الفصل الرابع

النظم الدمقراطية

١

إن ما تم على يد الدمقراطية حتى الآن، وما يمكن أن يتم على يديها في المستقبل، يرجع بعضه إلى النظم التي استُخدمت حتى الآن، والتي يمكن أن تُستخدَم فيما بعدُ؛ ذلك بأن الدمقراطية، من حيث هي مَثَل أعلى للحكم، قد أَوْجَدت نُظُمًا جديدة تُعَدُّ نموذجًا لما يجب أن تكون عليه الدمقراطية من الوجهة العملية، وقد استرعت هذه النظم من اهتمام الناس، أكثر مما استرعتْه الأغراض التي وُجدت هي من أجلها، ويرجع معظم السبب في ذلك إلى أن السياسة العملية وفن الحكم يهتمَّان بكيفية تحقيق حاجيات الناس أكثر مما يهتمان بهذه الحاجيات نفسها، ولما كان الناس يعتقدون بحق أن المَثَل الأعلى يكون أكثر جاذبية، إذا ثبت أن في الإمكان تحقيقه، فإن الغرض الذي كانت ترمي إليه الجهود المبذولة لإيجاد مجتمع متساوي الأفراد، تقوم حقوق الشخص فيه على رضاء غيره من الأشخاص لا على قوَّته هو، لم يكن ليحتاج إلى بحثٍ مستمر؛ لأنه كان مفروضًا أن هذا الغرض قد اتُّفق عليه بوجهٍ عام، في الوقت الذي كانت النظم الموصلة إليه تَرقَى وتنمو، أما الآن فقد أصبحنا لا نَسلَم من الاعتراض إذا افترضنا أن المجتمع المتساوي الأفراد الذي لا تسيطر عليه القوة، هو المجتمع الذي يفضله كافة الناس، لكننا إذا لم نسلِّم بأن قيام مثل هذا المجتمع أمر مرغوب فيه، فإننا لا نستطيع أن نفهم حقيقة الوسائل التي تسير عليها النظم الدمقراطية، وعلى هذا فإننا سنصف هذه النظم وندرسها هنا، على افتراض أن المساواة والرضا هما الغرض المقصود من نظام الحكم.

إن النظم المرتبطة بالدمقراطية منذ نشأتها هي اختيار النواب بالاقتراع، ومناقشة السياسة العامة مناقشة علنية على لسان الفئات المتنازِعة المنظمة على هيئة أحزاب سياسية، ووجود وزراء مسئولين أمام مجلس نيابي أو رئيس منتخب يشرفون على الشئون الإدارية، ولنظام الحكم أيًّا كان نوعه وظيفتان؛ إحداهما: المحافظة على القانون القائم بالفعل، والثانية: هي تغيير هذا القانون، ويحتفظ كل نظام للحكم بالقانون القائم ويعمل على تغييره بطريقتين؛ طريقة الإقناع، وطريقة القوة، ولكن النسبة بين ما يستخدم من القوة، وما يستخدم من الإقناع تختلف باختلاف النظم، فالنظام الدمقراطي يعمل على منع القوة بتاتًا إلا ما يلزم منها لتقييد الأنواع المنحطَّة عن المرتبة البشرية،١ لكن كل نظام حتى النظام الدمقراطي نفسه قد ورث شيئًا من أساليب الحكومات السابقة، وما من حكومةٍ مهما كانت نزعتها الدمقراطية تستطيع أن تتجنب كل أنواع القوة.
لكن النظم الموضوعة للمحافظة على القانون في كنف الحكم الدمقراطي، أكثر مرونة وأكثر قبولًا للنقد، وأكثر اعتمادًا على المحاجة والإقناع من النظم التي تستعين بها أنواع الحكم الأخرى، على أن أهم ما يمتاز به الحكم الدمقراطي عن غيره من أنواع الحكم المعارضة له، هو النظم التي يستخدمها لتغيير القانون، ذلك أن الحكومات القديمة لم تكن تحسب لهذا التغيير حسابًا؛ لأنها لم تكن تحس بأن القوانين تتطور مع الزمن، بل كانت تعد القوانين القديمة أشياء مخلدة، أما الآن فقد تبيَّن لنا أن تطور وسائل الحكم أمر لا مندوحة عنه، تحتِّمه التغيرات الطبيعية التي لا بد من حدوثها في المناخ وخصب التربة، وعدد السكان والعلاقة بين الأجيال المختلفة، وهذه التغيرات أدَّت إلى معرفة ما يسميه أتباع بنتام Bentham٢ «مبدأ التشريع المستمر»، ذلك أن كل مجتمع في حاجةٍ إلى أن يكيف نفسه، حسب ما يطرأ عليه من ظروفٍ جديدة ناشئة من القوى التي تعمل على تقدُّمه، ومما يطرأ عليه من شرور عارضة، ويرى بعض الناس أن تكون الثورة هي الوسيلة التي تتبع لإحداث هذا التطور، والثورة معناها التغيير العنيف المفاجئ البعيد الأثر، لكن يلوح أن التاريخ يدل على أن كل ثورة إنما تحدث مفاجأة من غير قصد؛ ولهذا لا يمكن أن يرسم لها الطريق وتمهد لها الأسباب، وسواء أكان ذلك أم لم يكن؛ فإن الوسيلة العملية لهذا التغيير في الحكم الدمقراطي هي استخدام النظم المؤدية إلى تغيير القانون تغييرًا تدريجيًّا، عن طريق مناقشة السياسة العامة جهرًا، والاقتراع عليها ونقدها نقدًا مستمرًّا، والنظم التي تستخدم لإحداث هذا النوع من التغيير هي البرلمانات وما شاكَلَها من الهيئات النيابية، واستخدام هذه الهيئات من أخص خصائص الحكم الدمقراطي العملي؛ ولذلك يجدر بنا أن نبحث الآن في كيفية قيام هذه النظم بواجبها؛ لنعرف إلى أي حدٍّ تستطيع أن تحقق الغاية التي تعمل لها، ويحسن بنا أن نقرر هنا أن هذه النظم ليست خالدة أو كاملة، وإنما هي تجارب يُستعان بها على توجيه العادات والطبائع البشرية المعتادة الوجهة الصالحة.
إن الاقتراع هو أظهر مظاهر الدمقراطية في أي مجتمع من المجتمعات، ولقد كان حق الانتخاب هو أهم المشاكل السياسية التي قامت في أوائل القرن التاسع عشر، ولم يكد ينتهي هذا القرن حتى نالت النساء في كثيرٍ من البلاد حق الانتخاب، على الأساس الذي أدَّى إلى توسيع دائرة حق الانتخاب قبل ذلك الحين، ولا تزال النساء في بعض البلاد التي تقول إنها بلاد دمقراطية كفرنسا مثلًا محرومات من هذا الحق، لكن الناس بوجهٍ عام يَرَوْن أن الدمقراطية الصحيحة هي التي تمنح حق الانتخاب، لمَن بلغ سِنَّ الرشد من الرجاء والنساء على السواء، فكل مواطن في هذه البلاد يفترض فيه أنه يفكر في الشئون العامة، وأن يصدر أحكامًا عن طريق الاقتراع على مشاكل معينة في السياسة العامة، وهذا في اعتقاد الناس هو الذي يُمَيِّز المواطن، ذا الحقوق السياسية عن التابع الخاضع لحكم غيره، ولا جدال في أن الاقتراع في حد ذاته أقل أهمية من البحث الذي يسبقه، كما أوضح ذلك تكفيل Tocqueville؛٣ وذلك لأن هذا البحث يحدِّد الخطة السياسية ويوضح الظروف القائمة، والقوى التي يمكن الاستعانة بها لعلاج مثل هذه الظروف، كما أن من شأنه أن يجعل كل المواطنين أكثر رغبة في أن يعيشوا مع مَن يُخالِفونهم في الرأي في محبةٍ وسلام، وينتج من هذا أن الصوت الذي يُعطى في ظل الدكتاتورية، من غير أن يسبقه بحث أوَّلي في الآراء المتعارضة، ومن غير انتقاد حرٍّ لوُلاة الأمور، لا يماثل الصوت الذي يُعطى في ظل الدمقراطية؛ أي إن الأصوات التي تُعطى تحت حكم الدكتاتوريات ليست أصواتًا دمقراطية بأي حالٍ من الأحوال، وإنما هي هتاف وتحيات لكل ما تقترحه الحكومة، ولا تدل مطلقًا على أن أصحابها يفهمون تلك المقترحات، فالصوت الذي يُعطى في ظل الدمقراطية، إذن هو صوت يعبِّر عن رأي سبقتْه مناقشة حرة، سواء أكان هذا الرأي صائبًا أم خاطئًا، سديدًا أم أخرق، والمفروض أن البحث العام بين ذوي الآراء المتعارضة، قد أكسب الصوت صفته الواجبة وهي الموافقة بعد إعمال الفكر والروية، ولا شك في أن الاقتراع ليس هو كل ما يجب على المواطنين، وقد لا يكون أهم ما يجب عليهم، ولكن من أهم واجبات المواطن المتمتع بالحكم الدمقراطي أن يناقش السياسة العامة ويُبدي رأيَه فيها.

