الفصل الأول

فجر شِعر جديد

(١٩٠٠–١٩١٣م)

  • (١)
    الأزمة الشعرية في بداية القرن وأزمة قصيدة النثر: أفول الأشكال الشعرية، احتضار قصيدة النثر «الفنية» (بورنا–بروفان، سيجالان)، ذوبان قصيدة النثر الحرة في النثر الشعري.
  • (٢)
    توجه جديد للنثر: الآية، كلوديل، سواريس، سان–ليجيه أو بدايات سان–جون بيرس، ميلوش.
  • (٣)
    عودة متزامنة للشعر الكلاسيكي ولقصيدة النثر: الفانتازيون، كاركو، لافيسيير.
  • (٤)
    من «شعر الواقع» إلى الشعر الحداثي: دورتان وشعراء الملموس، الحركة الحداثية وتأثيرها على مفهوم الشكل الشعري.
  • (٥)
    التكعيبية الأدبية، بداياتها، وجماليتها: تحول الأبنية الأدبية، تأثير النظريات التكعيبية على قصيدة النثر.

***

ربما كانت هناك ضرورة لأزمة شعرية للتمهيد لتجديد الأفكار والتقنيات، فبعد انهيار الحركة الرمزية،١ سنشهد الجزر يجرف كل الأجزاء الميتة من جماليتها، مستبدلًا بها فقط بضع غزوات نهائية، سيستند عليها الشعر الجديد: الشعر الحر، الفردانية، الاحتجاج على المفهوم الوضعي للكون، والرغبة في التواصل، من خلال وسيلة الشعر، مع الواقع العميق، وأن «تلتقط في فخ اللغة شذرات من الحياة الخفية»،٢ مرحلة تفكك أدبي، حيث يمكننا القول، مع «ش. موريس» إنه ما دام «لا يوجد شيء»،٣ فذلك يعني أننا في اللحظة المناسبة لظهور شيء ما …

وعلى أية حال، فقد تحقق تحرير الشكل نهائيًّا — بشكلٍ متوازٍ مع الفوضى الأكثر اكتمالًا: فقصيدة النثر تواصل الذوبان في النثر الشعري وفي الأشكال الغنائية للرواية، أو تتجدد في شكل أكثر «إيجازًا»، الآية: والنظم — من ناحيته — يتخذ المظاهر الأكثر تنوعًا، من البحر السكندري الصارم للقصائد «الرومانس» إلى الأشكال المهشمة والهيولية للقصائد الأولى «الحداثية»، وفي ظل هذا المناخ من البحث الفوضوي وقابلية التحول، ستتطور روح شعرية جديدة، تؤدي إلى تقنيات جديدة وإلى تأسيس متبادل أكثر تطورًا بين موضوعات الإلهام وأدوات التعبير للنثر والشعر.

(١) الأزمة الشعرية في بداية القرن وأزمة قصيدة النثر

أضاء يوم رمادي ميلاد القرن العشرين: مات «مالارميه» توًّا، وتفرق أتباعه: ألقت الرمزية باندفاعتها الأخيرة، ويكشف استقصاء «لو كاردونيل» و«فاليي»،٤ عام ١٩٠٥م، أنه لم تعقبها أية حركة شاملة: ﻓ «المدارس» الصغيرة المولودة ميتة، التي تتزين بالأسماء اللامعة، «إنسانية» و«تكاملية» و«بذخية» … لا تأتي بشيء ذي بال للتيار الشعري، إن لم يكن، ربما، بنوع من الحماس «الحيوي»٥ الذي ينضم لأفكار «برجسون» وحركة التمرد الكبرى ضد «رفض الحياة» التي طابت للرمزيين عندئذٍ، انفتح عهد غليان وارتباك في الأدب كما في السياسة،٦ فمن عام ١٩٠٠م إلى عام ١٩٠٥م، نجد — مثلما يكتب «فلوريان–بارمنتييه» — «فترة فوضى كاملة، كان الشعر خلالها فريسة لأكثر صانعي الألغاز الرمزية غرابة وأكثر المبسطين تدنيًا: خليط كريه من الخيمياء والسطحية»،٧ ولا ينبغي أن ننسى أن «جيد» — بعد أن كتب «قوت الأرض» في هذه الحقبة — سيتخلى عن الشعر من أجل أنواع أدبية أخرى (مسرح، دراسات، رواية)، وأن «فاليري» قد توقف — في عام ١٨٩٢م تقريبًا — عن كتابة القصائد، ولن يعود إلى الشعر إلا حوالي عام ١٩٢٠م، وأن «كلوديل»، المعروف بين مجموعة صغيرة، ما يزال مجهولًا إلى حدٍّ بعيد بين الجمهور الواسع، وسيخصص له «موكلير» — عام ١٩٠١م — إحدى مقالاته من سلسلة «شعراء فرنسيون غير معروفين»،٨ وفي عام ١٩٠٥م، في إجابته على استقصاء «لو كاردونيل» و«فاليي»، لا يرى «كاتول منديس» في المواهب الجديدة ما يستحق الذكر سوى «شاعرين كبيرين»: «إدمون روستان» والسيدة «نوايي» …
والواقع أن الشعر قد بلغ النقطة الميتة (على نحو ما أشار عدة كتاب في إجاباتهم على هذا الاستقصاء)، إنها الرواية — كنوع متعدد الأشكال أكثر فأكثر — هي التي تنحو إلى استيعاب كل الأنواع الأخرى، ومن بينها نوع «القصيدة»،٩ وينبغي وضع الحدث في علاقة متبادلة مع الأهمية المتزايدة التي يكتسبها بفعل النثر، الذي أصبحت استخداماته «الشعرية» حرةً ومتنوعة بشكل متزايد، وسبق أن أشرت إلى النتائج التي يؤدي إليها توسيع مفهوم الشعر المنتج في نهاية القرن: فبعد أن هاجر الشعر في أشكال أكثر حرية، شعر حر أو قصيدة نثر، يصل إلى تخطي حدود نوع القصيدة إلى أنواع من قبيل الدراسة والرواية والمشاهدات، وتتمتع الرواية — بشكل خاص — بنجاح متزايد: الرواية الغنائية (مثل «ألماييد وميرتمون»، وحتى «قوت الأرض»)، وعلى إثر «أنونزيو»، وهي رواية–قصيدة تدعي أنها «التمثيل المنسجم والزخرفي للطبيعة والحياة والفكر»،١٠ وينتج عن ذلك أن يذبل نوع قصيدة النثر أو يفقد فردانيته: فمن ناحية، تبدو الآن قصيدة النثر «الفنية»، المبنية بعناية، شكلًا مغلوطًا تاريخيًّا، ومصطنعًا ومتصلبًا للغاية، بينما تنحو قصيدة النثر الحرة، من ناحية أخرى — بسبب فوضويتها نفسها — إلى الذوبان في النثر الشعري للأشكال المقاربة لها، وإلى الاختلاط — بشكل خاص — بالأشكال الجديدة للرواية.

(١) قصيدة النثر الفنية: شكل يموت

لا قصيدة نثر الرمزيين «الموسيقية»، ولا قصيدة المقاطع، تبدو مؤقتة — في السنوات العشر الأولى من هذا القرن — مع الأشكال الجديدة للحساسية والعودة إلى الملموس.

ويكشف مثالان مميزان أن قصيدة النثر الفنية في هذه الحقبة، كما شكلها الذي اتخذته خلال السنوات الظافرة للرمزية، أي القصيدة التي سيطرت عليها الغايات «الموسيقية» والأسلوبية، والتي لا يكف فيها الانفعال عن الارتباط بالهاجس الفني، قد أصبحت بالنسبة للكتاب الشبان (الذين لم يتخلصوا بعد من التأثير الرمزي) شيئًا شبيهًا بتمرين في البلاغة، بعيدًا للغاية — في أغلب الأحيان — عن مزاجهم، وسرعان ما سيهجرونها ما إن تصبح شخصيتهم أفضل تكوينًا.

هناك — في بادئ الأمر — مثال «شارل–لوي فيليب»، الذي بدأ — وهو ما يزال في المدرسة الثانوية حوالي عام ١٨٩٤م — بكتابة قصيدة نثر تحمل هذا العنوان الواعد: «أرواح التماسيح الأمريكية!» وسرعان ما اندفع — بعد أن شُغف بمالارميه — نحو أكثر المساعي الخاصة بالمفردات وتركيب الجملة بعثًا على الدهشة: عندئذٍ، نرى في نثره، مثلما يقول لنا «مارسيل راي»،١١ اندفاعًا ﻟ «التورطات» و«الأجواء الخانقة» و«الأوساط» و«المتسكعات» والأفعال المفاجئة مثل «يتحاذق» و«يتضوع»، فضلًا عن الصفات اللاتينية الجديدة المفيدة، من قبيل «عالمة» و«مموهة» …» أو الأفعال المحايدة التي تبرز «أسماء أفعال مخجلة: أمسية «محبطة»، وجمل «مشردة»، وأغنية «طارئة» (ينبغي الإشارة هنا إلى أن عبادة «مالارميه» قد أدت أحيانًا إلى زخرفية أسلوبية حقيقية، وأن «جيد» — الذي كرر رد الفعل العنيف الذي تلا ذلك — قد أدان، عن حق، الضرر الذي ألحقه «مالارميه» ببعض العقول الغضة والطيعة إلى حد أن أغراها ﺑ «تبني تركيب جملة، وطريقة في الكتابة تفترض وتتطلب منهجًا، لن تكون بدونه سوى مجرد طريقة وتصنع خالص»،)١٢ وكان «فيليب» الناثر بالولادة١٣ يحلم بإبداع نثر يتوافق مع «الحركات الداخلية» التي تنتجها الأشياء في روح الشاعر (إنه دائمًا حلم «بودلير» القديم)، لكن ينبغي الاعتراف بأن «الحكايات الأربع للحب البائس» — التي نشرها في «أنكلو» عامي ١٨٩٧م و١٨٩٨م — وهي نوع من النصوص الشعرية المكتوبة في نثر متقن بوعي شديد («ماضٍ الغروب الوردي، حَدَث الغروب الأزرق الذي عاش فيه بعض الذهب»، وهي جملة ذات نزوع «رمزي»١٤ للغاية) — تبدو لنا مصطنعة تمامًا، وبعيدةً للغاية عن الطبيعة الحقيقية لمؤلفها، فسيجد «فيليب» طريقه الحقيقي في النثر الحقيقي وفي أنواع النثر، ما إن يتخلص من هموم كهذه تتعلق ﺑ «التأثير» الفني.
وثمة مثال آخر، أكثر دلالة؛ إذ يقدم اثنين من ممثلي الجيل الجديد، ولدا عام ١٨٨٦م: «ريفيير» و«آلان فورنيه». من هذين الشابين اللذين كانا يبلغان العشرين عام ١٩٠٥م، تكونت مجموعة مجلة «شعر ونثر»، التي كانت تجتمع بانتظام في «جلوسيري دي ليلا» حول قبعة «بول فور» العريضة الحواف، الذي «كان في هذه اللحظة تلخيصًا لكل ما هو حي في الأدب»،١٥ لكن إذا ما كان في الإمكان مقابلة العناصر الأولى للمجموعة «الفانتازية» (بالإضافة إلى الرمزيين المخضرمين مثل «موريا» و«كان»)، بل و«أبوللينير»، فإن مجلة «شعر ونثر» لم تكن سوى «مجلة مختارات لأفضل شعراء وكُتاب نثر المدرسة الرمزية»، مثلما قال مديرها «بول فور» نفسه،١٦ ﻓ «ميريل» و«ماك أولان» و«ريبيل» و«شيفير» و«ﻫ. دي رينييه» و«لورميل» و«بول فور» طبعًا — كانوا يقدمون عينات من مظاهر قصيدة النثر الرمزية، وسيسعى «آلان فورنيه» — على إثرهم، حوالي عام ١٩٠٩م، لفترة ما — إلى «كتابة قصيدة نثر» قبل أن يدرك أن موهبته الحقيقية إنما تكمن في كونه روائيًّا، وعلى نحو رائع، توضح هذه المحاولات — التي جُمعت عام ١٩٢٤م١٧ — هذه المراوحة الخاصة بروح شابة تبحث عن نفسها: و«لعبة اللذة» — المكتوبة في مايو ١٩٠٩م، والمهداة إلى «ديبوسي» — هي محاولة شكلية خالصة، تجربة في «الانتقال» من الموسيقى إلى الأدب: ما الذي سيقوله السيد «جيد» عن «لعبة اللذة»؟ مثلما يتساءل «فورنيه»، الذي أرسل مؤلفه إلى «نوفيل روفي فرانسيز»:١٨ «أسيقول إن «مال» فعل محايد ولا يمكن أن نقول «مائل»؟ أم إنه لا يجب الانتقال من فنٍّ إلى آخر؟ أسيقول إن هذا بلا معنى؟ لم أعد أقول إنه سيكون مسليًا، مثلما يضيف «فورنيه»، ما دام ذلك يصدمك، سيكون طريفًا، إن شئت»، وربما تكون هذه هي الصفة الأكثر ملاءمة — بالفعل — لهذه التسلية الأدبية التي يوصف لنا فيها النشيد بأنه «يشبه قصرًا من الذهب والورد بين الصفصاف على حافة الماء …»١٩ وسيتخطى «فورنيه» هذه المرحلة، مع «في الحديقة الصغيرة للغاية»، غير أن العمل — مثلما يلاحظ صديقه «ريفيير» — «ما يزال معتدلًا بشكل زائد»: فكثير من الجمل «تشبه أشياء سبق قراءتها»٢٠ (حتى الختام الذي يرى «ريفيير» أنه «رائع»، يحتوي على أوزان كلوديلية للغاية (نسبة إلى «كلوديل»)،)٢١ وتعلن «ثلاث نثريات» — الأكثر نثرية، والمبنية على انطباعات حول دسائس كبرى — عن «مولن الكبير» بمزيجها من أحلام اليقظة المفعمة بالحنين وعالم الجن:
أيتها الغرفة الصغيرة البطيئة للغاية، بستائرك البيضاء، وبابك المطل على الشرفة، كنت تندفعين على طول النهارات المهجورة، في المشاهد السوداء والزرقاء الشاسعة، بين الأمطار الكثيفة والسماوات …٢٢
ورغم هذا، مثلما يلاحظ «ريفيير»، فما يزال ينقصها شيء ما، «لا كي تؤثر فينا بعمق فحسب، بل كي تشبه تمامًا مؤلفها، وتحمل علامة أصالة بشكل مؤكد»،٢٣ ونلاحظ — في النهاية — أن أكثر هذه «النثريات» الثلاث تأثيرًا وتفردًا أيضًا، نثرية «الحب يبحث عن الأماكن المهجورة»، وهي — في واقع الأمر — فصل من رواية، جزء من حكاية اعتراضية، تظهر في ليل المجهول كي تعاود — في النهاية — الغرق فيه، فروائي «مولن الكبير» هو الآن هنا بكامله، بتعويذاته، و«النزهات على الجواد في الطرق غير المحددة، واللقاءات المذنبة، والانتظارات أمام الشبكة، والحفلات الغامضة التي يمنحها لك المطر والريح والأماكن الضائعة»،٢٤ والواقع أن «آلان فورنيه» سيتسخدم مواهبه في الرواية الشعرية، ليصبح بدوره نموذجًا لكتاب المستقبل.
ولا شك أن كلمة «جيد» — التي ذكرها «ريفيير» — قد جعلته يمعن النظر: «لم تعد لحظة كتابة قصائد نثر» مثلما صرح «جيد» بعد أن قرأ إحدى محاولات «فورنيه»،٢٥ ويعقب «ريفيير» بوضوحه المألوف:

نحن ندرك الآن، في هذا الجزء من أنفسنا الذي اختُبر كمبدع، ما أراد «جيد» أن يقوله: فقد توافق فينا، بالفعل، العجز مع النوع الذي أدانه — عجز كان ينبغي الاعتراف به حقًّا في النهاية.

لقد أصبحت قصيدة النثر، مثلما علمها لنا الرمزيون، بفعل انعدام السنوات ببساطة، أداة بين أيدينا العقيمة تمامًا، ولم تعد تحقق لنا أية سيطرة على حساسية الآخرين، فقد أصبحت تنطوي على شيء مضمر بشكل زائد، ومن بين كل العناصر التي كانت تنظمها لمؤلفها مما هو مضمر تحت طائلة الفظاظة، لم يعد من الممكن لانفعال القارئ غير أن يتقلص في النهاية، فهي معفاة من أشياء كثيرة إلى حد أننا عندما نقرؤها نحس أننا معفون أيضًا من التأثر بها.

ومثلما نرى، فليست قصيدة النثر في ذاتها هي المقصودة، إلى هذا الحد، بكلمة «جيد»، وإنما صيغة معينة من قصيدة النثر مرتبطة بالموقف الجمالي للرمزية: القصيدة المؤلفة من مواد منتقاة، من رموز زخرفية، تهدف إلى الجمال الشكلي وتنتهي — من فرط النمنمة وإضفاء الطابع المثالي — إلى تحطيم كل الروابط مع الواقع، وفقدان كل «حضور» محسوس، انفتحت النافذة — ومع أول هبة هواء، انفجرت فقاعة الصابون الرمزية الهشة، ذات الألوان القزحية اللامعة — بينما الضوء يتنامى من أجل «ريفيير» و«فورنيه»: «كان يبنغي القطيعة مع الرمزية ومع كل الترسانة «الذهنية» المفرطة التي تقترحها، كان ينبغي الخروج من الروح والقلب، والتقاط الأشياء، والوقائع، واقتيادها نحو القارئ والانفعال الذي نريد أن يبلغه …»٢٦ لكن أدب الحدث والملموس هذا لم يعد باستطاعته التوافق مع المتطلبات الشكلية لقصيدة النثر مثلما يفهمها الرمزيون: فهو يؤدي مباشرة إلى السرد، حكاية كان أم رواية، ويمكننا أن نلاحظ أن «مولن الكبير»، المثقلة بالشعر، ليست — رغم هذا — رواية–قصيدة، فقد استطاع «آلان فورنيه» أن يتجنب مخاطر هذا النوع الهجين، وأدرك وقاد مؤلفه في شكل رواية.
«لم تعد لحظة كتابة قصيدة «نثر»، مثلما أعلن «جيد»، ورغم هذا، تنشر «لانوفيل روفي فرانسيز» بعضًا منها على مضض إلى حدٍّ ما، فيما يبدو: من بينها قصائد «رينيه بيشيه» («ب الصغير»)٢٧ مصطبغةً بشدة ﺑ «الفورنيرية»، وذات جمال يثير السخط إلى حدٍّ ما،٢٨ قصائد تعطي الانطباع غالبًا، فضلًا عن ذلك، بأنها «أجزاء» من رواية، مثلما لدى «آلان فورنيه»، وعندما سيموت «بيشيه» عام ١٩١٣م، سيخصص له «ريفيير» مقالًا يعبر فيه عن أسفه على اللهجة الكتبية إلى حدٍّ ما لهذا التلميذ القديم ﻟ «نورمال»٢٩ والواقع أن حذلقات «بيشيه»، واعترافات «جالو» الهامسة،٣٠ لا يمكن أن ترضيا جيلًا يرى أن أكثر المناطق ثراءً وخصوبة في الشعر لم تكتشف بعد،٣١ بما يبدو أنه يجعل إدانة «غيون» تثقل كاهل قصيدة النثر الفنية والشعر الموزون ﻟ «القوميين»: «لا تكمن علامة الفن الانحطاطي في الفوضوية، ونفاد الصبر من أجل الإبداع بشكل مغاير، والجنون، وإنما — بالتحديد — في هذه الحكمة الوديعة التي تلجأ لذكرى إتقان تام»،٣٢ ونعلم صرخة «ش. ل. فيليب» الشهيرة التي رددها «جيد»: «نحن الآن بحاجة إلى البرابرة».٣٣
ولن تحظى «بيال–جرين» سوى على اهتمام ضئيل، وهي — المهداة إلى «فونتينا» — تروي لنا في سلسلة قصائد نثر الحكاية الرمزية ﻟ «بيال–جرين» و«فاريلو» وتقودنا إلى «بلد المرمر»، حيث الجميلة «ذات العينين الذهبتين المخمليتين» تنظر إلى «بيال» وهو يمر بمركبته،٣٤ ومثلما تشير السيدة «سينكلير»، أدت «بيال–جرين» التي أعقبتها «دولورين والأشباح» عام ١٩١١م، وهي نوع من الرواية–القصيدة، إلى تصنيف «جان دي بوسشير» ضمن الرمزيين،٣٥ ورغم هذا، فهناك — في هذا العمل الأول — شيء ما يتخطى الرمزية، شعورٌ بالجلال العميق وبغموض الحياة: «فليسِر كل شيء وليدُر بروعة، وفقًا لمنحنيات منسوجة بالغموض والمهابة العصية!» مثلما يصرخ «بوسشير» في نهاية «دوريانيد» (التي تلي «بيال–جرين» في نفس الديوان)، ويستشهد ﺑ «رأس ذهبي»: «أيا توازن الأشياء في الليل!»٣٦ ونحس بتأثير «كلوديل» و«معرفة الشرق» في جُمل من قبيل: «برتقالة تفوح على مائدة، والمثمرة تنضج في أوراقها الذهبية وتعطر الحديقة: أريد أن أبقى، وأنا في الواحة الزرقاء»،٣٧ لكن لدى «جان بوسشير» — منذ ذلك الحين — مزيج شخصي للغاية من حب للحياة والواقع الثري (يعرف ويحب العصافير،٣٨ والمهن،)٣٩ والميل إلى الفانتازي، الذي يدفعه — على سبيل المثال — إلى وصف ورسم كائنات غريبة وجروتيسكية، مثل «كركدن–دجاجة»،٤٠ ويعرف «بوتمان» بوسشير بأنه «حالم تصالح مع الواقع»:٤١ وبهذا البحث عن الغامض والرائع، لا في الأساطير غير الواقعية، بل في الحياة نفسها، سيبتعد «بوسشير» — أكثر فأكثر — عن الاتجاهات الرمزية كي يتخذ طريقه الخاص.
أما «سيريستيفين»، فعبثًا حاول — في مؤلفه «قصائد نثر» — إقحام السخرية في «آلة العود الصبيانية لشعراء الرقة»،٤٢ كأسلوب طبيعي، وأيضًا صبر الشاعر «صاقل الأبيات»، في صانع الخطابات «الذي يصوغ سوناتات بالدقة والاهتمام الواعيين لنجار الأبنوس خلال عمله»،٤٣ فلا نستطيع أن نقول حقًّا إنه يجدد موضوع الإلهام ولا التقنية الشكلية لقصيدة النثر، وهو يبحث، كرومانتيكي هائج، مثلما يقول لنا، عن «الجمل العظيمة النارية، والقصائد الباخوسية، الثملة بالإيقاع المجنون»،٤٤ ولكن — رغم مبالغات الأسلوب، وأيضًا رغم الواقعية الجنونبية لهذا الشعر الشهواني للغاية، تكشف تقنية القصائد اهتمامًا بالتكوين الموسيقي (وتأثير «فاجنر» واضح، وعناوين من قبيل Tannhauser وla Walkure ذات دلالة) يندرج ضمن تراث قصيدة النثر الرمزية: بناء من مقاطع شعرية، مع لازمة،٤٥ بناء من أجزاء متماثلة، مع تكرار للعبارات٤٦ — نعلم جيدًا هذا كله، وحتى المفردات — التي يختلط فيها بغرابة الكلام البذيء المقصود بالألفاظ النادرة، فهي غالبًا ما تزال ذات نزعة رمزية للغاية، مثلما — على سبيل المثال — في «زوجة الطاوس»:
من ذهب وزمرد، فجأة، في الغرفة المغلقة، في شعاع ضوء لستارة تتثاءب، السقوط البراق — مثل جرة مستعصية، تحت قدمي عشيقة معبودة.٤٧

ويمكننا القول إن «سيريستيفين» يمثل نقطة وصول لا نقطة انطلاق، وتدفق الموجة الرومانتيكية الكبرى وقد ازدادت ثراءً، خلال الطريق، بالعلاقات المتنوعة للمدرستين الطبيعية والرمزية.

