كليسي» بعد Roman du Lièvre, pp. 305 et 307.
٥١  Almaïde d’Etremont ، بعد Roman du Lièvre, Mercure de France, 1903, p. 182.
٥٢  خطاب إلى «جام»، يوليو ١٩٠١م، Correspondance entre Gide et Jammes, 1893–1938, N.R.F., 1948, pp. 174-175، قارن ﺑ Prétextes, N.R.F., 1919, p. 241: «إننا لا نقرأ فرانسيس جام، إننا نتنفسه، نرتشفه، إنه يتغلغل فيك عبر كل الأحاسيس» (A propos d’Almaïde d’Etremont)، وقد نشرت عام ١٩٠١م، بعد Clara d’Ellébeuse بعامين.
٥٣  «يا له من فناء شهواني يذوقونه، بعد أن شق سعير ما بعد الظهيرة صلصال الدروب الضيقة، والدموع المتباعدة لعاصفة رنت فجأة على أوراق الشجر»، حسبما يكتب «جام» عن أبطاله في جملة متميزة للغاية (Almaïde d’Etremont بعد Roman du Lièvre, p. 181).
٥٤  خطاب موجه إلى «جام» (١٤ أكتوبر ١٩٠٤م)، ذكره Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, pp. 171-172.
٥٥  إنه يضع هذه الكلمة في صدر دراساته حول André Gide, Charlot, Alger, 1938.
٥٦  ٢٥ أبريل ١٩١٨م، Journal, éd. de la Pléiade, p. 652.
٥٧  في الجزء الأول من Livre de Monelle، انظر — فيما سبق — الفصل الرابع من القسم الثاني.
٥٨  «أيتها الأشكال المختلفة للحياة، كلكم تبدون لي أشكالًا جميلة» (Nourritures Terrestres, 112° éd., N.R.F., 1940, p. 23)، قارن بصفحة ١١٨: «أردت أن أذوق كل أشكال الحياة».
٥٩  إن «جيد»، الذي لم يتمكن أبدًا — لأسفه الشديد — من العثور على هذه القصيدة، يكتب إلى «لا فلاش»، حيث كان «مارسيل دوران» — صهر «جيد» — يعمل مدرسًا في «بريتاني»، وكان معاصرًا تقريبًا ﻟ «قوت الأرض»، وفي «قوت …» تتكرر كثيرًا اﻟ «آه» التي تقطع الجملة المذكورة، ويتحدث «جيد» مرتين عن هذه القصيدة في Journal, le 14 Décembre 1931 et le 24 Mars 1935.
٦٠  Journal, 14 Décembre 1931, p. 1096.
٦١  Journal, 24 Mars 1935, pp. 1223-1224.
٦٢  السابق، ص١٢٢٤.
٦٣  قارن بما سبق، الفصل الرابع من القسم الثاني.
٦٤  إن بطل الكتاب، الذي يشرع في كتابة رواية، يأمل في أن «يتماوج» إيقاع الجمل «حسب منحنى الأفكار، في ارتباطٍ متبادل بارع» (André Walter, Cahiers et Poésies, Les Œuvres représentatives, 1930, p. 110, en note 1er édition, 1891)، قارن أيضًا بصفحة ١٧٤: «وعندما يحتج تركيب الجملة، ينبغي قمعه، هذا الحرون، ذلك أنني أجد إخضاع الفكرة له شيئًا جبانًا للغاية».
٦٥  André Gide, Charlot, Alger, 1938, p. 62، هذه الفانتازيا الرمزية ذات النزعة الرمزية، تبدو لنا اليوم — بشكلٍ خاص — تمرينًا أدبيًّا ولعبة هواة، وينبغي أن نشير — رغم هذا — إلى، «غيون»، في مقاله الذي نشره عن «جيد» عام ١٨٩٧م، يعتبر «رحلة أوريان» قصيدة، لغتها «تخضع لكل اختلاجات الانفعال في إيقاعٍ لا يمكن حتى للشعر الحر نفسه، ذي النغمة الرفيعة، أن يقدمه» (Mercure de France, Mai 1897, t. 22, p. 251).
٦٦  «عندما أعيد فتح مؤلفي «كراسات أندريه والتر» اليوم، تثير غيظي لهجة صلاة التقوى» (Si le grain ne meurt, N.R.F., 1er partie, p. 246)، وسنجد معلومات مفيدة في Si le grain ne meurt حول الفترة التي تمتد من «أندريه والتر» إلى «قوت الأرض».