والاقتراع يحدث في انتخابات النواب وفي إصدار القرارات في المجالس النيابية؛ فأما في الحالة الأولى، حالة اختيار النواب، فقد طالب به الشعب أولًا في أوائل القرن التاسع عشر؛ ليستعين به على الاشتراك مع بعض الطبقات والجماعات الممتازة في السلطة السياسية، وكان المفروض وقتئذٍ أن خير ما يحفظ «مصالح» الفرد، هو أن يختار مَن يُمثِّله في المجلس النيابي، وسبب ذلك أن ملوك إنجلترا في العصور الوسطى كانوا يجمعون المال من رعاياهم، بطريقة تطورت بالتدريج حتى أصبَحَتْ هي النظام البرلماني الحديث، كما أشرنا إلى ذلك في الفصل الأول من هذا الكتاب، فكان المَلِك إذا طلب مالًا أبدى المطلوب منه رأيه في هذا الطلب بوساطة النواب، وبذلك أصبح اختيار هؤلاء النواب في آخِر الأمر موكولًا إلى أعيان الجهة، أو أغنيائها الذين استعانوا بالنظام النيابي على مراقبة السياسة العامة، فكان طبيعيًّا إذن أن يعتقد المُصلِحون في أواخر القرن الثامن عشر أن إعطاء الصوت لنائب ما، وسيلة من وسائل الاشتراك في السلطة، ثم جُعل حق الانتخاب في كثيرٍ من الأقطار بعد سنة ١٨٣٠ أو حوالي ذلك الوقت، ميزة تُمنَح لبعض الطبقات الاجتماعية ذات الأملاك الثابتة، وقُصر أولًا على الرجال دون النساء، بعد أن كان هذا الحق قبل ذلك الوقت يُورث أو يُشترى بالمال، وقد أكثروا وقتئذٍ من ذكر «الشعب» و«الشعب ذي السيادة»، ولكن «الشعب» من الناحية السياسة لم يكن يشمل في خلال الجزء الأكبر من القرن التاسع عشر، حتى في البلاد الدمقراطية، إلا عددًا قليلًا من الذكور ذوي الأملاك، وهؤلاء هم الذين كان يظن أن لهم «مصالح حقة في البلد»، أما غير هؤلاء كالنساء أو العمال اليدويين مثلًا فكان المفروض أنه لم تكن لهم مثل هذه المصالح، مع أنه كان يُطلب إلى العمال اليدويين أن ينضموا إلى صفوف الجيش، ألَا ما أعجبَ هذه الأوهامَ السياسيةَ وأكثر سخافاتها!

على أن حق الانتخاب الضيق الذي نالتْه الشعوب في أوائل القرن التاسع عشر، كان يُطلَق عليه اسم «الدمقراطية» تمييزًا له عن الملكية المطلقة أو الألجاركية، ولم تكن هذه التسمية جديدة، فقد ذكرنا من قبلُ أن المدن المستقلة في أيام الحضارة اليونانية الرومانية كانت تُسمَّى «دمقراطيات»، مع أن السلطة فيها كانت محصورة في يَدِ عدد من الذكور مُلَّاك البيوت الذين كانوا يسيطرون على النساء والرقيق، لكن تبيَّن بعد ذلك أن الحال الاجتماعية في القرن التاسع عشر لا يمكن معها مقاومة ما كان يطلبه النساء والعمال اليدويون من نصيب في السلطة السياسية، فنشأت من ذلك في بعض البلاد الدمقراطية بشكلها الحاضر، الذي يتمتع فيه الراشدون من الرجال والراشدات من النساء بحق الانتخاب، وقد بقيت النساء حتى الآن محرومات من هذا الحق في بعض البلاد، وهي على العموم البلاد ذات التقاليد الاجتماعية الاستبدادية كاليابان، أو التي للمذهب الكاثوليكي فيها سلطان كبير.

والطريقة المتبعة في النظام الدمقراطي لاختيار أعضاء المجالس النيابية هي طريقة الاقتراع السري، وبهذه الطريقة لا يُستطاع إرهاب الناخبين، ويتبيَّن الإنسان من طريقة فرز الأصوات بوجهٍ عام والحكومة القائمة بالأمر وقت الانتخاب؛ ذلك أنه إذا كان للحكومة القائمة بالأمر فعلًا؛ أي الأشخاص الذين بيَدِهم زمام السلطة والذين يحكم الناخب على أعمالهم، إشراف على فرز الأصوات؛ فإن الناخبين لا يَثِقون بالنتائج التي تُعلَن؛ ولهذا كان لا بد من وجود هيئة حاكِمة تسيِّر دولاب الإدارة، مستقلة عن سياسة الحزب الحاكم وقت الانتخاب؛ ومن هذا نشأت الحاجة إلى وجود هيئة الموظفين المدنيين التي لا يتعرض أعضاؤها للعزل تبعًا لإرادة الحكومة القائمة بالأمر وحدها، وبذلك يتحقق الغرض المقصود من الانتخاب، وهو تمكين المواطنين من أن يعبِّروا عن رغبتهم أو «إرادتهم» أو «رأيهم»، تعبيرًا صادقًا لا يخضعون فيه لضغطٍ أو قوة.