وإذا ما كانت قصيدة النثر — بمساعيها الموسيقية والزخرفية — قد أُدينت في هذه الحقبة لشكليتها المبالغ فيها، فإننا ندرك أن قصيدة النثر ذات الشكل الصارم — بمقاطع وبنية متماثلة، ولازمات ومحارقات — لم تعد سوى بقايا ماضٍ ميت، وإذا أمكننا تجاهل قصائد «رينيه فيفيان»،٤٨ بلا ضرر كبير، فسيكون من الظلم مع ذلك ألا نذكر «مارجريت بورنا–بروفان»، التي أثار مؤلفها «كتاب لك» حماس كثير من النقاد، عندما نُشر عام ١٩٠٨م، فهذه القصائد القصيرة، الحماسية والحسية في آن، تدفعنا أحيانًا إلى تذكر «أغاني بيليتيس» بإيجازها، وجمالها التشكيلي: لكن غنائيتها أكثر حدة وأصالة، وعلينا أن نضيف أننا نشعر هنا أيضًا بالتيار الغلاب الذي يقود النثر «الفني» نحو الأشكال المنظومة: فالنثر الموزون لمارجريت بورنا–بروفان مرصع بأبيات غير مقفاة، ويزعمون أن «فاجيه» (الذي كان معجبًا به) قد اكتشف فيه سوناتات موزونة …٤٩ تأرجحات، لازمات، إيقاعات ثنائية (مع أسجاع في الغالب)، تجعل من «ربيع قاتل» — على سبيل المثال — ما يشبه مادةً بديلة للقصيدة الموزونة:
على امتداد الطرق الساحرة التي تشير إليها البوصلة وتموهها الريح، كنت سأفقد كل أحزاني وكل شكوكي وملابسي الشرقية.٥٠
وينبغي الاعتراف أن أشكالًا كهذه — أيًّا ما كان جمالها (يضم «كتاب لك» قصائد جميلة للغاية) — تملك شيئًا ما غير آني، بشكل خاص، وهي تفرض هاجس النظام والنقاء والتناغم الذي لا يتوافق بشكل جيد مع نزعة عدم الامتثالية، والاحتياج للمفاجئ والاندفاعة الفوضوية نحو الأشكال الأكثر تمجيدًا للحياة الحديثة، التي ميزت السنوات الأخيرة السابقة للحرب، وهي تلحق بحركة التراجع، والعودة غير المجدية إلى نظام تام، التي جعلت من مدرسة الكلاسيكية الجديدة — حينئذٍ — حركة مدانة سلفًا،٥١ ولا شك أنه ليس من قبيل الصدفة أن يتكشف هذا النوع من القصائد عن عودة إلى القديم، وأن توجه «م. بورنا–بروفان» مقاطعها إلى «سيلفيوس»، ويوجه «أ. جالو» مقاطعه الشعرية إلى «سينتيا»، فيما تنشر مجلة «فالانج» مقطوعات صغيرة لطيفة هيللينية ﻟ «ج. سيميان»٥٢ ولشاب اختفى في سن العشرين، هو «ر. لوران»، يشيرون إلى «إيثاره المثير إلى حدٍّ بعيد» لقلق موريس دي جيران.٥٣
والمثير أن نلاحظ أيضًا اللاآنية القصدية لهذه «المسلات» التي كتبها «سيجالان» في مقاطع نثرية صغيرة، وهو مقيم في بكين، ونشرها على ورق كوري عام ١٩١٢م: عمل رائع بالتأكيد، لكن «ر. دي جورمون» يلاحظ: «إننا نشعر أننا في عالم آخر»٥٤ لا غرائبية هنا، وإنما إعادة خلق من الداخل لحالة روح صينية بالتحديد، أو — بالأحرى — طاوية،٥٥ ويستلهم نفس أسلوب النقوش المحفورة على المسلات الصينية، ذات الاستخدام الجنائزي والشعائري: هذه الحروف — مثلما يقول «سيجالان» — «لا تعبر، إنها تعني، إنها تكون»، ها هي الحروف — إذن — «تجرد أشكال الذكاء الإنساني المؤثر، وقد أصبحت فكرة حجر ذات حبيبات، بذلك، فهذا التكوين الصلب، وهذه الكثافة، وهذا التوازن الداخلي وهذه الزاوية، إنما هي خصائص ضرورية مثل الأنواع الهندسية للكريستال»،٥٦ فن نحتي وصارم، لا علاقة له بالشعر الأوروبي، و«مسلات البيئة» الأجمل والأكثر دلالة هي «مراسيم إمبراطورية أخرى، وفريدة نخضع، نخضع لها أو نرفضها، بدون تعليق أو تفسير عديم الجدوى»،٥٧ وتكثف قصائد من قبيل «مديح وسلطة الغياب» و«اسم خفي»٥٨ — في شكل جامد ومضطرم في آن — موضوعات «الغياب» (هذا الغياب الذي «يشكل السر الأكثر بعثًا على الدوار للفكر الطاوي»، مثلما يقول «ف. دي ميوماندر»،)٥٩ والنظام الخفي الذي يحكم بصرامة عالم الرجال.

مديح وسلطة الغياب

لا أتظاهر أبدًا بأنني هنا، ولا أنني أجيء ارتجالًا، ولا أتخذ ملابس وجسدًا، ولا أنني محكوم بالثقل المرئي لشخصيتي.

ولا أجيب على المراقبين بصوتي، وعلى المتمردين بعين قاسية، على الوزراء المخطئين بإيماءة تعلق الرءوس بأظافري.

إنني أحكم بسلطة الغياب المذهلة، وقصوري المائتان والسبعون المنسوجة فيما بينها بالأروقة المعتمة تمتلئ بآثاري المتعاقبة.

وتعزف الموسيقات في شرف ظلي، ويحيي الضباط مقعدي الخاوي، وتقدر نسائي على نحو أفضل الليالي التي لا أتنازل فيها.

مساويًا للعبقريات التي لا يمكن إنكارها لأنها غير مرئية — لن يستطيع أي سلاح أو أي سم أن يصيبني في مقتل.٦٠

شعر كهنوتي، لا تقوم فيه تماثلات الأسلوب المنظمة ببراعة إلا بترجمة رؤيا للعالم ذات تناسقات ثابتة، لكنه شعر — وهذا بديهي — غريب بشكل جذري عنا في جوهره، ومن الصعب بالنسبة لأوروبي من القرن العشرين أن يشعر أنه «أُخذ» بعمق بهذا الفن الآتي من عالم آخر، بهذا الشعور الكهنوتي، بهذا الاحترام لنظام إمبراطوري وسكوني، وبهذه السيطرة على المشاعر، تحقق قصيدة النثر هنا كثافة وصلابة الكريستال، لكن جمود خطوطها تجعل جمالها أكثر سهولة في الإعجاب بها لا في الشعور بها: وعلى النقيض؛ ولأنه يعشق الحياة والحركة إلى حد التعلق بالفوضى، يتطلب الجيل الصاعد — في بداية القرن العشرين — من قصيدة النثر الحيوية، والاندفاع، والصراخ.

(٢) ذوبان قصيدة النثر الحرة في النثر الشعري

وقد أدى رد الفعل على الشكلية، والعودة إلى الانفعال و«الإلهام»، إلى نتائج لم تخلُ من إثارة قلق بعض العقول: «كرد فعل على المؤلفات ذات البراعة الخالصة، يتجه الميل اليوم إلى أن يجعلنا نرى في انعدام مهارة ما علامة قوة وإلهام ملح، ولا يُراد انتظار شيء سوى الموهبة، ومع أقل شيء، سيُعلن عن التصميم المتفوق للعمل؛ لأنه لا يبدو أي عنصر رصين قد عكر صفو اللغة الساذجة لمزاج معين»، مثلما يكتب «شلومبيرجيه» في العدد الأول من «نوفيل روفي فرانسيز»، في فبراير ١٩٠٩م، وربما ينبغي البحث أيضًا عن أسباب أكثر عمقًا لرد الفعل هذا على «المنجز finfini» (ويمكننا القول إنه رد فعل يميز جانبًا كبيرًا من أدب قرننا العشرين»، الذي تتم معارضته ﺑ «اللامنجز infini» الذي تنطلق إليه كل الفراغات، وكل إرجاءات مؤلف غير مكتمل، وثمة مظهر كامل لعصرنا يتبدى في الميل إلى التخطيطات والأجزاء وأدب «الإشارات»: أعمال «لافورج» غير المنشورة، ومذكرات «بودلير»، وأفكار باسكال، ورباعيات «شنييه»، ونثر «رامبو» الوامض والمبتور … وسيؤثر «نارسيس» لجاسكيه و«يوريديس» لبول درووو — إلى حدٍّ ما — بالقدرة الغامضة للصمت الذي يمتلئ بالمجهول، والذي يجوف لنفسه مكانًا بين «أعضائه المبعثرة» ربما أكثر مما كانت ستفعله الأعمال الكاملة، وفي حديثه عن «موت نارسيس الوقور والشهواني»، يستعيد «أ. جالو» كلمة «أناتول فرانس»: «تمنحنا بعض المقطوعات غير المكتملة فكرة الكمال»، ويذكر «هيراقليطيس» و«بارمنيديس» و«كولريدج» و«نوفاليس»، ليقول: «أن نفكر أو نكتب، لا يعني دائمًا التحديد الدقيق لما هو صائب أو جميل، إنه يعني — في أغلب الأحيان — أن نفتح للروح نافذة على اللامحدود»، ويضيف: «هناك أجزاء تتصدع مثلما حوائط الروح»،٦١ ومن جانبه، سيرى «ر. شواب» أن «المظهر الجزئي ﻟ «يوريديس» لدروو، يمنحنا بشكل أفضل «الإحساس بالكل»، لأنه متخلص من الانتقالات التقليدية.٦٢
ولا شك أن هذه الأعمال المجزأة — «نارسيس» و«يوريديس المفقود مرتين» — لم تظل على هذا الحال بعد الموت المبكر لكاتبيهما،٦٣ وربما يكون ذلك أحد أسباب الانفعال الذي تثيره فينا، ورغم هذا، يتخلق هنا «نوع» جديد من قصيدة النثر، ينضم إلى تكوين الموزازييك لدواوين من قبيل «أغاني بيليتيس» أو «بيال–جرين»، لترسم — من خلال وحدة أجزائها — صورةً وحكاية، لكن المقاطع المتعاقبة هنا ليست مبنية باعتبارها «قصائد» مستقلة، فهي تحتفظ (عن قصد أو غير قصد) بهيئة الأجزاء، وبمظهر عدم الاكتمال، ويمكننا الاعتقاد أن سلطتها الإيحائية تتضاعف فيها، وأن الانفعال يسري فيها أيضًا بشكل أكثر اضطرامًا، وأكثر مباشرة: «هناك (مثلما يقول «ج. بندا» عن «يوريديس»)، تولد الصور والإطالات والزخارف الفنية — فضلًا عن جمالها الخاص، وبشكل واضح — في نفس دفقة الانفعال الذي تريد أن تزيده ثراءً قبل فوات الأوان»، و«بعد أن تظل مغمورة بهذا الانفعال وبلونها الدقيق، تضاعف فيها القوة عندئذٍ عشرة أضعاف»،٦٤ وهكذا تنحو الأجزاء الأولى من «موت نارسيس الوقور والشهواني» — التي نشرها «ج. جاسكيه» في عدة مجلات٦٥ — إلى أن تكون قصيدة بطبيعة الحال، ونتذكر «السنتور» عندما نقرأ في الجزء «المهدى» إلى «جيد» عام ١٨٩٩م:
إن الكهوف هي سكني الطاهر، ترعد فيه الريح، وتثور فيه الينابيع المختبئة، تسكرها رفرفات اللقاح، وفي الحواجز الداخلية يرتعش أحيانًا الفوسفور اللامع، وفي التوتر، وأنا ممدد على سرير من الخَلَنْج، على عتبة هذه القصور العميقة، أسمع — كأنما من صدر هائل — صرخة الأشياء وهي تتصاعد، إن صوت العالم يباركني …٦٦
ولأن أجزاء الرواية — المكتوبة متعاقبة بعد ذلك — على النقيض، و«مسرودة» بشكل أكثر قصدية، فهي تبتعد عمدًا عن النوع الشعري.٦٧
وعلى النقيض، أراد «بول دروو» — الذي عكف طوال ستة أو سبعة أعوام على مخطوطه — إلغاء الأجزاء الأولى من «يوريديس»، على أساس أنها روائية بشكل زائد، وتحتوي على «حدث»: فهو لم يكن يريد — على الإطلاق — أن يكتب «حكاية صغيرة»،٦٨ ورغم هذا، تقدم غنائية «دروو» خصائص ذات جمال شكلي، وبريق لفظي، وثراء ووزن تشرف نثرًا ينتظم بشكل متناغم، ويمتزج في صلابة بإسمنت بناء معماري قوي، لكن «الزخارف، والصور، ولحمة هذا الأسلوب الغنائي نفسه، يتم التقاطها وتقديمها كأنها ما تزال في حالة اختراق: غنيمة نهب متحقق في حريق»، مثلما يكتب «ش. دي بو»؛٦٩ ولهذا تختصر بعض المقاطع إلى إشارات غنائية، وصرخات فرح أو ألم («من سيهبني ثلاثة أيام من سلام، ثلاثة أيام تكفين وسلام! لأكون على الأقل مستريحًا تحت نخلة، بالقرب من ماء هادئ ووليد!»)٧٠ وصور أخاذرة («كانت الشهوة، كان لها وجه ذو تعبير مرعب ورغم هذا بلا عينين، بلا أنف: لحم وفم»)،٧١ لكن ثمة مقاطع أخرى تمثل قصائد حقيقية، قصائد جميلة للغاية عن الألم والزهد، مثل هذه:

صعوبة الحياة في غروب الشمس، أيتها اللحظة القاسية! ينبغي الخروج.

ها هو الليل الشبيه بجسر ذي قوس واحد، قوسه عالٍ وواسع، وعندما نتورط فيه، يصبح أسود تقريبًا.

إنه يربط الحقول الطافية، والغابات البعيدة والشارع المظلم.

أحب أن أعبره، وأدخل بعزم في الريف، يقابلني فلاحون ويحيونني، تنسحب البيوت من المشهد، هي التي كانت تلتمع ببياضها في الشمس، بوقاحة، بإنسانية تنحني شجرة حور على الأشواك المنتصبة مثل رجال، وتختلط جنبات زهور رقيقة ومنتفشة بالغابات البعيدة، أغوص في الظلام الذي يبخل بالكلمات، في الوحدة الباردة، العدائية، وتتفادى ورقة الشجر نظرتي، والغصن يبتعد إذا ما اصطدمت به، والوردة التي أطأها ترتفع خلفي.

من الذي سيعلمني أن أعيش هذا البلد الذي تشعر فيه الريح والشجرة والربوة بمشاعر البشر؟

ورغمًا عني، وبقلبي، أسائل الأشياء الفانية.٧٢
ويظل عمل «بول دروو» أفضل مثال للتوازن — شبه الكامل — بين صيغة قصيدة النثر وصيغة الرواية، توازن يصعب المحافظة عليه بين نوعين تطرح قوانينهما تعارضات فيما بينهما (مثلما سبق القول)، وقد شدد «ج. دي فوازان» — عن حق في حديثه عن «دروو» — على مخاطر مشروع كهذا: «إن كتابة رواية غنائية، أي مؤلف تكون حبكته حبكة روائية حقيقية، لكن شكله يحافظ — رغم هذا — على سحر القصيدة، لهي مغامرة أدبية سعى إليها أكثر من كاتب، وفشل فيها معظمهم، فيما يبدو، فنغمة قصيدة النثر تبطئ من الحدث وتضعفه، ويتخذ رسم اليومي — بفعل هذه النغمة نفسها، من ناحية أخرى — سمتًا غير واقعي، ويتخذ رسم اليومي — بفعل هذ النغمة نفسها، من ناحية أخرى — سمتًا غير واقعي، ومثيرًا للسخرية في أغلب الأحيان»، والواقع أن «قصيدة النثر تتضمن موضوع قصيدة، وأيًّا ما كان جمال بطلة القصة المحكية، فمن الصعب عليك وصفها لنا بطريقة محددة تجعلها تعيش تحت أعيننا، فالنغمة الغنائية تمنع ذلك»؛٧٣ ولهذا السبب، نعتقد أنه من الأسهل المحافظة على «وحدة النغمة» الشعرية في الرواية المكتوبة من مقاطع، حيث تتوازى فقط قمم الكثافة الغنائية الكبرى، وتظل الحكاية التي تربط بينها تحتية، والانتقالات مضمرة، ويحافظ الشكل الذي تبناه «بول دروو» على الفرصة الشعرية للعمل الفني، بشكل أفضل من صيغة «جيد» (الذي أدى اختياره لشكل المذكرات في «أندريه والتر» إلى اقتراب كل مجموعة من قصيدة النثر، دون أن تبلغها)، أو صيغة «باريه» الذي اختار — في «رجل حر» — تقديم روايتين للأحداث، الأولى نثرية والثانية شعرية.
وحتى في مؤلف من هذا القبيل، لا يمكن لشكل «القصيدة» — رغم هذا — أن يتحقق مع إدخال عنصر روائي: فكثير من المقاطع تصبح قيمتها أقل في حد ذاتها مما في علاقتها بمجمل العمل، فأساليب التعبير المكتشفة، والاندفاعات الغنائية، والصور والرموز، تُستخدم في التعبير عن حالات روحية أو في وصف «أزمنة» سرد بما يحدد منحاه، أكثر مما في خلق عالم «شعري» حقيقي، أي مستقل.
ما الذي يمكن قوله إذن عندما يتعلق الأمر لا ﺑ «روايات في قصائد»، بل ﺑ «روايات قصائد»، وهو نوع سيمتد فيه لفترة من الزمن تأثير الرمزية و«أنونزيو»؟ هنا، تصبح انتقادات «ج. دي فوازان» في الصميم: فلنحاول إذن إعادة قراءة روايات مارسيل باسيليا،٧٤ وكونتيسة «نوابي» أو «بول آدام» (الذي لم يجد «جان روبير» حرجًا في أن يكتب أنه قد «تبنى جمالية «مالارميه» في الرواية!)٧٥ لكن نهاية القرن التاسع عشر كانت قد شهدت ميلاد انتقادات حادة لنثر معين يتمتع بغنائية صاخبة وعظمة لفظية تمامًا،٧٦ تجددت فيه أخطاء «النثر الشعري» لنهاية القرن الثامن عشر.
وكانت مبالغات كهذه حتمية، بعد أن طالبت الرمزية بالتحرر الكامل للشكل: فإذا ما قبلنا — مثل «روبير» عام ١٩٠٩م — بأنه «لا يوجد حاليًّا سوى شعراء يكتبون شعرًا أو نثرًا»٧٧ (أو — مثل «ر. دي جورمون» — بأنه لا يوجد سوى شكل واحد هو القصيدة)،٧٨ فما من مبرر يجعلنا لا نجمع تحت بطاقة «قصيدة» كل الأنواع الأكثر تنوعًا، الحكاية والدراسة والرواية … كل ذلك ليس جديدًا، ولا نشهد هنا سوى استمرار هذا الاتساع (أو التفكيك) لمفهوم القصيدة الذي بدأ من نهاية القرن التاسع عشر مع التكاثر الفوضوي للأشكال «الشعرية»، ولا يثير الدهشة أن يتحدثوا عن قصيدة نثر — في «فالانج» — بصدد قصيدة «حبال الكروم»٧٩ التي نشرتها «كوليت ويلي» (ولا شك أن صفحات مثل «ليلة بيضاء» و«النار الأخيرة» و«يوم رمادي» مشحونة كلها بالشعر)، أو في «نوفيل روفي فرانسيز»، عن قرويات «جيرودو»،٨٠ ولا يصح إلا أن نسمي هذين الكاتبين شاعرين، كل منها خالق لعالم أصيل وعذب، وبالتأكيد أكثر من أغلب الشعراء متقطعي الأنفاس الذين يجهدون أنفسهم عبثًا لمنح بعض الحيوية لشعر النظم الذي أصبح مصابًا بالأنيميا، ولكن، ألا يتضح لنا إلى أي حد — من جراء التوسع — يفقد مفهوم القصيدة كل دقة، وكل تحديد، و— بعد قليل — كل وجود محدد.
هناك حقًّا — في الثماني أو العشر سنوات الأولى من القرن — أزمة حادة في قصيدة النثر: ولأنه تم استبعاد قصيدة النثر ذات الشكل الصارم على وجه العموم، فهل سيقع على عاتق قصيدة النثر الحرة — التي دمرتها فوضويتها نفسها — أن تذوب وتختفي في النثر الشعري، وتكتفي باستحداث مبادئ تزيد من ثراء الأشكال الجديدة للحكاية، والرواية، و«المشاهدات»؟ وقد بدأ الكتَّاب المهمومون بكتابة قصائد حقيقية والعثور على نظام داخلي٨١ — وليس شكليًّا — يرتابون في الشكل المنثور، وأخذوا يتوجهون نحو شكل أكثر إيجازًا، وسيطًا بين النثر والشعر الحر، هو الآية.

(٢) توجه جديد للنثر: الآية

في حديثه عام ١٩١٤م عن التقنيات الشعرية الجديدة، يشير «فلوريان–بارمنتييه» إلى «أن هناك شيئًا يدهشنا في بادئ الأمر، هو أن أكبر الغنائيين المعاصرين من قبيل «بول كلوديل» و«سان–بول–رو» و«هان رينيه» و«أندريه سواريس»، قد تخلوا عن الشعر للتعبير في نثر موقع يكيفه كل منهم لمزاجه الخاص …» وفي تعليقه على نجاح «المرحلة الغنائية» و«الآية»، يضيف: «سيكون هذا تطبيقًا جديدًا وأكثر منطقية للشعر الحر، الذي يتميز القطع فيه — في أغلب الأحيان — بأنه غير مبرر وعشوائي، وهكذا، ستتمتع الغنائية بأداة وسيطة، أقل سطوة من الشعر وأكثر مرونة وموسيقية من النثر»،٨٢ شكل هجين بالفعل، والوحيد بلا شك الذي يستحق حقًّا هذه الصفة التي تضفى عن خطأ على النثر الشعري أو على قصيدة النثر (اللذين هما نثر)، أو — بسبب خطأ آخر — على الشعر الحر (الذي هو شعر)، ولا شك أن الآية هي «بيت شعر»: لكن فقط بذلك المعنى الواسع للغاية الذي يعنيه «كلوديل» عندما يعرف بيت الشعر بأنه «فكرة يعزلها فراغ»،٨٣ أكثر سلاسة وقربًا من الإيقاعات الحرة للنثر، لتبدو الآية غالبًا لا كبيت موسع ومتمدد، يغطي عدة سطور، بل — بالأحرى — كنثر ينحصر ويتكثف كلما جعلها التوتر الغنائي أكثر حساسية للشعر، لقد تأثر من تبنوا الآيات — بشكل عام، وبقوة — بالتوراة، التي تشكل التماثلات فيها والتوازيات والتناقضات نوعًا من «القوافي المنطقية» التي يمكن استخدامها في النثر كما في الشعر، وتأثروا أحيانًا أيضًا ﺑ «ويتمان»، الذي يوحد أسلوبه — الشعري والخطابي في آن — منابع الشعر والنثر، ومثل الكثيرين، خضعوا أيضًا لتأثير أقدمهم وأبرزهم، «كلوديل»، وسأذكر بأن «كلوديل» يعتبر آياته «لا تفكيكًا للشعر الكلاسيكي، وإنما التطور الأرقى والأخير للنثر، ولا نجد هذه السلسلة لدى الشعراء الفرنسيين الكبار، وإنما في التعاقب غير المنقطع لكبار كتاب النثر، الذي يبدأ من جذور لغتنا حتى آرثر رامبو»،٨٤ فكلوديل و«سواريس» و«ميلوش» و«سان–جون بيرس» هم شعراء اعتقدوا أن النثر والشعر «سيفيدان من تزاوج منابعهما».٨٥

(١) كلوديل

حدد «كلوديل» موقفه من الشعر في مؤلفه «تأملات واقتراحات حول الشعر الفرنسي»، الذي كتبه عام ١٩٢٥م،٨٦ وهو — من ناحية — يرى في الشعر «العنصر الأولي للغة … فكرة معزولة ببياض الصفحة»،٨٧ مركب من «أفكار وصور وذكريات ومفاهيم وتصورات»،٨٨ ينبغي (بالنسبة للشعر على الأقل) «أن يمنحها الوقت من خلال الفقرة، على الأقل لمدة ثانية، كي تتخثر في الهواء الطلق، وفقًا لحدود معيار يسمح للقارئ أن يدركها للوهلة الأولى مع البنية والنكهة»،٨٩ ويمكننا البياض — عمومًا — من التطابق مع مظهر الفكر الإبداعي الذي يتحقق في «طلقات» متتالية: من هنا، يتميز الشعر عن النثر.٩٠
لكن «كلوديل» — بعد أن قام بهذا التمييز الشكلي بين الشعر والنثر — يبادر، من ناحية أخرى، بأن يضيف — فيما يتعلق بالأدب الفرنسي — أن «الشعر ليس غالبًا سوى نثر «راقٍ»، فيما النثر، من جانبه، مشحون ويموج بالأبيات الفطرية»،٩١ إن مقالته عن الشعر الفرنسي هي كلها هجوم عنيف ضد البحر السكندري الكلاسيكي، ومتطلباته المزعجة، ومظهره «التعليمي الميكانيكي»:٩٢ وهو يواجهه ﺑ «وسائل عروض سيستند — بشكل خاص — لا على العدد … بل على كمية وعلاقات الجرس»،٩٣ وسيذكر أمثلةً لهذا «التناغم الداخلي للإصاتات» لدى أساتذة نثرنا، «باسكال» و«بوسويه» و«رامبو»، فمن الذي لا يعرف الصفحات الشهيرة التي خصصها «كلوديل» لتقنية «رامبو»؟٩٤
ولأن الشعر جميعه — في فرنسا — قد لجأ إلى النثر، فإننا نجد أنفسنا في طريق مسدود: في «تقنية البحر السكندري، إذا ما أفسدت وجمدت حساسية الفنان؛ وإذ سيطرت على الأذهان التي لا تسمح إلا بالإيقاعات الأولية، والإصاتات المتماثلة في الصوت، فإنها تركت كنزًا كبيرًا من الملذات يرقد في أعماق اللغة الفرنسية، دون أن يتمكن كاتب النثر — المشغول من ناحيته بمساعٍ أخرى، والمنقاد في المجرى الموحد للكتابة — من استخدامها منهجيًّا»،٩٥ أما كيفية الخروج من هذا الطريق المسدود، فذلك ما سيكون على شعراء العهد الحالي أن ينكبوا عليه، مع الاستفادة من الدرس الذي قدمه «موريس دي جيران» و«رامبو»:٩٦ والواقع أن الشعر والنثر قد بلغا اليوم نقطة تطور سيستفيدان فيها من تزاوج وسائلهما».٩٧
ذلك إذن ما أراد «كلوديل» أن يفعله: توحيد النبضات التنفسية لبيت الشعر «المعزول ببياض الصفحة»،٩٨ مع ثراء توافقات النثر الإيقاعية والتناغمية، ولا تأتي وحدة آيته — مثل البيت الكلاسيكي — من العدد المحدد للمقاطع اللفظية، ولا من «الأجزاء» المنطقية، مثل الشعر الحر، بل من «بث الفكرة» المكتملة في ذاتها، لتشكل كلًّا.
هنا يتدخل تمييز، ربما لم تتم صياغته بشكل كافٍ، بين آية المسرحيات الكلوديلية وآية القصائد، فلا يمكننا أن نطبق نفس تعريف الآية على «رأس ذهبي وأناشيد»، على سبيل المثال، وربما يمكن — بشكل خاص — تطبيق الملاحظات الشهيرة ﻟ «ريفيير» عن «الإيقاع» التنفسي الذي يكشف عن الحالة العميقة للمتكلم، ويتنوع معه على آيات المسرحيات المكتوبة كي «تُقال»:٩٩ والحق أننا نشعر في كلمات «سيبيس» الأولى في بداية «رأس ذهبي»، التي ذكرها ريفيير، بتقزز محير، وأن الأبيات «تهوي بإرهاق»:
ها أنا ذا
غبي، جاهل،
رجل جديد أمام الأشياء المجهولة،
وأدير وجهي نحو «العام» وقوس الجسر المطير، قلبي متخم بالضجر!١٠٠
ويذهب كلوديل في هذا الاتجاه إلى ما هو أبعد، سواء بالسعي لجعل «توتر» الكلمات محسوسًا به (بما يتوافق مع توتر ذهن من ينطق بها)١٠١ من خلال وسائل طباعية،١٠٢ أو بتقطيع البيت كي يتبع تقطعات النفس، مثلما في هذه الأبيات المستمدة من «رأس ذهبي»:١٠٣
آه
انتصار!
يا له من مجد! أي قلب إنساني من القوة كي يتحمل هذا!
وبالمقابل، وبالتناقض مع هذا الإيقاع الدرامي والنفسي بشكل خاص، تبدو آية «أناشيد» خاضعة لإيقاع ذهني قبل كل شيء: وعليها ينبغي تطبيق ملحوظة «مادول»: «لا يتوافق كل بيت، مثلما نعتقد كثيرًا، مع انبعاث النفس، وإنما مع انبعاث الفكرة»،١٠٤ وهذا ما يفسر السبب في أننا — نجد في أحيان كثيرة في «أناشيد» — آيات طويلة نسبيًّا، تقدم فترة (زمنًا) من الفكرة، لتسجل في «ومضة عقلية» واحدة كلًّا كاملًا من الأفكار أو المشاعر:١٠٥ عندئذٍ نرى الآية تعود إلى مبادئ النثر، هذا النثر «ذي المقاطع» المعزولة بالفراغ، الذي كان «برتران» و«لامنيه»، على سبيل المثال، يعرفان قيمته:
أيها النحوي في أبياتي! لا تبحث أبدًا عن الطريق، ابحث عن المركز! قُم بالقياس، افهم الفراغ المدرك بين هذه النيران المنعزلة،
ألا أعلم أبدًا ما أقول! أن أصبح علامةً في حالة عمل! ألا أنخسف في حركتي! (ليس سوى الضغطة البسيطة ليدي كي أحكم).
فلأحافظ على ثقلي مثل نجمة ثقيلة من خلال الترتيلة الحافلة!١٠٦

ومن الصعب الحديث هنا عن إيقاع «نفسي»، فطول الآية لا يتوافق مع مدة النفس، لكن مع «انبعاث للفكرة» معقد إلى حد أن يتطلب عدة سطور: فالأمر يتعلق هنا حقًّا ﺑ «إيقاع الفكرة».

