الفصل الثامن عشر

أهم الاكتشافات الأَثرية العَرَضية

قالت ماري ليكي — وهي عالِمة آثار وزوجة عالِم آثار وأم عالِم آثار — ذات مرة: «إنك في مجال الآثار لا تجد تقريبًا ما تسعى في البحث عنه.» في واقع الأمر، إن العديد من الاكتشافات الأثرية الشهيرة قام بها أشخاص لم تكن لديهم أية نية لاكتشاف أشياء ذات أهمية تاريخية؛ أي اكتشفوها على نحو سرنديبي. لقد زوَّدتنا تلك الاكتشافات بمعلومات كثيرة عن الحضارات القديمة مثل الإمبراطورية الرومانية (في هركولانيوم وبومبي)، والإمبراطورية الصينية الأولى (بالقرب من شيان في وسط الصين)، وثقافات عصور ما قبل التاريخ المتمثلة في رسومات الكهوف في لاسكو وأورينياك في فرنسا، وسفن العصر البرونزي التي عُثِر عليها في قاع البحر المتوسط، والإنسان القديم المنتمي إلى فترات ما قبل التاريخ مثل إنسان تولوند الذي عُثِر عليه في الدنمارك، وإنسان نياندرتال الذي عُثِر عليه في ألمانيا، والتاريخ والتوثيق الديني مثل مخطوطات البحر الميت.

(١) عمليات حفرٍ تقود إلى نتائج غير متوقَّعة

هركولانيوم وبومبي: في عام ٧٩ ميلاديًّا ثار بركان فيزوف؛ مما أدَّى إلى دفن مدينتَيْ هركولانيوم وبومبي وطمس معالمهما. وقد سقطت الحمم البركانية والرماد البركاني بسرعة كبيرة وبكميات هائلة لدرجة أنها دفنت على الفور سكانَ هاتين المدينتين المتجاورتين ومبانيهما.

في عام ١٧٠٩، أثناء حفر بئر في مزرعة أُقيمت فوق مدينة هركولانيوم، أخرج أحد الفلاحين أجزاءً من الرخام لأعمال نحتية، وعندما علم أمير إيطالي بهذا الأمر، اشترى الأرضَ وأحضر عمَّالًا لتوسيع الحفر الرأسي ثم الحفر أفقيًّا. ووجد هؤلاء العديدَ من الأعمال النحتية السليمة لسيدات؛ إذ يبدو أن الحفر الرأسي هنا قد تغلغل في مسرح هركولانيوم. وانتشرت أخبار المدن المدفونة، واستأجر الملك الإيطالي تشارلز الثالث مهندسًا إسبانيًّا للتنقيب ونقل كل أثر يمكن نقله إلى متحفه الخاص. وفي أثناء الحروب النابليونية في أوائل القرن التاسع عشر، كانت عمليات التنقيب العشوائية التي قامت بها الحكومةُ الفرنسية سيئةً مثلها في ذلك مثل العمليات التي قامت بها الحكومةُ الإيطالية قبلها؛ فقد أُخِذت الرسومات الجدارية المائية الجصية والتماثيل من المعابد وتُرِكت المباني المكشوفة عرضةً لعوامل التعرية.

عندما اعتلى الملك فيكتور إيمانويل الثاني عرش إيطاليا في عام ١٨٦٠، تملَّكته رغبة عارمة في التعرُّف على تاريخ الإمبراطورية الرومانية العظيمة، فشجَّعَ على القيام بعمليات تنقيبٍ منظمة في مدينة بومبي تحت إشراف جوزيبي فيوريللي الذي كان أستاذًا يعرف تاريخَ مدينة بومبي القديمة. ابتكر فيوريللي طريقةً جديدة لإنتاج قوالب جصية لضحايا البشر الذين غطَّتِ الحممُ البركانية أجسامَهم، والذين تحللت أجسامهم عبر القرون تاركةً تجاويف فارغة. وبعد ملء التجاويف بالجص وتركه حتى يتصلَّب، بدأ عمَّال التنقيب يُزِيلون بعناية «قوالبَ» الرماد وحجر الخَفَّاف، تاركين أشكال الضحايا بالحجم الطبيعي في الأوضاع التي كانوا عليها عند موتهم.

تم الآن استخراج وإخلاء ثلاثة أرباع منطقة بومبي، بما في ذلك مسرحان وسوق، وما زال باقي المدينة مدفونًا تحت منازل المدينة الإيطالية الحالية وحدائقها. وما زال البركان القريب يخرج منه دخان من آنٍ لآخَر؛ حيث كانت آخِر ثورة كبيرة له في عام ١٩٤٤.

مقبرة تشين: في عام ١٩٧٤، اكتشف أشخاص كانوا يحفرون آبارًا في جمهورية الصين الشعبية حضارة قديمة أخرى. فقد عثر الفلاحون على أجزاءٍ من تماثيل لجنود تيراكوتا بالحجم الطبيعي بالقرب من مقبرة تشين شي هوانج، الذي أعلن نفسه في عام ٢٢١ قبل الميلاد أولَ إمبراطور على الصين الموحَّدَة. وبناءً على أوامره، تم بناء سور الصين العظيم لحماية الحدود الشمالية لإمبراطوريته من هجمات المغول.

كشف المزيد من عمليات التنقيب في موقع البئر عن سلسلة من الحفر الموجودة تحت الأرض، والتي تُعَدُّ واحدة من أعجب الاكتشافات الأَثرية. تضم الحفرة الأولى — وهي منطقة مساحتها أربعة أفدنة تقريبًا — تماثيلَ لستة آلاف جندي من جنود التيراكوتا بالحجم الطبيعي، وست عربات تجرُّها أربعة خيول في ١١ صفًّا. وبعد عامين، اكتُشِفت حفرة ثانية على مساحة ٢٫٥ فدان، وكانت تحتوي على ١٤٠٠ تمثال لخيول وأشخاص. وفي الوقت نفسه تقريبًا، اكتُشِفت حفرة ثالثة صغرى وكانت تحتوي على ٧٣ تمثالًا للجنود التي كانت تحرس القادة الذين كانوا يقودون العربات الحربية. وفيما يبدو، فإن تماثيل الجنود الفخارية لم تُنتَج عن طريق خط تجميع؛ فكلٌّ منها كان له وجه مختلف؛ مما يُوحِي بأن أصحابها أشخاص حقيقيون. كما تعكس الملامح الجسدية المختلفة للجنود الذين كانوا يمثِّلون الجنسيات المختلفة الموجودة في شتى أرجاء الإمبراطورية؛ عدد الجنود الهائل الذين شكَّلوا جيش الإمبراطور الأول. كما قدَّمتْ ملابس الجنود وأسلحتهم معلومات أكثر عن الحرب في تلك العصور.

شُيِّد متحف مغطًى فوق الحفرة الكبرى، ينظر فيه الزائرون عبر الحواجز إلى الجنود الذين يرجع تاريخهم إلى ما قبل ٢٢٠٠ عام وهم مصطفُّون في عرض عسكري في أرضية الحفرة التي توجد تحت سطح الأرض بمقدار ٢٠ قدمًا. وقد تعرَّضَ العديد من الجنود والخيول للتدمير عندما سقط عليهم السقف في وقتٍ ما منذ أن تم نشر الجنود والخيول لأول مرة، لكن عملية الإصلاح والترميم مستمرة حتى اليوم.

