الفصل الأول

(نفس المنظر الذي في المقدمة ولكن الأثاث والأشخاص قد مر عليها ٢٦ سنة فيجب أن يظهر ذلك في هيئة المكان وعمر الأشخاص.)

المشهد الأول

مبراي، الدكتور غراي (يلعبان بالشطرنج أو الطاولة) أنَّا، چاني (يشتغلون بشغل يدوي) ريشار (على مائدة يكتب) الدكتور ومبراي يختلفان في لعبة فيقول الدكتور.

الدكتور : فلنُحَكِّم ريشار، ريشار ما رأيك في هذه اللعبة.
ريشار : عذرًا يا أبي فما تتبعت لعبكم لاهتمامي بما في يدي.
الدكتور : وما في يديك؟
ريشار : كتابة يجب عليَّ الفراغ منها.
الدكتور : بشأن الانتخاب؟
ريشار : نعم يا أبي.
الدكتور : وإلى أي مرشح عزمت أن تعطي صوتك؟
ريشار : لنفسي، وأسألك صوتك وأصوات أصدقائك أيضًا.
الدكتور : أنت.
چاني (بفرح) : تريد أن تكون نائبًا؟
ريشار : وما المانع؟
الدكتور : ريشار، أذكر أنك لا تزال شابًّا.
ريشار : بيت صار وزيرًا في الثانية والعشرين من عمره.
الدكتور (لمبراي) : أما آن أن أخبره بأنه ليس ولدي؟
مبراي : وما الفائدة من ذلك الآن؟
الدكتور (لمبراي) : الحق أقول لك إنه يطيب لي أن أراه جريئًا مقدامًا معتمدًا على نفسه هذا الاعتماد … امضِ في عزمك يا ريشار وجاهد فإن الفوز في هذا العالم للمجاهدين، وأنت يا صديقي ألا تحضر الانتخاب عندنا في هذا اليوم؟
مبراي : سأحضره ولكن أخشى أن يسألوني عن اسمي وماضي حياتي. وقد قلت لك غير مرة إنني لا أستطيع إطلاع أحد عليه.
الدكتور : لا بأس فما يسألك أحد شيئًا.
أنَّا : مسيو مبراي، لا تفارق زوجي اليوم في أثناء الانتخاب فإن الزحام سيكون شديدًا.
چاني : ولا تفارق ريشار أيضًا.
ريشار (ناظرًا في ساعته) : قد أزفت ساعة الانتخاب فهيا بنا يا أبتاه قبل فواته (يقومون للخروج).
أنَّا : بحراسة الله ولكن عودوا بسرعة.
چاني : نجَّح الله مسعاك يا ريشار.

(يخرج ريشار مع مبراي والدكتور من غير أن يجاوب چاني أو ينظر إليها فتبقى چاني مبهوتة مفتكرة.)