وآية «كلوديل» تقترب أيضًا من النثر بمزاوجتها بين وسائل البلاغة ووسائل الشعر: ولنقل — بالأحرى — إن البلاغة هي الشعر بالنسبة لكلوديل؛ لأنها حركة؛ ولأنها تفرض على اللغة تصورات حيوية، ما يسميه الجملة أو العنصر،١٠٧ فوجود كلمة بلاغة يميز الجملة التي يشرح فيها «كلوديل» أن الشعر الحقيقي في فرنسا موجود في النثر: «كل ما يوجد في اللغة الفرنسية من ابتداع، ومن قوة، ومن عاطفة، ومن بلاغة، ومن حلم، ومن قريحة، ومن لون، ومن موسيقى تلقائية، ومن شعور بالكليات الكبرى، كل ما يستجيب بأفضل الطرق — باختصار — للفكرة التي نتصورها بشكل عام عن الشعر منذ «هوميروس»، لا نجده لدينا في الشعر، وإنما في النثر»،١٠٨ إن «كلوديل» يمنح الشعر الفرنسي — الذي أصابته بالهزال محظورات مبالغ فيها ورقة مفرطة — الدم الأحمر لبلاغة مشبوبة، وخطابية قادمة من أعماق الكينونة، وهو يأخذ من النثر شعريته، كي يعيدها إلى النشر، ونرى جيدًا — كي لا نذكر سوى مثال واحد — كيف تتيح الآية الحرة متابعة حركة توسع الصدر، والانتشار التدريجي للفكرة، والإيقاع في الأبيات الأولى من «الروح والماء»:
بعد الصمت الطويل الذي ينفث الدخان،
بعد الصمت المدني الكبير لعدة أيام وهو ينفث الشائعات والأدخنة،
نفس الأرض في الزراعة وزقزقة المدن الذهبية الكبرى،
فجأة «الروح» من جديد، فجأة الزفير من جديد،
الضربة الصماء للقلب فجأة، الكلمة الممنوحة فجأة، زفير الروح فجأة، الاغتصاب الخاطف، امتلاك «الروح» فجأة!١٠٩
ولأنني غير مضطر هنا لدراسة الآية الكلوديلية بالتفصيل، فسأكتفي بملاحظة أخيرة حول هذا «الشعور بالكليات الكبرى»، الذي ألهم «كلوديل» التأليف التركيبي أو — إن شئنا — السيمفوني١١٠ لهذه «الأناشيد الخمسة الكبرى»، التي تطور بغزارة موضوعات متشابكة: والواقع أن الأمر يستحق أن نسجل أن قصيدة الآيات تنحو — بفعل قانون جوهري — إلى أن تكون قصيدة طويلة (وسنراجع الأمر بصدد «سان–جون بيرس»، و«ميلوش»)، وربما يكون أكثر دقة القول إن الآية تكون) «أي شيء آخر إلا مجموعة قصائد قصيرة»،١١١ وربما يكون أكثر دقة القول إن الآية وحدها يمكن أن تسمح للشعراء الذين يتمتعون بنفس طويل من مقاربة القصيدة المسهبة ذات الإلهام الملحمي («أناباز» لسان–جون بيرس) أو «الغنائي» على غرار «النشيد» اليوناني ذي التكوينات الكبيرة (ألم يكتب «سواريس» إلى «كلوديل» — في حديثه عن «ربات الشعر» — «إن أولى الألعاب البيثارية١١٢، لدى (الشعراء) الحديثين» قد خرجت من قلمه؟)،١١٣ فالتتالي الذي لا ينتهي من البحور السكندرية يؤدي — مثلما تثبت التجربة — إلى تصاعد ملل لا يحتمل،١١٤ وبالنسبة للنثر، شعريًّا كان أم لا، فإنه ينتهي دائمًا — عندما يتخطى طولًا معينًا — بالتحول إلى رواية أو بحث فلسفي، فهل سأكرر مرةً أخرى أن «قصيدة النثر» الحقيقية موجزة دائمًا؟

ستصبح القصائد المبنية على الآيات — إذن، وبشكل عام — منظمة بشكل واسع، دون أن تكون، رغم هذا، رابسودية، مبنية على بعض الموضوعات الكبرى، لتتطور انطلاقًا منها بطريقة خطابية وموسيقية (أو دائرية) في آن، وذلك ما يعني أنها تدخل ضمن فئة القصائد المبنية، الخاضعة لنظام صارم، وأن كتابها يصنفون ضمن شعراء الانسجام والديمومة، ضمن منشدي القوى الأبدية، الذين يقبلهم الإنسان «المتصالح» بشكل صافٍ:

سأكتب قصيدةً لن تكون أبدًا مغامرة عوليس بين «الليستريجونات» و«السيكلوبات»،١١٥ بل معرفة الأرض،

قصيدة الإنسان الكبرى في النهاية فيما وراء الأسباب الثانوية وقد تصالح مع القوى الأبدية،

الطريق العظيم الظافر عبر الأرض المباركة التي تصالحت كي يتقدم فيها الإنسان المنقذ بمحض الصدفة!١١٦

بين النظام والتمرد، اختار شعراء مثل «كلوديل» و«سان–جون بيرس» و«ميلوش»، مرة وللأبد، أو أن شعرهم، بالأحرى، يفترض نظامًا كونيًّا للإنسان مكان فيه، وحيث كل تمرد لا يبدو هدامًا فحسب، وإنما عبثيًّا وساخرًا.

سواريس

وها هو — بالمقابل — كاتب وضعوا تشاؤمه (وفكره) «العبثي»١١٧ في مواجهة النظرية الكلوديلية المتسقة والمتفائلة، كاتب شارك «كلوديل» أفكاره — (وتأثرت لغته وشكله الغنائي به) — حول ضرورة تحرير الشكل الشعري،١١٨ لكنه لم يتمكن — رغم هذا — من إيجاد شكل واحد يتحقق من خلاله، وقد يبدو مبالغًا فيه القول إن «سواريس» لم يتمكن أبدًا من كتابة «نشيد Ode» على النحو الذي حُلم به طويلًا،١١٩ وإنه يخلط في أعماله الغنائية كل الأشكال الحرة، الآية والنثر الشعري وقصيدة النثر، وذلك — بالتحديد — لأنه لم يتمكن أبدًا من أن يدرج في حياته وفي فكره هذا النظام الرفيع الذي كان يتوق إليه:١٢٠ ورغم هذا، ألا يمكننا الاعتقاد أن هذا التردد بين أشكال متنوعة للغاية (في أسلوب يعبر توتره الغنائي عن نفاد صبر، وغضب داخلي)، وهذا الخليط من محاولات فخيمة (مثل البناء الشاسع، ثلاثة في عشرين قصيدة، الذي يعرض — في ديوان «صور العظمة» — الصراع بين «جوبيتر» و«تيتان»، وبين الله والإنسان)، وهذه النثريات المتعددة العناصر مثل «ها هو الإنسان» التي كانت تثير غيظ «جيد» إلى حدٍّ بعيد؛ لأنه لم يرَ فيها سوى «كومة» و«أفكار أولية ومسودات روائع أدبية»،١٢١ تتوافق مع شكوك روح في تناقض مستمر مع نفسها؟ كعدمي يكره العدم،١٢٢ ومعادٍ للولع بالفنون، سينتهي به الحال إلى ألا يرى شيئًا آخر خارج الفن،١٢٣ وعدو للبشر تثير وحدته غيظه،١٢٤ فإن «سواريس» — في الفن أيضًا — كاتب مولع بالنظام ويتركنا لفوضى «أفكاره» و«رؤاه»،١٢٥ كلاسيكي مغرم بالكليات الكبرى ولن يخلد إلا ببعض المقطوعات القصيرة والرومانتيكية بشكل عنيف في أغلب الأحيان، ومن السهل ان نستخرج من هذا المؤلف «مقطوعات لمختارات» ينساب نثرها، ذو الروعة اللفظية والاستعارية دائمًا، أحيانًا في شكل آيات، وأحيانًا في مقاطع أو فقرات متلاحمة إلى هذا الحد أو ذاك، هكذا يذكر «ف. دي ميوماندر» «موسيقى الأفلاك»، التي تختتم أول عمل شعري لسواريس، «صور العظمة»:
قصور حصينة، حيث كل صخرة وكل حجر شمس مشذبة مثل الماس،
قصور فيها السماء مرج.
ومتنزهها وحديقتها، كل شوارع العدم الكبيرة العميقة …١٢٦
ويعبر عن إعجابه ﺑ «هذه الحرية الجامحة والجميلة التي كانت لرامبو في «إشراقات»»،١٢٧ وأن «موكلير» — الذي يرى في «ها هو الإنسان» عملًا بلا أي طابع أدبي، و«هامشيات» صاحب رؤى موسوعية — يقتطع منها رغم هذا «قصيدة جميلة للكمان»، «منتحبة» (وهي نوع من التأمل في نثر شعري)،١٢٨ ويتحمس «تيبوديه» لختام هذا الديوان نفسه، «على سرير الشمس»:١٢٩
أقيس السرير الذي لا أغادره أبدًا.
أستلقي على كتف البحر، وألصق خدي بخد النهار،
ينبغي أن أنتهي، بزفرة أخرى، مع هذه الشمس الحمراء التي تجعلكم تخفضون عيونكم. رايات يونيو، زهرة على الفم، حبة كريز بين شفتي المدى، الذي ما كان له أن يضحك في حدائق الظلام، من قطف باقة العالم وأكل هذه الفاكهة؟
لا تلمسوني بعد ذلك، الشمس داخلي، تحرقني، أجعل من نفسي رمادًا، وأحمل تمثالي الأقدم من قرون القرون، جسدي الملحي الذي شهد الحريق على ضفاف البحر الميت.
أنا الحياة التي تحمل جثتها الكبرى.
كلي من رماد، أستنفد قواي: لأنني من نار.
ويضع «كلوديل» — بدوره — إصبعه على صفحتين من «درع فلك البروج» («درع الرموز» هذا، مثلما يقول «سواريس»،)١٣٠ تجعلانه «يقشعر من الجمال العظيم»،١٣١ صفحتان تذكرنا لغتهما الغنائية، الفخيمة، والمكثفة، ﺑ «معرفة الشرق» (سواء استطعنا الحديث عن تأثر أم لا):

هادئ مثل الضوء الذي هو صرخة الذوبان، صوت النفير هذا الذي يمسك بالعلامة الأبدية، إنه من الحدة والصفاء إلى حد أننا لم نعد نسمعه في مد الفضاء وجزره؛ لأنه الجوهر، والشكل، والمادة، والأداة والسمع، الله لا يؤثر في الإنسان إلا من خلال الإنسان، ضوء، ضوء كل شيء! شعاع الشمس هو نواة النواة، بويضة المادة، من أجل أن تخصبها روح الإنسان!

سكينة، قصر أسمى، لا بد أن أصعد إلى الشرفة الإمبراطورية، المقر الصيفي لمملكة الهروب، سكينة، أمنية حياتي كلها، خريطة كاملة لا شيء فيها يذكرنا بما تركناه، أحلم بالسكينة الاحتفالية للشمس على حوائط ما كان حصن بابليون، وأن أحمل إليك، في الأعالي، حياتي فاكهة فريدة، لفمك، هاوية النضارة …١٣٢
وعن هذا الكتاب الأخير، قال «ريفيير» إن قراءته كانت «مدهشة ولا تُطاق»،١٣٣ فالمناخ مخلخل، حيث نسمع فيه النداء الأليم للشاعر يرن في اتجاه الفرح والسكينة والحياة، نداء لا يجيب عليه سوى الموت: «أنا الموت كله، كلي شيء يموت، فهو قد مات داخلي»،١٣٤ هكذا تبدو مؤلفات «سواريس» كلها كأنها مسكوكة بقدرية الموت، ومتجمدة في اندفاعتها إلى الغزو: فحتى من الناحية الشكلية، لا يستند هذا النثر المدهش — داخليًّا — على هيكل روحي، ورؤية متماسكة للعالم قد تمنحه القوة والمقدرة، فهو يحترق، لكنه لا يضيء: «كلي نار، كلي من رماد»، يمكننا أن نجعل «سواريس» يقولها بالاقتباس من «سرير الشمس»، ومن هنا، يكمن الحكم بالغ القسوة الذي أصدره «آلان فورنيه» على هذا «الحشد من الصرخات البليغة»، الذي لا يعدو «أن يكون محاولة في الشعر، على نمط كلوديل»؛١٣٥ ولأنه عجز عن خلق «عالم» شعري حقيقي؛ لأن مبدأ الهدم يأكل شعره داخليًّا، فسيتحول «سواريس–كايردال» نحو النثر في النهاية (وقائع، مقالات وحكايا الرحلات).

سان–ليجيه–ليجيه أو بدايات سان–جون بيرس

لن يكون هناك ما هو أكثر زيفًا من تقسيم قصائد «سان–جون بيرس» إلى قسمين، القصائد التي كتبها قبل عام ١٩١٤م باسم «سان–ليجيه–ليجيه»، وتلك التي كتبها بعد ذلك باسم «سان–جون بيرس»: فما من شعر يمثل وحدة مثله، ويمكننا — انطلاقًا من ديوان «مدائح» (١٩١١م) — أن نرسم كل خطوطه الكبرى، ولن أذكر عنه شيئًا هنا١٣٦ إلا من أجل تحديد موقع هذا الديوان الأول، ومنحه مكانته ضمن الجهود التي بذلتها حينئذٍ مجموعة كاملة من الكتاب: مكانة حددها «فاليري لاربو» منذ عام ١٩١١م في مقالة نشرت في «فالانج»،١٣٧ حيث يجعل من «سان–ليجيه–ليجيه» صهرًا ﻟ «الأخلاف المباشرين لرامبو»، وبشكل خاص «فارج» و«كلوديل»: شعراء يمكن تمييزهم، من ناحية، برغبتهم في إطلاق سراح الشعر، وبألا يقتصر أبدًا على «المشهد الداخلي» والمجاز الزخرفي (وسيستع الشعر معهم لأبعاد العالم، سواء في الامتداد الفضائي أو العمق الزمني) — وبمساعيهم اللفظية، من ناحية أخرى، ورغبتهم في «خلق» لغة لهم، وشكل أقرب إلى النثر من الأوزان الكلاسيكية.
لكننا نشعر أيضًا — في «مدائح»، مثلما في «أناشيد» كلوديل —بشعر مفعم بالنسغ والقوة والبلاغة، وغنائية غير ذاتية، لكنها كونية بشكل ما، لا تكسر البحر السكندري فحسب، بل أيضًا الأشكال الضعيفة إلى حدٍّ ما من الشعر الحر: شعر تتزاوج فيه أدوات الخطاب بأدوات الشعر، شعر قوي، لكنه شعر منظم على نحو خاص: تحكمه — بالنسبة للجملة — الثنائيات «الإيقاعية الثابتة»، والبحر السكندري والمقطع الثماني، التي تمنح ظهوره الاتزان والسمو (ذلك منذ أول قصيدة نشرتها مجلة «نوفيل روفي فرانسيز»، قصيدة «صور إلى كروزو»،)١٣٨ أما بالنسبة لمجمل العمل، فثمة شعور قوي للغاية بقصيدة مبنية بناءً قويًّا ومتناغمًا: ونجد، في قصيدة «كي نحتفل بطفولة»، المنشورة في «نوفيل روفي فرانسيز»، في أبريل ١٩١٠م، موضوعًا عامًّا، هو المديح المرتبط بموضوع «الوضع السامي»،١٣٩ الذي يستمر من البداية إلى النهاية، ويتشابك في إيحاءات شتى، وتؤدي استعادات الكلمات والتعبيرات،١٤٠ والبدء بكلمة في ثلاثة أجزاء من ستة بكلمة «يا نخيل!» إلى أن يسيطر على القصيدة نوع من نظام يتوافق — فضلًا عن ذلك — مع الموضوع المعالج:
إلى اليمين
ندخل المقهى، إلى اليسار نبات المنيهوت
(أيتها الأشرعة التي نطويها، يا أشياء المديح!)
ومن هنا كانت الأحصنة الموشومة جيدًا، والبغال ذات الوبر المحلوق، من هناك كانت الأبقار …١٤١

نجد هنا (مثلما ذكرت من قبل، لدى «كلوديل») ميلًا إلى النظام التشكلي، و«إحساسًا بالكليات الكبرى» يمد جذوره في إحساس عميق بالنظام الكوني، يصاحبه تفاؤل إزاء الخليقة: كل الأشياء في مكانها، كأنها جميلة ولذيذة وتستحق المديح:

إذ أستدعي كل شيء، سأذكر كم كان كبيرًا، إذ أستدعي كل حيوان، كم كان جميلًا وطيبًا.١٤٢
إن حكمة ونُبل النباتات والحيوانات تشهد على «نجاح» الخليقة هذا، مثلما تشهد عليه اللغة الرنانة والرائعة في «مدائح»:
… وهذه الصخب وهذا الصمت! وهذه الأخبار في السفر، وهذه الرسائل عبر المد والجزر، أيها السكر في النهار!١٤٣
… تتخذ حكمة النهار شكل شجرة جميلة …١٤٤
إن المزج بين الكلمات الغامضة، والعامة (حيوانات، شجرة …) — بشكل قصدي١٤٥ — والكلمات الغريبة، والمزج بين المجرد والملموس يتيحان الفرصة للصور المدهشة («وجوه بلا لون لها لون الباباي والملل، كانت تتوقف وراء مقاعدنا مثل نجوم ميتة …»)١٤٦ والمزج بين الأوزان الثنائية والتعديات المعبرة، مما يفرض على الصورة والحياة مفرطة الحيوية للأقطار الاستوائية١٤٧ طابعي العظمة والديمومة، اللذين لن يكفا أبدًا عن تمييز شعر «سان–جون بيرس»، فأي شكل أفضل من الآية كان سيلائم هذا الشعر المفعم بالعظمة والبلاغة الرنانة، الذي كانت وظيفته تبدو كأنها تقديس الأشياء في احتفالية مهيبة؟ هكذا، وجد الشاعر شكله منذ البداية: ومع التمكن المتصاعد، سيستخدم الآية لبناء هذه السيمفونيات الرحبة التي ستسمى «أناباز» و«منفى» و«رياح».

ميلوش

إذا ما كنا نستطيع أن نضم «ميلوش» إلى الشعراء الذين سبقوه، رغم أن أهم أعماله تقع فيما بين عامي ١٩١٦م و١٩٣٠م، فذلك — أولًا — لأن نضج مفاهيمه الفلسفية والشعرية قد تحقق على ضوء تجربة داخلية تمامًا، لم تلعب فيه «المدارس» ونزعات المرحلة أي دور: فميلوش (بعيدًا عن أعماله المبكرة)،١٤٨ لا ينتمي لأية مجموعة أدبية، ويقع شعره (مثل بلاد الطفولة هذه التي يستدعيها)، «في ماضٍ خارج الزمن»١٤٩ وعلى صعيد يعثر فيه المرء — فيما وراء «أراضي الصخب الليلي هذه»١٥٠ — على أسئلته الكبرى الأساسية، ويسعى إلى استشفاف وجه الله؛ وذلك أيضًا لأن موقع «ميلوش» محدد تمامًا ضمن شعراء النظام الأبدي وكون متصالح، في رؤيا توصل إليها عبر شكوك وقلق أربعين عامًا.
وإذا ما تركنا جانبًا مؤلفات سن الشباب، المكتوبة في نثر شعري وفي آيات (التي يدين شكلها بوضوح إلى «كلوديل»)، «مفيبوسيت»، و«الشعائر العاشقة»،١٥١ ومسرحية «مييجل مانارا»، التي كتبت في آيات مرقمة في البداية، ثم أعيدت كتابتها نثرًا بناءً على طلب المؤلف،١٥٢ فإن «ميلوش» يستخدم في قصائده الصوفية شكلين رئيسيين: قصيدة النثر، المكتوبة في قطعة واحدة أو المكونة من مقاطع طويلة إلى هذا الحد أو ذاك، وأفضل مثال لها هو «مزمور ملك الجمال»، التي يمنحها تكرار اللازمة انتظامًا معينًا في البنية:

من جزر «الانفصال»، من إمبراطورية الأعماق، أسمع صوت قيثارات الشموس يتصاعد، وعلى رءوسنا ينساب السلام، والمكان الذي نحن فيه، يا «مالشوت»، هو منتصف «الارتفاع».

إن الدموع الخصبة المراقة في فكرة إلى «أبي»، والعوالم الذهبية تضيء جمال الهاوية، رأس ملكية تستند رغم هذا على قلبي، أي رعب وفير تقرؤه في ذاكرة الليل! أيتها الملكة، كوني امرأةً حقًّا بالرحمة السامية، بيضاء تمامًا بشفقة العظمة، فكري في أكثر المهجورين، في الخالق، المكان الذي نحن فيه، يا «مالشوت»، هو منتصف «الارتفاع».١٥٣
والآية، المستخدمة بشكل خاص في «ترتيلة المعرفة» و«الألغاز»،١٥٤ وإذا ما كان صحيحًا أن «ميلوش»، مثلما يتذكر «أرمان جودوي»، كان يعتبر الآية «شيئًا رهيبًا، ضد الطبيعة»، مضيفًا أن التوراة لم تكتب في آيات، وإنما في جمل نثرية مرقمة،١٥٥ فيمكننا اعتبار «آية» ميلوش — هي أيضًا — شكلًا للنثر تنعزل فيه الجملة داخل الفراغ (وأحيانًا ما تشكل مجموعة الجمل كتلة، «المركب» الذهني، كي نستعيد عبارة «كلوديل»): شكل بطيء واحتفالي، يلائم تمامًا نصوص التعليم النظري مثل «تراتيل المعرفة» أو «ألغاز» المكتوبة لنقل إلهام معين ونشر درس صوفي وميتافيزيقي رفيع: هكذا يصبح لكل جملة ثقلها وهي معزولة، بالتأمل فيها (بل التعليق عليها، مثلما هو الحال مع آيات «ألغاز» المائة والسبع)، قبل إعلان الجملة التالية، وفي حين أن النثر هو شكل الصلوات (قارن ﺑ «صلاة هيرام» التي تلي «ألغاز») والتأملات الغنائية، فإن اللغة الرصينة والاحتفالية للآية تضفي بلاغةً سحرية على هذه القصائد التي يقترح فيها «ميلوش» على نفسه — وقد انفصل عن «شعراء الطبيعة» وعالم رموزهم «العائمة والعقيمة»١٥٦ — أن يعثر على «لغز اللغة»١٥٧ والطاقات الغامضة للكلمات كي يطلعنا على المعرفة السامية:
ها هو مفتاح عالم الضوء، من سحر الكلمات التي أجمعها هنا،
يستمد ذهب العالم المحسوس قيمته الخفية.١٥٨
هذا الشعر السحري، الذي يقودنا — في أغلب الأحيان — نحو أراضي «الخفائية»١٥٩ الخطرة أو الصعبة١٦٠ أو التأمل الميتافيزيقي،١٦١ ألا يزال (شيئًا) أدبيًّا؟ في «ألغاز»، القمة الرفيعة والغامضة لأعماله، «يلتقط» ميلوش «معارف يعتبر تساميها أكثر دلالة أيضًا من الكلمات التي تترجمها، وأفكارًا تسترد حجابها على الفور في الذاكرة التي تستقبلها»،١٦٢ وها هو كيف يطرح «آدام» — في بداية القصيدة — مسألة «كون–لا شيء»:

مُنح مفهوم اﻟ «لا شيء» المقدس كي أعلم أن اﻟ «لا شيء» وحده يفصلني عما هو كائن وما أكون فيه:

اﻟ «لا شيء» هو كلمة عرفان بالجميل ﻟ «المسافرين النبلاء»، هو مدخل ومخرج «المتاهة».

