الفصل الثالث والثلاثون

الفيلكرو ومنح أخرى أهدتها السرنديبية إلى الحياة الحديثة

(١) الفيلكرو: من نباتات الأرقطيون إلى سفن الفضاء

ربما تُعَدُّ أشرطة التثبيت اللاصقة التي من نوع الخطَّاف والحلزون، المعروفة تجاريًّا باسم الفيلكرو؛ أكثرَ طرق التثبيت ابتكارًا في العالم، وأكثرها تعددًا من حيث الاستخدام. ومثل الكثير من الاكتشافات المهمة، جاءت فكرة اكتشاف الفيلكرو من ملاحظة عَرَضية.

ففي أوائل خمسينيات القرن العشرين، خرج جورج دي ميسترال للتمشية في منطقة ريفية ببلده سويسرا، وعند العودة إلى منزله لاحَظَ أن سترته مغطَّاة بنباتات الأرقطيون. وعندما بدأ في نزع تلك النباتات، قال في نفسه: «ما الشيء الذي يجعل تلك النباتات تلتصق على هذا النحو الشديد؟» وقاده فضوله إلى استخدام ميكروسكوب لاستقصاء الأمر على نحو أكبر، فاكتشف أن تلك النباتات مغطَّاة بخطَّافات تنغرس في خيوط نسيج قماش السترة؛ إذ إن الطريقة الطبيعية لانتشار هذه النباتات وتكاثرها تتمثَّل في التصاق خطَّافات البذور بالطيور والحيوانات المارة بها. وتساءَلَ الدكتور جورج دي ميسترال إن كان يمكن تصميم نظام على غرار ما يفعله نبات الأرقطيون، يكون مفيدًا بدلًا من أن يكون مصدرَ إزعاج.

fig60
شكل ٣٣-١: صورة لنبات أرقطيون تم تكبيرها لإظهار الخطَّافات.

أما الباقي، فيتمثَّل في قصة أشرطة التثبيت. تُستخدَم أشرطة التثبيت اليوم لتثبيت أي شيء بدءًا من أحذية الأطفال وحتى الميكروفونات في سفن الفضاء؛ إذ طُوِّرت تلك الأشرطة لاستخدامها في العديد من المنتجات المختلفة، مثل السيارات والمفروشات المنزلية والمستلزمات الطبية والمعدات العسكرية وغيرها مما لا يتسع المجال لحصره.

تم تصنيع أول شريط تثبيت من الفيلكرو في فرنسا؛ وكان الإنتاج حينها يدويًّا وبطيئًا على نحو كبير. وعلى الرغم من أن التصنيع الآلي لتلك الأشرطة كان سهلًا إلى حدٍّ ما، فإن صنع جزء الخطَّاف كان يمثِّل مشكلة كبيرة في البداية. وتمثَّلَ الحل الذي جعل النظام عمليًّا في إنتاج حلزونات يمكن قطعها بالقرب من النهايات لصنع خطَّاف من كل حلزون! وقد أُدخِلت العديد من التحسينات على أشرطة التثبيت الأصلية منذ ظهورها في الأسواق؛ فقد تم تصنيع مُكَوني الخطَّاف والحلزون باستخدام المواد الحديثة. وفي البداية، زِيدَ سُمك خيوط النايلون المستخدَمة في صنع الخطَّافات والحلزونات، ثم تمت تقوية الخطوط بالمزج بين البوليستر والنايلون، ثم استُخدِمَ شريطٌ من البوليستر الخالِص لجعله مقاومًا للضوء فوق البنفسجي والمواد الكيميائية والرطوبة. والآن، يُستخدم أيضًا الصُّلب والأقمشة الصناعية الخاصة بالفضاء لصنع أشرطة التثبيت التي يمكن استخدامها في الطائرات وسفن الفضاء لتحمُّل درجات حرارة حتى ٨٠٠ درجة فهرنهايت. وبعض تلك الأشرطة المصمَّمة للاستخدام في الفضاء تكون غير قابلة للاشتعال حتى في ظل الأكسجين النقي.

fig61
شكل ٣٣-٢: صورة مجهرية مكبَّرة تُظهِر الخطَّافات والحلزونات، وهما المكوِّنان الأساسيان لأشرطة تثبيت الفيلكرو.

