الفصل الثاني والعشرون

غادرنا فيلكس وحبيبته باكيتا يتحدثان عما يكون من أمر التمثال الذي صنعه فيلكس؛ ليعرض في معرض التماثيل والصور، وكانت باكيتا في ذلك النهار ملازمة فيلكس وأمه، ثم عادت إلى منزلها لتستقبل البرنس الروسي، أما فيلكس فإنه نام تلك الليلة وكان يحلم بالفوز، ولم يكن يطمع بالنجاح إلا لطمعه بازدياد حب باكيتا له، فقد كان كلما رآها تنبت في قلبه بذرة جديدة من بذور الحب.

وقد حلم في تلك الليلة أن تمثاله قد قُبل في المعرض، ثم نال الجائزة، ثم أحدق به الناس يهنئونه، ثم جاءه أمير من كبار الأغنياء، فبسط أمامه من الأوراق المالية ما يعادل ثروة، وقال له: هذا ثمن تمثالك إذا شئت بيعه، ثم أنعم عليه بوسام، ثم جاءت أمه، فوضعت يده بيد باكيتا وباركت لهما في الزواج.

وقد صحا عند ذلك من رقاده، فأقام هنيهة يفتكر في هذا الحُلم السار، ثم عاد إلى الرقاد، فعاوده الحلم نفسه، ولكنه اختلف في آخره، فقد وجد نفسه في إدارة المعرض، ووجد الناس محدقين به، ولكنه لم يجد الرجل صاحب المال.

ثم رأى أن الزحام قد اشتد، وحال الناس بينه وبين تمثاله، فجعل يخترق صفوفهم حتى تمكن بعد الجهد من الوصول إليه، وهناك صاح صيحة هائلة؛ ذلك أنه رأى رجلًا انهال على تمثاله بمطرقة من حديد فحطمه تحطيمًا، والناس سكوت من حوله، كأن على رءوسهم الطير … أما هذا الرجل فقد كان صاحب الكلب الأسود الذي كان يعاوده منذ كان في المهد صبيًّا.

وعند ذلك أرعدت السماء، فصحا من رقاده لهزيم الرعد، وأومض البرق، فرأى على وميضه تمثاله الذي رآه في الحلم محطمًا، وأقام بقية ليلته ساهرًا لا يستطيع الرقاد، بل لا يريده حذرًا من أن يعاوده هذا الحلم الرهيب، فيرى تحطم تمثاله الذي كان يشتغل فيه منذ عام.

وعند الصباح دخل عليه شارنسون فقال له: ماذا أصابك في هذه الليلة؟ فقد كانت أمك تسمع صوتك كل الليل.

قال: لقد رأيت الكلب الأسود في حلمي.

ثم قص عليه حُلمه. فقال له شارنسون: لقد أصبحت الآن على رأي باكيتا، ولم أعد أخاف صاحب الكلب الأسود، فإنك تماديت في الخوف منه حتى بت تراه في أحلامك.

وفيما هما يتحدثان؛ سمعا صوت مركبة وقفت عند الباب، فأطل شارنسون من النافذة، ورأى رجلين تدل مركبتهما وملابسهما على أنهما من كبار الأغنياء.

وقد خرجا من المركبة وطرقا الباب، ففتح لهما الخادم أنطون، وسألاه إذا كان المسيو فيلكس في المنزل، فهرع فيلكس إلى استقبالهما، وبادره واحد منهما بقوله: إن اسمي يا سيدي يحن إلى سماعه أصحاب الفنون الجميلة، فإني أدعى البرنس ماروبولوف، وقد أتيت أستأذنك بمشاهدة تماثيلك.

فانحنى فيلكس بملء الاحترام، ومشى أمام الرجلين إلى المعمل.

ودخل فيلكس المعمل، وتبعه البرنس ورفيقه وفي أثرهم شارنسون، فوقف البرنس على عتبة باب المعمل وقفة المندهش المأخوذ؛ إذ رأى ذلك التمثال الذي عزم فيلكس على عرضه في المعرض، ثم التفت إلى صديقه المركيز، وقال له بصوت سمعه فيلكس: إنهم لم يخدعوني، وإن الرجل يستحق أن يكون من أهل الشهرة.