طفل تونج: في عام ١٩٢٤، بينما كان بعض العمال ينقِّبون عن الجير في كهف تونج بالقرب من جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، رأى أحدهم ضمن الصخور الجيرية شيئًا يشبه قالب مُخٍّ صغير، فأخذه إلى هيئة التعدين التي أرسلت بدورها رسالة إلى البروفسير رايموند دارت، رئيس قسم التشريح في جامعة فيتفاترزراند. وسرعان ما أعلن دارت في مجلة «نيتشر» البريطانية عن اكتشاف أول جمجمة شبه كاملة لطفل، تلك التي أَخرجَها من المصفوفة الجيرية في كهف تونج. وكان هذا الطفل يمثِّل أكبر جدٍّ للإنسان كان معروفًا في ذلك الوقت؛ إذ كان عمره أكثر من مليون عام. (عُرِضَتْ صورة من الهولوجرام المدهِش لجمجمة طفل التونج في غلاف عدد نوفمبر لعام ١٩٨٥ من مجلة «ناشونال جيوجرافيك».)

ربما ظنَّ البعض أنه كان من الخطأ أن يُعهَد بمهمة التنقيب عن جمجمة طفل التونج لشخصٍ مثل دارت؛ فعلى كل حال، كان لا يزال شابًّا (٣١ عامًا) وقليل الخبرة ويميل قليلًا إلى تصديق البِدع العلمية. لكن كما اتضح فيما بعدُ، كان هو الرجل المناسب تمامًا الذي يستطيع أن يحوِّل اكتشافًا عَرَضيًّا إلى اكتشاف علمي كبير؛ فقد كان لديه من الذكاء والبصيرة ما مكَّنَه من إدراك أن هذا الطفل القديم المراهق هو ما يسمِّيه البعضُ «الحلقةَ المفقودة» بين الأسلاف البشريين وغير البشريين. ومن خلال زاوية حَمْل الرأس، كما استنتج من شكل الجمجمة في قاعدة القِحْف، ادَّعَى دارت أن طفل التونج كان يمشي منتصِب القامة. أثارت تلك الأفكار وغيرها من أفكاره موجةً من الجدل؛ حتى فيما يخص الحقيقة المتعلِّقة باكتشاف تلك الحفرية القديمة في أفريقيا، والتي لا يُعتقَد أنها المكان الذي عاش فيه أقدم أسلاف الإنسان. لكنَّ الأعمال اللاحقة التي قامت بها مجموعة متميزة من علماء الآثار (آل ليكي ودونالد يوهانسن وغيرهم) أكَّدت معظم مزاعم دارت.

إنسان نياندرتال: في عام ١٨٥٧، عثر عامل مَحْجَر — بينما كان يحفر في كهفٍ بالقرب من نياندرتال بألمانيا — على «إنسان» مثير للجدل. وفي واقع الأمر، كانت حفرية «إنسان نياندرتال» تتكون من مجموعة من العظام البُنية، بما فيها جمجمة. وفي تلك الأثناء، نشر داروين كتابه «أصل الأنواع» (١٨٥٩) وادَّعَى توماس هاكسلي أن التطوُّرَ بالانتخاب الطبيعي يوفِّر إطارًا نظريًّا لتاريخ الإنسان القديم. رفض بعض العلماء أن تكون جمجمة إنسان نياندرتال جمجمةَ قرد، لكن أشار هاكسلي إلى أنَّ لها خصائصَ شبيهة بجمجمة القرود، وأنها تُعَدُّ حلقةَ الوصل بين البشر والقرود. وقد تأكَّدت وجهة النظر القائلة بأن جمجمة نياندرتال خاصة بإنسان بدائي مع اكتشاف هياكل عظمية مشابهة في كهف في سباي ببلجيكا في عام ١٨٨٦، إلى جانب أجزاء من أدوات حَجرية وعظام حيواناتٍ لأنواع منقرضة كانت تعيش في المنطقة المجاورة للقطب الشمالي. ومن الثابت علميًّا الآن أن عمر إنسان نياندرتال يزيد عن ١٠٠ ألف عام.
إنسان تولوند: في عام ١٩٥٠ في قرية تولوند الدنماركية، اكتشف شخصان كانَا يستخرجان الخث من أحد المستنقعات؛ جثةَ رجلٍ على قدر كبير من التماسك، كان يرتدي فقط قبعة وحزامًا من الجلد، وبدا على وجهه تعبير صافٍ على الرغم من وجود حبل جلدي ملفوف بإحكام حول رقبته. استنتج علماء الآثار أن هذا الرجل، الذي أُطلِق عليه «إنسان تولوند» قُتِل، ربما لتقديمه كنوعٍ من القربان الديني. وحلَّلَ علماء الآثار والتشريح والنبات كلَّ شيء فيه، بدءًا من القبعة وحتى آخِر وجبةٍ تناوَلَها. وظلت جثة هذا الرجل محتفظة بتماسُكها في الخث على نحوٍ جيد جدًّا، لدرجة أن شعر رأسه كان في حالة جيدة، وكانت لديه آثار لحية خفيفة لا يزال من الممكن رؤيتها. (تحتوي مستنقعات الخث على حمض التانيك، الذي يعمل كمادة حافظة، ويغطي الخث الأشياء بحيث يمنع وصول الأكسجين إليها الذي يمكن أن يتسبَّب في تحلُّلها.) وكان هذا الرجل حين قُتِل في الثلاثين من عمره تقريبًا، وذلك منذ حوالي ٢٢٠٠ عام.
إنسان ليندو: في أغسطس ١٩٨٤، كان أحد قاطعي الخث الذي كان يعمل بالقرب من المطار في مانشستر بإنجلترا، على وشك إلقاء كومة من الخث في آلة قطع، لكنَّ بعضًا من الأشنات الموجودة في الكومة وقع بعيدًا عن الخث، وبرزت منها قدمٌ بشرية. واستخرج علماءُ الآثار الذين تم استدعاؤهم إلى الموقع واحدًا من أكثر الأجسام البشرية القديمة التي تم العثور عليها احتفاظًا بحالتها.

أظهرت الدراسات أن هذا الرجل، الذي أصبح يُطلَق عليه «إنسان ليندو»، كان من السلتيين، وينتمي إلى الطبقة الحاكمة المعروفة بالدرويدين. ويبدو أن هذا الرجل، شأنه شأن «إنسان تولوند»، قد تم تقديمه كقربان في احتفال ديني، وقد اختير بالقرعة وذلك منذ ٢٢٠٠ عام. وكان يرتسم على وجهه تعبير صافٍ مما يدل على أنه سيق إلى الموت برغبته، وذلك في عملية قتل بَشِعة تم فيها إغراقه وقطع عنقه وتحطيم قصبته الهوائية بسير جلدي وضرب رأسه بهراوة.