مفهوم اﻟ «لا شيء» هذا، من أين يأتي لي، لي وأنا «حركة»، وبالتالي مكان وزمان ومادة؟

أنا، الشيء، كيف تصرفت إذن كي أستخرج من فكرتي عن اﻟ «لا شيء» الختم الجنائزي العظيم الفراغ الأسود والثلجي؟

إذ إن الماء الجسدي المكان الزمان، لم ينسكب في وعاء فراغ قديم، و«الحج» المكان–الزمان لم يقذف به في فراغ موجود من قبل الفراغ مكان، والواقع أن المكان نفسه المحروم من الأثير هو مادة لا تنفصل على نحو ما عن الحركة المطابقة للزمن، لم يكن للفراغ إذن أن يظهر دون أن تظهر في نفس اللحظة الأكوان.

مكاني الوحيد إذن هو هذا الذي نفث في اﻟ «لا شيء» سراب نشوة «جمال» العالم.

وفي آيات «ترتيلة المعرفة» و«مزمور النضج»، من الممكن أن نجد تسلسل الصور والرموز أكثر سهولة، وأكثر «شعرية» حقًّا، ومن خلالها يصف لنا «ميلوش» المسار الروحي الذي اتخذه:
إلى البلد الذي يُشرب فيه الحب ببطء، مثل حصان أبيض، من منابع الامتداد والديمومة.١٦٣
ولا يقل عن ذلك حقيقة أن كل هذه القصائد تقع — بعد عامه الأربعين١٦٤ — على مستوى لا يخص الفن: وقد أكد «ج. دي بوسشير» على مدى ابتعاد هذا الشعر عن «صنعة الفنان وناظم الشعر»،١٦٥ فالأمر يتعلق هنا ﺑ «رسائل» صوفية، تصدر عن عالم شمسي تتم السيطرة فيه من الأعالي على كل الشواغل البشرية، على مستوى جمالي أو شعوري: هذه اللغة، التي يصبح فيها كل اهتمام ﺑ «التأثير» غريبًا، لا تهدف إلى التأثير فينا، ولا إلى أن تجعلنا نفهم بوضوح (ويعلم «ميلوش» تمامًا أن التجربة الصوفية لا تواصلية)،١٦٦ بل إلى أن تصل فحسب، في جذور الكينونة نفسها، إلى هذه الذاكرة العميقة للإنسان، التي أوت إلى «أقطار داخلية تظل دروبها محظورة — بشكل طبيعي — على الوعي»،١٦٧ الذي يشتعل فيه «شمعدان المعرفة الذهبي».١٦٨

«الرجل الذي لم يوقظ فيه هذا النشيد فكرةً أو انفعالًا، وإنما ذكرى، وذكرى موغلة في القدم، سيبحث — من الآفن فصاعدًا — عن الحب بحب».

مثلما يكتب «ميلوش»:١٦٩ فشعره كله يبلغ حد الصلاة.

(٣) عودة متزامنة إلى الشعر الكلاسيكي

وإلى قصيدة النثر: الفانتازيون

إن الشعراء الذين تحدثت عنهم هم شعراء الاستمرار والنظام: شعراء القوى الكونية الأبدية أكثر من كونهم شعراء الدوامات وهواجس القلب الإنساني، الخطابات أكثر من كونهم شعراء البوح، شعراء التركيبات الكبرى لا الإشراقات الموجزة؛ ولأنهم يقعون خارج المباشر والعابر، فلن يستطيعوا الادعاء — لنفس هذا السبب — التعبير عن عصرهم، وأنهم يستخلصون لنا نكهته الخاصة وإيقاعاته المميزة: وبشكل خاص عندما تكون هذه الفترة هي فترة التسارع والديناميكية غير المتوقعة، لكننا سنشهد — بعد فترة من التكيف، كأنها فترة انتظار تُترجم في الشعر إلى حصيلة سلبية لأعوام ١٩٠٠ / ١٩٠٨م، تشكل وتحول اتجاهات جديدة والشعر عامة وقصيدة النثر (أيضًا) التي تعاود الميلاد، هنا وهناك، في أوساط الفانتازيين، وأيضًا لدى حاملي لقب الشعر «المباشر» والملموس، حتى قبل أن يستفيد من الاندفاعة القوية لحركتي الحداثيين والتكعيبيين.

والواقع أنه منذ حوالي عام ١٩١٠م،١٧٠ تتبدى نهضة قصيدة النثر، وتسمح لنا بالاعتقاد أن الأزمة الحادة التي تحدثت عنها ربما كانت — في حقيقة الأمر — صحية بقدر ما كانت حتمية، فقد أعادت قصيدة النثر إلى نفسها، بعد تخلصها — في آن — من وخم الرمزية ووهن الكلاسيكيين: وأيضًا حرية مخاطر التزييف الناجمة عن تواطؤها الخطر مع أنواع أخرى، وهي بمقدورها أن تصبح — والواقع أنها ستصبح — الأداة الممتازة التي ستعبر الأجيال الجديدة بفضلها عن اتجاهاتها العميقة ورؤيتها الأصيلة للعالم.
ومن الطريف الإشارة إلى أن تجديد قصيدة النثر يتوافق — إلى حدٍّ ما — مع العودة إلى أشكال النظم الكلاسيكية، فالتاريخ الأدبي يكرر نفسه: نتذكر أن أتباع «مالارميه» — الشعراء الأوركستراليين وغيرهم — الذين لم يتبنوا الشعر الحر، قد وجدوا في قصيدة النثر، حوالي عام ١٨٨٧م، متنفسًا من نوع ما لاندفاعتهم نحو الحرية الشكلية، وعلى نفس النحو تقريبًا، سيقوم شعراء عام ١٩١٠م تقريبًا — «الفانتازيون» الذين عادوا إلى الشعر الموزون — بالعودة في نفس الوقت إلى قصيدة النثر، التي يتم تبنيها كشكل ثانوي، إذا صح القول، قائمٌ إلى جانب الشعر الكلاسيكي من أجل تلقي كل ما سيجعلها تقرقع، كل ما سيتأبى على الحداثة، الفريدة، والنبرة الجديدة لهذه القصائد التي يتم التعبير فيها عن أحلام اليقظة الغريبة، وحمى تعب الجيل الشاب: هذا «البوهيمي» الذي تسلط وقتئذٍ على «الأرنب الرشيق» وحانات مونمارتر، والذي كان يوزع وقته على الفتيات والمناقشات الجمالية الكبرى ومظاهرات رفض الامتثالية والانشغال بالوجبة التالية.١٧١

واعتبارًا من عام ١٩٠٩م، سنتمكن من قراءة قصائد نثر «كاركو» في مجلة «ريفولوسيون إستيتيك»، التي سيجمعها في ديوان «غرائز» (عام ١٩١١م)، وديوان «إلى ريح الصباح المتشنجة» (١٩١٣م).

«من بين المؤلفات المعاصرة، الخاضعة للقوانين الصارمة لقصيدة النثر، والموسومة بعلامة «إشراقات» القاطعة، ما من شيء — باستثناء متاهات «روبير دي لافيسيير» — قادني إلى هذا الحد من البعد، عبر المجال المظلم لأحلام اليقظة والشبقية، سوى بعض المقطوعات الصغيرة التي جمعها «فرانسيس كاركو» عام ١٩١٣م في «إلى ريح الصباح المتشنجة»، مثلما يكتب «ف. شابانيكس» في تقديمه لكاركو في مجموعة «شعراء الوقت الراهن»،١٧٢ وعدد من هذه القصائد، التي يدور إطارها المألوف في الحانات الصاخبة والحانات الحقيرة، يقارب — ليس بدون مخاطر — النثر الوصفي، ويولد الشعر من الإحساس بالغموض المحيط، من هالة عالم الجان الغريب الذي أحيانًا ما يجمل وقائع منفرة: فهذه الخمارات، وهذه الأماكن الرديئة تصبح مدخل الحلم والهروب «لا يهم إلى أين خارج العالم»، ويتلاشى الديكور الحقيقي، ويفقد صلابته: «يهبط السقف بالتدريج: إنه متحرك وخرافي، وتتأرجح كتلته الثقيلة، و— معها — كل المنزل الملبَّد بالغموض»،١٧٣ ولا شك أن الشعور بالغموض المديني، وأيضًا خليط الرغبات الغريبة، والضيق النفسي، والضجر في قلب اللذة، يعود بشدة إلى «بودلير»، وقصيدة مثل «مناخ الحلم» ربما تدفعنا إلى أن نتذكر بشكل زائد قصيدة «دعوة إلى السفر»،١٧٤ لكن ربما يكون مجحفًا ألا نعترف أن باريس «كاركو» ليست باريس «بودلير»، وأن إرادة «الحداثة» تتخذ — هنا وهناك — مظاهر مختلفة للغاية، لكن موضوع الذكرى والندم — البودليري إلى حدٍّ بعيد — يتخذ لدى «كاركو» نبرةً شخصية إلى حدٍّ كبير، مرتبطة بشعور حاد بهروب الزمن والشباب الضائعين نهائيًّا: مثلما في «الذكرى» و«فينوس مفترق الطرق»:
فينوس، إن عُريَكِ العاجي، السام والمزهر بصور رمزية، يطارد أصائلي الشتوية الطويلة، كم من اللحظات قضيتها، أمام النار التي تحمر، وأنا أتذكر وجهك وضحكتك الكبيرة الصامتة التي تلوي فمك، لقد ظل اليوم الضبابي معلقًا في الهواء، وأحيانًا ما كانت صرخة القاطرات، المتصاعدة من النهر، توقف حياتي١٧٥
اليوم أيضًا يهتم «كاركو» بقصيدة النثر: لقد خصص — بالفعل — مقالين لاستدعاء أسماء أساتذة النوع: برتران، لوتريامون، مالارميه، دون أن ينسى فيرلين ولافورج،١٧٦ ومما يدعو إلى الأسف أنه سها عن أن يحدثنا عن محاولاته الخاصة، وأيضًا عن قصائد صديقه «روبير دي لافيسيير» الجميلة بشكل غريب: لكنه أعلن — في موضع آخر وبقوة — عن إعجابه بمؤلف «متاهات» و«حرمانات إلهية»، فيما ذكر لنا بعض التفاصيل عن شخصيته الغامضة، فاعتبارًا من عام ١٩١٣م، قدم كاركو «كلوديان» في مجلة «فير إيه بروز» ضمن الشعراء «الفانتازيين»، إلى جانب «أبوللينير» و«توليه» و«بيللوران»: فهو — على ما كتب — «يمتلك خيالًا حادًّا ومرضيًّا دائمًا؛ ولأنه عثر على طريق الفراديس الاصطناعية، فهو لا يبالي بالانحطاط إلى سعاداتنا الإنسانية المتوضعة»،١٧٧ إن «كلوديان»، أي «لافيسيير»، كان معيدًا مع «كاركو» في ليسيه «آجان»، وهو الذي أرسل نثريات بهذا التوقيع إلى «لافالانج» و«بويزي» و«كتابات فرنسية»،١٧٨ وقد نشر نفس العدد من «فير إيه بروز» أبرز قصائد متميزة لكلوديان: من بينها قصيدة «حياة» التي تصف وجودًا متوهمًا يتآكله شرٌّ غامض: «هكذا يتشكل عالم خيالي ومحدد بشكل سيئ حوله، عالم هو مركزه، وجذره هو هذه الغريزة المضطربة والسيئة التي يحملها في روحه …»١٧٩ وفي «بوهيمية فنان» و«من مونمارتر إلى الحي اللاتيني»، يقدم لنا «كاركو» تفاصيل أخرى عن صديقه الغريب: «كان يبدو أنه ينبثق فجأة من «حياة أخرى» دائمًا، و«من عالمٍ آخر»، مثلما يكتب،١٨٠ وعلى نحو خاص ما يضيء — في يوم فريد — الإنسان والقصائد في آن: «ذائقته الخفية وشغفه بالعاهات وجحود مدينة كبيرة، قاداه في كل مكان حيث يضطرب ويتجمهر ويهتاج — في ضيق رهيب — الإنسان الذي تختزنه رذائله، وقد كتب فيما بعد، بمعرفة عميقة بالأوساط المستعصية على الاختراق، قصائده القصيرة المفعمة بالعذاب الأليم،١٨١ ولا شك أن الكثير من كتابات النثر ستكرس — ابتداءً بالحقبة السيريالية — ﻟ «الحديث العجائبي» وغوامض الحياة الباريسية،١٨٢ لكني لا أعتقد أن هناك من نجح بشكل أفضل من «لافيسيير» في أن يوحي — في آن — بالحياة الغامضة والغريبة للمدن («من ملتقى طرق إلى ملتقى طرق أصل إلى مكمن الحياة الخفية، إلى قطب المدينة المحجوب»، مثلما يقول في «متاهات»)،١٨٣ والأعماق المضطربة لقلب إنساني: ثمة هنا حقًّا — حسب تعبير «بودلير» — «سحر إيحائي يحتوي، في آن، الشيء والذات، العالم الخارجي للفنان والفنان نفسه»، ولا يمكن لأية اقتباسات أن تعطينا فكرةً عن الدوار المثير للقلق، والشعور بالمجهول الخطر الذي نتوفر عليه من هذه الرحلات الدهليزية «في المدينة الأخرى»،١٨٤ هذا الغوص نحو هدف «يكمن أبعد من أي فضول ومن كل ألم، في مكان ما أسفل، أعمق مما وصل إليه رصاص المسبار»،١٨٥ هذه الانحدارات التي يبدو أنها تقودنا، أحيانًا، «نحو لعنة النار الأصلية»،١٨٦ والتي تقطعها — هنا وهناك — صرخة تراجيدية: «نحتاج، في كل لحظة، إلى كون … فلينفجر الموت ويكشف وحدتي!»١٨٧ ويمكن — على الأقل — أن ننقل الإحساس بالفن المتمكن للغاية للكاتب عندما نورد هذه القصيدة بكاملها، التي «تشهد في آن على صرامة حادة وسحر لفظي بلا نظير»، مثلما يقول «شابانيكس»:

أنا ستيل، التي كانت تهبط الشارع، عبرت وسارت بمحاذاة الرصيف، وأنا كنت أنصت لجرس محطة القطار، الذي كان يدق، على بوابة ضخمة غريقة في الشفافية البنفسجية والزرقاء، يصخب أكثر من أجراس «والبورجي»، كانت الدقات الغريبة تهتز واحدة واحدة؛– وانتظرت عبثًا أن يحدث شيء؛– أما العابرة، فقد مستني بمعطفها، لكني لم أكن أعرف شيئًا عنها، ولا أنها تُدعى أنَّا ستيل، ولمحت فقط وجهها المتجعد الرديء، نظرة عاهرة أو مدلكة نخرتها الرذيلة، وأشاحت عني في الحال.

كنا بعيدين للغاية … وأخريات ألم يكنَّ محبطات تحت المرايا العاكسة، مجروحات بطريقة أقل وحشية بلا شك؟ في حديقة منازل وشوارع، وأعمدة مزخرفة بشخصيات مقدسة، حديقة قمرية مع ذلك، يا إلهي! والنداءات المبحوحة للتراموايات مثل صرخة الطواويس على العشب، والرجال الصم المهرولون، وألف نار نجمية … لم تكن لديَّ أذنان سوى لقياثر الليل الغريبة، لهذا الليل الكهربائي الرقيق: هن أيضًا هل سيسمعن؟ وعلى أية أسرَّة يتمددن، وفي موت أي صمت، سيستسلمن لليل؟

هكذا، ما الذي كان بمقدوري أن أعرفه من ألوهيتهن؟– ثملًا من أجل حياة لعزلتنا، لم أبحث أبدًا عن أنَّا ستيل بين رفيقاتها، اللاتي، حول محطة القطار الأرضية وتحت الماسات المفقودة من السماء، كنَّ ينثرن في السر قلب بيرسفون.

نرى هنا أية صور، وأي سحر تحوُّلي يجعلون محطة باريس وعاهرات شارع «لاشايل» الكبير، والديكور الخرافي و«آلهة» أسطورية حديثة،١٨٨ تعرف — هي أيضًا — لحظات صاخبة …
وفضلًا عن ذلك، يذكرنا «لافيسير» — من نواحٍ أخرى — بالفاكهة العلمية الغريبة لواحد من قبيل «جاري»، ومحادثاته مع العدد الذي يصحبه «الموكب الفريد» لمشتقاته الاسمية،١٨٩ وأيضًا قصيدة «رحلة» في «عالم الكميات المتخيلة»،١٩٠ التي تقدم لمحات حول إمكانية فانتازيا جديدة، ينتعش فيها التجريد بحياة مقلقة، وحيث سيصبح العالم الرياضي — حسب صيغة «جاري» — عالمًا آخر «إضافيًّا» لهذا العالم».١٩١
و«لافيسيير» — الذي كان يهتم بشكل كافٍ بقصيدة النثر إلى حد التفكير، في نهاية الحرب، في أن يخصص لها مختارات١٩٢ — يبدو، رغم هذا، أنه انصرف بالتدريج عن هذا الشكل، ولا نجد عام ١٩٣٣م، في «حرمانات إلهية»، سوى قصيدتي نثر جميلتين للغاية،١٩٣ إلى جانب قصائد أخرى ينحو شكلها نحو الآيات، وقد مات الشاعر بشكل تراجيدي بعد ذلك بأربعة أعوام، عندما صدمته شاحنة في شارع «فيرساي»، ويمكننا القول إنه كان — إلى حدٍّ ما — رائد شعر نثر جديد، حديث وسيريالي في آن، إذا ما وافقنا «أندريه بريتون» على أن السيريالية هي النقطة التي يختلط فيها الواقع بالحلم١٩٤ «في وحدة مظلمة وعميقة».
لكن الاتجاهات التي ستجدد الشعر حقًّا، سنراها تتبدى لدى بعض الشعراء الذين يمثلون — حسب قول «م. ريمون» — «جناح الفانتازيا الأمامي»،١٩٥ والذين من الأصوب، في واقع الأمر، أن نسميهم «مجموعة أبوللينير»،١٩٦ فإذا ما كان «أبوللينير» و«سالمون» و«جاكوب» قد خالطوا شعراء «الأرنب الرشيق»، وإذا ما سمعنا أحيانًا نغمة فانتازية تتردد في شعرهم، سوداوية وساخرة، فلا يقل عن ذلك صحة أن موقفهم الجمالي مختلف للغاية تمامًا، فبينما يبدو الفانتازيون، فيما يتعلق بتقنية الشعر، محافظين (بل يمكننا القول إنهم رجعيون، ما داموا يعودون إلى الشعر الكلاسيكي)،١٩٧ يتقدم «أبوللينير» وأصدقاؤه إلى الأمام، ويسعون إلى خلق أشكال شعرية جديدة، تلك التي تحتمها الروح الجديدة، وفي نفس الفترة التي يتحول فيها مفهوم الشعر، وسير التطور في اتجاه الحداثة والتكعيبية، ستجد التقنية الشعرية نفسها وقد انقلبت أوضاعها.

(٤) من شعر الواقع إلى الشعر الحداثي

«دورتان» وشعراء الملموس

شعر الحياة الحديثة:

أبوللينير، مارينيتِّي، سندرار

القطيعة مع «لعبة الأبيات القديمة»

حوالي عام ١٩١٠م، كان ثمة وقت قد مضى على رد الفعل ضد الرمزية، ضد ما تنطوي عليه مما هو «عقلي» بشكل زائد، ومُبتعد إلى حدٍّ بعيد عن الحياة، وعلى السعي إلى إعادة الشعر نحو الواقع الحقيقي والثقيل، ونذكر أن «جيد» قد قدم المفهوم والمثال لشعر الواقع والأحاسيس هذا، لكن حركة «الحداثة»، التي انطلقت من هذا الاتجاه، ستذهب إلى أبعد من ذلك، بهدف خلق شعر الراهن، شعر حديث للغاية من حيث الإلهام والشكل. شعر الواقع، وشعر حداثي: مرحلتان في المسيرة نحو روح شعرية جديدة، ونشهد — في نفس الوقت — إصلاحًا عميقًا للكتابة.