٦٧  قارن بما سبق الفصل الخامس من القسم الثاني، وY. Davet, Autour de Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, pp. 40–42، الذي سنجد فيه — بشكلٍ خاص — هذا التصريح الذي أدلى به «جيد» إلى «باتيرن بريشون»: «كانت إشراقات» زادي، وتكاد أن تكون قوتي الوحيد خلال شهور النقاهة الأكثر أهمية في حياتي» (إذن، حوالي عام ١٨٩٤م)، ص٤٢
٦٨  انظر Y. Davet, Autour des Nourritures Terrestres, N.R.F., 1948, pp. 42–51؛ «هل من الملائم الحديث هنا عن التأثير؟ مثلما سيقول «جيد» إذا ما كنت قد تركت «جوته» يعلمني عن طيب خاطر؛ فذلك لأنه يعرفني بنفسي» (Goethe, Nouvelle Revue Française, Mars 1932, cité par Y. Davet, p. 50).
٦٩  كتبت «مستنقعات» — مثل «قوت» — «خلال حقبة كان الأدب يتميز فيها بالافتعال والانعزال بشكل حاد» (Préface à l’éd. de 1927 des Nourritures): ونستطيع أن نرى في «مستنقعات» الوجه الآخر المدمر، والسلبي، لمؤلف التطهير الأدبي، الذي يقدم «قوت الأرض» وجهه الإيجابي الحماسي: فيها يسخر «جيد» — على سبيل المثال — من أسلوب كاتب رمزي في نفس شهرة «ﻫ. دي رينييه» (هذا اﻟ Hermogène الذي يسمى الشبوط «انذهالات بليدة»، Paludes, N.R.F., 1926, p. 23)، ومن زهو الصالونات الأدبية، وصرخة الفصل الأخير: «أيها الرب! أيها الرب! نحن مسجونون بشكل مرعب!» (ص١٦٦) تنبئ ﺑ «انطلاقات» اﻟ قوت.
٧٠  Nourritures Terrestres, N.R.F., 1940, p. 35.
٧١  مقدمة «أندريه جيد» لطبعة عام ١٩٢٧م من «قوت الأرض».
٧٢  «رغم المرض، إن لم يكن بسببه! لم أكن سوى احتفاء وبهجة» (Le Renoncement au Voyage, cité par Y. Davet, op. cit., p. 64).
٧٣  G.-L. Estève, Vers André Gide, dans Etudes philosophiques sur l’expression littéraire, Vrin, 1938, p. 38.
٧٤  Les Nourritures Terrestres, N.R.F., 1940, p. 89.
٧٥  Ronde de tous mes désirs, fin, eod. loc., p. 105.
٧٦  المرجع السابق، ص١٥٦.
٧٧  المرجع السابق، ص١٦٤.
٧٨  نشعر بذلك أحيانًا حتى في الأسلوب، مثلما على سبيل المثال في بداية الكتاب السادس:
«يا وصايا الرب، أوجعتم روحي.
(…) يا وصايا الرب، أمرضتم روحي،
وحاصرتم بالجدران المياه الوحيدة التي تروي عطشي» (ص١٣١)
٧٩  كما في «دائرة أعبد فيها ما أحرقت»، ص٣٣–٣٥:
هناك كتب نقرؤها، أثناء الجلوس على لوح صغير أمام مكتب التلميذ
وهناك كتب نقرؤها أثناء السير
(…) وهناك كتب قرأتها على عجل …
… وهناك كتب تجعلك تعتقد أنك تملك روحًا، وأخرى من أجل إحباطها.
هناك كتب تثبت وجود الله؛
وأخرى لا نستطيع منها الوصول إلى ذلك … إلخ.
فالتماثلات والرتابة المقصودة تتناقض — بالتحديد — مع حرية جمل النثر التي تأتي بعد ذلك.
٨٠  انظر ما سبق، الفصل الثالث من القسم الثاني.
٨١  Les Nourritures Terrestres, N.R.F., 1940, p. 169.
٨٢  المرجع السابق، ص١٥٨.
٨٣  المرجع السابق، ص٢٤، وتلعب علامات الترقيم — ولا سيما علامة التعجب، مثلما يشير «هيتييه» عن حقٍّ تمامًا — دور «عصا القياس» (André Gide, Charlot, 1948, Alger, p. 70).
٨٤  Nourritures, p. 171.
٨٥  المرجع السابق، ص١٤١، قارن — في السطور القليلة السابقة — باستدعاء القيلولة في بيتٍ ريفي: «رائحة ستائر الكريتون، زهورٌ ياقوتية وتوليب، مفروشات»، ثمة — هنا، ربما — ذكرى ﻟ «أسلوب الإشارة» (والاستدعاء الرامبوي).