كشف التحليل الكيميائي لمحتويات معدته وأمعائه عن وجود قطعة كعك محروقة تمامًا ومهضومة هضمًا جزئيًّا. واستنتجت الدكتورة آن روس، وهي عالِمة آثار متخصِّصة في التاريخ السلتي، أن تلك القطعة المحروقة من الكعك هي «ورقة اليانصيب» الخاسِرة التي ساقَتْ إنسان ليندو إلى مصيره كقربان لآلهة الدرويدين. واقترحت روس أن تلك القطعة هي جزءٌ من كعكة رفيعة ومستوية من الشعير المطحون، كانت تُستخدَم في احتفالات الدرويدين، وكان يُترَك جزءٌ منها حتى يحترق، ثم يقوم الكهنة بتقطيع الكعكة إلى أجزاء ووضعها في حقيبة جلدية، وتمرير الحقيبة على الحشد الموجود من البشر. وكان على كل شخص أن يأخذ قطعة، والشخص الذي يأخذ القطعة المحروقة كان يُقدَّم كقربان للآلهة.

يرى علماء الآثار أن اكتشاف هذا الرجل السلتي في إنجلترا له أهمية كبيرة فيما يتعلَّق بالتاريخ القديم لأوروبا؛ فهم يعتقدون أن السلتيين ربما قد سيطروا على مناطق عديدة من أوروبا أكثر مما نعتقد، وأنهم — وليس الألمان — مَنْ حكموا إسكندنافيا في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد.

القرص الأزتيكي بمدينة مكسيكو سيتي: في عام ١٩٧٨، كان عمَّال تابعون لإحدى شركات المرافق العامة في مكسيكو سيتي يحفرون خندقًا لتركيب كبل كهرباء عندما عثروا مصادفةً على قرص حجري كبير. تعرَّفوا على الأشكال المنحوتة عليه التي قالوا إنها صور لأجزاءٍ مبتورة من جسم إلهة القمر عند الأزتيك، والتي — طبقًا للأسطورة — قُتِلت على يد أخيها، إله الحرب عند الأزتيك. ولم يُلتفَت إلى كبل الكهرباء عندما انتقل علماء الآثار للتنقيب في المكان. وظلت مدينة الأزتيك مدفونةً تحت مكسيكو سيتي لمدة أربعة قرون، والآن تم العثور على أطلال معبد ويتسيلوبوتشتلي الذي يحتوي على أكثر من مائة عنصر من المعدَّات والأدوات التي كانت تُقدَّم كقرابين للآلهة، بما في ذلك السكاكين والهدايا المقدَّمة للآلهة، وفي إحدى الحفر المبطنة جدرانها بالحجر، وُجِدت ٣٤ جمجمة لأطفال من سن ثلاثة أشهر حتى ثمانية أعوام، قُدِّموا كقرابين لإله المطر تلالوك.
بقايا حيوانات الماموث في بلاك هيلز: في عام ١٩٧٤، أثناء أعمال الحفر في مشروع تطوير عمراني جديد على أطراف هوت سبرينجز، وهي منطقة قريبة من سلسلة جبال بلاك هيلز في ساوث داكوتا؛ اكتشف مُشغِّل إحدى الجرَّافات ويُدعَى جورج هانسن مجموعةً من العظام مدفونة على بُعد ٢٠ قدمًا تقريبًا تحت سطح الأرض. وذكر ابن هانسن ما اكتشفه أبوه لأستاذه السابق لاري أجينبرود، الذي ذكر أن تلك العظام خاصة بحيوانات ماموث كولومبية، وقد أُوقِع بها في مجرًى مائي منذ ٢٦ ألف عام. وقد أُقيم الآن مبنًى فوق الموقع بحيث يمكن للزائرين رؤية العظام المتحجرة في الأماكن التي ماتت فيها تلك الحيوانات الضخمة التي كانت تعيش في فترات ما قبل التاريخ. وما زال التنقيب مستمرًّا في الموقع بمعدل شهر واحد كل عام.
fig31
شكل ١٨-١: أنياب حيوانات ماسْتُودُون أثناء عملية حفر في موقع بناء في أوستن بتكساس.
حيوانات الماسْتُودُون في أوستن: في يناير ١٩٨٥، بينما كان يتم الحفر لإقامة مبنًى إداري مكوَّن من ٢٢ طابِقًا في أوستن بتكساس، عثر مُشغِّل جرَّافة على ناب فيل عاجي في حالة متماسكة جدًّا. وحدَّدَ ألتون بريجز، عالِم الآثار الذي عيَّنَه المقاول في موقع البناء أثناء عملية الحفر (وهو إجراء شائع لأنه كثيرًا ما تحدث اكتشافات أَثرية أثناء عمليات الحفر) أن هذا الناب خاص بأحد حيوانات الماسْتُودُون، وهو نوع من الحيوانات التي كانت توجد في فترات ما قبل التاريخ مثل الماموث، وهو من عائلة الفيلة. إن حفريات هذا الحيوان أندرُ من تلك الخاصة بحيوان الماموث؛ فقد تم العثور على بضعة مئات منه فقط، في حين عُثِر على أكثر من ٣ آلاف من حفريات الماموث. وتم العثور على أنياب لثلاثة حيوانات ماسْتُودُون، إلى جانب ضلع وجزء من عظمة فك في الجانب الأيسر العلوي به سِنَّان كبيرتان سليمتان وعظام فقرية وعظمة ساقٍ وعظمة قدم. وقد كانت إحدى السِّنَّين، التي كانت ضرسًا، محتفظة بحالتها جيدًا لدرجة أنها كانت تلمع بعد أن تم غسلها.

قال إرنست لندايليس، عالِم الحفريات بجامعة تكساس، الذي عمل مع بريجز بعد اكتشاف العظام؛ إن هذا الكشف كان غير عادي، وأضاف: «ليس من الشائع العثورُ على كل تلك الأجزاء من حيوانٍ في وضعٍ كهذا حيث يمكنك أن تنظر إلى مكان وجودها. وعادةً ما يتم استخراج عظام حيوانات الماسْتُودُون من قيعان خلجان، إذ ربما يكون انتهى بها المطاف إلى هناك بعد أن جرفها التيار.» ويُعتقَد أن هذا الموقع كان قاعًا لبركة بطول السهل الفيضي القديم لنهر كولورادو الذي يتدفَّق عبر أوستن. وحدَّدت تقنية التأريخ بالكربون المشع، التي أُجريت للطبقات الموجودة فوق المكان الذي عُثِر فيه على العظام وتحته، أن عمر العظام ١٥ ألف عام تقريبًا.

تمثال ملكة فرعونية في أخميم: في عام ١٩٨٢، بينما كنتُ في جولة تفقُّدية، شاهدتُ تمثالًا جميلًا لإحدى الزوجات المحبوبات للملك الفرعوني رمسيس الثاني (الذي حكم مصر من عام ١٣٠٤ إلى ١٢٣٧ قبل الميلاد) في أخميم، وهي مدينة مطلة على النيل في صعيد مصر. وكان العمال قد اكتشفوها لتوِّهم أثناء حفرهم لبناء مبنًى جديد. وكان التمثال مدفونًا في حطام معبد غير معروف منذ ٣٢ قرنًا، غير أن اللون الأحمر لشفتَي الملكة الفرعونية ولون ظلال عيونها الأزرق كانا لا يزالان مرئيين على الرخام الناعم.
fig32
شكل ١٨-٢: تمثال لملكة فرعونية عُثِر عليه أثناء الحفر لبناء مبنًى جديد في أخميم.

