الفصل الثاني

ما بعد الحرب العالمية والروح الجديدة

(١) الرواد: «ماكس جاكوب» و«كوب النرد»، «ب. ريفيردي»: التكعيبية الأدبية، شعر الصورة، غنائية الواقع.
(٢) التمرد الدادائي وهدم الأشكال الأدبية.
(٣) السيريالية وتأثيرها على قصيدة النثر.
  • (١)

    السيريالية ومشكلة اللغة.

  • (٢)

    السيريالية وقصيدة النثر: من الكتابة الآلية إلى القصيدة.

  • (٣)

    من «حقول مغناطيسية» إلى «أسماك، قابلة للذوبان»: شعر «بريتون».

  • (٤)

    قصائد «إيلوار».

  • (٥)

    حصاد السيريالية: إن لم تكن قد أنتجت أعمالًا (إلا مناقضةً لنفسها)، فقد مارست قوة محررة للفكر والتعبير الشعري في آن، لقد أعادت إلى الشعر، بفصله عن مساعي الجمال الشكلي. وظيفته الحيوية ودلالته الميتافيزيقية.

(٤) «جان كوكتو» والكهرباء الشعرية.

***

عند دراسته لأصول الشعر الجديد (في السنوات التي سبقت عام ١٩١٤م)، يصاب «مارسيل ريمون» بالحيرة — إلى حدٍّ بعيد — من ملاحظة «تيارين ذوي اتجاهين متعاكسين: محاولة تبني الواقع الإيجابي، الواقع «الآلي» لعصرنا، من ناحية، ومن ناحية أخرى، الرغبة في الانغلاق في نطاق «الأنا»، في عالم الحلم»،١ والحق أنه يمكننا أن نفاجأ (وأحيانًا لدى نفس الشاعر) بتعايش تمجيد الواقع وأكثر أشكال الحياة الحديثة اضطرابًا، مع اللجوء إلى الحلم ومكنونات اللاوعي، مع التداعيات الجريئة للكلمات: فيكتب «أبوللينير» «منطقة»، لكنه أيضًا يكتب «نقد الحلم»، و«جاكوب»، الذي يدعي أن على قصيدة النثر أن تكون «شيئًا مبنيًّا»،٢ يسمح بالصدفة، والتورية والتلاعب بالألفاظ وأكثر الأفكار مفاجأة، وتنشر «نوفيل روفي فرانسيز» — خلال ثلاثة شهور — مقالات ﻟ «ج. رومان» يشيد فيها بإرادة العودة إلى الواقع التي تتجلى لدى الجيل الجديد، ودراسة ﻟ «ريفيير» حول «ميتافيزيقا الحلم» والإمكانيات التي يقدمها استكشاف اللاوعي.٣
والواقع أن الموقفين ليسا متناقضين على نحو مطلق: فالواقع الذي ينتشي منه الشعراء الشبان في فترة ما بعد الحرب ليس بواقع ثابت، ساكن، يطيع قوانين لا تتغير، إنه واقع في حالة حركة، بل في دوامة، حيث يُعاد وضع جميع المفاهيم موضع التساؤل باستمرار، وحيث يصبح الفانتازي يوميًّا (نعلم تعجب «أبوللينير» من التصوير بالأشعة الذي مكنه من رؤية داخل جمجمته)، وتختلط مقولات الزمان والمكان بفعل أعمال إينشتاين، ويدخل اللامعقول العالم مع نظرية الكم، ويتولد لدينا الانطباع بأن النفس لا يمكنها الاستناد على شيء ثابت، في الوقت الذي يُترجم فيه التقدم المادي بالتزايد الدائم للسرعة، والتبادلات، وتحولات الوجود، وينجم عن كل هذا — مثلما يكتب عن حق تمامًا «هوينغ» — «خسوف العقل، أداة تنظيم النهائي وتمجيد «الحياة»، مصدر الطاقة و«الحيوية»، هذه الكلمة الجديدة»،٤ وبدلًا من الحديث عن «أزمة مفهوم الواقع»،٥ سيكون من الأنسب الحديث عن تحول مفهوم الواقع، بقدر ما يصبح أكثر تعقيدًا وأقل استقرارًا، وأيضًا «أزمة العقل»٦ على نحو خاص، وكل التنظيم العقلي القديم للكون.
هذا التمرد على العقل، وعلى الرؤية القديمة للعالم (التي رأيناها تتضح من قبل، تحت تأثير «رامبو»، في نهاية القرن الماضي)، قاد التوجه إلى «نزع ثقافة» الشعر، ورفض المقولات والمبادئ، وتفكيك الأشكال والأنواع: فالمثال «الجامد» للجمال القديم،٧ والخضوع للقواعد الثابتة شيء لم يعد له معنًى، في الأدب وفي العلم والأخلاق، وها هم التكعيبيون يهدفون لا إلى التنافر، وإنما إلى إعادة تنظيم الواقع، وتركيبهم للكلمات يجعلنا أحيانًا نتذكر الكيميائيين، في عنائهم من أجل تركيبات جديدة للعناصر وصولًا إلى استخلاص قوانين مجهولة للمادة، لكن عندما ستنهي الحرب تقويض أساس القيم التقليدية، ستسقط — في آنٍ — كل الأفكار المتعلقة بالشكل والتنظيم الشعري والأشكال القديمة للحضارة في الحطام، فلن يُبقي التمرد الدادائي على أيٍّ من أفكار القصيدة، أو تركيب الجملة، أو الإرادة الفنية أيًّا ما كانت، وبعد هذا الهدم الشامل، ستتمكن السيريالية من استعادة مفهوم الشعر من الأساس، وأن تجعل من الشعر وسيلة لا هدفًا، وسيلة اكتشاف، وانغماس في الواقع الإنساني والكوني: وسيلة تحطيم الحواجز العقلانية للوصول إلى نقطة «فوق واقعية» تزول فيها التناقضات، وفي هذا المنظور الجديد، ندرك أن التمييز القديم بين «شعر» و«نثر» لم يعد ذا بال، وأن مناهج الكتابة نفسها قد تجددت بشكل كامل، ولا شك أن رسائل اللاوعي ستسجل نثرًا في أغلب الأحوال، لكن هل يمكن الحديث — مرة أخرى — عن «قصيدة» حيث تتم إدانة «كل انشغال جمالي»،٨ وكل روح نقدية؟

هكذا ستتطور روح الفوضى والتمرد، الكامنة دائمًا في قصيدة النثر، وفقًا للظروف، إلى حد الإلغاء التام لقوى النظام والتنظيم الفني. مغامرة محفوفة بالمخاطرة سيكون علينا أن نتساءل ما الذي سيفقده الشعر خلالها، وما سيكسبه، لكنها — على أية حال — مغامرة ارتبط بها ما هو أكثر من مجرد مبادئ شكلية بسيطة.

(١) رواد الفكر الجديد: ماكس جاكوب وبيير ريفيردي

يستحق «جاكوب» و«ريفيردي»، «التكعيبيان الأدبيان»، المقاربة بينهما، لا لأنهما فحسب يتصوران القصيدة ﮐ «شيء» مبني يمتلك قوانينه العضوية، وإنما أيضًا لأن روحًا جديدة تتبدى في شعرهما، وتدفعهما لإفساح المجال للاوعي، والمجهول، والغامض، وبينما يسعد «جاكوب»، الأكثر فانتازية، بتداعيات الكلمات، وتأثيرات المفاجأة أو الخداع، يواصل «ريفيردي» الاستكشاف في عمق الواقع وجانب الغموض الذي ينطوي عليه، ومن ناحية أخرى، فإن الطريقة التي يدرك بها كلاهما الشعر في عصرنا يرد ذكرها في تعريف «جاكوب» هذا:
القوافي الغنية بشكل مفرط وغياب القوافي، والرحلات، وأسماء الشوارع واللافتات، وذكريات القراءة، ولغة العامة في الحوار، وما يحدث في الجانب الآخر من خط الاستواء، والانفلاتات المفاجئة، والمظهر الحالم، والنتائج غير المتوقعة، وتداعيات الكلمات والأفكار، تلك هي الروح الجديدة. «تنافر»، يقول أعداؤنا، لماذا إذن لا يمكن أبدًا تقليد أفضل الشعراء الحدثين؟ ذلك لأنهم يملكون وحدة الإحساس والذائقة.٩
الذي يمكن أن نضع إزاءه تأملات «ريفيردي» هذه:

فالغنائية التي تذهب نحو المجهول، نحو العمق، تساهم بطبيعة الحال في الغموض، والجزء المخصص للغموض، والوعي به، وما قرر الشعراء الحديثون الاستفادة به، يميزون حقبتنا.

إنها تولد من ارتباط كلمتين لأول مرة وبإحكام، إنها تنبثق من صورة غريبة، قوية، مفاجئة، وحقيقية، قادرة على إحلال نتاج جديد للروح في الواقع، وهي تكمن في جملة يؤدي غموض دلالتها ونوعية الكلمات التي تتألف منها إلى تعليقها فوق مجرى أفكارنا الطبيعي، وهي في كل مرة يقوم بها الشاعر بتخطي نفسه.١٠

ولا شك أن هذه الجمل القليلة تسمح برؤية ما يفصل «جاكوب» عن «ريفيردي»، لكن ما يمنح أيضًا محاولاتهما طابعًا مشتركًا، وما يعلن — من الآن — ميلاد السيريالية: باعتبارها مطاردة لكشف ما هو خبيء في الواقع، الذي تحول عاداتنا و«القواعد» الفنية من رؤيته؛ لذا ينشأ لدى كل منهما إرادة تجديد التعبير والتقنية الشعرية، اللذين سيتم بلا شك تطبيقهما على النظم، وأيضًا على قصيدة النثر، التي تحتل مكانة هامة في إنتاجهما الشعري.

ماكس جاكوب و«كوب النرد»

رجلٌ فنان محيِّر، «ماكس جاكوب» هو ساحر ومخادع في آن، صاحب نظرية «الإرادة» في الفن، ومن أنصار «الكلمات الحرة»، فلم تراعِ سخريته أي شيء — ولا حتى مشاعره الدينية، بعد هدايته (عام ١٩٠٩م)، التي كان يعلن عنها بشكل مسرحي وبحركات بهلوانية، إلى حد أن أصدقاءه كانوا بالكاد يصدقونه، «كان يمثل محاكاته الساخرة التي تخصه، مثلما يقول «بيلي»، لكن هذا التمثيل لا ينفي أصالة مأساة ليس من الصعب إدراكها»،١١ في «كوب النرد» هذا — المنشور عام ١٩١٧م، والذي يضم نثريات حديثة وأخرى قديمة ترجع إلى عشر سنوات،١٢ كان «جاكوب» يقرؤها أولًا بأول على جيرانه في شارع «رافينيان»، بيكاسو، وسالمون، وماك أورلان١٣ — نجد نفس الخليط العجيب من المحاكاة الساخرة الهدامة والإيمان بالفن، ويتكون جزءٌ كبير من «كوب النرد» من محاكاة ساخرة، يفسرها — في آن — مزاج «جاكوب» الهزلي والسخط الذي نستشعره لديه دائمًا إزاء الحماقة الصائبة والعقلية الإذعانية، في الأسلوب مثلما في الأفكار،١٤ لكن مع هذا الجانب السلبي، نجد — في «كوب النرد» — بحثًا قلقًا عن «شيءٍ آخر»، نوعًا من النداء ﻟ «المجهول»، ينطلق بمعونة كل مصادر اللاوعين ويعلن عن السيريالية، ونجد فيه أيضًا — وهو ما يميز «جاكوب» عن السيرياليين — نظرية لقصيدة النثر، ورغبة في تأسيس نوع ومنحه قوانينه الجمالية، قوانين تستند أساسًا — مثلما قلنا — على الإرادة «التكعيبية» في جعل القصيدة شيئًا، كلًّا منغلقًا، ونرى أن «كوب النرد»، الذي يقع في منعطف تاريخ قصيدة النثر، قد منحها دوافع حاسمة، ولذلك، فهو يستحق دراسة أكثر تعمقًا.
ويهمنا جانب المحاكاة الساخرة في هذا الديوان، لا لأنه يتوجه فحسب إلى البورجوازية و«الأفكار المسبقة» (سنبدي إعجابنا بهذه العناوين: «السيد رئيس الجمهورية يتفقد معرض البستاني»، «الفقراء غير المتحولين وغيرهم»، «ليلية الترددات الأسرية»)، وإنما أيضًا نحو أنواع أدبية مختلفة، بدءًا بالصحافة» («بحث حول وضع الخادمات في المكسيك»)، والرواية المسلسلة، وصولًا إلى الأنواع القائمة في أعلى السلم الأدبي: «قليل من النقد الفني»، «نوع يتعلق بالسيرة الذاتية»، وعلى نحو خاص، تلك المحاكاة الساخرة — وهي رائعة أدبية حقيقية — «قصيدة فخيمة» التي يعزف فيها «جاكوب» على الوتر الوطني، ويضاعف التساؤلات الخطابية على طريقة «هوجو»: «أي متنزهات» هذه؟ أي «غضبات» هذه؟ أهي فرنسا تضع قبعة فريجية؟١٥ أهي أنتِ يا إنجلترا؟»،١٦ والمناجاة بأسلوب «بردي الأحرار»: «أيا نابليون! أيا نابليون! ها قد ولدنا وها قد متنا»، ويستعيد — بأكثر الطرق «فنية» — جملة البداية لينهي بها القصيدة.
ولا شك أن قصيدة النثر التي تملك مكانةً جيدة في قاعة عرض هذه الصور الهزلية، والقصيدة «المترجمة من الألمانية أو البوسنية»،١٧ التي تتخذ شكل نشيد غنائي، مع مقاطع، وتكرارات، ونزهات بين الأشباح، قصيدة ناجحة حقًّا، وإذا اكتفت القصيدة التي تبدأ بالعبارة التوجيهية «إليك يا رامبو» بالاستفادة من الأحاسيس المتزامنة («تعثر حصاني في ثنائيات الأسنان! تتعالى العلامات حتى السماء الخضراء لروحي»)،١٨ فإن معارضات «بودلير» تكون أكثر نجاحًا: تذكرنا إحداها بتكوينها بقصيدة «وجوه عشيقات» و«نداءات»،١٩ وأخرى، «أحد أيامي»، تقلد إلى حدٍّ غريب إلهام قصيدة «في الساعة الواحدة صباحًا» وشكلها:
أن تريد نقل الماء بالمضخة بوعائين زرقاوين، أن يصيبك الدوار بسبب ارتفاع السلم، أن تعود لأنني كان لديَّ وعاء إضافي وألا يعاود الذهاب إلى المضخة بسبب الدوار، أن أخرج لشراء صينية لمصباحي … إلخ، إلخ.٢٠
يمكننا أن نرى، في هذه «القصيدة» الأخيرة، استخدامًا منحرفًا إلى حدٍّ بعيد ﻟ «العادي»، يذكرنا ببعض أساليب «لوتريامون»، ففي كلا العملين، نجد خليطًا متفجرًا من السطحية والشطط يجعل منهما «آلتين جهنميتين» حقيقيتين لتدمير الأدب، فأحيانًا ما يروي «جاكوب» بوقارٍ مصطنع حقائق بديهية أو تفاصيل تافهة،٢١ وأحيانًا ما يرصد بلهجة رتيبة وطبيعية متتالية من الغرائب: ففي عرض في دار الأوبرا:
حدثت اغتيالات لجاري، ودفقات بترول مشتعل، حدثت حصارات للمقصورات، وحصار لخشبة المسرح، وحصار لمقعد متحرك، هذه المعركة التي استمرت ثمانية عشر يومًا، وربما يكونون قد زودوا المعسكرين بالمؤن، لا أدري، لكن ما أدريه جيدًا، هو أن الصحفيين أتوا من أجل مشهد بهذه البشاعة، وأن واحدًا منهم لأنه كان مريضًا أرسل السيدة والدته، وأن هذه اهتمت للغاية برباطة جأش بنبيل فرنسي ظل متمسكًا ثماينة عشر يومًا في مقدمة المسرح دون أن يتناول أي شيء سوى بعض الحساء.٢٢
لكن الأسلوب الذي ينتمي إلى «ماكس جاكوب» حقًّا هو الشعوذة اللفظية، الاستفادة من مصادفات التعبير المضحكة، ومن تداعيات الكلمات بفعل الجناس، التي تمنح القصيدة مظهر تنظيم مفتعل، يتبدى تحته تنافر هزلي، وستعطي القصيدة المكرسة ﻟ «النوع البيوجرافي»، التي سأوردها كاملة، فكرة عن شكل «منطق العبث» هذا:
بالفعل، في سن ثلاثة أعوام، كان كاتب هذه السطور لافتًا للنظر: كان قد صنع صورة وجه بوابته من كرة–تمرير، بلون الصلصال، في اللحظة التي كانت فيها هذه، وعيناها مغرورقتان بالدموع، تنزع ريش دجاجة، كانت الدجاجة تعرض رقبة أفلاطونية، والواقع لم تكن كرة التمرير هذه سوى تمرير وقت، والخلاصة، فاللافت للنظر أنه لم يلفت النظر: لافت للنظر، لكنه غير مؤسف؛ إذ لو لفت النظر، لما كان سيصبح لافتًا للنظر، كانوا سيوقفونه في مهنته، وهو ما كان سيدعو للأسف، واللافت للنظر أنه كان سيبعث على الأسى والأسف أن يكون قد لفت النظر، ودجاجة كرة–التمرير كانت أوزة.٢٣
فأن يستخلص «ماكس جاكوب» جانبًا فكهًا من تلاعب بالألفاظ من هذا القبيل، الذي كان يستمتع به دائمًا بمرح شهواني، مثلما يقول كل من عرفوه،٢٤ فهو ما لا شك فيه،٢٥ لكننا بلا شك سنتقبل — بصعوبة أكبر — أن ينجم من تلاعب كهذا بالألفاظ منهج كامل في الإبداع الشعري، ورغم هذا، فثمة رغبة هنا في «ترك المبادرة للكلمات»، وفي استعادة تعبير «مالارميه»، الاستلام لقوى اللغة المتروكة لذاتها، بمعنًى ما، لتذهب إلى أبعد من التسلية البسيطة بكثير: فلا ينبغي للمتلاعب، هنا أيضًا، أن يخفي علينا رمزه.
ولنؤكد — من ناحية أخرى، فيما يتعلق بجاكوب — أن تيارًا واسعًا، سيؤدي إلى السيريالية، سيجتذب عددًا من الشعراء الحديثين إلى اللجوء إلى اللغة، من خلال محاولات — في أغلب الأحيان — سخيفة، من الوهلة الأولى، فخلف الترديد المريض للكلام والشعوذة اللفظية لدى شعراء القرن العشرين، التي كثيرًا ما تُحير القارئ كثيرًا ما يختبئ نداء قلق للمجهول، ورغبة في رؤية قيام علاقات جديدة بين الكلمات المتقاربة في إصاتاتها، علاقات عبثية بالنسبة للوعي الواضح، كاشفة ربما بالنسبة لمن يؤمن بالقوة الخفية ﻟ «الكلمة»، هذه النزعة التي ستتزايد قوتها بقدر ما يفقد العقل الخالص حقوقه في الإبداع الشعري، تنحو إلى تقريب الشعر من بعض المساعي «القبلانية»، من جهد العثور على مفتاح أبجدية أصبحت غامضة علينا، وستؤدي معرفتها إلى فتح «أسرار خلق الكون»،٢٦ والنظرية التي تريد للكلمات ألا تصبح إشارات اعتباطية، بل تشكل نظامًا كاملًا وعضويًّا حيث تربط الصوت والمعنى علاقات ليست طارئة بل ضرورية، قد أغوت — مثلما يلاحظ «مارسيل جان» أو «أرباد متزي» — «أكثر مفكري الإنسانية عمقًا»٢٧ منذ «أفلاطون» و«محاورة كراتيل»، ولا يدخل في موضوع هنا أن أعرض وأناقش مختلف مظاهر هذه النظرية، وسيكون عليَّ — من ناحية أخرى — أن أعود إلى تطبيقاتها بصدد «التلاعب بالألفاظ» لدى السيرياليين، وسأكتفي بذكر «فابر دوليفيه» وأعماله،٢٨ و«هوجو» وعمله «نومِن نومين»،٢٩ و«مالارميه» وملاحظاته حول «الكلمات الإنجليزية»، والتذكير بوجود رواد مباشرين لجاكوب من بين الشعراء: فبينما يستمتع «فارج» — في «رقاصو الضغط»٣٠ — بتمزيق وإعادة خلق كلمات من نمط Batiplantes و«حدائق جنول» (لكنه سيكون أفضل بكثير فيما بعد)، وخلال شهرة «كارول» ومؤلفه «غمغمة هازئة» لدى الجمهور الإنجليزي،٣١ كان «جاري» يستخدم «التلاعب بالألفاظ» لأهداف ليست شعرية فحسبن بل هيرمسية٣٢ أيضًا في «الحب المطلق»،٣٣ و«ريمون روسيل» المحير على نحو خاص — الذي نشر عام ١٩٠٠م٣٤ — الحكايات الأولى المكتوبة حسب «منهجه» الشعري الرائع، الذي يتمثل بالتحديد في البدء بكلمات جناسية أو متماثلة في الصوت، ليؤسس — «من خلال التلاعب المزدوج بالإشارات والدلالات» — «محددات شعرية»،٣٥ أي ما يسميه معادلات وقائع،٣٦ فعلى سبيل المثال، تنشأ — في «نقرة» — قصة معقدة بكاملها من التلاعب بالألفاظ حول les vers de la doublure dans la pièce du Forban talon rouge = أبيات الممثلة البديلة في مسرحية «فوربان ذو الكعب الأحمر» (بمعنى مسرحية شعرية، والدور المزدوج الذي يؤديه ممثلان) وles vers de la doublure dans la pièce du fort pantalon rouge (بمعنى قطعة قماش أكلها الدود)، ولن أذهب إلى حد القول إن هذا المنهج، الذي ينطلق من الكلمات بدلًا من أن ينتهي إليها، يولِّد لُقًى شعرية فريدة للغاية أو انقلابات روائية ذات إثارة نابضة (كتبت رواية «انطباع من أفريقيا» المذهلة وفقًا لهذه الطريقة …) والمهم أن نشير — مثلما فعل «روسيل» نفسه٣٧ — إلى وجود نسق شعري نثري هنا، حيث يصبح ازدواج صوت ذي معنيين مختلفين معادلًا لنسق القافية، ما دام يمكن القول إن هناك «اختلاف المتطابق» في الحالتين: فالكاتب الذي أقام حكايةً وفقًا لبعض الكلمات المتاحة مسبقًا لا يختلف كثيرًا عن الشاعر الذي ينسق جمله من أجل «كلمة–قافية» يمكن بالفعل أن تكون موجودة سلفًا في ذهنه بالمعنى المنطقي، ولا يبقى سوى تحديدها.
وفي حالة «جاكوب» أيضًا — كي نعود إليه — كثيرًا ما يحدث أن تنتظم القصيدة بكاملها (القصيرة للغاية في أغلب الأحيان، فضلًا عن ذلك) حول تلاعب بالألفاظ، وتماثل في الأصوات، فنحصل — على سبيل المثال — على ما يلي:
هذا الألماني كان مجنونًا بالفن، والأوشحة foulards والدجاج السمين poulards، وفي بلاده ترتسم «الأميرة كلود» على الأوشحة، على المائدة، نعلم أيضًا من يتسكع حول الدجاج السمين.٣٨
أو هذه «القصيدة» الأخرى التي تستعيد — وفقًا لبيلفال — موضوع «البجعة» المالارمية:
«برايزيرو»، zero صفر! إنه مغتاظ لأنه ليس مثلثًا مزودًا بأجنحة سوداء، إنه يعض ذيله، وتقطعه خطوط حديد زرقاء تسخر من نفسها، تخططه le raient وتسخر منه le raiellent.٣٩
إنها — بلا شك — عميلة شعرية معروفة؛ إذ تتم «البلورة» حول كلمة من كل معقد من المشاعر والصور، المنقادة بالأصداء الشعورية للكلمة فينا، لا ﺑ «معنى» الكلمة، بل بالتلاعب بالإصاتات والتشابهات: وقد تباهى «بو» بأنه بنى قصيدة «الغراب» بكاملها انطلاقًا من كلمة «Never more = لا أبدًا بعد ذلك»، ويربط «مالارميه» بكلمة «pénultième = قبل الأخير» جميع الإيحاءات التي لا علاقة لها بمعنى هذه الكلمة النحوي، ومن هنا، ننتقل إلى استخدام الكلمة خارج كل قيمة منطقية، باعتبارها رمزًا — على سبيل المثال — لحالة شعورية: فعندما يكتب مؤلف «مستنقعات»: «chemin bordé d’aristoloches = طريق تحده النباتات المتسلقة»، فإنه يجد «نباتات متسلقة» تعبر جيدًا عن كآبة رحلته،٤٠ وبالنسبة لجاكوب، تستدعى نفس الكلمة «l’aristocratie = الأرستقراطية» للتشابه الصوتي: وسيقيم بذلك — حول كلمات «aristoloche = نباتات متسلقة» و«aristocratique = أرستقراطي» و«aristide = أريستيد» قصيدة بكاملها «عن الفن الأريستي» سيكون إطارها «فندق دوقة ﻫ …»٤١
وعندما يترك الفنان «الكلمات الحرة» تقترح عليه تداعيات الأفكار، وصورًا مفاجئة، واكتشافات أدبية أو غيرها، فمن البدهي أنه يتخلى جزئيًّا — شاء أم أبى — عن دوره الإبداعي: وسيمتدح السيرياليون — من ناحية أخرى — هذه الحالة السلبية للذهن، على أمل أن يلتقطوا منها، خارج كل مقصد شعري، الرسائل «التي يمليها» اللاوعي، ورغم أن «ماكس جاكوب»، إذا كان قد اعترف بأنه دأب على أن يلتقط في نفسه «بكل الطرق، معطيات اللاوعي: الكلمات الحرة، والتداعيات الخطرة للأفكار، وأحلام الليل والنهار، والهلوسات … إلخ»،٤٢ فإنه لا يريد التخلي عن كل روح نقدية وكل إرادة تنظيمية: ﻓ «الإرادة هي جوهر كل فن، حسبما يقول عام ١٩١٧م، والأدوات هي الشكل الذي يتخذه، والفكرة، والأفكار، حتى «الكلمات الحرة» يمكن أن تنبع من هؤلاء»،٤٣ ونتعرف هنا على الفكرة التكعيبية القائلة بإمكانية استخدام الفنان لكل المواد التي يتيحها له الواقع، ابتداءً بالعناصر الأكثر انحطاطًا للواقع الملموس، وصولًا إلى «معطيات اللاوعي»، بشرط أن يعيد تجميعها بفنٍّ ودقة، وألا ينشغل «إلا بالقصيدة ذاتها، أي بتوافق الكلمات، والصور، وتداعيهما المتبادل والدائم».٤٤

والواقع أن «جاكوب» — عندما يركب الصور، على نحو خاص، وعندما يرسم لوحات، وعندما يصف رؤى الحلم أو «هلوسات»، فإنه يبدو لنا شاعرًا إراديًّا، شاعرًا رسامًا، وهو ينظم الأشكال والألوان في عالم خاص به.

ويحدث أن يبني «ماكس جاكوب» قصيدة بكاملها حول استعارة «بصرية visualisée»، إن تجرأت على استخدام هذا المصطلح: هكذا، في «هل الشمس وثنية؟»، إحدى قصائده الأولى التي تنتظم حول الاستعارة «ضربة شمس»، ويحدث له أن يخط قصيدة موجزة انطلاقًا من تداعٍ مدهش للصور:
أوحت لعبة الدومينو على السجادة بالموت ولم تكن المريلة البيضاء للخادمة مصنوعة لاستبعاد هذه الفكرة.٤٥
لكنه يتلاعب — في أغلب الأحيان — بالصور التي تقدم له الواقع، أو يشوهها خياله، ويحولها، ويخلق منها رؤًى غريبة تتخذ أحيانًا قوة هلاوسية، وقد وصف لنا هو نفسه، في «قصيدة صغيرة»، كيف استطاع رؤية أشياء وأشخاص في ستائر غرفته وهو طفل،٤٦ وكيف — في قصيدة «لغز السماء» — يمكن لغيوم أن تبدو مثل «رءوس عجائز هائلة»،٤٧ إنها ألعاب خيال عادية، لكن الأكثر براعة هي طريقة وصف لوحة لنا نراها تتحول بين يدي الرسام (في قصيدة «أمنية  Omnia»، حيث يتشوه المنظر الطبيعي ويتلاشى،)،٤٨ أو لوحة يدخل فيها الرسام فجأة ويسير، مثل «أليس» إلى حدٍّ ما، وهي تعبر من خلال المرآة:
الدخول في هذا المنظر الطبيعي التوراتي! لكنه حفر على الخشب: خط من البيوت غير المتساوية، ساحل رملي وراء مجرًى مائي، مجرًى مائي وراء نخلة، هذا يصور «سان ماتوريل»، رواية لماكس جاكوب، أنا والآنسة ليوني نتنزه فيها، لم أعلم أنهم حملوا حقائب في هذا الكتاب.٤٩
هذا الميل إلى التحول، وإلى «مبدأ اللاهوية» (وهو ميل متأصل لدى «جاكوب»، ويفسر محاكاته الساخرة ونزعته الهيولانية protéisme) يؤدي إلى تفصيل معين لنصوص الأحلام، أحلام تؤلف فيها الكائنات والأشياء وذكريات الحياة الواقعية وإبداعات الخيال مشاهد شبحية غريبة، دائرة أطياف بلا قوام، تحافظ فيها مشاعر القلق والضيق أو التأنيب الذي لا تفسير له على حقيقتها وكثافتها: وهو ما نجده في «قصيدة»، التي يجعل جاكوب «أخاه الأفريقي»،٥٠ يتدخل فيها، وحيث تظهر — ثم تتلاشى — عناصر شاذة، أو في قصيدة «رحلة»، حيث تبشر سلسلة الجهود والإخفاقات الشاذة بكافكا بغرابة،٥١ أو أيضًا في قصيدة «حياة طالب»، هنا أيضًا يتبدى «جاكوب» رائدًا للسيريالية (دون أن يكون الأول في ذلك): وسنرى السيرياليين الشبان — فضلًا عن ذلك — يعتبرونه، حوالي عام ١٩١٩م، واحدًا من أساتذتهم، ويعيدون نشر بعض قصائده المنظومة وقصائده النثر، في مجلة «ليتيراتور»، والحق إن المهم — هذه المرة أيضًا — أن نضع الحدود: أعلم جيدًا أن «جاكوب» قدم أشعاره عام ١٩٠٩م التي تلمح إلى الحرب (التي تمثل نوعًا من الرؤى أو الأحلام)، باعتبارها نصوصًا «نبوئية»، ومُلهمة٥٢ إذا صح القول، لكن ذلك ليس موقفه المعتاد، فإذا ما كان هناك مناخ من الغرابة الغريبة يغمر أحيانًا قصائده، فهو يدعي مسئوليته المتبصرة عنه، ويضع — كمبدأ فني — ضرورة تحديد موقع المؤلف، أي إعادة زرع  transplanter القارئ.
فلنلخص — بسرعة إذن — نظرية قصيدة النثر، ما دامت موجودة، مثلما وردت في مقدمة «كوب النرد» عام ١٩١٦م، بطريقة ليست دائمًا واضحة، فلن يمكننا — أي شيء أفضل من ذلك — من رؤية دور «جاكوب» الإيجابي في قصيدة النثر.٥٣
«كتبوا الكثير من قصائد النثر منذ ثلاثين أو أربعين عامًا، ولا أعرف مطلقًا أي شاعر أدرك ما الذي يعنيه ذلك»،٥٤ حسبما يصرح «جاكوب» بتأكيد متعالٍ في مقدمة «كوب النرد». كان تعريف قصيدة النثر، ومنحها قوانينها، محجوزًا إذن لمؤلف «كوب النرد»، والواقع أن ثمة «تركيبًا شكليًّا لقصيدة النثر»٥٥ تتميز من خلاله عن النثر الشعري (الذي يستبعده «جاكوب»، بشكل جيد، في بضع كلمات،)٥٦ قوانين قصيدة النثر؟ إنه يرصدها على عجل:
المساحة لا تعني شيئًا بالنسبة لجمال العمل، فوضعه وأسلوبه هما كل شيء فيه.٥٧
وتضم هذه القاعدة الذهبية ما هو جوهري: أولًا ينبغي على العمل أن يكون موجزًا، «فمن الصعب أن يكون جميلًا لمدة طويلة»، والنصوص الطويلة تفتقر إلى الوحدة (والواقع أننا سنلاحظ أن قصائد «كوب النرد» موجزة كلها، وأحيانًا موجزة للغاية، إلى حد أن نتساءل عن وجود مبالغة في الاتجاه المعاكس، وعما إذا كانت «يصنعون العلف في جناح إرمينوفيل» على سبيل المثال٥٨ — هي قصيدة حقًّا).
وعلى العمل — في المقام الثاني — أن يحدد موقعه، أي «يبتعد عن الموضوع»:٥٩ بمعنى أنه لا ينبغي أن نصف الواقع بالخضوع لما يمليه علينا المنطق والعادة، لكن أن نفسر، ونعيد خلق، أو — كما يقول «ماكس جاكوب» — «إعادة زرع»: ندرك أن العمل قد تحدد موقعه «من الصدمة الصغيرة التي نتلقاها منه أو أيضًا من الهامش المحيط به، والمناخ الخاص الذي يتحرك فيه»،٦٠ فمسرح «موسيه» — على سبيل المثال — ومؤلفات «مالارميه» محددة الموقع.
لكن على القصيدة — فضلًا عن ذلك — أن تتوفر على أسلوب: فالأسلوب، شأنه شأن الفن (حيث الكلمتان مترادفتان)، هو «إرادة التجسيد بأساليب منتقاة»،٦١ ويؤكد «جاكوب» «أنه لا يستخدم الكلمة إلا بمعناها المألوف: «فالأسلوب هنا يعتبر نوعًا من إخراج المواد في شكل مؤلف ونوعًا من تأليف الكل، لا نوعًا من لغة الكاتب»،٦٢ فعلى الأسلوب — حسبما يقول أيضًا بطريقة معبرة للغاية — أن «يمنح الإحساس بالمغلق»،٦٣ على العمل إذن أن يكون مبنيًّا، ويشكل كلًّا مستقلًّا (دائمًا نظرية القصيدة–الشيء!) وسيؤكد «جاكوب» فيما بعد على أن إرادة الوحدة هذه تتبدى في «كوب النرد»، حيث تُلاحظ على النحو التالي: «(١) إن النغمة لا تتغير من سطر إلى آخر مثلما لدى «برتران»، (٢) إذا ما كانت كلمة أو جملة تتوافق مع الكل، فإننا لا نهتم بما إذا كانت هذه الجملة أو الكلمة تصويرية، تتوافق مع الحكاية الخاصة للقصيدة أم لا»،٦٤ وينجم عن ذلك المخاطرة بالتأكيد بالانتهاء إلى بعض التفكك الواضح … (يعترف «جاكوب» بأنهم آخذوه على ذلك): وعلى أية حال، فلن نستطيع اتهام مؤلف «كوب النرد» بالاستسلام لتسهيلات الكتابة الآلية، لكن لماذا يشعر «جاكوب» بالرغبة الغريبة في «تعنيف» أسلافه؟ فبرتران «ليس سوى حكاء نثري ورسام عنيف ورومانتيكي» (إن مؤاخذة «برتران» على افتقاره إلى الأسلوب لمبالغة)، و«الحكم البودليرية والمالارمية»، تؤدي إلى الخلط بين قصيدة النثر والحكاية الخرافية،٦٥ و«رامبو» «لا يتوفر على أسلوب ولا على موقف»، و«لا يؤدي إلا إلى الفوضى والسخط»،٦٦ إن السخط هو ما أعتقد أنني أحدس به خلف هذا الهجوم الأحمق للغاية: فقد تولد لدى «جاكوب» من كثرة سماعه تحيات معاصريه لرامبو، باعتباره — عن حق — سيد قصيدة النثر وتقنيًّا بلا نظير.٦٧
إنها نظرية «الموقف situation» التي تبدو لي أكثر أهمية، وبالتالي أكثر ثراءً، فإعادة زرع القارئ في عالم مختلف، و«الترغيب» (وهي أدوات شعرية مؤثرة للغاية لدى «رامبو» و«لوتريامون» و«جاري») سيؤديان — ربما أكثر من أي شيء آخر — إلى تمييز قصيدة النثر الحديثة، إلى حد جعل المساعي الشكلية، وموسيقى الجملة، والتأثيرات الفنية الخالصة، بلا جدوى، وإلى حد يكاد يصبح فيه مستحيلًا — في الحساب الأخير — التمييز، على سبيل المثال، بين النص والقصيدة: فيمكن لنص لميشو، وأقصوصة لكافكا، أن يتوفرا على نفس الطاقة الشعرية الكامنة في قصيدة نثر أو نظم.
لكن، فلنأخذ قصيدة نثر «ماكس جاكوب» هذه (وهي إحدى القصائد «النبوئية»):
الشوارع الخارجية الكبيرة، تمتلئ بالثلج ليلًا، ورجال العصابات عساكر، يهاجمونني بضحكات وسيوف وينهبونني، أنقذ نفسي لأسقط في مربع آخر، هل هو فناء ثكنة، أم فناء فندق؟ كم من السيوف! كم من الرماح! الثلج يساقط! يخزونني بحقنة: إنه سم لقتلي، تعض إصبعي رأس هيكل عظمي مغطاة بقماش الكريب، وترمي قناديل غامضة على الجليد ضوء موتي.٦٨
من أين يأتي الشعر هنا؟ ليس بالتأكيد من الصياغات الفنية، أو من توازن إيقاعي (لدينا هنا إيقاع منثور عن عمد، بدون أية موسيقية، وجمل سريعة ومتنافرة)، ولا أيضًا من اختيار المفردات النادرة أو «الشعرية»: «فالصورة الشعرية — مثلما يشير «م. ريمون» في حديثه عن هذا النص — غالبًا ما تحل محلها الإشارة المباشرة، فاللغة تستند على أساس شفاهي، ولا ترقى — في أغلب الأحوال — فوق الجملة المستخدمة في الكلام»،٦٩ فما يعيد زرعنا هنا هو فانتازية الرؤية نفسها، التي يزيد منها عدم تحديد التفاصيل، لتغمرنا هنا في قلب الكابوس، ويضيف «م. ريمون»: وبدهي أن حضور هذا الانسياب يمكن أن يتبدى خارج الشعر، وخارج القصيدة»، فنحن نتوجه نحو مفهوم شعر «مفتوح» غير مرتبط — حتمًا — بالشكل (هو شعر يمكن ترجمته بلا عواقب خطيرة)، شعر الحلم، والسرد الفانتازي أو العبثي، شعر «المناخ»، إذا شئنا، الذي سيكتشفه السيرياليون في الروايات السوداء، وفي مؤلفات «لويس كارول» أو في «نصوص الأحلام» التي تمتلئ بها المجلات السيريالية.
أما بالنسبة لجاكوب، فإن المبالغة في الانشغال ﺑ الشكل لا تسمح له بقبول فوضى كهذه: فقصائده هي قصائد لأنها تنحو — بالتحديد — إلى ألا تعبر عن أي شيء سوى نفسها، «ولا أهمية للموضوع فيها»،٧٠ فهو يجمع بعض العناصر، والكلمات، والصور، والأماكن المألوفة، والأشياء الملموسة، مع مزيد من الاهتمام بالمحافظة على وحدة النغمة أكثر من انشغاله بحكي قصة، وقد يحدث — من ناحية أخرى — أن تظل القصيدة، إذا ما اتخذت شكل السرد، بلا حل، لتقودنا إلى طريق مسدود؛ لأن ذلك هو بالتحديد منطقها الشعري (مثلما في «قصيدة»، أو «مسألة قانونية»)،٧١ وعلى النقيض، لا يرفض «جاكوب» التكوين الكلاسيكي، ولا حتى خطابية ما، إذا ما كان هذا هو أسلوب القصيدة: على سبيل المثال، قصيدة «شارع رافينيان».
وعلى العموم، يمكننا أن نخلص من تصريحات «ماكس جاكوب» إلى أنه كان على وعي واضح ﺑ «نوع» من قصيدة النثر، تتوفر له قواعده شأن كل نوع فني، فما يقوله عن «الموقف» و«الأسلوب» لا يبتعد كثيرًا عن الملاحظات التي ذكرناها من قبل عن الضرورة المزدوجة لقصيدة النثر، الضرورة الفوضوية (كل ما يعيد زرعنا، وكل ما يحطم التصنيفات العقلانية كي يحملنا إلى عالم آخر، هو فوضوية محررة) والضرورة الفنية، التي تهدف إلى جعل العمل الفني كلًّا مكتملًا ومنظمًا.
لكننا لا نستطيع القول — رغم هذا — إن «كوب النرد» قد اعتُبر نموذجًا للدقة والتنظيم الفني: فكثير من المحاكاة الساخرة، والحديث غير المترابط، والشطط العمدي، كان سيثير — بالأحرى — الانتباه إلى الجانب الفانتازي وغير المنسق للعمل: وقد كتب «تيبوديه» — الذي كان وقتئذٍ جنديًّا في وزراة الحرب — إلى «جاكوب» بعد أن قرأ طبعة «ستوك»: «يبدو لي أن كل الملفات قد سقطت كيفما اتفق على مكتبي …»٧٢ فالمرء لا يخضع بلا عاقبة لإغراءات اللاوعي و«الكلمات الحرة»: فسواء شاء ذلك أم أبى، كان «ماكس جاكوب» على وشك أن يعتبر رائدًا للدادائية (المتقدم المرعب!)٧٣ وللسيريالية: فإذا ما رججنا «كوب النرد» فسنخرج منه بالصدفة، والتمرد، والفوضى، ورفض «الأدب»، والرغبة في زعزعة كل المفاهيم الشعرية المسلَّم بها.