٨٦  المرجع السابق، ص١٢٢، قارن بهذه الجملة الغنائية الجميلة عن الصيف في «انفيدا»: «صيف! لون الذهب؛ وفرة، بها الضوء المتزايد، فيضان هائل للحب!» (ص١٦٦)، فالإيقاع يأخذ في الاتساع في حركة موج جميلة: فنبرة «الغنائية التعدادية» جيدية (نسبة إلى «جيد») للغاية.
٨٧  Nourritures Terrestres, p. 148.
٨٨  Ronde de la Grenade, pp. 88–94.
٨٩  ص١٣٢–١٣٤.
٩٠  ص١٣٧، تظهر أيضًا الرغبة في التعداد، وفي «العد»، فيما بعد بقليل في هذه الصفحة: «لا! كل ما تملك السماء من نجوم، كل ما في البحر من لآلئ، وريش أبيض على ضفاف الخلجان، لم أعدها كلها بعد، ولا كل همهمات الأوراق، ولا كل ابتسامات الفجر، ولا كل قهقهات الصيف».
٩١  ص١٤٩.
٩٢  «مستعد! يا ناتانائيل، مستعد!» (ص١٤٩).
٩٣  ص١٤٩-١٥٠، حيث يشير، بتوزيع طباعي خاص، إلى ما يصدم أذنيه وعينيه وجسده ومنخاريه، «وكل هذا معًا … إلخ، في باقة صغيرة، إنها الحياة» (ص١٥٠).
٩٤  ص١٥١.
٩٥  Paludes, p. 72، نعثر هنا على مفهوم القصيدة المغلقة، «الكاملة»، الذي عبر عنه «بانفيل»، وهو مفهوم يعارضه «جيد»، بالتحديد، بعنف.
٩٦  Les Nourritures Terrestres, N.R.F., 1940, pp. 169-170.
٩٧  «عربات الخيل! كل هروب ممكن، زلاجات، بلد ثلجي، أقطر فيكم رغباتي» (ص١٢٦)، والمسعى الشعري للفكرة، الذي يتحقق من خلال التشابهات (عربات خيول – زلاجات – بلاد ثلجية) والقفزات، هو أيضًا لافت للنظر هنا، وقد سبق أن ذكرت هذه الجملة في الفصل السابق، كمثال على «الإيقاع الديناميكي»، الفصل الثالث من القسم الثاني.
٩٨  مقدمة طبعة عام ١٩٢٧م من «قوت الأرض».
٩٩  Poésie d’aujourd’hui et Poésie de demain, Mercure de France, Août 1900, p. 348.
١٠٠  André Gide, Charlot, 1948, Alger, p. 73.
١٠١  صفحات ٩٨ و١٠٣ و١٣٥، على التوالي.
١٠٢  وهكذا، فإن «دائرة الرمانة» (ص٨٨–٩٤)، التي كتبت في فترة لم يكن لدى «جيد» خلالها سوى «فكرة (مثلما يقول في Si le grain ne meurt, N.R.F., 1933, p. 320)، والتي نشرت عام ١٨٩٦م في العدد الأول من Centaure، مكتوبة بالشعر الحر كلها، وتكاد لا تصل أبدًا إلى حد الآية.
١٠٣  في العدد المخصص لجيد من مجلة Capitol، عام ١٩٢٨م، ص١٤٠.
١٠٤  مثلما يقول «جيد» بنفسه، في Prétextes, Mercure de France, 1919, p. 122.
١٠٥  Lettre à Angèle (10 Mai 1899)، وقد تم نشره ضمن Prétextes, pp. 121-122.
١٠٦  قارن بما سبق، الفصل الخامس من القسم الثاني.
١٠٧  انظر — في هذا الموضوع — أطروحة: Michaud, Message du Symbolisme, Nizet, 1947, chapitre II, 3 L’appel de la vie, pp. 518–547.
١٠٨  انظر M. Blanchot, Du Merveilleux, dans l’Arche, n° 27-28, Mai 1947, p. 120، إنهم السيرياليون بشكل خاص الذين أرادوا لفت انتباههم «لا إلى الواقعي، أو الخيالي، بل إلى كيفية الكلام – الوجه الآخر من الواقعي» (Manifeste du Surréalisme, 2° éd. Kra, 1929, p. 93)، وستزيد دهشتنا عندما نعثر على مرافعة بقلم «أ. فرانس» حول «أبول Apule»، لصالح العبث (La Vie Littéraire, 2° série, p. 633).