(٢) البحيرات التي جفَّتْ

قرية بيسكابين: في عام ١٩٣٣، لاحَظَ مُعلِّم كان في جولة خارجية مع فصله في بولندا؛ عددًا من القوائم الخشبية التي توجد بينها مسافاتٌ منتظمة بارزة من بحيرة، فزاد فضوله تجاهها. وقد أدَّتْ محاولاته لاستكشاف المكان إلى اكتشاف قرية بيسكابين التي بُنيَت على جزيرة في وسط البحيرة منذ أكثر من ٢٣٠٠ عام، وقد هجرها أهلُها نظرًا لتدني مستوى الزراعة هناك وتعرُّضها للغزوات العسكرية، وبدأت تختفي تدريجيًّا مع ارتفاع منسوب الماء في البحيرة. وعندما أدَّى تجريف الأنهار في المنطقة إلى انخفاض منسوب الماء في البحيرة في ثلاثينيات القرن العشرين، ظهرت الجزيرة والقرية القديمة المقامة عليها مرة ثانية.

أزالت عمليات الحفر التي بدأت في عام ١٩٣٤ اللِّثامَ عن قرية جيدة التخطيط، مساحتها حوالي ٦ أفدنة، محاطة بآبار وسدٍّ من جذوع الأشجار. وكانت ضمنَ بقايا القرية التي ظلت على حالها أسلحةٌ وأدوات وآنية فخارية. استطاع علماء الآثار إعادة بناء معظم القرية، بما في ذلك صف من المنازل التي تشترك كلُّها في سقف واحد. وهكذا، فقد أدَّتْ ملاحظةُ المُعلِّم الدقيقة لبقايا القرية البارزة من البحيرة إلى ظهورِ مركز دراساتٍ مهم لحضارة لا نعرف عنها الكثير.

جماجم تايتسفيل: في عام ١٩٨٥، أدَّى التجفيف العَمْدي لإحدى البرك في مدينة تايتسفيل في فلوريدا إلى بعض النتائج غير المتوقَّعة؛ ففي الخُث الموجود في قاع البركة، عُثِر على عدد كبير من الجماجم البشرية التي يعود تاريخها إلى سبعة آلاف عام، والتي احتوت اثنتان منها على مخين في حالة جيدة. واستخلص العلماء الحمض النووي من أحد هذين المخين بهدف معرفة المزيد عن التغيُّرات التطوُّرية في التركيب الجيني للإنسان.

(٣) أشياء اكتُشِفت بمحض المصادفة

بطريقة أو بأخرى، اكتُشِف على سطح الأرض بمحض المصادفة بعضُ الأدوات القديمة، التي لاحَظَها بعض الراصدين اليَقِظين المتأهبين.

كهف أورينياك: في عام ١٨٥٢، أخرج أحد عمال إصلاح الطرق عظمةً بشرية من جُحر أرنب بالقرب من قرية أورينياك في التلال السفحية لسلسلة جبال البيرينيه في فرنسا. دفع الفضول العامِل إلى توسيع فتحة الجُحر، فوجد كهفًا يضم هياكل عظمية لسبعة عشر شخصًا، وأقراصًا صدفية مثقوبة وأسنانَ ثدييات. جمع المُشرِف على الطريق بعضًا من محتويات الكهف ليدرسها علماءُ الحفريات، وبالفعل لفتت انتباه إدوار لارتيه، وهو محامٍ كانت هوايته جمع عظام الحفريات. وبعد بضعة أعوام، زار لارتيه أورينياك، وبمزيد من الحفر حول الكهف وجَدَ أدوات مصنوعة من حجر الصَّوَّان وقرون وَعْل إلى جانب عظامٍ لثدييات منقرضة. وقد أدت تلك الأشياء التي اكتشفها والتي غابت عنها الأدوات المعدنية إلى اقتناعه بأن الشعب الأورينياكي القديم كان يعيش في بداية العصر الحجري.
أدوات بان تشانج: في عام ١٩٦٦، كان ستيفن يونج يجري بحثًا اجتماعيًّا في تايلاند. وفي أحد الأيام، بينما كان يسير في طريق تمَّ شقها عبر إحدى الهضاب الصغيرة في قرية بان تشانج، تعثَّرَ في جذر شجرة ووقع على الأرض، وإذا به يجد نفسه وجهًا لوجه أمام آنية فخارية بارزة من الأرض، ورأى العديد من تلك الأواني على جانبَي الطريق. وخمَّنَ أنها قديمة جدًّا لأنها لم تكن مصقولةً. وعلى الرغم من أن سكان القرية قد نهبوا تلك المنطقة بشدة، فإنه عندما زارها تشستر جورمان، وهو عالِم آثار من جامعة بنسلفانيا، بعد بضعة أعوام وحفر تحت الجزء الأوسط من شارع قريب بالقرية، أخرجَ ١٨ طنًّا من المواد لدراستها، وتوصَّلَ إلى نظرية جديدة عن دراسة فترة ما قبل التاريخ لهذا الجزء من جنوب شرق آسيا؛ لأنه وجد أن تاريخ أنصال الرماح والحُلِيِّ البرونزية يعود إلى عام ٢٠٠٠ قبل الميلاد تقريبًا. وطبقًا للنظرية القديمة، فإن الأدوات المعدنية ظهرت أولًا في الشرق الأدنى، ثم انتقلت إلى جنوب شرق آسيا في عام ٥٠٠ قبل الميلاد.
آثار حضارة فولسوم: في خريف عام ١٩٠٨، كان أحد رعاة البقر — ويُدعَى جورج ماكجانكين — يسير بطول وادٍ بالقرب من بلدة فولسوم في نيو مكسيكو، عندما رأى عظمةً تبرز من جدار الوادي. وعندما شدَّها، خرجت من الجدار وكانت عظمة كبيرة لكنه أدرك أنها لا تشبه أيًّا من عظام البقر أو الجاموس المألوفة لديه. وبعد عدة أعوام، زار جيسي فيجينس من متحف كولورادو للتاريخ الطبيعي الموقع وقرَّرَ أن تلك العِظام قد تكون لنوع من حيوان البيسون الذي يُعتقَد أنه انقرض منذ نهاية العصر الجليدي. والمدهش أكثر أنه عثر بجانب تلك العظام على رءوس رماح معدنية، كان بعضها مغروسًا في الهياكل العظمية للحيوانات. فحص تلك الأدواتِ فرانك روبرتس الابن من مؤسسة سميثسونيان، وأيَّدَ نظرية فيجينس بأن جماعات من البشر كانوا يعيشون في هذا الجزء من أمريكا في نهاية العصر الجليدي؛ أيْ منذ حوالي ١٠ آلاف عام. وكان هذا أسبق بحوالي ٥ آلاف عام مما كان يُعتقَد، وذلك قبل اكتشاف عظام حيوان البيسون المنقرض.
حجر رشيد: ربما يكون حجر رشيد من أهم الاكتشافات الأَثرية التي نتجت عن العثور بالمصادفة على أشياءَ من صنع البشر، وهو المفتاح الذي فك طلاسم تاريخ مصر القديمة. فقد عثر جندي فرنسي من جيش نابليون على الحجر في أثناء ترميم حصن سانت جوليان بالقرب من بلدة رشيد، على ضفة أحد الفروع الغربية لنهر النيل في منطقة الدلتا، على بُعْد بضعة أميال من البحر و٣٠ ميلًا تقريبًا غرب الإسكندرية. وفيما يلي وصفٌ لهذا الاكتشاف يسرده كارول آندروز من المتحف البريطاني الذي يوجد به الآن حجر رشيد:

ثمة بعض الشك الذي يحيط بظروف اكتشاف حجر رشيد في منتصف شهر يوليو من عام ١٧٩٩. فطبقًا لإحدى الروايات، كان الحجر موجودًا على الأرض، لكن الرواية الأرجح هي أنه كان موجودًا في جدار قديم جدًّا أُمِرَتْ فرقة من الجنود الفرنسيين بهدمه، لإخلاء الطريق من أجل حفر أساس مبنًى ملحق بالحصن الذي عُرِف بعد ذلك بحصن سانت جوليان …

fig33
شكل ١٨-٣: اكتشاف حجر رشيد من قِبَل جنود نابليون.