فخفق قلب فيلكس سرورًا. ودنا البرنس منه فقال له: لا شك أنك كثير الانشغال، وأخاف أن نكون قد أزعجناك بهذه الزيارة؟

قال: كلَّا يا سيدي! فأهلًا بك.

قال: إني أبني قصرًا في الشانزليزه، وأود أن أزينه بالنقوش، وأن يتولى رسمها الأكفاء مثلك، فإني أراك من أساطين هذه الصناعة.

فانحنى فيلكس وقد احمر وجهه لهذا الثناء.

فقال له البرنس وقد أشار إلى التمثال: أليس هذا التمثال من صنعك؟!

أجاب: نعم يا سيدي، وإني أشتغل به منذ عام.

قال: أليس في نيتك أن تعرضه؟

أجاب: نعم، وسأرسله غدًا إلى المعرض.

– أبشرك بأنهم سينعمون عليك بوسام، والآن فاعلم أني رجل حُر الضمير، لا أحب المؤاربة وإني أحدثك بملء الصراحة، فإني من المولعين بالفنون الجميلة، وقد اتصل بي أمر تمثالك، فأتيت خصيصًا مع صديقي المركيز كي أشتريه منك قبل عرضه. قال: ولكني يا سيدي …

قال: وكنت أستطيع أن أصبر، فأشتريه بعد العرض، ولكني أريد أن يعلم الجميع أنه لي حين عرضه، ورجائي أن تعذرني، فإني من عُشَّاق الفن الذين يُقال عنهم أنهم أصغر عقولًا من الأطفال، وأشد جزعًا من النساء، فلا أستطيع أن أصبر فأشتريه عند العرض.

فطاش عقل فيلكس، ولم يَدْرِ ما يجيب، ومضى البرنس في حديثه فقال: أما الثمن فعليك أن تعيِّنه، وأرجو أن تعلم أني لا أحب المساومة في مثل هذه الصفقات.

وكان شارنسون واقفًا وراء فيلكس فهمس في أذنه قائلًا: اطلب غاليًا … ثلاثة آلاف فرنك … وقد سمع البرنس هذه الكلمات فابتسم، وخشي أن يعمل فيلكس بنصح صاحبه ويطلب هذا الثمن، فقال له: تقول إنك اشتغلت عامًا بهذا التمثال، أليس كذلك؟

أجاب: هو ذاك يا سيدي. قال: إذن أيرضيك أن تبيعني إياه بخمسة وعشرين ألف فرنك؟

فاصفر وجهه بعد الاحمرار، وحسب أنه حالم فلم يجِب، ولم يَقْوَ شارنسون على الوقوف، فجلس على كرسي، وقرص يده كي يتحقق أنه في يقظة.

أما البرنس والمركيز فإنهما ابتسما مما رأياه، وأخذ البرنس محفظته فأخرج منها ورقة وقال: إني سأعطيك حوَالة لأمر حاملها بقيمة خمسة وعشرين ألف فرنك على مصرف «هوتنجر وشركائه».

وقد حاول أن يكتب الحوالة ولكن فيلكس كان قد ثاب من ذهوله فقال له: لا تفعل يا سيدي فإن هذا محال.

فذهل البرنس وقال له: كيف تقول إنه محال؟

قال: دون شك، فإني لا أستطيع أن أقبض ثمن التمثال إلا حين تسليمه، ولا سبيل إلى تسليمك إياه الآن.

وكانت باكيتا قد روت للبرنس أمورًا كثيرة عن أنفة فيلكس، فتوقع منه هذا الرفض وقال له: أرجو أن تعذرني، فإني لا أرى رأيك.

قال: ولكن … يا سيدي …

– إني ما أتيت إلى هنا إلا لأني واثق من امتلاك هذا التمثال الذي ستكثر المزاحمة عليه في قاعة المعرض.

وأنا بعتُك إياه، ويجب أن تكتفي بكلامي.