١٠٩  قارن بما سبق، مدخل القسم الأول، ولا شك أن الأناشيد الغنائية الإنجليزية والاسكتلندية — التي ترجمها «لويف–فيمار» — قد أثرت، مع أشياء أخرى، على «آلويزيوس برتران»: وبالفعل، يسود الفانتازي «ملك المياه» و«الساحرة» و«فردريك وأديلائيد» و«ليدي مارجريت» و«روح العاصفة».
١١٠  حول موضة «الفانتازي» (الكلمة والشيء) في حوالي عام ١٩٣٠م، راجع Castex, Le Conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, Corti, 1951, chapitre IV: L’âge d’or, pp. 57–80.
١١١  قارن ﺑ Castex, op. cit., chap. Sur Nodier et ses rêve, pp. 126–134، وبما سبق، مدخل القسم الأول.
١١٢  يمكننا أن نذكر — كمثال — قصيدة «بواكتوفان» القصيرة، التي ذكرتها من قبل، الفصل الرابع من القسم الثاني، أو «الأتوبيس» للوتريامون في «نشيد مالدورور» الثاني.
١١٣  وهو ما نجده لدى «لوتريامون» في وقائع الغرق (النشيد الثاني)، والدفن (النشيد الخامس)، وبالنسبة لميشو، انظر ما سيلي، الفصل الثالث من القسم الثالث.
١١٤  Le Rêve chez les romantiques allemands et dans la poésie française moderne, Cahiers du Sud, 1937 (deuxième partie: Le Rêve et la poésie).
١١٥  انظر ما سيلي، الفصل الأول من القسم الثالث، كان «بودلير» قد جمع مشروعات قصائد نثر تحت عنوان Oneirocritée (Œuvres, Pléiade, t. I, p. 650).
١١٦  Les deux Rêves, dans La mode, le 8 Mai 1830: voir Castex, Le Conte fantastique en France de Nodier à Maupassant, Corti, 1951, p. 184.
١١٧  في «أوريليا».
١١٨  يقدم «جوتييه» — مثلما يشير «كاستكس» — حكاياته الخيالية في إطار الحلم، في أغلب الأحيان» (سبق ذكره، الفصل الرابع من القسم الثاني).
١١٩  هكذا كان يتصرف «نودييه» — من قبل — في «سمارا»، حيث تتناوب موضوعات العنف والفزع (سكاريو، الساحرات) وموضوعات العذوبة اللطيفة مثل موضوع قيثار «ميرتيه»، وتكوين حلم «أوريليا» الأخير «موسيقي» أيضًا بشكل واضح، بلازماته التي تعاود الظهور وتكرار التعبيرات.
١٢٠  تلك هي حالة النص الغريب والغرائبي ﻟ «إكس. فورنيرية»، الذي يحمل عنوان عنوان «حلم» (Pièces de Pièces, 1840)، وأيضًا حالة إحدى إشراقات رامبو ذات الطابع الحلمي الواضح، «ليلية مبتذلة».
١٢١  قارن بالتأثير الذي ينتجه «حلم» بودلير هذا: «أعراض خرائب، أبنية هائلة … إلخ» (Œuvres, Pléiade, t. II, p. 696).
١٢٢  إذ إننا نجد هنا هذا الالتباس الأساسي لكل قصيدة «فوضوية»، التي هي «اكتشاف» للمجهول و«اختراع» للمجهول في آن، وهو ما سبق أن تحدثت عنه في فصل سابق.
١٢٣  Hommage à Saint-Pol-Roux, paru le 9 Mai 1925 dans les Nouvelles Littéraires, et cité par Rolland de Renéville dans l’Introduction à une réédition des Anciennetés, éd. du Seuil, 1946, pp. 24-25.
١٢٤  ينبغي أن نذكِّر هنا بأن رد الفعل ضد «العلمية» و«العقلانية»، الواضح في موقف «كلوديل»، قد اتضح أيضًا في النشر المدوي لأعمال «برجسون»: «المعطيات المباشرة للوعي Les Données immédiates de la conscience» (١٨٨٩م)، و«مادة وذاكرة  Matière et Mémoire» (١٨٩٧م): ونعلم أن «برجسون» يشبه الفن ﺑ «التنويم» الذي يدفع الفنان إلى النوم إزاء الوقائع العملية، فيما يفتح الباب لفيض الوعي، والحلم، والذكريات المنسية.