المشهد الثاني

أنَّا – چاني
چاني (بنفسها متنهدة) : لا سلام، ولا كلام.
أنَّا : چاني.
چاني (كمن يعود لنفسه) : أماه.
أنَّا : ما هذا الجمود يا بنية.
چاني : أفتكر يا أمي.
أنَّا : بماذا تفتكرين؟ أراكِ أصبحت كثيرة التأمل والافتكار يا چاني ولا سيما في غياب ريشار.
چاني : نعم يطيب لي الافتكار في الوحدة والانفراد.
أنَّا : الوحدة والانفراد؟ إذًا أنا لست شيئًا.
چاني (مراجعة نفسها) : لا لا أنت؟ أنت أمي ولستِ غريبة عني.
أنَّا : چاني … لا تسلمي نفسك إلى هذه التأملات.
چاني : أهي شر يا أماه.
أنَّا : تكون شرًّا أو خيرًا بحسب ماهيئتها.
چاني : وهل من المحرم على الابنة أن تفتكر بأخيها؟
أنَّا : لا بأس بأن تفتكر الابنة بأخيها، ولكن الافتكار بمن تعرف أنه ليس أخاها أمر غير حسن يا چاني، إن ريشار يحسب نفسه أخاك، أما أنتِ فمنذ أدركتِ الفرق بين العواطف والأميال، أطلعناك على أنه ليس بأخيك لتعامليه معاملة الصديق الرفيق لا معاملة الشقيق.
چاني : ولماذا لم تطلعوا ريشار على ذلك أيضًا.
أنَّا : قد أصر صديقنا مبراي على كتمان هذا الأمر عنه.
چاني : ولذلك لا يحبني ريشار إلا حب الشقيق.
أنَّا (بلهجة العتاب) : چاني ما هذا الكلام؟ وكيف تريدين أن يحبك إذًا؟
چاني : عفوًا، عفوًا يا أماه أريد أن أبكي فهل البكاء شر أيضًا.
أنَّا (آخذة بيدها) : أمسكي دموعك يا بنية فإن الله يعطي البشر الدموع ليذرفوها في المصائب الحقيقة لا في الآلام الصغيرة الوهمية، وكل إنسان لا يذهب من هذا العالم قبل أن يزرف فيه ما أعطاه الله من الدموع.
چاني : إذًا لم يأتِ دور الدمع بعد يا أماه.
أنَّا : اتركي هذا يا بنية واسليه، تسلي بالرسم فإنك تركتيه منذ مدة.
چاني : لم أنجح فيه.
أنَّا : والبيانو.
چاني : لقد تعلمت كل القطع التي علمنيها ريشار، أما الباقية فإني أراها في نهاية الصعوبة.
أنَّا : آه، إنك تحبينه فوق يحب يا چاني.
چاني : آه أماه، إنك لا تعلمين (تغطي وجهها بيدها).
أنَّا : ولكنه الجنون يا چاني، تحبينه، وهل تعرفين على الأقل أنه يحبك.
چاني : يحبني حب الأخت لأنه يحسبني أخته.
أنَّا : چاني وإن بقي ريشار يحبك حب الأخت متى علم أنك لست أخته؟
چاني : كيف ذلك؟
أنَّا : يا ويلاه! فلنفرض ذلك فماذا تصنعين؟
چاني : الذي أصنعه … آه حينئذ …
أنَّا : ماذا؟
چاني (بحياء واضطراب) : حينئذ ما أحلى الموت.
أنَّا : أإلى هذا الحد يا چاني؟
چاني : الصحيح يا أماه أنني لا أعرف ما أقوله الآن فلا تحاسبيني على كل كلمة أقولها.
أنَّا : حسن يا چاني، فتأني وعودي إلى رشدك وها إني أتركك وحدك لتحاسبي نفسك، فقط لا تنسي أني أمك فيجب عليك إطلاعي على كل ما يسرك ويسوؤك.

(تخرج أنَّا.)

المشهد الثالث

چاني
چاني :
أحقًّا ما تقول الآن أمي
فيا حزني ويا طول اكتائبي
أيحسبني شقيق الروح أختًا
فيا ويلاه من هذا الحساب
قليل منه حب أخ لأخت
وما هو غير ميل وانجذاب
لقد صدقت فليس يحن مثلي
وليس به التبريح ما بي
إذا أخذت يدي يده فجسمي
لذلك في ارتعاش واضطراب
ويبدو عند ذلك ذا جحود
أروح له وأغدو في ارتياب
ولست أراه ذا ولع بشيء
سوى بسياسة أو بانتخاب
دعني الآن سار ولم يسلم
على وضن حتى بالخطاب
فيا ربي لماذا هِمْتُ فيه
أألِلْهم المبرح والعذاب

(هنا يدخل ريشار بدون أن يراها وهو غضبانا.)