يُحسَب للضابط الذي كان يقود فرقة الجنود المسئولين عن هدم الجدار، وهو ملازم من سلاح المهندسين يُدعَى بيير فرانسوا كزافييه بوشار، ولزملائه من الضباط، إدراكُهم شبه الفوري لأهمية النقوش الثلاثة المختلفة المحفورة على الحجر؛ فقد كانت كلُّها نسخًا من نص واحد بثلاثة نظم مختلفة من الكتابة. ونظرًا لأن آخِر تلك النقوش كان مكتوبًا باللغة الإغريقية وبالتالي نجحوا في قراءته، فقد كان من الواضح أن ترجمة هذا النقش الأخير يمكن أن تكون بمنزلة مفتاح لفك شفرة الرموز الهيروغليفية الموجودة في القسم الأول من الحجر … وعند وصول الحجر إلى القاهرة في منتصف أغسطس، أصبح على الفور مثارَ اهتمام بالغ لدى العلماء الذين أخذهم نابليون معه في حملته على مصر.

في ٢٤ أغسطس من عام ٣٩٤ ميلاديًّا في جزيرة فيلة على الحد الجنوبي لمصر، يبدو أن الرموز الهيروغليفية قد استُخدِمت للمرة الأخيرة للنقش باللغة المصرية القديمة. ويرجع تاريخ النقش الأخير على الحجر بالكتابة الديموطيقية، التي تُعَدُّ أحدث نُظُم الكتابة الثلاثة التي كان يستخدمها المصريون القدماء وأكثرها استخدامًا للحروف المتصلة، إلى بعد ذلك بأقل من ٦٠ عامًا؛ أي ٤٥٢ ميلاديًّا … وعلى مدار ١٣٧٠ عامًا تالية، لم ترد أنباءٌ عن تاريخ مصر القديمة؛ نظرًا لأن فن قراءة نظم كتابتها القديمة قد اختفى. فلم يكن أحد يستطيع فَهْمَ النقوشِ الهيروغليفية التي لا حصرَ لها والتي تنتشر على كل الآثار، أو النصوصِ المكتوبة بالكتابة الديموطيقية والهيراطيقية المنتشرة على ورق البردي والألواح الصخرية والأواني الفخارية (آندروز، كتاب المتحف البريطاني عن حجر رشيد).

ثمة العديد من الأشخاص الذين ساهموا في فك شفرة الرموز الهيروغليفية، لكن جون-فرانسوا شامبليون، الذي درس حجر رشيد، هو مَن وضع الأسس التي تقوم عليها معرفتنا الحالية بلغة المصريين القدماء. فمع فك شفرة الرموز الهيروغليفية الموجودة على حجر رشيد، أعطَتِ المعلوماتُ الموجودة في النقوش التي كانت موجودةً بكثرة على الآثار؛ صورةً رائعة وشاملة عن الحضارة التي قامت على ضفاف النيل منذ قرون عديدة.

(٤) الطبيعة ودورها في الاكتشافات الأَثرية العَرَضية

من الأشكال المختلفة لقانون مورفي أن «الطبيعة بطبيعتها منحرفة.» لكنها ليست كذلك دائمًا؛ فقد ساعَدَتْ في بعض الأحيان في الكشف عن بعض جوانب التاريخ القديم لعلماء الآثار. ومن أفضل الأمثلة على ذلك، وهو ما يجب أن يدخل ضمن نطاق السرنديبية الوهمية، قصةُ الحفرية لوسي التي عُثِر عليها من قِبَل أشخاص كانوا يسعون إلى إيجاد حفرية مثلها، ولكن هذا تم بمساعدة الطبيعة. (إن اكتشاف جمجمة طفل التونج في جنوب أفريقيا يُعَدُّ ضربًا من السرنديبية الحقيقية؛ لأن العمال الذين كانوا ينقبون عن الجير لم تكن لديهم أية نية للبحث عن الحفريات.)

الحفرية لوسي: في نوفمبر ١٩٧٤، كان أحدُ علماء الأنثروبولوجيا الذي يُدعَى دونالد جونسون وأحدُ طلاب الدراسات العليا الذي يُدعَى توم جراي يبحثان عن حفريات بشرية قديمة في شمال وسط أثيوبيا، لكنهما عثرا فقط على عظام حيوانات. وبينما كانا يسيران عبر أحد الأودية، لاحَظَا عظمة تبرز من منحدر متآكل فوقهما، ومع أنها كانت مدفونة تحت طبقات من الرَّماد البركاني والرواسب منذ قرون، فقد أظهر تلك العظمة فيضانٌ مفاجِئ حديث أدَّى إلى شق الوادي. ولم تكن تلك العظمة (التي كانت خاصة بذراع) فقط هي التي عُثِر عليها، وإنما عُثِر على العديد من العظام الأخرى؛ فبعد ثلاثة أسابيع من التنقيب المكثَّف، عثر جونسون وزملاؤه على عدة مئات من القِطَع العظمية، وثبت أن تلك القطع خاصة بشخص واحد؛ فهي لأنثى بالغة طولها ثلاث أقدام وثماني بوصات فقط، أطلقوا عليها اسم «لوسي»، وهو اسم مأخوذ من أغنية مشهورة لإحدى فرق البيتلز في ذلك الوقت.

أثارت لوسي اهتمامًا كبيرًا؛ لأنها كانت تمثِّل أقدمَ أسلاف الإنسان التي كانت معروفةً في ذلك الوقت وأكثرها اكتمالًا، وقد قُدِّر عمرها بتقنية التأريخ الإشعاعي بحوالي ٣ ملايين سنة، وثبت من خلال طبيعة عظام الحوض أنها كانت تمشي منتصبةً على قدمين، وذلك قبل أن يعيش طفل التونج بمليون أو مليونَيْ سنة.