١٢٥  Avant-dire de P. Eluard pour les Anciennetés de Saint-Pol-Roux, éd. du Seuil, 1946, p. 9.
١٢٦  استدعى «فارج» هذه البدايات في ذكرياته Portaits de famille, Janin, 1947, p. 147، وقد استمرت «لار ليترير L’Art Littéraire» سنتين، من أكتوبر ١٨٩٢م إلى أكتوبر ١٨٩٤م.
١٢٧  انظر ما سبق، الفصل الرابع من القسم الثاني.
١٢٨  L’Art Littéraire, Mars-Avril 1894, p. 92.
١٢٩  Ouverture de tragédie, I en Majeur, Il en mineur, L’Art Littéraire, Janvier-Février 1894, p. 13، وقد أشار «جيد» إلى هذا البيت الأول في Paludes, éd. de 1926, p. 160.
١٣٠  ذكرى للوتريامون، مثلما أوضح Grubbs (L’influence d’I. Ducasse sur les débuts littéraires d’A. Jarry, Revue d’Histoire Littéraire de la France, 1935, t. 42, pp. 437–440).
١٣١  L’Art Littéraire, Mai-Juin 1894, p. 82.
١٣٢  La Revanche de la nuit نثريات عُثر عليها «جاري» Mercure de France, 1949.
١٣٣  حول Haldernablou، انظر ما سبق الفصل الرابع من القسم الثاني، وقد نشرت في كتاب عام ١٨٩٥م، وأعاد «فاسكيل» نشرها بعد Minutes de Sable mémonal عام ١٩٣٣م.
١٣٤  Mercure de France, 1849 مزين برسم مواجه للعنوان وبرسم مطبوع بالحفر على الخشب من عمل المؤلف، ويمكن تفسير هذا العنوان الغريب، مثلما يقول «لورميل»، ﺑ «الرسم المطبوع بالحفر على الخشب الموجود في نهاية الكتاب، ويمثل قارورة ساعة رملية، تبكي مثل قلب» (La Phalange, Décembre 1907, p. 557).
١٣٥  انظر — بشكل خاص — M. Saillet, Critique de Février 1949, pp. 108 et 111 وRolland de Renéville dans Univers de la Parol, Gallimard, 1944, p. 69، ومن فترة أحدث، مقدمة J.-H. Levesque dans son Introduction au Jarry de la collection Poètes d’aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 27.
١٣٦  F. Lot, Alfred Jarry, Nouvelle Revue Critique, 1935, p. 10.
١٣٧  Les minutes de sable mémorial, Fasquelle, 1933, p. 9.
١٣٨  المرجع السابق، ص٨، في الهامش.
١٣٩  ويشير «رولان دي رونيفيل» — عن حقٍّ تمامًا — إلى التأثير الواضح لمالارميه على هذه المقدمة ﻟ «دقائق رمل تذكاري» (Univers de la Parol, Gallimard, 1944, p. 69)، وسأكتفي بأن أبين إلى حدٍّ تقترب جملة «جاري» — التي يذكرها النقاد كثيرًا، «الإيحاء لا القول» (Minutes de sable mémorial; Fasquelle, 1933, p. 8) — من التصريح الذي أدلى به «مالارميه» إلى «جول هوريه» — عام ١٨٩١م: «تسمية الشيء هي إلغاء ثلاثة أرباع بهجة القصيدة المجبولة من التخمين التدريجي: الإيحاء به، ذلك هو الحلم» (Œuvres de Mallarmé, Pléiade, p. 869).
١٤٠  Critique, Février 1949, p. 108.
١٤١  Jarry en Enfer, L’Arch, n° 21, Novembre 1946, p. 105.
١٤٢  La plainte de la Mandragore, éd. Fasquelle, p. 16؛ النص كله مكتوب في «أبيات» تتكون من خمسة أجزاء.
١٤٣  عن «جاري» و«مسرح العرائس» هذا، كتب «جيد»: «مع مقتطفات من «دقائق رمل تذكاري»، فإنني أعتبر حوارات «أوبو» مع الأستاذ «أشرا»، ثم السجال التالي مع وعيه، إحدى صفحات النثر الفرنسي الأكثر رسوخًا وتفردًا، بل أكثر أيضًا من «أوبو–ملكا» (Mercure de France, n° 1000, 1er Juillet 1940–1er Décembre 1946, cité par Levesque dans l’Introduction au Jarry des Poètes d’aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 66).
١٤٤  مثلما يقول Fernand Lot, Alfred Jarry, éd. de la Nouvelle Revue Critique, 1935, p. 10.