ريشار : ويل لي.
چاني (لنفسها) : ما أشد اصفراره واضطرابه.
ريشار : لقد سقطت آمالي كلها وفوق ذلك أهانوني بقولهم إني لست ابن الدكتور غراي.
چاني (صارخة قليلًا) : آه لقد عرف ذلك.
ريشار (ملتفت إليها) : أنت هنا يا چاني؟ قولي لي، أما كنت عارفة بأنني لست أخاك.
چاني : كنت أعرف ذلك يا ريشار.
ريشار : كنت تعرفين ذلك ولم تطلعيني عليه، كلكم كنتم تعرفون ذلك وكتمتموه عني حتى جاءني في أثناء الانتخاب من قال لي: رُح لست بذي اسم ولا ملك لتنوب عن قوم هم أصحاب أسماء وأملاك، فما هو اسمي يا چاني أتعرفينه؟
چاني : كلا يا ريشار.
ريشار : بل تعرفينه يا چاني، قولي لي اسمي لأذهب إلى أولئك اللئام وأخبرهم بأن لي اسمًا كأسمائهم، وأن لي فوق ذلك ما ليس لهم، وهو عقل يفتكر وقلب يتقد، قولي وإلا وقعت في اليأس وضاعت في ساعة أماني أيام وأعوام.
ولكن …
چاني (بهياج شديد) : ولكن أضيع عقلي قبل أن أضيع آمالي.
ريشار : إذ كيف أستطيع أن أرى ما في هذا الدماغ الملتهب خامدًا (يقرع جبهته) وما في هذا القلب المتحرك جامدًا (يقرع على قلبه) خُلقت لأقود أمة، خُلقت لأكون زعيم شعب يدوي صوته على منبر المجلس في إنكلترا كلها، فويل لأولئك الذين بكلمة واحدة قصوا جناحي غير ناظرين أنه جناح نسر كبير، هل أضيِّع كل هذه المواهب وأفقد الأمل من الوصول إلى قمة العلا (هنا يدخل خادم).
الخادم : سيدي.
ريشار (بحدة) : ماذا تريد؟
الخادم : في الباب رجل يطلب مقابلتك.
ريشار : وهل جاء يعزيني على خيبتي؟
الخادم : إنه يقول، إنه يروم محادثتك في شأن الانتخاب؟
ريشار : أدخله، أدخله، ما أضيق العيش لولا قسمة الأمل.

المشهد الرابع

ريشار – چاني – تومسون
تومسون : صباح الخير يا مستر ريشار.
ريشار : أهلًا بك يا سيدي، على من وقع الانتخاب؟
تومسون : لم يتم الانتخاب بعد.
ريشار : وكيف ذلك؟
تومسون : لقد وقع خلاف شديد بين المنتخبين، لأنهم يطلبون رجلًا جريئًا لمقاومة الوزارة الحاضرة وليس أحد أجرأ منك.
ريشار : ولكنك علمت المانع الذي يحول دون انتخابي.
تومسون : اصرف السيدة لنتكلم في ذلك قليلًا.
ريشار (لچاني) : چاني، أريحي نفسك من سماع حديثنا السياسي.
چاني (تتأهب للذهاب) : لقد فهمت ولكن كن حكيمًا (تخرج).

(يأخذ تومسون وريشار كرسيين ويجلسان.)