شعر الواقع: «دورتان» وشعراء الملموس

نفكر — بشكل لا يقاوم — في «جيد» وما باح به حول تأليف «قوت الأرض»، عندما نرى في أية ظروف أحس «أندريه نبفو» (دورتان) بالحاجة إلى استعادة الاتصال المباشر بالواقع الملموس: «ما أزال أرى نفسي مرةً أخرى، مثلما يقول، وقد تخليت عن كل وسيط عند الخروج من طفولة مريضة، مشبوبة ومنطوية على نفسها، محاولًا أن أحقق مع الأشياء، بقد ما تسمح لي قواي، اتصالًا قويًّا، محدودًا بلا شك، لكنه مباشر ومطلق»،١٩٨ اتصال مباشر: أي إن الأمر كان يعني استبعاد كل المفاهيم، كل المعطيات المجردة التي تدخل المعرفة الثقافية بينها كوسيط، مثل شاشة، بيننا وبين الأشياء، هي مهمة نزع الثقافة التي سيحددها «دورتان» بهذه الطريقة عندما سيكتب مقدمة كتابه الأول عام ١٩٣٨م، «المرحلة الضرورية» (كُتب بين عامي ١٩٠٠م و١٩٠٥م): «أن نعكس بلا أي وسيط الآثار التي يطبعها العالم على الإحساس والروح».١٩٩
وبدهي أن محاولة كهذه لا تنطوي على أصالة الرؤى فحسب، وإنما أيضًا أصالة التعبير، ويجدد «دورتان» — الذي يكتب نثرًا — تقنية النثر الوصفي: فكي يستعيد لنا الإحساس بكل عنفوانه، في الحالة الوليدة تقريبًا، يلجأ إلى أجرأ الأساليب: فالتعداد والاستعارة والمجاورة وتقليص التعبير يعالجها هذا الأديب المبتدئ بمهارة مدهشة، لكن الحيوية هي أكثر السمات إدهاشًا في الأسلوب المبتور، «المنثور» عن عمد، بل الأشبه بالحجارة،٢٠٠ ولنحكم عليه من هذا النص الذي يُعاد فيه رؤية منطقة «كليرمون فيران» من أعلى الكاتدرائية، لا من خلال الذهن، وإنما بطريقة تأثيرية، مثلما تبدو للعين قبل أن يتدخل العقل لترتيب الأحاسيس:
مضلعة، مضلعة، مشطوبة، مخططة، مبقعة، منقطة، حشد بلا حدود، رؤيا هائلة من تفسيرات صغيرة لا حصر لها تظهر فجأة دفعة واحدة، أخضعتني للحظة، وقد أسرت العين، لتوسع بنفسها بؤبؤَيَّ، وفي أذنَيَّ اللتين تتسعان، تلج مسافات غريبة يحك طرفها الآخر سطحها بهلع، يا لها من أكداس مذهلة! شذرات من أصفر، انكسارات خطوط، زوايا سوداء، خيلط أبيض، دوائر حمراء! إنها (اللحظة) تنخس في كل مكان، تنقر، تعضعض، لقد وشمت، أيتها اللذة، كل مسام جسدي!٢٠١
هذه الحيوية، وهذا البحث عن «مؤثر الصدمة» جديدان وحديثان للغاية، ومن ناحية أخرى، نجد في الكتاب جهدًا مدهشًا لإعادة اختراع اللغة، وإعادة عجنها، وتنويعها كي يُعاد — على نحو ما، بفعل الإيقاع نفسه، وفي كل حالة — خلق حالة فيزيقية أو انطباع حسي عضوي؛ إذ إن الجسد يلعب في هذا الشعر — وهو ما نتوقعه — دورًا من الدرجة الأولى، ونعتبر «دورتان» — إلى حدٍّ ما — مبدع الشعر الفسيولوجي قبل «آرتو»،٢٠٢ وعلى أية حال، فهذه الرغبة — بمعنًى آخر — في «إلقاء كل عناصر الأحاسيس والأفكار والكلمات في البوتقة»٢٠٣ تجسد بالفعل (وهو ما سيلاحظه «دورتان» بنفسه عام ١٩٣٨م) مساعى التكعيبيين والسيرياليين.٢٠٤
لكن هذا الجهد من أجل إعادة اللغة «إلى مصادرها الحية، لتشويهها، وتحطيمها، وصهرها إلى أن تكف عن الخيانة»،٢٠٥ وهو جهد يمكن تطبيقه — من ناحية أخرى — على الشعر كما على النثر (أستعيد عن قصد تعبيرات «م. ريمون» للحديث عن شعر «دورتان» المنظوم)، يصل بلا شك إلى نثر معبر وأصيل بشكل خاص، ويبقى أن نعرف كيف ينتظم هذا النثر، على المستوى الثاني: في تأملات وسرد وقصائد؟ هناك القليل من كل شيء في «المرحلة الضرورية»، حيث اقترح المؤلف على نفسه أن يرحب «بكل طرق التأليف»:٢٠٦ «سرديات» (قارن ﺑ «حكاية»)، و«مشاهدات» من الصياد القادم من الألب، «أندريه نبفو» («في الغابة»، «الصياد الألبي»)، وتأملات (كل نهاية الكتاب، تحت العنوان العام «ديوان»)، لكن الإرادة الشعرية بشكل خاص، التي تشير إليها العناوين نفسها («قصيدة جنائزية»، «قصيدة عاشقة»، «قصيدة قصيرة») لا يمكن إنكارها أيضًا، سواء في طريقة تأمل العالم، أو في التنظيم الشكلي للنثر، ولنسجل — في بادئ الأمر — أن «دورتان» لا يكتفي بالوصف الخالص فحسب، لكنه يبدي دائمًا الرغبة، التي يمكن أن نسميها كلوديلية،٢٠٧ في البحث عن مغزًى لكل مشهد، وفي التوغل في سر العلاقات بين الإنسان والطبيعة، والفكرة المركزية عن التبادل الدائم للطاقة بين الطبيعة والإنسان، الموجودة دائمًا في مؤلفات «دورتان» (يتحدث «سينيشال» عن «مدرسة الطاقة» الخاصة به)٢٠٨ هي بالفعل في قلب «المرحلة الضرورية» الذي سيصبح — فيما بعد — الجزء الأول من «غزو العالم»، عندما سيمنح «دورتان» هذا العنوان الشامل لمؤلفاته: فالطبيعة لا تتخذ كل مغزاها إلا بفضل الإنسان (نرى — في «على الطريق» — المشهد وهو يتفكك إلى «شذرات بائسة» لأنه يفتقر إلى «وجود الإنسان»)٢٠٩ والإنسان «يملك» العالم بقدر ما يسعى إلى فهمه بطريقة عميقة، وعضوية (قارن ﺑ «العالم الواسع» و«قربان ليلي»)، وفي المقام الثاني (وهو — من ناحية أخرى، على الصعيد الشكلي — تطبيق لنفس روح التركيب)، نشعر دائمًا لدى «دورتان» بإرادة تنظيم كل من نثرياته في وحدة مكثفة ومندمجة، تملك وحدتها ومعناها الخاص، وإذا ما اعترف بكل الأشكال، وكل الموضوعات، وكل الطرق في التأليف، فإنه يكمل ويحد من «قانون الامتداد» هذا ﺑ «قانون مقيد» يطبق «على العدد، وعلى الجزء، وعلى الكل، على الهدف وعلى الموضوع»،٢١٠ وقصائد من قبيل «على الطريق» و«قربان ليلي» هي قصائد «مركبة»، أي إن جميع التفاصيل «تلعب دورًا» فيها، وتؤدي وظيفتها داخل الكل، بل إننا سنجد — في «المرحلة الضرورية» — قصائد تكشف عن الانشغال بالتأثير الختامي، مثل نهاية المجاز المسمى «إلى إسكافي آبتر»: «في قلبه يتقدمن معًا «من» لسن في حاجة إلى أحذية، الرقة الأخيرة والموت»،٢١١ وإذا ما أضفنا أن نغمة «دورتان» أحيانًا ما ترتفع — مثلما في «القصيدة العاشقة» — إلى أعلى درجات الغنائية، فمن المفيد أن نسجل أن الكاتب الشاب — من أجل تحقيق عمل شعري، ولتجديد الشعر — قد اختار النثر، الأكثر حرية، ومرونة، وحيوية.
وعندما اكتشفت الجماعة «الإجماعية»٢١٢ — التي كانت قد غادرت دير «كريتي» منذ فترة وجيزة — كتاب «دورتان» عام ١٩٠٨م (على أحد أرصفة نهر السين …) كان الحماس، شعر الواقعي، شعر الإنسان، ذلك بالضبط ما كان «رومان» وأصدقاؤه يبحثون عنه: فجميعهم كانوا يعتبرون الشعر، منذ عشرين عامًا، مثلما يقول «دوهاميل»، «قد فقد في أغلب الأحيان الاتصال بل الإحساس بالواقع»،٢١٣ ويحلمون بشعر ملموس أكثر وأكثر إنسانية، و«رومان» أيضًا — الذي يكتب مقالًا في «نوفيل روي فرانسيز» حديثة التأسيس، حول «الجيل الجديد ووحدته» — لن ينسى الإشارة إلى «دورتان» بجانب «جاكوب» و«فيلدراك» و«دوهاميل»، ضمن الكتاب الذين «يحبون الواقعي في عمقه»٢١٤ مقتفين «رامبو» و«ويتمان»، وسسيستشهد بمقطع من «المرحلة الضرورية»، وأيضًا بهذه الصيغة المرهفة: «الكون، انعكاس للإنسان، حيث يتحرك الإنسان»،٢١٥ وسرعان ما سيصبح «دورتان» غير قابل للانفصال عن المجموعة «الإجماعية»،٢١٦ وهي أيضًا فكرة «دورتان»، وفكرة «رومان» كذلك، التي سيترجمها عندما يطالب، عام ١٩١٣م، ﺑ «شعر مباشر» في هذه الكلمات: «إننا نرفض تدخل شاشة العقل المجرد، بين الحياة وبيننا»، موضحًا أن «كل شيء أدبي يثرثر حول الواقع هو استدلالي، وكل شيء أدبي يجتهد للتعبير عن الواقع بدون وسيط منطقي، هو مباشر، سواء كان هذا الواقع نفسيًّا أو خارجيًّا».٢١٧
ومن الطريف الإشارة إلى أن مجموعة «الدير»، في رغبتها في الانتماء إلى الواقع، وفي اندفاعتها الإنسانية (المتأثرة للغاية بويتمان)، قد تخطت — إن صح القول — مرحلة الشعر كي تصب سريعًا للغاية في أنواع النثر، وذلك مع الجهل شبه التام، رغم مثال «دورتان»، بقصيدة النثر،٢١٨ والنثريات «الإجماعية» القليلة التي كرسها «رومان»، على سبيل المثال، لشوارع مونمارتر وسوفلو وهافر،٢١٩ لا تفتقر إلى الشعر، لكنها ستنال بصعوبة اسم «قصائد»، وسيمكن لغيون — في حديثه عام ١٩١٣م عن النثريات التي جمعها «فيلدراك» تحت عنوان «اكتشافات» — أن يكتب أن «هذه التمرينات العذبة والرفيعة هي نتاج شاعر، لكنها تَعِد بروائي»،٢٢٠ وهو واقع سيعترف به «دوهاميل» باسم المجموعة: «لقد بحثنا جميعًا، مع مجيء النضج، عن الاستجابة في النثر أو المسرح أو السرد»،٢٢١ وفضلًا عن ذلك، فقد تنبئُوا بأنهم بلغوا حقبة كان الشعر فيها يتناقص اعتباره أكثر فأكثر مرتبطًا ببعض المقولات الشكلية: ويمكننا القول إن كل ما سيجنيه «شعر الرواية» و«شعر المسرح» (كي نتحدث بطريقة «جان كوكتو») سيكون على حساب قصيدة النثر.

الحركة الحداثية وتأثيرها على مفهوم الشكل الشعري

لن تلفت الحركة «الحداثية» هي أيضًا الانتباه إلى هذا الحد من خلال قصائد النثر بقدر تأثيرها التحرري فيما يتعلق بموضوعات الإلهام والشكل الشعريين: فلن تتحول مادة الشعر فحسب، وإنما أيضًا تقنيته

ونجد في بداية الحركة «الحداثية»، مثلما في حركة «الدير»، عودة إلى الواقعي، وحب الراهن،٢٢٢ وتأثير «فيرهارين» وبشكل خاص «ويتمان»: «ويتمان» الذي لم يكن معروفًا في فرنسا قبل دراسة «بالزاجيت» عنه عام ١٩٠٨م، وترجمته ﻟ «أوراق العشب» عام ١٩٠٩م، أصبح موضع تكريم لا من قبل أدباء «كريتي» فحسب — الذين اقتاتوا من أناشيده للواقع والإنسانية٢٢٣ — وإنما من قبل جيل بأكمله ملتفت إلى الحاضر والمستقبل، ووجد فيه ما يغذي طموحاتهم العميقة، ومعه، طالب شعراء هذا الجيل ربة الشعر بالتخلي عن الحكايات القديمة للأسطورة اليونانية، وأن تتغنى بالعالم الواقعي.
بأحدث اتصالاته، وأعماله، واتصالات العالم المتبادلة، قوة البخار، والخطوط الكبيرة السريعة، والغاز والبترول، انتصارات عصرنا هذه.٢٢٤
إنه «ويتمان» الذي يقود تأسيس «مدرسة الحيوية» عام ١٩١٠م، من خلال «جيلبو» و«جوسيه»، ويحمل بصمته أيضًا بيان «مارينيتي» المستقبلي المدهش، الذي نشرته «فيجارو» في ٢٠ فبراير ١٩٠٠م، والذي يقترح على شعراء المستقبل أن يتغنوا ﺑ «الذبذبات الليلية للترسانات والورش تحت أقمارهم الكهربائية العنيفة، ومحطات القطار الشرهة التي تبتلع الثعابين التي تنفث الدخان، والمصانع».٢٢٥
عندئذٍ، نكتشف شعر القرن العشرين، شعر الآلات، والملصقات، والحياة الحديثة، المضطربة والمختلطة:
تقرأ النشرات والكتالوجات، والملصقات التي ترفع عقيرتها بالغناء،
ها هو الشعر هذا الصباح، أما النثر فله الجرائد،
مثلما يكتب «أبوللينير» في «منطقة»، وبقدر ما سعى الرمزيون إلى الهروب من الواقع اليومي إلى «غابة الحلم والسحر»، بقدر ما سيتحمس الشعراء الحداثيون لمشهد هذا «الآن العميق»، المفعم بالألوان والجلبة، حيث «علوم نشأة الكون تبعث في لافتات المصانع»، وحيث «كل الجهات عبر الأطلسية تتقدم نحو التوافقات»،٢٢٦ وحيث كل شيء حيوي، وفعل، وتسارع، فشاعر الآن «أصبح واعيًا بعصره، وهو ضمير هذا العصر»، مثلما سيقول «سندرار»،٢٢٧ تلك هي الحياة الحديثة التي تم التهليل لها في «منطقة»، وفي «بريكاز» وفي «قصائد مرنة».
ويستدعي هذا الشعر «الحداثي» ملاحظتين: الأولى تتعلق باتساع مستمر لمفهوم الشعر، وبأن شعر الواقع الفظ و«الفعلي» هذا يقود إلى وضع اليد، من خلال الشعر، على المجالات الكبرى المقصورة حتى ذلك الحين على النثر: كل شيء يصبح مادةً للشعر، حتى المنوعات،٢٢٨ و«خطاب–محيط»:
لم يخترع الخطاب–المحيط لكتابة الشعر،
ولكن عندما نسافر عندما نتاجر عندما نكون على السفينة عندما نرسل خطابات–محيط
نصنع شعرًا٢٢٩
ولا حاجة للتأكيد على الاحتمالات وحدها، وإنما أيضًا على مخاطر الاستسهال التي ينطوي عليها رد الفعل هذا على الشعر «الخالص» واللازمني، وهذا الاستخدام للمواد الخام، الذي سينتهي في أغلب الأحيان، مثلما يقول «م. ريمون» عن حق تمامًا، إلى أن يسبب نوعًا من السلبية لدى الشعراء إزاء المعطيات الخارجية، وإلى أن يقود البعض («بول موران» وحتى «سندرار») «إلى أن يكتبوا نثرًا جيدًا متواصلًا، محملًا إلى هذا الحد أو ذاك بالعناصر الشعرية».٢٣٠
والملاحظة الثانية، وأهميتها تأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لموضوعي، هي أن شعرًا كهذا لن يمكنه الاكتفاء بالإيقاعات المنظومة والتماثلات الكلاسيكية، وهذه البنى المستعصية على الكسر، التي تقع — إن صح التعبير — خارج الزمن: فقد آن الأوان للقطيعة النهائية، حسب تعبير «أبوللينير»، مع «لعبة النظم القديمة»، ويتفق كل الشعراء الحداثيين على فكرة ضرورة أن تتوافق مع الحضارة الجديدة لغة جديدة، وأن الأشكال القديمة لم تعد تناسب عصر الطائرات، والإيقاعات ذات الترخيم الجوفي، والباليهات الروسية، ويطالب «أبوللينير» — في «البيان المستقبلي» عام ١٩١٣م — بهدم «تركيب الجمل (المدان بالفعل بسبب الاستخدام في كل اللغات)، والصفة، وعلامات الترقيم، والتناغم الطباعي»، و«النظم والفقرة»،٢٣١ ضمن أشياء أخرى، ولكن، كي نضع أي شيء مكانهم؟ أما «ويتمان»، فقد تنبأ باتساع النثر كشكل شعري حديث؛ لأن شعر المستقبل.
يطوع نفسه ليشمل جميع الناس، مع اللعب الحر، والانفعالات، والفخر، والأهواء، والخبرات، التي تنتمي لهم جسدًا وروحًا — وصولًا إلى الكون عمومًا، وجميع علاقاته في علم الفلك مثلما يصورها لنا العلماء، حتى القرن التاسع عشر المزدحم، الحديث (الشعري بعظمة، مثل أي قرن، وإن يكن على نحو مختلف)، مع السفن البخارية، والسكك الحديدية، والمصانع، والتلغرافات الكهربائية، والمكاوي الأسطوانية – إلى فكرة تضامن الأمم والأخوة وصلات رحم الأرض كلها — إلى سمو وبطولة الجهد العملي في المزارع، والمصانع، والمسابك، والورش، والمناجم، أو على ظهر سفينة، أو في البحيرات والأنهار — ليخلص إلى أن وسيلة أخرى للتعبير، أكثر مرونة، وأكثر جدارة — تحلق إلى أكثر جنان النثر حرية واتساعًا وقداسة.٢٣٢
ولا يستطيع شعراء ١٩١٣م أن يلبثوا هنا؛ إذ إن النثر، هو أيضًا، لغة معطاة، تملك قوانينها، والأمر يتعلق بخلق لغة جديدة للتعبير عن وقائع جديدة تمامًا، فالشاعر الحديث، مثلما سيقول «سندرار»، «وجد نفسه — في مواجهة تعقيد العالم الحديث — فقيرًا ومجردًا مثل متوحش يتسلح بالحجارة أمام حيوانات الدغل، وكثيرًا ما استخدم لغة المتوحش»،٢٣٣ وتبدو العبارة صائبة إلى حدٍّ بعيد عندما نقرأ — على سبيل المثال — «قطار الجنود والمرضى» التي تمثل إحدى محاولات «كلمات بحرية» التي نشرها «مارينيتي»: «رائحة المحمومين الحامضة رائحة قبو بول قطة زيت ساخن عفونة بخور قش — متعفن مستنقع سمن القلي خمر خفيف رائحة فأر درني جناح كرنب — متعفن زنج تومب تومب تاتا تاتا تاتا قفا هو هو هو هو وهوهات المرضى في طقطقطقطقة الكرات … إلخ»،٢٣٤ ولا شك أن هذه اللعثمات الطفولية تناسب لغة في مرحلة الطفولة، وبنفس التجاهل القصدي لكل الروابط النحوية والمنطقية التي «تمسك» الجملة، يفتت «أبوللينير»، شبه حاذق وشبه غنائي، التشابهات واللعب بالكلمات وسيلة غنائية وعلم وحيد للغات كاليكو كاليكوو «كالكوتا» (شراب) «صوفيا» المسكر «صوفي» الكاف «أوفيتزي» ضابط رسمي أيا خيوط «أفيسياندو» «دونا–صول» «دونانيللو» «مانح» يمنح عن خطأ سفينة حربية» …٢٣٥

وعندما تفكك اللغة، وتتفتت إلى عناصر بسيطة (أسماء بشكل رئيسي، على الأقل بالنسبة للمستقبليين الذين يلغون الصفة والفعل)، فكيف يعاد بناؤها؟ ونرى أن مرحلة الشعر الحر، الذي يمثل فيه كل بيت جزءًا من الجملة، قد تم تخطيها بالفعل، لكن، وبالطريقة نفسها، تم تخطي مرحلة النثر «المطرد»، الأفقي، حيث يتم أسر الكلمات في أسمنت أدوات الربط، وحروف الجر والأفعال، لتشكل تجميعًا من الكتل المبنية بصلابة، حيث يتتالى المعنى من جملة إلى أخرى، ويتم حذف كل ما هو نحوي وما هو مجرد: تتبقى أسماء متجاورة، وأسماء ملموسة، ملونة، مصورة، وأحيانًا ما يسمح التنظيم في أبيات بعزل العناصر المختلفة التي — بتقديمها بهذه الطريقة — تهتز أمام أعيننا مع محافظة كل عنصر على فاعليته وكثافته:

أسلحة بربرية
أكاليل من ريش نسور عقود من أسنان الأسد الأمريكي أو مخالب الدببة
أقواس سهام التوماهوكيين
موكاسانيون
أساور من حبوب ومصنوعات زجاجية.٢٣٦

وأحيانًا، على النقيض، بإدماج عناصر مختلفة في بيت واحد، تتخثر في مركب واحد، مثلما في هذا «البيت» الذي يلي الأبيات السابق ذكرها:

سكاكين السلخ غدارة أو اثنتان من طراز قديم ومسدس من حجر غابات الظبي الضخم والرنة ومجموعة كاملة من حقائب صغيرة مطرزة لوضع التبغ.

(نرى التأثير الناتج: هذه الأكداس من الأشياء الغريبة تلتقط في نفس الضوء، وتشملها نظرة واحدة).

وانطلاقًا من ذلك، يؤلف الشاعر، موازنًا بين الكتل، ومجاورًا الأحاسيس والحقائق النفسية أو الفسيولوجية ومصادمًا بين الصور، ويعاد تكوين الواقع المتشظي لا في جمل نثر، وإنما في أبيات لا يتدخل فيها أبدًا أي حساب للمقاطع اللفظية:

أيا باريس
من الأحمر إلى الأخضر يموت الأصفر كله.
باريس فانكوفر هييرمنتينون نيويورك والأنتيل
تنفتح النافذة مثل برتقالة
فاكهة الضوء الجميلة.٢٣٧
وفي هذه التقنية الجديدة، يظل «سندرار» المؤسس والأستاذ (رغم احتقاره المعلن ﻟ «الفن»، ورغم أنه يصف قصائده بأنه «وثائقية»)، ويبدو حقًّا أن «أبوللينير» لم يفعل سوى متابعة هذا الطريق المفتوح الذي — فضلًا عن ذلك — ربما قاده إلى التيه وإلى تجاهل أندر مواهبه،٢٣٨ وأيًّا ما كان الأمر، فينبغي التشديد على مدى ما قاد إليه هذا الشعر الحيوي الجديد (الفاعل بمؤثرات الصدمة، وصدام الكلمات، والإيقاع المهتز كأنه يلهث) والبصري، من تحويل عميق لمسألة العلاقات بين الشعر والنثر: وهو ما يهمني هنا على هذا الصعيد.
والمهم بشكل خاص الإشارة إلى ميلاد ما سيسميه «أبوللينير» «الغنائية البصرية»٢٣٩ في هذه الحقبة: لا يتعلق الأمر فحسب بالمكانة الممنوحة للواقع المرئي، والوصف صارخ الألوان، وإنما أيضًا بمفهوم جديد للشعر، يمكننا القول إنه بصري ومكاني، وسأضرب مثالًا له بما فعله «سندرار» حينما نشر «نثر ما وراء سيبيريا» في شكل ورقة مطوية ارتفاعها متران (ومزينة برسوم ذات «ألوان متزامنة» بريشة «سونيا ديلوني»)، ونتذكر «رمية نرد» لمالارميه، كمحاولة لم تكن غريبة عن التأمل في الإعلانات، وكانت ستؤدي — ضمن فكر «مالارميه» — إلى خلق شكل وسيط بين الشعر الحر وقصيدة النثر، ولا شك أن تأثير الملصق، والتصوير الفوتوغرافي والسينما، سيتم الإحساس به، كي تقتصر على المجال الأدبي بالمعنى الدقيق،٢٤٠ لا في طريقة طباعة الصفحة المطوية فحسب، وإنما أيضًا في بنية الكتابة نفسها، لكن ينبغي إضافة تأثير الفنانين التشكيليين، الهام للغاية وقتئذٍ، إلى (باقي) المؤثرات، وبشكل خاص في حقبة أحس التصوير الزيتي فيها — شأنه شأن الشعر — بضرورة خلق لغة جديدة: ومن الضروري أن نتساءل إلى أية اكتشافات شكلية أدت التكعيبة الأدبية.

(٥) التكعيبية الأدبية، بداياتها، وجماليتها

تحول البنى الأدبية

تجدد قصيدة النثر بفعل الأفكار التكعيبية

جمالية قصيدة الشيء
يعلم الجميع إلى أي مدى تأثر الشعراء الشبان الفانتازيون والحديثون بالتصوير الزيتي، لا بسبب المصادفات أو اللقاءات أو الميول الفردية، بقدر ما هو بتأثير إحدى هذه الحتميات الداخلية التي تلقي بجيل كامل نحو ما يمكن أن يغذي حاجاته العميقة بشكل أفضل، وفي حين أن الجيل الرمزي كله، المفتون بفاجنر، كان يحلم بشعر «موسيقي»، كان جيل ما بعد الحرب — (الذي بدأ بالفعل، وهو أمر دال، في زعزعة «المفاتن» الانطباعية لديبوسي، ليتحول نحو الأشكال الأوضح والأكثر تحديدًا لرافيل) — يبحث عن توجهاته لدى الفنانين التشكيليين، ويتوجه نحو شعر بصري أكثر، وأقام الشعراء الشبان علاقات وثيقة مع فناني الطبيعة التشكيليين، بيكاسو وبراك ودوران … (بل إن بعضهم، مثل «ماكس جاكوب» يتردد بين شكلي التعبير، الشعر والتصوير الزيتي)، وفيما بعد، سيكتب «سالمون» و«سندرار» و«ريفيردي» مقالات أو كتيبات تعليقًا على أعمال الفنانين التكعيبيين، وفي النهاية، سيصبح «أبوللينير» عام ١٩١٣م — بكتابه «الفنانون التشكيليون التكعيبيون» — منظر الثورة التصويرية، ووفقًا لهذا الكتاب بالتحديد، يتضح أن الشعراء والفنانين، بالنسبة لأبوللينير، يملكون قضية مشتركة: «إن الوظيفة الاجتماعية للشعراء الكبار والفنانين الكبار، مثلما يكتب على سبيل المثال، هي التحديد الذي لا ينتهي للمظهر الذي تتخذه الطبيعة في عيون الناس»،٢٤١ وعندما ألقى «أبوللينير» بنفسه في المعركة للدفاع عن لوحات «بيكاسو» و«براك» و«متزانجيه» و«خوان جري»، نشعر تمامًا أنه إنما يدافع — في نفس الوقت — عن قضيته الخاصة، وقضية التكعيبية الأديبة.
لكن ما الذي ينبغي فهمه من «التكعيبية الأدبية»؟ إنها أيضًا إحدى التعبيرات المشوشة التي يستخدمها البعض دون اهتمام بما يمكن أن تعنيه بالتحديد، فيما ينفي البعض الآخر عنها أية دلالة، غير أنه لا يمكن إنكار أن رد فعل الفنانين ضد الانطباعية، ورد فعل الشعراء ضد الرمزية، يتخذان نفس الاتجاه، ويخضعان لتحولات متماثلة، وإذ توحدوا في إرادة العودة إلى الحقيقي، إلى الشيء احتجاجًا على عالم الانعكاسات، والمظاهر المتغيرة والرموز الذي سحر أسلافهم، ينتهي الفنانون والشعراء — بشكل مفارق إلى حدٍّ بعيد — إلى إبداعات مستقلة تمامًا عن الواقع الخارجي: لم تعد «اللوحات–الأشياء» و«القصائد–الأشياء» تنحو إلى تمثيل الواقع، بل إلى أن تصبح إبداعات فنية موجودة في ذاتها، لا توحي بأي شيء آخر سوى مبدعيها أنفسهم،٢٤٢ و«ما يمايز التكعيبية عن التصوير الزيتي القديم، هو أنها ليست فن محاكاة، وإنما فن مفهوم يميل إلى التسامي حتى مستوى الإبداع»، مثلما يكتب «أبوللينير»،٢٤٣ وهي — بالضبط — الفكرة التكعيبية التي سيطبقها «ريفيردي» على الشعر عندما سيقرر — عام ١٩١٧م، في «دراسة الجمالية الأديبة» — أن على الفن ألا يخضع للواقع، ولا ينبغي أن يتطلب من الحياة «سوى عناصر الواقع الضرورية له»، وصولًا بذلك إلى «عدم نسخ شيء، وعدم محاكاة شيء، وخلق عمل فني لذاته»،٢٤٤ فالفنان — تشكيليًّا كان أم شاعرًا — إذ يفكك عناصر الواقع ثم يعيد تجميعها في «محاولة لإحلال حقيقة الروح محل حقيقة المعاني»،٢٤٥ يظهر موقفًا فعالًا وبناءً بشكل فريد.
ورغم هذا، فالبدهي أن التقنيات الخاصة بالتصوير الزيتي، فن المكان، والشعر، فن الزمن، ليست متمثلة رغم أن الأفكار الكبرى الموجهة واحدة، وهنا يمكننا — فيما أعتقد — إجراء معاينة فريدة تتعلق بهذا «البعد الرابع» الذي يتحدثون عنه كثيرًا، في هذه الحقبة، في الأوساط التشكيلية (على إثر أعمال إينشتاين، بطبيعة الحال)، هذا البعد الرابع الذي يمنحه «أبوللينير» تفسيرًا ميتافزيقيًّا مبهمًا للغاية،٢٤٦ يجعلنا نتساءل عما إذا كان ينبغي أن نرى فيه، في المجال الجمالي، جهدًا يقوم به كل فن للخروج من المقولات التي سُجن فيها حتى ذلك الحين، كي يكتسب البعد الذي يفتقر إليه: فالتصوير الزيتي، فن المكان، يضم إليه الزمن، والشعر، فن الزمن، يضم إليه المكان، والواقع أنه يمكننا الاعتقاد أن الفن التكعيبي لا يفترض فحسب تقديم البعد الثالث (حجم الأشياء) على قماش اللوحة ذات البعدين، وإنما «البعد الرابع» في نفس الوقت، أي الديمومة: فلماذا، مثلما يكتب «جليز» و«ميتزنجيه»، لا يلتف الذهن «حول الشيء ليلتقط عدة مظاهر متعاقبة، وقد انصهرت في صورة واحدة، ليعيد بناءها في الديمومة»؟٢٤٧ هكذا يصور التكعيبيون — بشكل متعاقب على قماش اللوحة — المظاهر المتعددة للشيء الواحد، مرئية من زوايا مختلفة، وعلى النقيض، فإن الشعر، فن الزمن — ما دام مرتبطًا، مثلما ساد الاعتقاد حتى هذه اللحظة، بقراءة متتالية بالضرورة — سيسعى إلى أن يستعير من التصوير الزيتي طابعه المكاني والتزامني. ولن أشدد على المظهر الميتافيزيقي لمثل هذه الطموحات، التي يمكن القول إنها تهدف إلى خرق القوانين الظاهرة للواقعي لضبطه بشكل أفضل في كليته، لكن المثير أن نرى مدى ما وصلت إليه ومدى تحويلها للبنى الأدبية.