١٤٥  Minutes de sable mémorial, éd. Fasquelle, pp. 73-74.
١٤٦  Les Cinq sens, L’odorat, Les Minutes de Sable mémorial, éd. Fasquelle, p. 68.
١٤٧  Fernand Lot, Alfred Jarry, éd. de la Nouvelle Revue Critique, 1935, p. 26.
١٤٨  Opium, Les Minutes de sable mémorial, p. 53.
١٤٩  في L’Almanach Surréaliste du demi-siècle, p. 16 (cité par Levesque dans l’Introduction au Jarry des Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 93).
١٥٠  في Il y a، ذكره Levesque dans l’Introduction au Jarry des Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 96.
١٥١  مقدمة l’Anthologie de l’Humour Noir, Le Sagittaire, 1940, p. 10.
١٥٢  Levesque dans l’Introduction au Jarry, p. 85.
١٥٣  التعبير ﻟ «ب. شوفو»، الذي يؤكد عن حق — في A. Jarry ou la naissance, la vie et la mort du Père Ubu, Mercure de France, 1932 — على أهمية الفوضوية الثقافية في الحقبة التي تم فيها إعداد «أوبو–ملكا» (ص٥٥- ٥٨)، وقد قمت بلفت الانتباه من قبل إلى هذه الاتجاهات، قارن بما سبق، الفصل الرابع من القسم الثاني.
١٥٤  Ubu-Roi, 1er édition, 1896, Acte III, sc. 4.
١٥٥  Paralipomènes d’Ubu, Œuvres de Jarry, Monte-Carlo, t. IV, p. 145.
١٥٦  الذوق السليم، والمعيار هما — في جوهرهما — سمتان متعارضتان مع المغالاة الفوضوية: فذات يوم — خلال سجال حول مسألة الذوق في «ميركور» — قال: «الذوق، نحن نلعنه … مثلما قال الأب أوبو، جازمًا» (Fernand Lot, Alfred Jarry, éd. de la Nouvelle Revue Critique, 1935, p. 62).
١٥٧  Les Gestes et opinions du Docteur Faustroll, pataphysicien ، المنشورة عام ١٩١١م، بعد وفاة «جاري»، كتبت حوالي عامي ١٨٩٧-١٨٩٨م، وقد نشرت أجزاءً هامة منها في Mercure de France, Mai 1898.
١٥٨  إهداءات وتلميحات شفافة تسمح بالتماهي — بسهولة — مع مختلف الكتاب أو الفنانين أو التشكيليين المعاصرين، الذين تمثل مجالاتهم «جزرًا» يزورها «فاوسترول».
١٥٩  مقدمة Jarry des Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 91.
١٦٠  Gestes et opinions. Œuvres complètes de Jarry, éd. du Livre, Monte-Carlo, t. I, p. 217 (chap. 8).
١٦١  الأولى مهداة إلى «جوجان»، والثانية إلى «مالارميه» (في إشارة إلى «بتيكس» الشهيرة لسوناتا «أظافرها الخالصة العالية للغالية …») Gestes et opinions …, livre III, chap. 17 et 19.
١٦٢  «للنهر وجهٌ سمين طري لصفعات المجاذيف، ورقبة ذات طيات كثيرة، وجلد أزرق ذو زغب أخضر، بين ذراعيه، وعلى قلبه، يمسك بالجزيرة الصغيرة التي تأخذ شكل فراشة عذراء، والمرج بردائه الأخضر ينام، رأسه في تجويف كتفه ورقبته» (Œuvres complètes de Jarry, éd. du Livre, Monte-Carlo, t. I, p. 295).
١٦٣  Œuvres, t. I, p. 292.
١٦٤  أعادت «ميركور دي فرانس» نشره مؤخرًا (١٩٤٢م)، مع مقدمة لساييه.
١٦٥  L’Amour Absolu, Mercure de France, 1942, Préface, p. 7.
١٦٦  مقدمة «رنييه ماساه» للأعمال الكالمة لجاري، Œuvres complètes de Jarry, éd. du Livre, Monte-Carlo, t. I, p. 10.
١٦٧  Levesque, Introduction au Jarry des Poètes d’aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 89.
١٦٨  حول «اللعب بالكلمات» السيريالي ونظريات «بريتون»، قارن بما سيلي الفصل الثاني من القسم الثالث.
١٦٩  L’Amour Absolu, pp. 34, 38, 78, 90.
١٧٠ 
«مطر–لقا.
إنه لغز.
ما لا يصف الكلمة الأولى هو فاعل للثانية.
كل شيء في الكون يتحدد بهذا الفعل أو هذه الصفة».