آثار هنود الماكاه في قرية أوزيت: تُعَدُّ قرية أوزيت مثالًا آخَر للكيفية التي ساعدت بها الطبيعة بطريقة السرنديبية الوهمية في الكشف عن آثار كانت مدفونة منذ زمن بعيد. وفيما يلي وصفٌ لهذا الاكتشاف يسرده بريان فاجان في كتابه «مغامرة علم الآثار» (١٩٨٥):

كان لدى ريتشارد دورتي، وهو عالِم أنثروبيولوجي في جامعة ولاية واشنطن، عدد قليل من السجلات المكتوبة التي يمكنه الرجوع إليها عندما عثر على الآثار المدفونة في قرية أوزيت، وهي قرية ساحلية مهجورة في الركن الشمالي الغربي من واشنطن، لكن في محاولته تجميع المعلومات المتاحة لديه عن تاريخ هنود الماكاه معًا، استعان بأحفادهم الحاليين … فقد كان عجائزُ القبائل يحتفظون في ذاكرتهم بأساطير عن أجدادهم، وتحكي إحدى تلك القصص عن كارثة كبيرة؛ وهي أنَّ جبلًا هائلًا من الطين قد دفن قريتهم منذ فترة طويلة.

ظنَّ دورتي أن تلك القصة صحيحة، وفي عام ١٩٧٠ عندما أدت عواصف الشتاء العنيفة إلى حدوث مد وجزر على الشاطئ الواسع في أوزيت؛ تأكَّدَ ظنُّه. فقد جُرِف جزء من ضفة كاشفًا عن مجموعة كبيرة من الأشياء التي من صنع البشر: مجداف لزورق الكنو، وصنارات من الخشب، وعظام، وأجزاء من صناديق مُرصَّعة، وقصبة حربة، وقبعة مغزولة، كلُّها ترجع للوقت الذي وصل فيه كولومبوس إلى أمريكا، وقد استمرت على حالتها لعدة قرون تحت طبقة من الطين الكثيف …

بنى مجلس قبيلة الماكاه متحفًا ليحوي تلك الآثار الثقافية … وقال عنها: «إننا … نُولي رعاية خاصة للأشياء المستخرجة من الطين في أوزيت؛ لأن هذا هو تراثنا.»

(٥) الحروب ودورها في الاكتشافات الأَثرية

في نهاية الحرب العالمية الثانية، أصاب الدمار مناطقَ كبيرة من بعض أعظم المدن الأوروبية — التي من بينها لندن وبرلين وروتردام وهامبورج — بسبب الغارات الجوية. وعلى الرغم من فداحة هذا الدمار، فإنه مثَّلَ فرصةً فريدة لعلماء الآثار. ففي وسط الحطام الموجود في لندن، أخذ مجلسُ التنقيب عن الآثار الرومانية وآثار القرون الوسطى في لندن، الذي لم يكن قد مضى على تشييده آنذاك وقت طويل، يبحث عن أي آثار لبلدة لندينيوم، وهي بلدة مطلة على ضفة نهرٍ أسسها الرومان في عام ٤٣ ميلاديًّا تقريبًا.

عُثِر على معبد مخصَّص لميثراس، وهو إله كبير لاعتقاد شائع لدى الجنود الرومان. وقبل أن يشرع عمَّال البناء في استخدام آلات دقِّ الركائز في تدمير المعبد لحفر أساس لمبنًى إداري، ضغط الرأي العام على الحكومة كي تطلب من المقاول نقل الضريح الروماني إلى موقع قريب، حيث لا يزال يجتذب الزائرين المهتمين بتاريخ البلدة.

(٦) الأولاد والكهوف

إنَّ فضول الأولاد بشأن الكهوف التي يكتشفونها أدَّى في حالتين على الأقل إلى العثور على معلومات أَثرية مهمة.

كهف لاسكو: في عام ١٩٤٠، بينما كان أربعة أولاد يستكشفون الغابات القريبة من بلدة مونتيناك في جنوب غرب فرنسا، اكتشفوا حفرةً صغيرة في الأرض. ودفعهم الفضول إلى توسيع الحفرة بحيث يمكنهم الزحف داخلها، فوجدوا ممرًّا ضيِّقًا يؤدِّي إلى كهف كبير تحت الأرض. وباستخدام ضوء مصباحهم الزيتي، اندهشوا عندما رأوا رسومات ذات ألوان زاهية لحيوانات على سقف الكهف وجدرانه البيضاء المصنوعة من الحجر الجيري، وذكروا اكتشافهم لمُعلِّم سابق لهم اتصل هاتفيًّا بآبي هنري بروي، أحد المتخصصين في فن عصور ما قبل التاريخ. وجاء بروي لرؤية رسومات الكهف وأعلن أنها قديمة، وعندما بلغت أخبار الاكتشاف مسامع الناس وعلماء الآثار والصحفيين والسائحين، جاءوا لزيارة الكهف؛ وكانوا يدخلون في مجموعات صغيرة وتحت رقابة شديدة. لكن بعد الحرب، وفَّرَتِ الحكومة الفرنسية وصاحب الأرض مدخلًا أكثر أمانًا وتأمينًا أفضل للرسومات، ومنذ ذلك الحين أصبح آلاف السائحين يأتون لزيارة الكهف، ويمكنهم الآن رؤية نسخةٍ طبق الأصل من الكهف شُيِّدت بجوار الكهف الأصلي للحيلولة دون الإضرار بالأعمال الفنية الأصلية التي لا يمكن تعويضها.
مخطوطات البحر الميت: في عام ١٩٤٧، كان صبيٌّ من البدو يبحث عن نعجة ضلَّتْ طريقها وسط أجراف قاحلة متاخمة للساحل الشمالي الغربي للبحر الميت، فلاحَظَ فتحةً صغيرةً في أحد الأجراف، وقذف حجرًا فيها فسمع صوتَ انكسار إناءٍ فخاريٍّ في الداخل. فزع الصبي من الصوت، ولكنه عاد مع صديق له واستطاعَا الزحف إلى داخل الكهف حيث وجَدَا العديد من الأواني الفخارية الكبيرة. وفي بعض تلك الأواني، وجَدَا لفائفَ قديمة هي مخطوطات من الرق ملفوفة في قماش من الكتان، فأخَذَا اللفائف إلى معسكرهم، وتم بيع بعضها للمطْران السوري في القدس، وذلك على مسافة ١٣ ميلًا باتجاه الغرب.
fig34
شكل ١٨-٤: اكتشاف مخطوطات البحر الميت.

على الرغم من أن مجموعة كبيرة من الخبراء الذين فحصوا مخطوطات اللفائف أعلنوا أنها لا قيمةَ لها، فقد أرسلها المطْران إلى المدرسة الأمريكية للبحث الشرقي في القدس. واقتنع هناك الدكتور جون سي تريفر وويليام براونلي بالطبيعة الحسَّاسة لتلك الوثائق عندما شاهَدَا الأشكالَ القديمة للحروف العبرية، فصوَّرَا أقسامًا من إحدى المخطوطات (نسخة من السِّفْر الإنجيلي أشعياء) وأرسلاها إلى الدكتور ويليام إف أولبرايت، وهو حُجَّة في علم الكتابات العبرية القديمة في جامعة جونز هوبكينز. وعلى الفور، قال الدكتور أولبرايت إن هذه المخطوطة ترجع تقريبًا إلى عام ١٠٠ قبل الميلاد، ووصف المخطوطات بأنها «اكتشاف مُبهِر جدًّا.» وتأكَّد هذا التاريخ عندما استُخدِمت تقنية التأريخ بالكربون المشع. تسبق تلك المخطوطات كلَّ مخطوطات الكتاب المقدَّس بألف عام، وذلك باستثناء القليل من أجزاء المخطوطات الإنجيلية.

fig35
شكل ١٨-٥: الكهف الرابع في منطقة قمران بالقرب من البحر الميت.