– إني لا أشك في كلامك، وقد وثقت كل الثقة، فاسمح لي أن أعطيك عربونًا. ثم أخذ أوراقًا مالية بقيمة خمسة آلاف فرنك فدفعها إليه، ثم قال له: سأمر بك بعد يومين، أتفق معك على النقوش التي سترسمها في منزلي الجديد، فإني مدعو الآن إلى الطعام مع صديقي المركيز، وقد ودعاه وانصرفا. فوقف فيلكس حائرًا منذهلًا يقول: إني لا أصدق ما كان، وأظنني حالمًا، فقال له شارنسون: وأنا مثلك فإن مثل هذه السعادة يندر أن تحدث لأمثالنا في اليقظة … وعند ذلك فتح باب المحترف ودخل منه رجل فقال: لقد بَلَغْتَ أوج السعادة يا فيلكس، فقد بات الأمراء يزورونك.

وقد قال هذا القول، وبرقت عيناه ببارق من الحسد، واصفرت شفتاه، مما يدل على أن الحسد قد بلغ منه أقصى حدوده، غير أن فيلكس لم ينتبه إلى شيء من ذلك، فقد شغله هذا الهناء الذي هو فيه عن كل ما عداه في الوجود.

وكان هذا الرجل الذي دخل في مقتبل الشباب لا يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، طويل القامة نحيف الجسم، تدل نظراته على الرياء وابتسامه على الكذب والمخادعة.

وكان يُدعى «أنتنور»، وهو مصوِّر، غير أنه لم يكن من أهل الحذق في صناعته، فكان أكثر عملائه من طبقة الفقراء لرخص أثمان صوره؛ إذ كان يرسم الصورة كلها بعشرين فرنك أو بعشرة فرنكات.

وكان من أظهر عيوبه الحسد، فلا يسوءه أمر مثل هناء سواه، حتى إنه كان يؤثر الخسارة على أن يرى سواه من الرابحين، ثم إن داء الحسد كاد يكون مرضًا مستحكمًا فيه، فإن حسده لم يكن قاصرًا على الذين يعرفهم، بل كان يتناول جميع الناس على السواء، مثال ذلك أنه إذا كان جالسًا في نافذة غرفته، ومرَّ به رجل في مركبة فخمة، أو مر به إنسان عليه ظواهر النعمة غضب وأرغى وأزبد، وجعل يشكو حظه العاثر، ويهدد السماء بقبضتيه، فما رأى نعمة على إنسان إلا وتمنى زوالها، وما سره غير شقاء الناس.

ومع ذلك فقد كان رزقه ميسورًا لا سبيل إلى الشكوى منه، ولكنه فُطر على الحسد الذميم، فكان يشتغل نصف يومه بالارتزاق، وينفق بقية يومه مشتغلًا في قطع رزق سواه.

وكان يقيم في منزل مجاور لمنزل فيلكس، وسطح منزله يشرف على مسكن جاره، بحيث إذا صعد إلى السطح يرى كل ما يجري فيه.

ثم إنه علم بأن جاره يلقب «بالسيئ البخت» ومن كان له هذا اللقب لا يكون من أهل السعادة، فاتصل به بسبب الجوار، وبات من أصدقائه، وإنما فعل ذلك كي يلزمه، ويطلع على أخباره السيئة كي يمتع نفسه بشقائه؛ إذ لم يكن يلذ له غير شقاء الناس.

غير أن هناءه بشقاء جاره لم يكن دائمًا، فقد كان ينغصه زيارة باكيتا الحسناء لفيلكس من وقت لآخر، فتثور فيه عوامل الحسد، فيحقد عليه ويهيج غضبه لا سيما حين يرى أنها تهواه، وأنه سعيد في حبها، فكان يزور فيلكس في أكثر الأحيان فيستقبله خير استقبال، وأنَّى له أن يعلم ما يجول في قلبه من الحسد، فكان يراه يصوِّر ذلك التمثال البديع، ويرى في كل يوم منه ما يدل على بلوغه أبعد حدود الإتقان في الصناعة، فَيُحَمَّ من حسده، ويود لو خسر عامًا من عمره وتمكن من تحطيم ذلك التمثال؛ إذ أيقن أنه سيكون له شأن، وأن جاره سيبيت من النابغين، ويذكر اسمه في عداد المشاهير.