(L’Amour Absolu, p. 88)
١٧١  وهكذا اللعب بالكلمات الصبيانية ظاهريًّا: Je ne veux pas … pas … papillon = لا أريد … لا … فراشة» (ص٣٨)، الذي سيعاود الظهور ويأخذ كل مغزاه ص٧٥.
١٧٢  قارن بمقدمة «م. ساييه»، ص١٠-١١.
١٧٣  قارن بما سبق، الفصل الثالث من القسم الثاني.
١٧٤  قارن — في «الحب المطلق» — ﺑ «ما من سجن آخر لديه سوى علبة جمجمته، وليس سوى رجل يحلم وهو جالس بالقرب من مصباحه» (ص٢٣).
١٧٥  يجعل «جاري» «إيمانويل-الله» يقول: «السنوات نسبية، ونحن نعيش في زمن مكثف للغاية» (L’Amour Absolu, p. 28).
١٧٦  La poésie de L.-P. Fargue, dans Univers de la Parol, N.R.F., 1944, p. 91.
١٧٧  السابق، ص٩٠ (إنها «النثرية» من «تانكريد، مجاز إلى الحب»)، وقد أعاد «فارج» استخدام هذه الصورة الأدبية إلى حدٍّ بعيد في قصيدة: «يبكي القمر بين الأغصان (…)، إنه يعقد فيها أفضاله الباردة» (Poèmes, éd. de 1944, N.R.F., p. 114).
١٧٨  Histoire de cette femme ou les fous, Tancrède (éd. Gallimard, suivl de Ludions, 1943, p. 16).
١٧٩  مقدمة Léon-Paul Fargue des Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1950, p. 21.
١٨٠  «انبثق مارة غريبون، مثل موجات من الأعماق، بعذوبة غامضة، وأخذت أشكال بطيئة تنفلت من الأرض وتنتقل في الهواء، مثل نباتات ذات سعف عريض» (Poèmes, éd. de 1944, N.R.F., p. 98).
١٨١  Poèmes, p. 86.
١٨٢  نفس المصدر، ص٥٣.
١٨٣  نفس المصدر، ص٧٩.
١٨٤  نفس المصدر، ص١١٤.
١٨٥  نفس المصدر، ص٦٧.
١٨٦  نفس المصدر، ص٦١.
١٨٧  نفس المصدر، ص١٠٣.
١٨٨  نفس المصدر، ص٤٩١.
١٨٩  نفس المصدر، ص٦٨.
١٩٠  نفس المصدر، ص٦٥.
١٩١  نفس المصدر، ص٥٠.
١٩٢  نفس المصدر، ص٥٥.
١٩٣  بعد Tancrède, les Poèmes et Pour la Musique، المنشورة عامي ١٩١١م و١٩١٢م، سيهجر «فارج» الأدب، بمعنى ما، حتى عام ١٩٢٤م.
١٩٤  قارن بما سيلي، الفصل الثالث من القسم الثالث.
١٩٥  على سبيل المثال، فجملة: «لكن في شارع له اسم عصفور حزين، تقطن وتبتسم، ليل نهار، «ميرتي» الأبدية ذات الوجه الصبوح» (Poèmes, p. 55)، لا تريد أن تقول شيئًا، إلا بشكل شعري، فما هو شارع «له اسم عصفور حزين»؟
١٩٦  في تحية إلى سان–بول–رو، نشرت في ٩ مايو ١٩٢٥م في «نوفيل ليترير»، وذكرها «رولان دي رونيفيل» في Introduction aux Anciennetés, éd. du Seuil, 1946, pp. 24-25.
١٩٧  انظر الابتهالة المستوحاة من «جدول صغير يمر في البرسيم»، نفس المرجع، ص٩١-٩٢: «موجة زنبق وبجع، موجة عرق الظل، موجة حمالة المرعى، موجة براءة تمر، موجة سبيكة من سماء، موجة ابتهالات الصباح … إلخ، إلخ.»
١٩٨  Hommage à Saint-Pol-Roux, Nouvelles Littéraires, 9 Mai 1925, cité par Rolland de Renéville, Introduction aux Anciennetés, éd. du Seuil, 1946, p. 25.
١٩٩  في Commerce, n° 3, 1925, p. 52.
٢٠٠  Quelques beaux poétes français mal connus: Saint-Pol-Roux, La Revue, 15 Septembre 1901, p. 628.
٢٠١  أعيد نشر قصيدة «دورق الماء الصافي» — المنشورة في الجزء الأول من Reposoirs de la Procession, 1893 (p. 147) — في Anciennetés, suivi d’un choix des Reposoirs de la Procession, éd. du Seuil, 1946, p. 102.