بيير ريفيردي

إذا ما كان شعر «جاكوب» لا يزال يحتفظ بسحره الشعري المختلط إلى حدٍّ ما، فيمكن لنا الاعتقاد أنه «قديم» إلى حدٍّ ما ولا يحظى إلا بمتلقين محدودين إلى درجة كبيرة، وعلى النقيض، يبدو «ريفيردي»، الذي اعتبره السيرياليون أستاذًا لهم،٧٤ أستاذًا أيضًا للجيل الحالي (لم يُخصَّص له أبدًا كل هذا الكم من المقالات مثلما حدث خلال هذه الأعوام الأخيرة،).٧٥ ذلك أن وضع «ريفيردي» وضع مركزي، وأن هذا الشعر «الفريد» بشكل لافت للنظر توفر له في ذاته ما أمكنه من المساهمة في التكعيبية والسيريالية والشعر المعاصر على السواء، وخلف هذه المظاهر الثلاثة (التي تتعايش معًا): شعر تكعيبي، وشعر الصورة، و«غنائية الواقع»،٧٦ يظل شعر «ريفيردي» شعرًا ملموسًا دائمًا،٧٧ يستمد جذوره من قلب الوقائع الطبيعية والإنسانية: شعر لا يدين بشيء لنفوذ بحر الشعر، والكتابة «الشعرية» أو الجملة الموزونة بشكل جيد، لكن حيث تلعب فيه التقنية دورًا رئيسيًّا.

التكعيبية الأدبية

«كل قرابة ريفيردي، وشعره، وتكعيبيته، تكمن في الصداقة التي ارتبط بها بخوان جري وبيكاسو وبراك»، مثلما قال «أراجون»، قرابة تصل إلى استخدام «العناصر اليومية لحياة بائسة»: إنها، بالنسبة للفنان التشكيلي، علبة التبغ، والجريدة، وهي — بالنسبة لريفيردي — المفردات المحذوفة و«الأرض الغامضة، والشارع العدائي، والسلم المتهدم في حياة رسامي وشعراء ذلك الحين»،٧٨ وبينما يعترف «ريفيردي» بأنه لم يتآلف مع أحد من الشعراء إلا مع ثمار عمل «جاكوب» و«أبوللينير» (وهو — مع ذلك — لا يدين لهما بالكثير)، فإن تأثير شارع رافينيان (تأثير «بيكاسو»، وتأثير صديقه الحميم على نحو خاص «خوان جري»)٧٩ قد وجهه بشكل حاسم، وفي أول ديوان لقصائد نثر طبعه «بيرو» عام ١٩١٥م ﻟ «المؤلف» وزينه «جري» بالرسوم،٨٠ يتم تقديم بعض القصائد باعتبارها «لوحات» (وعلى نحو خاص قصيدة «من الذي سيرسمهم» المهداة إلى خوان جري»)، وأحيانًا ما تدب الحياة في اللوحة تحت أعيننا، مثلما لدى «جاكوب»، دون أن يكف الشعور بها كلوحة:
تؤرجح الأنقاض جثثها ورءوسًا بلا قبعات عسكرية
هذه اللوحة، أيها الجندي، متى ستنهيها؟ هل حلمت أنني كنت فيها؟ …٨١
لكن قصيدة «ملامح وشخصيات»، من نفس الديوان، التي يذهب فيها الشعور باللوحة والإطار المحيط بها بعيدًا إلى حد أن يرى المؤلف نفسه فيها مسجونًا في الرسم، فهي أكثر دلالة:
انفراجة، بأزرق في السماء، في الغابة، انفراجات كلها خضراء، لكن، في المدينة، حيث يسجننا الرسم، قوس الدهليز، مربعات النوافذ، معيَّنات الأسطح.
خطوط، لا شيء سوى خطوط، لراحة المباني الإنسانية.
في رأسي خطوط، لا شيء سوى خطوط – إذا ما استطعت فقط أن أنظمها قليلًا.٨٢
«خطوط، لا شيء سوى خطوط»: ترتبط هذه التكعيبية «الهندسية»، مثلما نرى (مربعات النوافذ، معينات الأسطح) بمخالطة «المدن الهائلة»،٨٣ و«المباني الأساسية» التي اختفت منها التماوجات السلسة للتلال والأشجار، وألوان الطبيعة الريفية، ذات علاقات بديهية باللوحات التكعيبية، وخطوطها الهندسية، وتكوينها في «فراغ مغلق».٨٤
لكن الأساسي، هو أيضًا الإرادة البنائية والخلاقة، وجهد التكعيبيين (الذي أكدت عليه من قبل) ليجعل من اللوحة، أو من القصيدة شيئًا، كلًّا موجودًا بذاته، إعادة جمع للعناصر في تركيبة جديدة أكثر إيحاءً، وأكثر صدقًا من الصدق، إن صح القول، وفي عام ١٩١٧م، كان «ريفيردي» يجعل من مجلته «نور–سود» لسان حال التكعيبية التصويرية والأدبية، ويضع فيها المبادئ الأساسية لعلم الجمال الجديد، ومن المفيد التذكير أن «ب. ديرميه» أكد — منذ العدد الأول — وهو يطالب باستقلال الجيل الجديد عن الرمزية، أن «جمال الكلمة» ليس وسيلةً شعرية، «على نفس مستوى الإيقاع، والموسيقية، والقافية … إلخ، فهدف الشاعر هو خلق عمل يعيش خارج نفسه، خارج حياته الخاصة، ليقع في سماء خاصة، مثل جزيرة في الأفق»،٨٥ ويذكر «ريفيردي» بدوره، في نفس العدد، حول التكعيبية بالتحديد: بالنسبة للتصوير الزيتي والشعر، «نحن في حقبة إبداع فني لم نعد نحكي فيها حكايات مسلية إلى هذا الحد أو ذاك، وإنما نخلق فيها أعمالًا، تدخل الحياة وهي تنفصل عنها؛ لأنها تملك وجودًا خاصًّا، خارج استدعاء أو إعادة إنتاج أشياء الحياة»، وسبق أن ذكرت «دراسة علم الجمال الأدبي»، التي يضع فيها «ريفيردي» — مقابل العمل الفني المسمى «واقعي» — «واقعية» العمل الفني: التي — إذ لا تقلد شيئًا ولا تستعير من الحياة سوى العناصر الضرورية — «سيصبح من الضروري أن نتوفر على واقعها الخاص بها، وفائدتها الفنية، وحياتها المستقلة، دون الانحناء بشيء غير نفسها»،٨٦ والمدهش أن نرى هذا السلوك الجمالي متماسكًا بلا تراجع على مر السنين، ما دمنا نقرأ في «كتاب حافتي» هذا التعريف (الذي سيلائم على نحو باهر أعمال «ريفيردي» نفسه): (تكمن) قيمة العمل كله في النكهة الفريدة التي يدشنها في الواقع، فمنها ما يحتل موقعًا، في أفضل صف، بين أشياء الواقع، هكذا، كما بمعجزة، يصبح العمل المصنوع شيئًا حقيقيًّا، في حين أن العناصر التي تشكله ليست كذلك».٨٧
كيف يمكن إذن أن نخلق، بعناصر الواقع المبعثرة، «كيانًا» فنيًّا مستقلًّا؟ يمكننا أن نتنبأ بأن العناصر المستخدمة ستعود كلها إلى التركيبة: تركيز الانفعالات٨٨ في «حزمة»، خلق علاقات بين الوقائع المتباعدة، عن طريق الصورة،٨٩ أساليب جديدة خاصة بتركيب الجملة وشكل الطباعة، التي توضع في الاعتبار بقدر ما تنتظم وتنسق العمل: إن «تركيب الجملة، مثلما يكتب «ريفيردي» في «نور–سود»، وسيلة للإبداع الأدبي، فهو ترتيب للكلمات، وطريقة الطباعة الملائمة له أمر مشروع».٩٠
سبق أن أشرت — فيما يتعلق بتركيب الجملة (وينبغي أخذ الكلمة بأوسع معانيها، المعنى المالارمي) — إلى أن «ريفيردي»، شأنه شأن «جاكوب»، يندرج ضمن جمالية «المتقطع»،٩١ الرامبوية: إلغاء الروابط المنطقية، والأفكار «المتتالية»، وروابط النسق أو التبعية، وتجاور مختلف عناصر اللوحة، وتجاور الصور الحقيقية والصور الذهنية:
وأسير نحو المغامرة في الغابة الغائرة، عيناك في العمق، شعرك ومحجرا عينيك مرفوعون، أفقد ألق ابتسامة هذه السماء المحدودة في مربع ميت مثل باب فوق سقف سريري، أنظر إلى هذا اللون، والدم والماء، والنضارة — لذة انتظار السماء — مغطس الفقير هذا. دموع، غلالات أشجار الكستناء وشتاء بلا أمل — اختفاء مؤثر.٩٢
فتكوين الجملة يرفع من قيمة الكلمة، وكثيرًا ما يلغي الفعل تمامًا: «نافذة لن أستطيع الدق عليها. النار التي يرفضون السماح لي بالتدفئة عليها»،٩٣ «الزجاج، الليل، الشيش البارد»،٩٤ إنه «أسلوب الإشارات» الأثير لدى «رامبو»: المضاد للخطابية، والمعادي للجملة المنمقة، لكنه الموحي للغاية! فلم تعد الكلمات إضافة مطيعة لفكر يعبر عن نفسه من خلالها: فهي، وهي معزولة، تستعيد قيمتها الاستدعائية والإيحائية الكاملة، وتصبح مكونات واقع شعري جديد.
وكثيرًا ما يحقق «ريفيردي» عزل الكلمات هذا، في أبياته، من خلال «فراغات» كبيرة كأنها بحر صامت تنفلت منه الجزيرة اللفظية:
الحزن
الانتظار
اليأس
المدينة المضيئة أعلى الصخرة البيضاء.٩٥

ويستجيب استخدام الشرطة في النثر (المتكرر كثيرًا لدى «رامبو» أيضًا) لرغبة مماثلة: والفقرة السابقة تعطينا مثلًا كافيًا له: وذلك ما يقودنا إلى الحديث عن الطريقة التي يصارع بها «ريفيردي» الكتابة «الأفقية» والمتعاقبة، شعرًا ونثرًا، من خلال وسائل طباعية وبنائية غير مسبوقة.

وقد سبق أن أشرت إلى اجتراءات الإخراج الطباعي التي تنحو إلى تنظيم القصيدة في فراغ الصفحة كلوحة،٩٦ والأمر يتعلق بطبيعة الحال بقصيدة النظم، بالإضافة إلى وجود أكيد لمقصد معين في الشكل الطباعي لقصيدة النثر، التي ستبدو وقد تجمعت حول نفسها:
في هذا الوقت الفحم
كان قد أصبح ثمينًا
ونادرًا مثل تبر
الذهب وكنت أكتب في
مخزن غلال حيث الجليد
وهو يتساقط عبر شقو–
ق السقف، أصبح
أزرق.٩٧
وعندما يكتب نظمًا، يهرب «ريفيردي» من «البيت الجميل» المنعزل، وهو يسعى دائمًا إلى التركيب لا إلى السرد الأفقي لحكاية ما، وبدهي أن التنسيق في أبيات يشجع انقطاع الإشارات، وهو وسيلة لا غنى عنها لصياغة تركيبة جديدة، فيما بعد، من العناصر غير المترابطة في البدء: ﻓ «الشاعر يجاور ويربط — في أفضل الحالات — مختلف أجزاء العمل الفني الذي تصبح قيمته الأساسية، بالتحديد، في ألا يقدم منطقًا واضحًا بشكل زائد لوجود متقارب»،٩٨ وكي نضرب مثلًا بسيطًا، سنجد عدة قصائد منظومة تهدف إلى تجاور، وإذابة الأجزاء المختلفة لمشهد طبيعي (الأرض والماء، على سبيل المثال) بمساعدة تغيرات التعبيرات الشبيهة بما لدى «رامبو» في قصيدة «بحرية»:
يظهر النهار في الأفق مثل سباح يجذب كأسه
عبر طحالب الأمواج
ومرتفعات تلال الرمال السائلة.٩٩
والمثير أن نجد «تداخلات» من هذا القيبل في اللوحات «التركيبية» لخوان جري: وهو ما نجده في قصيدة «خليج البندول»، حيث تمتزج الحجرة بالمشهد الطبيعي، وحيث يرسو المركب الشراعي «على المنضدة»،١٠٠ وليس من المستحيل، من ناحية أخرى، أن نجد تداخلات مماثلة في النثر: مثلما نجد في قصيدة «وحيدًا دائمًا»، حيث تتطابق لوحة الشارع مع لوحة الغرفة، التي تبدأ بهذه الكلمات: «أيأتي الدخان من مداخنهم أم من غلايينكم؟».١٠١
لكن ها هي الآن قصيدة نثر لن تقدم لنا لوحتين مختلفتين متطابقتين، بل زاويتي نظر مختلفتين متطابقتين، بل زاويتي نظر مختلفتين تقريبًا، إنها — في آن — مشهد طبيعي حقيقي، وتفسير هذا المشهد من خلال الخيال الذي يرى فيه شيئًا آخر، ولكن، بدلًا من التوزيع الطباعي على عمودين لإظهارهما بشكل متزامن (مثلما نجد أمثلةً لذلك نظمًا)، هناك مراوحة مستمرة بين المشهد الحقيقي والرؤية الخيالية تنسق خيوط النسيج وخيوط السلسلة، لترسم بالتدريج «الصورة في السجادة»: «رأس العالم» (هو عنوان القصيدة)، وأعيد نقلها مؤكدة على المشاهد التشخيصية (بالخط المائل):
ما يزال بعض النهار على حافة الأسطح وأطراف الشجر، البحيرة التي سقطت من أعلى انبطحت على الأرض، في الضباب، حيث يسير هناك طيف، إنها الرأس، نجمة المنتصف التي تلمع أحيانًا، الأكتاف المعقودة مع الضفائر الشقراء، الجبل، دورة العالم سجينة، الهواء مشتعل، الفم لا يزال ينفث، وأنين الأرض تحت العصا الوحشية، وأمام الغلالة التي ترتفع كان الفجر يولد من جديد في الركن الآخر.١٠٢
نفكر في هذه اللوحات التكعيبية لخوان جري أو بيكاسو التي تراكب نظرتين مختلفتين لنفس الشيء، مهرج على سبيل المثال، منظورًا إليه في آن من الأمام ومن الجانب: هكذا تتوفر لنا «لوحة ثانية — تتخذ وضعًا مائلًا في أغلب الأحيان — تندمج في الأولى»، مثلما يكتب «كانفيلير»،١٠٣ وما الميل هنا سوى التشويه التشخيصي الذي يخلقه الخيال، لكن ما يجب الإشارة إليه، هو الأهمية البنيوية للنسق: فلم تكتب القصيدة بشكل أفقي، وإنما — إن صح القول — «بطريقة متعددة الأصوات»: ففيها بُعد إضافي، وفي نفس الوقت، تفرض المراوحة من الواقعي إلى الصورة، ومن الصورة إلى الواقع، انتظامًا ما على النص، و«إيقاعًا ثنائيًّا» يمكننا أن نرى خلاله — بالمقارنة بالبحور السكندرية الكلاسيكية — إيقاع استبدال.
وإذا ما اعتبرنا أننا نتوفر هنا لا على مستويين فحسب يتداخلان، وإنما على صورة تتلاحق، فسنرى أننا سننقاد إلى البحث في الصورة (سواء ركبت واقعين ملموسين متباعدين، أو واقعين أحدهما مادي والآخر ذو مستوى مجرد) عن نسق التركيب، أو الإبداع الأدبي، والأمران سواء، والواقع أن الصورة نسق تركيبي بامتياز، وهي أيضًا أداة لخيمياء الكلمة تنقاد بفعلها «كائنات» أدبية جديدة نحو الوجود، أداة يمكن للنصر أن يستخدمها، شأنه شأن الشعر.

شعر الصورة

ودون الذهاب إلى حد اعتبار الاستعارة قافية «ميتافيزيقية»، والإصرار على أنها تجعل الشعر عبثيًّا، إلى درجة أن «البحر السكندري والقافية، بل الشعر نفسه، قد رزحوا في واقع الأمر، في الشعر المعاصر، تحت وطأة الاستعارة التي يتزايد التأكيد عليها»،١٠٤ يمكننا التأكيد — حقًّا — على أن الشعر الحديث بقدر تناقص لجوئه إلى «تعويذة» الأبيات ومنابعها الموسيقية والإيقاعية، كان يمنح مكانًا متعاظمًا للسلطات الشعرية للصورة،١٠٥ وعلى هذا الصعيد من الأفكار، يمكن لريفيردي أن يسمى عن حق «شاعر الصورة»،١٠٦ وهذا ما توضح نظرياته وأعماله (الشعرية)، ونعرف بأي حماس استعاد السيرياليون الأفكار التي تم التعبير عنها في «نور–سود» عام ١٩١٨م:
الصورة إبداع خالص للروح.
وهي لا يمكن أن تنشأ من المقارنة، وإنما من التوفيق بين واقعين متباعدين.
وكلما كانت علاقات الواقعين المتوافقين متباعدة وصائبة، أصبحت الصورة قوية — وامتلكت قوة شعورية وحقيقة شعرية.١٠٧
ولنقل على الفور أن ثمة اختلافًا جوهريًّا بين هذه التعريفات، وتلك التي سيقدمها السيرياليون فيما بعد: فالصورة السيريالية مجانية عن عمد، واعتباطية، ويصرح «بريتون» أن الصورة «الأقوى هي التي تقدم أعلى مستويات الاعتباطية»،١٠٨ وبالنسبة لريفيردي، فعلى العلاقات القائمة أن تكون — على النقيض — «متباعدة وصائبة»، و— حسبما يقول — «لا يمكن لواقعين لا يتوفران على أية علاقة أن يتقاربا بشكل مفيد، فليس هناك خلق للصورة»، وما من شيءٍ سيكون أكثر غرابة بالنسبة له، من الموقف السلبي للسيرياليين، وهو لن يتصالح أبدًا مع التوافقات الطارئة التي تنشأ في اللاوعي،١٠٩ فالصورة التي تشع في كل سطور شعره مدهشة، ومفاجئة غالبًا، وليست أبدًا اعتباطية، وقد أشار «م. ساييه» بدقة إلى أنها أحيانًا ما تختلف بشكلٍ طفيف عن الاستعارات التي نجدها في اللغة الدارجة (مثل «يرقى الشارع»، «ينسحب البحر»)، وسيقول ««ريفيردي»: «يمتطي الطريق الغابة»، «خرج النجم من الماء»، «يهبط الندى حافي القدمين على أوراق الشجر»،١١٠ ونرى من هذه الأمثلة الميل الدائم للكاتب نحو «أنسنة» الطبيعة:
ينحني السقف مثل شخص يريد الصعود.
وأخذت الكوة تضحك للشمس.
مثلما سيكتب على سبيل المثال،١١١ وتجعلنا هذه «الإحيائية» نشعر في الطبيعة بلعبة القوى، والذبذبات الدائمة، بينما على العكس تجد الطبيعة الإنسانية «توافقها» في الواقع الملموس والذبذبات الدائمة، بينما — على العكس — تجد الطبيعة الإنسانية «توافقها» في الواقع الملموس للكون:
الطحلب الطويل المتحرك والطري
على خط الماء
الروح الرخوة الهاربة والمطيعة للتيار
–مخلصة للنجاح المتماوج.١١٢

هكذا تنشأ مرة أخرى المراوحة بين الفكرة والمادة، بين المجرد والملموس، كأداة للكشف الشعري، والتركيب، والبنية، في آن.

والحق أن تنظيم النثر من خلال الصورة، يبدو مختلفًا إلى حدٍّ ما، ولا شك أنه يمكن للقصيدة أن تنتظم حول استعارة واضحة إلى حدٍّ ما: تلك هي حالة قصيدة «لكل نصيبه»، المبنية على الصورة المزدوجة ﻟ «صائد النجوم»، والتقارب بين النجوم وقطع العملة الذهبية:١١٣
اقتنص القمر، وترك الليل، وسقطت النجوم واحدة بعد الأخرى في شبكة مياه جارية.
وراء الحور يترصد صياد غريب بنفاد صبر وعين مفتوحة، وحيدًا، متخفيًا تحت قبعته العريضة، ويرتعد الخط.
لكن بعيدًا على الحافة كان صياد آخر ينتظر، بتواضع أكبر كان يصيد في بركة الطين التي تركها المطر، فهذه المياه، القادمة من السماء، كانت تمتلئ بالنجوم.
لكن كثيرًا ما تكون الصورة المتضمنة في القصيدة مضمرة ويصعب شرحها، والأمر يتعلق — في أغلب الأحيان — بمعادلة تنشأ بين وصف مشهد طبيعي، أو سرد للأحداث التي تبدو مفككة للوهلة الأولى أو غير مفهومة إلى حدٍّ ما، والحالة الروحية التي تكون مهمة الأشياء أو الوقائع القليلة التي تم تجميعها بهذه الطريقة أن توحي بها، والتي تقدم لنا — على نحو ما — تمثيلًا تشخيصيًّا، هكذا، على سبيل المثال، يمكن تفسير الإحساس بالضيق الجسدي والميتافيزيقي، الذي تنجح بعض أوصاف المشاهد الطبيعية في تقديمه لنا، وحيث ينوء الصمت بوطأته، والسكون، ونوع من الوحدة اليائسة:
فلس جديد للغاية يتدحرج في الشق أو الشمس الغاربة؛ الآن يُحد الجدول الطريق الطويل ويتقافز الضوء الخفي في المفترق المتقاطع.
تمد الأشجار الظل، لا نسمع سوى صوتها، تنطفئ النيران، أبعد من أن تتوقف، ما من أحد سيمر بعد ذلك أبدًا، الريف صامت، والحجارة جافة، حائط متهدم، يعود الصمت، يغوص عصفور في العشب كي يموت.
ليس اختيار التفاصيل فحسب هو الذي يوحي هنا بالهجران والوحدة، والموت (اسم القصيدة «كي نموت»)،١١٤ لكنه إيجاز هذه الجمل التي يتركها غياب الفعل بلا حياة ومتحجرة، يقطعها صمت ساحق، لا يحتاج الشاعر إلى التعبير عن مشاعر الضيق، والإرهاق، ما دامت العناصر التي اختارها من الواقع الخارجي، والطريقة التي جمعها بها، هي «إشارات» غير ملتبسة لهذا الضيق، ينبغي إذن الحديث لا عن «أسلوب متخيل»، بل عن كلمات جوهرية، وموضوعات استعارية أساسية، وهي بسيطة للغاية فضلًا عن هذا: فنحن نعثر دائمًا على موضوع الباب المغلق والمنزل الذي لا ندخله،١١٥ والمسافر المنعزل أو الضائع،١١٦ والليل الأسود،١١٧ والمشهد المتحجر.١١٨
رموز؟ إذا شئنا، وبشكل أدق استثمار «النبرة الانفعالية» للكلمات المستخدمة لا من أجل معناها، وإنما من أجل قيمتها الإيحائية: «في اللحظة التي تتخلص فيها الكلمات من دلالتها الحرفية تتخذ في الذهن قيمة شعرية، في هذه اللحظة يمكننا أن نضعها في الواقع بحرية»، على ما يكتب «ريفيردي»١١٩ عندئذٍ، يمكن تجميع ومزج إشارات مادية وأفكار مجردة، لتوليد انفعال ذي طبيعة محددة لدى القارئ–الشعور، على سبيل المثال، بخوف وضيق قاتل:
وبعد، في الممرات التي لا نهاية لها، في حقول الليل الموحشة، في التخوم المظلمة التي تتلاطم بها الروح، تعبر الأصوات المفاجئة الحواجز، وتترنح الأفكار المزعزعة، وترن أجراس الموت الملتبس.١٢٠
هكذا نرى هذا الشعر يمزج دائمًا المجرد بالملموس («حقول الليل الموحشة»، «تترنح الأفكار المزعزعة»)، والمشهد الطبيعي الحقيقي بالشهد الداخلي، ويقبل بالتعادل بين الظواهر الطبيعية والروح الإنسانية، فهل ينبغي — بهذا المعنى — تفسير كلمة «ريفيردي» المستشهد بها كثيرًا: «الطبيعة، إنها أنا»؟١٢١

غنائية الواقع

والحقيقة أن «ريفيردي» عندما يكتب — على سبيل المثال — أن هدوء السماء يستنزف الشجاعة التي كانت تسند أيادينا، والرأس والطريق»،١٢٢ فلا ينبغي أن نرى فيها «صورة» بسيطة، أو شكلًا أسلوبيًّا، لكن توحدًا حقيقيًّا للإنسان بالطبيعة، فالشاعر الذي استطاع أن يكتب: «بكل جزء من وجودنا الخفي نعارض ظروف الخارج، مثل النباتات»،١٢٣ مستعدٌّ بطبيعة الحال، لقبول التبادلات، والتجاوبات أو التماثلات بين الإنسان والكون، فكرة رمزية، بالتأكيد: فكيف يحدث إذن أن يكون شعر «ريفيردي» — على العكس من الشعر الرمزي — شعرًا ملموسًا بشكل جوهري؟ ربما لأنه يصدر، ببساطة، عن رجل ينتمي للهواء الطلق، فيه تجد كل ارتعاشات الريح والأشجار والبحر صداها، لا على المستوى الذهني، بل على المستوى الفيزيقي،١٢٤ هذا الشاعر هو إنسان أولًا، من أجله توجد الطبيعة، ومن خلاله تحدثنا: فعناوين دواوينه دالة: «زبد البحر»، «طبيعة عظيمة»، «ينابيع الريح». ونعلم من ناحية أخرى أنه انفصل منذ وقت مبكر للغاية عن الحياة الباريسية الخانقة كي يبحث في «سوليزم» عن وحدة تمتلئ بالأجراس والحجارة، وتمتلئ أيضًا بالخضرة والمياه النابضة والعصافير».١٢٥
وسيكون من التعسف — رغم هذا — ألا نرى في الشاعر سوى «صوت» ﻟ «الطبيعة العظيمة»، ﻓ «الطبيعة الإنسانية» لا تفتقر إلى ضروراتها الخاصة بها، والطبيعي أن يواجه الإنسان حلمه الداخلي، بشكل محدد، بالواقع الخارجي — لا سيما عندما يكون شاعرًا، و«الشاعر — مثلما يقول «ريفيردي» — في وضع صعب وخطر غالبًا، في نقطة تقاطع مستويين ذوي حدين قاطعين بقسوة، مستوى الحلم ومستوى الواقع»؛ ولهذا، يمكن مقارنة القصائد ﺑ «بللورات تكونت بعد التماس الهائج للروح مع الواقع».١٢٦
وهناك حقيقة جديرة بالإشارة: فإذا ما كان الواقع المحسوس، «الطبيعة العظيمة»، تفرض حقًّا وجودها بقوة في الشعر المنظوم («مشهد طبيعي يضم حيوانات»،١٢٧ «أرض»،١٢٨ «شروق النهار على البحر»،)،١٢٩ ففي النثر تتجلى لنا الحقيقة الإنسانية والسر الخفي للمصير الإنساني، ثمة هنا مسألة بنية: ففي حين تنحو الأبيات بشكل طبيعي إلى الانتظام في «لوحة»، فإن النثر، في جوهره التعاقبي، ينحو إلى السرد، إلى التأمل الغنائي، وتلاحق الوقائع والأفكار، ولا يعني ذلك أن «ريفيردي» شاعر حكائي على الإطلاق! ﻓ «ما هو العمل الذي يمكن أن ننزع منه الفكرة أو الحكاية اللتين لا تساويان شيئًا وهما معزولتان، ولا يتبقى منهما شيء بعد هذا الطرح؟» مثلما يتساءل هو،١٣٠ لكن لا شيء يمنع الشاعر — في بنائه لقصيدته — من استخدام أفعال وأشياء ملموسة باعتبارها عناصر للقصيدة: أفعال أو أشياء يجمعها وفقًا لمنظوراتٍ جديدة، يخلصها من كل سياق تفسيري ليمنحها قيمة تصويرية أفضل (رمزية إذا شئنا)، وقصيدة «رجل منتهٍ» الجميلة للغاية، التي ذكرت مقطعًا منها، ستقم لنا (عند سردها كلها) فكرة هذه التقنية:
في المساء، ينزه طيفه عبر المطر والخطر الليلي، الذي لا شكل له وكل ما جعله منارًا.
مع أول لقاء، يرتعد– بماذا يلوذ في مواجهة اليأس؟
يحوم حشد في الريح التي تعذب الأغصان، و«سيد» السماء يتابعه بعين رهيبة.
لافتة تصر– الخوف يتحرك باب ويصطفق الشيش العلوي في الحائط، يجري ويخذله الجناحان اللذان كانا يحملان الملاك الأسود.
وبعد، في الممرات التي لا نهاية لها، في حقول الليل الموحشة، في التخوم المظلمة التي تتلاطم بها الروح، تعبر الأصوات المفاجئة الحواجز، وتترنح الأفكار المزعزعة، وترن أجراس الموت الملتبس.١٣١
من هو هذا الرجل؟ ما الذي فعله؟ ما الذي سيحدث له، أسئلة عبثية، المهم هنا، هو أن نخلق (وبأقصى اقتصاد في الوسائل!) «انفعالًا خاصًّا، لا تستطيع الأشياء الطبيعية، من جانبها، أن تثيره في الإنسان»، انفعالًا «لا يستطيع منحه لك سوى الفن وحده»،١٣٢ فالحكاية بلا أهمية، وقد يحدث أن تبدو عبثية للوهلة الأولى (مثلما في قصيدة «مظهر تافه» المخصصة لمسافر «لا يستطيع وصف البلاد التي رآها»، و«لربما لم يرَ أبدًا شيئًا»، من ناحيةٍ أخرى، ولا يكشف أبدًا عن فرحة أو نفاد صبر، ويمضي — دائمًا وحده — «وحقيبته الخفيفة في اليد»)،١٣٣ ولا يعني ذلك أن تكون مفككة، ومفتقرة إلى منطق داخلي، «فلا يوجد أي رابط مشترك، مثلما يكتب «ريفيردي»، بين المنطق والعقل السليم»، فهو يستطيع التحالف مع أغرب حالات الجنون: «نحترم العقل السليم، ونعجب بالمفاهيم المجنونة التي تنتظم في مناخها وعلى صعيدها بشكل منطقي»،١٣٤ والمؤكد أن كثيرًا من قصائد «ريفيردي» غامضة للغاية، وبشكل أدق لا تطالبنا ﺑ «الفهم»، وإنما بنوع من الالتزام الداخلي، ولا يتضمن هذا — فضلًا عن ذلك — «ألا» يتوفر لهذه القصائد، «أي معنًى»: لكن الرسالة التي تقدمها لنا لا تخاطب الوعي الواضح، ولا يمكن ترجمتها في لغة واضحة، ما دام الأمر يتعلق — بالتحديد — بجعلنا نشعر ونحس بالغموض الذي يكتنف الأجواء المحيطة بنا، وبهاوية المجهول التي يفتحها الواقع في كل خطوة أمام مسيرتنا.
هذا الشعور بسر يمكن أن يتخفى وراء «مظهر تافه» (إذ إن المسافر الوحيد، الذي لا يحكي شيئًا، ويمضي دون أن يكلم أحدًا، «ورغم هذا، فثمة شيء يتبعه أو — ربما — شخص ما يتخذ الشكل الغريب لظله»)، هذا الانتظار لشيء لا يوصف كثيرًا ما يلاحق شعر «ريفيردي»، مثل أمل يائس («عسى أن يحدث شيء، كل العيون تخرج من النوافذ، وكل غيرة منافسينا تتراجع على عتبات الأبواب، ورغم هذا، لم يكن لأي شيء أن يجيء!»)١٣٥ ويبدو أن كل هذه الغنائية «التي تتجه صوب المجهول، صوب العمق»،١٣٦ تجد أكثر أشكالها ملاءمةً في النثر، والواقع أن ثمة نغمة غموض ما أو غرابة (سبق أن شهدنا)١٣٧ تتكيف مع نص النثر بأفضل مما مع النظم، وترتقي بالنثر إلى مستوًى شعري: وكي نستعيد تعبيرات «ريفيردي»، سنجدها — على سبيل المثال — «في جملة يعلقها غموض مغزاها ونوعية الكلمات التي تكونها فوق المجرى الطبيعي لأفكارنا»،١٣٨ جملة وليس بيتًا؛ لأن الأمر لا يتعلق هنا — على الإطلاق — بأدوات إيقاعية، فموضع الخلاف الوحيد هو اختيار الكلمات (التي تؤخذ، أذكر بذلك، خارج معناها الحرفي، بقيمة إيحائية وتشخيصية)، و«الدلالة الغامضة للجملة» — لا لأن الشاعر «يضيف» غموضًا بعد فوات الأوان، لكنه يصنع — مثلما يقول «فيردي» — «كشفًا يتخطى نفسه»، ولا يمكن أن يصل إلينا إلا من خلال شقوق النص، وتصدعات المعنى، و«الفراغات» الكبرى المتروكة بين الأفكار: «لا شيء يستحق أن يقال في الشعر غير ما لا يوصف؛ لذلك نعتمد كثيرًا على ما يجري بين السطور»،١٣٩ مثلما يقول أيضًا …
وبعد عدة «قصائد»، لم تكن سوى سرديات، ها نحن نشهد الشعر الحديث يصل أخيرًا إلى هذه الصيغة المفارقة لكن الخصبة: السرد الفوضوي، الذي يخرق كل قوانين النوع، السرد الذي لا يدور فيه أي شيء أو لا يفضي إلى شيء، ولا يتوفر له بداية، أو نهاية، ولا نعرف شخوصه، وحيث الأساسي هو ما لا يقال: سرد، حيث الصيرورة التاريخية، المقضومة من كل ناحية، ينتهي بها الحال إلى الفساد في اللازمنية، وتعود إلى «الحاضر الأبدي» للشعر،١٤٠ هذه الوحدة الغريبة للمتناقضات، هذا البناء وهذا الهدم المتزامنان، تلك هي خصائص شعرية حديثة تمامًا، سيتم التأكيد عليها في قصائد النثر «السردية» هذه لفترة ما بعد الحرب، لتمنحنا أفضلها (لدى «ميشو» على سبيل المثال) — جميعها معًا — انطباعًا بالعبثية والتجذر العميق في الواقع.
شاعر الواقع، ربما يكون هذا، في واقع الأمر، هو التعريف الذي يشمل، على أفضل نحو، ذخائر شعر «ريفيردي»، وعلى نحو خاص إذا ما حددنا الكلمة وفقًا لما فعل: «ما نسميه الواقع في الفن هو مجمل العلاقات التي ينجح صوابها في منحنا صورة حية وقادرة على إثارة انفعال أكثر كثافة وأكثر دوامًا على نحو خاص من الحقيقي»،١٤١ هكذا، يحتوي مصطلح واقع — في آن — الفكرة التكعيبية للقصيدة–الشيء، التي — وقد تمتعت بوجود مستقل — «تحتل موقعًا، في أفضل الصفوف، ضمن أشياء الواقع»،١٤٢ ونظرية الصورة التي — فيما تؤسس علاقات جديدة بين الأشياء المتباعدة — تخلق واقعًا جديدًا، وأيضًا إرادة البحث الذي لا يكل لا عن «الحقيقي» وإنما عن «الواقعي»، عن «الجوهر الحقيقي للأشياء»،١٤٣ ولا يمكن لشعر كهذا إلا أن يكون بعيدًا عن الهموم الشكلية، على الأقل عندما يكون هدفها مطابقة المسيرة الشعرية على القنوات الجمالية المسبقة: «على الشاعر، مثلما يقول «ريفيردي»،١٤٤ أن يبحث، في كل مكان وفي نفسه، عن الجوهر الشعري الحقيقي، وهذا الجوهر هو الذي يفرض عليه الشكل الوحيد الضروري له»، شعر أم نثر، لا يهم، شرط ضمان وحدة الجوهر هذه بين الشكل والفكرة الشعرية.
شعر مرن (والتعبير لريفيردي)، ويريد الالتحام «بكل الحدود، بكل الخشونات، وبكل تجاويف الواقع»، لا يستطيع أن يدعي منح قصيدة النثر «قوانين» ولا نماذج، ولا يقل عن ذلك صوابًا أن قصيدة النثر تدين له بالكثير، بمعنى الإثراء في العمق، و— إذا جاز القول — في «السمك» الشعري، فانطلاقًا من «ريفيردي»، أصبح واضحًا أن قصيدة النثر الحديثة لن تؤثر إلى هذا الحد بفعل موسيقى الجملة،١٤٥ والجمال اللفظي الخالص قدر تأثيرها بفعل قدرتها الإيحائية، وخلق علاقات جديدة، وعلى نحو خاص — خارج كل تأثير «أدبي»، وباستخدام أبسط الكلمات — بفعل هذا الشعور ﺑ غموض الواقع الذي تثيره فينا، يتعلق الأمر دائمًا، مثلما أراد «جاكوب»، ﺑ «إعادة زرع» القارئ، بأن نكشف له واقعًا غير إذعاني، لكن «ريفيردي» لا يلجأ، من أجل هذا، إلى القدرات التحريرية للحلم، ولا إلى تداعيات الكلمات، يكفيه الغوص بعمق في قلب الواقع وفي قلب عالمه الداخلي: فوفقًا لما يكتب، يتمثل «الفعل الشعري العميق»، في «الغوص بمزيد من التقدم وبأكثر الأشكال الممكنة مغامرة، في مرآة الهاويات لسبر أغوارها الخاصة»،١٤٦ ولا شك أن الشعر «ليس مسألة إحساس بل تعبير»،١٤٧ إنها دائمًا مشكلة «الرائي» القديمة: «إيجاد لغة»، لكننا نعي بشكل أفضل — مع «ريفيردي» — أن هذا «المجهول» الذي ينبغي على الشاعر أن يعرضه لنا، لا وجود له إلا في أعماقه الداخلية: «ما يهم، بالنسبة للشاعر، هو أن يتمكن من إيضاح أكثر الأشياء خفاءً فيه، وأكثرها سرية، وأكثرها تخفيًا، وأصعبها على الكشف عنها، وأكثرها تفردًا».١٤٨

عندئذٍ، يستعيد الشعر وظيفته الحيوية، ويعثر من جديد على هذا الطموح الميتافيزيقي الذي تغافل عنه الرمزيون أحيانًا، وقد غطته طموحات أخرى جمالية وشكلية تمامًا، فبالمضي في هذا الطريق، وبالتخلي العمدي عن «الأدب»، سيسعى السيرياليون إلى الغوص بأكثر الأشكال الممكنة «مغامرة»، في هاويات اللغة والوجود الداخلي.