وقد كان اتفق قبل يوم أنه رأى من نافذة غرفته باكيتا وفيلكس يتنزهان في الحديقة، فكاد يجن من حسده، وبات من غيظه بليلة الملسوع، ثم رأى في اليوم التالي أن أميرًا روسيًّا ومركيزًا فرنسيًّا يزوران هذا الجار السعيد، فكان ذلك غاية الغايات، وكاد يسقط مغشيًّا عليه من القهر؛ لأنه كان يعرف هذين الوجهين بالنظر.

وقد صبر إلى أن خرجا من عنده، فدخل إثر خروجهما على فيلكس وهو لا يزال متأثرًا من فوزه، فجعل ينظر إليه وإلى شارنسون وإلى الأوراق المالية التي كانت لا تزال على المائدة، وهو يكاد يذوب من الحسد.

أما فيلكس فإنه أسرع إليه حين رآه، فصافحه وقال له بلهجة الصديق الودود الذي يريد أن يشارك صديقه بهنائه؛ قُل لي أيها الصديق: أأنا في حلم أم في يقظة؟

فقال له أنيتور: ماذا حدث أيها الصديق؟

قال: إن البرنس قد اشترى التمثال الذي صنعته.

قال: أحق ما تقول؟

أجاب: انظر! مشيرًا إلى الأوراق المالية.

فنظر إليها وقد اصفر وجهه، فقال: هذه خمسة آلاف فرنك.

قال: لقد أخطأت، فليست هذه القيمة سوى عربون البيع؛ أي دفعة على الحساب. قال: دفعة على الحساب؟!

أجاب: نعم، فإن أصل الثمن خمسة وعشرون ألف فرنك.

فضحك أنيتور ضحكًا هيستريًّا، وقد هاج به الحسد حتى إنه لم يعد يدري ما يصنع، فقال: الحق إنها ذكية الفؤاد تعرف كيف تفيد. فذهل فيلكس وقال له: من تعني؟

قال: هي.

قال: من هي؟!

أجاب: باكيتا، فتراجع فيلكس منذعرًا، وأخذ العرق البارد يتصبب من جبينه.

فقال أنيتور: عجبًا ألم تكن داريًا بهذا؟!

فانقضَّ فيلكس عليه، فقبض على عنقه، وقال له: تكلم أيها الشقي.

فتخلص أنيتور منه وقال: إن الأمر واضح كل الوضوح، فإن البرنس ماروبولوف يعشق باكيتا وهو دون شك الذي …

فصاح فيلكس صيحة المصعوق، وانطرح بين ذراعي شارنسون شبه مغمًى عليه، فسرِّي عن أنيتور، وطابت نفسه بهذا المشهد الأليم.

غير أن فيلكس لم يلبث أن ثاب إلى رشده، فمشى إلى أنيتور مشية المتوعد، ووضع يده على كتفه فقال له: أوضح ما قلته.

– ولكن ماذا تريد أن أقول لك بعد؟

فقال شارنسون لصديقه: إني أنصحك أيها الصديق أن تقبض على هذا الرجل من كتفيه، وتدفعه إلى خارج الباب.

قال: كلَّا، بل أريد أن أقف منه على الحقيقة.

فقال أنيتور: أية حقيقة تعني؟

قال: حقيقة ما قلته أيها الشقي.

– ما الذي قلته؟

– قلت إنَّ البرنس …

– نعم، قلت إنَّ البرنس عشق باكيتا. فشعر فيلكس أن رجليه قد وهنتا، وقال له: لقد كذبت أيها الشقي!

قال: وإذا برهنت لك على أني قلت الحق؟

أجاب: لا بد لك من أن تبرهن البرهان الساطع الذي لا ريب فيه إذا أردت أن تبقى في عداد الأحياء. وقد اصفر وجهه من الغضب، وتوهجت عيناه، وارتجفت شفتاه، فقال له: نعم إنك كاذب أيها الشقي، وسأسحقك كما أسحق الزجاج، فعلم أنيتور أنه قد تورط؛ لأنه لم يقل ما قاله إلا عَرَضًا، وقد قرأ سوَرْة القضاء عليه في عيني فيلكس، ولكنه تجلد وقال له: إن مثل هذه الأمور لا يكون برهانها حاضرًا عند الطلب، فلا بد لك من إمهالي، ولكني سآتيك بالبرهان.

