مينارفا بلا مساء
«من يسأل يدفعك إلى خصام أصيل مع ذاتك، مع من صرت دون أن تعلم. ليس ثمة كاتب يعرف سلفًا من سيكون. هو فقط يقود علاقة متوترة بين الأرض والسماء في قلبه: بين أرض الكينونة وسماء اللغة. من سيكون هو أحد اختراعات الكتابة. لكنه لن يكون من دون خصام أصلي يقبع داخل اللغة التي يتكلمها.»
إن الأسئلة تعيد الفكر إلى فراغه الخاص، ولا معنى لفكر لا يرعى فراغه الخاص؛ أي حاجته المتوارية إلى الأسئلة. ولذا فإن «فتحي المسكيني» يتهيأ في كتابه هذا إلى ملاقاة أسئلة اللغة من قبيل: هل قلنا فعلًا ما نريد؟ أم أنَّ بيوت المعنى قد سكنها غيرنا من قبل ومن بعد وأنَّ ما ندَّعيه لا يرانا؟ نادرًا ما نكون قد قلنا ما قالته اللغة بنا؛ فهناك مساحة فارغة بين ما يقصده الكاتب وما تعنيه اللغة التي يكتب بها، حيث تولد الأسئلة الأصيلة في أفقها الخاص، وليس في اتهامات المتخرِّصين على براءة الكاتب. ولذا فإن من يسأل فعلًا لا يسأل أحدًا، بل يفتح الأفق كي تبزغ إمكانية مخنوقة باللغة. ولذا فالأسئلة وحدها هي التي تقبض على الفراغ الداخلي لما يُقال وتساعد كاتبًا على العودة. لأن كل كتابة هي قبول بتحدي الكينونة: أن نغيّر ماهية أنفسنا، ولكن دون حداد على أي هوية.