ريشار : لقد رأيتك يا سيدي بين الجميع شديد الاهتمام بانتخابي مع أنك لا تعرفني، فماذا الذي حملك على ذلك؟
تومسون : معرفتي أنك طامع في العلاء.
ريشار : ومن أين عرفت ذلك؟
تومسون : عرفت ذلك من نفسي لأني أنا طامع مثلك.
ريشار : أراك حر الأفكار.
تومسون : ولكني محب للاختصار.
ريشار : وعلى أي شيء تعول في طمعك؟
تومسون : مثلك على الرأس (قارعًا رأسه) وزندي (يقرع يده).
ريشار : ومن أنت؟
تومسون : مثلك لا شيء.
ريشار : وما الذي أحوجك إلي؟
تومسون : أحوجني إليك عجزي عن الارتقاء بنفسي، فإني ربيت بين الشعب ولي عليه سلطة ولكنني لا أستطيع استعمال هذه السلطة لنفسي، انظر، لقد سعيت فجمعت لك مائة صوت ولو سعيت لنفسي لما نلت غير صوتي.
ريشار : إذًا تتخذني آلة لك.
تومسون : كلا ولكني أتخذك سيدًا لي، كن أنت السفينة الكبرى فأكون أنا زورقًا صغيرًا لك، ولكن لا تنسَ أن الزورق قد ينقذ في ساعة الغرق كل ركاب السفينة.
ريشار : وإذ رضيت باقتراحك فكيف تكون منزلتك مني؟
تومسون : تكون المتبوع، وأكون التابع.
ريشار : أفصح المقال.
تومسون : إنك الآن تدعى المستر ريشار، فأنا أدعى خادمك تومسون، فإذا أصبحت غدًا «الغني ريشار» صرت «وكيلك تومسون»، وإذا صرت «حضرة النائب ريشار» أصبحت «سكرتيرك تومسون»، وإذا صرت «دولة الوزير ريشار» فتومسون يكون حينئذ ما يشاء مولاه الوزير فإنك كريم ولا شرط على الكريم.
ريشار (مادًّا يده) : رضيت بشروطك.
تومسون (هازًّا يده) : فأنا طوع أمرك.
ريشار : ولكن كيف السبيل إلى الفوز بعد الفشل الذي وقعت فيه.
تومسون : تقترن بابنة الدكتور غراي فتصير صهره وترث أملاكه وهكذا تصبح صاحب اسم وملك.
ريشار : ولكن هذا الأمر يستوجب تأجيلًا.
تومسون : لا تؤجل فهي تكاد تموت شغفًا بك.
ريشار : ومن أين علمت ذلك؟
تومسون : نظرت في عينها والعين مرآة الفؤاد.
ريشار : حسن … وسأسعى في ذلك عاجلًا.
تومسون : وأنا ذاهب للسعي أيضًا.
ريشار : ألا نتمهل.
تومسون : كلا، فإنه يجب علي العودة إلى حزبنا في ساحة الانتخاب، أستودعك الله (يخرج).

المشهد الخامس

ريشار – چاني
ريشار : لقد وجدت الرجل الذي كنت محتاجًا إليه عبدًا لا يعرف السيادة هذا الذي كنت أطلبه.
چاني (داخلة) : الظاهر أن أخبار زائرك جاءتك كما تريد.
ريشار : ومن أين عرفت ذلك؟ (مغيرًا هيئته وضاحكًا).
چاني : عرفته من وجهك فإني فارقتك منقبضًا والآن أراك منشرح الصدر.
ريشار : سروري لم يأتني به هؤلاء يا چاني وإنما وجدته في داخلي.
چاني : ما فهمت كلامك.
ريشار : چاني، أنا لست ابن الدكتور غراي.
چاني (مازحة) : وهل يسرك أن لا تكون ابنًا له أيضًا الولد عقوق؟
ريشار : نعم يسرني أن لا أكون ابنًا للدكتور غراي لأنه يسرني أن لا أكون أخا چاني.
چاني (منقبضة) : ماذا تقول؟
ريشار : أقول ويل لي إذا لم تفهمي كلامي يا چاني.
چاني (بهيئة الجد) : مستر ريشار ما فهمت شيئًا.
ريشار : ما هذا الجد يا چاني؟
چاني : وأنت ما هذا الانقلاب يا مستر ريشار؟
ريشار : السر الذي عرفته.
چاني : ولكنك كنت عارفًا بهذا السر حين دخولك إلى هنا ومع ذلك كنت منقبضًا.
ريشار : چاني أعطني يدك، (يأخذها ويقول لنفسه) يدها ترتجف (ينشد):
لما عرفت السر كان الردى
أحب إلي من قعة الفاجع
فخلت آمالي قد ضيعت
وأنت في مأمولي الضائع
حتى أراني القلب أن الهوى
باقٍ وجاني للفتا الجازع
أهواك يا چاني ولم يبق لي
غير هواك الملك الشافع
فإذا لم يكن بك يا چاني مثل ما بي، إذا كانت يدك لا ترتجف وهي بين يدي كما ترتجف الآن، (تهتز چاني من الاضطراب) إذا كان قلبك لا ينبض نبضًا شديدًا كما ينبض الآن.