(٢) التمرد الدادائي وهدم الأشكال الأدبية

نُشرت أولى قصائد نثر «ريفيردي» و«جاكوب» في قلب فترة الحرب (بين عامي ١٩١٥م و١٩١٧م)، ومنذ عام ١٩١٦م، عمد «تريستان تزارا» حركة «دادا»، ونشر «المغامرة السماوية للسيد أنتيبيرن»: لقد بدأ التمرد ضد جميع القيم القائمة للحضارة والفن في الهدير، وسعت الفوضوية المتعاظمة إلى هدم كل فكرة عن الشكل الأدبي، إنها اللحظة التي اختارها النقاد والجمهور العريض لملاحظة وجود قصيدة النثر باعتبارها «نوعًا» أدبيًّا محددًا، يمتلك قوانينه وأساليبه الخاصة به: وقد خصص لها «ف. لوفيفر» خمس عشرة صفحة من كتابه عن «الشعر الفرنسي الشاب»، وبعد أن مايز بينها وبين الشعر الحر والنثر الشعري، أكد «أن عليها (قصيدة النثر) أن تنتظم وفقًا لقوانين لا تبدو واضحة تمامًا حتى الآن، لكن قانونها الرئيسي يقتضي بأن تمتلك، مثل قصيدة النظم، وحدةً لا تسمح بنزع كلمة واحدة دون أن تؤدي إلى هدم العمل كله»،١٤٩ وهو يقر للأسف، على إثر «جاكوب»، بأن «قصيدة النثر قطعة حلي»، وهو ما يقوده إلى إدانة «رامبو»، ويقرر أنه ينبغي على موضوع قصيدة النثر أن يكون «أصيلًا»، محصورًا في ظاهره وغريبًا إلى حدٍّ ما»،١٥٠ وأن هذا النوع المرهف والثمين إلى حدٍّ ما يمكن أن تعود أصوله إلى … سيرانو دي بيرجيراك! ثم يذكر بعد ذلك بضع قصائد لجاكوب، وريفيردي (ليست أفضل قصائدهما)، وقصيدة «دائرية» لصامويل دولا، وهذه «الحلية» لجيلوريه، التي يمكن أن ننسبها مع ذلك إلى «جول رونار»:
تشعر السماء بآلام الأحشاء، وتنفجر في زخات مطر مفاجئة، ثم فجأة تهدأ وتستعيد في اللحظة التالية وجهها الضاحك والأزرق.
اليوم، عبثًا تهز قطيع غيومها السوداء. تزعجه وتمزقه، لكنه جهد عبثي، إنها مصابة باحتباس في المطر.١٥١
ومن ناحيته، ما إن عاد «لويس دي جونزاج–فريك»، صديق «أبوللينير» وأمير الفن، من الحرب التي جعلته بعين زجاجية، ودون أن يتخلى لحظةً عن اختلاف اللغة، حتى بدأ — في «دون كيشوت» — استقصاءً حول موضوع قصيدة النثر، التي لم يأنف من ممارسة موهبته الصافية فيها (لكن مفهوم «ل. دي جونزاج–فريك» لقصيدة النثر صارم١٥٢ إلى حد أنه لا يقبل إلا عددًا قليلًا للغاية من قصائد النثر الحقيقية، حتى من بين قصائده، ولم يعترف بقصيدة تستجيب بشكل كامل لشرطه المثالي سوى بقصيدة «نوب المباغت»، التي نشرتها من قبل مجلة «كوفاديس»)،١٥٣ وجدير بالذكر أن الإجابات الواردة من حوالي خمسين أديبًا تلتمع بشكل عام بغموضها ومرحها،١٥٤ وإذا ما تكرر ذكر اسماء من قبيل «بانفيل» و«بيير سوكور» و«م. بورنا–بروفان» و«جالو» … إلخ، فإن اسم «شارل كرو»، على سبيل المثال، لم يرد ذكره مرة واحدة، ولا شك أن هذا الاستقصاء يكشف الخطوة المتزايدة، التي تتمتع بها قصيدة النثر، كما أنه يوضح — بنفس القدر — إلى أي حدٍّ كانت الأفكار عنها غير واضحة، وإلى أي حدٍّ من الجمود — رغم «رامبو!» — كانت صيغة «قائمة الرائعة الأدبية» و«الحلية» المنحوتة بعناية.١٥٥
وتبدو مفاهيم كهذه متخلفة للغاية، عندما نفكر أنه — في نفس الفترة، في أعقاب الحرب الأكثر دموية التي ما تزال تثير اضطراب الإنسانية — لم يعد الأمر يتعلق بالنسبة للكتاب بمناقشة تفاصيل تحقيق الأسلوب وأنساقه، بل بإثارة قضية اللغة ذاتها، وبنية الشعر، وكل القيم المسلم بها عادة في مجالات الأدب والفكر، وقد سبق لأبوللينير، الذي سيقر السيرياليون بريادته، أن فتح — في «قصائد مرسومة» — المعركة الكبرى حول «النظام والمغامرة»،١٥٦ وأعلن — في مقال مدوٍّ عام ١٩١٨م — مجيء «الروح الجديدة»،١٥٧ التي تتميز بالرغبة في الاكتشاف والاستخدام الفني للمفاجأة المدهشة، لكن الأفكار الجديدة — مرة أخرى — أخذت تختمر في المجلات الصغيرة، وسرعان ما فاض فورانها إلى مدى بعيد، لقد تحدثت عن مجلة «نور–سود» برئاسة ريفيردي في الفترة بين عامي ١٩١٧-١٩١٨م، فهل نعلم أنه في عام ١٩١٨م، ظهرت (في جرينوبل»، لكن ذلك يرجع فحسب للظروف المحيطة) مجلة شابة هي «لي تروا روز»، كانت تضم بين محرريها — بالإضافة إلى «جاكوب» و«ريفيردي» — «بعض ممثلي الحركة الرمزية الأكثر تميزًا ورواد أكثر الحركات شهرة وعرضة للذم»؟١٥٨ وكنا نرى فيها «موكيل» و«روبير» و«فيليه–جريفان» إلى جانب «أراجون» و«سوبول» و«ب. فاليري» …١٥٩ وكان يدير وقائع الآداب والفنون شاعر شاب لا يزال مجهولًا: «أندريه بريتون»، وإلى جانب قصائد «إيلوار» و«سوبول» و«ريفيردي» المنظومة، نجد بعض قصائد نثر في الأعداد العشرة من هذه المجلة، لا شك أنها كانت ترن بغرابة وسط الفتور الريفي … مثل النص الذي كان «ماكس جاكوب» يمتدح فيه — متلاعبًا بالألفاظ المتلألئة — «محل القبعات الثيوصوفي»١٦٠ (الذي يمتلكه) … و«القضاعة الكلية، القربة الكلية!»١٦١ في العدد الأول، أو — في الثاني — حيث نجد قصيدة نثر لبريتون مهداة إلى «فارج»، لكنها تلحق برامبو من خلال «فارج»، وهي قصيدة «عمر»:
يا فجر، وداعًا! أخرجُ من الغابة مسكونًا بالأرواح! أخوض الطرق، صلبان ملتهبة، تفقدني ورقة شجر مباركة، أغسطس بلا ثغرة مثل رحى.
أحتفظ بالمشهد البانورامي، أرتشف الفضاء وأطلق بشكل آلي الدخان.
سأختار نطاقًا عابرًا: سنتخطى أشجار السور إذا لزم الأمر. إقليم الباغونيا الدافئة يقوقئ، يصطف. بأية كياسة تهتاج الجراء في الدائرة المجعدة للجونلات!
أين أبحث عنها، من الينابيع؟ عن خطأ أعتمد على عقدها المجبول من فقاعات …

ونشعر بتأثير «جاكوب» و«ريفيردي» والرغبة — على وجه خاص — في الهروب بأي ثمن مما سبق مشاهدته في قصيدة «أراجون» هذه التي نشرها العدد الثالث من «بورجوردي»:

شوارع، حقول، أين جريت؟ كانت الثلوج تطردني من المنعطفات نحو مستنقعاتٍ أخرى.
الشوارع العريضة الخضراء! قديمًا كنت أشعر بالإعجاب دون أن أسبل العينين، لكن الشمس لم تعد زهرة أرطنسية.
العربة الفيكتورية تؤدي دور المركبة الرمزية: نباتات وهذه الفتاة ذات الشفتين الشاحبتين فخامة مفرطة لمرعى بلا ادعاء: الأعلام على التروس الكبيرة، وكل العاشقات سيكن في النوافذ، على شرفي؟ أنتم مخطئون.

نخلص إلى أن «لي تروا روز» هي مجلة انتقالية تُنشر فيها قصائد أكثر كلاسيكية، وهي — من حيث التسلسل التاريخي أيضًا — مرحلة انتقالية بين «نور–سود» التي كانت عام ١٩١٧م لسان حال التكعيبيين، ومجلة «ليتراتور» (التي تأسست عام ١٩١٩م)، حيث لن يلبث الشعراء الأقل طليعية في الهروب من تدفق «دادا»: «دادا»، تلاطم أمواج واسعة النطاق متأهب لتحطيم أغلب تقاليد الأسلوب واللغة، التي خدمت أو خانت — حتى ذلك الحين — الفكر الإنساني والروح الشعرية.

حركة دادا

لن أقوم هنا بعرض تاريخ الحركة الدادائية، الذي لا تفتقر إليه الوثائق،١٦٢ وما ينبغي ملاحظته — أولًا — هو إعادة تجمع جزء بكامله من الجيل الشعري الشاب، الأكثر حيوية، حول «دادا» والتمرد الفوضوي الذي أصبح ضرورةً حيوية للشعر: ثم مغزى هذه الحركة، والطريقة التي هيأ بها هذا التمرد الهدام المستقبل بطرحه مشكلة اللغة بأكثر الأساليب حدةً وإلحاحًا.
فما إن سكتت أصوات المدافع، حتى تبين الشعراء الشبان أن المستقبلية والحداثة لم يعد لديهما ما يقدمانه إليهم: «نحن لا نحب الفن ولا الفنانين»، سيقولون عن طيب خاطر مع «جاك فاشيه»،١٦٣ «لم نعد نعرف أبوللينير — «إذ» — إننا نشك في أنه يمارس الفن عن معرفة مفرطة، ويرتق الرومانتيكية بسلك تليفوني، ولا يعرف المولدات»، وسيحتوي العدد الأول من «ليتراتور» في مارس ١٩١٩م، على هذه التصريحات الدالة لجيد، النشط في ترجمة اتجاه الحقبة: «كم ستبدو المستقبلية قديمة إما إن تتحطم تقاليد الأمس! إنني أحلم بتناغمات جديدة، بفن كلمات أكثر براعة وصراحة، بلا بلاغة، ولا يسعى إلى إثبات شيء»، ليضيف: «آه! من سيحرر روحي من قيود المنطق الثقيلة؟ إن أخلص مشاعري، ما إن أعبر عنها، حتى تصبح باطلة».
وستقوم «ليتراتور» — التي يديرها «أراجون» و«بريتون» و«سوبول» — بتركيب، إذا جاز القول، أكثر الاتجاهات ثورية فيما بعد الحرب، والاتجاهات الجديدة «المعادية للفن»: فسنرى «سندرار» و«سالمون» في فهرسها إلى جوار «جاكوب» و«ريفيردي»، لكنها تنشر أيضًا أعمالًا لم يسبق نشرها لرامبو، وأشعار «لوتريامون»، وخطاب «ج. فاشيه»، وينشر فيها «بريتون» و«سوبول» مقتطفات من «حقول مغناطيسية»، ومقدمة «إيلوار» ﻟ «الحيوانات ورجالها»، وأخيرًا يظهر اسم «تزارا» (الذي ساهم منذ عام ١٩١٧م في «نور–سود» وفي مجلة «سيك» لألبير بيرو) منذ العدد الثاني مع «منزل فليك»، وحول «تزارا» الذي وصل إلى باريس مسبوقًا بسمعة «شيطانية»،١٦٤ والذي سيقود بضربة واحدة التمرد والتدمير إلى حدهما الأقصى («إنه لا يؤلف، مستخدمًا الشذرات المتخلفة، رغم استطاعته ذلك» مثلما سيعترف «بريتون» في «الخطوات الضائعة»،)،١٦٥ سيلتف كل هؤلاء الشبان الخارجين من الحرب وهم يشعرون بالتقزز والتمرد ضد الحضارة: «كان نفاد الصبر من الحياة كبيرًا، وقد انطبق التقزز على كل أشكال الحضارة التي توصف بأنها حديثة، وعلى أساسها ذاته، وعلى المنطق واللغة، واتخذ التمرد أشكالًا هيمن فيها الجروتيسك والعبث على القيم الجمالية»، مثلما سيقول «تزارا»،١٦٦ «دادا» — (مثلما عُمدت الحركة عام ١٩١٦م باسم تم العثور عليه عند فتح قاموس «لاروس» صدفة) — كانت، في أساسها، مشروعًا واسعًا للهدم، وإعادة طرح كل القيم للمناقشة:
ولدت «دادا» من تمرد عام لدى كل المراهقات، (تمرد) كان يتطلب التحامًا كاملًا للفرد في الضرورات العميقة لطبيعته، بغض النظر عن التاريخ، أو المنطق، أو الأخلاق المحيطة به، أو الشرف أو الوطن أو الأخلاقيات أو الأسرة أو الفن أو الدين أو الحرية أو الأخوة، ولا أعلم كم من المفاهيم التي تستجيب لضرورات إنسانية ولم يعد يتبقى منها غير تقاليد هيكيلة؛ إذ تم تفريعها من محتواها الأساسي، لقد صدرنا أحد مطبوعاتنا بجملة ديكارت: «لا أريد حتى أن أعرف إن كان هناك رجال قبلي»، وتعني أننا أردنا رؤية العالم بعيون جديدة، وأننا أردنا إعادة تأمل أسسه مباشرةً وأن نختبر الصواب، والمفاهيم التي فرضها علينا أجدادنا، مثلما يقول «تزارا».١٦٧
وعلى المستوى الأدبي، تتخذ «دادا» مظهر أعنف عدوان سبق توجيهه إلى الأدب: فليس المقصود تقويض أساس الأدب «الفني» والامتثالي فحسب، وإنما كل إمكانية للأدب أيًّا ما كانت، وذلك من خلال الفوضى والتنفار والتشويش، و«البيانات» الدادائية الشهيرة،١٦٨ التي يقرؤها الدادائيون بين الجمهور وسط فوضى لا توصف، و«المشهد اللغز»١٦٩ (هذه القصيدة المكونة من مقتطفات مقتطعة — كيفما اتفق — من الجريدة وتم تجميعها بشكل اعتباطي)، والاستخدام «الشعري» الذي يزعم الدادائيون صنعه من الأماكن العمومية، والأمثال والجمل الجاهزة،١٧٠ تتخذ نفس الاتجاه (الذي سبق أن أشار إليه «لوتريامون») بإقامة المساواة الكاملة بين كل أشكال التعبير، ومنحها شرفًا فنيًّا واحدًا، فماذا يمكن القول سوى أن «الأدب لا وجود له»؟ موقف يقود مباشرة إلى الصيغة المباشرة ﻟ «القصيدة» التي أملاها «تريستان تزارا»:

لصناعة قصيدة دادائية

خذ جريدة
خذ مقصات
اختر من هذه الجريدة مقالًا له نفس الطول الذي تزمع أن
تكون عليه قصيدتك
قص المقال
بعد ذلك قص بعناية كل كلمة يتكون منها هذا المقال وضعها في حقيبة.
حرك ببطء
أخرج بعد ذلك كل قصاصة الواحدة بعد الأخرى حسب النظام الذي خرجت به من الحقيبة.
انسخ بدقة.
القصيدة ستشبهك.١٧١
وإزاء موقف كهذا، ندرك إلى أي مدى يجد النقد الأدبي نفسه منزوع السلاح، عندما يستهدف الحكم على أعمال تهدف عمدًا إلى تحطيم كل شكل وكل بنية أدبية، ولا شك أننا نجد النزعة في قمة نضجها، وإنجازها، لما كان بذرة لدى «رامبو» و«لوتريامون»: التمرد على الجمال الشكلي، واستخدام أسلوب «منثور» وأحيانًا نثري عن عمد، والانقطاع، ورفض الأطر المنطقية، لكن «رامبو» و«لوتريامون» كانا — في نفس لحظة هدمهما — يشيدان ويضعان أسس جمالية جديدة («رامبو» على نحو خاص): ويقود التمرد الدادائي إلى الفوضى اللاعضوية، وهو (تمرد) عدمي، فماذا نظن بقصائد «تزارا» على وجه الخصوص؟ فباعتبارها قصائد دادائية حقًّا، فهي غير قابلة للقراءة: فهي متنافرة عن عمد، و«مفسدة للعقل»، سواء قدمت تتابعًا لجملٍ جاهزة أو أسجاعًا تتوالد الواحد من الآخر:
الفن كان لعبة بندق الأطفال كانوا يجمعون الكلمات التي لها رنين في الختام، ثم يبكون ويصرخون الفقرة الشعرية، ويضعون لها حذاء العرائس، والفقرة الشعرية تصبح ملكة لتموت قليلًا، والملكة تصبح حوتًا الأطفال كانوا يجرون إلى أن انقطعت أنفاسهم.١٧٢

أو تقدم حالة متقدمة من تفكيك اللغة وانحلالها إلى أبسط عناصرها:

a e ou o youyouyou i e ou o
youyouyou
drrrdrrrdrrrgrrrgrrr
morceaux de durée verte voltigent dans ma chambre
a e o i ii i e a ou ii ii ventre ١٧٣   ١٧٤
وبالعكس، فبقدر ما يتمتعون بموهبة القدرة الشعرية (وعلى نحو خاص بعد ما ينبغي أن نسميه حقًّا «المرحلة الشعرية» لتزارا)، وهو ما يفترض بالضرورة انتظام مادة الكلام، فهم لا يمكن أن يثيروا الشك من وجهة نظر «دادا»، إذ يكفون عندئذٍ عن أن يصبحوا دادائيين، وينبغي ملاحظة أن التنظيم — وخاصة التنظيم الشكلي — محسوس بشكل خاص في القصائد المنظومة، حيث نرى «تزارا» يجيز بعض تأثيرات التماثل والتكرار،١٧٥ وعلى النقيض، يتخلص النثر — الأكثر مرونة ولاعضوية، في «الرأس المضادة» على سبيل المثال — من كل القيود، لا المنطقية فحسب، وإنما أيضًا الخاصة بتركيب الجملة:
رغم رقصة «الشلكون» التي تشع بنباتات الأوركيد الجروح الصامتة كيف يمكن أن من أيام اغتيالنا نحو النوافذ الصغيرة الأخرى التي تمنح النهار للرب المؤسسة على زوجات من أرض معانقة الألوان ومن نسغ الجبهات المقطبة تولد الشبكات المجعدة لمصطاف في ليل الفراولة المهروسة واقتلاع النعال من الممرات اللزجة بما يتطلب ما يتطلبه المندمج الذي يتطلب ما يتطلب …١٧٦

لكن هل يمكن الحديث هنا أيضًا عن قصيدة؟ فبهذا المستوى من تفكيك اللغة، فإن القوى الفوضوية، المتأصلة كما نعلم في قصيدة النثر (لأنها لم تعد خاضعة للسيطرة، و«لا تستخدم» بطريقة شعرية من جانب أية إرادة خلاقة)، ستقود القصيدة إلى التشويش مباشرة: فلدينا الانطباع بأننا إزاء توالد سرطاني لخلايا اللغة — التي تركت لقوتها المشوشة — بما سيهدم توازن الجملة والقصيدة، ويؤدي في النهاية إلى موت اللغة بالاختناق.

والواضح للغاية أننا لا نستطيع أن نكن ضغينة للدادائية لأنها لم تنتج أعمالًا ذات قيمة على المستوى الأدبي: فمنطقها الخاص كان ينفي كل فن، حتى الحديث، والدادائي، وحسب صيغة «ج. إ. بلانش»،١٧٧ ما كان يمكن ﻟ «دادا» أن تبقى إلا «بالتوقف عن الوجود».
لكن ينبغي الاعتراف بأن الدادائيين لفتوا الانتباه — منذ البداية، وبكل قوة — نحو ما سيصبح بالنسبة للسيريالية القضية الرئيسية، بالتحديد مشكلة اللغة، وعندما يعارض تزارا «الشعر–أسلوب تعبير» ﺑ «الشعر–فاعلية فكر»، وعندما يحرض اللغة: «إذا لم تستطع «دادا» التهرب من اللغة فإنها قد أوضحت المتاعب التي تسببها والعوائق التي تضعها أمام تحرير الشعر»،١٧٨ فإننا نشعر تمامًا — مثلما يقول «ر. لاكوت» — «في قضية اللغة هذه، أن تزارا معذب إلى أقصى حد بمأساة تصل لدى الأذهان الميتافيزيقية، إلى حد الألم، وهي، بالتحديد، مأساة التعبير»،١٧٩ لكنه ليس الوحيد في هذه الحالة: فبدون أن نعود حتى إلى «لم أعرف كيف أتكلم» لرامبو، وإلى موقف التدمير الذاتي للوتريامون، أليس دالًّا أن نرى مجلة «ليتراتور» ترحب ببولون، الذي نعلم اهتماماته وأعماله المتعلقة باللغة، وتنشر «أشعار لوتريامون» (أتحفظ على هذا العنوان الخاطئ) مع «ملحوظة» لبريتون يقول فيها: «أليس هذا هو رهان كل قضية اللغة»؟١٨٠ فلنُشِر على عجل إلى كيفية طرح القضية، قبل أن نرى كيف سيدعي السيرياليون حلها، والتبعات التي ستنتج فيما يخص الشكل الأدبي.

إن قصور اللغة عن ترجمة الفكرة هو فعل تجربة: ففي تركيب الجملة والمفردات وتقاليد العرض الأدبي، الكل يخون، والكل يشوه التعبير عن فكرنا في قوالب جاهزة تتطلب التخلي عما كان شخصيًّا بشكل لا يختزل فيه، فضرورة التوضيح، والتبسيط، تحرف وتبتر مشاعرنا العميقة، ماذا نقول عن الكلمات، وقصورها المعلوم، وعن الصورة المتهافتة والمبتذلة التي تقدمها لنا أقوى أفكارنا وأكثرها تفردًا؟ وبمعنى ما، فإن الطريقة التي تعرقل بها اللغة فردانيتنا وتقمعها هي انعكاس للطريقة التي تعرقل بها القيود الاجتماعية الأفراد: وقد أمكن القول مع «دادا» إنها — وهي تستهدف اللغة — كانت تستهدف، في نفس الوقت، التنظيم الاجتماعي كله.

واللغة الأدبية، أكثر من أي شيء آخر، تضع الأديب في طريق مسدود، فلأن الفنان يبالغ في الانشغال بالجمال الشكلي لعمله، فإنه يقع في فخ البلاغة على حساب الصدق والحقيقة، لكنه إذا ما سعى إلى سيطرة الفكرة على الكلمات، فيحدث أن يتزايد وقوعه في البلاغة: إذ إن «الإرهابي»، (مثلما أسماه «جان بولان»،)١٨١ في بحثه اليائس عن الكلمات التي تترجم أفكاره بدقة، وعن التعبيرات غير المسبوقة، التي تتوافق بلا خلل مع رؤاه الخاصة عن العالم، «يلقي بنفسه في قلب اللغة لأنه أراد تجنبها»، وهو يظن أنه يكسر رقبة الفصاحة، ويحتقر التقنية، ويخترع فصاحةً وتقنيةً جديدتين: نعلم أن «فيكتور هوجو»، العدو السافر للبلاغة، هو نموذج البلاغة، وهكذا، بين المؤلف والقارئ، يبقى سوء فهم أبدي: فحيث لا يفكر الكاتب إلا في البقاء مخلصًا بلا مساومة لفكره، وعالمه الداخلي، يعتبره القارئ صانع كلمات، ومدعي فن؛ وإذ يحلم بالوصول إلى مطلق اللغة حيث يمكن للكلمات اللاتواصلية والكاملة أن تقدم معادلًا دقيقًا للكون (كما في حالة «مالارميه»، على سبيل المثال)، لا يتأثر القارئ إلا بفرادة أساليبه في الكتابة، والمكان العمومي نفسه، «الكليشيه» نفسه، يتيح سخافات دائمة؛ وذلك لأن القارئ لا يعرف أبدًا بالضبط ما إذا كان الكاتب يستخدمه بمدلول ذي مغزًى فحسب ودون الإحساس به كصورة، أم إنه يحفظ له (أو يمنحه) قيمةً تشخيصية،١٨٢ ومع ذلك، فمن يرفض استخدامه يعترف بكونه غامضًا ومتصنعًا.
لكن من الذي يشعر بضيق شديد بين الأدباء أكثر من الشاعر؟ لا لأن قيود تركيب الجملة والبلاغة تضاعف — بالنسبة له — هذه القيود الأخرى المتعلقة بالنظم والعروض، أو — عندما يكتب نثرًا — الضرورات الشكلية الأكثر رهافة، التي لا يهرب منها، في أحيان كثيرة، إلا ليقع في النثرية prosaisme، لكن الشاعر محكوم — بفعل ضرورة فنه نفسه — بأن يجعل استخدام اللغة ملتبسًا، ليستخدمها في آن للتعبير والخلق، لتمثيل العالم ومنحنا — في آن — الشعور بعالم مختلف، وكي يمنح الكلمات (لجمالها وأصالتها) أهمية أكبر، ويجعلنا — في آن — نشعر بما يتجاوزها، بما لن يكون تعبيرها الأخير والكامل عنه سوى الصمت، إنها الرغبة في الاستجابة لضرورات مؤلمة تترجمها جمل من قبيل جملة «رامبو»: «كنت أكتب صمتًا»،١٨٣ أو جمل «مالارميه»: «أن يستدعي معه الشيء الصامت، في ظلٍّ جلي، من خلال كلمات إيحائية غير مباشرة أبدًا، مقتصرًا على صمت متكافئ، يقتضي محاولةً قريبة من الإبداع»،١٨٤ ونستطيع القول إن الشعر كله، على نحو ما، ما هو إلا محاولة يائسة لمصالحة ما لا يمكن مصالحته، والصراع مع ما هو غير قابل للوصف، لكن ذلك أكثر صحة على نحو خاص بالنسبة للشعر ذي الاتجاهات الميتافيزيقية الذي نشأ وتطور منذ نهاية القرن التاسع عشر، بالمعنى الذي أشار إليه «بودلير» و«رامبو» و«مالارميه»، نخشى أن تكون نهاية مساعٍ كهذه هي الخرس النهائي، والفناء الأخير للغة الشعرية في الصمت الذي تلتمسه إذا جاز القول، ويجتذبها بشكل دائم؟ وكلما حاول الشاعر أن يكون سيد الكلمات، واستخدم اللغة بمهارة بالمحافظة على البعد الخفي منها، وبإحالة ما هو جوهري في رسالته إلى فراغات النص، كلما ترصد له إغواء الصمت، لكنه يستقيل، إذا ما خضع له، من وظيفته كشاعر.
ألا يمكننا حينئذٍ، للخروج من مأزق كهذا، أن نعكس هذه الطريقة وأن نضع — حسب تعبير «تزارا» — «الثمرة أمام الكلمات»،١٨٥ وبدلًا من الرغبة في التأثير على الكلمات وإعادة بناء اللغة، نحاول أن نثق في الكلمات؟ لم يفعل الدادائيون — رغم انشغالهم بتدمير أسس اللغة نفسها — سوى استشفاف الجانب الذي يمكن استخلاصه من موقف كهذا، وكان منتظرًا للسيرياليين أن يمارسوه بمنهجية، وأن يريدوا بوعي كامل أن «يعيدوا الكلمة الإنسانية إلى جوهرها وفضيلتها الإبداعية الأصليين».١٨٦