ويظن بعض الناس أحيانًا أن التعبير عن الرأي العام بانتخاب ممثليه، يحتاج إلى طريقة من طرق التمثيل النسبي، يقول هذا البعض إنه إذا أُريدَ أن يكون المجلس النيابي الذي يشرع للأمة، ويُشرِف على سياستها صورة صادقة لرأي المجتمع كله، فلا بد أن تُمثَّل في هذا المجلس كل هيئة ذات شأن من الناخبين، وأصحاب هذه النظرية يَعُدُّون المجلسَ النيابي صورة مصغَّرة للمجتمع، تمثِّل جميعَ آرائه على اختلاف أنواعها، ويَرَوْن أن تكون نسبة أصوات الجماعات المختلفة في المجالس، كنسبة أصوات أفراد المجتمع الممثل فيه، سواء كان هذا المجتمع هو الأمة كلها أو جزءًا من أجزائها، تلك هي النظرية، ولكن النظم السياسية المبتكرة القائمة على النظريات المعنوية المجردة شديدة الخطر؛ لأن كل النظريات المعنوية إنما تقوم على الفروض، ولأن صاحب النظرية لا يستطيع أن يستحضر في ذهنه وقت وضعها جميع الفروض المحتملة، وقد تكون فكرة اعتبار الناخبين وحدات متفرِّقة، ثم إضافة الناخبين الذين من رأي واحد في جهةٍ من الجهات، إلى الذي يلوح أنهم من رأيهم في جهةٍ أخرى، قد تكون هذه الفكرة فكرة خاطئة، ألسنا نعرف مثلًا أن «أحرار» إنجلترا ليسوا «كأحرار» رومانيا سواء بسواء؟ وحتى في الدولة الواحدة نرى أحيانًا أن الجدل المحلي والشخصي هو الذي يحدد صفات الأحزاب في الدائرة الانتخابية، وليست تحددها المبادئ السياسية، وفوق هذا هل يحسن أن يكون في المجلس النيابي من الآراء المختلفة بقدر ما في المجتمع كله من آراء؟ إن دعاة التمثيل النسبي المتطرف أنفسهم لا يطلبون أن تمثل في المجلس كل طائفة؛ لأن في كل نظام طوائف لا «يُقام لها وزن»؛ ولذلك تصبح المشكلة العملية التي تتمخض عنها هذه النظرية هي: أيُّ الطوائف يجدر أن تمثَّل في المجلس النيابي؟ وجواب هذا السؤال يقف من الناحية العملية على ما يفترض أن يؤدِّيَه المجلس من الأعمال، لقد قلنا من قبل إن المبدأ الدمقراطي يسمح ببحث جميع الآراء المختلفة بحثًا حرًّا، ولكنه لا يشترط أن يكون هذا البحث في داخل المجلس النيابي؛ لأن المجلس النيابي أو مجلس الأمة أو البرلمان هو الذي تصدر فيه القرارات عن السياسة العامة، وكل ما يجعل القرار الذي يصدر فيه أقل صراحة أو وضوحًا قد يؤثر تأثيرًا سيئًا في فن الحكم، ولسنا نقول هذا لنبرِّر به استبداد الأغلبية، بل نقصد أنه إذا كان أساس المهارة في الحكم هو التوفيق بين أكبر عدد مستطاع، فإن الحكم يتطلب أيضًا من المسئولين عملًا باتًّا جازمًا، وإنْ أغضب بعض الطوائف؛ ذلك بأن أي نظام من نظم الحكم مهما بلغ من ديمقراطيته، لا يمكن كل إنسان من أن يسير على هواه، قد يكون ضروريًّا أن يُعاد النظر في طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية، أو في الطرق الخاصة التي تسير عليها الانتخابات في البلاد المختلفة، لكن الفكرة الأساسية التي يقول بها أنصار التمثيل النسبي، وهي مضاعفة عدد الآراء المختلفة في الجمعيات التشريعية لم يؤدِّ السير عليها عمليًّا إلى إصلاح الحكم الدمقراطي، هذا إلى أن لدى الأقليات طرقًا أخرى كثيرة غير طريق التمثيل في المجالس النيابية، تستطيع بها أن تُشعِر الناس بنفوذها، ويجب أن يكون المقياس الذي تُقاس به قيمة كل إصلاح يُقترح هو ما يُحدِثه من الأثر في سير الأعمال، وقد يكون من الخطر أن نقول مع لورد بيكنزفيلد Lord Beaconsfield:٤ إن «إنجلترا لا يحكمها المنطق وإنما يحكمها البرلمان.» لكن ثمة منطقًا للشئون العملية، تعنو له الآراء المختلفة وقت الإقدام على عملٍ من الأعمال العامة.

٢

ويتطلب تنظيم الاقتراع وإشراف المجلس النيابي على الحكومة، في ظل الحكم الدمقراطي انضمام الأهالي باختيارهم إلى أحزابٍ سياسية مختلفة، وإن كانت الأحزاب قد وُجدت قبل أن توجد الدمقراطية، وإن كانت قد وَرثت حتى في عهد الدمقراطية شيئًا من عادات الفرق والجماعات، التي كانت قائمة في عهد الحكم المطلق أو غيره من أشكال الحكم، وليست الدمقراطية هي سبب جميع العيوب التي نشاهدها في النظام الحزبي، بل إن منشأ بعضها هو طبيعة الزمرة أو الهيئة الصغيرة، التي تتولَّى الترشيح وتُشرِف على الأتباع، هذا ولا بد لكل حزب سياسي قائم في النظام الدمقراطي من «مكتب» حزبي به موظفون، ولا بد له أيضًا من برنامج يَسِير عليه وشخصيات قوية تُشرِف عليه، وقد تكون كل هذه خطرًا يتعرَّض له السعي لتحقيق المَثَل الدمقراطي الأعلى، ولكن كل حزب ضعيف في أية ناحية من هذه النواحي الثلاث الضرورية، لا أمل له في الاستيلاء على زمام السلطة؛ لذلك كان لكل حزب نواة صغيرة من أشخاص يعملون في الشئون العامة، وإلى جانبهم أتباع من أشخاص عاديين مختلفين في عددهم، «يتبعونه» تبعية تختلف قوةً وضعفًا، كما يتبعون مذهبًا دينيًّا أو ناديًا من النوادي، ويمثل كل حزب في الغالب آراء إحدى الطوائف التي لها مصلحة خاصة أو فائدة مالية تسعى لإدراكها، وقد تصعب التفرقة بين الخطط السياسية للأحزاب في بعض البلاد كالولايات المتحدة الأمريكية، وقد تكون الأحزاب في البعض الآخر كفرنسا مثلًا جمعيات من طوائف قليلة العدد من الساسة المحترفين، لا توجد بين وجهات نظرها أو سياستها العامة إلا أدق الفروق وأخفاها، لكن الأحزاب في جميع البلاد ذات النظم الدمقراطية، تساعد على إظهار الاختلافات في الآراء والتجارب الخاصة بالسياسة العامة، وإذا نجح حزب أو نجحت طائفة من الأحزاب في حمل أغلبية السكان على اعتناق آرائها، قبلت الأحزاب الأخرى أن يتولى الحزب الفائز أو الأحزاب الفائزة زمام الحكم، لقد ألِفَ قُرَّاء هذا البحث من الإنجليز والأمريكيين هذا النظام، إلى حدٍّ يجعلهم عاجزين عن إدراك ما فيه من جدة، وكثرة ما يحتاجه النجاح في تنفيذه من عاداتٍ وخصال دقيقة، وليس ذلك النظام من النظم التي يمكن إقامتها بين عشيةٍ وضحاها؛ لأنه يتطلب أن تتمكن عادة بحث السياسة العامة من نفوس مَن يختلفون في نظرتهم إليها، ويتطلب كذلك جوًّا من الاستقرار الاجتماعي يتعذر فيه استخدام العنف الشخصي إن لم نقل: يستحيل، ويتطلب فوق ذلك من الشعب بوجهٍ عام أن يفهم كيف يُستخدم العقل في استنباط وسائل جديدة للقيام بما يحتاجه من الأعمال، ولا تصلح الديانات الاستبدادية التي تأبى تحكيم العقل، ولا العادات التقليدية التي لا تَقبَل النقد، لأن تكون أساسًا يقوم عليه الجدل الدمقراطي بين الأفراد الذين ينتمون إلى أحزابٍ مختلفة، وكذلك قد تقوم الفوارق الشديدة بين الطبقات الاجتماعية حائلًا بين أصحاب الآراء المتعارضة وبين المناقشة الودية، لكن العادات والخصال الاجتماعية في بعض البلاد الأخرى تيسر سبل المناقشة العلنية في الآراء المتباينة، وقد ساعدت الأحزاب السياسية في هذه البلاد على إصلاح الحال الاجتماعية.