(يضع يده على قلبها ليتحقق ذلك.)

چاني : دعني، دعني (محاولة التخلص منه).
ريشار (مستأنفًا كلامه) : لأنني عندما كنت أأخذك بين يدي كما أأخذك الآن (يأخذها بين ذراعيه) كنت لا أجد جبينك ملتهبًا كما أشعر به الآن (يضع يده على جبينها).

(فتصرخ چاني وتتراجع إلى الوراء قائلة.)

چاني : آه.
ريشار : لو كان ذلك كذلك لتمنيت الموت يا چاني على العذاب في هذه الحياة، أما الآن فلا موت ولا عذاب، إني أحبك، أحبك يا چاني حبًّا امتلَك نفسي.
چاني : آه … رحمة ورفقًا.
ريشار : نعم رحمة لي ورفقًا بي يا چاني وأحيي قلبي بكلمة واحدة، قولي ألا تحبينني؟
چاني (مضطربة) : آه … لا أستطيع الكلام، أكاد أفقد صوابي.
ريشار : بعيشك يا چاني قولي، ألا تحبينني؟
چاني : هه … يسألني إذا كنت أحبه.
ريشار : فيا لسعادتي.
ظبي تقنصته من بعد نفرته
فيا سعادة قلبي عاده الأمل
كم قد كتمت هواكم لا أبوح به
والأمر يظهر والأخبار تنتقل
وبت أخفي حنيني والحنين بكم
توهمًا إذ ذاك الجرح يندمل
حتى وثقت بوعد منكم فنما
حبي ووجدي وزال الخوف والوجل
والآن يا چاني فكوني على علم بأني لا أحب الحياة إلا من أجلك وأنني أموت في سبيل حبك وهذه يدي عربونًا على صدق قولي.

(يجثو أمامها ويمد يديه ثانية لأخذها بين ذراعيه، فتضطرب چاني وتلتفت فترى أباها قادمًا فتصيح.)

چاني : أبي، أبي (ثم تفر من بين يديه هاربة فيقول ريشار عند ذلك).
ريشار (كمن يتصنع الحب) : لقد أحسنت في الفرار وكفتني مؤونة الكلام والاعتذار.

المشهد السادس

الدكتور – مبراي – ريشار
الدكتور : ما هذا يا ريشار؟ ولماذا تركت الانتخاب وعدت كالبرق إلى هنا مع ما كان لك من الأمل في الفوز على مناظريك؟
ريشار : لما عرفت السر كان له وقع الصاعقة على رأسي فأسرعت لألتمس من چاني أن تحسبني أخاها على الدوام حتى إذا رضيت بذلك عدت وسألتك أن تبقيني ابنًا لك، فهل تحرمني ذلك يا أبتاه؟
الدكتور : ريشار، لا أحرمك شيئًا في إمكاني، إنك لا تزال عزيزًا علي كما كنت، فناديني دائمًا أباك إذا شئت. أمَّا طلبك أن تكون ابني فقد فهمت غرضك منه ولكنه يستلزم أمرين الأول رضا چاني.
ريشار : چاني راضية فإنها تحبنين وقد قالت لي ذلك الآن.
الدكتور : والثاني رضا أمها.
ريشار : أمها هي أمي فلا أظنها تكره سعادة ولديها.
الدكتور : ريشار، اذهب وابعث لي زوجتي.
ريشار : أمرك يا …
الدكتور : كمل.
ريشار : يا …
الدكتور (ضاحكًا) : ما لك كمل.
ريشار (ملقيًا نفسه بين يديه) : يا أبتاه (يخرج).