(٣) السيريالية ومشكلة اللغة

من المثير أن نعلم أن «أندريه بريتون» — (وهذا ما يحكيه في «البيان الأول»)١٨٧ — قد وجه محاولاته الشعرية الأولى — بالتحديد — نحو الإيحاء والصمت، فيكتب، وهو متحمس وقتئذٍ لرامبو ومالارميه،١٨٨ «جبل التقوى»، ويستمد «من السطور البيضاء لهذا الكتاب جانبًا مذهلًا»،١٨٩ «أخذت — حسبما يقول — أدلل الكلمات بإفراط من أجل الفراغ الذي تسمح به حولها، ولتماسها مع كلمات أخرى لا تحصى لم أنطق بها»،١٩٠ ويمكننا القول إن «بريتون» في المرحلة الأولى هذه يحاول أن يؤثر على الكلمات، وعلى الجمل، بأن يقول الأكثر من خلال الأقل، بأن يخلق لنفسه لغة شعرية يبدي فيها الإيحاء والإضمار واختصارات التعبير١٩١ — في كل لحظة — إرادة الكاتب المبدعة، وقد توصل — بلا شك — منذ هذه الفترة (أي حوالي عام ١٩١٦م)، إلى أنه «يمكن وينبغي إنقاذ اللغة من الاستهلاك والشحوب الناجمين من وظيفتهما التبادلية الأساسية»، وأن على اللغة الشعرية أن «تتمايز إلى أقصى حدٍّ ممكن عن اللغة الدارجة» باللجوء إلى طاقات الإيحاء و«القيمة الانفعالية للكلمات «أكثر من لجوئها إلى معانيها، وعلى الكلمات أن تتجمع وفقًا لقرابات خفية تسمح لها بأساليب جديدة لا نهائية»،١٩٢ لكنه لم يكتشف بعد منهج الكتابة الذي سيسمح له أن يحسب حساب الخفي والمجهول في «خيمياء الكلمة» هذه، وفيما بعد بكثير، سيؤكد «بريتون» على التفاوت الجذري الذي يفصل بين شعراء المطلق وشعراء المجهول، المصممين أيضًا على الفوز بلُقًى لغوية جديدة من خلال تراكيب غريبة للكلمات، استنادًا إلى ما «يقرره» الشاعر من «اعتبار نفسه سيدًا أو عبدًا لتراكيب من هذا القبيل»،١٩٣ فهناك — من ناحية — من يسميهم «العقول القوية للمدرسة المالارمية»، الذين تورطوا، حسبما يقول، من فرط المبالغة في رغبة السيطرة، وهناك — من ناحية أخرى — «لوتريامون» و«كرو» و«كرو» و«رامبو» و«نوفو» و«كوريير» و«جاري»، كل من «استسلم في عجز تام لهذه التركيبات، الذين لم يبحثوا عن معرفة إلى أين يقودهم أبو الهول، وجسدهم مثخن بآثار المخالب، هم الذين لم يعرفوا التخابث معه»، وبعد أن جرب «المغامرة الشعرية» بالمعنى الذي ذكره «مالارميه»، وبعد أن سعى للعثور — من خلال وسائل مصطنعة إلى حدٍّ بعيد — على «نظام» رامبو، «متحديًا الغنائية بضربات التعريف والوصفات»،١٩٤ لن يلبث «بريتون» أن يتحقق من أنه ضل الطريق، وأن «الوضوح هو العدو الأكبر للكشف»،١٩٥ لكن هذا الكشف — الذي كان يهرب منه كلما اجتهد في الحصول عليه من خلال الأساليب الأدبية — سيحصل عليه، في النهاية، من خلال صوت اللاوعي.
وقد حكى «بريتون» بنفسه كيف فرض أسلوب الكتابة الآلية نفسه عليه، إذا جاز القول، لأول مرة في شكل جملة غريبة على تفكيره الواعي، جملة «التي كانت ترتطم بالزجاج»، وكانت تطالب بأن تنسخ،١٩٦ ومنذ خريف عام ١٩١٩م، نشرت «ليتراتور» — تحت توقيعي «بريتون» و«سوبول» المشترك — الفصول الثلاثة الأولى من «حقول مغناطيسية»، أول كتابة آلية، والأمر يتعلق حقًّا بنثر، وربما يمكن الاعتقاد ﺑ «قصيدة نثر»، لكن طريقة الكتابة، وأيضًا الهدف المرجو من هذا المنهج الشعري الجديد، لم يكن لهما مثيل في الأدب: ومنذ هذه الحقبة، وفي قلب خرائب «دادا»١٩٧ المكدسة، نرى تجسد حركة بنائية، ستستخدم الكتابة الآلية (وبشكل أوسع، الشعر) كأداة تنقيب ذهني وكشف للمجهول.
ما الذي يتوقعه السيرياليون إذن من الكتابة الآلية، التي لم يكف «بريتون» عن منحها قيمة من الدرجة الأولى؟ يتعلق الأمر، مثلما نعلم، بالإنصات إلى ما يسميه «بريتون» الهمس،١٩٨ إلى هذه الرسالة التي ينقلها اللاوعي والتي تنتظر دائمًا أن نمنحها شكلًا، «طالما هو حقيقي أن هناك في كل ثانيةٍ جملة غريبة عن تفكيرنا الواعي لا تطلب سوى الظهور»،١٩٩ وأن نسمعها، إذن، ونخطها بأكثر درجات الإخلاص الممكنة وبدون تدخل الفكر النقدي، الذي اعتبره السيرياليون دائمًا «العدو العام رقم ١»٢٠٠ للرائع، وبأسرع ما يمكن لتجنب إغراء فهم الجمل، أو تأمل «الصورة البصرية، المفسدة للهمس»،٢٠١ لم يعد المقصود أبدًا «صناعة» قصائد بأية طريقة: فالسيريالية تدعونا إلى «ممارسة الشعر»٢٠٢ كمنهج للتواصل لا مع «دهاليز الوجود المظلمة»٢٠٣ فحسب، بل أيضًا مع خفايا الكون، وقد أكد «بريتون» دائمًا على «المساواة المطلقة لكل الكائنات الإنسانية الطبيعية إزاء الرسالة نصف الواعية»،٢٠٤ فلا شيء أكثر خطورة — بالنسبة له — من الموقف الفني الذي يؤدي إلى تحريف كلمات الرسالة، لأسباب جمالية، وأمام أصوات الصمت، ما على «الشعراء»، إلا أن يكونوا — حسب تعبيره — «أجهزة تسجيل»٢٠٥ متواضعة.
ولم يغب عن النقاد المعنى المزدوج لتجربة من هذا القبيل: فالأمر يتعلق — في آن — بإدراك الوجود في «الحياة المباشرة» الخاصة به، والتقاط التدفق الذهني في نضارته وسيولته الأولى، بالتحرر من القيود المنطقية والخاصة بتركيب الجملة، وفي نفس الوقت نسخ رسالة وسيطة إذا جاز القول، وانتظار كشف من التلاعب بالألفاظ التي تتركب بحرية، وقد استسلمت — إذا صح القول — لنفسها، «فمن ناحية، على ما يكتب «م. بلانشو» بشكل جيد للغاية، ليست الكلمة — بحصر المعنى — هي التي تصبح حرة في الكتابة الآلية، لكن الكلمة وحريتي لا تصبحان سوى شيء واحد، أنسل في الكلمة، فتحتفظ ببصمتي وهي واقعي المطبوع، وهو يلتحم بعدم التحامي، لكن حرية الكلمات هذه — من ناحية أخرى — تعني أن الكلمات تصبح حرة لذاتها، فهي لم تعد تتبع الأشياء التي تعبر عنها بالضرورة، بل تتصرف لحسابها، تلعب و— مثلما يقول «بريتون» — «تمارس الجنس»،٢٠٦ وإذا ما كان المظهر الأول للكتابة الآلية، الذي يمكن أن يستند، مثلما أكدت عليه كثيرًا الكتابات النقدية، إلى «فرويد» و«برجسون»،٢٠٧ وقد أتى بكشوف عن «العمل الحقيقي للفكر»،٢٠٨ وعما يحدث في الأعماق الخفية للكائن، فإنه يتضمن رفضًا حقيقيًّا للأدب: والحقيقة أن السيرياليين قد فجروا الحرب منذ البداية ضد مفاهيم الموهبة والعمل (الفني) والقصيدة، وضد «تصادم الكلمات» لواحد من قبيل «باريه»٢٠٩ والوسائل الشكلية بوجه عام، كل الناس سواسية أمام الرسالة نصف الواعية، ولا شك أن الأفضل — لتسجيلها بلا تحريف — عدم امتلاك أية موهبة فنية وأية قصدية «شعرية»، ورغم هذا، فلا يمكن إنكار أن السيريالية — من ناحية أخرى — تستند على طاقات اللغة، وتأمل كل شيء من الكلمات: «فإذا ما ارتكزت البلاغة، مثلما يقول «جان بولان»، على إثبات ان الفكرة تنشأ من الكلمات، فلا شك أن السيريالية هي البلاغة، حسبما يكتب «بلانشو».٢١٠
ولا ينبغي أن يفاجئنا هذا الوجه الآخر للموقف السيريالي: فهو النتيجة المنطقية لتحرير اللغة الذي حققته الكتابة الآلية، فاللغة ليست فحسب وسيلة تبادل وتواصل، شيئًا جامدًا، مرآة للفكر، إنها تتوفر على حياتها الخاصة، وخصائصها المضمرة، لقد أكد السيرياليون دائمًا على إيمانهم بوجود حياة للكلمات، وبحقيقة خفية تجسدها الكلمات، وأنها وحدها يمكنها الكشف شرط أن نتبعها بطاعة إلى حيث تقودنا، وفي مقالة حول «الكلمات بلا تجاعيد»، يؤكد «بريتون» على هذه الأفكار: فمن ناحية، بتأمل الكلمة في ذاتها، أي خارج معناها (الذي لا يمثل إلا قيمة تبادلية)، ومن ناحية أخرى، بردود فعل الكلمات على بعضها البعض، يمكننا أن نأمل في «منح اللغة غايتها الكاملة»، مما دفع البعض، حسبما يضيف، «وأنا كنت واحدًا منهم، إلى القيام بخطوةٍ كبيرة للمعرفة، وتمجيد الحياة كذلك»،٢١١ وبمنح الحروف المتحركة لونًا، بدأ «رامبو» في تحويل الكلمة «من واجبها الدلالي»،٢١٢ ولنفس السبب، يتمتع «كوب النرد»، و«قصائد مرسومة» لأبوللينير، بالإضافة إلى «التلاعب بالألفاظ» لدوشان ودينو، مثلما يقول «بريتون»، بأهمية بالغة: فقد ساهموا في التأكيد على فكرة أن «التعبير عن فكرة إنما يعتمد على مظهر الكلمات أكثر من اعتماده على معناها»،٢١٣ ونعلم أنه في حوالي عام ١٩٢٢م، كان «روبير دينو»، الذي يتمتع بالقدرة على التنقل حسبما يشاء، فورًا، من تفاهات الحياة العادية إلى مجال الإشراقات الكاملة والتدفق الشعري»،٢١٤ وذلك من قبيل الأشياء الخارقة (والذي انكب فيما بعد على تجارب معملية حقيقية حول اللغة)، كان يثير دهشة السيرياليين بإطلاقه فيضًا من «التلاعبات بالألفاظ»، خلال هذه الحالة الثانية، وقد جُمعت تحت عنوان «روز سيلافي» «Dans un temple en stuc de pomme le pasteur distillait le suc des psaumes = في معبد من جص التفاح كان الراعي يستقطر نسغ المزامير، Rose Sélavy au seuil des cieux porte le deuil des dieux = روز سيلافي على عتبة السماوات ترتدي ثياب حداد الأرباب، Aimable souvent est sable mouvant = المحبوبة كثيرًا ما تكون رملًا متحركًا»:٢١٥ نجد هنا طريقة شبه حسابية، باللجوء إلى الإبدالات الحروفية والتماثلات اللفظية، لإظهار فكرة الكلمات المتقاربة دون الانشغال بمعناها، فقط بسبب قرابتها الصوتية، والمدهش أن نرى الاهتمام الذي تثيره كل هذه المحاولات بين السيرياليين، حيث يوجد «نوع من الأمل الغامض في إعادة تشغيل الفكر بتعريض اللغة للخطر بشكل منتظم، انطلاقًا من حدٍّ أدنى من الالتباس الذي يكمن في أصواتها»،٢١٦ مثلما سيقول «بريتون» في حديثه عن «ريمون روسيل»، وهو رائد آخر في هذا المجال: «ألعاب»، سيريالية، وأمثال معكوسة، و«معجم» ميشيل ليريس في «الثورة السيريالية» (أرص فيه تعليقاتي»): الهدف من هذه الخيمياء اللفظية لا يكمن في الحصول على تأثيرات أدبية فريدة، من خلال تركيبات جديدة مصاغة بهذه الطريقة، وإنما «تحقيق التماس» بين الكلمات كي يخرج منها ضوء كاشف، فالأمل عند تقصي الكلمات هو اكتشاف «مزيتها الأكثر خفاءً، والتشعبات في قنوات من خلال تداعيات الأصوات والأشكال والأفكار»: عندئذٍ، مثما يقول «ميشيل ليريس»، «تتحول اللغة إلى وحي».٢١٧
والواقع أننا لا ينبغي أن ننخدع بالمظهر السخيف ﻟ «التلاعب بالألفاظ» هذا: فلا يهدف السيرياليون من خلاله لشيء سوى اللحاق بالتيار الفلسفي الكبير و«القبلاني» الذي دفع الغنوصيين والشعراء إلى القبول بإمكانية الارتقاء بالكلمات إلى أفكار (بدلًا من النزول — مثلما يحدث في الاستخدام العادي — بالأفكار إلى كلمات)، «بما أن كل كلمة فكرة» مثلما يقول «رامبو»،٢١٨ والتوصل بذلك إلى تحقيق رؤى مذهلة، وربما التغلغل في أسرار الخلق الخفية، ويدعونا «بريتون» نفسه إلى تحقيق التقابر عندما يعرب عن أسفه، خلال حديثه عن «خيمياء الكلمة»، على أن «رامبو» أدرك كلمة «كلمة» بمعنًى محدود إلى حدٍّ ما: «الكلمة — كما يقول — أكثر من ذلك، وهي لا شيء — على الأقل بالنسبة للقبلانيين على سبيل المثال — سوى ما خُلق على صورة الروح الإنسانية، ونعلم أنهم ارتقوا بها إلى حد أن تصبح النموذج الأول لسبب الأسباب»،٢١٩ وبشكل أكثر وضوحًا، يصرح، في مقال كتبه بمناسبة «المعرض السيريالي» عام ١٩٤٧م: سيدور التساؤل حول سر الاهتمام الحار الذي أثارته بالتناوب، في قلب السيريالية نفسها، «التلاعبات بالألفاظ» التي قام بها «مارسيل ديشان» و«روبير دينو»، واكتشاف جميع أعمال «جان– بول بريسيه»، والعمل الأخير لريمون روسيل: «كيف كتبت بعض كتبي «التي لا يرجع الازدهار الرائع الذي يأخذ في النشاط المسمى «علم الصوتيات القبلاني» في وقتنا الراهن، إلا إليها (هذه الأعمال)،٢٢٠ نرجع هنا إلى معتقدات قديمة للغاية تتعلق باللغة، التي تم النظر إليها في دورها المزدوج كأداة معرفة وأداة سلطة، وإذا ما قبلنا، شأن القبلانيين، بوجود تماثل أساسي بين بنية اللغة وبنية الكون، فيمكننا في الواقع اعتبار الكلمة مالكة لقيمة بدئية initiatique،٢٢١ وأن تأمل اللغة يمكن أن يقودنا إلى فهم العالم؛ (ولهذا؛ على سبيل المثال، يضفي «بريتون» أهميةً على هذيانات واحد من قبيل «جان–بيير بريسيه»، التي يترجم فكرتها الرئيسية كما يلي: «الكلمة التي هي الله احتفظت في طياتها بتاريخ النوع الإنساني منذ اليوم الأول، وفي كل لغة بتاريخ كل شعب، بثقة، وبشكل لا يقبل الدحض بما يثير حيرة البسطاء والعلماء»)،٢٢٢ لكن السيرياليين يقبلون — في نفس الوقت، شأن القبلانيين — بالإيمان الغابر بالقدرة الخالقة للكلمات:٢٢٣ فإذا لم تكن الكلمات علامات اعتباطية، لكنها الكون متجليًا حقًّا، فإن التأثير عليها هو تأثير على الكون،٢٢٤ وتفويض الأمر لها، مثلما يفعل الشاعر الذي يثق دائمًا — إلى هذا الحد أو ذاك — في القوى الخفية للغة، يمكن أن يجعلنا نعثر على القوة الأصلية ﻟ «الكلمة»، التي شوشتها العقلانية: فتحرير الخيال اللفظي هو تحرير للإنسان، ذلك ما يمكن «بريتون» من أن يكتب أن على الكلمات أن تصبح، أو تصبح مرة أخرى، «مولدات للطاقة»،٢٢٥ وذلك أيضًا ما يمكننا من القول إن السيرياليين ينحون — من خلال التحويل اللفظي، مثلما يفعل الخيميائيون القدامى من خلال تحويل المادة — إلى استعادة القدرات المفقودة، وإلى تحويل الإنسان،٢٢٦ وندرك — من الآن فصاعدًا — لماذا يقف «بريتون» بقوة ضد أي تشبيه للسيريالية بأية حركة أدبية: «لا يتعلق الأمر إطلاقًا بالنسبة لنا بإيقاظ الكلمات وإخضاعها لمعالجة بارعة لنجعلها تساهم في إبداع أسلوب مثير للاهتمام مثلما ينبغي، فتقرير أن الكلمات هي المادة الأولية للأسلوب يكاد يكون في نفس براعة اعتبار الحرف قاعدة للأبجدية، والواقع أن الكلمات هي شيء آخر حقًّا وربما تكون كل شيء»،٢٢٧ فإلى السيريالية وطموحها الأدبي المتطرف في النهاية، تئول جميع الاتجاهات «الخفائية» التي التقينا بها سابقًا لدى الشعراء، منذ «بودلير»، الذين يرون في اللغة أداة معرفة وإبداع، ويريدون أن يصنعوا من الشعر «شعوذة إيحائية»،٢٢٨ و«خيمياء الكلمة»،٢٢٩ واستعادة ﻟ «المؤلَّف الكبير».٢٣٠
ها نحن نعود إذن إلى نقطة انطلاقنا: فالأمر يتعلق حقًّا، بالنسبة للسيرياليين، مثلما هو بالنسبة لبودلير أو مالارميه على سبيل المثال، بمضاعفة قدرات اللغة، لكن الأساليب المستخدمة مختلفة بشكل جذري: فبدلًا من التأثير على اللغة لخلق تراكيب لفظية جديدة بوضوح كامل، يجدر بنا الخضوع للكلمات ولقوتها الخفائية، وتركها تتجاذب، وتندمج، وتتجمع في كوكبة نجوم غريبة، حيث «أعلى درجة عبث مباشر»،٢٣١ فيها هي — على نقيض ما يعتقد الذوق السليم العادي — الضمان الأكيد للأصالة والقوة الكاشفة (ولهذا؛ فقصيدة «عباد الشمس» الآلية، التي كتبها «بريتون» عام ١٩٣٣م، لم تبدُ له كاشفة ونبوئية إلا بعد ذلك بعشر سنوات)، ومثلما نرى، تنطوي هذه النظرية على انقلاب للموقف الشعري الذي كان يتخذه «بريتون» الشاب في البدء: فبدلًا من استخدام فن إضماري elliptique ومكثف،٢٣٢ والكفاح ضد الصدفة «كلمة كلمة»، حسب تعبير «مالارميه»، ينبغي على النقيض الاعتماد على الصدفة («الصدفة الموضوعية»)،٢٣٣ وإدخالها في لعبته، و— على نحو خاص — المحافظة على استمرارية التدفق اللفظي: «فأقل فقدان للاندفاع يمكن أن يكون مميتًا لي»، حسبما يكتب «بريتون».٢٣٤
ينتج من ذلك أن الشعر الآلي هو — في جوهره — شعر تلاحق لفظي، شعر تلقائي، عدو الشطب،٢٣٥ حيث تترابط الكلمات من خلال تداعي الأفكار، أو الإصاتات، المرتبطة الواحدة بالأخرى وفقًا لقوانين كثيرًا ما تفلت منا، وهي لا تستعيد سيادتها بالنسبة للجملة المنطقية إلا كي تدخل فورًا في عالم جديد من العلاقات، حيث يترابط كل شيء، مثلما في عالمنا الحقيقي المعاد إنتاجه هنا، على نحو ما، بشكل تماثلي، ﻓ «الكلمات، ومجموعات الكلمات التي تتلاحق تمارس فيما بينها أكبر تضامن»، حسبما يقول «بريتون».٢٣٦
وينبغي التأكيد هنا على أن تحرير اللغة نتيجة طبيعية لتحرير الخيال: ومثلما كان ينبغي على حجر الفلاسفة «أن يتيح لخيال الإنسان أن يحقق ثأرًا مدويًّا من كل الأشكال»، مثلما «يكتب «بريتون»، يتوفر للسيرياليين طموح «التخطي النهائي لهذا الخيال»،٢٣٧ والواضح أن تحقيق تقارب الكلمات بطريقة اعتباطية (ظاهريًّا) يؤدي — في نفس اللحظة — إلى تحقيق تقابر بين التمثيلات representations التي تقدمها لنا هذه الكلمات: وندرك ما يكتبه «بريتون» — منذ هذه اللحظة — من أنه يكفي، بصدد «روسيل»، أن نوصل «أي اسم موصوف بأي اسم موصوف آخر كي يظهر لنا عالم من تمثيلات جديدة على الفور»،٢٣٨ ونعلم أية أهمية منحها السيرياليون — منذ البداية — ﻟ الصورة، لكن للصورة الاعتباطية بأكبر قدر ممكن: وفي معارضته — في هذه المسألة — لريفيردي، الذي يطالب بأن تكون العلاقات بين حقيقتين متقاربتين «متباعدة وصائبة»،٢٣٩ يقول «بريتون» عن الصورة: «إن أكثرها تأثيرًا بالنسبة لي، هي التي تقدم أعلى درجات الاعتباطية، وهو ما لا أخفيه»،٢٤٠ لا يتعلق الأمر بالبحث عن الصورة أو خلقها، فهي تفرض نفسها علينا كشرارة دمعة تندفع «من التقارب العارض — على نحو ما — لكلمتين»،٢٤١ فسواء كانت نتيجة تلاعب بالألفاظ، مثلما يحدث مع «دينو» («في نعاس روز سيلافي هناك قزم خارج من بئر يأيت ليأكل خبزه ليلًا»)،٢٤٢ أو ذات نسق هذياني (هي صورة «بريتون» الشهيرة: «على الجسر كان الندى ذو رأس القطة يؤرجح نفسه»)، أو تدمج بطريقة عبثية ظاهريًّا المجرد والملموس («اللامع المخشوشن لاضطرابات الحرية»، كما يكتب «أراجون»)، فإن مزية صورة كهذه تكمن في تضليل وإضاءة فكرنا في آن.
إن تقنية الصورة السيريالية، بتحريرها لموضوع القوانين الذي يثقل على المادة، وبممارسة نوع من «التفكيك» للموضوع الحقيقي، يتيح له «التحرر من جوهره الوحيد، واكتساب ليونة وسلاسة خاصتين بتجديد نظام التوافقات»، كما يكتب عن حق تمامًا «إيجبيلدانجيه»،٢٤٣ فالخيال «يزيد حيوية» المادة، وهو يجسد الفكرة، ويحرر الإنسان من الزمن، والمكان، والقوانين القمعية لعالم يوجه ضده — مثلما يقول «بريتون» — «حرب استقلال»،٢٤٤ ونجد هنا النزوع، السابق دراسته، للشعر «الفوضوي»، إلى تحرير الإنسان من القوانين المنطقية والفيزيقية، وسبق أن استشهدت بكلمة «أراجون»: «تبدأ الحيرة من حيث يولد الرائع»،٢٤٥ وبفضل الصورة، يكف إدراك «الحقيقي والخيالي» بطريقة متناقضة،٢٤٦ وعندما يتم تخطي التناقضات القديمة المفتعلة التي تنحو إلى منح الإنسان «فكرة محددة عن وسائله»،٢٤٧ تنتفي ضرورة ممارسة قيود الفكر المنطقي والنثري، ولهذا يصرح «بريتون» أن على الشاعر «أن يعمق أكثر دائمًا — وبتصميم — الهوة التي تفصل فنه عن النثر، وهو يمتلك لهذا (الغرض) أداةً وأداةً وحيدة، قادرة على التنقيب دائمًا بشكل أعمق هي الصورة، ومن بين كافة أنماط الصورة الاستعارة»،٢٤٨ فمن خلال قوتها التفجيرية، والإشراقة التي تستثيرها، تصبح الصورة حقًّا «العنصر المولد» لعالم جديد، ﻓ «أفضل أنماط التعبير المختارة، التقليدية دائمًا إلى هذا الحد أو ذاك، تفرض على الفكر نظامًا أنا على اقتناع بأنه لا يتلاءم معها، والصورة وحدها — بما تملكه من غير المتوقع والمفاجئ — هي التي تمنحني مقياس التحرر الممكن، وهو تحرر من الاكتمال إلى حد أنه يرعبني»، حسبما يكتب «بريتون»٢٤٩ الذي يضيف: «إن في بعض الصور بداية هزة أرضية».
ها نحن إذن إزاء موقف «لا امتثالي مطلق»،٢٥٠ وفوضوية ذهبت إلى أبعد مما سبق، وترى الخلاص في التمرد: «إنه التمرد نفسه، والتمرد وحده خالق الضوء»، مثلما سيكتب «بريتون» عام ١٩٤٤م، «ولا يمكن لهذا الضوء إلا أن يعرف غير ثلاثة سبل: الشعر والحرية والحب»، وهي سبل ينبغي أن تتلاقى،٢٥١ لكننا نلاحظ — في نفس الوقت — أنه لم يسبق أبدًا أن كان الشعر «سلبيًّا» إلى هذا الحد، وموكولًا إلى الإلهام: فسواء تعلق الأمر بالكلمات أو الصور، لم يعد الأمر يتعلق ﺑ «الإبداع» قدر تعلقه ﺑ «الاكتشاف»، أو — على نحو أفضل — بالبقاء في حالة استسلام إزاء التحليات التي ينبغي أن تصَّاعد إلينا من الأعماق، فهل يمكننا، في ظل هذه الشروط، الحديث حقًّا عن قصائد فيما يتعلق بالنصوص السيريالية؟ وهل يمكننا الحكم وفقًا لمعايير أدبية على محاولة أرادت دائمًا الوقوف عمدًا خارج الأدب؟

السيريالية وقصيدة النثر

من السهل — بلا شك — ملاحظة أن مبدأ الكتابة الآلية نفسه يؤدي إلى شعر من نثر  poésie en prose: ولا شك أننا لسنا هنا — بطبيعة الحال — بصدد تركيز تدفق الكلمات في بحور سكندرية منتظمة، ولا العودة إلى أول السطر لتحقيق تأثيرات إرجاء وإيقاع مطلوبة، والواضح تمامًا أن السيرياليين، الذين يعتبرون وجهة النظر الشكلية بالية، لن يقبلوا قيود أي «فن شعري»: «لم تعد المسألة الشعرية خلال هذه الأعوام الأخيرة تطرح من زاوية شكلية بالضرورة»، مثلما يكتب «بريتون» عام ١٩٣٠م، فما يهم هو «الحكم على القيمة التدميرية للعمل» مع الأخذ في الاعتبار إشعاعه الخاص لا «معرفة لماذا سيحسن هذا الكاتب أو ذاك — هنا أو هنا — العودة إلى بداية السطر»،٢٥٢ ويضيف «بريتون»: «وهو سبب آخر يوجب ألا يحدثونا معه عن الوقفة (في منتصف بيت الشعر)»، لن نندهش إذن من رؤية زعيم السيرياليين وهو يدين الأبيات المنتظمة التي تختتم قصيدة «أجساد وخيرات» لدينو، معلنًا أنها تنم عن طموح تافه وعدم إدراك لا للأهداف الشعرية الراهنة»،٢٥٣ أو يعلن عن سخطه إزاء «هول التلقائية العجوز هذا»، التي تتضح — على سبيل المثال — في «كل هذه السوناتات التي لا تزال تكتب (حتى الآن)»:٢٥٤ فكل المفاهيم السيريالية تعارض الإقرار بالمفهوم التقليدي للقصيدة باعتبارها مؤلفًا ملموسًا، إراديًّا، وخاضعًا لضرورات فنية خالصة — وباعتبارها أيضًا مؤلفًا فردانيًّا تمامًا وموسومًا بسمة شخصية واحدة (نعلم أي مصير لاقته عبارة «مالارميه» على يد السيريالية: «على الشعر أن يصنعه الجميع، لا شخص واحد»)،٢٥٥ وينبغي إدراك ذلك بطبيعة الحال، سواء بالنسبة لقصيدة النثر أو قصيدة النظم، والدال أن نلاحظ أن «بريتون» — مع اعترافه بأنه، مع «جاسبار الليلي»، «بدأ الاهتمام بشيء آخر غير سباق الحواجز» (أي الصعوبات المصطنعة التي يثيرها العروض) — يبدو قاسيًا إزاء «برتران» مثلما إزاء «بودلير»: فالاثنان لم يكفا، في واقع الأمر، خلال كتابة قصائدهما النثرية، «عن اتخاذ موقعهما ضمن إطار «القصيدة»، بحيث سرعان ما تم إقامة نموذج للنوع وأمكن تعلم قانون اللعبة الجديدة»، ويضيف «بريتون»: «لقد استولى السيدان بيير ريفيردي وماكس جاكوب الآن على هذا الشكل، ومن المؤسف بالنسبة لهما أن الحوالات المالية لم تحافظ على قيمتها».٢٥٦
ويبدو جيدًا أن «بريتون» قد تجنب بعناية — في بداية الحركة — الديث عن «قصائد» فيما يتعلق بالنصوص الآلية: ﻓ «نصوص سيريالية»، و«تكوين سيريالي»٢٥٧ هما المصطلحان اللذان يستخدمهما، ومن ناحية أخرى، ينبغي في «الحوارات» ملاحظة أن «الأعداد الأولى من «ريفوليسيون سيرياليست» لا تتضمن قصائد، في حين أن النصوص الآلية وسرديات الأحلام تزدهر فيها»،٢٥٨ والواقع أنه ينبغي أن نذكر هنا — إلى جانب الكتابة الآلية — أن سرد الحلم كان أحد الوسائل التي نادت بها السيريالية للهروب من طغيان الفكر العقلاني: فبريتون، انطلاقًا من نظريات «فرويد»، لا يعتبر الحلم مفتاحًا لعالمنا الداخلي فحسب، وإنما يأتي لنا باكتشافات، من قبيل الكتابة الآلية، ويمكن «استخدامه في حل الأسئلة الجوهرية للحياة»،٢٥٩ «إنني أؤمن — حسبما يكتب — بالحل المستقبلي لهاتين الحالتين المتناقضتين ظاهريًّا، الحلم والواقع، في نوع من الواقع المطلق، السيريالي، إذا صح القول»،٢٦٠ ندرك عندئذٍ الأهمية المعقودة على سرديات الحلم التي تمتلئ بها الأعداد الأولى من «ريفوليسيون سيرياليست»،٢٦١ ومنذ الآن يمكننا الإشارة إلى أهمية الإلهام الحلمي في الشعر السيريالي (على سبيل المثال، في «ضرورات الحياة وتبعات الأحلام» لإيلوار عام ١٩٢١م)، ثمة هنا شكل لشعر من نثر لم يخلقه السيرياليون بالتأكيد،٢٦٢ لكنه سيشهد غزارة خاصة انطلاقًا من السيريالية، ولنكرر — رغم هذا — أنه لم يكن مقصودًا أبدًا، بالنسبة للكتاب الملتفين حول «بريتون»، خلق أشكال شعرية جديدة، وإنما تدوين الرؤى التي يأتي بها الحلم بأكبر قدر من الأمانة، فما يستخدم هو الذاكرة، لا الخيال الشعري، وذلك أيضًا هو السبب في استسلام السيرياليين للتنويم المغناطيسي ومفاتنه المقطوعة الجذور: وقد وصف «أراجون» موجة الأحلام هذه التي حطت على مجموعته،٢٦٣ فدينو «يرتجل أحلامه»، و«كروفيل» و«بيريه» يخضعان للتنويم المغناطيسي عن طيب خاطر، ويستسلمان للتكهنات النبوئية، وفي هذا الشكل من السيريالية، «يلعب الإيمان بالنسبة للكلام دور عصا السرعة في السيريالية المكتوبة»،٢٦٤ هكذا يلغى «شعار الرقابة التي تعوق الفكر»، وهكذا «تبدأ الحرية حيث يولد الرائع»، وسواء تعلق الأمر بالأحلام أو بالكتابة الآلية، نرى أن السيرياليين لا يريدون أن يكونوا سوى «أدوات تسجيل» بسيطة، ووسائط، والواضح أنه كان ينبغي استبعاد كل قصيدة باعتبارها كذلك من مجلاتهم.
هكذا نلاحظ أن العدد الرابع من «ريفوليسيون سيرياليست» يضم — الآن — قصائد نظم ونثر لإيلوار، والعدد السادس من «لادام دي كارو» بالمثل، وسرعان ما بدا أن السيريالية قد اضطرت للسماح بهذه الأشكال الثلاثة من النشاط الشعري التي حددها «إيلوار» عام ١٩٢٦م، على أمل إدراج «خفايا حياة» فيها: سرديات أحلام ونصوص آلية وقصائد، والأخيرة (القصائد) يتم تقديمها باعتبارها «نتيجة لإرادة محددة إلى درجة كبيرة»، تمييز «حسب الأنواع»، وبالتالي فهو «رجعي متطرف»، حسبما كان «بريتون» سيقول! وهو بالأحرى مدان لأن «إيلوار» يلمح إلى إعجاب شائن بالقصيدة — وتلك هرطقة كبرى — باعتبارها عملًا فنيًّا، وبالشعر في حد ذاته: ومن الطبيعي أن يخلص «بريتون» إلى «أن الجماليات، التي كنا نزمع تحريمها، قد دخلت كأنها في بيتها من هذا الباب»،٢٦٥ والواقع أن الموقف في هذه الفترة مشوش إلى حدٍّ بعيد: فبينما يعلن السيرياليون المتزمتون، مثل «ج. بارون»: أنه «من جانبي أرى أنه لم يعد هناك مجال لكتابة قصائد»،٢٦٦ وبينما يوقع «إيلوار» مع «بريتون» برغم ضعفه إزاء القصيدة على «ملاحظات حول الشعر» في «ريفوليسيون سيرياليست»، حيث تقلب حكم «فاليري» حول «الشعر» و«القصيدة» بشكل طريف،٢٦٧ يواصل آخرون باسم «القصيدة» تغطية وقائع مختلفة تمامًا، وثورية: على سبيل المثال: «دينو» الذي لا يعتبر عمله «قصائد–لغة مطبوخة» جهدًا في التنظيم الفني قدر اعتباره تجربة معملية حقيقية حول اللغة،٢٦٨ ألم يقل «بريتون» بنفسه في «البيان الأول» إنه مسموح ﺑ «إطلاق اسم قصيدة على ما نحصل عليه من التجميع المجاني قدر الإمكان» للعناوين وشذرات العناوين «المقصوصة من الجرائد»٢٦٩ (إنه على، ما نتذكر، منهج «تزارا»)؟
وسواء ما إذا كانت القصيدة قد رُفضت بسبب تنظيمها «الفني»، أو أن مفهومها قد تآكل من الداخل، فإننا ننتهي — في جميع الحالات — إلى أنه لا يمكن أن نرصد في عداد «منتجات النشاط النفسي» (المرتبط بما يسميه «بريتون» الحياة السلبية للذكاء») تلك «الكتابة الآلية وسرديات الأحلام»،٢٧٠ ﻓ «ممارسة الشعر» شيء مختلف عن صناعة القصائد، لكننا سنلاحظ عندئذٍ واقعة طريفة: فشكل القصيدة هذا، المطلوب إلغاؤه لأنه بالتحديد شكل محدد، مغلق، ومن ثمة يتعارض مع البطالة الدائمة والتوكل على كل التيارات الذهنية، (هذا الشكل) سيبدي مقاومةً عجيبة إزاء التخلف منه في التدفق اللفظي، وعلى النقيض، فالتدفق اللفظي هو الذي ينحو بلا انقطاع ومن تلقاء ذاته، إذا جاز القول، إلى الانتظام في قصيدة، ثمة هنا، حسب «بريتون»، خطر التحريف الدائم للرسالة الآلية: «وحتى في أفضل الحالات «غير الموجهة»، يتم إدراك بعض الصعوبات»، مثلما يصرح إلى «رولان دي رينفيل»: «يبقى حدٌّ أدنى من التوجه بشكل عام في اتجاه التنسيق في هيئة قصيدة»،٢٧١ ولا شك أنه يمكننا اتهام الكاتب بالخضوع — عن قصد أو لا — لشاغل فني ما، إلى حد أن البعض انتهى به الأمر إلى ألا يرى في الرسالة الآلية سوى «علم أدبي جديد في المؤثرات»،٢٧٢ لكن الأكثر إثارة للقلق هو ملاحظة أن من «يبدون الانشغال المطلق بأصالة المنتج»٢٧٣ (وعلى سبيل المثال «بريتون» نفسه) يصلون أحيانًا إلى نصوص تستحق اسم قصيدة، وأحيانًا — ومن جراء نوع من رد الفعل وشبه موقف مسبق عن الفوضى — إلى فوضى العناصر المتنافرة «مطر نيازك»، مثلما يكتب «كاروج»:٢٧٤ هكذا، توشك المبالغة في التشتت، شأن المبالغة في التنسيق، على «تحويل التدفق اللفظي عن اتجاهه البدئي»،٢٧٥ الخطر إذن مزدوج؛ ولهذا فما من نصٍّ سيريالي يمكن اعتباره بلا شك، و«بريتون» يعترف بذلك، «نموذجًا مكتملًا للآلية اللفظية»:٢٧٦ والواقع أننا نجد هنا ذلك القانون الخاص بالتعبير؛ إذ يؤدي سوء استخدام الشكلية إلى التكلف والتصلب، فيما يقود، بالمقابل، سوء التنظيم المنهجي، وهدم كل شكل، إلى اللاشكل، إلى التنافر، حيث تختفي كل دلالة ممكنة، وإذا ما أردنا أن نهدم كل إمكانية تنظيم شعري للخطاب الداخلي، فلن نحصل إلا على تشويش معمى، وهو ليس هدف السيرياليين على أية حال.٢٧٧
لقد أقيم — إذن، وفي النهاية — نوع من التوازن بفعل التأثير المتبادل بين شكلي التعبير هذين، القصيدة والكتابة الآلية (لن أذكر هنا شيئًا عن سرديات الأحلام، التي انتظر منها السيرياليون الكثير، لكنها أحبطتهم في نهاية الأمر)،٢٧٨ بينما وجدت القصيدة نفسها — وقد تخلت عن أن تقترح لنفهسا هدفًا شكليًّا خالصًا — مشدودة في طريق ينبغي أن نصفه حقًّا بأنه «غامض»،٢٧٩ وأخذت على عاتقها — مثلما يقول «إيلوار»، في طلب الإدراج السابق ذكره من «خفايا حياة» — «نزع حساسية العالم، وإثارة المغامرة ومكابدة الطقوس»، فيما مالت الكتابة الآلية — على النقيض — إلى خلق وحدات عضوية أكثر فأكثر انسجامًا ليصبح صعبًا إلى حدٍّ بعيد — في النهاية — تمييز القصائد الأصلية.
وسأبحث — انطلاقًا من هذه الفكرة — بعض «النصوص» الآلية، أو — على الأقل — النصوص السيريالية لبريتون، من ناحية، و«قصائد» نثر «إيلوار» من ناحية أخرى، لا لعقد مقارنات غير مجدية،٢٨٠ ولا للحكم عليها باسم معايير جمالية لا تمنحها أي منهما (النصوص والقصائد) أية قيمة، لكن بالأحرى كي أرى — آخذة في الاعتبار ما يتمتع به كل عمل «من إشعاع خاص»٢٨١ — ما يمكن أن يكشفه هذا الإشعاع من أراضٍ جديدة كانا قد عزما على اكتشافها أو خلقها.

من «حقول مغناطيسية» إلى «سمك قابل للذوبان»

م-حكى «بريتون»، في «البيان الأول»، كيف شرع، عندما تكشفت له الكتابة الآلية — بمصاحبة «فيليب سوبول» — في «تسويد الورق، باحتقار حميد لما يمكن أن يلي ذلك من الناحية الأدبية»،٢٨٢ وما تلا ذلك هو نشر «حقول مغناطيسية» بتوقيعهما المشترك عام ١٩٢١م، ونجد هنا نصوصًا متباينة الطول ومتعددة النغمات للغاية، تبدأ من اللقى الموجزة التي تجعل صورة ما تومض أو تنشط المادة اللفظية («يسطع الحب في أعماق الغابة مثل شمعة كبيرة»، «إغواء تقديم وجبة جديدة: على سبيل المثال تخريب في أشجار الدلب»)، إلى السرد الفانتازي الكبير «في أربع وعشرين ساعة»، فعند «الحديث بشكل شعري»، كما يقول «بريتون»، فإن عناصر النص الآلي «تسجل بأعلى درجة من العبث المباشر على نحو خاص، وتكمن خصوصية هذا العبث، لدى البحث الأعمق، في ترك المكان لكل ما هو مقبول وشرعي في هذا العالم، فانتشار عدد معين من الخصائص والوقائع، ليست أقل موضوعية، إجمالًا، من الأخرى»٢٨٣ فجمل من هذا النوع هي عبثية بالفعل:

الضوء الذي يعدو يموت باستمرار منبهًا الحفيف الذي لا ينتهي للنباتات كثيفة الأوراق. الثروات الكيميائية الواردة كانت تحترق بنفس ثقل البخور، وفي شكل أفقي امتدت المفاتن المكشكشة للأحلام الخيالية، في هذه السماء الفوارة كانت الأدخنة تتحول إلى رماد أسود والصرخات تنطبق على أعلى الدرجات، وعلى مرمى البصر راحت النظريات الوحشية للكوابيس ترقص بلا أتباع.

في هذه الساعة الصاخبة كانت الفاكهة المتهدلة من الأغصان تحترق.٢٨٤
لكن ثمة اختلافًا بين هذه العبثية وعبثية «جملة» من هذا القبيل، على سبيل المثال: «رشح كاتدرائي في الفقرات العليا»،٢٨٥ فالثانية تجميع «دادائي» للكلمات التي لا ندرك أي رابط بينها، وهي لا تشكل حتى ما نسميه جملة، فهي لا عضوية، والأولى عبثية، بطريقة رامبوية إذا شئنا، حيث تنتظم في انطباع كابوسي، وترسي بعض الثوابت مناخًا محددًا (حرارة حارقة، صخب)، حتى التداعيات بين الانطباعات الحسية المختلفة، والتنافرات الإيحائية تذكرنا برامبو: «فلتركض الصلاة وليزمجر الضوء …»٢٨٦ وسبق أن أشرنا، بصدد هذه الصور «المملاة»، أن «للاوعي ذاكرة جيدة».٢٨٧

وهناك نصوص أقل عبثية بكثير، وها هو نص سنجد فيه غنائية «فارجية» (نسبة إلى الشاعر «فارج») إلى حدٍّ بعيد:

نحن في هذا المساء اثنان أمام هذا النهر الذي يفيض من يأسنا، لم نعد نستطيع التفكير، والكلمات تهرب من فمينا، الملتويين، وعندما نضحك، يلتفت المارة مرعوبين، ويعودون إلى منازلهم على عجل.
لا نعرف احتقار أنفسنا.
نفكر في التماعات الأذرع، والحفلات الراقصة البشعة لهذه المنازل المتهدمة التي تركنا فيها النهار، لكن لا شيء يبعث على الأسى سوى هذا الضوء الذي ينساب بهدوء على الأسطح في الساعة الخامسة صباحًا، وتتباعد الشوارع بصمت والدروب تنشط: يبتسم متجول متأخر بجوارنا، لم يرَ عيوننا المفعمة بالدوار ومر بهدوء، إنه صوت عربات باعة اللبن الذي يجعل غفلتنا تطير والعصافير تصعد إلى السماء بحثًا عن طعام إلهي.٢٨٨
هذه الاختلافات بين النصوص جديرة بالتأمل، فإذا ما كان صحيحًا أن الكتابة السيريالية تتحقق من خلال أنواع من اقتطاع التدفق النفسي المستمر، ﮐ «تحليل» حقيقي «لدم الروح»، مثلما يقول «ج. مونيرو»،٢٨٩ ألا يثير الدهشة أن يكون هذا التدفق اللفظي بهذه الدرجة من الوضوح أحيانًا، وأحيانًا — على النقيض — متنافرًا للغاية، وأحيانًا ثالثة ينتظم في قصة حقيقية تمتلك (مثل «في ثمانين يومًا») بداية ونهاية؟ هل ينبغي التسليم بأن بعض النصوص أكثر «أصالة» من الأخرى؟ ربما ينبغي أن نتذكر، على نحو خاص، أن «بريتون» اعترف بذلك في «البيان الأول»، فكل ما يكتبه بعد أول جملة من نص آلي «يشارك بلا شك في نشاطنا الواعي والآخر في آن»،٢٩٠ فبداية قصيدة تقدم، بمعنًى ما، نغميتها، أو — إذا شئنا — تشكل خلية أولية، ستتكاثر الخلايا الأخرى انطلاقًا منها.
ومن ناحية أخرى، فما دام هدف هذه القصائد هو الكشف لا الجمال، وينبغي فك شفراتها حتى تكشف لنا عن «عدد معين من الخصائص والوقائع التي لا تقل موضوعية، على نحو عام، من الأخرى»، ففي أي اتجاه ينبغي أن نقوم بالتأويل؟ يمكننا — مع «كاروج» — تمييز ثلاثة مستويات في التأويل: فالشعر السيريالي (الذي كان للتحليل النفسي — من ناحية — والظواهر الوسيطة — من ناحية أخرى — أن تخدمه كوسيلة) جاء لنا برؤى حول اللاوعي الشخصي، واللاوعي الجمعي، واللاوعي الكوني،٢٩١ رؤى متراكبة في أغلب الأحيان، والواضح أن «شبكة الصور الأسطورية المرجأة في عالم الذات» هي بالنسبة للسيرياليين «الارتباط بكل قوى الحياة البيولوجية والنفسية التي تسري في الكون»؛٢٩٢ لذا، فهي تلحق بالفكرة الجوهرية الخاصة الباطنية وفكرة وحدة العالم والتوافق الحميم القائم بين الإنسان والكون، وأترك لمن هم أكثر تأويلًا مني الاهتمام بتأويل النصوص على أساس «التحليل النفسي عن بُعد télépsychique» أو «النبوئي»، ما يهمنا، هنا، هو ملاحظة أن تأويل نص سيريالي على أساس اللاوعي الشخصي يعيدنا — بالضبط — لا إلى تحليل نفسي للشخص الذي كتبه، وإنما — بالأحرى — إلى أن ندرس بعمق (لأن هذا «الفرد» شاعر) موضوعاته الرئيسية، وعالمه المكون من صور وأساطير، وكل ما يغذي فنه ويسري فيه نسغًا فعالًا، فالنص الآلي الذي كتبه أي شخص لن تكون له سوى قيمة الوثيقة (ولا شك أن الوهم الكبير للسيرياليين يكمن في الاعتقاد «أن الشعر ينبغي أن يصنعه الجميع»،)٢٩٣ ونص آلي كتبه «بريتون» يهمنا كنص شعري، ويمكننا اقتباس هذا التصريح، الذي تطور منه التحليل النفسي، فيما يتعلق بإرشادات مصنع أو منجم لملح البارود: هذا التوجيه، مثلما يقول، «كان ينبغي، وهو يحبذ بعض التحريات عن الروح الإنسانية، أن يكشف بشكل حتمي عن الطبقة الجوفية التي يغرس فيها الفن أيضًا جذوره».٢٩٤
ربما كانت أرثوذكسية، من وجهة نظر السيريالية، أن نعتبر ذلك الشعر المكتوب بشكل تعاوني هفوة؛ إذ يرتبط الشعر بشكل حميم بالتنظيم الفردي للشاعر؛ وإذ «ترجع» قيمة عمل ما، مثلما قال «ريفيردي»، «إلى الاتصال الأليم للشاعر بمصيره»،٢٩٥ فنحن نأخذ في البحث، في «حقول مغناطيسية»، عن الفقرات التي تتردد فيها النغمة الخاصة ببريتون، مثلما في هذه الفقرة، حيث ينتظم — في بضع جمل — عالم من حكايات الجنيات:
البحيرات التي نعبرها بمظلة، توالد الألوان القزحية المثير لقلق الأرض، كل هذا يجعلك ترغب في التلاشي، يسير رجل وهو يكسر بندقًا، ويخلو لنفسه أحيانًا مثل مروحة، يتجه نحو صالون حيث انبثق مفتشون، وإذا ما وصل في موعد الإغلاق، فسيرى شبكات تحت مائية تترك مركب زهر العسل يمر، غدًا أو بعد غد سيذهب ليجد زوجته تنتظره وهي تحيط وتنضد دموعًا …٢٩٦
لكن لنفتح «سمك قابل للذوبان»، ديوان «الحكايات الصغيرة» هذا المنشور عام ١٩٢٤م بعد «البيان الأول»، الذي يعترف «بريتون» (ويتحدث عنه فضلًا عن ذلك باستخفاف) أنه يشعر إزاءه «بتطور ما في النثر السيريالي في ذلك الحين»:٢٩٧ فسيدهنا أن نرى، من خلال الانقطاع والعبثية الظاهرين في النصوص والصور، انتظامًا عامًّا يمتلك مناخها الخاص، وألوانه المميزة، فمجال «أندريه بريتون» هو الرائع، وعالم الجن الداخلي، هذا العالم الشفاف، حيث تتألق أجنحة عصافير و«أحجار كريمة لأوراق جافة»،٢٩٨ وحيث ترتعد خيام وأبناء «العذراء»، ألا يبدو أنه ينبثق كي يستجيب لرغبة «البيان الأول»: «هناك حكايات تُكتب للكبار، حكايات لا تزال شبه زرقاء»؟٢٩٩ نشعر — مثلما يقول «ج. جراك» عن حقٍّ تمامًا فيما يتعلق ﺑ «سمك قابل للذوبان» — أن فكر «بريتون» يذهب «في اتجاه حلم هناء تصالحي وفردوسي»،٣٠٠ حلم يروض الأشياء، «يغمرها مقدمًا بنوع من رغبة أن تكون إنسانية»، وفي «بلاد العجائب» لبريتون، لم يعد الإنسان «ملك الخلق»،٣٠١ لكنه يعيش في انسجام مع الخلق، ويسمع لغة النبع الذي ينام «في العراء بين عقوده المصنوعة من الحشرات وأساوره الزجاجية»،٣٠٢ وعصافير، وحتى «أجهزة تدفئة ذات عيون زرقاء»،٣٠٣ إنه يتقدم في فردوس أرضي جديد حيث كل شيء أكثر تألقًا وأكثر نقاءً وأكثر طزاجة، متحررًا من وطأة الزمن وضرورة «أن يخدم» شيئًا، ويمكننا أيضًا أن نرى — من ناحية أخرى، باستمرار، وأيضًا في نصوص النثر غير الآلية — عالم الجن لدى «بريتون» وهو يقتحم لا التصورات الذهنية فحسب، بل أيضًا المشاهد الحقيقية التي تجد نفسها فجأة، من جراء هذا التحول السحري متحررة من وطأة المادة، وقد تغيرت هيئتها، مرتجفة في حياة مجهولة: هكذا عندما يتحدث «بريتون» عن «روشيه بيرسيه» على ساحل «جاسييزيه».٣٠٤