لكن السياسة الحزبية على الرغم من هذا كله، قد أصبح اسمها موضع السخط في كل مكان، وكثيرًا ما يؤكد نقاد الدمقراطية أن هذه السياسة تُضحِّي بالمصالح «القومية» أو مصالح المجتمع بوجهٍ عام؛ ولذلك نرى بعض الساسة حتى في البلاد الدمقراطية يفخرون بأنهم «مستقلون»، وليس ثمة شك في أن الإفراط في الخير جائز، وقد أدَّى الإخلاص للأمة نفسه إلى شر الأعمال، بل إن الإخلاص لله قد اتُّخذ ذريعة للقسوة والاضطهاد، فلا غرابة إذا خرج بعض التابعين لحزبٍ من الأحزاب السياسية عن جادة العقل، واتبعوا خطة أنانية خالية من التبصر، يُضاف إلى هذا أن الأحزاب القائمة في هذه الأيام قد نَمَتْ متأثِّرة بالاعتقاد الذي كان سائدًا في القرن التاسع عشر، وهو أن الصالح العام يتكون من طائفةٍ من الصوالح المتفرِّقة المشتركة بين المصالح المتنافسة، وفي هذه الحال يَمِيل كل حزب إلى أن يعمل لمصلحةٍ واحدة أو عدد من المصالح المتفرقة، أو طائفة من المصالح المتقاربة، مفترضًا أن المصالح الأخرى يدافع عنها غيره من الأحزاب، وبذلك يصبح معنى «توازن المصالح» هو التنافس بين الخصوم؛ ولهذا السبب استُعيرت الاصطلاحات الحربية واستخدمت في الجدل السياسي؛ ولهذا أيضًا يلجأ المرشحون إلى الناخب يُمَنُّونه بأنه سينال هو نفسه نفعًا من هذا الاقتراح أو ذاك، ويلوح أن بعض الساسة يعتقدون أن فوزهم في الانتخاب يكون أقرب إلى الاحتمال، كلما كثرت الأسلاب التي يَعِدون بها مؤيِّديهم.

على أن هذا لا يستلزم أن يكون الحزب السياسي قطيعًا من الأنعام لا همَّ له إلا مصالحه، بل الواقع أنه قد يسير على خطة يبغي بها الخير العام للمجتمع بأكمله، كما أن الناخب قد لا يؤيد مشروعًا من المشروعات لمنفعته الذاتية، بل للمصلحة العامة التي يشترك فيها مع غيره من الأفراد، وللناس آراء كثيرة مختلفة صحيحة في معنى الصالح العام؛ ولذلك قد لا يكون اختلاف الآراء بين الأحزاب ناشئًا من اهتمامها بمصالحها المتعارضة، بل ناشئًا من اختلاف وجهة نظر كلٍّ منها، حتى ولو كانت كلها ترنو ببَصَرِها إلى مطمحٍ واحد، أو تسعى كلها لغرضٍ واحد.

لقد سبق القول إن الدمقراطية متصلة بالفردية من جهة، وبتوازن المصالح المتضاربة من جهةٍ أخرى، ولكن هذين المبدأين لا يُعدَّان من أصولها الجوهرية، إلا بقدْر ما يُعَدُّ اسمها الإغريقي من هذه الأصول، إنما المبدأ الجوهري الذي تقوم عليه هو بحث الآراء المختلفة أو المتعارِضة، واتخاذ هذا البحث وسيلة لتعرُّف طريق العمل الصحيح، وهذا البحث يساعد عليه قيام الأحزاب السياسية؛ ولذلك كان كل ما يُبذل من الجهود لإلغاء هذه الأحزاب في حقيقة أمره جهودًا تُبذل لتركيز السلطة كلها في يد واحدٍ منها بعدَ القضاء على نُقَّاده ومعارِضيه؛ ولهذا أيضًا كان وجود الأحزاب التي تعمل لخير المجتمع كله، وإن اختلفت نظرة كلٍّ منها إلى هذا الخير، أمرًا جوهريًّا لا غنى عنه لمناقشة الشئون العامة، ولإشراف الشعب على الحكومة؛ لأن هذه الأحزاب تعمل في داخل المجلس النيابي وخارجه.

٣

لقد كانت المجالس النيابية في أول أمرها وسيلة لمقاومة السلطة التنفيذية والحَدِّ من حقوقها؛ وذلك لأن الحكومات كانت فيما مضى تُعَدُّ في الغالب خطرًا على المحكومين؛ ولأن أهم ما كان يُعنَى به الحكم فيما مضى، هو أن يُشرِف على المجتمع عدد قليل من الرجال لمنفعتهم الخاصة، ولا يزال معظم الرجال والنساء حتى الآن لا يَرَوْن في الحكم إلا سلطة تفرضها عليهم وعلى جيرانهم فئة خفية يسمونها «الحكومة»، والحق أن الحكومة لم تكن إلا طائفة قليلة من الأشخاص، استطاعوا بوسيلةٍ من الوسائل أن يسيطروا على المراكز الرئيسية، التي تجعل لهم سلطانًا على غيرهم من الناس، لكن «الحكومة» في معظم البلاد الدمقراطية، قد أصبحت بعد التجارب التي حدثت في القرن التاسع عشر جزءًا من المجالس التشريعية، وأهم الحكومات التي تُستَثنَى من ذلك هي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تنفصل السلطة التنفيذية عن مجلس الأمة انفصالًا تامًّا، وحيث يُعَدُّ هذا المجلس عينًا مذكاة على «الحكومة» وقوة محددة لسلطانها، لكن الريبة القديمة في الحكومات لا تزال مع ذلك باقية في جميع الدمقراطيات.

ويراقب المجلس النيابي في الحكومات الدمقراطية الوزراء ويسألهم وينتقدهم، وقد جَرَتْ عادة مجلس النواب في فرنسا أن يَقِف من كل حكومة تقوم فيها موقف المتشكك المرتاب، ويلوح أن القاعدة التي كانت تفترضها النظرية القديمة المسماة بنظرية «فصل السلطات»،٥ هي أن الحرية إنما تقوم على تكليف شخص بعملٍ من الأعمال وتكليف غيره بمنعه من القيام بذلك العمل، ومن هنا نشأ شيءٌ من التوتر في العلاقة بين المجالس النيابية والوزراء المسئولين، لكن من مستلزمات الدمقراطية أن تكون «الحكومة» مسئولة أمام نواب الشعب، وأن يَترك النواب «للحكومة» كامل السلطة التي تمكِّنها من أن تقوم بعملها، ويحاول النظام الدمقراطي أن يجمع نظام الحكم الواحد، بين الانتقاد الحر لأولي الأمر والحكم النافِذ على أعمالهم، وبين العمل الحازم يتولَّاه ولاة الأمور.