أخَّرَ الصراعُ المسلَّح بين العرب واليهود إجراءَ المزيد من عمليات البحث من جانب علماء الآثار حتى عام ١٩٤٩، وحينها فشلت عمليات البحث الأولية في العثور على مزيدٍ من المخطوطات وفي الحصول على معلومات عن الأشخاص الذين كتبوا تلك المخطوطات وأخفوها. لكنَّ بَدْوَ المنطقة الفقراء وجدوا في تلك المخطوطات مصدرًا جديدًا للدَّخْل (فهم الذين باعوا المخطوطات الأصلية لعلماء القدس الذين ساورتهم رغبة شديدة في شرائها)، فبدءوا في حماسٍ البحثَ في الصدوع والشقوق في صحراء أريحا المقفرة، بالقرب من البحر الميت. وفي عام ١٩٥٢، اكتشفوا شيئًا مهمًّا بالقرب من حطام منطقة قمران، على مسافة ميل من الاكتشاف الأصلي الذي عثر عليه الصبي البدوي في الكهف الأول. وقد أدَّى مزيد من عمليات البحث من جانب البدو وعلماء الآثار إلى الكشف عن بقايا منطقة قديمة كانت تسكنها طائفةٌ يهودية منعزلة تُسمَّى الأسينيين، وكانوا هم مَن كتبوا تلك المخطوطات وأخفوها، ربما كي يعودوا إليها بعد التخلُّص من الاضطهاد الروماني.

عُثِرَ على آلاف الأجزاء من حوالي ٤٠٠ مخطوطة مختلفة، بما في ذلك أجزاء من كل سِفْر من أسفار الكتاب المقدس فيما عدا سِفْر إستير. وربما تمر عقود قبل تقييم المدلول الكامل لتلك المخطوطات، إلا أنها قد أدت بالفعل إلى سدِّ ثغرات مهمة في معرفتنا بالكتاب المقدس؛ فقد أعطتنا فهمًا جديدًا للمناخ الديني الذي وُلِد فيه المسيح، ولأول مرة تتكشف لنا طائفة الأسينيين الغامضة.

(٧) غوَّاصو الإسفنج

إنَّ السفن التي غرقت منذ عدة قرون تعد سجلات للعصور التي كانت تبحر فيها. وحتى وقت قريب جدًّا، عندما ظهرت أجهزة متطوِّرة مثل جهاز قياس المغناطيسية والسونار وكاميرات الفيديو التي يتم التحكُّم فيها عن بُعْد؛ كان المصدر الوحيد لاكتشاف السفن الغارقة في البحار هو الغوَّاصين الذين يبحثون عن الإسفنج في البحر المتوسط. فكثيرًا ما كان يعثر هؤلاء الرجال على سفن غارقة أو آثار منها، بينما يبحثون عن الإسفنج في قاع البحر على أعماقٍ تزيد عن ١٠٠ قدم.

كتب أحد مستكشِفي السفن الغارقة ويُدعَى جورج باس في عدد ديسمبر ١٩٨٧ من مجلة «ناشونال جيوجرافيك» يقول:

علَّمتنا خبرتنا الطويلة أن أفضل مصادر المعلومات عن السفن الغارقة القديمة هي الغوَّاصون في قوارب الإسفنج بتركيا … إنهم أهم بكثير من أجهزة قياس المغناطيسية والسونار المتطورة … ففي موسم صيفي واحد، يقضي الغوَّاصون في ٢٥ قاربًا حوالي ٢٠ ألف ساعة يغوصون في قاع الماء بحثًا عن الإسفنج.

إن استخدام المعلومات التي يوِّفرها غوَّاصُو الإسفنج كأساس للاستكشافات الأَثرية يجعل الاكتشافات التي يصل إليها هؤلاء غير سرنديبية. لكن الاكتشافات الأولى التي اعتمدت على ملاحظة غوَّاصي الإسفنج بلا شكٍّ سرنديبية؛ فلم يكن لدى هؤلاء أية نية للبحث عن سفن غارقة، فقد كان همُّهم فقط هو العثور على الإسفنج.

اكتشاف سفينة تنتمي للعصر البرونزي بالقرب من تركيا: قابَل بيتر ثروكمورتون، أحد الغوَّاصين المستكشِفين، ربَّانًا تركيًّا ضخم البنية لأحد قوارب البحث عن الإسفنج، وقد عثَرَ على أحد التماثيل البرونزية القديمة وجَرَّة فخارية في قاع البحر المتوسط. وأعرب الربَّان عن عدم رضائه عن معدات الغوص الحديثة المتمثلة في أجهزة التنفُّس تحت الماء، التي تستخدمها المجموعة الأمريكية من الغوَّاصين المستكشِفين؛ كان يرى أنها للسائحين فقط وليست للغواصين الحقيقيين. لكن سرعان ما اكتسب الأمريكيون ومعداتهم احترامَ الغوَّاصين التركيِّين. وفي واقع الأمر، فقد اعتاد غوَّاصو الإسفنج الأصغر سنًّا على استخدام تلك المعدات وتخلَّوا عن خوذات الغوص المعدنية القديمة التي كانوا يستخدمونها.

مرَّ صيف عام ١٩٥٨ دون أي اكتشافات محددة، لكن عندما أعلن أحدُ غوَّاصي الإسفنج دون اكتراث عن وجود سبائك برونزية متآكلة على شكل جلود حيوانات، قرَّرَ ثروكمورتون وفريقه العودةَ مرة أخرى في صيف العام التالي حيث تمكَّنوا من تحديد موقع غرق إحدى السفن التي يرجع تاريخها إلى العصر البرونزي. ومع أنهم لم يستطيعوا العثور على السفينة، فقد عثروا على العديد من رءوس الأسهم والفئوس والسبائك البرونزية والأواني الفخارية البدائية. لكن الطقس السيئ حالَ دون إجراء المزيد من البحث عن السفينة حتى صيف العام التالي؛ أي عام ١٩٦٠. وفي ذلك الصيف، عثروا أخيرًا على السفينة أو على الأقل على أجزاء من هيكلها وبعض الأدوات الموجودة ضمن حمولتها بما يُرجح أن يكون تاريخُ آخِر رحلة للسفينة هو عام ١٢٠٠ قبل الميلاد تقريبًا. وقد وضعوا أكثر من طن من الأغراض المصنوعة من البرونز والنحاس الموجودة ضمن حمولة السفينة في متحف في مدينة بودروم بتركيا.