ينزعج الكثيرون بسبب نباتات الأرقطيون التي تلتصق بملابسنا عندما نسير عبر الغابات؛ ولذلك يجب أن نكون جميعًا ممتنين لجورج دي ميسترال لأنه كان لديه الفضول لاكتشاف الكيفية التي يحدث بها هذا، وكان مبدعًا على نحو كافٍ بحيث يصل إلى طريقة يحاكي من خلالها ما يحدث في الطبيعة على نحو يجعل حياة الملايين من البشر أكثر سهولةً.

(٢) صابون أيفوري

من بين مجموعة الأنواع المختلفة للصابون اليدوي، يُعَدُّ صابون أيفوري هو الوحيد الفريد لأنه «يطفو على سطح الماء». في عام ١٨٧٩، غفلَ عامل عن آلةَ تقليبٍ وتركها تعمل أثناء ساعة الغداء، فأدَّى هذا إلى إدخال قدر كبير من الهواء إلى كمية الصابون الذي كان يتم تصنيعه، لدرجة أن الشركة المصنِّعة وهي شركة بروكتر آند جامبل فكَّرت في البداية في التخلُّص من تلك الكمية الكبيرة، لكنها كرهت أن تتخلَّص من كلِّ هذا الإنتاج؛ لذا عالجته ثم باعته. ويا لدهشتها الكبيرة حين بدأت تتلقَّى رسائل من عدد من المشترين يطلبون فيها مزيدًا من هذا الصابون الرائع الذي يطفو على سطح الماء.

بدأ هارلي بروكتر الدعاية لنوع الصابون الجديد الطافي، وقال إنه يمكن استخدامه في الحمام والغسيل، وقد صمَّمَ قِطَع الصابون بحيث يمكن تقسيمها إلى جزأين. وحلَّل هارلي هذا الصابون ليقارنه بثلاثة أنواع مستوردة أخرى شهيرة وغالية، وعندما أظهر التحليل أن صابون شركة بروكتر آند جامبل كان يحتوي على أقل نِسَب الشوائب، روَّج له على أنه نقي بنسبة ٩٩٫٤٤٪. وأصبح معروفًا عنه هذا منذ ذلك الحين!

fig62
شكل ٣٣-٣: صابون يطفو على سطح الماء.

أما عن الاسم، فإنه قد خطر على بال هارلي أثناء وجوده في الكنيسة في أحد أيام الآحاد بعد أن قرأ في مزمور ٤٥ عن «قصور العاج (الترجمة العربية لكلمة أيفوري)».

(٣) رقائق الإفطار المصنوعة من الذرة والقمح

لعبت المصادفة دورًا مهمًّا بعض الشيء في اكتشاف عملية صنع هذين النوعين من حبوب الإفطار؛ على الأقل بما يتيح لنا أن نصفها بأنها ضربٌ من السرنديبية الوهمية. ظهرت رقائق الذرة أو الكورن فليكس أولًا في عام ١٨٩٨. ترك الأخوان كيلوج (دبليو كيه وجيه إتش) بعض القمح المطهو لأكثر من يوم، وعندما تم إدخاله عبر آلات الطحن الخاصة بهما، دُهِشَا وسعِدَا عندما وجَدَا أنه خرج على شكل رقائق بدلًا من قطع مسطحة. وتكررت نفس العملية مع الذرة لإنتاج رقائق الذرة التي اشتهرت على الفور. ولسببٍ ما، لم يظهر منتج ويتيس الذي يقدِّم نفس النوع من رقائق القمح إلا بعد ٢٦ عامًا أخرى.

(٤) الملاحظات اللاصقة

أدَّى إلهام إلهي، مقرونٌ بفشلِ منتجٍ، إلى ظهور واحدٍ من أعلى المنتجات بيعًا في عام ١٩٨٠، الذي يُعَدُّ الآن من الأشياء الأساسية في حياتنا. فالأشخاص الذين يستخدمون الأوراق اللاصقة التي عادةً ما يكون لونها أصفر ولكن يمكن أن تكون بأي لون آخَر؛ لا يمكنهم تخيُّل ما يمكنهم فعله بدون تلك الأوراق. توجد قِطَع الورق الصغيرة هذه في المكاتب على الخطابات والمجلدات والهواتف وشاشات الكمبيوتر، وفي المنازل على الثلاجات وشاشات التليفزيون أو ربما على الباب الخلفي. وتلك الملاحظات، التي اكتُشِفت في شركة ثري إم وأُطلِق عليها اسم بوست-إت، تم تقليدها وبيعها من قِبَل شركات كثيرة.