وأهم وظيفة يقوم بها المجلس النيابي هي التشريع؛ أي سَنُّ القوانين الجديدة، أما في غير الحكومات الدمقراطية فتتولَّى السلطة التنفيذية هذا العمل، وتُصدِر القوانين دون مناقشة عامة، لكن من مزايا الدمقراطية أن القوانين التي تُصدِرها تتغيَّر كلما حدث تغير واسع النطاق في حال الشعب، وبذلك تقوم طريقة تغيُّر الوزراء وتبدُّل الأغلبية في المجالس النيابية المنتخبة، مقام الثورة في مقابلة التطورات الاجتماعية التي تطرأ على الأمة، والقاعدة المُتَّبَعة أن القوانين التي تُصدِرها المجالس النيابية، تَعرِض مشروعاتها أول الأمر على لجانٍ من هذه المجالس، أو على هيئة المجلس كلها، وقد تُعَدَّل هذه المشروعات وقت مناقشتها، ولقد كان ما يُسَنُّ من القوانين الجديدة في عهد الحكومات القديمة قليلًا في عدده، بسيطًا في نوعه؛ ولذلك كان من حق كل عضو في المجلس النيابي، بمقتضى النظرية الدمقراطية القديمة أن يقترح أي قانون جديد، أما الآن فإن الذي يحدث بالفعل أن السلطة التنفيذية، هي التي تقترح كل القوانين الجديدة الهامة، إلا في النظام الأمريكي، وقد حدث تبدُّل عظيم الخطر في نوع القوانين منذ قيام الحكم الدمقراطي؛ إذ أصبحت القوانين الجديدة تُسَنُّ الآن عادة لتنظيم خدمات عمومية، أو تقرير قواعد عامة يرغب الأهلون جميعهم في السير على مقتضاها، وبذلك قلَّتْ أهمية القانون بمعناه القديم؛ أي التحريم وفرْض العقوبات على المخالف، ولم يَعُدْ أهم ما يتبادر إلى الأذهان عند ذكره هو السلطة العليا و«العقوبات»، على أن الحقوق الأساسية التي تَحفَظ كيان المجتمع، لا تَزَال إلى الآن يؤيدها القانون الجنائي، ويذبُّ عنها العقاب الذي جعلتْه الدمقراطية الآن أكثر إنسانية مما كان.

ولننتقل بعد ذلك إلى الكلام على المجالس النيابية، فنقول إن أعضاء الهيئة النيابية القديمة في إنجلترا؛ أي مجلس العموم، ومجلس الأمة السابق على العهد الدمقراطي في الولايات المتحدة، تختارهم الآن هيئة الناخبين المكوَّنة من جميع السكان العقلاء الراشدين، وبذلك أصبحت هاتان الهيئتان تعملان متأثرتين بعوامل جديدة، والحق أنهما قد أُدخِل على نظامهما تعديل جوهري، لا تدل عليه أساليب العمل القديمة التي يسيران عليها، لكن جميع المجالس النيابية القائمة في الوقت الحاضر لم ينشأ منها واحد، بعد أن شمل حق الانتخاب جميع الراشدين، وبعد أن تعددت واجبات الحكومات حتى شملت الصحة والتربية، ويُستثنَى من ذلك مجالس الدول الجديدة التي خُلقت بعد الحرب الكبرى مثل تشكوسلوفاكيا؛ ولذلك كان معظم مجالس النواب التشريعية القائمة في البلاد الدمقراطية في الوقت الحاضر هيئات قديمة ذات تقاليد عتيقة، تقوم بين ناخبين جُدد يختلفون عن الناخبين السابقين كل الاختلاف، وتؤدي واجبات حكومية لا تقل عن الناخبين في جدتها.

ولا تزال أنماط قديمة من المجالس غير النيابية قائمة حتى في البلاد التي تسيطر عليها نظم دمقراطية، وأهم المجالس الباقية من هذا النوع مجلس اللوردات البريطاني، ويكون تاريخ هذا المجلس صفحة من سجل الرقي المتعدِّد الصفحات، ولقد أدَّى أعمالًا خطيرة في الماضي، وإن لم يكن قط جزءًا من نظام الحكم الدمقراطي، وكذلك شأن الملكية في بريطانيا العظمى وفي بعض البلاد الأوروبية الصغرى، فهي بقية من بقايا العهد السابق للحكم الدمقراطي، لكن النظام الدمقراطي في أنقى صوره في فرنسا وأمريكا يفترض من غير شك وجود الحكم الجمهوري؛ أي إن الوظيفة التي هي رمز وحدة الشعب كله في النظام الدمقراطي وظيفة انتخابية، ولهذا النظام عيوب بطبيعة الحال، ولكن أكبر ظننا أن هذه العيوب ليست هي التي أبقتْ على الملكية في بعض البلاد، بل الذي أبقى عليها هو حكم العادة، ولا يخفى أن انتخاب رئيس السلطة التنفيذية بوساطة الشعب أو عدم انتخابه لا يهم كثيرًا من حيث المبدأ، وإنما الذي يهم هو أن الشخص الذي يتولَّى هذا المنصب يتولَّاه فعلًا برضاء المجلس النيابي، ويظل فيه خاضعًا لإشرافه المستمر، فإذا كان للمجلس المنتخب السيطرة على رئيس السلطة التنفيذية، فقد تكون الملكية الدستورية نافعة حتى مع وجود النظام الدمقراطي؛٦ وذلك لأن تكييف النظم القديمة كاستعمال اللغة القديمة، يفيد من ناحية العواطف النفسانية التي لا يمكن إغفال شأنها في السياسة العملية، والناس يفهمون هذا التكييف أكثر من فهم إقامة أنماط للحكم جديدة، وإنشاء وظائف جديدة، كما يكون استعمال لفظ قديم لتأدية معنًى جديد، أفضل في بعض الأحيان من اختراع لفظ جديد لتأدية هذا المعنى، فالمشكلة العملية إذن هي طبيعة الهيئة التنفيذية في الحكومة لا شكلها.

٤

والآن فلنبحث في عمل السلطة التنفيذية في الحكومات الدمقراطية، تنظر التقاليد البريطانية إلى «التاج» كأنه الرمز الأخير أو الأعلى للسلطة التنفيذية، وليس التاج هو الملك، ولكن الملك بلا ريب هو العنصر الرئيسي من عناصر تلك السلطة التي تسمى بالتاج، وقد يُطلَق هذا اللفظ أحيانًا على قوى الدولة كلها، لكن هذه المسائل الدستورية لا تُثار إلا في أيام الأزمات؛ لأن عمل الحكومة حسب التقاليد البريطانية، يقوم به في الأحوال العادية هيئة الموظفين المدنيين خُدَّام المَلِك، ولجنة مؤلَّفة من الزعماء السياسيين تُسمَّى مجلس الوزراء، وتاريخ مجلس الوزراء وهيئة الموظفين المدنيين جدير بالدرس؛ لأنه يُعيننا على فهم حقيقة فن الحكم بقدر ما يُعيننا على ذلك تاريخ البرلمان نفسه، لقد كان البرلمان فيما مضى بمثابة الضابطة لدولاب الحكومة أو عجلة القيادة فيها، ولا يزال ذلك هو عمله الرئيسي حتى الآن، ولم يكن في يومٍ من الأيام هو الآلة الحقيقية التي تحرِّك دولاب الحكومة، بل إن أهم جزء في هذه «الآلة» هو الهيئة التنفيذية والإدارات المختلفة، تلك هي الحقيقة في الماضي والحاضر، وإن كان المؤرخون لم يَشرعوا في دراسة العناصر التي تتألف منها الحكومة إلا في الوقت الحاضر؛ ولذلك ظللنا أجيالًا عدة نعيش في جوٍّ مُشبع بالخوف من السلطة التنفيذية، يكاد يشبه الخوف الذي كانت تبعثه هذه السلطة في نفوس الناس في العصور الوسطى، وما زلنا نعدُّها سلطة ظالمة يجب فرض الرقابة عليها، والآن حتى بعد أن بدأ الناس يدركون أسرار الحكم، يغضب بعض رجال القانون في إنجلترا مما يسمونه «الأتقراطية الجديدة» أو «الاستبداد الجديد»، حتى كان من موضوعات البحث العام في السنين الأخيرة، موضوع السلطة التي يمنحها البرلمان للهيئة التنفيذية، والتي تخوِّلها حق التشريع في بعض المسائل الثانوية التي تتطلبها ظروف الوقت الحاضر، كذلك لا تتمتع السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة بحب الأمة، ولما كان نظام الحكم القائم في تلك البلاد، أكثر من الحكم البريطاني اعتمادًا على قواعد وخطط موضوعة، وأقل منه اعتمادًا على النمو التدريجي غير المحسوس؛ فإن الدستور قد نص صراحة على حقوق السلطة التنفيذية، لكن الذين وضعوا نظام الحكم في أمريكا قد أخطئوا في فهم النظام البريطاني، وكان لهذا الخطأ أثره في النظام الذي وضعوه، وكان منشأ هذا الخطأ أنهم ظنوا أن لا بد من إيجاد التوازن بين حقوق السلطة التنفيذية وحقوق غيرها من السلطات، على أن التجارب اليومية من شأنها أن تغير بالتدريج نظام الحكم في كل البلاد حتى في البلاد ذات الدساتير المسطورة؛٧ ولذلك أصبح للهيئة التنفيذية في الولايات المتحدة ما لمثلها في بريطانيا العظمى من السلطة العليا، بعد أن أَنشَأَت نظام الموظفين الدائمين، ولسنا نقصد بالسلطة العليا أنها تسيطر على الاتجاه العام الذي يَسِير فيه الحكم، بل نقصد أنها تسيطر على القوى التي تحرِّك الدولة في أعمالها اليومية.