والشكل الذي يتقمص حكاية الجن هذه يتحقق بصورة طبيعية متأرجحًا بين الحكاية والقصيدة: الحكاية عندما يقع حدث ما:

رمت على كتفيها معطفًا من سنجاب روسي وعندما ارتدت حذاءً من جلد فأر، هبطت سلالم الحرية التي قادتها إلى وهم لم يرَه أحدٌ أبدًا، تركها الحراس تمر: كانوا فضلًا عن ذلك نباتات خضراء يحتجزها على حافة الماء جزءٌ محموم من الخرائط.٣٠٥
سواء كان تقدم هذا الفعل — من ناحية — عبر تسلسل «أشياء عبثية» وتحولات ذات طابع حلمي (مثلما في حكاية الصياد الذي يرشده جناح رائع، هو في نفس الوقت خنصر امرأة، يصبح نجمة، عندما يلتف على نفسه)،٣٠٦ والقصيدة، عندما تصبح تصويرًا غير زمني بشكل خالص، أو عندما يستولي العنصر الغنائي عليها:
اخترقت هذه الغابة، حيث البندق كان أحمر، أيها البندق الصدئ، هل كنت مغالق شباك القبلة التي طاردتني كي أنساها؟ كنت خائفًا منها، أخذت أتحاشى فجأة كل دغل، كانت عيناي زهرتي بندق، العين اليمنى الوردة الذكر، العين اليسرى الوردة الأنثى، لكني كنت قد كففت عن الإعجاب بنفسي منذ وقت طويل، كانت الدروب تصفر أمامي من كل ناحية، ولحقت بي جميلة الليل٣٠٧ بالقرب من نبع وهي تلهث. القبلة سرعان ما تُنسى، لم يعد شعرها سوى هبة من عش الغراب الوردي، بين إبر صنوبر وأحجار كريمة رهيفة من أوراق جافة …٣٠٨

والغريب أن نلاحظ في هذا النص — المبني على فكرة «القبلة سرعان ما تُنسى» — تكرار ظهور دائم للفكرة، أو الجملة نفسها التي انتظمت منها القصيدة، من خلال مؤثر الاستعادة، والأمر لا يتعلق، بالطبع، بتنظيم فني مسبق، فينبغي الحديث بالأحرى عن نوع من الفكرة الثابتة التي تفرض نفسها على الفكر، بما يقود إلى تداعيات الأفكار والصور التي تولد منها القصيدة، وتمنحها — في النهاية، ومن خلال تكراراتها — بنية موسيقية بمعنًى ما.

ولا يتعلق الأمر هنا، فضلًا عن ذلك، إلا بحالة قصوى، ففي أغلب الحالات، ينبغي الحديث عن شعر لا قصائد، بصدد هذا النثر المنساب، المفتوح، الممتلئ بالصور والومضات الفوسفورية، حيث نشعر بالشاعر مشغولًا قبل كل شيء بالمحافظة على سيولة التدفق اللفظي، وتجنب التجلط في أشكال ثابتة، ولدينا الانطباع أن الكاتب أسير آليات اللغة، مع الميل الطبيعي للفكر إلى البلورة في أشكال منتظمة، فلا يكفي أن يستسلم بشكل سلبي ﻟ «الهمس»، بل عليه — في نفس الوقت — أن يولي انتباهه الأقصى لمكافحة هذه الطبيعة الثانية التي هي البلاغة، ينبغي أن نكسر باستمرار الاتساق المفتعل الذي ينحو إلى الرسوخ، إذا ما أردنا للعالم الشعري الداخلي أن يكشف اتساقه العميق، وبقدر ما تقدم قصائد «بريتون» بعض الثوابت، حيث ينتظم عالم الجن وفق منطقه الخاص، يمكننا أن ندرك أن السيريالية تقترح منح الفكر الإنساني «مساحات منطقية» جديدة،٣٠٩ ويمكننا أن نقبل ألا يكون هدف الاعتباطية الظاهرة للصور والتداعيات هو تفكيك الشخصية، وإنما — على النقيض، وتحت قوقعة الأفكار الموروثة والأسلوب الجاهز — استرداد الشخصية في وحدتها الجوهرية.٣١٠
ولا شك — رغم هذا — أن نتائج المشروع الآلي قد خضعت دائمًا للمصادفة، ﻓ «الظلمة» غالبًا ما تخرج طرائف جميلة مثيرة للقلق، أو حماقات مجانية بشكل خالص، ومثلما يكتب «بريتون»، «فلم يتحقق إلقاء الضوء الكامل حول الشروط التي ينبغي تحقيقها لتجعل نصًّا أو رسمًا «آليًّا» ذا قيمة كاملة»،٣١١ ويمكننا التساؤل عما إذا كان الكاتب، الذي يمارس الكتابة الآلية، لا يسقط مرارًا من مبتذل تافه إلى آخر، متجنبًا الشكلية كي يلقي بنفسه في الدادائية، وهو يمارس العبث لذاته،٣١٢ والأكثر إزعاجًا أنه يصعب للغاية، لعدم وجود معيار موضوعي، التمييز بين النصوص الأصيلة ونصوص المعارضة بشكل واعٍ إلى هذا الحد أو ذاك، حتى ربما بالنسبة لكاتب حسن النية، كما نرى «بريتون» يعترف أن «تاريخ الكتابة الآلية في السيريالية» قد يكون «تاريخ حظ عاثر مستمر»،٣١٣ ويبدو أنه — من جانبه — سرعان ما انتابه التعب من هذا النوع من النشاط، فقد خاب أمله — في بادئ الأمر — لأن حالة الإلهام لم تكن قابلة لإعادة إنتاجها حسبما يريد مثلما تصور في بادئ الأمر، وأن الإلهام يتمثل في أوقات متقطعة وفي فجوات (هذا ما نستخلصه من تصريحاته)،٣١٤ وقد اضطر إلى الاعتراف أيضًا أن الرغبة في كتابة «الهمس» كانت وحدها سببًا في الارتباط، ﻓ «صياغة قصيدة» هي أيضًا شيء شبه آلي، وكيف يمكن تجنب كل خلفية فكرية أديبة حتى لا واعية؟٣١٥ فالشاعر — أسيرًا لضرورة الكتابة ورفض أن يكون كاتبًا — يجد نفسه مخنوقًا في ورطة، ومنقادًا في نهاية الأمر إلى الصمت، والغريب أن السيريالية ستتمكن — في الأعمال الأقل تزمتًا مثل قصائد «إيلوار» — من القيام حقًّا بدور مهم في المبدأ الشعري الخصب — لا باعتبارها «تقنية» فنية جديدة، وإنما كمبدأ للتوجه الجديد في المسيرة الشعرية.

قصائد إيلوار

«ساد الاعتقاد، مثلما يكتب «إيلوار»، أن الكتابة الآلية تجعل القصائد لغوًا، لا: إنها تنمي وتطور مجال بحث الوعي الشعري، بأن تزيده ثراءً، فإذا كان الوعي كاملًا، فإن العناصر التي تقتطفها الكتابة الآلية من العالم الداخلي وعناصر العالم الخارجي تتوازن، فعندما تختصر عندئذٍ بشكل متساوٍ، تتداخل، وتختلط لتشكل الوحدة الشعرية»،٣١٦ ولا نستطيع أن نجد نصًّا أفضل من ذلك فيما يتعلق بما منحته السيريالية لإيلوار، وفي أي مشهد يبتعد «إيلوار» عن السيريالية، فالفكرة نفسها عن استخدام عناصر جديدة مستمدة من الكتابة الآلية لأغراض شعرية، تتعارض مع جميع الشروط السيريالية، وندرك لماذا اعتبر «بريتون» موقف «إيلوار» — من الثورة السيريالية — متحفظًا ورجعيًّا إلى حدٍّ ما، رغم مساهمة «إيلوار» المؤكدة في الحركة، ورغم أنه كتب مع «بريتون» عام ١٩٣٠م النصوص «السيريالية» للغاية ﻟ «حَمْل بلا دنس»، حيث يسعى الاثنان — من أجل أن يضعا حدًّا ﻟ «الاستحواذ الشعري، ذلك السبب الرئيسي في الخطأ» — إلى أن يحلا محل «التحديد» الشعري «تحديدًا من نسق آخر، مثلما على سبيل المثال في مجموعة الأغراض التي تميز هذا المرض الذهني أو ذاك»،٣١٧ ولا شك أن «إيلوار» جعل بعض الافتراضات الأساسية للسيريالية ملكًا له: على الشعر أن يصنعه الجميع، لا شخص واحد، وعلى القصيدة أن تكون «فيض العقل»،٣١٨ وهناك شعر «لا إرادي» في مواجهة الشعر «الإرادي»،٣١٩ ويمكننا — رغم هذا — القول إنه ينفصل عن السيريالية (التي يتعلق الأمر — بالنسبة لها، وقبل كل شيء — ﺑ «ممارسة» الشعر كتجربة، ومنح أهمية قصوى لهذه التجربة أكبر مما لنتائجها)، في استعادته — بالتحديد — لنظرية «القصيدة»: القصيدة–الشيء الموجود في ذاته ولذاته، والفعال أبدًا، ومهم للغاية ذلك التميزي الذي يقيمه، في «مشاهد أولى قديمة» من كتابه «هبة الرؤية» بين هذا النمط الآخر للفاعلية السيريالية الذي هو سرد الحلم، والقصيدة: «لا نخلط بين سرد الحلم والقصيدة، فكلاهما حقيقة حية، لكن الأول ذكرى، تستهلك على الفور، وتتحول، كمغامرة، لكن لا شيء يضيع ولا يتغير من الثانية»،٣٢٠ فالقصيدة لا تتيح للشاعر فحسب تثبيت هذه اللحظة المتميزة، خارج الزمن، حيث «تظهر عظايات هائلة في قصر العالم»،٣٢١ مثلما يقول «أراجون»، إنها أيضًا وسيلة للاستدعاء من جديد، وإعادة إنتاج حالة إلهام بشكل مصطنع، نوع من التعويذة التي يستخدمها لا من يكتبها فحسب، وإنما من يقرؤها أيضًا، «القصيدة تحتجز العالم لصالح الملكات الإنسانية وحدها، وتتيح للإنسان أن يرى بطريقة مغايرة أشياءً أخرى، فرؤيته القديمة ميتة، أو خاطئة، وهو يكشف عالمًا جديدًا، ويصبح إنسانًا جديدًا».٣٢٢
ولا شك أن قصيدة ندركها على هذا النحو ليست مدينة للتأثير السحري للإيقاع والقافية، فلا يهم أن تكون مكتوبة من أبيات منتظمة إلى هذا الحد أو ذاك (حرة للغاية في أغلب الأحيان)، أو من نثر، فالجوهري يكمن في الرؤيا الجديدة التي تفرضها علينا، في القدرة التي تحول الكلمات والصور، «الهلوسة، والبراءة، والغضب الضاري، والذاكرة (…) وتشويش المنطق إلى حد العبث، واستخدام العبث إلى حد العقل الجامح، هو ما يساهم في انسجام القصيدة، وليس التجميع البارع إلى هذا الحد أو ذاك — والموفق إلى هذا الحد أو ذاك — للحروف المتحركة والساكنة، والمقاطع اللفظية والكلمات، وعلينا الحديث بفكر موسيقي لا حاجة به إلى طبول، وآلات كمان، وإيقاعات وقوافي الحفل الموسيقي الرهيب من أجل أذني حمار»، حسبما يكتب «إيلوار»،٣٢٣ الذي يذكر أيضًا في «هبة الرؤية» كلمة «جوته» التي أكد فيها أن الجوهري في العمل الشعري، هو «ما يتبقى من شاعر لدى ترجمته ترجمةً نثرية».٣٢٤
لا تخضع قصائد نثر «إيلوار» إذن لأية قاعدة شكلية، وأي «قانون للنوع» (إلى حد أن يرفض «ل. بارو» تصنيفها ضمن «النجاحات المتسقة لهذا النوع غير الشرعي الذي هو قصيدة النثر»،)٣٢٥ فإيقاعاتها، واتساقها داخلي تمامًا: وسبق أن قدمت مثالًا لها من قبل،٣٢٦ ولا شك أن الأكثر إدهاشًا فيها، هو الاقتصاد المتطرف للوسائل، والطريقة التي تصبح بها جملة عادية، وإشارة مقتضبة — فجأة — ذات وقع غريب، بما يوسع أمامنا آفاقًا لا نهائية، فعندما نتذكر أن «سيدة المربع» قد نشرت في «ريفوليسيون سورياليست» في مارس ١٩٢٦م، في قلب هذيان الصور الاعتباطية والمذهلة، نفاجأ ببساطتها، بشفافية هذه القصيدة التي لا تتوفر على تجعيدة واحدة وتستدعي — مثلما يلاحظ «ج. مونان»٣٢٧ — بعض الاستعارات، وبعض «قياسات الحلم المنطقية»:
وأنا شاب تمامًا، فتحت ذراعي للنقاء، لم يكن غير رفرفة أجنحة في سماء أبديتي، غير دقات قلب عاشق تدق في الصور المغلوبة، لم أعد أستطيع السقوط أبدًا.
عاشق للحب، الحق أن الضوء يبهرني، أحتفظ بقدر كافٍ منه فيَّ كي أرى الليل، كل الليل، كل الليالي.
كل العذارى مختلفات، أحلم بعذراء.
في المدرسة، هي على المقعد أمامي، في مريلة سوداء، وعندما تلتفت لتسألني عن حل مشكلة، تربكني براءة عينيها إلى حد أنها، مشفقة عليَّ من اضطرابي، تضع ذراعيها حول رقبتي.
في موضع آخر، تتركني، تصعد مركبًا، نحن غريبان الواحد عن الآخر، لكن شبابها من العظمة إلى حد أن قبلتها لا تفاجئني أبدًا …٣٢٨
هل يمكن أن نحلم بقصيدة يمتزج فيها بشكل أفضل، «لتشكيل الوحدة الشعرية»، عناصر العالم الخارجي (المدرسة القروية، «في مريلة سوداء»: إنها ذكرى من طفولة «إيلوار» في «سان–دوني»)، وعناصر الخيال المستمدة من العالم الداخلي؟ وينبغي القول إن بجوار هذا النص، تبدو القصائد السيريالية الخالصة مصطنعة إلى حدٍّ بعيد، من قبيل «الصلصال المحتدم» («ثعبان من حلوى، فكر من زخرف زجاجي، سمو المشاعر، هي الساعة العاشرة، لن أنجح في فصل آلات الماندولين عن المسدسات، بالأولى يصنع البعض موسيقى عند فقدان الحياة … إلخ».)٣٢٩ وينبغي إضافة أن شكل «النثر» يتيح لإيلوار (الذي يكتب منذ بداياته قصائد النظم وقصائد النثر بالتبادل) أن يقوم بنقله إلى نمط آخر في عالمه الشعري: فيحدث — على سبيل المثال — أن تظهر قصيدته النثر كسياق متسلسل، وتقترب من السرد («وأنا شاب تمامًا، فتحت ذراعي للنقاء»،٣٣٠ «كان هناك وقت سخر فيه أصدقائي مني»،٣٣١ «استغرق هذا أسبوعًا»)،٣٣٢ نص من نمط حلمي في أغلب الأحيان، مثلما هو حال أغلب «النثريات» التي تشكل «خفايا حياة»،٣٣٣ ويمكننا حتى الحديث عن «اعتراف» غنائي في النص الجميل المسمى «ليالٍ مشتركة»، المنشور عام ١٩٣٢م، في «الحياة المباشرة»،٣٣٤ حيث يستدعي «إيلوار» الدقائق السعيدة لحب انطفأت جذوته، ويقدم حصاد عاطفة استمرت عشرين عامًا: «كي أجد لنفسي أسبابًا للحياة، حاولت تحطيم أسبابي لحبك، وكي أجد لنفسي أسبابًا لأحبك، عشت بائسًا»،٣٣٥ ألا يزال بمقدورنا تسمية هذا النص قصيدة نثر؟ أظن ذلك، لا لأن «نزع الحب» لم يتوفر أبدًا على غنائية بهذه الروعة فحسب («ظلمات سحيقة ممدودة نحو غموض باهر، لم أدرك أن اسمك أصبحو وهميًّا …»)، وإنما أيضًا لأن هناك محاولة حقيقية لاستراق ديمومة الزمن الحقيقي هذه بفعل الإيقاع، والتقطيع إلى أجزاء يمتلك كلٌّ منها وحدته دون أن يكف عن الالتحام بالكل، وباستعادة جملة البدء في الختام: «في نهاية رحلة طويلة …» فمساحة هذا الزمن الحي يتم امتلاكها، وتحويلها إلى موسيقى، لتكتب في زمن خارج الزمن.
وينبغي القول رغم هذا إن «سرديات» أو «حكايات»٣٣٦ «إيلوار» هذه، شأنها شأن النصوص السردية «الفوضوية» لريفيردي، حيث لا توجد الظواهر الخارجية للسرد إلا كي تشعرنا — بشكل أفضل — بالتناقض الداخلي الذي يقرض ويبيد من كل الجهات الصيرورة التاريخية،٣٣٧ ومن هنا، يكمن هذا التفضيل ﻟ «الأحلام دائمًا ثابتة»٣٣٨ التي نجد في قلبها حياة «بلا أمس، ولا غد»،٣٣٩ حيث يمر الوقت، ولا يمر: فهو يمتد أحيانًا إلى أن يصبح الأبدية: «مثلي، الليل الخالد»،٣٤٠ وينكمش إلى حدٍّ يصبح فيه كل شيء متزامنًا (ذلك ما يفسر تأكيدات متناقضة مثل: «عمري خمسة عشر عامًا (…) ليس عمري خمسة عشر عامًا»،)٣٤١ وفي النثر كما في الشعر، احتفى «إيلوار» بالطريقة التي يغني بها الحب الزمن: «سهام بهجة، تقتل الزمن، تقتل الأمل والندم، تقتل الغياب»، مثلما يقول عن عيني الحبيبة.٣٤٢
وإزاء نثريات تنتظم في «سرديات»، ينبغي — من ناحية أخرى — أن نضع، مثلما لدى «ريفيردي»، عددًا كبيرًا من القصائد المكتوبة في المضارع (وبشكل خاص كل قصائد «عاصمة الألم»)، بل يمكننا الذهاب إلى أبعد من ذلك وملاحظة أن الفعل، في أغلب الأحيان، كشكل للانسياب الزمني، وللصيرورة، ينحو إلى الاختفاء (مثلما يحدث أيضًا في قصائد النظم)٣٤٣ لصالح الأسماء التي تتجمع، وينعكس الواحد على الأسماء الأخرى «متعجلة كلها، قبل الانطفاء، في تبادل ناري»،٣٤٤ كوكبة من الصور البراقة لكنها ثابتة:
إقامة عذبة، جداول من خضرة، عناقيد تلال، سماوات بلا ظلال، زهريات من شعر، مرايا المشروبات، مرايا الضفاف، أصداء الشمس، كريستال العصافير، وفرة، حرمان، الإنسان ذو اللحاء النفاذ جائع عطشان.٣٤٥
وكثيرًا ما يتم التعبير عن نفس الفكرة بجملة منطقية، ويوحي بها بباقة من الكلمات الموحية:
في أعماق القلب، في أعماق قلبنا، يوم جميل، اليوم الجميل لعينيك دائم الحقول، الصيف، الغابات، النهر.٣٤٦
الألوان اللطيفة للمحبة، حزن، وميض على الأشجار النحيلة، قيثارة من نسيج العنكبوت، الرجال الذين يتشابهون تحت كل السماوات هم أيضًا أغبياء على الأرض مثلما في السماء.٣٤٧
ألا نرى إلى أين تعود بنا ملاحظات من هذا القبيل؟ نجد هنا جمالية «المتقطع» الذي قدم «رامبو» أمثلة باهرة له: لم تعد لنا صلة بالتسلسل الخطي، وإنما بالبناء من خلال التجاور، فعناصر الرؤيا وعناصر الجملة تتفكك، ثم يُعاد ربطها بشكل مختلف، هذه الأولوية ﻟ «الكلمة» و«انفجار» الجملة هذا — حيث تحل محل العلاقات النحوية علاقات مختلفة تمامًا — سبق أن رأيناها تميز ما أسميته «القصيدة–الإشراقة»،٣٤٨ والواقع أنه يمكننا تصنيف «إيلوار» ضمن الشعراء الذين يسعون إلى الهرب من التصنيفات والقوانين الفيزيقية، الذين يتحركون في عالم خارج الزمن، بلا ديمومة ولا كثافة، عالم باهر، أكثر صفاءً وإشراقًا من العالم الذي تسجننا فيه العادة:
العودة إلى مدينة من قطيفة وخزف، ستكون النوافذ زهريات حيث الزهور، التي ستهجر الأرض، ستظهر الضوء كما هو.٣٤٩
ليس ثمة ما يدهش، إذن، في أن نرى في قصائد «إيلوار» إشراقات جديدة: «شاعر فهم رامبو، وأنتج عملًا أجدر بأن يجعلنا كل يوم نألف التجربة الخارقة، هذا الشاعر هو بول إيلوار»، مثلما كتب «جو بوسكيه» عام ١٩٤٢م،٣٥٠ ويمكننا أن نستعيد — دون تغيير كلمة واحدة، في حديثنا عن «رامبو» — الجملة التي يقدم فيها لنا «م. كاروج» الخصائص الأساسية للشعر الإيلواري، «هذا النفي للمكان والجاذبية، للزمن والموت، «هذا التحول للمظاهر الذي ينطلق من تصعيدها ويصل إلى إشراقاتها وفي النهاية إلى تغير هيئة الإنسان».٣٥١
عند تأمله من هذا المنظور، يشهد شعر «إيلوار» على رغبة التحرر وتغير الهيئة التي تلتحق بالطموحات الجوهرية للسيريالية، وبالفعل نعثر حقًّا على نبرة البيانات السيريالية عندما نقرأ، على سبيل المثال، في هذا الجزء من «البداهة الشعرية» الذي يعود تاريخه إلى عام ١٩٣٢م: أن «كل الأبراج العاجية ستهدم، وكل الكلمات ستصبح مقدسة، وبعد أن يقلق الواقع في النهاية، لن يبقى للإنسان سوى أن يغلق عينيه كي تنفتح بوابات الرائع».٣٥٢
لكن هل وجهة نظر كهذه مكتملة تمامًا؟ رأينا — منذ قليل — أن «إيلوار» كان يقبل، على قدم المساواة، ومن أجل تشكيل الوحدة الشعرية، العناصر المستمدة من «العالم الداخلي» وعناصر العالم الخارجي، وبنفس الطريقة نراه يتأرجح بين الرغبة في «قلب الواقع» وتغير هيئة المادة، والرغبة في التوافق مع الواقع العميق للأشياء، ويوفر لنا النص الأخير من «البداهة الشعرية»، الذي يرجع تاريخه إلى عام ١٩٣٦م، دليلًا مثيرًا إلى حدٍّ بعيد، حيث الكلمات: «بعد أن تكون قد قلبت الواقع في النهاية»، يحل (الواقع) محلها: «حيث توافقت أخيرًا مع الواقع، الذي هو واقعها»،٣٥٣ ولا يتعلق الأمر بالهروب من الواقع إلى هذا الحد قدر رؤيته في ضوء آخر، واكتشاف الواقع الحقيقي المختفي تحت الظواهر،٣٥٤ و«إتاحة رؤية» (هذا الواقع) للناس.
فالشاعر يبسط مرآة للبشر تمكنهم من أن «يروا بشكل آخر أشياءً أخرى»،٣٥٥ «ينبغي أن «يعكس ويرى، قوة الأبدية، أن نرى يعني أن نتلقى، وأن نعكس هو هبة الرؤية»،٣٥٦ بل يمكن أن يحدث في لحظة ما أن يكتفي الشاعر، إذا جاز القول، بوضع الأشياء واحدًا واحدًا أمامنا وهو يقول لنا: «انظروا»، ومثلما يعطينا القاموس تعريفها المنطقي، يمنحنا هو تعريفها الشعري، ذلك ما يفعله «إيلوار» في قصائد النثر القصيرة في ديوانه «بين بين»، حيث يتناول — حسب الترتيب الأبجدي — محبين، وبلتيمور، وغروبًا، ونائمين، وصيفًا، وإكليل زهور … إلخ، والواقع أن بعض هذه النصوص الصغيرة تجدد رؤيتنا للأشياء، على سبيل المثال نص «رجل» السابق ذكره٣٥٧ الذي يقدم لنا «الإقامة العذبة» الأرضية المغسولة من كل ما يكدرها، الملتمعة كشيء جديد، أو «فقير»:
هو سر الهواء النقي، هواء القمح، هو سر العاصفة، عاصفة الفقير، في البيوت الفقيرة، يحبون الصمت، ويحبون أيضًا الصمت، لكن الأطفال يصيحون، والنساء تبكين، والرجال يصرخون، والموسيقى بشعة، يريدون القيام بالحصاد وتوبيخ النجوم، يا لها من فوضى سوداء، يا لها من عفونة، يا لها من كارثة! فلنلقِ بهذه الألسنة في الجداول، لنلقِ بنسائنا إلى الشارع، ولنلقِ بخبزنا إلى القمامة، ولنلقِ بأنفسنا في النار، لنلقِ بأنفسنا في النار.٣٥٨
نتأمل — في مرآة القصيدة هذه — عالمًا ليس حقيقيًّا، وإنما حقيقي بشكل آخر، فلا يتعلق الأمر بعالم موضوعي، بارناسي، قد ينزوي الشاعر خلفه، وإنما عالم يحتوي على الشاعر (مثل هذا السحر الإيحائي الذي تحدث عنه «بودلير»، الذي يضم الشيء والذات في آنٍ)، وخيال الشاعر نفسه ليس في الخارج، بل في داخل العالم الحقيقي: «ليس ثمة مسافة كبيرة، من خلال الصور، بين ما يرى الإنسان، من طبيعة الأشياء الحقيقية وطبيعة الأشياء المتخيلة، فالقيمة متساوية فيهما»،٣٥٩ فالقصيدة إذن وسيلة، بالنسبة للشاعر «ليجعلنا نرى» الواقع في كل تجلياته، بما فيها هذا المظهر الثانوي الذي نصفه بأنه «خيالي»: «التخيل كلمة ملازمة في أغلب الأحيان لتمييز الإنسان عن العالم الذي يحيط به، ليخلق عالمًا مجردًا له، أنانيًّا، لعزله»، مثلما يكتب «إيلوار»، وموقفه معارض بشكل راديكالي: على الشاعر أن يجعلنا نشعر ﺑ «الواقع الملموس لما يتخيله»:٣٦٠ عليه — مثلما يفعل «أندريه ماسون» في لوحاته — أن ينزع «المحظور الذي ينوء بثقله على الرؤيا التي ينبغي لأول قادم أن يمتلكها عن العالم»،٣٦١ إنه لا يكتب لنفسه فحسب، وإنما لكل الناس، والشعر بالنسبة له وسيلة تواصل، والشعراء، مثلما لا يزال «إيلوار» يقول «لهم حق وواجب المساندة لأنهم يغوصون بعمق في حياة الآخرين».٣٦٢
ولأن القصيدة بالفعل تحول رؤيا القارئ، فهي تحول موقفه الذهني في نفس الوقت: «فرؤيته القديمة ميتة، أو خاطئة، وهو يكشف عالمًا جديدًا، ويصبح إنسانًا جديدًا»،٣٦٣ ولن نلح كثيرًا على فكرة أن القصيدة — بالنسبة لإيلوار — ليست وسيلة تعبير فحسب (وربما اكتشاف للنفس)، وإنما للتواصل مع الآخرين والتأثير عليهم بشكل خاص: «الشاعر هو الذي يلهم حقًّا أكثر مما هو ملهم»، حسبما يكتب «إيلوار»،٣٦٤ فالقصيدة شيء فعال بلا نهاية، مثل الراديوم، وسبق أن قلت إن هذا المفهوم عن الشعر والقصيدة يضع حدًّا فاصلًا بين «إيلوار» و«السيرياليين»، الذين أردوا أن يكونوا سلبيين أمام «الهمس»، و«أدوات مسجلة» بسيطة، فيما يتبنى «إيلوار» موقفًا فعالًا وخالقًا، هل ثمة قيمة للنصوص السيريالية بالنسبة للآخرين مثلما بالنسبة لمن كتبوها؟ يمكننا الشك في ذلك، وعلى النقيض، يعتبر «إيلوار» الشعر أداة فعل، وإن لم يكن كذلك فهو لا يساوي شيئًا، وهو يكتب بطريقة دالة:

إذا ما بدا أن «بودلير» و«رامبو» و«لوتريامون» مفعمين بالندم؛ فذلك لأن وحدتهم بلا حدود، وهم يعترفون بعدم امتلاكهم السلطة المطلقة المباشرة على العالم، والناس! ففي هذا العالم الذي صنع فيه الإنسان من أجل الإنسان، لا يقترح عليهم سوى أساتذة، بدون أي مريدين، إنهم يحلمون بالأبناء، والأخوة، ويبحثون عبثًا عمن يشبهونهم، وأسلافهم يلاحقونهم، ويصل بهم الأمر إلى الاعتقاد بأنهم موتى بين الأموات، ومن هنا، تكمن موهبتهم الفريدة في تدمير أنفسهم.

الوقت يمر، وفضيلتهم تبقى، وتجد الآن صدًى لها، وتؤثر.٣٦٥
ونعلم أن هذا الانشغال الخاص بالتواصل مع الآخرين، والتأثير عليهم، سيميز أكثر فأكثر شعر «إيلوار»، وبشكل خاص بدءًا من عام ١٩٣٦م، «وهو التاريخ الذي سيتخذ فيه عمله كله معنًى جديدًا، ويكتسب عمقًا وثراءً بقدر ما سيصبح أبسط ومرددًا لصدى هذه العذابات التي سرعان ما ستنقض على الإنسان»، مثلما يكتب «ل. بارو»،٣٦٦ والواقع أن «إيلوار» قد كتب عام ١٩٣٦م أن «عزلة الشعراء تتلاشى اليوم، وها هم رجال بين الرجال، وها هم لهم أخوة»،٣٦٧ إنه عام الرحلة إلى إسبانيا، العام الذي كتب فيه «الرأس إلى الحائط»:
لم يكونوا سوى آحاد
على الأرض
يظن
كل واحد نفسه وحيدًا …٣٦٨
ومع ذلك يمكننا ملاحظة هذا التقرير الغريب: فعندما نرى شعر «إيلوار» تجتاحه — أولًا بأول — الرغبة المتزايدة في «التآخي»،٣٦٩ والتأثير المباشر، نرى أيضًا قصائد النثر تصبح أكثر ندرةً بين أعماله: فالنثر، كأداة فكر شعري فوضوي بالضرورة وفرداني، يجد نفسه مهجورًا لصالح شعر منظوم أكثر فأكثر انتظامًا، كأن هذه الإيقاعات المنتظمة محكومة بأن تمنح قصائد المرحلة الأخيرة شيئًا أكثر قابلية للتواصل، وأكثر «اجتماعية»،٣٧٠ ويؤكد «إيلوار»، أكثر فأكثر، على تضامنه مع الآخرين، هو الذي «يملك سلطة قهر الزمن»، «يستبسل من أجل الحياة في القرن»، مثلما يقول «كلود روي»،٣٧١ وهو يتوجه — على نحو متوازٍ، على الصعيد الشكلي — نحو شعر شبه موزون، تلعب فيه التكرارات والمحافرات دورًا كبيرًا، وصولًا إلى قصيدته الأخيرة، «قصر الفقراء»، التي ستكون ترتيلة إلى الأخوة الإنسانية:
كانوا مصممين على ألا يتنازلوا أبدًا
عن أية حلقة في سلسلة أخوتهم …٣٧٢
تتزامن قصائد نثر «إيلوار» إذن مع أكثر الفقرات «سيريالية» في نشاطه الشعري، لكننا لن نستطيع الخلط بينها وبين الكتابة الآلية، التي أفادت فحسب في تحرير شعره من نير العقلانية وتغذيته بعناصر جديدة، يوفرها اللاوعي، والحلم، والتداعيات اللفظية، وليست قصائد «إيلوار» قصاصات مقطعة بشكل اعتباطي في النسيج الذهني، فهي تملك بنيةً خاصة بها، وهي «كائنات» تمتلك وجودًا عضويًّا («نحلم بقصيدة مثلما نحلم بكائن»، حسبما يكتب «إيلوار»،)٣٧٣ كانت السيريالية تجربة روحية، وتبدو مسيرة «إيلوار» إبداعية قبل كل شيء.