دعونا نرجع إلى الإلهام الإلهي. ففي عام ١٩٧٤، تم توظيف آرت فراي من قِبَل شركة ثري إم لتطوير المنتجات، وفي أيام الآحاد كان يغنِّي ضمن مُنشِدي الكنيسة المشيخية الشمالية في مدينة نورث سانت بول بمينيسوتا. وكان يُعلِّم صفحات كتاب الإنشاد بقِطَع من الورق ليسهِّل على نفسه الوصول إلى الصفحات الصحيحة بسرعة في الوقت المناسب في قسم الإنشاد التالي، لكن قِطَع الورق هذه كانت في بعض الأحيان تقع فجأة دون سابق إنذار، مما كان يجعل فراي يقلِّب الصفحات باندفاع متخلِّفًا عن زملائه في القداس الثاني.

يقول فراي: «لا أعرف إن كان الأمر بمنزلة موعظة مملة أو إلهام إلهي، لكن عقلي بدأ يعمل وفكرت فجأةً في صنع مادة لاصقة اكتشفها قبل عدة أعوام عالِمٌ آخَر في شركة ثري إم، وهو الدكتور سبنسر سيلفر.» تذكَّرَ فراي أن سبنسر قد تخلَّص من تلك المادة؛ لأنها لم تكن قويةً بالقدر الذي يجعلها مفيدة دائمًا. والإلهام الذي جاء لفراي هو أن تلك المادة قد تُستخدَم في تمييز الموضع الذي توقف عنده في كتاب الإنشاد دون أن تلتصق به العلامة على نحو دائم؛ فما كان يريده فراي — على حد وصفه — «شيء لاصق دائم لفترة مؤقتة».

fig63
شكل ٣٣-٤: تشكيلةٌ متنوعة من الملاحظات اللاصقة.

عندما عاد فراي إلى العمل في يوم الإثنين وبدأ يصنع فواصل الكتاب التي كان يريدها، لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ يتصوَّر استخداماتٍ أخرى لها. وأدرك أنه أسلوب منهجي لكتابة الملاحظات؛ لأن الملاحظات وسيلة يمكن إلحاقها وإزالتها. لكن لم تحقق الفكرة نجاحًا فوريًّا؛ فقد كان يجب تعديل المادة اللاصقة قليلًا لجعلها مؤقتة ودائمة في آن واحد، وقد أخذ هذا الأمر قدرًا من التجريب.

بعد حوالي عام ونصف، قرَّرَ فراي أنه تخلَّص من كم كبير من الأخطاء الموجودة في الملاحظات ويمكنه الآن تقديمها إلى فريق التسويق. في البداية، لم يُعجَبوا بها إلى حدٍّ كبير؛ فلم يكونوا متأكدين من أن الناس بحاجة إلى ورقة ملاحظاتٍ لاصقة كهذه، تلك التي ستباع حتمًا بسعر منافس مقارَنةً بورق التسويد. وفي عام ١٩٧٧، اختبِرت تلك الملاحظات تسويقيًّا في أربع مدن أمريكية، وجاءت النتائج غير مشجِّعة في مدينتين من المدن الأربع، لكن في المدينتين الأخريين كانت النتيجة مذهلة. وعند دراسة هذا الاختلاف في النتائج، اكتشفوا أن التجار في المدينتين اللتين كان استقبال المنتج فيهما مشجِّعًا قد قدَّموا عينات مجانية للجمهور. وكان هذا هو كل ما في الأمر؛ أن تصل الملاحظات إلى يد المستهلكين، والباقي معروف. ففي عام ١٩٨٠، استُخدِمت تلك الملاحظات على نطاق واسع عبر الولايات المتحدة، وبحلول أوائل عام ١٩٨١ تساوت المبيعاتُ في أوروبا مع المبيعاتِ في الولايات المتحدة.

(٥) منتج سكوتش جارد

وفقًا لدعاية شركة ثري إم، كان اكتشاف منتجها سكوتش جارد المقاوم للبقع القائم على الفلورين اكتشافًا عَرَضيًّا. فقد سكب أحد الأشخاص جزءًا من المنتج المطور حديثًا على حذاء تنس، ولاحظ أن المنطقة التي انسكب فيها لا تصيبها البقع بسهولة، ففكَّرَ فيما يمكن أن يعنيه هذا. وهذه مصادفة أخرى صارت اكتشافًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