كذلك كانت نتيجة الجدل الذي ثار حديثًا في فرنسا، أن برز إلى الوجود نفس هذا النزاع بين الهيئة التنفيذية ومجلس النواب، نعم، إن رئيس الجمهورية الفرنسية أقل سلطة من رئيس الجمهورية الأمريكية، وإن مجلس الوزراء في فرنسا لا يخضع لرئيس الجمهورية الفرنسية، خضوع مجلس الوزراء الأمريكي لرئيس الجمهورية الأمريكية، ولكننا نستطيع أن نقول بوجهٍ عام إن الرغبة في تركيز السلطة في يد الهيئة التنفيذية آخذة في الازدياد في جميع البلاد الدمقراطية، وقد سَاعَد على تقوية هذه الرغبة نمو هيئة الموظفين المدنيين، والحق إن تاريخ هذه الهيئة لَيُعَدُّ صفحةً من أهم الصفحات في تاريخ الدمقراطية. ولقد كان يتملك هذه الهيئة في إنجلترا حتى في العصور الوسطى، شعور الغيرة على المصالح القومية، مع أنها لم تكن من الوجهة الاسمية إلا خَدَمًا للمَلِك شخصيًّا، ومع أن المناصب الكبرى كان يُكافَأ بها عادة أتباع الشخص صاحب النفوذ السياسي، أو الطائفة صاحبة ذلك النفوذ، فلما استهل العقد الثامن من القرن التاسع عشر أصبح امتحان المسابقة هو طريق التعيين في الوظائف المدنية، وأصبح للبرلمان إشراف عليها، فبثَّ ذلك في نفوس الموظفين المدنيين شعورًا راقيًا بخدمة الصالح العام، ولما أُلقيت على عاتق الدولة في البلاد الدمقراطية واجبات جديدة، وزادت بذلك أهمية الأعمال السلمية إذا قوبلت بأعمال القوى المسلحة كما سنبيِّن للقارئ فيما بعد، أصبح الجزء الأكبر من الأعمال الحكومية يتكون الآن من الواجبات اليومية، التي يقوم بها الموظفون في الإدارات والوزارات المختلفة، الذين لا يتأثرون بالمنازعات السياسية العادية، والذين يعملون على الدوام للمصلحة العامة بإشراف السياسيين المختلفين، الذين يتولَّوْن مقاليد الحكم كلما تغيرت الحكومة، وأصبحت مهارة هؤلاء الموظفين المدنيين هي الدعامة التي تستند إليها السلطة التنفيذية.

فإذا لم تكن النظريات المعنوية إذن هي الدليل على حقيقة الحكم الدمقراطي، بل كانت التجارب الواقعية هي ذلك الدليل، فإن هذا الحكم لا يمكن أن يُتَّهَم بالتردُّد، وسلطته العليا لا يمكن أن تُتَّهَم بالضعف، بل إن من الحق أن نقول إن للهيئة التنفيذية في الحكومات الدمقراطية في بعض الوجوه، سلطانًا أعظم وأقوى أثرًا من سلطانها في الحكومات الدكتاتورية، إن المظاهر تَخدَع الإنسان أحيانًا، ترى الأوامر يُصدِرها الطغاة فتظنها أوامر عسكرية صادرة من قائد الجيش الأعلى، ولكن الطغاة حين يُحرِّمون على الناس حق نقدهم إنما يعترفون بضعف سلطانهم؛ ولذلك تراهم في حاجةٍ إلى سَيْلٍ مستمر من «الدعاوة» الرسمية يؤيدون به سلطانهم ويفسرون به أوامرهم، في حين أن أغلبية الأهلين العظمى تُطيع أوامر السلطة التنفيذية في الحكومات الدمقراطية، إطاعة قائمة على العقل في الأحوال العادية؛ لأن أوامرها لم تَصدُر إلا بعد بحثٍ ونقد؛ ولأنها يمكن أن يعقبها النقد على الدوام، وقد يلوح أن احترام السلطة العليا في الجيش، أكثر منه في هيئةٍ من الرجال الأحرار يعملون معًا لغرضٍ مشترك، مع أن الحقيقة على عكس ذلك تمامًا، على أنه مهما يكن الفرق بين الدكتاتورية والدمقراطية فيما يختص بسلطان الهيئة التنفيذية، فإن الذي لا ينكره أحد قط أن الحكومات الدمقراطية أيضًا، تُصدِر أوامرها وقراراتها في كل يوم؛ لأن الحكم سلسلة متصلة من الأعمال وليس عدة حوادث متقطعة تقع من آنٍ إلى آن.

وثمة أمر آخر عظيم الخطر، وهو أن من الأعمال التي تقوم بها الحكومة في كل يوم تطبيق القانون على المشاكل التي هي مثار للخلاف، وهذا العمل تقوم به السلطة القضائية؛ أي المحاكم القانونية التي توجد في كل نظامٍ حكومي، ولكن تقدم فن الحكم جعل هذه المحاكم تستقل شيئًا فشيئًا عن إرادة الحكام أصحاب السلطة الفعلية في الحكومة القائمة في وقتٍ من الأوقات ولا تخضع لأهوائهم، وكان في وجود المحاكم حتى في عهد الحكومات الملكية شيء من الضمان يقي الناس شر استبداد الملوك وموظفيهم؛ وذلك لأن الناس بوجهٍ عام قد اصطلحوا على طائفة من الحقوق الأدبية، يجمعها كلها أو جلها «القانون»، ولا تتأثر برغبات ولاة الأمور وآرائهم؛ ولهذا فإن نوع الحكم الذي يسميه الألمان «الرشتستات» Rechtstaat أي «الدولة القائمة على الحق»، يمكن أن يوجد حتى في غير البلاد الدمقراطية، كذلك أدَّتِ النظرية المعروفة بنظرية «فصل السلطات» إلى جعل القضاة مستقلين عن الحكومة القائمة بالأمر، حتى قبل أن توجد النظم التي تعبِّر عن المبادئ الدمقراطية، بمعناها الذي نفهمه منها الآن في أية حكومة من الحكومات، ومنها الحكومة الإنجليزية نفسها، وبهذه المناسبة نقول إننا لا نستحسن عبارة «فصل السلطات»، ونفضل عليها عبارة اشتراك سلطات الحكومة؛ لأن التعبير الأخير هو الذي نستطيع أن نفهم به حق المحاكم في تطبيق القانون، وفي تفسيره تفسيرًا يكون بمثابة وضعه في صيغٍ جديدة، ولا تستطيع السلطة التنفيذية ولا الهيئة التشريعية في الحكومات الدمقراطية، أن تتدخل في أحكام المحاكم أو تعزل القضاة إلا بتطبيق قواعد موضوعة من قبلُ، ومن حق المحاكم في جميع النظم الدمقراطية أن تصدر أحكامها على أعمال السلطة التنفيذية، بل إن في وسع المحكمة العليا في النظام الأمريكي أن تنفذ بعض أحكامها، وإن خالفت القوانين التي يصدرها مجلس الأمة،٨ وسنبحث في تفاصيل هذا النظام فيما بعد، وحسبنا أن نقرر في هذا الصدد ذلك المبدأ الجوهري العام، وهو أن المحاكم في البلاد الدمقراطية هي الدعامة التي تستند إليها «الحرية المدنية» وحكم القانون.