اكتشاف سفينة يونانية بالقرب من قبرص: تم العثور على سفينة يونانية غرقت بالقرب من ساحل قبرص في القرن الرابع قبل الميلاد. كان مفتاح الاكتشاف هنا أيضًا غوَّاصُ إسفنج؛ فقد رصَدَ الغوَّاص مجموعةً من الجِرار والأواني الفخارية وأواني الخمر التي كانت مستخدَمةً في ذلك الوقت، والتي كانت توجد عادةً في السفن التجارية بالبحر المتوسط. وفي عدد شهر يونيو لعام ١٩٧٠ من مجلة «ناشونال جيوجرافيك»، اقتبس مايكل كاتزيف ما قاله الغوَّاص القبرصي عن كيفية عثوره على الأواني، ثم عن الصعوبة التي واجهته في العثور عليها مرة ثانية:

بينما كنتُ أغوص بحثًا عن الإسفنج، لاحظتُ فجأةً مرساة قاربي تُسحَب، فتتبعتها ووجدتها تنزلق خلف هذا التل، لكن عندما صعدتُ إلى السطح، كانت قد هبَّت عاصفة شديدة؛ ما لم يدع وقتًا أمامي لكي أحدِّد اتجاهي. وكنت أحاول على مدى ثلاث سنوات تحديد مكان الأواني مرةً ثانية. وإنكم لمحظوظون، فقد استطعتُ منذ بضعة أسابيع فقط رؤية السفينة مرةً أخرى، وهي ملككم الآن. فعلماء الآثار فقط مَنْ يتعيَّن عليهم لمسها. ولقد احتفظتُ بالسر من أجلكم ولضمان أن يُنسَب هذا الشرف إلى بلدتي. ويجب ألَّا تنسوا أنها جزءٌ من تاريخ كايرينيا.

كان هيكل السفينة الخشبي سليمًا تقريبًا، بسبب الرمال التي غطته لمدة ٢٢ قرنًا، وبسبب طبقة من الصفيح كان الغرض منها حماية الخشب من ديدان السفن. ويبدو أن طاقم السفينة كانوا يؤمنون بشدة بأهمية الغطاء الصفيحي؛ فقد وجد علماءُ الآثار أن الديدان قد أحدثت دمارًا شديدًا في السفينة تحت الصفيح، وخمَّنوا أن الحَفْرَ الذي قامت به تلك الديدان ربما يكون السبب في غرق السفينة.

اكتشاف سفينة من العصر البرونزي في أولو بورون: في عام ١٩٧٣، أسَّسَ جورج إف باس معهدَ علم الآثار البحرية في جامعة تكساس للعلوم الزراعية والميكانيكية، حيث شغل منصب أستاذ في علم الآثار البحرية. يتولى هذا المعهدُ مع جمعية ناشونال جيوجرافيك ومؤسسة العلوم القومية وهيئة الوقف القومي للعلوم الإنسانية ومعهد تاريخ الحضارة الإيجية تمويل عمليات التنقيب عن حطام السفينة الغارقة في منطقة أولو بورون، التي بدأت في عام ١٩٨٤ واستمرت في عام ١٩٨٨.
fig36
شكل ١٨-٦: حطام سفينة غارقة يرجع تاريخها إلى العصر البرونزي في أولو بورون بتركيا. اكتشف القائمون على عمليات التنقيب صفوفًا من السبائك النحاسية رباعية الأيدي على عمق ١٦٠ قدمًا تقريبًا.

ظهرت أول إشارة إلى حطام السفينة الغارقة في منطقة أولو بورون في صيف عام ١٩٨٢. إذ ذكر غوَّاص إسفنج شاب لرئيسه أنه رأى «قطع بسكويت معدني ذات آذان» غريبة في قاع البحر، بينما كان يعمل على عمق ١٥٠ قدمًا بالقرب من نقطة تنقيب تحت سطح الماء. وأدرك رئيس الشاب أن وصف الشاب ينطبق تمامًا على سبائك النحاس المنتمية للعصر البرونزي التي رآها في رسمٍ كان معهدُ علم الآثار البحرية قد وزَّعَه على أصحاب قوارب تجميع الإسفنج، ونقل ذلك المعهد. تم عمل مسح مبدئي في صيف عام ١٩٨٣؛ فجعلت الصور والمخططات الدكتور باس يتعجَّب قائلًا: «نحن بصدد حلم طالما راود علماء الآثار!» وتم إحضار آلاف الأشياء من الحطام الذي يمثِّل سبع حضارات كانت موجودة في شرق البحر المتوسط في أواخر العصر البرونزي؛ في نفس الوقت الذي حكم فيه توت عنخ آمون في مصر، وسقطت فيه طروادة.

من بين الأشياء التي تم جلبها من الحطام: مئاتٌ من السبائك النحاسية، وسبائك صفيح (كانت تُستخدَم مع النحاس لصنع البرونز)، وكأس قداس ذهبية، وكوب مايسيني مصنوع من التراكوتا وساعد في تأريخ تلك الأدوات (فهو يشير إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد)، وجعران ذهبي صغير محفور عليه اسم الملكة نفرتيتي، وخشب أبنوس من نفس النوع المستخدَم في الأثاث في مقبرة توت عنخ آمون، وحبات كهرمان بلطيقي، وسبائك زجاجية لونها أزرق داكن من كنعان، وجرار مليئة بصمغ عطري يُستخدَم كبخور، ومئات من الصدف الرخوي من النوع الذي تُستخرَج منه صبغةُ الأرجوان الملكي (وهي الصبغة الأرجوانية المستخدَمة من قِبل الأسرة الملكية)، وأجزاء من «كتاب» خشبي صغير له حواف من العاج ربما يمثِّل أقدم كتابٍ في العالم. تُغطَّى «الصفحات» الخشبية بالشمع الذي يمكن النقش عليه باستخدام أداة الكتابة. ولم يوجد أيُّ أثر للشمع لكن وُجِد أحد مكونات الشمع في جرة مقفلة وسط الحطام. كما أن ألواح خشب السفينة كانت مربوطة بعضها ببعض باستخدام وصلات نقرة ولسان مثبتة من خلال أوتاد مصنوعة من الخشب الصلب، بنفس الطريقة التي وصف بها هوميروس تكوينَ سفينة أوديسيوس.

أقنعت الدراساتُ الأَثرية المستمرة فريق معهد علم الآثار البحرية بأن تلك السفينة غير عادية؛ ربما لأنها تحمل أشياءَ خاصة بالطبقة الحاكمة. وقد كان تحطُّمُ تلك السفينة صفعةً قويةً للكثير من الأشخاص المهمين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. لكن الاكتشاف السرنديبي لحطامها قدَّمَ الكثير من المعلومات الجديدة عن تلك الحقبة القديمة.

تعقيب

لقد أُجريَ العديد من الاكتشافات الأَثرية الأخرى، ليس فقط من خلال «المحاولة الدءوبة» ولكن أيضًا من خلال التنظيم الجيد، أو التخطيط، كما قال السير ديريك بارتون (انظر الفصل الخامس والثلاثين). ومن بين الأمثلة العديدة التي يمكن ذكرها في هذا الشأن اكتشاف سفينة تايتانيك. فقد أوضح هذا الإنجاز الذي أسر انتباه العالم الغربي التخطيطَ الجيد للعديد من الأشخاص واستخدام المعدات العلمية الجديدة، التي صمِّم بعضها خصيصَى لهذا الهدف. وقُدِّم وصفٌ لهذا المشروع موضح بالصور في مقالين في مجلة «ناشونال جيوجرافيك» في ديسمبر ١٩٨٥ و١٩٨٦، وفي كتاب روبرت دي بالرد «اكتشاف تايتانيك» (١٩٨٧).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