المشهد السابع

الدكتور – مبراي
الدكتور : ما رأيك فيما جرى؟
مبراي : رأيي أن هذا الرجل قد أعطي إقدامًا غريبًا، فإنه أخفق هناك فنجح هنا ولا أراه إلا كفؤًا لچاني.
الدكتور : نعم وهذا رأيي أيضًا، وقد كنت عزمت منذ صباه على تزويجه بها ولكنني كنت أراه قليل الاكتراث بها، أمَّا الآن فيسرني أنني كنت مخطئًا.

المشهد الثامن

الدكتور – مبراي – أنَّا
أنَّا : بعثت ريشار في طلبي يا سيدي.
الدكتور : نعم أيتها العزيزة فإنني أروم محادثتك في أمر يحلو لك.
أنَّا : وما هو هذا الأمر؟
الدكتور : أنَّا، صارت چاني في السابعة عشرة وريشار في السادسة والعشرين.
أنَّا : أعرف ذلك.
الدكتور : ألا تذكرين أننا قد تزوجنا بهذا السن؟
أنَّا (بدهشة) : تريد زواج ريشار بچاني؟
الدكتور : وما المانع من ذلك؟ أما أنت التي اقترحت علي ذلك قديمًا!
أنَّا : كان ذلك في خاطري قديمًا، أما الآن فقد عدلت عنه، وهل سمعتني أخاطبك فيه منذ أكثر من خمس سنوات؟
الدكتور : والسبب في ذلك؟
أنَّا : السبب أن الأيام قد غيرت أخلاق ريشار تغييرًا عظيمًا فإني تتبعتهما بنظر الأم وقلب الوالدة.
الدكتور : فما الذي رابك منهما؟
أنَّا : لم يربني أمر، ولكن ريشار طماع.
الدكتور : تعنين أنه شديد الحب للعلا والظماء إلى الرئاسة، وهل تخافين شهوة الطمع؟
أنَّا : لا أخافها عليه، فإنها قد تبلغ به إلى قمة المجد، ولكني أخافها على ابنتنا.
الدكتور : ولكن هذا الطمع قد يكون مصدر الفضائل كلها.
أنَّا : نعم، ولكنه قد يكون أيضًا مصدر الرزائل والجرائم كلها، إن قلب الأم لا يكذب يا ألبرت، وقلبي يحدثني أن چاني لا تكون سعيدة مع ريشار، فإن الزواج مركبة فرساها الزوج والزوجة فإذا اختلفا هذان الفرسان قوة وخلقًا كأن كان الواحد قويًّا والآخر ضعيفًا، الواحد شرسًا والآخر لينًا، الواحد لا يجد راحة ولذة في غير الحمحمة والجري السريع الشديد والآخر لا يجدها في غير السير بتأنٍّ وتروٍّ — فماذا يكون حينئذ مصير المركبة؟ وكذلك چاني وريشار، فإنهما مختلفان خلقًا وذوقًا، وريشار شديد هائل كالصاعقة يصعق كل صعب يعترض إرادته، محب مثلها للعلا فلا يرضى غير السحاب مقعدًا، وغير الفضاء الواسع مدى، وچاني لطيفة هادئة كبنفسجة ترى رغدها في الاستتار بين الأعشاب لتنشر شذاها من غير أن ترفع رأسها، والناس قلما ينظرون إلى انطباق أخلاق الزوج على أخلاق الزوجة حين إرادة الزواج وذلك شر عظيم يرون نتائجه الوخيمة بعد حين. فهل تريد أنت أن تصنع كباقي الناس؟
الدكتور : أنَّا، وإذا كان چاني وريشار متحابين؟
أنَّا : كيف ذلك؟
الدكتور : ذلك أني فاجأت الآن ريشار تحت قدمي چاني فهل تريدين بهذه الأسباب الخيالية التي تعبت بتفصيلها أن تكوني سببًا في تعاسة ولدينا؟
أنَّا : ولكن من يضمن لنا أن چاني ستكون سعيدة بهذا الزواج؟
الدكتور : ستكون كذلك لأننا لا نفارقها.
أنَّا : وإن رأى الله أن يأخذنا إليه.
الدكتور : حينئذ يقوم صديقنا مبراي مقامنا ويسهر على راحة چاني بعدنا.
مبراي : نعم، والله شاهد على ما أقول.
أنَّا : فاصنع إذًا ما تراه حسنًا، أخذ الله بيدك.
الدكتور : بورك فيك يا أعقل النساء وأحسن الأمهات.