٥

ويمكن تقسيم الأعمال العادية التي تقوم بها الحكومات إلى عدة أنواع، هي الشرطة «والدفاع» أولًا، والإشراف على الإنتاج وتوجيهه ثانيًا، والإصلاح الاجتماعي ثالثًا، تلك أعمال تقوم بها كل الحكومات الحاضرة، وإن كانت الحكومات قد بقيت إلى منتصف القرن الماضي لا تُعنَى إلا في النادر بنظام الإنتاج، ولا تهتم بتنظيم شئون التربية والصحة، بل كانت واجبات الحكومة مقصورة على حفظ النظام، و«الدفاع» عما يسمونه الحقوق القومية، لا تتعداهما إلى غيرهما، حتى اتسعت دائرة حق الانتخاب، وأُلغيت بعض المزايا التي كانت تتمتع بها الطبقة الحاكمة القديمة، ومن حقنا أن نربط هذا التوسع في واجبات الحكومة بالنظام الدمقراطي، نعم، إن أسبابًا أخرى كثيرة، غير ازدياد عدد الناخبين وتقوية إشراف الرأي العام على أعمال الحكومة، كانت مما أدَّى إلى اضطلاع الدولة بهذه المهام الجديدة، ولكن أحدًا لا يُنكِر أن قوة نفوذ الشعب كانت من الأسباب التي أدت إلى تغيير طبيعة الحكم؛ ولذلك لم تستنكف الدكتاتوريات نفسها، وهي نظام ساذج من وجوهٍ أخرى، من أن تنتفع بنتائج النظام الدمقراطي في تنظيم شئون الصحة والتربية، والحق أن الدولة الحديثة قد أصبحت مختلفة كل الاختلاف عن الدولة التي عرفها أفلاطون وأرسطوطاليس، بل وعن الدولة التي وصفها هيجل Hegel وهربرت اسبنسر Herbert Spencer،٩ ولو أُتيح لأحد الفلاسفة الأقدمين أن يطَّلِع على الأعمال التي تقوم بها الحكومة في أية دولة من الدول الحديثة، لأخذ منه العجب كل مأخذ، لكن نظرية الدولة التي تُلقَّن لطلاب العلم في الجامعات في الوقت الحاضر، لا يزال أساسها تحليل الظروف تحليلًا لا يَفِي الآن بالغرض الذي قامت لأجله.

وإذا أراد الإنسان أن يفهم كيف تسير الأعمال في الحكومة الدمقراطية، فعليه أن يرقب الوزير وموظفيه في مصلحةٍ من المصالح يتخذون القرارات، ويُصدرون التعليمات، ويجتمعون بالخبراء وممثلي الأعمال والمصالح المختلفة، نعم، إن الحكومات لا تزال حتى الآن تؤدي الواجبات التي كانت تؤدِّيها من قبلُ، ولكن هذه الواجبات قد تغيَّرت عما كانت عليه، فأصبح الجيش مثلًا بعدَ أن قَوِيَتِ العاطفة الدمقراطية، لا يجيشه أفراد مستقلون من علية القوم يستأجرون الجند ويؤلِّفون الفيالق التابعة لهم، واختَفَتْ من الوجود فصائل الجند التي كانت تختطف الناس لتُكرِهَهم على الانتظام في سلك البحرية، وأضحى رجال القوات المسلحة يجمعون حسب قانون عام موضوع لذلك الغرض، أو يتطوعون باختيارهم لأداء هذا الواجب تحت إشراف المجالس النيابية، ولا يستطيع الضباط الآن أن يشتروا الرُّتَب بالمال، وأصبح اهتمام رجال الشرطة المكلَّفين بحفظ النظام، يوجَّه الآن إلى منْع الجرائم وتنظيم المرور أكثر مما يوجه إلى القبض على المجرمين، وأما المحاكم فقد أضحت الآن أقل تحاملًا على الفقراء والجهال مما كانت عليه منذ خمسين سنة لا أكثر، وترى الآن خيرة رجال القانون كما ترى مدارس الحقوق في فرنسا والولايات المتحدة، تعترف كلها بالمبادئ الاجتماعية التي يقوم عليها ويتضمنها كل قانون، وبالأغراض الاجتماعية التي يجب أن يؤديها القانون.

أما الواجبات الاقتصادية التي تضطلع بها الحكومات الحديثة، فلا تزال تشمل ما كانت تشمله في الزمن القديم من الحيطة ضد الاحتيال في المعاملات أو الغش في المأكولات، ولا تزال بعض الطوائف ذات المصالح الاقتصادية المختلفة تكافح؛ لكي تَنَال من الدولة بعض المساعدات المالية أو غير المالية وبخاصة الطوائف التي تعمل في التجارة الخارجية، وكل هذه من الواجبات التي كانت تضطلع بها الحكومات حتى في القرن السادس عشر، ولم تكن مما استحدثتْه الدمقراطية، غير أن هناك نوعًا من الواجبات الاقتصادية الجديدة التي تقوم بها الحكومة، وهو سَنُّ القوانين ووضْع الأنظمة الخاصة بالمصانع وتأمين العمال من البطالة؛ ولذلك أصبحتْ هيئات العمال في الوقت الحاضر وثيقة الصلة بالمصالح الإدارية الحكومية، كما كان الماليون والتجار متصلين بها في العهد القديم، وليست هيئات العمال القائمة في البلاد الدمقراطية هيئات خلقتْها الحكومات خلقًا، وإنما هي جماعات اختيارية مكونة من أشخاص لهم آراؤهم الخاصة بهم، وتهتم الحكومات في الوقت الحاضر بمنْع الإضراب وإقفال المصانع في وجه العمال، ولكنها لا تفعل ذلك بإصدار الأوامر بل بوسائل التراضي والتحكيم بين المتنازعين، وتوجه الحكومة عنايتها المستمرة لترقية وسائل الإنتاج، سواء أكان ذلك من حيث ظروفه المادية أم من حيث معاملة الصناع والزراع.