حصاد السيريالية

لا يبدو لي مفيدًا الذهاب إلى أبعد من ذلك في دراسة «قصائد نثر» السيرياليين: فسنظل نجد من ناحية نصوصًا آلية بحصر المعنى،٣٧٤ مكتوبة كرد فعل على حتمية القصيدة، وعلى جمود التدفق اللفظي في أشكال ثابتة، أي ترفض أن تصبح قصائد، ومن ناحية أخرى، نجد قصائد تنتظمها إرادة فنية واعية، تخرج بالتالي عن إطار هذا الفصل، حتى لو كانت مدينة بشدة للمبادئ السيريالية، ومثل «إيلوار»، بدأ الكثيرون من الشعراء (وأهمهم «رونيه شار») بالسيريالية ليكتملوا خارجها: وسنجد ذلك في الفصل التالي، الذي سيتيح لنا أن نقدر بشكل أفضل نتائج التجربة السيريالية.
إذ لا ينبغي التقليل من شأن السيريالية، فمن السهل للغاية القول إن هذه المغامرة، التي بدأت في ظل حماس جماعي، قد انتهت إلى الفشل: فشل اجتماعي (لم ينجح السيرياليون في تغيير العالم، وقد تحققوا من أن موقفهم متناقض مع الفعل السياسي)،٣٧٥ وفشل أدبي أيضًا؛ إذ رأينا أن السيريالية لم تنتج مؤلفات باقية وذات قيمة، وأنها إن لم تصب دائمًا في اللاشكل، فهي تصب على الأقل في اللاتواصلية، والمؤكد أننا إذا ما رأينا قصيدة النثر «الفنية» في الماضي تنتهي إلى طريق مسدود من جراء المبالغة في التحجر والتنقيح، والتحجر في شكل لم يعد لأي دم حي إمكانية سقيه، فإن المبالغة في الفوضوية، على النقيض، ورفض كل شكل إنما يؤدي إلى الهباء، وإذا كانت الرغبة في ممارسة الشعر كتمرين وسيط تتيح التقاط رسائل اللاوعي الفردي (بالتأكيد، بشكل أكثر من رسائل «اللاوعي الجمعي»)، فإنها تنتج مؤلفات لا تتوفر على أية قيمة إلا بالنسبة لمؤلفيها: يمكننا الاعتقاد أن السيرياليين قد أغلقوا أمام أنفسهم أحد سُبل التأثير على الناس، ليكفوا عن أن يكونوا، مثلما سيريد «إيلوار»، «منغرسين بعمق في حياة الآخرين».٣٧٦
لكننا إذا ما حكمنا على السيريالية لا من خلال أعمالها، وإنما من خلال قيمتها «المشوشة» والمحررة، فعلينا الاعتراف تمامًا بأهمية جهدها من أجل كسر عقلانية مثيرة للعقم، وترسانة كاملة من القواعد، والتقنيات والأعراف التي استعبدت الفكر، إنها «عاصفة مطهرة»، مثلما قال «مالارميه» عن أزمة الشعر الحر،٣٧٧ التي أتاحت توجهًا جديدًا للشعر، وحتى «أنطونان آرتو»، كان عليه أن يعترف بذلك، وهو ينفصل بضجة كبرى عن السيرياليين عام ١٩٢٧م: «ما الذي تبقى من مغامرة السيرياليين؟ أشياء قليلة، إن لم يكن أملًا كبيرًا محبطًا، لكنهم ربما ألقوا — في مجال الأدب — بشيء ما، هذا الغضب، وهذا التقزز الحارق المسكوب على الشيء المكتوب يشكل موقفًا خصبًا ربما يكون مفيدًا ذات يوم، فيما بعد، فالأدب سيجد نفسه وقد أصبح نقيًّا، مقتربًا من الحقيقة الجوهرية للذهن، لكن هذا هو كل شيء»،٣٧٨ وهو الآن كثير.
هذا الاحتقار للتقنيات والوصفات، هذا «التقزز» الذي تنشقه السيرياليون بفعل فن شكلي تمامًا، هو — بالفعل، وعلى الصعيد الأدبي — ما يشكل عظمة السيريالية، فالشعر لم يعد — بالنسبة لها «فن القبول»، وإنما أداة أساسية في الملاحقة الروحية، ولنُعد قراءة تصريحات «بريتون» الجميلة:
مرة أخرى، فإن كل ما نعرفه هو أننا موهوبون إلى درجة معينة في الكلام، وعبره، ثمة شيء كبير وغامض ينحو قهريًّا إلى التعبير عن نفسه من خلالنا، وقد تم اختيار كل منا ورصده من بين الآلاف ليصوغ من حياتنا ما ينبغي أن يُصاغ، إنه أمر تلقيناه مرة واحدة وإلى الأبد، ولم نملك أبدًا المتسع لمناقشته، ويمكن أن يبدو لنا، وهذا شيء مفارق إلى حدٍّ بعيد، أن ما نقوله ليس ما هو أكثر ضرورة لقوله، وأنه قد توجد طريقة أخرى لقوله بشكل أفضل، لكن ذلك يبدو كأننا محكومون بذلك منذ الأزل، فالكتابة، أعني الكتابة بهذه الدرجة من الصعوبة، وليس للافتتان، وليس للحياة، بالمعنى الذي نفهمه عادة، لكن كما يبدو غالبًا من أجل الاكتفاء ذاتيًّا بشكل معنوي، وفي حالة فقدان القدرة على البقاء صمًّا إزاء نداء فريد لا يكل، هذه الكتابة إذن ليست لعبًا ولا غشًّا، على ما أعلم.٣٧٩
وينبغي التأكيد على أن السيريالية تستعيد وتدفع — إلى نتائجها القصوى — الطموحات الميتافيزيقية التي دفعت بالشعر، في نهاية القرن التاسع عشر، إلى أن يتحرر من القيود الشكلية، وإلى أن يخلق لنفسه لغةً جديدة، فبالنسبة لها، تصبح مشكلة التعبير مشكلة حيوية، إلى حد يمكن «بريتون» من القول في «البيان الثاني»: «إن مشكلة الفعل الاجتماعي — وأتمسك بمعاودة الحديث عنها، والتأكيد عليها — ليست سوى واحدة من أشكال مشكلة أكثر عمومية وقع على عاتق السيريالية واجب إثارتها، وهي مشكلة التعبير الإنساني في كل أشكاله»؛ ولهذا رأينا السيريالية وهي تكاد تنحصر — فحسب، في بادئ الأمر — «في صعيد اللغة»، فعندما أطلقت «حشد الكلمات»،٣٨٠ تسببت في هزة لا تزال آثارها مستمرة، ونشعر بها حتى في الأوساط غير السيريالية، ومن المستحيل اليوم كتابة تاريخ الأدب وكأن الحركة السيريالية لم يكن لها وجود.
والواضح للغاية أن قصيدة النثر، بشكل خاص، لم تغتنِ فحسب من خلال السيريالية ببضعة «موضوعات» جديدة (تلك التي يرصدها «مونيرو» على سبيل المثال: «الحداثة، ولعبة التوافقات بين «شكل مدينة وقلب إنسان»، والتغريب، والهرب، والبحث عن الرائع في المديني والساقط …»)٣٨١ أو تقنيات فريدة، وتلاعب بالألفاظ، وصور غير متوقعة أو مجانية، «جمالية المفاجأة»، وقد انقادت — على نحو خاص — إلى إدراك نزعتها الخاصة: وإذ تخلت للنظم عن المساعي الشكلية الخالصة من أجل لذة جمالية (بنية القصيدة، وجمال الجمل، وموسيقى الكلمات)، فستسعى — قبل كل شيء، وبانتزاع الروح من الخطوط الحديدية للعادة والتفكير العقلاني، وبتغريبها عن عمد — إلى منحها الحدس بشيء آخر: فالكتابة بأكثر أشكال النثر نثرية، لكن بأن نصنع من الكلمات استخدامًا غريبًا، لهو أكثر تأثيرًا في تحرير الفكر من أن نرصف أبياتًا حتى لو كانت فخيمة؛ ولهذا يؤكد بريتون، عام ١٩٤٢م، على التعارض القائم بين الحرية التي تمثل الهدف الجوهري للفعل السيريالي، واستخدام الأشكال الثابتة للشعر:
ولأن الحرية، في السيريالية، موضع تبجيل في حالتها الصافية، أي في كل أشكالها، فقد كانت هناك، بطبيعة الحال، عدة طرق لإسقاط جدارتها، إسقاط جدارتها، بالنسبة لي، على سبيل المثال، بالعودة — مثل بعض السيرياليين — إلى الأشكال الثابتة في الشعر، فيما اتضح، وبشكل خاص تمامًا في اللغة الفرنسية (…) أن سمة التعبير الغنائي لم تستفد من شيء قدر استفادتها من إرادة التحرر من الأشكال القديمة: رامبو، ولوتريامون، ومالارميه في «رمية نرد»، وأهم الرمزيين (مايترلينك، وسان–بول–رو)، وأبوللينير في «قصائد–محادثات».
مثلما يعلن في محاضرة إلى طلبة جامعة «بيل» في ديسمبر ١٩٤٢م حول «وضع السيريالية فيما بين الحربين»،٣٨٢ ولا شك أن ثمة اعترافًا في هذه المحاضرة — سأتناوله مرة أخرى في الفصل القادم — بأن السيريالية تلتها، مثلما يبنغي توقعه، صدمة ردة، عندما هجر كثيرون من الشعراء مصادفات الكتابة الآلية للعودة إلى القصيدة، وإلى أشكال سواء كانت ثابتة أم لا، لكن ينبغي التأكيد — رغم كل شيء — على أن الإرادة التحررية لزعيمها ظلت سليمة بلا وهن، تحرير الكلمات والروح الشعرية، وتحرير الإنسان من النزعة العقلانية والأعراف الاجتماعية، كله شيء واحد: فالأمر يتعلق دائمًا، من خلال التمرد على الأبنية القديمة وتحول الواقع، بتشجيع عالم فوضوي: «بعضهم يقول إنه عالم سيريالي، لكنه نفس الشيء».٣٨٣

(٤) كوكتو والكهرباء الشعرية

لا يمكن لمقاربة بين «كوكتو» والسيرياليين إلا أن تزعجه وتزعجهم، وهو أمر محتمل، فإذا كان السيرياليون قد أبدوا دائمًا أكثر الشكوك حدة تجاه شعر «كوكتو»، وخاصموا فيه أحيانًا الإنسان بعنف أكبر من مخاصمتهم الشاعر،٣٨٤ فإن «كوكتو» — من جانبه — كان منذ عام ١٩٢٣م يوسع بالسخرية «كوب المفاجآت» الذي كان يراه يصب على أوروبا «حالات تنويم مغناطيسي وتعاويذ ساحرة، ودانتيلا زاحفة، ووقاحات، وخيالات مآتة، ونساء هوائيات، ودوائر دخان، ومثقاب الثلج، ومشدات غامضة، وشياطين ذوي زنبركات ونار البنجال».٣٨٥
وسرعان ما تبدو الاختلافات من تلقاء ذاتها: والأهم — فيما يبدو — أن نؤكد، في بادئ الأمر، ومع ابتعاد الزمن، أننا أكثر استجابة لما يجعل «كتوكتو» لا معاصرًا فحسب للسيريالية (كتب قصائده الأولى في أعوام الاضطراب الثقافي التي تلت الحرب العظمى، وانغمس في نفس المناخ الصاخب)، وإنما قناصًا ملتزمًا في نفس المعركة من أجل تحرير الفكر، وقد أشار «ر. م. ألبيريس» مؤخرًا، في «تحديده» لموقع «كوكتو» في الحركة الشعرية لمنتصف القرن، إلى أنه «بالنسبة له، كما بالنسبة لفاليري، وجيد، والسيرياليين، الفن هو اكتشاف — وعند الحاجة للاستخدام — آلية غير نمطية للواقع والفكر»،٣٨٦ وفي نقطة الانطلاق، نجد التمرد نفسه: تمرد ضد مبالغات العقل الرشيد، ضد الواقع «الجاهز»، وضد قيود العادة والامتثالية. وسيتمثل الخلاص، بالنسبة لكوكتو مثلما بالنسبة للسيرياليين، في أن يطيحوا من النافذة بكل «القيم المؤكدة» للفن والأخلاق («لا تشترِ قيمًا مؤكدة»، مثلما ينصح «كوكتو» عام ١٩١٨م في «الديك والمهرج»)، وفي رفض الوضوح السطحي للحس السليم، والبحث في اللامعقولية، في اللاوعي، وفي ألعاب المصادفات، وفي الحلم، عن مفاتيح «هذا العالم اللامرئي، المجهول، العالم الحقيقي بلا شك، الذي لا يزيد عالمنا عن شذرة منه»،٣٨٧ فكم تردد كلمات «كوكتو» هذه بيانات السيرياليين بشكل فريد!
ولا يقل عن ذلك إدهاشًا أن نرى «كوكتو» يستعيد ويطور بإيثار صورة أثيرة أيضًا على «أندريه بريتون»: صورة الكهرباء الشعرية، والشاعر سائق الموجات: فهو يعود بلا كلل إلى أن «الشعر كهرباء»،٣٨٨ والشاعر ينغمس في هذا السائل الخرافي، ويركزه وينقله،٣٨٩ فدوره يكمن في ألا يكون خالقًا، بل وسيطًا، ويظهر نفس التواضع في المصطلحات التي يستخدمها السيرياليون وتلك التي يستخدمها «كوكتو» للحديث عن الشاعر الذي يمثل أداة قوى تتجاوزه: «أداة تسجيل» للأوائل،٣٩٠ و«وسيلة» نقل للثاني:٣٩١

إنه الكلام المكرر القديم عن الإلهام، الذي ليس سوى زفير، ما دام صحيحًا أن الشاعر يتلقى أوامر، بل يتلقاها منذ ليلة أن راكمتها القرون في شخصيته، حيث لا يستطيع أن يهبط من يريد الذهاب إلى الضوء، الذي يمثل (الشاعر) وسيلة النقل المتواضعة له.

هكذا يطرح «كوكتو» دائمًا مثل السيرياليين — كمبدأ — أن مجال الشاعر، هذا الوسيط الملهم، هو ما فوق الطبيعي:
يميل الشعر إذن إلى ما فوق الطبيعي، والمناخ المرهف للغاية الذي يحيط به يشحذ أحاسيسنا الخفية وتغوص قرون استشعارنا في أعماق تجهلها أحاسيسنا العادية.٣٩٢
كيف نندهش إذن، في هذه الظروف، من حدوث المعجزات فجأة؟ ومثل «بريتون»، تلقى «كوكتو» إشارات من «اللامرئي» (إنها كلمة تتكرر باستمرار تحت قلمه)،٣٩٣ وقصة «المصعد هيرتيبيز»٣٩٤ تناظر نصوص اللقاءات، والمصادفات، وتجليات أخرى ﻟ «الصدفة الموضوعية» التي أسرف فيها «بريتون».

ندرك، بالنسبة لمن يجد نفسه في وضع فكري مشابه، أن القيام بفعل شعري يصبح شيئًا آخر تمامًا غير رص الأبيات بالخضوع للقواعد القائمة واتباع نسق نموذجي للانسجام، والجمال الشكلي، ويمكن للشعر، من ناحية أخرى، أن يوجد في كل مكان آخر سوى القصيدة: هذا الرأي، هو أيضًا، ما مارسه السيرياليون و«كوكتو» في نفس الوقت، ونعرف أن مؤلفات «كوكتو» تنقسم إلى: «شعر، وشعر روائي، وشعر نقدي، وشعر مسرحي، وشعر مرسوم، وشعر سينمائي …» وعلينا أن نرى في ذلك — بالإضافة إلى الرغبة في التعبير في ألف شكل مختلف، دون تفكيك شخصية الشاعر رغم هذا — رفضًا لحصر الشعر في تقنية شكلية خاصة.

وفيما يتعلق ﺑ «شعر الشعر»، يوضح «كوكتو» — في «السر المهني» — أنه إذا ما كان ثمة رفض لخلق حالة الإلهام الشعري، من خلال الأسلوب، الآلي إلى حدٍّ ما، للسحر الناظم للشعر، فينبغي اللجوء إلى «مخدرات أكثر براعة»:٣٩٥
لأننا تخلينا عن القافية، ورفضنا الفوضى المفضلة لدى الشعر الحر، كان ينبغي استبدالهما بشيء ما، هذا الشيء كان يشبه إلى حدٍّ ما العادات الدماغية التي تكاد تكون الطفولة دائمًا ضحيةً لها، والأمر يتعلق بالمحافظة على توازن غامض، وإرباك حياة المرء بطقوس لا يمكن مشاهدتها، مثل إجراء حسابات وفقًا للسن، والتواريخ أو أرقام المباني، قسوة معزية، ومداعبات متكررة لأدوات المائدة ومقابض الباب، وعدد الخطوات المحسوبة بين قناديل الغاز أو الأشجار (…) وألف من هذه التقطيبات العميقة التي تعاود الظهور ما إن نفقد تحكمنا العصبي، والتي، ما إن تتطور إحداها بإفراطٍ مهما كانت ضعيفة، حتى تتحول إلى جنون.٣٩٦
ها نحن أيضًا قريبون للغاية من المحاولات السيريالية: والواقع أن الأمر يتعلق بالالتحاق بنوع ما من «حالة الطفولة» الملائمة للرائع، التي ستسدعيها فيما بعد صفحات «الأطفال المزعجون» بطريقة مدهشة، وقد عاش «كوكتو» في شبابه، وقبل أن يكتب «بوتوماك»،٣٩٧ حالة حمى وهذيان تذكرنا، أحيانًا، بالحالة التي وصفها «رامبو» — هذا الطفل الآخر — في «فصل في الجحيم»: «وجه أصبح لي كل شيء … كنت محمومًا وظننت أنني أصبحت مجنونًا»،٣٩٨ ومنذ عام ١٩١٦م، قبل السيريالية بعدة أعوام، تكشف لنا الأهمية الممنوحة للحلم المترابط — في ملاحظاته عن «بوتوماك» — أنه في انتظار كشف ما: «إن حياتي المضطربة وترابط أحلامي يجعلانني منتميًّا إلى بوتوماك»، حسبما يكتب،٣٩٩ وأيضًا: «أحلام تقودني وأقود أحلامي، أسجل كثيرًا من مشاهد العشية بلا منهج، مثلما نجمع أجزاءً من مصنوعات زجاجية متعددة الألوان، كي يربط النوم فيما بينها ويديرها في أعماق «كاليدوسكوب» معتم»،٤٠٠ ذلك ما يمكنه تفسير «مناخ الأوبرا، والخرافة، والرفاهية، والإضاءة تحت الأرضية»، ومظهر «القصر في أعماق البحار» الذي يجده «ر. لان» في العمل الغريب،٤٠١ الذي يمثل اعترافًا رمزيًّا ونزاهة لا قرار لها في آن لفكر صافٍ بغرابة رغم هذا، ويوجه لنفسه الآن هذه النصيحة: «لا تكن مفرط الذكاء» …٤٠٢
وبعد أن تخلى عن النظم الكلاسيكي، سيشرع الكاتب الشاب — في بادئ الأمر، في رأس الأمل–الطيب» — في المراهنة على «الطباعة المنظمة» التي أفاد منها «مالارميه» في «رمية نرد» على نحو ما نعرف، وبالنسبة لكوكتو، يتعلق الأمر — مثلما يكتب «ر. لان» — ﺑ «منح الكلمات المكتوبة قدرة مرئية، والسماح لها بالتناقض، والتجمع، والتميز والتجاوب الواحدة مع الأخرى، لتشكل القصيدة في النهاية تكوينًا عضويًّا محددًا من الناحية الموروفولوجية»،٤٠٣ وفضلًا عن ذلك، لم يهمل «كوكتو» القافية في القصيدة بشكل منهجي، ويقول بنفسه عن قصيدته إنه أحيانًا ما «يتوزع فيها عدد كبير من القوافي على مسافات لا تسمح إلا بملاحظة ضجيج منها»،٤٠٤ وفيما بعد، سيستخدم «كوكتو» بكثرة نظمًا كلاسيكيًّا إلى هذا الحد أو ذاك، لكنه يسعى دائمًا، حسبما يقول، إلى «كسر الخرير»:٤٠٥ والحق أننا نفهم أن تبدو له كل أشكال التعبير (الشعر الكلاسيكي، الشعر الحر، وقصيدة النثر) صالحةً بالتساوي على الصعيد الشعري، ما دام يرفض — مثلما رأينا — ربط الشعر بأية تقنية شكلية، فهناك قصائد نثر في أعماله، و«منثورة» أيضًا بشكل عام بقدر الإمكان.
ينبغي الوصول هنا، بعد عدة نقاط مشتركة، إلى الاختلاف الجوهري بين «جان كوكتو» والسيرياليين: فبقدر ما يمثل الشعر السيريالي شعرًا لا إراديًّا، يمليه الوعي، بقدر ما شعر «كوكتو» إرادي، وواضح، ومبني، وهو يقول ذلك، ويقوله أيضًا عن الشعر غير المنظوم: «وضع الفعل في مكانه، النهايات المذكرة والمؤنثة، نبض الإيقاع والصرامة العجيبة التي تكبحنا، حيث لا يمكن للقارئ أن يرى في ذلك سوى بلادة، كل ذلك يتشكل، رويدًا رويدًا، وبتوتر، إلى حد التعذيب»،٤٠٦ كان سهلًا الرضوخ لقواعد النظم: على الشاعر الآن أن يطيع قواعد غامضة وصعبة على نحو آخر خلقها هو نفسه:
هذه القواعد الغامضة هي — بالنسبة لقواعد النظم القديمة — ما يساوي عشر مباريات شطرنج تجري معًا مقارنة بمباراة دومينو، لكن لاعبنا ينغمس في تركيبات أكثر فأكثر رهافة حيث لا يمكن لأحد أن يتابعه وحيث يخاطر هو نفسه بالضياع ذات يوم.٤٠٧
ولا شك أن الكهرباء الشعرية ممنوحة له، والشاعر ما هو إلا وسيلة النقل المتواضعة لها، لكن عليه أن يراقب ويشرف دائمًا على هذه الوسيلة، التي «لا ينبغي أن تهمد أبدًا»،٤٠٨ وما ينتظره السيرياليون من السهو، وأحيانًا من النوم المغناطيسي، ينتظره «كوكتو» من الانتباه الأكثر يقظة، والأمل الذي يعلقونه على الفوضى، يعلقه «كوكتو» على نظام خفي، نظام «يعتبر فوضى» من جانب الجهلة،٤٠٩ وذلك ما يجعلنا نتذكر نظريات «ماكس جاكوب» هذه المرة، «ماكس جاكوب» الذي كان صديقًا له، والذي يستعيد صياغاته إلى هذا الحد أو ذاك، ونذكر أن «جاكوب» قال إن «القصيدة شيء مبني»،٤١٠ وبالمثل، يؤكد «كوكتو» على «المعمار الخفي، والتكثيف، والتضحية» التي تقدمها، في أغلب الأحيان، مثل هذه القصيدة التي خلط الجهلة بطيبة بينها وبين «الملاحظات التي يمنعها الكسل من أن تذهب بعيدًا، والملقاة حسب صدفة الصفحة»،٤١١ وقد صاغ «ماكس جاكوب» عام ١٩٢٢م نظرية «القصيدة–الشيء»: «الموضوع فيها لا أهمية له ولا التصوير أيضًا، فنحن لا نهتم فيها إلا بالقصيدة ذاتها، أي بتوافق الكلمات، والصور، واستدعائها المتبادل والدائم»،٤١٢ ويقول «كوكتو» عام ١٩٢٣م:

على القصيدة أن تقطع كل الحبال التي تربطها بما يبررها حبلًا حبلًا، وفي كل مرة يقطع الشاعر واحدًا منها، يدق قلبه، وعندما يقطع الأخير، تنفصل القصيدة، وتصاعد مثل بالونة، جميلة في ذاتها وبلا أي رابط بالأرض.

هل سأعلمك أن الكلمات الغريبة، والنعوت، والمغالاة، والتصويري، تمنعها من الارتفاع؟٤١٣
لكن قصائد نثر «كوكتو» تذكرنا — أكثر أيضًا من النظريات — بقصائد «ماكس جاكوب»: أسلوب «منثور» للغاية، عصبي وسريع، واستخدام شعري — لا يفتقر إلى الانحراف — للمكان المشترك،٤١٤ (في «موضوع باسكي»، تتتابع جمل مثل تلك التي نجدها في دواوين التدريبات «للراعي الصغير خدان أحمران، الديك غناؤه سيئ، يبدو أن الوقت سيكون جميلًا …»)٤١٥ واستعارات «تصبح واهنة» (على سبيل المثال، وفي «روائع الطبيعة»: «ضربة شمس، الضربة تنطلق والدورة تخرج من القبعة جماعةً من الصور الملونة»)،٤١٦ والعبثية القصدية («صائد الدببة يصيد الدببة بسهولة، بسبب الحلقة التي يضعها في أنفه»)،٤١٧ وإلغاء مبدأ الهوية («هؤلاء الجنود جنود مزيفون، هذه الموسيقى في الهواء الطلق هي موسيقى الحجرة»)،٤١٨ ومحاولة دائمة، على نحو خاص، ﻟ إعادة غرس القارئ لمنحه الإحساس بعالم مختلف، حتى لو كان من خلال الفظاظة، حيث لم يعد للكلمات نفس المعنى: وهي حالة قصيدة «طبيعة مسلية» على نحو خاص:
شيء ما وضع ألوانه على شيء آخر، أيها الطبيب، لا شك أنك مخطئ، ألبسني وشاحي الرخامي، وعند العودة، سنمنحك كأس نبيذ مأخوذ حديثًا من بقرة.٤١٩
هذه «الأخطاء»، وهذه المقاربات الغريبة للكلمات، يمكنها أن تذكرنا ببعض المقاربات السيريالية («المسدس ذو الشعر الأبيض»، «سمك قابل للذوبان» …)، يكمن الاختلاف بينها في أن السيرياليين يرحبون بالتداعيات اللفظية التي تشكلها الكلمات المتروكة وشأنها، إذا جاز القول، بلا أي سيطرة من الفكر الواعي،٤٢٠ هنا — على النقيض — يسعى الفكر بشكل قصدي للغاية، إلى خلق ترابطات جديدة، أو الاستفادة من مصادفات اللغة (كليشيهات، وألاعيب لفظية).
ومثل أغلب الشعراء موضوع الدراسة في هذا الفصل، يمنح «كوكتو» الكلمات، وقوتها المستترة، الأهمية الكبرى: فيمكن لصدفة كلمة بلا معنى أن تطلق أحداثًا غير متوقعة (وهكذا في «حكاية»، يستدعى اختطاف نسر لجانيميد، وهي على وشك الزواج، بفعل جملة تقليدية من أحد المدعوين: «لا يمكن للناس جميعًا أن يتزوجوا نسرًا» …)٤٢١ «وتخرج صدفة قافية نظامًا من الظلام»،٤٢٢ ويمكن لصدفة تلاعب بالكلمات أن تستحضر إلى الذهن كشفًا ما، «الشعر دورة كوتشينة تقوم بها الروح، وهو يسكن انقطاعات التوازن والتوريات الإلهية»، مثلما يصرح «كوكتو»، هل تلقى الشاعر كثيرًا من اللوم على تورياته! «أكاذيبي هي الحقيقة، صرامة حتى في حلم اليقظة» (في «أوبرا») وغيرها … وربما يكون سهلًا للغاية ألا نرى في ذلك غير ميل إلى الخداع، وأن «نفكك» — مثلما يفعل «س. مورياك»٤٢٣ — «الملاك هيرتيبيز» ليكتشف لنا أن هذه القصيدة مبنية بشكل كامل على تقاربات الأصوات، لكن «مورياك» يستشهد هو نفسه بنص من «السر المهني»، حيث لا تتبدى أية رغبة في الخداع، فيما يتعلق بالترادف angle ange (زاوية–ملاك) بالعبرية، وبالمعادلة chute des anges = chutes des angles (سقطة الملائكة = سقطات الزوايا)،٤٢٤ ويلاحظ «كوكتو — في موضع آخر — أن الجناس الناقض بين الكلمتين الفرنسيتين هو مصادفة، «إذا ما كان صحيحًا أن المصادفة موجودة في مواد من هذا القبيل»،٤٢٥ ويتحدث أيضًا — في «يوميات مجهول» — عن «العدد الضائع» لكتب الإسرائيليين القديمة،٤٢٦ وقد كتب مقدمة «تأملات قبلانية» لليجران: هكذا يلتحق بالسيرياليين، بتأملات القبلانيين حول القوى الكامنة للغة.٤٢٧
لا ينبغي أن نندهش إذن من رؤية «كوكتو» — عام ١٩٢٧م، في «أوبرا» — وقد دلف إلى الطريق المفتوح ﻟ «الألاعيب اللفظية» السيريالية، وهو يضع عربدات حقيقية من التوريات، في النثر كما في النظم، وتصرح «أثينا» في حديثها في «الهزليات التراجيدية للنعاس»: «Je suis née grecque. Je suis l’aînée. J’ai le nez grec, le nez d’Enée. Je suis le mur, l’art mûr, l’armure. Je suis la sève héritée. Je suis lasse et vérité. Je suis la sévérité, etc … = لقد ولدت يونانية، أنا الكبرى، لي أنف يوناني، أنف «إيني»، أنا الحائط، الفن الناضج، آلات الوقاية، أنا النسغ الموروث، متعبة وحقيقية، أنا الصرامة … إلخ»، إنها القصيدة الصغيرة «المستحمة»:
Elle se lave à grande eau. Elle se lave à grand dos, à grand genou, à grande hanche, à grande main tenant rideau. Oh! Ses cheveux sont des chevaux!
إنها تستحم في مياه كثيرة، تستحم بظهر كبير، بركبتين كبيرتين، بمؤخرة كبيرة، بيد كبيرة تمسك ستارة، آه! شعرها أحصنة!٤٢٨
أو قصائد مبنية بكاملها حول تلاعب بالألفاظ: فالجناس بين ancre = مرساة وencre = حبر في «المرساة الزرقاء»،٤٢٩ والمعنى المزدوج لفعل voler = يطير/يسرق، في «ليلة بيضاء أو حمامة–رعب»٤٣٠ (ومن نفس التلاعب بالألفاظ أيضًا خرجت قصيدة النظم «لصوص الأطفال»: فكوكتو يستعيد بلا كلل التداعيات التي أدهشته).
علينا الاعتراف بذلك تمامًا: هذه التلاعبات «القبلانية»، وهذه التوريات الخاصة ﺑ née grecque وnez grec، و«لويس» و«لودورا»،٤٣١ عبثًا يقول لنا «كوكتو» إنها «لم تكن فكرًا، بل قلب كتابه نفسه»،٤٣٢ فهي لا تضعنا أبدًا «في حالة إلهام» شعري، فالكهرباء الشعرية، كي نستعيد تعبيره، لا تسري فيها.
أهو انطباع شخصي؟ فإذا ما كانت قصائد نظم «كوكتو»، حتى تلك المبنية على التلاعب اللفظي، تثير الفتنة أحيانًا من جراء نوع من السهولة المجنحة» («لصوص الأطفال»، على سبيل المثال)، وإذا ما كان نثره في بعض الكتب يمارس علينا تأثيرًا فاتنًا، مثلما في «الأطفال المرعبون»، فإن قصائده النثرية، عندما لا تشبه معارضات «جاكوب» — الناجحة إلى هذا الحد أو ذاك — فإنها تبدو لي في أغلب الأحيان كتمارين مجانية تمامًا، فأكثر من قصائده المنظومة (التي يعود فضل أفضل نجاحاتها إلى إلهامات محظوظة)، وأكثر من نثره (الذي يخضع بصرامة لموضعه)، تعاني قصائد النثر، مثلما يقال، من هذه التسوية التي يبحث «كوكتو» عن تحقيقها بين الخضوع السلبي للإلهام، الذي لا غنى عنه لمن يريد «النقل الحرفي للامرئي»،٤٣٣ والرغبة في الصرامة والبناء و«الصنعة» («سأتعلم صناعة القصائد»، مثلما يكتب «كوكتو» في «خطاب إلى ج. مارتيان»، محددًا بدقة أنه يستعير الكلمة من «لافونتين»)، ولنأخذ — على سبيل المثال — القصيدة المنشورة في «أوبرا» بعنوان «الجزة الذهبية»، ففي البدء، ثمة بيت «مسلم به»، ومقاربة بصرية ولفظية في («البحر يرغي ويزبد»، مثلما يقال)، عن اليونان.
حيث الرخام والبحر يتماوجان مثل خروف.٤٣٤

ها هي الآن كيفية استخدام هذه المقاربة البصرية في المقطوعة النثرية، المبنية بكاملها على التبادلات بين التعبيرات الموظفة في وصف هذه العناصر الثلاثة: الرخام، والبحر، والخروف (بالإضافة إلى تلاعب بالألفاظ حول برعم الوردة):

Bouclée, bouclée l’antiquité. Plate et roulée, l’éternité. Plate, bouclée et cannelée, j’imagine l’antiquité, (…) Ailée, moulée, moutonnée. La rose mouillée, festonnée, boutonnée et déboutonnée. La mer sculptée et contournée. La colonne aux cheveux frisés.
معقود، معقود العصر القديم، ممدودة وملفوفة، الأبدية، ممدود، ومعقود ومضلع العصر القديم مثلما أتخيل (…) مجنح، مقولب، مجعد، الوردة المبللة، مكشكشة، مزررة ومفكوكة الأزرار، البحر منحوت ومتعرج، العمود ذو شعر مجعد.٤٣٥
وقد قام «رامبو» — في «بحرية»٤٣٦ — بتبادلات مماثلة بين كلمة «أرضي» ولفظة «بحري»، لكن لعبة الانتقالات هنا (البحر هو «المنحوت»، والرخام «يرغي ويزبد») تصاحبها لعبة بارعة في تماثل الأصوات، تدغم انطباع التأرجح من عنصر إلى آخر، وكلمة تأرجح تلائم إلى حدٍّ بعيد نصًّا مكتوبًا بكامله من كلمات ثمانية المقاطع، مثلما سنلاحظ سريعًا، نحن هنا أمام مسعًى شكلي معين، وأيضًا «لعبة فكر» حقيقية، تتركنا وقد تسلينا وانخدعنا في آن.
بل إن قصائد النثر «البوليسية» السبع في «متحف سري»،٤٣٧ المكتوبة عمدًا بأسلوب تقارير البوليس، ترينا إلى أي حدٍّ من البراعة يتحرك الشاعر في مجال المشاهد الخارقة: وسهولته (في الكتابة) تذكرنا بسهولة واحدة من قبيل «روبير هودان»، و«أوبرا»، التي نرى فيها هذه القصائد، كُتبت في «مناخ عربدة في حجرة»، مثلما يقول «ر. لان»،٤٣٨ في فترة كان الشاعر يتعاطى فيها الأفيون، ويصرح «ر. جوفان»، في حديثه عن «متحف سري»، إن «هيمنة الأفيون» قد بلغت «نقطتها المرضية»، ليضيف: «يصنع الشاعر سيريالية مصطنعة من خلال الأفيون، وهي ربما الطريقة الطبيعية الوحيدة لصناعتها»،٤٣٩ وينبغي القول إن هذا الجذع يبدو لي أكثر «اصطناعًا» مما هو «سيريالي»، الذي يحول «خيط» مظهره الجانبي إلى عقدة سائلة،٤٤٠ وهذه العقدة السائلة الأخرى المكونة من أعداد، ينبغي أن تتيح «انتهاز فرصة» حبل الأنشوطة:٤٤١ فكم من خيوط وحبال، وكم من حبر «ووترمان» في محل أكسسوارات «جان كوكتو»!٤٤٢ وإزاء هذه الألغاز في «متحف سري»، نتذكر كلمة «بيير سيكير» في «نهاية بوتوماك»: «باللغز أفهم شيئًا أو عملًا فنيًّا سيكون لغزًا دون أن يبدو عليه ذلك (…) إذ من يبدو عليهم أنهم يطرحون ألغازًا سوى فوازير، إنها ألغاز البداية»،٤٤٣ ويمكننا التساؤل عما إذا كانت كلمات «كوكتو» هذه لا تشكل إدانة صارمة لقصائده هو.
إنه بهلوان، ولاعب أكروبات، وبارع في المشي على الحبل، وقد تم استخدام وأسيء استخدام كل هذه الكلمات في الحديث عن «كوكتو»، ورغم هذا، ليس خطأ القول إنه يسير على حبل مشدود، باحثًا باستمرار عن اتزان دائمًا مهدد بين الإلهام والصرامة، بين الموارد الغزيرة التي يمنحها اللاوعي و«جمالية الحد الأدنى»، التي أرسى مبدأها من قبل في «البيان التمهيدي» ﻟ «بوتوماك»،٤٤٤ هذا الوضع المؤقت هو — إلى حدٍّ ما — وضع كل الشعراء الذين يمارسون قصيدة النثر، والذين يجدون أنفسهم منقادين، بمزاجهم، إلى الميل في اتجاه النظام أو اتجاه الفوضى، أما «كوكتو»، فهو يدعي المحافظة على توازنه حتى النهاية، لكن أحيانًا ما يتكون لدينا الانطباع بأن نظامه هو نظام مزيف، وفوضاه فوضى مزيفة، هذا الانطباع بالزيف يفسر لماذا يُلام على الغش، واستخدام طرق مصطنعة، واختراع اللامرئي بدلًا من نقله حرفيًّا.٤٤٥

هذه المؤاخذات، التي سيجد الجميع أنها مبررة أو غير مبررة، وفقًا لشعور كل منهم الشخصي، لا ينبغي، في جميع الأحوال، أن تجعلنا نشك في صدق محاولة، ربما يائسة، لإجبار اللامرئي على التجلي.

الشعر دين بلا أمل، والشاعر يستنفد فيه وهو يعلم أن الرائعة الأدبية ليست، بعد كل شيء، سوى عرض لكلب بارع على أرض هشة.