ولأن الشعر يُكتب — طباعيًّا — على الورق، فإنه يمتلك بالفعل شيئًا ما مكانيًّا، سيتم السعي للتأكيد عليه إلى حد الرغبة في صدم العين شأنها شأن الذهن، بتنظيم عناصر القصيدة على الصفحة مثلما قد يفعل الرسام عندما يملأ قماش لوحته: وعندما سيكتب «ريفيردي» قصائد من قبيل «مكان».

النجمة الهاربة
الكوكب في المصباح
اليد السماء
تمسك الليل تمددت على
بخيط الأشواك
قطرات دم تصطك بالحائط
وريح المساء
تخرج من الصدر*
نُشرت في Nord-Sud, n° 15 Mai 1918.
سيبرر تجديد طباعية كهذه ﺑ «الحاجة إلى الكل الجديد لملء الصفحة التي تصدم العين منذ أن صنع الشعر الحر إطارًا ممتلئًا بشكل غير متماثل».٢٤٨
وعند الذهاب إلى أبعد من ذلك، سنصل إلى «الخلاصة متعددة المستويات» الشهيرة لنيكولا بودان، هذا المجدد صديق «أبوللينير»، الذي وصف «أيجيرتيه» و«لابراشوري» تقنيته البصرية بشكل خالص في بادئ الأمر (قبل أن تصبح «متعددة الأصوات»،)٢٤٩ التي كان ينبغي — مثلما كتب أحد النقاد — أن «تعيد تشكيل الوحدة الذهنية لدى القارئ مثلما تتحدد نقطة في المكان استنادًا إلى القيمة العددية لثلاثة محاور متعامدة»،٢٥٠ وإزاء هذه الحسابات الرصينة، يمكن ﻟ «القصائد المرسومة  Calligrammes» لأبوللينير — التي «ترسم» على الصفحة «المنظار»، و«اليمامة المطعونة بخنجر» أو «الإكليل» — أن تبدو تخيلات بلا حصيلة ذات بال، لكنها — رغم هذا — معبرة عن هذا الاتجاه في الكتابة الموجهة للعينين، التي ألهمت من قبل بعض نصوص «رمية نرد».
وينبغي ملاحظة أن التخطيطات «الإجمالية» تتيح التقدم «المتزامن» للعناصر إلى القارئ التي لم يستطِع الأدب القديم أن يقدمها إلا متعاقبة: عناصر لوحة يحتضنها البصر بلمحة واحدة، انطباعات متعددة ومختلطة،٢٥١ أو أصوات تتكلم في نفس واحد (مثلما لدى «رينيه غيل»،)٢٥٢ نجد هنا هذا الأمل القديم في الهروب من المتعاقب، من التدفق الزمني الذي يكمن، مثلما رأينا، في أساس كل شعر، وحتى عندما لا تهز الأبيات التكعيبية طريقة الطباعة، فإنها «الأبيات» — إذ تتوزع في شكل بعثرات وتجمعات عشوائية للعناصر إلى هذا الحد أو ذاك — توفق بشكل قصدي بين الأفعال المتباعدة في المكان أو الزمن، وتقوم بتركيب المظاهر المتعاقبة للواقع: على نحو ما نجده من توافق خشن — في «منطقة» — بين الأماكن والعصور:
ها أنت في مارسيليا وسط البطيخ
ها أنت في كوبلانس في فندق العملاق
ها أنت في روما جالسًا تحت شجرة زعرور من اليابان
ها أنت في أمستردام مع فتاة شابة تراها جميلة وهي قبيحة

لا يمكننا إذن القول إن القصيدة «تتلاحق»: فهي تشكل كلًّا مندمجًا، موضوعًا تتداخل عناصره وتتوحد وفقًا للمنطق الخاص بالقصيدة، فحتى غياب علامات الترقيم يلغي أية فكرة تتعلق بالتلاحق المتتابع المعين بالوقفات، فالكلمات أو أجزاء الجملة، لم تعد مسلسلة مثل علامات الموسيقى، وإنما متجاورة بالأحرى مثل بقع الألوان في اللوحة.

والواقع أن أساليب بنائية كهذه بعيدة للغاية عن النثر بقدر ما هي بعيدة عن الشعر الكلاسيكي: فالتوزيعات الفراغية (المكانية) التي تحدثت عنها ليست ممكنة بطبيعة الحال إلا مع الشعر الحر (أو، إذا شئنا، مع «عناصر» متمايزة، كلمات أو مجموعة كلمات)، والنثر — على النقيض، بالضرورة — تتابع، متتالية من الجمل، وقد أشار «ريفيردي» بشكل واضح — في حديثه عن النثر غير الشعري — إلى التمايز الذي يمكن تطبيقه على الفكر الخلاق مثلما على التقنية الشكلية: «يفكر الشاعر — حسبما يقول — في أجزاء مفككة، وأفكار منفصلة، وصور يشكلها التجاور، ويعبر الناثر عن نفسه ويطور تتابع الأفكار الموجودة، بالفعل فيه، التي تظل مترابطة بشكل منطقي، فهو يلاحق والشاعر يجاور».٢٥٣
فهل ستبدو قصيدة النثر — بالنسبة للتكعيبيين — تقنية تم تجاوزها وغير قابلة للاستخدام من الآن فصاعدًا؟ تثبت لنا الحقائق النقيض، ما دام «جاكوب» و«ريفيردي» نفسه قد كتبا قصائد نثر «تكعيبية»، وأن «جاكوب» نفسه أعلن هذه الصيغة الجوهرية: «في حين أن كل النثريات التي تأخذ شكل قصائد ترفض الوجود من أجل الفوز بالرضاء، فإن قصيدة النثر قد رفضت الرضاء من أجل الوجود، إنها شيء شبيه بلوحة تكعيبية»،٢٥٤ وتتوافق قصيدة النثر — من ناحية أخرى، وبالتحديد بفعل نوعها السردي — مع حاجات أخرى مغايرة لحاجات قصيدة الشعر الحر، وربما أيضًا يكون من الأسهل «تحديد موقعها» (وهو أيضًا تعبير «جاكوب»)، أي منحها لونًا ومناخًا خاصين.

المشكلة إذن هي: كيف يمكن للنثر، بشكله المترابط وتوزيعه الطباعي نفسه، وقد بدا محكومًا بأن يقدم تتابعًا، تعاقبًا للأفكار المتسلسلة، كيف يمكن أن يصبح أداة فكر شعري، يجاور الأفكار المنفصلة، ويؤلف من خلال تجميع العناصر مثلما يفعل الرسام على قماش اللوحة؟ والواقع أننا نجد المشكلة المزمنة الخاصة بالصراع ضد الانسياب المتتابع للزمن: هذه المشكلة التي حلها البعض باستخدام الأساليب الدائرية، الموسيقية (المستبعدة هنا)، فيما حلها آخرون ﺑ «إشراقات» لا زمنية، تستمد — في تركيبة جديدة ومكثفة للغاية — عناصر الواقع المتفرقة.

يمكننا القول إذن إن «رامبو» قد حل مشكلة قصيدة النثر التكعيبية من قبل، وإن التكعيبيين مدينون له بجوهر تقنيتهم، والواقع أن ثمة رصدًا للوقائع في مجلة «نور–سود» (يمكن، حسب اعتقادي، نسبته إلى «ريفيردي»)، يعترف أن «رامبو» قد خلق بل حدس أيضًا بفنٍّ جديد، ببنية أدبية جديدة، لم يدفع بها إلى أبعد من العمل غير المكتمل الذي يعرفه الجميع».٢٥٥
وإذا ما تذكرنا أن الأمر يتعلق — قبل أي شيء، بالنسبة للتكعيبيين — ﺑ «تفكيك» عناصر الواقع من أجل «إعادة تجميعها» في نظام جديد،٢٥٦ لا يقلد أي شيء، وإنما يخلق «شيئًا» فنيًّا، فيمكننا القول إن جمالية قصيدة النثر، مثلما تدرك على هذا النحو، ستكون جمالية المتقطع (التي خلقها «رامبو») وجمالية الصورة (مثلما حددها «ريفيردي»)، ولم يتم إدراك التقطع بفعل الطباعة، مثلما في قصيدة النظم، وإنما بفعل إلغاء الروابط المنطقية (ﻓ «الشعر الحديث يطيح بكل التوضيحات»، مثلما يكتب «جاكوب»،)٢٥٧ وبفعل تجاور الأشياء أو الأفكار المتباعدة والمربوطة بشكل خشن، وبفعل استخدام الكلمات المعزولة وجمل بلا أفعال، تتجمع في نوع من الكوكبة الموحية، المشحونة بالإيحاءات والصورة لا الأفكار المنطقية، أما الصورة، فضلًا عن استجابتها لرغبة الشعري البصري، فهي توفق — مثلما يقول «ريفيردي» في تصريح شهير له — بين «واقعين متباعدين إلى هذا الحد أو ذاك»، لم تدرك سوى الروح العلاقات بينهما»: ومن ثم، «فإن الصورة إبداع خالص للروح»،٢٥٨ وسيكون هذا المفهوم الخاص بدور الصورة (الذي سيستعيده السيرياليون) أحد ثوابت الشعر الجديد: لم تعد الصورة، والاستعارة — من الآن فصاعدًا — زخارف إضافية، محكومة ﺑ «تجميل» نص شعري، بل أصبحتا وسائل للإبداع.
ولا ينبغي أن يغيب عنا أن القصيدة لم يعد عليها أن تكون تمثيلًا للواقع (كوصف أو سرد)، وإنما خلقًا، شيئًا مستقلًّا، ما إن تنقل عناصره من الواقع الخارجي، حتى تنفصل عنه للبحث عن واقعها العضوي الخاص بها: «فالموضوع لا يهم، والا المصور أيضًا»، مثلما سيقول «جاكوب»٢٥٩ فالقصيدة تتحقق كعالم منفرد، وعليها أن تكتفي بذاتها: ويستعيد «كوكتو» نظريات «جاكوب» التكعيبية هذه لحسابه، عندما يكتب أن: «على القصيدة أن تفقد كل الحبال التي تربطها بما يبررها، واحدًا واحدًا، وكل مرة يقطع الشاعر فيها حبلًا، يدق قلبه، وعندما يقطع الحبل الأخير، تنفصل القصيدة، وتصعد وحدها مثل بالونة، جميلة في ذاتها وبلا أي رابط آخر بالأرض»،٢٦٠ فكيف لا يمكننا التعرف على هذه الفردانية الفوضوية، هذه القصدية الخالقة للتنافس مع الله الخالق، التي تمثل — كما رأينا — أحد «قطبي» قصيد النثر؟

وفي حديثه عن هذه القصيدة التي ترتفع مثل بالونة، يضيف «كوكتو»: «هل سأعلِّمكم، فضلًا عن ذلك، أن الكلمات الغريبة، والنعوت، والمغالاة، والتصويرية، تمنعها من الارتفاع؟» نحن بإزاء رفض هنا لكل بلاغة، لكل زخرفة لفظية، و«جمالية الحد الأدنى»، التي ستكون — في واقع الأمر — قاعدة قصيدة النثر وأيضًا قصيدة النظم، فباستخدام أكثر المواد عادية، والوقائع اليومية، وكلمات الاستخدام اليومي، بل حتى الأماكن المشتركة (المستخدمة في الشعر مثلما يستخدم الرسامون التكعيبيون الورق الملصق في اللوحة)، سيعيد الشعراء تكوين عالم فريد، مغاير، نشعر فيه بالاغتراب مثلما يشعر المسافرون في كوكب آخر، فلا ينبغي للشعر أن ينبثق إلى هذا الحد من جمال التعبير قدر انبثاقه من نمط الرؤية.

فهل قصيدة النثر الوحيدة التي كتبها «أبوللينير»، «نقد الحلم»، هي قصيدة «تكعيبية»؟ لا شك أن الانقطاع والمقاربات المفاجئة، والانطباع الخاص ﺑ «عالم آخر»، هي — بالتأكيد — عناصر ضرورية لهذا «الحلم» الذي نقرأ فيه، على سبيل المثال:
في حقول الريحان كان حيوان الفقمة ينظف الغسيل، سألناه عن سبب الشتاء المزيف، ابتلعتُ قطعانًا سمراء. ظهرت أوركنيز في الأفق، اتجهنا نحو هذه المدينة ونحن نادمون على الوديان الصغيرة التي كانت أشجار التفاح تغني فيها، وتصفر ويحمر لونها …٢٦١
لكن الواقع أنه ليس لدينا هنا قصيدة مبنية بإحكام: وبدلًا من «شيء» منظم بقوة، ثمة انسياب، نهر يتبع مجراه، بدون أن تحدد أية ضرورة داخلية نقطة التوقف هنا بالتحديد لا هناك، وسنعود إلى الحلم ودوره الشعري بصدد السيريالية التي تشكل هذه الصفحات، مثلما يقول «آيجيرتيه» و«لابراشيري» «المقدمة الحقيقية» لها،٢٦٢ هل سأصرح — رغم هذا — أنني أجد لديهما شيئًا واعيًا إلى حدٍّ زائد، و«شعري» عن قصدٍ إلى حدٍّ مفرط، ومصطنع على العموم إلى حدٍّ ما؟ هناك أيضًا كثير من الظُّرف الرمزي هنا …

ولأن المونولوجات الغنائية إلى هذا الحد أو ذاك، والحكايات الغريبة إلى هذا الحد أو ذاك، التي نشرتها بارونة «أوتينجين» تحت الاسم المستعار «روش جري» في «سواريه دي باري» (التي كانت تديرها مع «أبوللينير») وفي «نور–سود»، لا نجد فيها أيضًا أي شيء «تكعيبي» بشكل خاص، فإننا مجبرون، في النهاية، على حصر قصيدة النثر التكعيبية في كاتبين: «ماكس جاكوب» و«ريفيردي»، والحق أننا أمام شاعرين بارزين، بفعل بياناتهما النظرية وموقفهما الفعال، والبنَّاء — في آن — من الكلمات والوقائع الشعرية، ويمكننا إضافة أنهما إذا كانا يمثلان التكعيبية بامتياز، فهما — لاعتبارات أخرى — رائدان لأدب ما بعد الحرب: ﻓ «كوب النرد» نُشر، من ناحية أخرى، عام ١٩١٧م، ويمتد إنتاج «ريفيردي» الشعري من عام ١٩١٥م حتى وقتنا الراهن، إنه إذن المظهر الجديد للشعر، مثلما وجهته الحداثة والتكعيبية، الذي سيظهر ويتأكد في الصفحات التالية.