وقد مشى إلى الباب يحاول الانصراف، فاندفع شارنسون في أثره، ولكن فيلكس رده عنه وقال له: دعه يذهب إلى حيث يشاء، فإني أعرف كيف أجده.

فسار أنيتور حتى إذا خرج من الباب اطمأن على نفسه، وعادت إليه قحته فقال: تبًّا لهما من أبلهين!

أما فيلكس فإنه ألقى نفسه بين ذراعي صديقه، وجعل يشهق بالبكاء، ويروي بدموعه ثيابه وثياب شارنسون.

•••

وأما أنيتور فإنه اطمأن كل الاطمئنان، حين صار في الشارع، وأخذ يتمعن في أمره ويقول في نفسه؛ لا أنكر أني سررت سرورًا عظيمًا بشقاء هذا الجار العزيز، ولكني أخاف أن يكلفني هذا السرور ثمنًا غاليًا، ولا بد لي من التأهب لما قد يحدث، فقد يكون لي شأن جلل مع هذا العاشق الغيور. ثم صعد إلى منزله وهو يقول: إن فيلكس لا يعرفه أحد وهو لا يعرف أحدًا، فمن أرشد البرنس الروسي إليه إلا باكيتا؟ وكيف ينقد البرنس خمسة وعشرين ألف فرنك مثل هذا الأبله إلا إذا دفعه العشق إلى مثل هذا الكرم. إني ليس لي بلاهة هذين الرجلين، ولا توجد ممثلة في الوجود تحملها الفضيلة على طرد مثل هذا الأمير الذي يعدونه أعظم غني في هذه البلاد؛ إذن لا بد أن يكون عشيقها بلا أدنى شك، وأظن أني خُلفت لأكون من كبار رجال السياسة، ولو أني لا أعرف شيئًا مثلهم، ولكن لي ما لهم من قوة الاستنتاج. وقد ذكر وهو يناجي نفسه بهذه الأقوال أنه رأى مركبة البرنس سارت في طريق غابات بولونيا، فقال في نفسه: لا شك أنَّ هذا البرنس يريد أن يتناول طعام الغداء في سانت كلو أو في فندق مدريد فلأتبعنه لأرى ما يكون.

وقد تردى بوشاح يقيه من البرد، وخرج من المنزل، فسارَ أيضًا في طريق الغابات، وكانت المركبات يندر مرورها في مثل هذه الساعة في طريق الغابات، بحيث سهل عليه أن يصف مركبة البرنس لأصحاب الحوانيت، فعرفوها ودلُّوه كيف سارت.

وقد علم أن المركبة سارت إلى سانت كلو فسار إليها، فوجد البرنس وصديقه المركيز جالسين في ردهة الفندق المشرفة على الطريق يشربان كأسين من الفرموت قبل دخولهما قاعة الطعام … فصعد إلى الردهة، وجلس عند منضدة بجانبهما، وطلب أيضًا كأسًا من الشراب، فجعل يشرب ويصغي إلى الحديث.

وقد سمع المركيز يقول للبرنس: مسكين هذا الفتى، فقد حسب أن أبواب السماء فُتحت له.

وكان يعني بهذا القول فيلكس. فابتسم البرنس ابتسامة حزن، وأجابه قائلًا: نعم، غير أني حين أخبر باكيتا بما صنعتُ معه تكون أسعد حالًا وأتم سرورًا منه، فارتعش أنيتور، ثم سمع المركيز يقول لصديقه: متى عزمتَ على أن نراها؟

قال: سأذهب إليها في هذا المساء.

– في أية ساعة؟

– بين التاسعة والعاشرة.

فاكتفى أنيتور بما سمعه، ونادى الخادم، فنقده ثمن الشراب، ثم انصرف وقد عرف كل ما أراد أن يعرفه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