وهو يعزي نفسه بلا شك بدعوى أن العمل يساهم في بعض الغموض الأكثر صلابة، لكن هذا الأمل ينبع من أن كل إنسان هو ليلة (يسكن ليلة)، وأن عمل الفنان يكمن في أن يضع هذه الليلة في وضح النهار، وأن هذه الليلة الغابرة تمنح الإنسان، المحدود للغاية، وصلة من اللامحدود تخفف عنه.٤٤٦
مثلما يكتب «كوكتو» في «يوميات مجهول»، بتواضع سيدهش البعض، وهو يستحق — بهذا المفهوم عن الشعر، أكثر ربما من أعماله — مكانةً بين الشعراء الذين يختارون الخضوع ﻟ «أوامر الليل».٤٤٧
١  De Baudelaire jusqu’à nos jours, Corréa, 1933, p. 254.
٢  مقدمة Cornet à Dés, 1916.
٣  La nouvelle génération et son unité (Août 1909); Introduction à une métaphysique du rêve (Novembre 1909).
٤  Les contemplations, Tisné, Paris, p. 18، وقد دار الحديث عن «الحيوية» منذ عام ١٩٠٧م، بصدد «سالومي» لفلوران شميت، واشتهر هذا التعبير فيما يتعلق بويتمان، ثم الباليهات الروسية عام ١٩٠٩م، قبل أن ينشئ «جوسي» و«جيلو» «المدرسة الحيوية» عام ١٩١٢م.
٥  التعبير ﻟ «أ. بيرج» في L’Esprit de la littérature moderne, Perrin, 1930, p. 47.
٦  التي أدانها أيضًا «بيرج»، السابق، في المقطع المشار إليه، ص٤٧.
٧  انظر «بيرج»، السابق، في المقطع المشار إليه سابقًا، ص١٢، وانظر أيضًا التمييز الذي أقامه «هربرت ريد» بين أبنية الشكل الكلاسيكي الثابتة والمحددة، وحيوية الشكل العضوي organic form الذي عثر الشعر الحديث، حسبما يقول، على مبدئه (Form in modern poetry, Vision Press, Londres, 1948, ch. 1).
٨  André Breton, Manifestes Surréalistes (Premier Manifeste), Sagittaire, 1946, p. 45.
٩  Art Poétique, Emile-Paul, 1922, p. 17.
١٠  Le gant de crin, Plon, 1927, pp. 40-41.
١١  مقدمة Max Jacob des Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1946, p. 27.
١٢  أعلن «جاكوب» بنفسه أنه «كتب دائمًا قصائد نثر أو نصف نثر»، وأنه كان يجمع عام ١٩٠٧م، منذ فترة طويلة إلى حدٍّ ما، قصائد النثر (مقدمة عام ١٩٤٣م للطبعة الجديدة من «كوب النرد» Coup de Dés, Gallimard, 1945)، وبذلك، كتبت القصائد عن الحرب عام ١٩٠٩م، ونشرت «بان» في ديسمبر ١٩٠٩م «حكايات بريتونية» لماكس جاكوب تتضمن ثلاث قصائد نثر.
١٣  كان «جاكوب» يقيم في ٧ شارع رافينيان، في حين أن «القارب المغسل» الشهير لبيكاسو كان — مثلما نعلم — يقع في رقم ١٣.
١٤  نعلم أنه كرس أغلب رواياته — من «سينما جوهرية/سينما صغيرة» و«حجرة سوداء» و«ملعب بوشابال» — لإخراج «كوميديا إنسانية»، شخصياتها دمًى متحركة للبرجوازية، قارن بمقال «جاسون Gasson,» في Nouvelle Revue Française, 1er Avril 1928.
١٥  قبعة حمراء كان يرتديها ثوريو عام ١٨٨٩م، شارة للجمهورية الفرنسية.
١٦  Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 29.
١٧  المرجع السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٥٩.
١٨  المرجع السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٤.
١٩  المرجع السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٨، وتحمل هذه المعارضة لبودلير — شأن قصيدة «رامبو» — عنوان «قصيدة حسب ذائقة ليست ذائقتي».
٢٠  المرجع السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٠٨.
٢١  قارن ﺑ Encore le roman feuilleton, p. 84.
٢٢  Fausses nouvelles! Fosses nouvelles!, pp. 22-23.
٢٣  Genre biographique, p. 69.
٢٤  يذكر «ي. بيلفال» أن «جاكوب» كان يستمتع — على سبيل المثال — بلعبة «التعريفات» التافهة التي منحتها الشرف بعض أعداد مجلة «نوفيل روفي فرانسيز» (قارن ﺑ Matila Ghyka, Sortilèges du Verbe, Gallimard, 1949, p. 153)، وهكذا مآتم obsèque = خشب الجزر، مثال: كانت تملك سريرًا رائعًا من خشب «الأوبسيك» (Rencontre avec Max Jacob, Charlot, 1946, p. 92).
٢٥  قارن بما ورد ذكره في Œuvres burlesques et mystiques de Frère Matorel، عام ١٩١٢م، «شارع مين»، «تنتقل المناورات … إلخ».
٢٦  Marcel Jean et Arpad Mezel, Genèse de la pensée moderne, Corréa, 1950, p. 179، انظر في هذا الموضوع، الفصل رقم ٢٢، (حول «ريمون روسيل»).
٢٧  المرجع السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٧٧.
٢٨  أحيل إلى رسالة «سيلييه» حول Fabre d’Olivet, Nizet, 1953, pp. 133–142.
٢٩  إن الموقف «الصوفي» لهوجو إزاء التلاعب بالألفاظ (مثل «نومن نومين»)، وبيته الشهير:
إذ إن اللفظة هي «الكلمة» والكلمة هي الله
مشهوران إلى حد عدم الحاجة إلى التأكيد عليهما، «هناك» شيء إلهي «في غموض تكوين اللغات»، مثلما يشير في إحدى أفكاره المنفصلة، المنشورة بعد وفاته (Tas de Pierres, Œuvres complètes de Hugo, Albin Michel, t. IX, p. 277).
٣٠  تمثال صغير معلق في كرةٍ مجوفة يهبط ويصعد في إناءٍ مملوء بالماء، حسب الضغط على الغشاء الطاطي الذي يغطي الوعاء.
٣١  قارن ﺑ «الكلمات– الحقائب» ﻟ Carroll, les Cahiers du Sud, n° 287 (1948) والمقدمة الخاصة عن «لويس كارول» في Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, par H. Parisot (1952).
٣٢  نسبة إلى «هيرميس»، رمز الكيمياء السحرية.
٣٣  قارن بما سبق، الفصل الخامس من القسم الثاني.
٣٤  Chiquenaude, Lemerre, 1900.
٣٥  انظر Marcel Jean et Arpad Mezel, Genèse de la pensée moderne, Corréa, 1950, p. 203، والفصل رقم ٢٤ بكامله.
٣٦  «إن ميزة الوسيلة، مثلما يقول «روسيل»، هي أن تنشئ من الكلمات أنواعًا من معادلات الوقائع، المقصود منها حلها منطقيًّا فيما بعد» (Comment j’ai écrit certains de mes livres, Lemerre, 1935, p. 23).
٣٧  Comment j’ai écrit certains de mes livres, Lemerre, 1935, p. 22: «الخلاصة أن هذا الأسلوب أحد أقارب القافية: ففي الحالتين، هناك إبداع غير متوقع ناتج عن تركيبات صوتية، إنه أسلوبٌ شعري بالضرورة».
٣٨  Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 55.
٣٩  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٥٠، انظر Rencontre avec Max Jacob, Charlot, 1946, p. 94.
٤٠  انظر Gide, Paludes, N.R.F., 1926, p. 154.
٤١  L’Art artiste, Le Cornet à Dés, p. 81.
٤٢  المقدمة الجديدة ﻟ Le Cornet à Dés, N.R.F., 1945, p. 10.
٤٣  مقال «جاكوب» حول «الكلمات الحرة»، نشر في Nord-Sud, n° 9, Novembre 1917.
٤٤  Art poétique, Emil Paul, 1922, p. 67.
٤٥  Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 38.
٤٦  Petit Poème, Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 99.
٤٧  Mystère du Ciel, Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 120.
٤٨  Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 126.
٤٩  Poème, Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 126، وسنجد لدى «ريفيردي» أيضًا، الصديق الحميم لخوان جرمي والتكعيبيين، قصائد في «لوحات» متحركة أو ثابتة.
٥٠  Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 32، هذا الأخ كان موجودًا بالفعل، بل ربما كان لصورة وجهه — التي رسمها زنجي، إذا ما صدقنا «كاركو» — دور في ميلاد التكعيبية (انظر Carco, De Montmartre au Quartier Latin, dans Mémoires d’une autre vie, Genève, 1942, p. 209).
٥١  Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 82.
٥٢  انظر التمهيد السابق ﻟ Le Cornet à Dés, éd. Stock, 1923, p. 21، وسنقرأ — بعد ذلك بقليل — إحدى هذه القصائد، «الحرب»، انظر فيما يلي الفصل الثاني من القسم الثاني.
٥٣  قارن ﺑ مقدمة عام ١٩١٦م، éd. Stock, pp. 14-15.
٥٤  مقدمة عام ١٩١٦م، éd. Stock, p. 13.
٥٥  مقدمة عام ١٩١٦م، éd. Stock, p. 13.
٥٦  السابق، في الجزء المشار إليه، ص١٦: «إن صفحة من النثر ليست بقصيدة نثر، حتى إن احتوت على درتين أو ثلاث».
٥٧  السابق، في الجزء المشار إليه.
٥٨  Cornet à Dés, p. 42.
٥٩  مقدمة عام ١٩١٦م، éd. Stock, p. 15.
٦٠  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٥.
٦١  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١١ وص١٤.
٦٢  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٤.
٦٣  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٥.
٦٤  Art Poétique, Emil Paul, 1922, p. 67.
٦٥  المرجع السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٦٧، ورغم هذا، يرجح أن يكون «برتران» — مثلما يعترف «جاكوب» عام ١٩١٦م (ولأنه يتوفر على «أسلوب وهامش»، مثلما يقول «مارسيل شووب») — قد خلق «نوع قصيدة النثر» دون أن يعرف ذلك (مقدمة، ص١٧).
٦٦  مقدمة عام ١٩١٦م، ص١٥.
٦٧  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثالث، التي نشرتها عام ١٩١٧م مجلة «نور–سود» عن «رامبو».
٦٨  La guerre, Cornet à Dés, p. 22.
٦٩  De Baudelaire au Surréalisme, Corréa, 1933, p. 300.
٧٠  Art poétique, Emil Paul, 1922, p. 67.
٧١  Cornet à Dés, p. 32 et p. 79.
٧٢  الجملة ذكرها «جاكوب» في مقدمته لطبعة عام ١٩٤٥م من «كوب النرد»، ص١٠.
٧٣  والأنكى أنه يمكن العثور على هذه الفكرة في «لمحة» المقدمة التي كتبها «جورج جابوري» عام ١٩٢١م لطبعة «ستوك» من «كوب النرد»: أبدًا لا يخون المرء سوى أقاربه …
٧٤  «ريفيردي»: «هو أكبر شاعر على قيد الحياة حاليًّا، ونحن بجواره لسنا سوى أطفال»، حسبما كتب عام ١٩٢٤م كل من «أراجون» و«بريتون» و«سوبول» (ذكره Nadeau, Histoire du surréalisme, éd. du Seuil, 1945, p. 40).
٧٥  قارن بسيرة الحياة الذاتية.
٧٦  إنه «ريفيردي» نفسه الذي عرف الفن باعتباره «مجمل الوسائل القابلة لتثبيت غنائية الواقع المتحركة والمؤثرة» (Le Gant de Grin, Plon, 1927, p. 10).
٧٧  ذلك هو عنوان المقال الذي كتبه «تادو» عن «ريفيردي»: Pierre Reberdy, ou la poésie concrète (Combat, 15 Décembre 1949) أعيد نشره في: Littérature présente, Corréa, 1952, pp. 295–300.
٧٨  «أراجون»، ذكره سابيه في مقاله حول La nature de Reverdy, Mercure de France, 1er Juillet 1950, p. 421.
٧٩  انظر Kanhnzeiler, Juan Gris, N.R.F., 1926, p. 33.
٨٠  Poèmes en prose, Birault, 1915.
٨١  Bataille, Poèmes en prose, Birault, 1915.
٨٢  Poèmes en prose, p. 31.
٨٣  قارن ببودلير، مقدمة «سأم باريس».
٨٤  يشير «كانفيلير» إلى أن «بيكاسو» و«براك» — على النقيض من «سيزان» — يحدان اللوحة، ويحصرانها في صرامة خلفية ثابتة: ﻓ «المنظور الهوائي» يتم إلغاؤه تمامًا من هذا المكان المغلق، وحسبما يضيف هو (Juan Gris, N.R.F., 1946, p. 154).
٨٥  P. Dermée, Quant le Symbolisme fut mort, Nord-Sud, n° 1, 15 Mars 1917.
٨٦  Nord-Sud, n° 4-5, Juin-Juillet 1917، وقارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثالث.
٨٧  Le livre de mon bord, Mercure de France, 1938, p. 105.
٨٨  «لا يتعلق الأمر باستغلال انفعال أولي ومزجه، بل — على النقيض — تحقيق حزمة انفعالات طبيعية في العمل صادرة مباشرة من الأعماق الحميمة للشاعر وأن تترك لروح القارئ هذه القوة المركزية القادرة على أن تستفز فيه شعورًا قويًّا وتغذي تفتحًا ثريًّا من المشاعر الجمالية»، مثلما يكتب «ريفيردي» في Le Gant de Crin, Plon, 1927, p. 46.
٨٩  إنها نظرية الصور كلها، «إبداع خالص للروح»، وسأعاود الحديث عنها فيما بعد.
٩٠  Syntaxe في Nord-Sud, n° 14, 1er Avril 1918.
٩١  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الأول.
٩٢  Rides de givre في Flaques de verre, N.R.F., 1929, p. 59.
٩٣  Encore Marcher, La lucarne ovale (1916) ديوان شعري أعيد نشره في Les épaves du ciel, N.R.F., p. 55.
٩٤  Tête fermée, Flaques de verre, p. 116.
٩٥  Fausse joie, dans Grande Nature (1926)، وهو ديوان أعيد نشره في Main-d’Œuvres, Mercure de France, 1949, p. 20.
٩٦  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثالث.
٩٧  قصيدة «الكرة البيضاء» أعيد نشرها في «بقايا سماء»، ص١٣١، وفضلًا عن ذلك، يخرج الشكل الطباعي ﻟ «قصائد نثر» المنشور عام ١٩١٥م عن المألوف.
٩٨  Le livre de mon bord, p. 132.
٩٩  Sur la mer le lever du jour, Sources du Vent (تم جمعهما في Main-d’Œuvres, Mercure de France, 1949.) والتشديد من المؤلفة.
١٠٠  قارن ﺑ Kahnweiler, Juan Gris, N.R.F., 1946, p. 205، إن انطباعية «إلستير» — لدى «بروست» — تؤدي إلى تأثيرات مماثلة، لكن الأمر يتعلق، بالنسبة للانطباعيين، باحترام الانطباع البصري المباشر، في حين أن مقصد التكعيبيين تركيبي على نحو خاص («طباقي»)، مثلما يقول «كانفيلير»، مرجع سابق، ص٢١٢.
١٠١  Poèmes en prose, p. 15.
١٠٢  Tête du Mond, La ball au bond, Main-d’Œuvres, p. 72.
١٠٣  Juan Gris, N.R.F., 1946, p. 167.
١٠٤  قارن ﺑ Marcel Jean et Arpad Mezel, Genèse de la pensée moderne, Corréa, 1950, p. 194.
١٠٥  انظر في Soirées de Paris, Juillet-Août 1914، المقال الغريب حول الشعراء الإنجليز «أتباع الصورة» المعارضين لأنصار الشعر الحر «الإيقاعيين».
١٠٦  لقد «اختار الصورة، وما لغته سوى صورة»، مثلما يقول «فوميه» (P. Reverdy, Mercure de France, 1er Novembre 1948, p. 444).
١٠٧  Nord-Sud, n° 13, Mars 1918 (تصريح أعيد نشره، فيما يتعلق بجوهره، في Gant de Crin).
١٠٨  Manifestes du Surréalisme, Premier Manifeste, p. 63، وقارن بما سيلي الفصل الثاني من القسم الثالث.
١٠٩  يحدد «ريفيردي» نظريته عن الصورة «المتباعدة والصائبة» بمثال «الفجر ذو الأصابع الوردية»، في Le livre de mon bord, p. 132.
١١٠  قارن ﺑ Saillet، مقال سبق ذكره، ص٤٢٤.
١١١  Le toit s’incline, Main-d’Œuvre, p. 132.
١١٢  Les avidités clandestines, Bois vert, Main-d’Œuvre, p. 520.
١١٣  إن صورة صائد النجوم أثيرة لدى «ريفيردي»: وتكشف لنا قصيدة بهذا العنوان الشاعر وهو يسعى إلى «صيد النجوم» في «شبكة الكلمات» (Main-d’Œuvre, p. 15)، ونشرت قصيدة «لكل نصيبه» في Poèmes en prose, 1915, p. 77.
١١٤  Pour mourir, La ball au bond, dans Main-d’Œuvre, p. 74.
١١٥  على سبيل المثال في «قصائد نثر»، و«نجمة جميلة» و«فنادق»، المنشورة في «الكوة البيضاوية» (١٩١٦م)، و«في طرف الهواء» في Les Ardoises du Toit (1918), Miracle et Nomade.
١١٦  قارن — في «الكوة البيضاوية» — بقصيدة «السير مرة أخرى»: «مشيت كثيرًا للغاية وضعت»، وقصيدة «نمره الوحيد»: «العالم بالنسبة له طريق لا ينتهي نضيع فيه» (في Epaves du Ciel, N.R.F., 1924، الذي يضم «قصائد نثر» و«الكوة البيضاوية» و«نجوم مرسومة»، ص٥٥ وص٥٦)
١١٧  عثر «ريفيردي» على صور مدهشة عن الليل، «الليل الذي لا شبابيك له لكنه ذو ستائر عريضة» (Belle Etoile, Poèmes en prose, p. 55)، «الشفاه على حواف الليل الأسود الثلجية» (Reflux, Ferraille) … إلخ.
١١٨  قارن قصيدة «كي نموت» بقصيدة «بقايا سماء» المنظومة، ص٩٩: «كل شيء انطفأ … إلخ» ولا صيرورة للجوء إلى التحليل النفسي أو إلى معطيات تتعلق بالسيرة الذاتية، لنرى أية إشارات توفرها لنا هذه الموضوعات عن الوجود الداخلي للشاعر.
١١٩  Self-Defence (أعيد نشرها في Reverdy, Poètes d’Aujourd’hui, p. 120).
١٢٠  Un homme fini, La balle au bond, dans Main-d’Œuvre, p. 50.
١٢١  Le livre de mon bord, p. 226.
١٢٢  Cortège, La balle au bond, Main-d’Œuvre, p. 45.
١٢٣  Le livre de mon bord, p. 222، يضم «الكتاب الأخضر» لموريس دي جيران إشارات مماثلة تمامًا.
١٢٤  «نتاج الطبيعة وإحدى قواها على نفس مستوى البحر، والصخور، والمطر، والشمس، والقمر والنجوم، مجبول من نفس المادة، وتكمن وظيفته في منح هذه المادة صوتًا، وجعلها تعبر عن نفسها»، مثلما يقول «م. نادو» عن «ريفيردي» (Littérature présente, Corréa, 1952, p. 296).
١٢٥  P. Rousselot, Introduction à Reverdy, Anthologie des Poètes d’Aujourd’hui, 1951, p. 25.
١٢٦  Le Gant de Crin, Plon, 1927, p. 15.
١٢٧  Sources du Vent, dans Main-d’Œuvre, p. 45.
١٢٨  Pierres blanches, Main-d’Œuvre, p. 95.
١٢٩  Sources du Vent, dans Main-d’Œuvre, p. 151.
١٣٠  Self-Defence, 1919 (مذكور في Reverdy, Poètes d’Aujourd’hui, p. 122).
١٣١  Un homme fini, La balle au bond, Main-d’Œuvre, p. 50.
١٣٢  P. Reverdy, Cette émotion appelée poésie, Mercure de France, Août 1950.
١٣٣  Une apparence médiocre, Poèmes en prose, 1915, p. 49.
١٣٤  Le livre de mon bord, p. 27.
١٣٥  Poèmes en prose, 1915, p. 67.
١٣٦  Le Gant de Crin, Plon, 1927, p. 40.
١٣٧  قارن بما سبق، حول الفانتازي، وعن نغمة الأقصوصة، الفصل الخامس من القسم الثاني.
١٣٨  Le Gant de Crin, Plon, 1927, p. 41.
١٣٩  Le livre de mon bord, p. 74.
١٤٠  حول هذا التعارض بين «زمن» الشعر و«زمن» السرد، قارن بما سبق، الفصل الثالث من القسم الثاني، ومن ناحية أخرى، فغالبًا ما تكتب نثريات «ريفيردي» في المضارع.
١٤١  Le livre de mon bord, p. 112.
١٤٢  السابق، في الجزء المشار إليه، ص١٠٥.
١٤٣  «وعندما يتم اختيار ما هو ثابت ودائم والجوهر الحقيقي للأشياء، يزعم فن الوقت الراهن أنه لا يتغذى إلا على الواقع، وأنه يصل إلى هذا الواقع الذي يثبت العمل الفني ويسمح له بأن يحتل موقعه بين الأشياء الموجودة في الطبيعة»، حسبما يكتب «ريفيردي» في Le Gant de Crin.
١٤٤  Le Gant de Crin, Plon, 1927, p. 17.
١٤٥  بالنسبة لريفيردي، تعتبر «الموسيقى أكثر الفنون صمتًا» (Le livre de mon bord)، وقد سمعته بنفسي في الإذاعة يصرح أن الشعر — فيما يرى — مصنوع ليقرأ لا ليسمع.
١٤٦  Le livre de mon bord, p. 254.
١٤٧  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٨٨.
١٤٨  Cette émotion appelée poésie, Mercure de France, Août 1950, p. 582.
١٤٩  La jeune poésie française, Rouart, 1917, p. 243.
١٥٠  المرجع السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٥٣: «ينبغي على العنصر الأساسي أن يكون المفاجأة والنغمة السائدة، هي السخرية الخفية لكنها التهكمية رغم هذا»، مثلما يضيف «ف. لوفيفر»: وكل هذا مستلهم بوضوح من «كوب النرد».
١٥١  Guilleré, L’aimable année, La Belle Edition, 1910 (cité pp. 253-254).
١٥٢  ها هو التعريف الذي ذكره لي (أنقله حرفيًّا):

«تشكل قصيدة النثر — التي ترجع أصولها الحقيقية إلى القرن التاسع عشر — نوعًا من الأدب الرفيع المحدد تمامًا مثل النشيد الغنائي والسوناتا والنشيد الملكي … إلخ.

وهي تتميز، أولًا، بأبعادٍ لا ينبغي أن تتعدى صفحتين أو ثلاثًا.

وهي تستبعد الحكاية، والوصفي، والمسرحي، والفانتازيا المفرطة، مثلما تبتعد عن الخرافة المصحوبة بالحكمة، وعن المثل والقول المأثور.