١  يمكن القول إن «استقصاء» «لوكاردونال» و«فاليي»، عام ١٩٠٥م، يكرس لنهاية الرمزية (Enquête sur la littérature contemporaine, Mercure de France, 1905)، «من ذا الذي لا يزال رمزيًّا؟ مثلما سأل «أ. جالو» «ستيوارت ميريل» في نفس الفترة (ذكره M. Raymond, De Baudelaire au Surréalisme, Corréa, 1933, p. 133).
٢  A. Béguin, Le rêve chez les Romantiques allemands et dans la poésie française moderne, Genève, 1937, p. 435.
٣  جواب على استقصاء «لوكاردونيل» و«فاليي»، ص٥٩.
٤  Mercure de France, 1905.
٥  تريد «التكاملية» — حسبما يصرح مؤسسها «لاكوزون» — «التعبير عن الحياة وفقًا للحياة الكونية» (Enquête de Le Cardonnel et Vellay, p. 141)، أما «الإنسانيون»، فيريدون «استرجاع الحياة في الشعر، مثلما يقول «إ. بونيه» (السابق، في المقطع المشار إليه فيما سبق، ص٢٩٥)، ولا تملك «الطبيعية» و«الإجماعية» طموحات مختلفة تمامًا.
٦  «إن عام ١٨٩٨م لهو توقيت منبئ»، مثلما يكتب «بوازا». إنه ينهي — مع القرن التاسع عشر — مرحلة سعيدة نسبيًّا، ويؤشر على بداية حياةٍ أخرى، أكثر اضطرابًا وعنفًا، هو استسلام الراديكاليين للسلطة بشكلٍ نهائي، والعودة إلى السياسة المعادية للكاثوليكية، ونقض المعاهدة البابوية، وتطهير الجيش، وقانون العامين … إلخ، وفي الخارج، هو تغير الوجه الشامل، والتفاهم المعلن مع الإنجليز، وسياسة بأكملها هي التي ربما عجلت بالحرب.
«وفي الأدب، هو تاريخ وفاة «مالارميه» وإغلاق صالون «هيريديا»، وبالتالي تشتت الشعراء الذين لم يعد لهم نظرية مشتركة، لعدم رؤيتهم لبعضهم البعض، ولا يفكرون معًا في خلق مدرسة قومية حقًّا، وهو ما أدى إلى الارتباك التام للأفكار والقيم» (Du Classicisme au Symbolisme, Nouvelle Revue critique, pp. 148-149).
٧  Histoire de la littérature française de 1885 à nos jours, Figuière, 1916, p. 474.
٨  في La Revue, 1901.
٩  إن زوال الأشكال الشعرية لصالح الرواية قد أكد عليه «ﻫ. دي رينييه» (Enquête, p. 300) و«ج. إيكلود»، اللذان «يعتقدان أنها مدعوة إلى استيعاب كافة الأشكال الأخرى» (Enquête, p. 301).
١٠  هو تصريح «مارسيل باستيليا»، أحد أنصار «أنونزيو» (Enquête, p. 78)، وقارن بتصريحات «ر. دي جورمون» حول روايات «أنونزيو» بالتحديد (فيما سبق، الفصل الرابع من القسم الثاني).
١١  في العدد الخاص، من مجلة Nouvelle Revue Française المخصص لشارل–لوي فيليب، في اليوم التالي لوفاته، في ١٥ فبراير ١٩١٠م، ص١٧٩.
١٢  Prétextes, p. 255، وفيما يتعلق بهذا «التعصب» المالارمي، الواضح لدى الناثرين مثلما لدى الشعراء، نذكر هنا الحكاية التي رواها «أ. جالو» Les Saisons Littéraires, L.U.F., Fribourg, 1942, p. 237 في: «ذات مرة، كتب «ج. دي فوازان» قصيدة نثر، فاتنة فضلًا عن ذلك، وموجودة في أحد دواوينه، وقد عرضها على «ماردروس»، مترجم «ألف ليلة وليلة» الذي — لغرامه بمالارميه — قال له «بصوته الكهنوتي، وبسمتٍ متعالٍ، إن ذلك لم يعد ما ينبغي أن نكتبه عندما نكون قد تلقينا دروس مالارميه الإلهي، وإن ثمة أسلوبًا آخر يفرض نفسه» — وكلف نفسه عبء القيام ﺑ «تغيير مالارمي، جميلٌ وبارع على أية حال، لكن «فوازان» — الذي يكتب متوجسًا للغاية أيضًا — اغتاظ بلا داعٍ وتشاجرا بعنف، وأعتقد أنهما لم يلتقيا أبدًا منذ ذلك الحين»، ولا يعتقد «جالو» أن هذه النسخة «المالارمية» قد تم الاحتفاظ بها، فسيكون جارحًا و(مفيدًا) أن تتم مقارنتها بالنص الأول.
١٣  كتب — في ٢٧ مايو ١٨٩٥م — أن «القافية ليست سوى حيلة طباعية … فإذا ما كانت هناك كلمة تفرض نفسها لإصاتتها، فستكون عندئذٍ أجمل في نثرٍ موزون حيث سترفع هذه الإصاتة من قيمتها» (ورد ذكره في العدد الخاص من Nouvelle Revue Française, 15 Février 1910, p. 183).
١٤  La Chair de trois gueux (إحدى قصائد Quatre histoires de pauvre amour, L’Encios, Avril 1897, p. 142).
١٥  مقدمة «ج. ريفيير» لقصائد ونثريات «آلان فورنييه»، المجموعة في Miracles (N.R.F., 1924, p. 45).
١٦  Mémoires de P. Fort, Flammarion, 1944, p. 83.
١٧  Miracles, N.R.F., 1924.
١٨  خطاب إلى «ج. ريفيير»، في ٢ مايو ١٩٠٩م: Correspondance d’Alain Fournier et J. Rivière, N.R.F., 1926, t. II, pp. 285-286.
١٩  La Partie de Plaisir, Miracles, p. 156.
٢٠  خطاب إلى «هنري (آلان) فورنييه»، ٢٢ يونيو ١٩٠٩م، Correspondance, t. II, p. 305.
٢١  «ليأتِ الآن ليل الصيف الذي لا يحتمل! على الشرفة التي تميل تفتح الحديقة المعتمة باب الصالون الممتلئ بأوراق الشجر الثقيلة»، لكنهم يشعلون القنديل المنزلي، هذا المساء، مثل فانوس في مقدمة مركب ضائع، محمل بالحمى والعطور» (Miracles, p. 140)، ويقول «ريفيير» في رسائله إنه لا يوجد من يواجه «رامبو» و«مالارميه» باعتباره «شاعرًا» غير «كلوديل» (٩ نوفمبر ١٩٠٦م، Correspondance d’Alain Fournier et J. Rivière, N.R.F., 1926, t. II, p. 417).
٢٢  مقدمة Miracles, N.R.F., 1924, p. 54.
٢٣  مقدمة Miracles, N.R.F., 1924, p. 54.
٢٤  L’Amour cherche les lieux abandonnés, Miracles, p. 167.
٢٥  انظر Rivière, Introduction à Miracles, p. 57.
٢٦  مقدمة Miracles, p. 58.
٢٧  إنه هو من وجه إليه «آلان فورنيه» خطابات إلى ب الصغير» Lettres aus Petit B (Emile-Paul, 1930)، حيث نجد — بشكل خاص — قصيدة نثر مكتوبة في ١٠ أغسطس ١٩٠٨م، مستوحاة ممن هي «بعيدة وضائعة» (ص٤٩).
٢٨  «أحبك، أيها الحب، أنت أخي، وأنت لي مرعى أزرق يفيض بالندى …» (Le Livre de l’Amour، ١٨ قصيدة نشرت في عدد شهر مارس ١٩١١م من مجلة Nouvelle Revure Française، والقصيدة رقم ٥ ص٤١٩)، انظر أيضًا Le Livre d’Orphée, Mars 1910, et Trois Poèmes, en Juin 1909.
٢٩  Nouvelle Revue Française, Février 1913, pp 312–315.
٣٠  Cinthia, Sur la Tour, Isola, dans la Nouvelle Revue Française, Juin 1909.
٣١  انظر مقال Gide, Nationalisme et Littérature, Nouvelle Revue Française, Novembre 1909.
٣٢  Nouvelle Revue Française, Juillet 1909, p. 503، وهذا المقال — مثل مقال «جيد» — حلقة من السجال، العنيف إلى حدٍّ ما، الذي وضع «جيد» و«غيون» في تعارض مع «جلوار»، ومؤيدي الشعر «القومي» المحتشدين خلف موريا.
٣٣  انظر Conférence de Gide sur Charles-Louis Philippe (Figuière, 1911).
٣٤  Béâl-Gryne, Bibliothèque de l’occident, 1909, p. 65.
٣٥  «كانت «بيال–جرين» و«دولورين والأشباح» هما اللتان وضعتا «جان دي بوسشير» بين الرمزيين»، حسبما كتبت السيدة «سينكلير» في مقدمتها ﻟ The closed door de Bosschère (المنشورة أولًا في لندن، بالإنجليزية والفرنسية)، وهو تصنيف سهل إلى حدٍّ ما، مثلما أشار «س. بوتنام» (S. Putnam, The World of Jean de Bosschère, The Fortune Press, 1912, p. 16).
٣٦  Dorianède, à la suite de Béâl-Gryne, 1909, p. 124.
٣٧  Mirages en été, à la suite de Béâl-Gryne, 1909, p. 127.
٣٨  وهو يصف — في «أوهام الصيف» — أغنية الصفارية والشحرور، «(عصافير) الزقزاق التي تكركر» (Béâl-Gryne, p. 139)، إن «جان دي بوسشير»، مثل صديقه «ميلوش»، سيتعلق بالعصافير، ونعرف الكتب التي كان سيخصصها لليمام، والطواويس، و«الروائع الأخرى».
٣٩  قارن ﺑ Les métiers divins المنشورة عام ١٩١٣م في Bibliothèque de l’occident، وعلينا أن ندرك أن المهن إلهية، وأن ثمة شيئًا إلهيًّا يكمن في العمل الإنساني.
٤٠  Mirages en été, à la suite de Béâl-Gryne, 1909, p. 130.
٤١  The World of Jean de Bosschère, The Fortune Press, 1912, p. 112.
٤٢  Poèmes en prose, Mercure de France, 1911, p. 6.
٤٣  السابق، في المقطع المشار إليه سابقًا.
٤٤  السابق، في المقطع المشار إليه سابقًا.
٤٥  Stances de la Danaé et de l’Amour, Chanson d’Homme saoûl, etc …
٤٦  Ceux qui ont faim ، فيما تميل قصائد أخرى — على النقيض من ذلك، وهذا حقيقي — إلى السرد.
٤٧  Poèmes en prose, p. 81.
٤٨  Poèmes en prose, Sansot, 1908، (وهي في الواقع أربع أمثولات في مقاطع صغيرة أو آيات).
٤٩  انظر Introducion au Choix de Poèmes de M. Burnat-Provins, Figuière, par A.-M. Gossez, p. 16، وسأذكر — في هذا الصدد — أن هناك عدة «شكاوى» في «رحلة إلى اليونان» لموريا، عام ١٩٠٢م، تتألف — في واقع الأمر — من أبيات ثمانية المقاطع: «إنه الليل، نندفع — في دائرة كبيرة من ماء — من أعماق الماء، القمر — يصعد في هالة … إلخ»، ونجد نفس الميل إلى الوزن في قصائد النثر التي يبعثرها «إ. برسوكور» في هذه الحقبة، في عديد من المجلات الصغيرة: وسنجدها حوالي عام ١٩٠٩م في Pan وفي Rénovation esthétique وفي Vers et Prose.
٥٠  هذه القصيدة التالية ﻟ «كتاب لك»، ورد ذكرها في Choix de poèmes, p. 165، وتتكون الجملة التي أذكرها من بحرين سكندريين + مقطعين لفظيين ثنائيين، واللازمة نفسها Balancement et bercement, vertige, fin et recommencement، المستعادة عدة مرات، يغلب عليها الإيقاع الثنائي في الاستعادة النهائية Balancement et bercement, vertige, anéantissement (مقطعان ثمانيان).
٥١  حول الكلاسيكية الجديدة، انظر صفحات «م. ريمون» في M. Raymond, De Baudelaire au Surréalisme, Corréa, 1933, pp. 111–129.
٥٢  Melitta سلسلة مقطوعات صغيرة قديمة، تصف حياة فتاة شابة على طريقة «ب. لوري»، في عدد ١٥ ديسمبر ١٩٠٨م من La Phalange.
٥٣  La Phalange, 15 Novembre 1908، وتجعلنا قصيدة «ربان» نتذكر «ب. لوي» و«جول تيليه»: «خلال نوم الرجال الثقيل كنت أنصت لصوت البحر، الأعذب من النايات الليبية، وكنت أستضيء بمصباح النجوم، وأتحدث مع بوسيدون».
٥٤  ذكره M. Fombeure, La poésie de V. Segalen في العدد الخاص من Cahiers du Sud, n° 288, 1948, 1re semestre, p. 206، المخصص لسيجالان.
٥٥  قارن بمقال «جان لويز» في نفس العدد، Secrets d’un livre sue la Chine: الطاوية — بالنسبة لسيجالان — هي العالم المدرك باعتباره «وهميًّا جميلًا»، والتوغل عبر الأشياء، وأيضًا «التذوق الذي لا يوصف للجمال في هذه المظاهر الهاربة» (ص٢٨٥-٢٨٦).
٥٦  Segalen, Introduction aux Stèle, Crés, 1922, p. 6.
٥٧  السابق، ص٩.
٥٨  أشار «ج. جيرمان» — في Revue de Littérature Comparée (Juillet–Septembre 1950) — إلى أن «سيجالان» كان يستلهم أفكارًا أو مصادر آسيوية أصيلة، من بينها — على سبيل المثال هنا — موضوع الواجبات الكلاسيكية للإمبراطور، أو النظرية السحرية للاسم في Nom Caché.
٥٩  Notes sur Segalen écrivain ، عدد خاص من مجلة Cahiers du Sud, 1948, p. 192.
٦٠  Eloge et Pouvoir de l’absence, Stèle, Crés, 1922, pp. 133-134.
٦١  E. Jaloux, Les Saisons Littéraires, L.U.F., Fribourg, 1942, p. 99.
٦٢  العدد الخاص من Divan، المخصص ﻟ «ب. دروو»، يوليو ١٩٥٢م، ص٤٤١.
٦٣  طلب «ب. دروو» تدمير الأجزاء التي يتركها، معتبرًا أنه «ينبغي للعمل أن يكون مكتملًا»، مثلما قال لنا «ب. رينييه» (Le Divan, Juillet 1925, p. 382).
٦٤  Le Divan, Juillet 1925, p. 375.
٦٥  في Revue Naturiste؛ وفي L’Effort (مهداة إلى «أ. جيد»)، وظهر أول جزء اعتبارًا من مايو ١٨٩٢م في La Syrinx، وأعيد نشر هذه الأجزاء الأولى في Narcisse (وهو العنوان النهائي المفترض) الذي نشر بعد وفاة «جاكسيه» في مكتبة فرنسا عام ١٩٣١م، وكتب مقدمته «إ. جالو».
٦٦  Narcisse, Librairie de France, 1931, p. 277 (نص نشر في L’Effort, Mai 1899).
٦٧  ومن الإنصاف أن نضيف — رغم هذا — أن نثريات «جاسكيه» الأولى قد تأثرت بالمدرسة الرمزية وبنثريات صديقه «سينيوريه» الباذخة (Introduction d’E. Jaloux à Narcisse, p. 11).
٦٨  Eurydice deux fois perdue, Plon, 1930, pp. 107-108، وتشكل الأجزاء التي أراد «دروو» حذفها الجزء الأول، ص١١–٣٠ من الطبعة النهائية عام ١٩٣٠م، وتنظم هذه الطبعة المقاطع في ثلاثة أقسام، نشرت مجلة Revue de Paris الجزء الثاني منها في الأول من نوفمبر ١٩٢٠م: وكان «ب. دروو» قد مات في الجبهة عام ١٩١٥م.
٦٩  Le Divan, Juillet 1925, p. 427.
٧٠  Eurydice deux fois perdue, Plon, 1930, p. 84.
٧١  السابق، في المقطع المشار إليه سابقًا.
٧٢  السابق، في المقطع المشار إليه سابقًا.
٧٣  G. de Voisins, Paul Drouot et le roman lyrique ، عدد خاص من مجلة Le Divan, Juillet 1925, pp. 407–411.
٧٤  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثالث.
٧٥  La Phalange, 15 Janvier 1909، ويميز «روبير» — بشكلٍ غريب إلى حدٍّ بعيد — ثلاثة توجهات في نثر عهده: الطبيعية — «شعر الكونية» (شعر «ب. آدام») — و«الشعر المجرد»، المستمد أيضًا من «مالارميه»، الذي «لا يميز إطلاقًا بين المضمون والشكل»: و«كلوديل»، الذي قد يكون النموذج الأصلي الأكثر كمالًا، «ربما استطاع تحقيق مالارميه»(؟)
٧٦  انتقد «ج. رونار» — منذ عام ١٨٩٨م، وبحدة — «مدينة ميتة» ﻟ «أنونزيو»، على هذه التشبيهات: «بريق الماس … صافٍ مثل الماء … ناعم مثل رمل البحر …»، ويضيف: «لم نعد نستخدم هذه الرثاثات منذ وقتٍ طويل» (Journal, 21 Novembre 1898).
٧٧  La Phalange, 15 Janvier 1909 (Conférence-Manifeste sur le Symbolisme).
٧٨  قارن بما سبق، الفصل الرابع من القسم الثاني.
٧٩  La Phalange, 15 Décembre 1908, p. 552.
٨٠  Nouvelle Revue Française, Juin 1909.
٨١  قارن — على سبيل المثال — بتأملات «سواريس» عن الفن: «أن تخلق، فهذا يعني معرفة نظام والكشف عنه» (L’Occident, Novembre 1906).
٨٢  Histoire de la littérature française de 1885 à nos jours, Figuière, 1914, pp. 492-493.
٨٣  Réflexions et Propositions sur le vers français, dans Positions et Propositions, t. I, p. 10.
٨٤  خطاب بتاريخ ١٩١٣م، ذكره H. Clouard, Histoire de la littérature française du Symbolisme à nos jours, A. Michel, 1947, p. 467.
٨٥  Claudel, Réflexions et Propositions sur le vers français, p. 86.
٨٦  نشرت «تأملات» في البدء في Nouvelle Revue Française, Octobre et Novembre 1925، ثم جمعت في Positions et Propositions, N.R.F., 1928.
٨٧  Réflexions et Propositions …, p. 10، والواقع (وهي الفكرة التي تبدأ بها هذه «التأملات») «أننا لا نفكر بطريقة متصلة … هناك انقطاعات، وهناك تدخل للعدم، فالفكر يبنض مثل المخ والقلب» (ص٩).
٨٨  Réflexions et Propositions sur le vers français, p. 9.
٨٩  السابق، ص١٢.
٩٠  والواقع أننا نجد في النثر أن العناصر الأولية مركبة على نحوٍ ما في رقائق متوازية وملتحمة، ومترابطة بالنسبة للعين، وانقطاعاتها الطبيعية يحل محلها بشكل مصطنع انقسامات منطقية، والبياض الخاص بمرحلة الإبداع لا يتم استدعاؤه إلا بعلامات الترقيم التي تحدد المراحل في المجرى العام الموحد للخطاب» (Réflexions …, p. 12).
٩١  Réflexions …, p. 13.
٩٢  Réflexions …, p. 59.
٩٣  السابق، ص٧٣.
٩٤  فيما يتعلق ﺑ «هذا التجميع للروائع الذي يمثل فصل في الجحيم»، Réflexions …, pp. 75-76.
٩٥  Réflexions …, p. 76.
٩٦  هذان الكاتبان (أول من سعى عن وعي إلى كتابة الشعر نثرًا)، ورد ذكرهما ص٨٨، «يتصاعد نشيد الملائكة» الحكيم من السفينة الناجية»، عندما بلغت الكتابة هذا المستوى، ولد شيء ما أفلت للأبد من القافية»، مثلما يضيف «كلوديل».
٩٧  Réflexions …, p. 86.
٩٨  السابق، ص٦٥، وفي الصفحة السابقة، ذكر «كلوديل» تعريفه الشهير: «البيت المكون من سطر وبياض هو هذا الفعل المزدوج، هذا التنفس الذي يتمثل الإنسان من خلاله الحياة ويصدر كلمة قابلة للإدراك».
٩٩  إن بيت الشعر لدى «كلوديل» — مثلما يقول «ريفيير» — «يكشف في لحظة، من خلال طوله وعروضه، الحالة العميقة لمن يتحدث؛ إذ مثلما يتنوع اتساع الإيقاع التنفسي مع نوعية الانفعال، فإنه يتمدد وينقبض بالتناوب، فهو يتبع حدود الحساسية الخاصية …» (Etudes, N.R.F., 1911, pp. 61-62).
١٠٠  Tête d’or (1890), dan L’Arbre, Mercure de France, 1901, p. 5.
١٠١  انظر في Réflexions … Remarque sur l’Enjambement, p. 15: إن الانقطاع المفاجئ، والكسر الذي يسبق التعدي، يجعلنا نشعر بالتواتر المتراكم على الكلمة التي تلي هذا الكسر.
١٠٢  هكذا نجد — في «رأس ذهبي  Tête d’or» — الأبيات مطبوعة بهذه الطريقة:
إذا ما كنتم تعتقدون أنكم رجال، وأنكم ﺗ –
– رون أنفسكم مرتبكين في ملابس العبيد هذه آه! اصر –
– خوا غيظًا ولا تتحملوها زمنًا أطول من ذلك!
(L’Arbre, p. 97)
١٠٣  Tête d’or, L’arbre, p. 52، وفيما يتعلق بهذه الأبيات، يفسرها «كلوديل»، خلال محادثة في مقر «الكوميدي فرانسيز»، بأن الأبيات التي تتكسر قبل النهاية، والتي تضاف نهايتها إلى البيت التالي، تتبع تقطعات النفس» (ذكره R. Kemp, La Bataille, 22 Mars 1945).
١٠٤  Le Génie de Paul Claudel, Desclée de Brouwer, 1933, p. 269.
١٠٥  عن هذا المظهر المزدوج لبيت الشعر، البسيط والمعقد للغاية في آنٍ، انظر Réflexions …, p. 65.
١٠٦  Les Muses, Cinq Grandes Odes, N.R.F., 1936, p. 24، وتعود الطبعة الأولى ﻟ «خمسة أناشيد عظيمة» إلى عام ١٩١٠م.
١٠٧  أصبحت الجملة والعنصر — مثلما يقول «كلوديل» — العناصر الأولية لشعر الحقبة الرومانتيكية، عندما تحول الشعر (لدى «هوجو»، على سبيل المثال) إلى «مرافعة مشبوبة» (انظر Réflexions من ص٢٧ إلى ص٣١)، وفي آيات «الروح والماء» — التي سيرد ذكرها فيما يلي — يمكن اعتبار عنصر الفقرة الشعرية هو: «بعد … فجأة …».
١٠٨  Réflexions …, p. 87.
١٠٩  L’Esprit et l’Eau, Cinq Grandes Odes, N.R.F., 1936, p. 43، لقد درس «مادول» حركة البداية هذه بالتفصيل في Le Génie de Paul Claudel, p. 279.
١١٠  «ما يجعل هذه القصائد جديدة»، على ما كتب إلى «ريفيير» عام ١٩١٠م، «هو أنها سيمفونيات حقيقية تتطور، لا في تعاقب مستمر بطريقة أدبية، وإنما بطريقة أوركسترالية، من خلال موضوعات متشابكة ومفككة، (١٠ ديسمبر ١٩١٠م، Correspondance de Claudel et J. Reviére, 1907–1914, Plon, 1926).
١١١  Réflexions et Propositions sur le vers français, p. 85.
١١٢  مهرجانٌ إغريقي كان يقام في «دلفي» كل أربع سنوات، تكريمًا للإله أبوللو».
١١٣  خطاب من «سواريس» إلى «كلوديل» في ٢٤ يونيو ١٩٠٧م، Correspondance de Suarès et Claudel (N.R.F., 1951, p. 103)، ونعلم أن أول «نشيد» لكلوديل — «ربات الشعر» — قد نشرته Bibliothèque de l’Occident في كتيب عام ١٩٠٥م، ونشرت «الأناشيد الخمسة الكبرى» عام ١٩١٠م.
١١٤  «يمكننا أن نفهم — مثلما يقول «كلوديل» بشكل غريب إلى حدٍّ بعيد — أن يرفض قراء الفترة الراهنة التورط في هذه الصحاري السنتيمترية من نوع «لاهنرياد» و«جوسيلين» و«رونويا»، التي تمتلئ بلا نهاية بالقوافي المتناوبة، وتبيض عظام المستكشفين الموتى» (Réflexions …, p. 85).
١١٥  الليستريجونات، السيكلوبات: عماليق أسطورية ذات عين واحدة.
١١٦  La Muse qui est la Grâce, Cinq Grandes Odes (N.R.F., 1936, p. 128).
١١٧  على سبيل المثال، ما ذكره Miomandre في مقاله المنشور ﺑ l’Occident (Novembre 1905), “Un lyrique du Nihilisme, André Suarès، وفي دراسته Claudel et Suarès, éd. de la Libre Esthétique, 1907.
١١٨  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثالث.
١١٩  أي قصيدة «فحيمة»: انظر Correspondance entre Claudel et Suarès, N.R.F., 1951, 24 Juin et 1re Septembre 1907, pp. 103 et 111.
١٢٠  Correspondance …, p. 55 (7 Décembre 1905): «أحب النظام الأبدي والحياة مثل قديس»، والتأملات المذكورة في l’Occident تحت عنوان «نظام وفوضى» في أبريل ١٩٠٦م، وحول «الفن»: «الخلق يعني المعرفة واكتشاف نظام» (Occident, Novembre 1906, p. 217).
١٢١  انظر خطابات «جيد» إلى «كلوديل»، التي ورد ذكرها في Notes de la Correspondance entre Claudel et Suarès (N.R.F., 1951, pp. 221 et 222)، وينبغي الإشارة — في هذا الصدد — إلى أن «سواريس» نفسه كان يعتبر هذا العمل قصيدة تتقدم «في قفزات وإضمارات»: هكذا كان يقدمها في Grande Revue, 10 Octobre 1908 (انظر Correspondance, Notes, p. 199).
١٢٢  «أنا عدمي يكره العدم» (Correspondance, 20 Janvier 1906, p. 71).
١٢٣  وهو ما سيفصله — في النهاية — عن «كلوديل»، الذي يكتب إليه: «يا لها من لعنة عندما يحتاج الفن، وبشكل خاص مثلما بالنسبة لكم، يا صديقي المسكين، الروح كلها والحياة بأسرها!» (3 Mai 1907, Correspondance, p. 100).
١٢٤  وهو أحيانًا ما يرفض «أن يكون لديه أي شيء متشرك مع هذا العالم رباعي الأيدي» (20 Avril 1909, Correspondance, p. 148)، وأحيانًا ما يشكو «ما من أحد أبدى أية إشارة حياة» (بعد نشر «ها هو الإنسان»)، «إنني أثير الرعب، ولا أثير الإعجاب» (11 Mars et 29 Juillet 1907, Correspondance, pp. 99 et 108).
١٢٥  سيتحدث «كلوديل» عن كتاب «أفكار ورؤى» باعتباره «بحرًا عظيمًا متوحشًا ومتلاطمًا لا يضيئه أي فنار» (Correspondance, p. 178).
١٢٦  Images de la Grandeur, Jouaust, 1901, pp. 225-226.
١٢٧  L’occident, Novembre 1905, p. 238، سيبدي «سواريس» رضاءه، إلى حدٍّ كبير عن مقال «ميوماندر» (انظر Correspondance, 7 Décembre 1905, p. 55).
١٢٨  Grande Revue, 25 Avril 1907, p. 285.
١٢٩  La Phalange, 15 Mai 1907, p. 1040، ونرى من هذين المقالين أن كتاب «سواريس» لم يكن — مثلما قال — قد سقط مثل قذيفة في أعماق البحر» (11 Mars 1907, Correspondance avec Claudel, p. 99).
١٣٠  Notes sur deux livres, dans Grande Revue du 10 Octobre 1908؛ ورد ذكره في Correspondance entre Claudel et Suarès, Notes, p. 219.
١٣١  خطاب «كلوديل» إلى «سواريس»، ٣١ أغسطس ١٩٠٨م، Correspondance, p. 131، وقد نشرت قصيدة «درع فلك البروج» في طبعة عام ١٩٠٧م، وصفحات «كلوديل» المفضلة هي صفحة ٥٧ (O mors, ero mors tua) و١٥٠ (L’arbre)، انظر الملاحظات المتعلقة بهذا الخطاب في Correspondance, pp. 222-223.
١٣٢  L’Arbre, Bouclier du Zodiaque, p. 150.
١٣٣  Nouvelle Revue Française, Avril 1909, p. 265.
١٣٤  السابق، ص٢٦٣.
١٣٥  خطاب إلى «ج. ريفيير»، ٣٠ يناير ١٩٠٧م (Correspondance entre A. Fournier et J. Rivière, N.R.F., 1926, t. II, p. 26).
١٣٦  سنجد دراسة لمجمل أشعار «سان–جون بيرس» فيما بعد، الفصل الثالث من القسم الثالث.
١٣٧  ٢٠ ديسمبر ١٩١١م، وأعيد نشر هذا المقال في العدد المخصص لسان–جون بيرس، من مجلة Cahiers de la Pléiade, été-automne 1950.
١٣٨  Tout est salé, tout est visqueux et lourde comme la vie des plasmes = كل شيٍ مالح، كل شيء لزج وثقيل مثل حياة البلازما (١٢) Les pélicans se bercent dans un rêve huileux = يتأرجح البجع في حلم زيتي (١٢)، et le fruit creux du catalpa = وفاكهة الكتالبا المجوفة (٨)، sourd d’insectes, tombera dans l’eau des criques, fouillant son bruit = ستسقط صماء بالحشرات في مياه الخليج الصغير، التي تستعيد صوتها، L’île s’endort sans un effroi = تنام الجزيرة بلا أي رعب (٨)، lavée des courants chauds et des laitances grasses = وقد غسلتها تيارات ساخنة وغدد التذكير الدهنية (١٢)، parmi l’explosion de noirs parfums aux vases somptueuses = بين انفجار عطور سوداء في قوارير باذخة (Nouvelle Revue Française, Août 1909, pp. 24-25).
تعود هذه القصيدة لعام ١٩٠٤م، وكما بالنسبة للقصائد التالية، أعيد نشرها في الجزء الأول من «الأعمال البشرية لسان–جون بيرس» Œuvre poétique de Saint-John Perse, Gallimard, 1953.
١٣٩  قارن ﺑ Nouvelle Revue Française, Avril 1910: «أتكلم ضمن الاحترام» (ص٤٤٠)، «أيتها الأشياء التقريظية!» (ص٤٤١)، «آه! يحق لي المديح!» (تتكرر ثلاث مرات في الجزء الخامس) — «أتكلم عن الوضع السامي» (ص٤٣٨)، «والدي، كان نبيلًا ومؤدبًا» (ص٤٤٣)، «رأيت «أمراء» وأصهارهم يسيرون، رجال من طبقة رفيعة» (ص٤٤٥) … إلخ.
١٤٠  تكررت عبارة «أتكلم عن الوضع السامي» مرتين في الجزء الأول، وجملة «لم يكن كل شيء غير ممالك وتخوم الوميض» في الجزء الثالث، تُستعاد في الرابع … إلخ.
١٤١  ص٤٤٢، قارن أيضًا ﺑ: إن لم تكن الطفولة، فما الذي كان هناك ولم يعد له وجود؟

سهول! منحدرات! كان

هناك نظام أكثر (ص٤٤١).