أما فيما يتعلق بهذا «الثدي الكريستالي» — الذي كان «بريتون» يثور ﻟ «ترجمته» ﺑ «دورق ماء» — فيكتب «م. كاروج» عن حقٍّ تمامًا: «دورق ماء هو مفهوم شبه مجرد من فرط العادة، وبسبب سمعته النفعية التي يتنحى خلفها الواقع الشعري، بينما يعبر مصطلح «ثدري كريستالي» عن استئناف الاتصال بالواقع الشعري ويجبر على الرؤية» (Les clefs de la poésie, Introduction à Eluard et Claudel, éd. du Seuil, 1945, p. 34).
٢٠٢  مقال مذكور، ص٦٢٦.
٢٠٣  استهلال الجزء الأول من Reposoirs de la Procession, éd. de 1893، غير مرقمة.
٢٠٤  La rose et les épines du chemin, t. I de Reposoirs de la Procession, nouvelle édition, Mercure de France, 1901, p. 11.
٢٠٥  الأول في Introduction aux Anciennetés, éd. du Seuil, 1946, pp. 15–20، والثاني في Introduction au Saint-Pol-Roux des Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952, pp. 75–81، ويذكر الاثنان أن «سان–بول–رو» كان — عام ١٨٩١م — ضمن مجموعة Rose-Croix Esthétique، التي كان «بيلاندان» مؤسسها.
٢٠٦  قارن ﺑ L’Emancipation du Verbe, dans De la Colombe au Corbeau par le Paon, t. II des Reposoirs de la Procession, nouvelle édition, Mercure de France, 1904.
٢٠٧  ذكره Th. Briant dans l’Introduction au Saint-Pol-Roux des Poètes d’Aujourd’hui, p. 77.
٢٠٨  «إذ إن الكلمة، لنعلم ذلك، كائنٌ حي» (Réponse à un acte d’accusation, suite, dans les Contemplations).
٢٠٩  L’Emancipation du Verbe, dans De la Colombe au Corbeau par le Paon, t. II des Reposoirs de la Procession, nouvelle édition, Mercure de France, 1904, p. 64.
٢١٠  L’Emancipation du Verbe, dans De la Colombe au Corbeau par le Paon, t. II des Reposoirs de la Procession, nouvelle édition, Mercure de France, 1904, p. 64.
٢١١  Préface de la Dame à la Faulx, Mercure de France, 1899, p. 13: عرض «سان–بول–رو» ما هو أساسي من أفكاره حول الشكل والإيقاع في هذه المقدمة.
٢١٢  المرجع السابق، ص١٤-١٥.
٢١٣  Réponse à l’Enquête de Le Cardonnel et Vellay sur la Littérature contemporaine, Mercure de France, 1905, p. 305.
٢١٤  لن أعاود الحديث عن قصائد نثر «سان–بول–رو» الشاب، المنشورة في Pléiade (التي أسسها) عام ١٨٨٦م، التي سبق أن تحدثت عنها بشكل سريع من قبل، ص٩٢ من هذا الجزء.
٢١٥  La Colombe, dans De la Colombe au Corbeau par le Paon (Mercure de France, 1904), pièce datée de 1896.
٢١٦  هذه الاستعارة الغريبة أكثر من كونها مدهشة، تعني الخفافيش، في قصيدة بنفس الاسم (Les Reposoirs de la Procession, 1er édition, 1893, p. 275 أعيد نشرها بعد Anciennetés, éd. de Seuil, 1946, p. 145).
٢١٧  «إنها روعة قصيدة النثر، الموقعة والمسجوعة» (Livres de Masques, Mercure de France, 1896, p. 232)، وقصيدة «حج القديسة آن» — التي نشرت في Reposoirs de la Procession عام ١٨٩٣م (ص٤٣–٥٠)، يعود تاريخها إلى عام ١٨٩٠م.
٢١٨  نشرت قصيدة Ave Massilla المكتوبة عام ١٨٩٩م في الجزء الثاني من Reposoirs, De la Colombe au Corbeau par le Paon (Mercure de France, 1904).
٢١٩  L’Inconnu, dans L’Ancienne à la Coiffe Innombrable, Nantes, éd. du Fleuve, 1946.
٢٢٠  في عام ١٩٣٢م، على سبيل المثال، يعثر «سان–بول–رو» — في «رحلة طويلة» — على هذه الصور الأخاذة: «ندخل كسكين في فاكهة القرى»، «أدخل المسافر مندهشًا عبء الكيلومترات بين أسنانه» ورد ذكرها في Saint-Pol-Roux, Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952, pp. 203 et 204.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