المشهد التاسع

الدكتور – مبراي – أنَّا – ريشار

(ينظر الدكتور فيرى ريشار متلصصًا من وراء الكواليس.)

الدكتور (مازحًا) : ههه، ههه، أنت كنت تتصنت على الباب.
ريشار : لا يا أبتي، ولكني استبطأتكم.
الدكتور (بجد) : ادخل يا ريشار، ادخل (ينادي چاني) چاني، چاني (تدخل چاني).
الدكتور (لچاني بهيئة مزاح وجد) : لماذا ترفضين يا چاني أن تكوني زوجة لريشار؟
چاني (ساترة وجهها) : أنا ما قلت ذلك يا أماه.

(يضحك الجميع.)

الدكتور (باسمًا) : فأنا إذا قلت الآن لريشار كن زوجًا لچاني ألا ترضين؟
چاني (بحياء) : ومتى عصيت لك أمرًا.
الدكتور : قولي إذًا، أتكونين زوجة لريشار، لم يبقَ لإتمام ذلك غير رضاك.
ريشار : أسمعت يا چاني؟ لم يبقَ غير رضاك.
چاني : ريشار أنت أدرى بجوابي.
الدكتور (بجد) : راح الآن الهزل وجاء الجد، ريشار، اسمع يا بني إني أمام هذا الصديق الحميم (مشيرًا إلى مبراي) الذي هو وحده شاهدًا علينا، وأمام الله الناظر الآن من علاه إلينا، أعطيك أنا وامرأتي يد چاني بعد أن أعطتك هي قلبها فليكن لك عليها حقوق الزوج، ولتحل سلطتك محل سلطتنا عليها، ولكن انظر قبل ذلك إلى هذه الدموع التي تترقرق في عيني أمها واصغ إلى صوتي المرتجف من تأثري وانفعالي. إن أبًا وأمًّا يضعان الآن بين يديك أعز ما لديهما في الوجود، ويمنحانك نفسًا مركبة من نفسيهما، فاجعل هذه النفس سعيدة يا ريشار تحسن إلينا كما أحسنا إليك، وعظامنا تدعو لك من تحت الثرى.
مبراي (أخذًا بذراع ريشار) : ريشار إن الله يسمع الآن هذا الكلام.
ريشار : وقلبي يسمعه أيضًا يا سيدي.
أنَّا : چاني، كوني زوجة صالحة.
چاني : سأقتدي بك يا أماه.
الدكتور (ناظرًا في ساعته) : قد حانت ساعة الانتخاب يا ريشار، فهل نسيت؟ إياك أن تشغلك چاني عنه.
ريشار : وهل تريد أن أواظب على سعيي في الحصول على النيابة في مجلس العموم.
الدكتور : كيف لا؟ فإن مستقبلك لم يعد لك وحدك بل صار لچاني أيضًا.
ريشار : فأنا ذاهب إذًا بالسعي والاهتمام، أستودعك الله يا چاني.
الدكتور : تودعها؟! أأنت ذاهب إلى الصين؟
ريشار : كلا، ولكن هذه شريعة المحبين (على حدة في نفسه) أف لقد أضعنا الوقت بالكلام الفارغ (بصوت عال) ولكني قبل المسير أريد لونًا أتخذه شعارًا لحزبي.

(يذهب إلى چاني ويفك شريطة زرقاء مربوطة بوسطها.)

ريشار : هذا هو شعارنا، وسأفوز على مناظري إن شاء الله.
وشعاري اتخذته أزرق اﻟﻠ
ـون لسر يدريه آل الذكاء
إنني أبتغي سموًّا على الناس
جميعًا فاخترت لون السماء

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