١٤٢  Pour fêter une Enfance, II, Nouvelle Revue Française, Avril 1910, p. 439.
١٤٣  Eloges, IX.
١٤٤  Eloges, XVII.
١٤٥  نجد نفس الأسلوب لدى «رامبو»: «كانت حيوانات ذات رشاقة أسطورية تسير» (Enfance, Œuvres, Pléiade, p. 169) … إلخ: فاستخدام الكلمات العامة يوسع الرؤية، فيما يضاعف من طابعها الأسطوري.
١٤٦  Pour fêter une Enfance, II, Nouvelle Revue Française, Avril 1910, p. 443.
١٤٧  تحتفظ قصائد «مديح» (وبشكل خاص «من أجل الاحتفال بطفولة») بآثار «سان ليجيه» عن أوراق الأشجار بالقرب من «جواديلوب»، حيث ولد «سان– ليجيه»، وقضى أعوامه الأولى.
١٤٨  برهن «ميلوش» على أنه من أتباع الرمزية، مع «قصيدة الانحطاطات» (١٨٩٩م)، وأيضًا مع بعض القصائد من ديوان «سبع عُزلات» (١٩٠٦م)، حيث يستسلم لمساعٍ شكلية ويمارس تقنيات التكرار وتكثيف البحر الشعري، بالإضافة إلى البيت بالغ الطول («هناك، بعيدًا تمامًا، في بلد بلون الصمت والزمن» (Le Vieux Jour)، قارن ﺑ A. Godoy, La technique de Milosz, dans Milosz, Egloff, Fribourge, 1944, pp. 181–211.
١٤٩  Dans un pays d’enfance, Les sept Solitudes, Jouve, 1906.
١٥٠  Cantique de la Connaissance, Poèmes, Fourcade, 1929, p. 98.
١٥١  Méphiboseth, 1913 (Figuière), l’Amoureuse Initiation, 1910 (Grasset).
١٥٢  «سيكون هذا أبسط وأجمل»، خطاب إلى «أ. جودوي»، ٦ نوفمبر ١٩٣٤م، ذكره «جودوي» في عمله عن «ميلوش»، ص١٩٣، واستلهام التوراة واضح للغاية في آيات من هذا النوع:
سعيد هو الإنسان الذي تلعنه أمه العمياء، إنها ترفع العصا تحت القمر! ويتمزق قلب الصمت.
سعيد هو الإنسان الذي تكون دموعه هي أمطار الأضرحة المنهارة وجلده صوت الثعبان في أوراق الأشجار.
لكن يا للمصيبة، يا لمصيبة الإنسان الواعي الذي يفضل، وقد أعشاه جمال الله، فراغ الملل في عذابات الهوى وعذابات الهوى في فراغ الملل!
(Miguel Manara, Œuvres complètes, Egloff, t. III, 1945, p. 44)
١٥٣  Psaume du Roi de Beauté, Poèmes, Fourcade, 1929, p. 119، و«مزمور استرجاع الملك» — في نفس الديوان — مكتوب أيضًا نثرًا، بدون تقطيعات.
١٥٤  Cantique de la Connaissance, dans la Confession de Lémuel, La Connaissance, 1929، وأعاد «فور كاد» نشرها في Florilège de poèmes، ونشرت «قصيدة الألغاز» عام ١٩٢٦م، (La Vie des Lettres et des arts, XXI).
١٥٥  خطاب إلى «أ. جودوي» بتاريخ ١٩ يونيو ١٩٣٥م، ذكره Godoy, Milosz, le poète de l’amour, Egloff, 1944, p. 194، ويبدو صعبًا أن نخلص — مثل «جودوي» — إلى أن «ميلوش» قد عاد في نهاية حياته إلى الشعر المنظوم.
١٥٦  «لقد رأى شعراء الله عالم النماذج المثالية ووصفوه بورع من خلال الكلمات المحددة والوضيئة للغة المعرفة»، مثلما يقول «ميلوش»: لكن شعراء الطبيعة لم يعد لديهم غير لغة معتمة،
«وعاجزين عن الارتفاع حتى المكان الوحيد المحدد، أسمع
باتموس، أرض رؤيا النماذج المثالية،
لقد تخيلوا، في ليل جهلهم، عالمًا وسيطًا،
عائمًا وعقيمًا، عالم الرموز»
(Cantique de la Connaissance, Poèmes, Fourcade, 1929, p. 92)
١٥٧  السابق، ص٩٢.
١٥٨  السابق، ص٩٣.
١٥٩  إيمانٌ بالقوى الخفية وبإمكان إخضاعها للسيطرة البشرية.
١٦٠  هكذا فسر «ث. بريان» مزمور ملك الجمال، باللجوء إلى شجرة القابلانية (Le Goëland, Novembre-Décembre 1948).
١٦١  في «أركان»، مثلما يقول «رولان دي رونيفيل»، «يطور ميلوش لوحةً جدارية تتآزر فيها الرموز والصور للتعبير عن هذا الموضوع الفلسفي الذي لا يصبح «الكون» — وفقًا له — سوى حركة في الفراغ المطلق الممتد» (Univers de la Parole, N.R.F., 1944, p. 79).
١٦٢  Anne Fontaine, Les Arcanes, Opéra, 6 Juillet 1949.
١٦٣  Psaume de la Maturation, Poèmes, Fourcade, 1929, p. 123.
١٦٤  أكد «ميلوش» كثيرًا — عندما بلغ الأربعين عام ١٩١٧م — على هذه «السن الحرجة الشهيرة» (Cantique de la Connaissance, p. 99)، التي كانت بالنسبة له سن الإلهام، والتي خصص لها كامل قصيدة «نيهومين  Nihumin» (Poèmes, Fourcade, 1929).
١٦٥  في مقدمته لمختارات Poèmes de Milosz (Laffont, 1944).
١٦٦ 
«تعليم الساعة المشمسة لليالي الإلهي.
إلى هؤلاء الذين، وقد طلبوا، تلقوا ويعلمون.
إلى هؤلاء الذين قادتهم الصلاة إلى التأمل في أصل اللغة.
الآخرون لصوص الألم والبهجة، العلوم والحب،
لن يدركوا شيئًا من هذه الأشياء.
هكذا تبدأ «ترتيلة المعرفة» (Poèmes, Fourcade, 1929).
١٦٧  Rolland de Renéville, Portrait de Milosz, dans Univers de la Parole, N.R.F., 1944, p. 83.
١٦٨  Cantique de la Connaissance, Poèmes, Fourcade, 1929, p. 93.
١٦٩  السابق، ص٩٨.
١٧٠  أعتقد أنه من الضروري أن نلاحظ — مرةً أخرى — أن من المستحيل تقطيع حقبة أدبية إلى حلقاتٍ ووضع حدود دقيقة، فثمة اتجاهات متنوعة بإفراط، وتيارات متوازية أو متضاربة، وأجيال مختلطة تستعصي على إقامة حواجز عازلة؛ ولا نستطيع سوى أن نميز الخطوط العريضة للقوى، والتمييز بين الأشكال التي يضعف فيها عهد أدبي مكتمل وتلك التي تتيح لها فسحة الزمن الكشف عن الاتجاهات الخصبة، التي ستتفتح في الأعوام التالية، ففي اللحظة نفسها التي يعلن فيها «جيد» (حوالي عام ١٩٠٩م)، مفكرًا في مبالغات الرمزيين: «لم تعد لحظة كتابة قصيدة نثر»، يمنح «لافيسيير» و«كاركو» قصيدة النثر نغمة جديدة، ويكتب «سيجالان» قصائده الكلاسيكية الصارمة في نفس الفترة التي يكتب فيها «ماكس جاكوب» قصائده «التكعيبية» الأولى.
١٧١  قارن بذكريات «كاركو» في Bohême d’Artiste وفي De Montmartre au Quartier Laitn، وانظر — حول المجموعة الفانتازية — مقدمة Chabaneix au Carco de la collection Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1949.
١٧٢  Carco, collection Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1949, p. 63.
١٧٣  نشرت قصيدة «كباريه» في «غرائز» عام ١٩١١م، وأعيد نشرها، مع قصائد نثر أخرى لكاركو عام ١٩٤٨م، في Poèmes en Prose, Points et Contrepoints، وستجدها ص٦٩.
١٧٤  هذه القصيدة التي تذكرنا بعض جملها ﺑ «الدعوة» البودليرية بشدة (قارن ﺑ «ها هنا سأقودك») نشرت في البدء في يونيو ١٩٠٩م، تحت عنوان «مدينة» في الجزء التاسع من Rénovation Esthétique، وقد احتلت موقعها — بعد التعديلات الكثيرة، عام ١٩٤٨م — في Poèmes en Prose, Points et Contrepoints, p. 21.
١٧٥  نشرت في Instincts عام ١٩١١م، وأعيد نشرها في Poèmes en Prose, pp. 182-183.
١٧٦  Poètes en prose, Revue de Paris, Septembre 1945; Poèmes en prose dans Biblio, Janvier 1950، والمقال الثاني ليس إلا استعادة جزئية للأول، ونلاحظ هذه الجملة: «نحن مدينون بكل شيء إلى بودلير».
١٧٧  Vers et Prose, t. 35, Oct.-Nov.-Déc. 1913, p. 12.
١٧٨  وسنجد، بشكل خاص، في العدد الأول من Ecrits français (5 Déc. 1913) مقالًا لكلوديان يدرس فيه الفانتازيين تحت عنوان Influences et Tendances.
١٧٩  Vers et Prose, t. 35, Oct.-Nov.-Déc. 1913, p. 54، وأعيد نشره في Labyrinthes, Messein, 1925, p. 25.
١٨٠  Bohême d’Artiste, chap. IX; dans Mémoires d’une autre vie, éd. du Milieu du Monde, Genève, 1942, p. 441.
١٨١  De Montmartre au Quartier Labin, chap. VII; dans Mémoires d’une autre vie, p. 225.
١٨٢  على سبيل المثال «فلاح باريس» حيث يصوغ «أراجون» نظرية «الحديث الرائع» أو «الغامض في باريس» لجان دي بوسشير.
١٨٣  Labyrinthes, Messein, 1925, p. 69؛ يضم هذا الديوان قصائد قديمة للغاية، كانت ستنشر عام ١٩١٣م تحت عنوان Mauvais Chemins في la collection de Cinq، التي نشر فيها ديوان «إلى ريح الصبح المتشنجة»، انظر مقال Ph. Chabaneix sur Robert de la Vaissière et le poème en prose, dans La Bouteille à la Mer, 1re trimestre 1951.
١٨٤  تتكون قصيدة «Labyrinthes متاهات» هذه (ص٣٤–٣٧) من ثلاثة أجزاء: ويتذكر «كاركو» مقطعًا من الجزء الثالث، «مدينة الفوسفور» في Bohême d’Artiste, chap. IX.
١٨٥  D’écriture inconnue, Labyrinthes, p. 59.
١٨٦  السابق، الفصل المشار إليه، ص٧٦.
١٨٧  السابق، الفصل المشار إليه، ص٧١.
١٨٨  القصيدة عن «أنا ستيل» (Labyrinthes, p. 23)، ذكرها Ph. Chabaneix في مقاله عن la Vaissière, La Bouteille à la Mer, 1re trimestre 1951، ويخبرنا «كاركو» أن صديقه كان مهووسًا بديكور شارع «لاشابيل» و«البهو المظلم وخطوط سكك حديد محطة الشمال» (Mémoires d’une autre vie, p. 249)، حول Paris, mythe moderne، يمكننا قراءة تأملات R. Caillois dans Le mythe et l’homme, Les Essais, VI, Gallimard, 1938, pp. 180–206، وقارن بما سيلي تحت عنوان «أسطورة باريس وقصيدة النثر»، الفصل الثالث من القسم الثالث.
١٨٩  Un hôte de la nuit, dans Labyrinthes, p. 79.
١٩٠  Voyage, Labyrinthes, pp. 43–45.
١٩١  إنه هذا «العالم الإضافي» الذي تدرسه «الباتافيزيقا Pataphysique»، ما هو تعليمي ومسلٍّ (قارن ﺑ Gestes et opinions du Docteur Faustroll, Œuvres complètes de Jarry, Kaeser, Lausanne, t. I, p. 217).
الباتافيزيقا  Pataphysique: «علم الحلول الخيالية، الذي يمنح الملامح — بشكل رمزي — خصائص الأشياء الموصوفة بكمونها»، حسبما يقول «جاري» (م).
١٩٢  تلك هي — على الأقل — النية التي ينسبها له «أ. رينو» في مقدمته لديوان «بودلير» Petits poèmes en prose, Garnier, 1928.
١٩٣  هي «مرايا» و«محطة قطار منتصف الليل»، اللتين سنجدهما في Dérélicts, Rouen, 1933, (p. 41), p. 7 et p. 16.
١٩٤  «أؤمن بالحل المستقبلي لهاتين الحالتين المتناقضتين للغاية ظاهريًّا، واللتين هما الحلم والواقع، في نوع من الواقع المطلق، في «فوق واقعية surréalité»، إذا صح القول» (Premier Manifeste du Surréalisme, 1924, dans Les Manifestes du Surréalisme, édition du Sagittaire, 1947, p. 28).
١٩٥  De Baudelaire au Surréalisme, Corréa, 1933, p. 251.
١٩٦  حرص «أبوللينير» نفسه على الانفصال عن «تجمع الفانتازيين» في ملحوظة ترد في Soirées de Paris، أعاد «آيجيرتير» و«لابراشيري» نشرها في كتابهما Guillaume Apollinaire, Julliard, 1943, p. 211.
١٩٧  إنه واحد منهم، «ج. م. برنار»، الذي شن هجومًا رفيع الأسلوب على الشعر الحر (Œuvres, éd. du Divan, t. II, p. 331 et sq).
١٩٨  نشر حديث «دورتان» في Nouvelles Littéraires, Juillet 1924، وذكره C. Sénéchal, Luc Durtain el la rénovation de la langue par la sensation, Europe, 15 Août, 1926, p. 445.
١٩٩  L’Etape Nécessaire, reédition de 1938, Flammarion, p. 14.
٢٠٠  قارن بفقرة «المرحلة الضرورية» السابق ذكرها كمثال على «الإيقاع المنثور»، ص١٤٣.
٢٠١  L’Etape Nécessaire, reédition de 1938, Flammarion, p. 20.
٢٠٢  قارن بحالة رغد العيش ﻟ «البيروقراطي» و«العذابات العضوية التي ترجع إلى «العطش» … إلخ.
٢٠٣  مقدمة، ص١٥.
٢٠٤  هناك — بالفعل في قصائد نثر «المرحلة الضرورية» — أبنية غريبة تقوم على «تداعي» الكلمات: قارن ﺑ Description, pp. 148-149, Printemps, p. 81.
٢٠٥  M. Raymond, De Baudelaire au Surréalisme, Corréa, 1933, p. 242.
٢٠٦  انظر l’Adresse au Lecteur de la 1re édition، التي أعيد نشرها في طبعة عام ١٩٣٨م، ص٢٠٠.
٢٠٧  قام «دوهاميل» بالمقارنة بين شعر «دورتان» و«معرفة الشرق» في Les poètes et la poésie, Mercure de France, 1914, p. 241، وينبغي — رغم هذا — الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن «دورتان» صرح بأنه لم يعرف «كلوديل» (ولا الرمزية أيضًا) في الفترة التي كان يكتب فيها كتابه، بين عامي ١٩٠٠م و١٩٠٥م.
٢٠٨  Luc Durtain et la rénovation de la langue par la sensation, Europe, 15 Août, 1926, p. 446، انظر أيضًا لنفس المؤلف Luc Durtain et les Conquêtes du Monde, Cahiers du Sud, Mai 1930, pp. 288-289.
٢٠٩  Sur la Route, L’Etape Nécessaire, Flammarion, 1938, p. 73.
٢١٠  Adresse au Lecteur, L’Etape Nécessaire, p. 203.
٢١١  L’Etape Nécessaire, p. 150.
٢١٢  الجماعة الإجماعية  groupe unanimiste: مدرسة أديبة في أوائل القرن العشرين، تقوم على أن واجب الفنان إنما يكمن في التعبير عن الحياة الاجتماعية، من ممثلي هذه المدرسة «جول رومان» بفرنسا و«دوس باسوس» بالولايات المتحدة.
٢١٣  انظر ذكريات «دوهاميل» حول Le temps de la recherche, Mercure de France, 1er Février 1947, p. 289، وسنجد — في نفس هذه الذكريات — إشارة إلى «دورتان» عام ١٩٠٨م، في Mercure de France, 1er Mars 1947, p. 483.
٢١٤  Nouvelle Revue Française, Août 1909, p. 32.
٢١٥  السابق، في الفقرة المشار إليها، ص٣٧.
٢١٦  انظر Richli-Bidal, Après le Symbolisme, Retour à l’humain (Thèse d’Université, Presses Modernes, 1938), p. 15.
٢١٧  إجابة على استقصاء E. Henriot, A quoi rêvent les jeunes gens, Champion, 1913, p. 89.
٢١٨  في تفسيره عام ١٩٣٧م لعدم تعلق الجمهور حاليًّا بالشعر، سيذكر «رولان» في مقدمته ﻟ «الرجل الأبيض» (المكتوب عام ١٩٢٥م)، أن ذلك يرجع إلى أن «النثر، خلال الفترة التي تنحى النظم فيها، لم يكف عن الانفتاح أكثر للإحساس الشعري، وتوسيع مداه، وتنويع أنماطه» (ص١٣)، ولن يذكر قصيدة النثر بكلمة.
٢١٩  La Phalange, 15 Mars et 15 Juin 1908.
٢٢٠  Nouvelle Revue Française, Février 1913, p. 323، ولا شك أن هناك غنائية في هذه النثريات، لكن النغمة المألوفة والحكائية عن قصد في هذه الحكايات الصغيرة تحول دون اعتبارها قصائد.
٢٢١  Le temps de la recherche, Mercure de France, 1er Février 1947, p. 290.
٢٢٢  شاعر الآن «يحب الراهن»، مثلما يكتب «رومان» في مقاله La génération nouvelle, Nouvelle Revue Française, Août 1909, p. 31.
٢٢٣  لقي «بازالجيت» — على ما يقول «دوهاميل» — «ترحيبًا أخويًّا» من مجموعة «الدير»، المتحمسة لويتمان (Mercure de France, 1er Mars 1947, p. 499)، قارن ﺑ. Vildrac, cité par Mansell Jones, The background of modern French Poetry, Cambridge University Press, 1851, p. 88.
٢٢٤  Whitman, Chant de l’Exposition, traduit par P. Jamati (Whitman, dans Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1948, p. 184).
٢٢٥  Manifeste du Futurisme, Le Figaro, 20 Février 1909.
٢٢٦  Profond Aujourd’hui ، كتيب نشره «سندرار» عام ١٩١٧م، وأعيد نشره في Aujourd’hui, Grasset, 1931, pp. 10 et 13.
٢٢٧  محاضرة Sur les Poètes (Sâo-Paulo, 1924)، وأعيد نشرها في Aujourd’hui, p. 165.
٢٢٨  قارن بقصيدة «سالمون» التي تحمل عنوان «إيصال وردي والصحيفة الصغيرة»، في Le Livre et la bouteille، والقصيدة العاشرة من «تسع– عشرة قصيدة مرنة»، بعنوان «الساعة الأخيرة»، «قصيدة–تلغراف منقولة من باري–ميدي) (يناير ١٩١٤م): لقد نقل «سندرار» المنوعات ببساطة وقسمها إلى آيات.
والمثير أن نثريات «جيلوريه» المبتورة، التي يتزايد قصر فقراتها، تنحو إلى الشعر الحر، رغم أنها مكتوبة فيما بعد ذلك بكثير، وتذكرنا أحيانًا بسندرار: «انزلاق طويل عذب، كمان الانحناءات، آثار الأصوات، صلصلة الإبر، ضربات القلائد، ارتعاشة حديدية، جزر رماد فحم الحديد المرجانية، دوران أبواب الرواق الزجاجية، موسيقى القطارات على متوازياتهم اللانهائية» (Funiculaire, Messein, 1933، طبعة للقصائد المكتوبة بين عامي ١٩٢٠م و١٩٤٠م، نشرت بعد وفاة المؤلف).
٢٢٩  Lettre-Océan de Cendrars, dans Feuilles de route, I, Le Formose, Au Sans-Pareil, 1924.
٢٣٠  M. Raymond, De Baudelaire au Surréalisme, Corréa, 1933, p. 288.
٢٣١  L’Antitradition futuriste ، بيان (بتاريخ ٢٩ يونيو ١٩١٣م) أعيد نشره في Apollinaire, éd. de l’Esprit Nouveau، صفحات غير مرقمة.
٢٣٢  New Poetry, Complete prose works, II, p. 272, cité par Mansell Jones, the background of Modern French Poetry, Cambridge University Press, 1951, p. 81 (إعادة نشر لمقالٍ حول Whitman and the Symbolist، نشر في French Studies, Janvier 1948).
٢٣٣  محاضرة Sur les Poètes, dans Aujourd’hui, Grasset, 1931, p. 165.
٢٣٤  Train de soldats malades, Mots en liberté, par Marinette, dans vers et Prose, tome 33, (Avril-Mai-Juin 1913), p. 191.
٢٣٥  L’Antitradition futuriste, dans Apollinaire, éd. de l’Esprit Nouveau.
٢٣٦  Squaw Wigwam, dans Kodak, de Cendrars (Stock, 1924).
٢٣٧  Les Fenêtres, dans Calligrammes d’Apollinaire, 1918.
٢٣٨  حول هذا الموضوع، انظر Goffin, dans Entrer en Poésie, éd. Poésies, Paris, 1948, pp. 159–170, et M. Décaudin, Le “changement de font” d’Apollinaire, Revue des Sciences humaines, Décembre 1950, pp. 255–260.
والمزعج أن نرى كيف يعبد «أبوللينير» استخدام أدوات «سندرار»، إشارات أو صور (بطريقته الجديدة)، وبشكل متكرر، وسنلاحظ، على سبيل المثال، استعادة فكرة شعرية لسندرار، في البيتين الأخيرين من قصيدة «نوافذ» التي ذكرتها:
كل شيء لون حركة انفجار ضوء
تزدهر الحياة في نوافذ الشمس
التي تذوب في فمي
(إلى الأركان الخمسة، قصائد مرنة، بتاريخ فبراير ١٩١٤م)
٢٣٩  في بيانه حول L’Esprit Nouveau, Mercure de France, 1er Décembre 1918.
٢٤٠  إذ يمكننا الذهاب إلى أبعد من ذلك ونحلم باللحظة التي «يمتلك» فيها الشعراء «أساليب أكثر اتساعًا بفضل تركيب الفن» ليؤلفوا «الكتاب المرئي والممتد للمستقبل» (Apollinaire, L’Esprit Nouveau, Mercure de France, 1er Décembre 1918)، فالدعاية، والسينما، و«الإشارات الضوئية الملونة» هي الوسائل التي سيمتلكها شاعر المستقبل، حسبما يقول «سندرار» (Aujourd’hui, Grasset, 1931, p. 177).
٢٤١  Apollinaire, Les peintres cubistes, nouvelle édition, Cailler, Genève, 1950, p. 21.
٢٤٢  من المهم أن نميز جيدًا بين «زمنين» للتكعيبية، وهو ما يفسر صواب كل من «فرانكاستيل» و«موريس دوني»، عندما يقول الأول إن عالم التكعيبية هو «عالم ملموس»، فيما يرى الثاني أن التكعيبيين «لم يسعوا إلى تقديم الواقعي» (انظر Francastel, Nouveau dessin, nouvelle peinture, Librairie de Médicis, 1946, pp. 119 et 145)، ويشير «كانفايلر» — من جانبه — إلى أن الثورة التكعيبية، وقد بلغت أقصاها، «تصل إلى تدمير الاعتقاد في الوجود المادي لهذا العالم الخارجي الذي استبسلت في دراسته، فهي تعيده إلى مخيلة المبدع» (Juan Gris, N.R.F., 1946, p. 122).
٢٤٣  Les peintres cubistes, p. 26.
٢٤٤  Nord-Sud, numéro de Juin-Juillet 1917، قارن أيضًا بمقال «ريفيردي» حول التكعيبية، في العدد الأول من Nord-Sud, 15 Mars 1917.
٢٤٥  هكذا يعرف «هويغ» الغاية التكعيبية في Les Contemporains, Tisné, 1949, p. 58.
٢٤٦  يجسد البعد الرابع، مثلما يقول «أبوللينير»، «عظمة المكان الخالد في كل الاتجاهات في لحظة محددة، إنه المكان نفسه، بعد اللانهائي» (Les peintres cubistes, Cailler, Genève, 1950, p. 18).
٢٤٧  Du Cubisme, cité par Huyghe, Les Contemporaines, p. 58، ويستعيد «هوتكور» هذه الفكرة ويطورها في Littérature et peinture en France dy XVIII° au XX° siècle, Colin, 1942, p. 286، مقتصرًا — مع ذلك — على أن يخلص إلى أن التكعيبيين «لا يعبرون عن الديمومة مطلقًا، وإنما عن الصورة المباشرة للشيء.
٢٤٨  Self-Defence, 1919.
٢٤٩  Au temps de Guillaume Apollinaire, Julliard, 1945, pp. 211–215.
٢٥٠  السابق، في المقطع المشار إليه، ص٢١١.
٢٥١  نجد في «حوض الأسماك» لسوبول، عام ١٩١٧م (تحت عنوان «خيبة أمل») نوعًا من «القصيدة الرباعية الطباعية»: فالقصيدة تستمر بشكل متزامن على يسار ويمين الصفحة، على «مستويين» من الأفكار المختلفة.
٢٥٢  الذي يتبنى في «إيماءةٍ بريئة» عام ١٨٨٦م، تكوينًا «متعدد الأصوات»، مكتوبًا على يسار ويمين الصفحة في آنٍ، ويفترض أن يقوله صوت الرجل وصوت المرأة في نفس الوقت، انظر مقالي Le Coup de Dés de Mallarmé replacé dans la perspective historique, Revue d’histoire littéraire, Avril–Juin 1951, p. 193.
٢٥٣  Le livre de mon bord, Mercure de France, 1938, p. 132.
٢٥٤  ذكره «ف. لوفيفر»، الذي يتحدث باستفاضةٍ عن قصيدة النثر في فصله عن Cubisme littéraire de la jeune poésie français, Rouart, 1917, p. 202.
٢٥٥  Nord-Sud, 15 Mai 1917، «يريد الناس كلهم اليوم، حسبما يضيف كاتب الوقائع، أن يكونوا مخترعي قصيدة النثر وجماليتها التي تشكل قيمتها الكبرى، فات الوقت قليلًا، فرامبو قد توفي منذ فترة طويلة، لكن مؤلفه باقٍ»، هل ينبغي أن نرى هنا سهمًا مصوبًا ضد «ماكس جاكوب»؟
٢٥٦  يمكننا أن نطبق على القصيدة التكعيبية المقارنة التي يقوم بها «خوان جري» بين لوحةٍ تكعيبية ولعبة أوراق الكوتشينة التي خُلِّصت وجمعت بطريقة جديدة (محاضرة ألقيت عام ١٩٢٤م، وذكرها Kahnweiler, Juan Gris, N.R.F., 1946, p. 280).
٢٥٧  Art Poétique, Emile-Paul, 1922, p. 17.
٢٥٨  Nord-Sud, n° 13, Mars 1918.
٢٥٩  Art Poétique, p. 67 (حول قصيدة النثر مثلما أدركتها «جاكوب» في «كوب النرد»).
٢٦٠  Le secret professionnel, Stock, 1924, p. 53، قارن بما سيلي، الفصل الثاني من القسم الثالث.
٢٦١  نُشرت قصيدة «نقد الحلم» مع «الساحر المتعفن» Kahnweiler, 1909 (وتحمل تاريخ فبراير ١٩٠٨م)، وهذا النص أعيد نشره في Apollinaire, Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1947, pp. 183–187، وثمة آثار قصدية إلى هذا الحد أو ذاك من «رامبو» (ومن «جاري» أيضًا) تتضح هنا وهناك: فأشجار التفاح التي «كانت تغني وتصفر، ويحمر لونها»، تستدعي — على سبيل المثال — الزهور التي «تخور» في «مدن رامبو» (Œuvres de Rimbaud, Pléiade, p. 181).
٢٦٢  Guillaume Apollinaire, Julliard, 1943, p. 65.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