والقسم الثالث والأخير من واجبات الحكومة الحديثة، هو الخاص بالإصلاح الاجتماعي من طريق تحسين وسائل الصحة والتربية، ولقد أخذتِ الحكومات منذ منتصف القرن التاسع عشر تُعنَى بالشئون الصحية وبتوريد المياه الصالحة للسكان، وغير ذلك من وسائل اتقاء الأمراض، والحكومات بأدائها هذه الخدمات تثبت أنها حكومات دمقراطية خالصة؛ لأن الفائدة التي تُرجَى من ورائها لا تختص بها فئة أو طائفة معينة، بل يعمُّ خيرُها المجتمع بأكمله، وينال منها كل عضو فيه بقدر ما يناله كل عضو آخر، فمجاري المدن واحدة للأغنياء والفقراء، والمال الصالح الذي يقدَّم لهؤلاء هو نفسه الذي يقدَّم لأولئك، وقد أخذتِ الدولة تُعنَى عناية متزايدة بتنظيم الخدمة الطبية لمصلحة السكان عمومًا على السواء، وأصبح النظام الصحي بأكمله موضع النقْد المستمر، يوجهه إليه الأخصائيون أو تتطوع بتوجيهه جماعات من الأشخاص، تُعنَى عناية خاصة بهذه الناحية من نواحي الخير العام، وكذلك الحال فيما يختص بشئون التربية، فإن الدولة الحديثة تعمل الآن لتمكين جميع أفراد الجيل المُقبِل، من أن ينالوا على الأقل حظًّا من العلم، يقوِّي الرابطة التي بينهم وبين المجتمع عن طريق القراءة والكتابة، حتى كان من النتائج المباشرة للحكم الدمقراطي أن التعليم لم يبقَ ميزة تختص بها طائفة أو فئة بعينها، بل أصبح مما تقوم به المدارس والجامعات في بعض البلاد بإشراف الدولة ورقابة المجلس النيابي، وأصبح التعليم لا يُقصد به في ظل الدمقراطية، من الوجهة النظرية على الأقل، أن يُلقَّن الناس كلهم عقيدة خاصة، بل يُقصد به مساعدتهم على أن ينقدوا ما يعرض لهم من الشئون ويحكموا بأنفسهم عليه.

وتؤلف أنظمة الحكم في النظام الدمقراطي وحدة مرتبطة الأجزاء، وهذه الأنظمة هي نتيجة التجارب التي عملت في نواحٍ مختلفة للقضاء على بعض المفاسد والشرور، أو إطلاق قوًى جديدة كامنة في حياة المجتمع، لكن بعض هذه الأنظمة ليس إلا تكييفًا لوسائل عتيقة، كما أن بعضها ناقص مَعِيب، غير أن الأساس الوحيد الصحيح الذي يجب أن يُبنَى عليه ما يوجه إليها من نقد، هو المبدأ الذي قامت عليه أو الغرض الذي أُنشئت لتحقيقه، قد يكون البرلمان الإنجليزي أو مجلس الأمة الأمريكي مثلًا في حاجةٍ إلى الإصلاح، ولكن العقل لا يُجِيز القضاء عليه؛ لأنه لا يجعل من الأرض جنة كجنة الخُلْد، ولا يمكن كل فرد من أن ينال مبتغاه؛ وذلك لأن المجالس النيابية وغيرها من الأنظمة الدمقراطية لم تنشأ لهذه الغاية، نعم، قد يشتطُّ في مطالبه الجيل الناشئ الذي لم يألَف الأوضاع السياسية، والذي أكسبه التوسع السريع الحديث في حق الانتخاب قوًى جديدة وشعورًا جديدًا نحو الحكومة، بعد أن أصبحتْ في هذا الوقت وثيقة الاتصال بالحياة اليومية، كما أن من السخف حقًّا أن يُرجى من أي شكل من أشكال الحكم الدمقراطي، أن يجوز ذلك الرضاء العام الذي تعمل العقول الساذجة لنيله من طريق الدكتاتورية، لكن السخط على التقاليد قد يكون دعامة طيبة يُقام عليها بناء صرح الإصلاح السليم الرشيد، إذا اتبعت فيه الخطة التي ثبتت صلاحيتها وأدَّتْ في الماضي إلى خير النتائج.

١  يقصد المجرمين والمعتوهين. (المُعرِّب)
٢  جرمي بنتام Jeremy Bentham (١٧٤٨–١٨٣٢) فيلسوف وكاتب عظيم في فقه القانون والأخلاق، وأعظم نُقَّاد الشرائع والحُكْم في أيامه، كتب في العقاب والغرض منه، وله آراء جديدة مبتكرة في التشريع المدني والجنائي، وكان في السياسة من أكبر الداعين إلى منح حق الانتخاب للرجال والنساء، وإلى طريقة الاقتراع السري ومكافأة النواب، وقد انتشرت آراؤه في بلاد القارة الأوروبية واعتنقها كثيرون، وقال عنه مل Mill إنه وجد فلسفة القانون فوضى وعماء فتركها علمًا صحيحًا. (المُعرِّب)
٣  تكفيل (الكونت ده تكفيل ١٨٠٥–١٨٥٠): سياسي فرنسي من كبار أعضاء مجمع العلوم الأخلاقية والسياسية في فرنسا، ومن أعضاء مجلس النواب الفرنسي، وأحد وزراء الخارجية الفرنسية، ومن أشد معارضي لوي نابليون، ومن أشهر كتبه كتابه عن الدمقراطية الأمريكية. (المُعرِّب)
٤  لورد بيكنزفيلد (بنيامين دزرئيلي إرل بيكنزفيلد)١٨٠٤–١٨٨١: سياسي عظيم وكاتب قصصي، يهودي الدِّين، محافِظ في المذهب السياسي، من أعماله أنه عرض وهو وزير للمالية في عام ١٨٦٧ مشروعًا للإصلاح النيابي وتوسيع دائرة حق الانتخاب، وأصبح رئيسًا للوزارة في عام ١٨٦٨، وهو الذي اشترى أسهم الحكومة المصرية في قناة السويس سنة ١٨٧٥، وهو الذي لقَّب ملكة إنجلترا إمبراطورة الهند سنة ١٨٧٦. (المُعرِّب)
٥  فصل السلطات: من النظريات التي سادت زمنًا ما وكان لها أثر بعيد في نظم الحكم، النظرية القائلة بأن هناك سلطات عامة، وأنها ثلاث فقط: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، وأن الحكم لا يستقيم إلا إذا فُصلت كل واحدة منها عن الأخرى، وهذه النظرية بشقَّيْها لا يؤمن بها الكثيرون في الوقت الحاضر، فليست هناك سلطات متعددة، ولا يمكن فصل الهيئات السالفة الذكر، بل إنها تتدخل بعضها في أعمال البعض، ويراقب بعضها البعض، ومن أشهر القائلين بهذه النظرية الكاتب الفرنسي منتسكيو، ويَظهَر أن منشأها لديه خطؤه في فهم الدستور الإنجليزي. (المُعرِّب)
٦  لقد كانت الملكية في إنجلترا أكبر أسباب الاستقرار والهدوء فيها، وكان الملك هو أقوى رابطة تؤلف بين شعوب الإمبراطورية وتمنع أجزاءها من التفكك والانفصال. (المُعرِّب)
٧  الدساتير نوعان: دساتير مسطورة ودساتير غير مسطورة، فالدستور المسطور هو الذي وُضع في وقتٍ واحد، على يد لجنة أو جمعية وطنية انتخبها الشعب لهذا الغرض، ودُوِّنت موادُّه، ومعظم دساتير العالم، كالدستور المصري، من هذا النوع، أما الدستور الغير المسطور فهو الذي نما نموًّا تدريجيًّا من العادات والتقاليد التي كانت تدعو إليها الحاجة، ومن هذا النوع الدستور الإنجليزي. (المُعرِّب)
٨  وللمحاكم الأمريكية حق النظر في دستور القوانين. (المُعرِّب)
٩  هربرت اسبنسر (١٨٢٠–١٩٠٣): فيلسوف إنجليزي كتب في الفلسفة وعلم النفس والاجتماع، والأخلاق والسياسة والتربية العقلية والخُلُقية والبدنية. (المُعرِّب)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