إنها تركيز للفكرة الشعرية الخالصة، وهي لا تتضمن أي تدخل حواري، بل تقع على النقيض من الرسم التخطيطي واللوحة الصغيرة، ويقع شكلها في المنطقة الوسطى بالضبط بين الشعر والنثر، وهي غنائية مثل المقطع الشعري، والآية، والحزمة liasse والدائرة الكلامية période، وهي تستعير من النثر بنيته الوحيدة، ورغم هذا، فعلى الفنان أن يبثها الشيء الخاص بها من خلال إيقاع مميز، وخاص، وعدد مخلتف (إذ يوجد في قصيدة النثر مسألة علم الأعداد).
وتوحي قصيدة النثر، وتستدعي، وحدد الموقع، وتنحو إلى إغراق العنصر الأساسي في أرقى دائرة للحلم الشفاف، والتسامي الإحيائي والمادية المفرطة hyperhylisme، والتناغم المبتهج، والتباعد، والمفاجأة، والكشف، والمهم في النهاية أن يمتد هذا المنظور إلى أبعد مما يسمح به خيال مبدع فني أدبي صافٍ».
١٥٣  في عدد أغسطس/سبتمبر ١٩٤٩م، ص٢٧-٢٨، وسأكتفي بذكر السطور الأولى من هذه القصيدة: «في قلب هذا الخريف المألوف، توفق «بيرومي» السنتوري لعلوم التشكل الإيزورية أمام امتداد المياه الغافية بفعل مظهره الغريب».
١٥٤  «قصيدة النثر هي كل ما نريد»، مثلما يصرح — على سبيل المثال — «ف. ديفوار»، ويقول «جي لافو»: «قصيدة النثر تكون، ولا تعرف»، أما «لويس لاتوريت»، فيذكر هذا الكلام لوايلد: «إن أنشودة العندليب قصيدة نظم، وأنشودة البجعة قصيدة نثر»، «فليعتقدوا ما يشاءُون»، مثلما يضيف «أ. رينو» الذي جمع هذه التصريحات المتنوعة في مقدمة Petits poèmes en prose de Baudelaire, Garnier, 1928, pp. XIX et XX، ويشير «ج. رويير»، الأكثر إلهامًا، إلى أن قصيدة النثر «كيان غنائي»، «بنية كلامية»، متميزة، تحكمها قوانين في نفس صرامة قوانين النظم، لكنها عرضية، ولم تعد تمليها العادة (السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٠).
١٥٥  ينبغي الإشارة — رغم هذا — إلى أن «ﻫ. غيون»، اعتبارًا من عام ١٩١٢م، وفي حديثه عن قصيدة النثر في «نوفيل روفي فرانسيز»، قد اعتبرها «الشكل الطبيعي للإشراقة»، ووضع — في مقابل البارناسيين، الذين لم يروا فيها سوى «تحفة شعرية» — مثال «رامبو»: «لم يعد الأمر يتعلق، على أي مستوى، بكاتب، حتى لو كان ملهمًا، يصوغ بحرية قطعة «كتابة فنية» صغيرة، فالأمر يتعلق بإشراقي»، مثلما سيصرح، وبعد «رامبو»، لا يرى «غيون» سوى «ل. ب. فارج» باعتباره قد عثر على هذه الحالة «الإشراقية»، لكن مع نقاء أقل؛ إذ إن «فارج» يحافظ على التواصل بالأرض «أقل» من «رامبو»، ويخضع أكثر أيضًا (في مساعيه نحو التماثلات أو الصور) للإغراء الأدبي (Les poèmes: Le poème en prose, Nouvelle Revue Française, Août 1912, p. 345).
١٥٦  قارن ﺑ «إلى صهباء جميلة» في «قصائد مرسومة»، وفي نفس الديوان، نجد لدى «أبوللينير»، سطورًا نبوئية يبدو أنها تتنبأ بالسيريالية:
يا أعماق الوعي،
سنكشفك غدًا،
ومن يعلم أية كائنات حية
ستستمد من هذه الهاويات
مع عوالم بكاملها
مثلما يقول في «التلال» …
١٥٧  نشر مقال «أبوللينير» عن «الروح الجديدة» في Mercure de France, 1er Décembre 1918، كان «أبوللينير» قد توفي منذ حوالي شهر.
١٥٨  افتتاحية Trois roses, Grenoble, Juin 1918, n° 1.
١٥٩  من أ عمال «فاليري»، الذي كان عمله «الحوشي الشاب» عام ١٩١٧م شارة دخوله الدائرة الأدبية، وقد نشرت Trois roses قصيدة «في الدلب».
١٦٠  نظرية إشراقية دينية تتعلق بالاتحاد بالرب.
١٦١  ثمة تلاعب بالألفاظ في الأصل الفرنسي: Le tout Loutre, le tout l’Outre.
١٦٢  انظر بشكل خاص Ribemont-Dessaignes, Histoire de Dada, N.R.F., Juin-Juillet 1931; Nadeau, Histoire du Surréalisme, éd. du Seuil, 1945, pp. 35–57; Tzara, Le Surréalisme et l’après-guerre, Nagel, 1947; Lacôte, Introd. à Tzara, Anthologie des Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952.
١٦٣  Lettres de guerre, Au Sans Pariel, 1919, p. 17.
١٦٤  قارن ﺑ Lacôte, Introduction à Tzara, Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 25.
١٦٥  Caractères de l’évolution moderne, dans Les Pas Perdus, N.R.F., 1924.
١٦٦  حوار إذاعي مع «تزارا»، الإذاعة القومية، مايو ١٩٥٠م، ذكره «لاكوت»، المرجع السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٧.
١٦٧  Le Surréalisme et l’après-guerre, Nagel, 1947, p. 17.
١٦٨  انظر في Littérature, n° 13, Mars 1920، إعادة نشر «بيانات دادا الثلاثة والعشرين»، التي قرئت في «صالون المستقلين» و«نادي فوبور» في فبراير ١٩٢٠م، «لا رسامين، لا أدباء، لا موسيقيين، لا نحاتين، لا أديان، لا جمهوريين، لا ملكيين لا امبرياليين (…) لا شيء أبدًا، لا شيء، لا شيء، لا شيء، لا شيء»، هكذا كان بيان «أراجون» يقول ضمن أشياء أخرى.
١٦٩  نشرت في العدد الرابع من Littérature.
١٧٠  وهكذا، يعثر «إيلوار» في مجلة «بروفيرب  PROVERBE» عام ١٩٢٠م، «في الأماكن العمومية، وفي «الأمثال»، وفي الجمل الجاهزة، على القيمة التفجيرية التي كانوا يملكونها في الأصل وفقدوها مع الاستخدام»، ويعيدها لهم من خلال الأساليب التي سبق لجاكوب استخدامها، توريات، وتبديل مواقع الحروف الأولى في كلمتين أو أكثر، وتماثل أصوات (Nadeau, Histoire du Surréalisme, éd. du Seuil, 1945, p. 50).
١٧١  Sept Manifestes Dada, Budry, 1924, p. 77 (وقد نشر البيان عام ١٩٢٠م في Littérature).
١٧٢  La première aventure céleste de Monsieur Antipyrine, Zurich, 1916 (cité par Lacôte, Tzara, Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1952, p. 73).
١٧٣  حالةٌ صوتية باستخدام حروف الهجاء، وخاصة حروف المد المتحركة، التي لم نر مبررًا لمحاولة كتابتها بالحروف العربية.
١٧٤  Pélamide, dans Vingt-cinq poèmes, Zurich, 1918, (dans Tzara, p. 103).
١٧٥  قارن — على سبيل المثال — بالتكرارات في «الرجل التقريبي»، مثل «نعاس الأشجار الضخمة الضجرة»، أو «سرت على السماء» (في Tzara, eod. Loc., pp. 124–128)، وفي «الرأس المضادة»، تنظيم «السيد أ الفيلسوف المضاد» في أربعة مقاطع تبدأ كلها بالمناجاة: «كابتن!».
١٧٦  Cher ami, L’Antitéte, éd. des Cahiers libres, 1933.
١٧٧  أوردها «بريتون» في مقاله Pour Dada (Nouvelle Revue Française, Août 1920).
١٧٨  انظر Essai sur la situation de la poésie, dans Le Surréalisme au service de la Révolution, n° 4 (1931), Lacôte, Introd. à Tzara, pp. 48 et 51.
١٧٩  مقدمة Tzara, p. 69.
١٨٠  Littérature, n° 2, Avril 1919.
١٨١  انظر Les Fleurs de Tarbes ou la Terreur dans les lettres, Gallimard, 1941, pp. 71 et 145.
١٨٢  عن تعبيرات من قبيل «طريق لبني»، حيث لا نعود نشعر بصورة، وإنما حيث يعجب الأجانب بتصويريته، يتحدث «بولان» في Jacob Cow (Au Sans Pareil, 1921, p. 52)عن الدائرة الصغيرة للغة، التي توقف تدفق المعنى بإيقاف الانتباه إلى الصورة، قارن ﺑ Blanchot, La Part du feu, Gallimard, 1949, p. 55.
١٨٣  Alchimie du Verbe, Œuvres, Pléiade, p. 219.
١٨٤  Magie, Œuvres, Pléiade, p. 400، أثار موضوع الصمت هذا في الشعر، وعلى نحو خاص في الشعر الحديث، رسالة جامعية سطحية للغاية وجزئية تمامًا للأسف، أنجزها في زيوريخ «ج. فويلمر» عام ١٩٥٢م: Aspects du silence dans la poésie moderne, Une étude sur Verlaine, Mallarmé, Valéry, Rimbaud, Claudel, René Char et Francis Ponge، والأهم بكثير دراسات «م. بلانشو» في المقالات المختلفة المنشورة في La Part du feu, Gallimard, 1949.
١٨٥  La Désespéranto, dans L’Antitéte, éd. des Cahiers libres, 1933, p. 183.
١٨٦  أستعير هذا التعبير من نص Entretiens d’André Breton avec A. Parinaud (Radiodiffusion française, 1952), N.R.F., 1952, p. 79، وتعتبر هذه اﻟ «أحاديث» أحدث خلاصة قدمها «بريتون» بنفسه عما كانت التجربة السيريالية.
١٨٧  Les Manifestes du Surréalisme (Premier Manifeste, 1924), Sagittaire, 1947, pp. 35-36.
١٨٨  نعلم أن «بريتون» بدأ في «فالانج» عام ١٩١٤م، بمقطوعات «مالارمية» للغاية، واعتبارًا من عام ١٩١٦م يستحوذ رامبو عليه تمامًا (قارن ﺑ Entretiens, p. 28)، وخلال تفكيره فيه، وفي لقائه الأخير مع «فيرلين» في «فوريه نوار»، كتب قصيدته «غابة سوداء».
١٨٩  Les Manifestes du Surréalisme, Premier Manifeste, p. 36.
١٩٠  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٣٧.
١٩١  «بدا لي أن فضيلة الكلام (وبشكل أكبر الكتابة) تكمن في خاصية الإيجاز بشكل فعال لعرض (ما دام ثمة عرض) عدد محدود من الوقائع، شعرية كانت أم غير شعرية، التي جعلت منها الجوهر النفسي، وكنت أظن أن رامبو لم يعمل بشكل مغاير» (Les Manifestes du Surréalisme (Premier Manifeste, 1924), Sagittaire, 1947, p. 36).
١٩٢  Breton, Les merveilleux contre le mystère، مقال نُشر في Le Minotaure (n° 9, 1936)، وأعيد نشره في André Breton, Essais et Témoignages, La Baconnière, Neuchâtel, 1950, p. 41.
١٩٣  المرجع السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٤١، والتشديد من «بريتون».
١٩٤  Les Manifestes du Surréalisme (Premier Manifeste, 1924), Sagittaire, 1947, pp. 36 et 37.
١٩٥  Les merveilleux contre le mystère ، نشر في Le Minotaure, Octobre 1936، وأعيد نشره في André Breton, Essais et Témoignages, La Baconnière, Neuchâtel, 1950, p. 39.
١٩٦  Premier Manifeste, p. 38، والصفحات التالية.
١٩٧  رغم أن السيرياليين استطاعوا الاستناد على «دادا» والتعاون معه في التمرد، فسيكون — مثلما يقول «بريتون» — مجافيًا للصواب ومتعسفًا من ناحية التسلسل التاريخي تقديم السيريالية باعتبارها حركة ناجمة عن «دادا» (Entretiens, p. 56): نرى في «ليتراتور»، على سبيل المثال تبادل نصوص «دادا» والنصوص السيريالية، حتى الانفصال النهائي بينهما، عام ١٩٢٣م (انظر Nadeau, Histoire du Surréalisme, éd. du Seuil, 1945, pp. 53–56, et Breton, Entretiens, V).
١٩٨  Les Manifestes du Surréalisme (Premier Manifeste, 1924), Sagittaire, 1947, p. 52.
١٩٩  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٥١.
٢٠٠  Entretiens, p. 80.
٢٠١  Breton, Le message automatique, dans Point du jour, Gallimard, 1934, p. 245، وهو نص أساسي يحدد فيه «بريتون» (ص٢١٧–٢٥١) كل ما يمكن أن نأمله من الرسالة الآلية، مع الاعتراف بصعوبة كتابتها بشكل جيد.
٢٠٢  «فلنهتم فقط ﺑ ممارسة الشعر» (Premier Manifeste, p. 35).
٢٠٣  Le message automatique, dans Point du jour, p. 246.
٢٠٤  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٤١.
٢٠٥  Premier Manifeste, p. 48.
٢٠٦  Blanchot, Réflexions sur le Surréalisme, dans La Part du feu, Gallimard, 1949, p. 95، قارن ﺑ Les mots sans rides, dans Les pas perdus, de Breton, N.R.F., 1924: «أنهت الكلمات اللعب، الكلمات تمارس الجنس» (ص١٧١).
٢٠٧  بالنسبة ﻟ «ج. جراك» (André Breton, Corti, 1948, p. 176)، «حرص بريتون» من خلال «الغرابات، والتوليدات، وسوء الفهم، على أن يوظف، مستلهمًا فرويد، أسلوب التدوين الفوري للتدفق الذهني الذي طالب به بيرجسون بشكل أكثر طبيعية»، والحق أن غايات «بريتون» تختلف تمامًا عن غايات التحليل النفسي، ولا يقل عن ذلك صوابًا أن وسائل البحث في التحليل النفسي، الأحلام والتداعيات غير المحكومة للأفكار، التي تعرف عليها في مركز «سان– ديزييه» لطب الأمراض النفسية والعقلية عام ١٩١٧م، «ستشكل، في البدء أغلب المواد السيريالية»، مثلما أكد بنفسه أيضًا مؤخرًا (Entretiens, Gallimard, 1952, p. 29).
٢٠٨  قارن بتعريف السيريالية في Premier manifeste, p. 45.
٢٠٩  انظر Crevel, L’esprit contre la raison, Cahiers du Sud, 1927, p. 28، ونعلم «القضية» التي أقامها السيرياليون ضد «باريه» عام ١٩٢١م.
٢١٠  Réflexions sur le Surréalisme, dans La Part du feu, Gallimard, 1949, p. 97.
٢١١  Les mots sans rides, dans Les pas perdus, de Breton, N.R.F., 1924, p. 167.
٢١٢  Les mots sans rides, dans Les pas perdus, de Breton, N.R.F., 1924, p. 169.
٢١٣  Les mots sans rides, dans Les pas perdus, de Breton, N.R.F., 1924.
٢١٤  Entretiens d’André Breton, N.R.F., 1952, p. 85، حول منامات «دينو»، انظر أيضًا Aragon, Une vague de réves, Commerce, Automne, 1924, p. 109.
٢١٥  Rose Sélavy (1922-1923)، في الديوان الذي نشره لأعمال «دينو» بعد وفاته، Domaine Public, N.R.F., 1953, n° 1, 71, 150، وقد تم التلاعب بالألفاظ لإنتاج وسيلة اتصال مع «مارسيل دوشون»، الموجود حينئذٍ في نيويورك (خاص بالعدد ١٣: «روز سيلافي تعرف جيدًا بائع الملح»).
٢١٦  Eronton-virage, dans La Clé des Champs, éd. du Sagittaire, 1953, p. 194، ويؤكد «بريتون» في هذا النص على ما تتمتع به أساليب كتابة «روسيل» (التي تحدثت عنها فيما سبق، الفصل الثاني من القسم الثاني) من ملامح «قبلانية».
٢١٧  Glossaire, de M. Leiris, La Révolution Surréaliste, n° 3, 15 Avril 1925, p. 7.
٢١٨  في Lettre du Voyant, Œuvres, p. 255.
٢١٩  Second Manifeste du Surréalisme, Manifestes, Sagittaire, 1947, p. 167، قارن على سبيل المثال بهذا الافتراض من جانب «سفر إيتزاير» بالحروف العشرين، وبإعطائها شكلًا وهيئة، ومزجها وتركيبها بطرق متعددة، صنع الله روح كل ما له شكل وما سيكون كذلك» (ذكره Franck, La Kabbale ou la philosophie religieuse des Hébreux, Hachette, 1889, p. 114).
٢٢٠  Devant le rideau ، مقال جُمع في La Cié des Champs, éd. du Sagittaire, 1953, p. 94، تعلم أن تفكير «بريتون» قد سار — أكثر فأكثر — في اتجاه تفسير «باطني» للسيريالية، ويبدو — من ناحية أخرى — أنه قد وعى مبكرًا للغاية القرابات التي تربط السيريالية، على سبيل المثال، بالقبلانية: قارن ﺑ «البيان الثاني».
٢٢١  فمؤلف «فابر دوليفيه» — «مثلما يكتب «تانيه» على سبيل المثال — «يثبت القيمة البدئية للغة باعتبارها أداة معرفة» (Le Sepher de Moïse et la Typocosmie, Nice, 1942, p. 17)، ويستشهد بجاكوب بوهيم الشهير: «ورغم أن الكلمة تتنوع بفعل حروف الأبجدية من خلال التبديل، إلا أن كل حرف — رغم هذا — يتوفر على أصل رائع في قلب «الطبيعة»، وقد أضفى «بريتون» دائمًا أهميةً متزايدة على أعمال «فابر دوليفيه» الذي يرى فيه — عن خطأ، فضلًا عن ذلك — رجلًا مطلعًا على الأسرار، حول محاولة «الخيمياء الأدبية» لهذا الأخير، قارن ﺑ Cellier, Fabre d’Olivet, Nizet, 1953, pp. 133–142؛ والواضح أن تنوع اللغات يطرح مشكلة شائكة سبق أن استوقفت «مالارميه»، مثلما رأينا من قبل (قارن بما سبق، الفصل الرابع من القسم الأول).
٢٢٢  Anthologie de l’Humour Noir, Sagittaire, 1940, p. 145، تكفي المقتطفات القليلة المذكورة لتقديم فكرة عن «مناهج» برسيه، الذي استطاع — بشكل خاص، من خلال تحليل الكلمات — إثبات أن الإنسان أصله ضفدعة …
٢٢٣  وهكذا — في سفر التكوين — «ينطق» الله العالم، ويأمر آدم ﺑ تسمية الحيوانات حتى يصبح سيدًا لها، والمدن اليونانية القديمة توفر لها — بالإضافة إلى اسمها العادي — اسم خفي، يتيح السيطرة عليها، مثلما ساد الاعتقاد، إذا ما تمت معرفته … إلخ، وقد تعرض «رولان دي رينيفيل» جيدًا لهاتين الوظيفتين المرتبطتين بعمق: البدء والخلق، في L’Expérience poétique, La Baconnière, Neuchâtel, 1938, chapitre 2: La Parole.
٢٢٤  قارن بما سيقوله «بريس باران» حول تسامي اللغة: فالكلمة «شكل علينا أن نملأ ويفرض علينا قانونه لأنه لا يمكن ملؤه بأي شيء (…) فإساءة تسمية الشيء لا تعني فحسب ارتكاب خطأ في اللغة، يسهل إصلاحه ولا يؤثر إلا على سطح العالم، إنه أيضًا — وعلى نحو خاص — إدخال حدث في هذا العالم من نفس طبيعة الأحداث الأخرى» (Recherches sur la nature et la fonction du langage, N.R.F., 1942, p. 174).
٢٢٥  في نهاية Les mots sans rides, p. 169.
٢٢٦  إن «م. كاروج»، الذي درس بالتفصيل العلاقات بين الباطنية والسيريالية في مقال نشر في Cahiers d’Hermès, n° 2, 1947، وشكل الفصل الثاني من كتابه (André Breton et les données fondamentales du Surréalisme, N.R.F., 1950)، لا يذكر شيئًا، للأسف، عن القيمة الممنوحة للغة، والكلمة، من جانب الخفائيين، وهو — بالمثل — لا ينظر إلى «التلاعب بالألفاظ» لدى السيرياليين إلا في مظهره الخاص ﺑ «اتصالات عبر ذهنية» (مرجع سبق ذكره، ص٢٥٩ وما يليها) ولا يذكر المقال الخاص ﺑ Les mots sans rides.
٢٢٧  Légitime défence, éd. Surréalistes, 1926, p. 17: المقال موجه ضد باربوس مدير أومانيتيه الذي اعتبر السيريالية اتجاه تجديد قوي للأسلوب، يظل للأسف «على المستوى الوحيد للشكل» (السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٤).
٢٢٨  Baudelaire, Article sut Th. Gautier, Œuvres, Pléiade, t. II, p. 471.
٢٢٩  «خيمياء الكلمة: هذه الكلمات التي تتردد حسب الصدفة إلى حدٍّ ما هذه الأيام تتطلب أخذها بالمعنى الدقيق للكلمة: فإذا ما كان «فصل في الجحيم» الذي يشيرون إليه لا يبرر كل طموحاتهم، فلا يقل عن ذلك صحة أنه يمكن اعتباره الأكثر أصالة من زاوية بداية النشاط الصعب الذي يواصله اليوم السيرياليون وحدهم» (Second Manifeste, p. 163).
٢٣٠  قارن بخطاب «مالارميه» الذي يشبه فيه مؤلف الشاعر ﺑ «المؤلف الكبير» للخيميائيين، في Propos sur la Poésie, éd. du Rocher, Monaco, 1954, p. 89.
٢٣١  Manifestes, p. 43.
٢٣٢  يلمح «بريتون» — في «البيان الأول» — الذي هذا «الفن الإضماري» الذي «يدينه» (Manifeste, p. 62).
٢٣٣  إن الصدفة الموضوعية التي يتحدث عنها «بريتون» كثيرًا، سبق أن عرفها «إنجلز» — مثلما يقول لنا — باعتبارها «الشكل الذي تتجلى فيه الضرورة» (Limites non frontière du Surréalisme, Nouvelle Revue Française, Février 1937, p. 206)، ويمكننا الموافقة مع «كاروج»، الذي خص له فصلًا، على أنها «مجمل هذه الظواهر التي تكشف الرائع في حياتنا اليومية» (André Breton et les données fondamentales du Surréalisme, N.R.F., 1950, p. 218).
٢٣٤  Manifestes, pp. 56-57.
٢٣٥  يعود «بريتون» كثيرًا إلى هذه الفكرة الخاصة بأنه لا يبنغي — بأية ذريعة — تصحيح أو شطب الرسالة الآلية (Manifestes, pp. 42-43, et p. 56, et Le message automatique, dans Point du jour, Gallimard, 1934, p. 218).
٢٣٦  Manifestes, p. 57.
٢٣٧  Second Manifeste du Surréalisme, Manifestes, Sagittaire, 1947, p. 165.
٢٣٨  L’Amour feu, Gallimard, 1937, pp. 116-117.
٢٣٩  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث، و Manifestes, pp. 38 et 61.
٢٤٠  Manifestes, p. 63.
٢٤١  Manifestes, p. 61، يكاد الأمر هنا يتعلق فحسب بالاستعارة التي تقارب بقوة بين حقائق متباعدة للغاية؛ ولأن المسافات، على النقيض، أقل في التشبيه ودور الفكر أكثر وضوحًا، فإن «الشرارة» لا تحدث، حسبما يقول «بريتون» (Manifestes, p. 62).
٢٤٢  صورة توضح — بمصاحبة عدد آخر من الصور — نظرية «الصورة الاعتباطية» في «بيان السيريالية الأول»، (Manifestes, p. 64).
٢٤٣  L’Art de brûler la chandelle par les deux bouts, dans André Breton, Essais et Témoignages, La Baconnière, Neuchâtel, 1950, p. 201، وسنجد في هذه الدراسة وجهات نظر ثاقبة للغاية حول الصورة السيريالية.
٢٤٤  Manifestes, p. 75.
٢٤٥  قارن بما سبق، الفصل الثالث من القسم الثاني.
٢٤٦  قارن ﺑ Manifestes, p. 92، وقد ذكرت من قبل — الفصل الثالث من القسم الثاني — جملة «البيان الثاني» حول «النقطة الأسمى» التي يهدف إليها السيرياليون، حيث سيتم تخطي التناقضات الموجودة، ويصرح «بريتون» في «رسالة آلية»، أن الإدراك والتمثيل ليسا سوى «نتيجتين لانحلال خاصية فريدة وأصيلة»، نجد أثرًا لها لدى البدائيين والأطفال، ويعتقد أنه يمكن، من خلال الممارسة الآيلة، التوصل «إلى فقدان ضرورة وقيمة التمييز بين الذاتي والموضوعي» (Point du jour, Gallimard, 1934, p. 250).
٢٤٧  Manifestes, p. 91.
٢٤٨  Position politique du Surréalisme, Sagittaire, 1935, p. 147.
٢٤٩  في Hommage à Saint-Pol-Roux, Nouvelles Littéraires, 9 Mai 1925، ولأن «سان–بول–رو» يمنح الصورة مكانةً رئيسية، يضعه «بريتون» بين رواد السيريالية (قارن بما سبق، الفصل الخامس من القسم الثاني).
٢٥٠  Manifestes, p. 75.
٢٥١  Arcane 17, Sagittaire, 1947, p. 174.
٢٥٢  Second Manifeste, dans Manifestes, p. 157.
٢٥٣  Second Manifeste (1930), dans Manifestes, p. 154.
٢٥٤  Le message automatique, dans Point du jour, Gallimard, 1934, p. 218.
٢٥٥  فنرى «إيلوار» على سبيل المثال يدفع عن مبدأ تجهيل المؤلف في مقدمة «بطء الأشغال  Ralentir travaux» المكتوبة بالتعاون بين «بريتون» و«شار» و«إيلوار» (éd. Surréalistes, 1930): «ينبغي محو انعكاس الشخصية كي يقفز الإلهام إلى الأبد من المرآة، ﻓ «القصيدة إحياء للصوت الهائل الذي يدوي من أجل المجتمع».
٢٥٦  ملاحظة نشرت في Nouvelle Revue Française, Septembre 1920 حول الطبعة الحديثة ﻟ «جاسبار الليلي» عن دار A la Sirène, pp. 456-457.
٢٥٧  يقدم البيان الأول «سر» تحقيق «تكوين» سيريالي مكتوب (Manifestes, p. 51).
٢٥٨  Entretiens, Gallimard, 1952, p. 106.
٢٥٩  Premier Manifeste, Manifestes, p. 26.
٢٦٠  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٨، أعيد تناول وتحديد أفكار «بريتون» حول الحلم في Les Vases communicants, éd. des Cahiers libres, 1932.
٢٦١  أحلام «بريتون» و«أرتو» و«إيلوار» و«ليريس» و«كونو» و«نافيل» … وبشكل خاص في الأعداد الثلاثة الأولى، وسنجد اثنين منها منشورين في نهاية كتاب Histoire du Surréalisme, éd. du Seuil, 1945, pp. 331–333.
٢٦٢  سبق أن تحدثت عن الأدب الحلمي والعلاقات بين «سرد الحلم» و«القصيدة»، قارن بما سبق الفصل الخامس من القسم الثاني.
٢٦٣  Une Vague de rêve, Commerce, n° 2, automne 1924.
٢٦٤  Une Vague de rêve, Commerce, n° 2, automne 1924, p. 108.
٢٦٥  Entretiens, Gallimard, 1952, p. 105.
٢٦٦  Révolution Surréaliste, n° 11, 15 Mars 1928.
٢٦٧  «من المستحيل بناء قصيدة لا تحتوي إلا على الشعر»، مثلما قال «فاليري»، «إن لم تحتوِ إلا على الشعر، فهي ليست مبنية، ليست قصيدة» (Littérature، أعيد نشره في Tel quel 1, Gallimard, 1941, p. 152)، وهو ما يحوله «بريتون» و«إيلوار» بطريقة دوكاسية إلى «من المستحيل بناء شعر لا يحتوي إلا على قصيدة، وإن لم تحتوِ مقطوعة إلا على شعر، فهي مبنية، وهي قصيدة …» (Révolution Surréaliste, n° 12, 15 Décembre 1929، نشرت Notes sur la poésie في مطبوعات G.L.M., 1936).
٢٦٨  قارن ﺑ Révolution Surréaliste, n° 11 (15 Mars 1928), les Poèmes-langage cuit: Idéal Mattresse, p. 26; De la rose de marbre à la rose de fer, p. 27 (أعيد نشر هذه القصائد في الديوان الذي نشر لقصائد «دينو» بعد وفاته، Domaine public, Gallimard, 1953, pp. 79 et 151)، وها هي خاتمة «مثالي–عشيقة»: «وماذا، ها أنا الآن مرآة، أيتها العشيقة أنت مربع أسود، وإذا ما كانت غيوم هذه اللحظة أذن فأر، فهي طواحين في الأبدية الحاضرة أبدًا».
٢٦٩  Mainfestes, p. 67.
٢٧٠  Manifestes, p. 147، هاتان «العمليتان» ليستا الوحيدتين، مثلما يعترف «بريتون»، اللتين يمكن تخيلهما كي يلقي بنا «في قلب عالم الجن الداخلي»، ورغم هذا «فهما أقل عرضة من (العمليات) الأخرى للغموض والخداع».
٢٧١  خطاب إلى «رولان دي رونيفيل»، نشر في Nouvelle Revue Française, Juillet 1932, p. 152، ومن أجل مكافحة هذا التحديد الشعري، حاول «بريتون» — كما يقول — أن يحل محله تحديدًا ذا نسق آخر، مثل مجموعة أعراض تميز مرضًا ذهنيًّا (من هنا، يكمن «حمل بلا دنس» الذي كتب بالاشتراك مع «إيلوار» ونشر عام ١٩٣٠م).
٢٧٢  Le message automatique, dans Point du jour, Gallimard, 1934, p. 229.
٢٧٣  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٢٧.
٢٧٤  André Breton et les données fondamentales du Surréalisme, Gallimard, 1950, p. 157، ويؤكد «كاروج» أن في الآلية السيريالية «ثمة حيوية خاصة باللاوعي والتدفق المستمر للآلية أقل مما في حالة معينة من طبيعة الوعي التي تجمع — بمخاطرة — المواد اللفظية الشاردة المعلقة على صفحة الوعي» (السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٦١).
٢٧٥  Le message automatique, dans Point du jour, Gallimard, 1934, p. 228. ثمة هنا — فضلًا عن ذلك — صعوبة داخلية ترجع إلى الطابع المعقد للرسالة، وإلى تشابك تيارات القوى، ويقبل «بريتون» بها.
٢٧٦  خطاب إلى «رولان دي رونيفيل»، Nouvelle Revue Française, Juillet 1932, p. 152.
٢٧٧  «سرعان ما ستنتقل «السيريالية» فيما آمل، إلى تأويل النصوص الآلية، قصائد أو (أنواع) أخرى، التي ستحتفظ باسمها، والتي لن تستطيع غرابتها الظاهرة، في اعتقادي، مقاومة هذه التجربة»، مثلما يقول «بريتون» بالفعل في «مطلع النهار  Point du jour» (ص١٢٧)، وسنلاحظ أن «القصائد» هذه المرة تندرج ضمن «النصوص الآلية».
٢٧٨  رغم الأهمية الممنوحة للحلم في بدايات الحركة، فإن السيرياليين سرعان ما تخلوا عن «سرديات الأحلام» المنتشرة للغاية في «ليتراتور» و«ريفوليسيون سيرياليست» حوالي عام ١٩٢٤م، وقد اعترف «بريتون» أنها، عمليًّا، تنطوي على «مساوئ» الاستنجاد بالذاكرة، خائرة القوى بعمق ولا يمكن الاعتماد عليها بشكل عام» (Les Pas Perdus, Gallimard, 1924, p. 152).
٢٧٩  قارن ﺑ Entretiens de Breton, Gallimard, 1952, p. 78.
٢٨٠  «من العبث، مثما يقول «كاروج»، مقارنة جمالية قصائد «إيلوار» بجمالية قصائد «بريتون»: فالموضوع الرئيسي لقصائد «بريتون» هو الكشف لا الجمال» (André Breton et les données fondamentales du Surréalisme, Gallimard, 1950, p. 74).
٢٨١  قارن ﺑ Manifestes, p. 175.
٢٨٢  Manifestes, p. 42.
٢٨٣  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٤٣.
٢٨٤  Eclipses, Les Champs Magnétiques, Au Sans Pareil, 1921, p. 33.
٢٨٥  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٣٦.
٢٨٦  Rimbaud, L’Eclaire, dans Une Saison en Enfer, Œuvres, Pléiade, p. 227.
٢٨٧  ملحوظة تم ذكرها «م. ريمون» بصدد هذه الصورة لإيلوار: «عندما أنام، (تصبح) رقبتي خاتمًا يحمل قماش التول»، التي يشبهها بأبيات «فاليري» في «الموت الشاب»:
الباب الواطئ، إن خاتم … حيث الغاز
يمر … كل شيء يموت، كل شيء يضحك في الرقبة التي تثرثر
(De Baudelaire au Surréalisme, Corréa, 1933, p. 233)، ولا شك أن أحد مخاطر الكتابة الآلية هو خلط استدعاءات أدبية أو لم يصوبها الوعي الباطن ﺑ «إملاء» الفكر العميق.
٢٨٨  La glace sans tain, Les Champs Magnétiques, p. 12.
٢٨٩  La poésie moderne et le sacré, Gallimard, 1945, p. 40.
٢٩٠  Manifestes, p. 51.
٢٩١  André Breton et les données fondamentales du Surréalisme, Gallimard, 1950, pp. 292–326.
٢٩٢  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا.
٢٩٣  إزاء جملة «لوتريامون» التي جعلت السيريالية منها كنزًا إلى هذا الحد: «على الشعر أن يصنعه الجميع، لا شخص واحد»، يبنغي — من ناحية أخرى — أن نضع ملاحظات «أراجون» التي تعيد توضيح الأمور: «إذا ما كنتم تكتبون، حسب منهج سيريالي، حماقات مؤسفة، فهي حماقات مؤسفة»، فلا يكفي «تعلم الألاعيب» لكتابة نصوص «ذات أهمية شعرية كبرى»: فقيمة النص تحددها شخصية المؤلف (Traité du Style, Gallimard, 1928, p. 192 et p. 188).
٢٩٤  Entretiens, Gallimard, 1952, p. 294.
٢٩٥  Le Gant de crin, Plon, 1927, p. 48.
٢٩٦  Les Champs Magnétiques, p. 77.
٢٩٧  Manifestes, p. 67.
٢٩٨  Poisson Soluble, à la suite de Premier Manifeste, 2° éd. Kra, 1929, p. 165.
٢٩٩  Manifestes, p. 31.
٣٠٠  Spectre du Poisson Soluble, dans André Breton, Essais et Témoignages, La Baconnière, Neuchâtel, 1950, p. 187.
٣٠١  يحتج «بريتون» على هذه الفكرة الخاصة بالإنسان «ملك الخلق» في «مقدمات مطولة نحو بيان سيريالي ثالث أولًا» عام ١٩٤٢م، (Manifestes, p. 207)، ومن جديد Arcane 17, Sagittaire, 1947, p. 53.
٣٠٢  Poisson Soluble, p. 149.
٣٠٣  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا.
٣٠٤  يبدأ «التحول  métamorphose» الشعري ﻟ «روشيه برسيه» ﺑ «حكاية الأطفال» (Arcane 17, p. 74)، وينتهي بعبارات دالة مثل «القوس الذي لا وزن له الآن» (ص٧٦)، و«الصورة الشفافة الآن للصخرة»، و«تحول باهر يستولي على الصخرة إلى حد أن يبدو أنه يصنع كل مادتها» (ص٧٧-٧٨).
٣٠٥  Poisson Soluble, à la suite de Premier Manifeste, 2° éd. Kra, 1929, p. 132.
٣٠٦  Poisson Soluble, Poème 29, p. 181.
٣٠٧  Belle-de-nuit: وردة «شب الليل» التي تتفتح قبل المغيب وبعده.
٣٠٨  Poisson Soluble, p. 165.
٣٠٩  Manifestes, p. 141، التشديد من «بريتون».
٣١٠  يلاحظ «بريتون» أنه على النقيض من النزعة الروحية، التي تقصد «تفكيك الشخصية النفسية للوسيط، فإن السيريالية لا تقصد حقًّا وفعلًا غير توحيد هذه الشخصية» (Point du Jour, Gallimard, 1934, p. 240).
٣١١  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٢٣.
٣١٢  في سياق حديثه عن النصوص الآلية، يرثي «البيان الثاني» ظهور ما هو مبتذل بلا جدال ضمن هذه النصوص» (Manifestes, p. 141).
٣١٣  Le message automatique, dans Point du jour, Gallimard, 1934, p. 226، وينبغي رغم هذا أن نضيف أن «بريتون» لم يتشكك أبدًا في قيمة مبدأ الكتابة الآلية نفسه (قارن ﺑ Entretiens, Gallimard, 1952, p. 82).
٣١٤  عندما يقول في «البيان الثاني» — على سبيل المثال — أن الإلهام «موجود أو غير موجود»، وأنه إن لم يوجد، فلن يمكن لأي شيء، لا المهارة ولا الموهبة، «أن تشفينا من غيابه» (Manifestes, p. 146).
٣١٥  يعترف «بريتون» أن «الهمس» — فيما يتعلق به — قد فسد في لحظة كتابته مع خلفية — فكرية — تتعلق بالنشر في حين أنه كان كاشفًا ومتدفقًا خلال التجارب التي جرت مع «سوبول»، «أبدًا فيما بعد، فعندما كنا نفجره بهدف التقاطه لغايات محددة، كان يقودنا بعيدًا»، حسبما يقول في Pas Perdus, Gallimard, 1924, p. 150.
٣١٦  Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 147.
٣١٧  خطاب من «بريتون» إلى «رولان دي رونيفيل»، Nouvelle Revue Française, 1er Juillet 1932, p. 153 (وقارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث).
٣١٨  Breton et Eluard, Notes sur la poésie, Révolution Surréaliste, 15 Décembre 1929، هنا أيضًا نجد «عكسًا» لإحدى عبارات «فاليري» التي يصرح فيها أن على القصيدة أن تكون «مهرجان العقل» (Tel quel 1, p. 142).
٣١٩  قارن ﺑ Poésie involontaire et poésie intentionnelle, éd. Poésie 42, 1942، والحق أن «إيلوار» يعترف أن الشعر «اللاإرادي» الذي نجده في الخطابات، وحكايات الأطفال الصغيرة، والأمثال … إلخ، «عادي» و«منقوص» و«فج»، مما يحد من دلالة تصريحاته … (ص١٥).
٣٢٠  Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 147.
٣٢١  Aragon, Une vague de rêve, Commerce, n° 2, automne 1924, p. 93.
٣٢٢  Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 147.
٣٢٣  Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 142.
٣٢٤  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٤٤.
٣٢٥  مقدمة Paul Eluard, Collection Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1945, p. 51؛ إن جملة «ل. بارو» التي تقلل من قيمة «إيلوار» لن يمكن تطبيقها بداهةً إلا على قصائد نثر من النمط «الفني»، فهو نفسه — في مقارنته، في نفس الصفحة، بين نثر «إيلوار» ونثر «رامبو» ونثر «ريفيردي» — يجعلنا ندرك وجود صيغة أخرى.
٣٢٦  حول «القصيدة–الإشراقة»، انظر ما سبق، الفصل الثالث من القسم الثاني.
٣٢٧  La Dame de Carreau, Cahiers du Sud, 1953, n° 318.
٣٢٨  قصيدة «سيدة المربع  La Dame de Carreau» المنشورة في Révolution Surréaliste, Mars 1926، أعيد نشرها في Les Dessous d’une vie ou la Pyramide humaine في نفس العام، وسنجدها منشورة — بالإضافة إلى جزء كبير من «نثريات» إيلوار — في Donner à voir.
٣٢٩  نص نشر في Les Nécessités de la vie et les conséquences des rêve, 1921، وأعيد نشره في Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 29.
٣٣٠  بداية La Dame de Carreau (Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 11).
٣٣١  A la fenêtre ، في Dessous d’une vie (Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 21).
٣٣٢  Oiseaux, dans Juste milieu, 1938 (Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 36).
٣٣٣  قارن بالمتتاليات المسماة «حقيقي  Vrai» (ص١٣– ١٥)، و«الرماد الحي  Les Cendres vivantes» (ص٢٤– ٢٥)، والنصوص التي وضعها «إيلوار» كعبارة توجيهية لهذا الديوان — «كان يستيقظ دائمًا ودائمًا ما ينام» (بودلير)، «عندئذٍ، أتى الوجه الإنساني ليستبد بأحلامي» (دي كوينسي) — تدعونا، فضلًا عن ذلك، إلى اعتباره، ديوان «أحلام» أو قصائد ذات جوهر حلمي.
٣٣٤  أعيد نشره في Donner à voir, Gallimard, 1939, pp. 43–48.
٣٣٥  Nuits partagées, Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 48.
٣٣٦  قارن ﺑ «حكاية» عنوانها «مثابرة» في Donner à voir, Gallimard, 1939, pp. 51–53.
٣٣٧  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث.
٣٣٨  Les Songes toujours immobiles, Donner à voir, Gallimard, 1939, pp. 54–65.
٣٣٩  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص٥٨.
٣٤٠  Les cendres vivantes, dans Les Dessous d’une vie (Donner à voir, p. 25).
٣٤١  Les Fleurs, dans Les Dessous d’une vie (Donner à voir, p. 16).
٣٤٢  Au Fond du cœur, dans Donner à voir, Gallimard, 1939, p. 69.
٣٤٣  يعرف الجميع — على سبيل المثال — القصيدة المنشورة في العدد الخامس من «ليتراتور» عام ١٩٢٢م:
حب التخيلات الأولى
للشمس
لليمونات
للميموزا الناعمة
وضوح الوسائل المستخدمة
زجاج صافٍ
صبر
وزهرية للاختراق.
٣٤٤  إنه تعبير «مالارميه» في Le mystère في Les Lettres, Œuvres, p. 386.
٣٤٥  Homme في Juste Milleu (1938)، أعيد نشرها في Donner à voir, p. 34.
٣٤٦  Au fond du cœur, Donner à voir, p. 69.
٣٤٧  Capitale de la Douleur, Gallimard, 1926, p. 67.
٣٤٨  انظر ما سبق، الفصل الثالث من القسم الثاني.
٣٤٩  Capital de la Douleur, Gallimard, 1926, p. 127.
٣٥٠  Poèsie 42 ، عدد خاص عن «رامبو»، يناير ١٩٤٢م.
٣٥١  La Symbolique d’Eluard, dans Eluard et Claudel, éd. du Seuil, 1945, p. 41، والحق أنه بالنسبة لإيلوار، يحدث تحول الكون من خلال وبفضل الحب: «تتهشم الأرض بعيدًا في ابتسامات ثابتة، والسماء تغلف الحياة: يشرق نجم جديد للحب من مكان — تمامًا، لم تعد هناك دلائل على الليل»، مثلما تقول بشكل رائع قصيدة من ديوان «عاصمة الألم»، ص١٤١، يمكننا أيضًا أن نتذكر (mutatis mutandis) أن «رامبو» هو أيضًا قد تغنى ﺑ «الحب الجديد» (A une raison).
٣٥٢  مقتطف يعود إلى عام ١٩٣٢م تقريبًا، وأعيد نشره في الكراسة الخاصة المخصصة لإيلوار من Cahier des Sud, 2° semestre 1952, n° 351, p. 219.
٣٥٣  L’Evidence Poétique, dans Donner à voir, p. 80.
٣٥٤  والمفيد، من ناحية أخرى، أن نلاحظ أن «بريتون»، هو أيضًا، يميل إلى نظرية تفيد «أن السيريالي قد يكون متضمنًا في الواقع نفسه (لن يكون متفوقًا ولا خارجيًّا عليه)، وبالتبادل؛ إذ إن الحاوي قد يكون أيضًا المحتوى»، ويعيد «إيلوار» نشر هذه الجملة — بدقة — في Donner à voir. المستمدة من Le Surréalisme et la Peinture.
٣٥٥  Donner à voir, p. 147.
٣٥٦  Donner à voir, p. 125.
٣٥٧  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث.
٣٥٨  Pauvre, Juste Milieu, Donner à voir, p. 37.
٣٥٩  Donner à voir, p. 97.
٣٦٠  السابق، الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٤٧.
٣٦١  Peintres, dans Donner à voir, p. 103.
٣٦٢  L’Evidence Poétique, 1936, recueilli dans Donner à voir, p. 79.
٣٦٣  Donner à voir, p. 147.
٣٦٤  L’Evidence Poétique, dans Donner à voir, p. 81.
٣٦٥  Donner à voir, p. 163.
٣٦٦  مقدمة Paul Eluard, Collection Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1945, p. 59.
٣٦٧  L’Evidence Poétique, dans Donner à voir, p. 85.
٣٦٨  في Les Yeux fertiles، جمع في Choix de poèmes, Gallimard, 1946, p. 167.
٣٦٩  «ثمة كلمة تثير الحماس، كلمة لم أسمعها أبدًا دون أن أحس بقشعريرة كبيرة، بأمل كبير، أكبر أمل، وهو هزيمة قوى الخراب والموت، اللذين يقهران البشر، هذه الكلمة هي: أخوة» (L’Evidence Poétique, dans Donner à voir, pp. 85-86).
٣٧٠  قارن بما ذكرته عن جمالية قصيدة النثر والإيقاعات المنتظمة، فيما سبق، الفصل الثالث من القسم الثاني، وينبغي أن نضيف هنا أنه حتى قصائد النثر التي كتبها «إيلوار» بعد عام ١٩٣٦م تتخذ — في أغلب الأحيان — شكل الآيات أو المقاطع، مع تماثلات أو تكرارات متعددة: وسأذكر قصيدة «الأحد بعد الظهر»:
انقضت المجالات المعقودة لفجر رمادي في بلد رمادي، رعديد بلا عاطفة،
انقضت السماوات الشرسة، البحار المنوعة، والأراضي العقيمة،
انقضت الركضات التي لا تكل للأحصنة الهزيلة، والشوارع التي لم تعد
السيارات تمر فيها، والكلاب والقطط المحتضرة …
في Poésie et Vérité, 1942 والقصيدة الشهيرة «في أبريل ١٩٤٤م»: كانت باريس لا تزال تتنفس! (اعيد نشر هاتين المقطوعتين في Choix de poèmes, Gallimard, 1946).
٣٧١  Paul Eluard, dans Poésie 46, n° 30, Février-Mars 1946, p. 40 (وقد أعيد نشر هذا النص في Descriptions Critiques, N.R.F., 1949, p. 191).
٣٧٢  نشرت قصيدة «قصر الفقراء» في مجلة Cahiers du Sud, 1952, n° 314، ونعلم أن سيرياليًّا آخر، هو «أراجون»، قد ذهب أبعد من «إيلوار»، وأنه يصوغ — منذ عام ١٩٤٠م — شعرًا منتظمًا، مقفى بعناية، وذلك ﻟ «طابع القافية القومي»، ولإيجاد شكل شعري عن الوحدة القومية والأخوة، إذا جاز القول (قارن ﺑ Les Yeux d’Elsa, Seghers, 1945, pp. 28 et 152).
٣٧٣  L’Evidence Poétique, dans Donner à voir, p. 81.
٣٧٤  نجد هذه النصوص في الأعداد الأولى من Révolution Surréaliste، وفي أماكن أخرى، كتبها «سوبول» و«أرتو» و«ب. بيريه» «ليريس»… إلخ.
٣٧٥  وقد لامهم «سارتر» — بالذات، وبحدة — على ذلك في الملاحظات التي تلت دراسته «ما هو الأدب»، فالسيريالية، على ما يقول، «تقدم نفسها أحيانًا باعتبارها ملتزمة تمامًا بالواقع، وبالنضال، وبالحياة، وإذا ما طالبناها بالحساب تأخذ في الصراخ بأنها شعر خالص، وأننا نغتالها، وأننا لا نفهم شيئًا في الشعر» Situation II, N.R.F., 1948, p. 325.
٣٧٦  L’Evidence Poétique, dans Donner à voir, p. 79.
٣٧٧  Œuvres, p. 645.
٣٧٨  A la grand Nuit ou le bluff Surréaliste ، أعاد «نادو» نشره في Documents Surréalistes, éd. du Seuil, 1948, p. 116.
٣٧٩  Légitime Défence, éd. Surréalistes, 1926, p. 19.
٣٨٠  Manifestes Surréalistes, Sagittaire, 1946, p. 132.
٣٨١  Monnerot, L’homme et le Sacré, Gallimard, 1945, note 29، (انظر ص٥١، فيما يتعلق ﺑ «الموضوعات» التي تجعل ﻟ «السيريالية مكانة في تاريخ الأدب السابق واللاحق في فرنسا»).
٣٨٢  محاضرة أعيد نشرها في La Clé des Champs, éd. du Sagittaire, 1953, p. 68.
٣٨٣  La Clé des Champs, p. 273.
٣٨٤  على سبيل المثال، في Révolution Surréaliste, le 1er Mars 1926، حيث هوجم «كوكتو» بعنفٍ بسبب عدد Disque Vert المخصص للوتريامون.
٣٨٥  Picasso, 1923، أعيد نشره في Le Rappel à l’ordre, Stock, 1948, p. 291.
٣٨٦  Situation de Cocteau ، في العدد المخصص للشاعر من La Table Ronde، أكتوبر ١٩٥٥م، ص٢٣.
٣٨٧  مقدمة J.-R. Legrand, Méditations cabalistiques, Omnium Littéraire, 1955, p. 5، (ذكره «أمادو» في مقاله عن «كوكتو»، Le médium naturel, La Table Ronde, Octobre 1955, p. 93).
٣٨٨  D’un ordre considéré comme une anarchie ، محاضرة لعام ١٩٢٣م، في Le Rappel à l’ordre, Stock, 1948, p. 254.
٣٨٩  لقد طور «كوكتو» بشكل مستفيض — في Le secret professionnel — هذه الفكرة عن «السائل الخرافي الذي ينغمس فيه الشاعر، سائل موجود فيه مسبقًا وحوله مثل الكهرباء، عنصر حقيقي نائم يثبت تاريخ قوته عندما يركزه فنان ويصنع له وسيلة ناقلة» (Le secret professionnel, 1922، أعيد نشره في Le Rappel à l’ordre, p. 216).
٣٩٠  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث.
٣٩١  Journal d’un inconnu, Grasset, 1953, (1er édition, 1950), p. 18.
٣٩٢  Le secret professionnel ، في Le Rappel à l’ordre, p. 219، لقد ظلت أفكار وتعبيرات «كوكتو» هي نفسها، فيما يتعلق بهذا الموضوع، منذ بداية حياته الأدبية، ونجدها كما هي في «السر المهني» عام ١٩٢٣م، وفي «يوميات مجهول»، بعد ثلاثين عامًا.
٣٩٣  «يتبنانا اللامرئي مثل وسيلة انتقال»، حسبما يكتب على سبيل المثال في Journal d’un inconnu, Grasset, 1953, p. 133.
٣٩٤  «ذات يوم، وأنا ذاهب لرؤية بيكاسو، في شارع «لابويسي»، اعتقدت، في المصعد، أنني أخذت أكبر جنبًا إلى جنب شيء رهيب لا أعرف، وقد يكون أبديًّا، أخذ صوت يصرخ فيَّ: «اسمي موجود في اللوحة المعدنية»، وأيقظتني هزة، وقرأت على اللوحة النحاسية للمقابض: مصعد هيرتيبيز» (Journal d’un inconnu, Grasset, 1953, p. 49)، هذا «الإخطار» كان أصل القصيدة.
٣٩٥  Le secret professionnel ، في Le Rappel à l’ordre, p. 213.
٣٩٦  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢١٢.
٣٩٧  نشرت «بوتوماك» — التي كتبت عام ١٩١٣م — عام ١٩١٩م: كان «كوكتو» في الرابعة والعشرين، ويمكننا اعتبارها عمله الأول، إذا ما نحينا جانبًا ثلاثة دواوين كتبها في شبابه: «مصباح علاء الدين»، و«الأمير الطائش»، و«رقصة سوفوكل»، وهي «ثلاث حماقات» كما يقول في «يوميات مجهول»، Journal d’un inconnu, (p. 133, note).
٣٩٨  Le Potomak, Stock, 1919, pp. 19 et 21.
٣٩٩  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٤٩.
٤٠٠  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٥٠.
٤٠١  مقدمة Jean Cocteau, Collection Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1945, pp. 25-26.
٤٠٢  Le Potomak, Œuvres complètes, Margueron, Genève, t. II, p. 8.
٤٠٣  مقدمة Jean Cocteau, Collection Poètes d’Aujourd’hui, p. 29.
٤٠٤  Le secret professionnel ، في Le Rappel à l’ordre, p. 213.
٤٠٥  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢١٦.
٤٠٦  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢١٢.
٤٠٧  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢١٣.
٤٠٨  Journal d’un inconnu, Grasset, 1953, p. 18.
٤٠٩  لقد تحدث عام ١٩٢٣م عن «نظام يعتبر فوضويًّا» (وهي محاضرة أعيد نشرها في Le Rappel à l’ordre، وعنوانها ذو مغزًى).
٤١٠  في مقدمة Cornet à des، قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث.
٤١١  Le secret professionnel ، في Le Rappel à l’ordre, p. 211.
٤١٢  Art poétique, Emil-Paul, 1922, p. 67.
٤١٣  Le secret professionnel ، في Le Rappel à l’ordre, p. 211.
٤١٤  «كلما اكتشفت هيبة المكان المشترك، كلما ملت إلى الاعتقاد بأن إثارة الفكرة إنما تأتي من الإمكانيات المحدودة التي يتمتع بها»، مثلما يقول «كوكتو» في (Le secret professionnel، في Le Rappel à l’ordre, p. 209)، قارن بالأماكن المشتركة والإسفافات التي يراكمها «جاكوب» في Encore le Roman feuilleton, Cornet à Des, Stock, 1923, (1er édition, 1917), p. 84.
٤١٥  Poésies (1920), dans Poésie, N.R.F., 1925, p. 309.
٤١٦  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٣١٨، والطريف أن نلاحظ أن «ماكس جاكوب» وقد «جعل» نفس الاستعارة «واهنة» في إحدى قصائده الأولى، «هل الشمس وثنية؟» (قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث).
٤١٧  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٣١٨.
٤١٨  L’exécution ، السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص٢٩٧.
٤١٩  Poésies (1920), dans Poésie, N.R.F., 1925, p. 335.
٤٢٠  قارن بما سبق، الفصل الثاني من القسم الثالث.
٤٢١  Poésies, pp. 339-340.
٤٢٢  D’un ordre considéré comme une anarchie ، في Le Rappel à l’ordre, Stock, 1948, p. 255.
٤٢٣  قارن ﺑ Mauriac, Jean Cocteau ou la vérité du mensonge, Od. Lieutier, Paris, 1945, p. 69، أمن أجل الرد على «مورياك»، أكد «كوكتو» — في «يوميات مجهول» — على الطريقة القاهرة لكيفية فرض القصيدة عليه؟ «كان هذا يقبض على رقبتي، ويجعلني أنحني على ورقتي، وكان عليَّ أن أنتظر توقفات الغازي الجهنمي، وأن أخضع للوظيفة التي كان يطالب بها حبري، من هذا الحبر الذي كان ينساب من خلال قناته ويصنع قصيدة (…) وفي اليوم السابع (كانت الساعة السابعة مساءً)، أصبح الملاك هيرتيبيز قصيدة وحررني» (Journal d’un inconnu, Grasset, 1953, p. 52).
٤٢٤  قارن ﺑ Le secret professionnel، في Le Rappel à l’ordre, pp. 202-203: «يمكن أيضًا ترجمة سقطة الملائكة: مسقط الزوايا، فالكرة مصنوعة من خليط من الزوايا، وبفعل الزوايا، وبفعل الأطراف، تهرب القوة، وهو منطق معمار الأهرامات، فمسقط الزوايا يعني إذن: كرة مثالية، واختفاء القوة الإلهية، وظهور الاتفاقي والإنساني»، وقد تكررت الفكرة في Journal d’un inconnu, pp. 46-47.
٤٢٥  Journal d’un inconnu, Grasset, 1953, p. 47.
٤٢٦  Journal d’un inconnu, p. 81.
٤٢٧  قارن بما سبق، الفصل الأول من القسم الثالث.
٤٢٨  Opéra, dans Œuvres complètes de Cocteau, Margueron, Genève, t. III, p. 162.
٤٢٩  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٣٥.
٤٣٠  السابق، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٣٣.
٤٣١  Opéra, dans Œuvres complètes de Cocteau, Margueron, Genève, t. IV, p. 165.
٤٣٢  Le mystère laic, 1928, p. 59.
٤٣٣ 
 كل شعري هنا، أنقل حرفيًّا
 اللامرئي (لا مرئي بالنسبة لكم)
مثلما يقول كوكتو في بداية Opéra, dans Œuvres complètes, t. IV, p. 97.
٤٣٤  Par lui-même, Opéra, p. 98.
٤٣٥  La Toison, d’Or, dans Opéra, Œuvres complètes, t. IV, p. 122.
٤٣٦  Illuminations, Œuvres, Pléiade, p. 188.
٤٣٧  Opéra, dans Œuvres complètes de Cocteau, Margueron, Genève, t. IV, pp. 131–138.
٤٣٨  مقدمة Jean Cocteau, Collection Poètes d’Aujourd’hui, Seghers, 1945, p. 51.
٤٣٩  Métabolisme poétique de Jean Cocteau ، في العدد الخاص من Empreintes المخصص للشاعر، مايو– يوليو ١٩٥٠م، ص٣٩.
٤٤٠  «الجذع»، Opéra, Œuvres complètes, t. IV, p. 131، قارن بما يرد في «القطار الموسيقي» من نفس الديوان:
لف المظهر الجانبي (للوجه).
على بكرة خيط
وهو موضوع شعري، وتخطيطي، أثير لدى «كوكتو».
٤٤١  Martingale، مرجع سابق، ص١٣٦.
٤٤٢  قارن ﺑ «إلى الحبر الأزرق» السابقة، في الجزء المشار إليه سابقًا، ص١٣٥، وفي «حبر أحمر» (ص١٥١): «أصبح دمي حبرًا»، وهو مووضع آخر يستعيده «كوكتو» بلا كلل شعرًا ونثرًا (قارن ﺑ Par lui-même et Les mauvais élèves, dans Opéra).
٤٤٣  La fin du Potomak, Gallimard, 1940, pp. 99-100.
٤٤٤  Le Potomak, Stock, 1924, p. 12.
٤٤٥  قارن بمورياك، Jean Cocteau ou la vérité du mensonge, Od. Lieutier, Paris, 1945, p. 129 إشارة إلى «بنفسه» في «أوبرا»:
كل شعري هنا: أنقل حرفيًّا
اللامرئي (لا مرئي بالنسبة لكم).
٤٤٦  Journal d’un inconnu, Grasset, 1953, p. 51.
٤٤٧  «الشاعر يطيع أوامر ليلته» (مقدمة Chevaliers de la Table ronde).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