الفصل السابع

الصيدلة عند العرب

(١) انتقال التراث القديم

انتقل التراث اليوناني الروماني إلى الشرق عن طريق الإسكندرية والعراق وفارس، وكان في الإسكندرية جامعة مشهورة كانت فخر العالم القديم.

وفي الشرق الأوسط أصبحت الرها Edessa مركزًا ثقافيًا ممتازًا، حيث ترجم المسيحيون النساطرة عددًا كبيرًا من الكتب الفلسفية والطبية من اليونانية إلى السريانية.
وفي عام ٤٨٩م قرَّر إمبراطور بيزنطة إغلاق مدرسة الرها، فلجأ علماؤها إلى فارس حيث وجدوا لدى الملك أحسن لقاء فخصَّص لهم مدينة جنديسابور القائمة بين السوس Susa وأكبتان Ecbatan وهي مدينة قديمة يرجع تأسيسها إلى القرن الثالث ب.م.

وفيما بعد وفد على هذه المدينة الفلاسفة اليونانيون الذين أخذوا بمذهب الأفلاطونية الحديثة، وذلك عندما أغلق جوستنيان أثينا عام ٥٢٨م.

وقد أحدث وجود هؤلاء العلماء في جنديسابور حركة ترجمة قوية، فأصبحت المدينة مركزًا ثقافيًّا رائعًا تلاقت فيه ثقافات اليونانيين القدماء والمسيحيين النساطرة واليهود والهنود والفرس؛ كل ذلك في روح تسامح وتفاهم مثير للإعجاب، وقد ازدهر الطب أيضًا في المدينة فشُيِّدَت المستشفيات (البمارستانات) ليس فقط لمعالجة المرضى، بل أيضًا للتعليم النظري والعلمي.

ومن المرجح أن اللغة العربية كانت معروفة في جنديسابور قبل استيلاء العرب على المدينة سنة ٦٣٨م؛ لأنها كانت بالقرب من الحيرة وهي مدينة عربية مشهورة.

على كلٍّ كان الأطباء بعد الفتح بقليل يستعملون اللغة العربية كما يشهد على ذلك ما يرويه ابن أبي أصيبعة عن جورجيس رئيس أطباء جنديسابور عندما التقى بالخليفة المأمون فكلَّمه باللغة العربية وباللغة الفارسية.

إن مواهب النساطرة اللغوية في منطقة متعددة الثقافات والسير مع التيارات العلمية الجديدة مع الاحتفاظ بالتراث القديم، كل هذا جعل النساطرة خيرة الوسطاء لنشر الثقافة الطبية اليونانية الرومانية بين العرب، وهناك دليل طريف على رواج أطباء جنديسابور نجده فيما رواه الجاحظ في كتاب البخلاء. فهو يقول:

كان «أسد بن جاني» طبيبًا فأَكْسَدَ مرة، فقال له قائل: «السنة وبئة والأمراض فاشية وأنت عالم ولك صبر وخدمة، ولك بيان ومعرفة فمن أين تؤتى في هذا الكساد؟»

قال: «أما [واحدة] فإني عندهم مسلم، وقد اعتقد القوم قبل أن أتطبَّب، لا بل قبل أن أُخلَق، أن المسلمين لا يفلحون في الطب. واسمي [ثانية] أسد، وكان ينبغي أن يكون اسمي صليبًا وجبرائيل ويوحنا وبيرا، وكنيتي أبو الحارث، وكان ينبغي أن تكون أبا عيسى وأبا زكريا وأبا إبراهيم، وعليَّ رداء قطن أبيض، وكان ينبغي أن يكون رداء حرير أسود. و[أخيرًا] لفظي لفظ عربي وكان ينبغي أن تكون لغتي لغة أهل جنديسابور.»١

وقد فازت عائلة بختيشوع — لما ضمنته من أطباء ماهرين — بثقة الخلفاء العباسيين الذين قربوهم منهم، وسلَّموا لهم مقاليد حياتهم وصحتهم، أما الشخصية البارزة في ميدان التأليف والنقل والتطبب فهي — بلا شك — شخصية حنين بن إسحاق.

(٢) حُنين بن إسحاق HUNAYN IBN ISHAQ

وُلِدَ أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي سنة ١٩٤ﻫ في الحيرة (بالعراق) من أب مسيحي نسطوري كان يشتغل بالصيدلة، وقد تتلمذ حنين في بادئ الأمر ليوحنا بن ماسويه في مدرسة جنديسابور، ثم تركه لكي يدرس لعدة سنوات اللغة اليونانية حتى حذقها تمامًا، وعندما حقَّق أمنيته قصد إلى البصرة كعبة اللغة العربية حينذاك، فأتقن فيها لغة الضاد، وبذلك أصبح حنين يجيد أربع لغات هي: السريانية وهي لغته الأصلية ثم الفارسية واليونانية والعربية.

عاد إلى بغداد ودخل في خدمة جبرائيل بن بختيشوع (المتوفى سنة ٢١٤ﻫ/٨٢٩م) طبيب المأمون الخاص، الذي قرَّبه من الخليفة والأوساط العلمية، فتمكَّن بذلك من الحصول على مخطوطات يونانية عديدة في الطب والفلسفة فترجم قدرًا كبيرًا منها، ورحل إلى كثير من البلدان في العراق وسوريا وفلسطين ومصر (الإسكندرية)؛ للحصول على نوادر المخطوطات التي تيسِّر له أن يحسن ضبط الترجمات التي تولاها، ولقد وافانا حنين في رسالته: «في ذكر ما ترجم من كتب جالينوس» بنشاطه المدهش في هذا الميدان، ويُؤخذ من قائمة وضعها حنين وأتمَّها أحد تلاميذه أنه ترجم إلى السريانية من كتب جالينوس خمسة وتسعين كتابًا، وترجم إلى العربية منها تسعة وثلاثين، هذا إلى أنه راجع ترجمة تلاميذه فأصلح ستة كتب مما نُقل إلى السريانية، ونحوًا من سبعين كتابًا إلى العربية، كما راجع وأصلح معظم الخمسين كتابًا التي كان قد ترجمها إلى السريانية: سرجيس الرأسعيني وأيوب الرهاوي وغيرهما من الأطباء المتقدمين.

وكان حنين بن إسحاق حريصًا على تأدية المعنى بدقة، فاهمًا تمامًا مقتضيات النشر العلمي ووجوب الرجوع إلى أحسن المخطوطات، اسمع ما يقوله عن إحدى ترجماته وهو في سن الشباب حيث يتكلم عن كتاب «في الفرق» لجالينوس: «ترجمته وأنا شاب … من نسخة خطية يونانية مشوَّهة، ثم لما بلغت الأربعين من عمري طلب إليَّ تلميذي حبيش أن أصلحها بعد إذ كنت قد جمعت قدرًا من المخطوطات اليونانية، وعند ذلك رتَّبت هذه بحيث نسقت منها نسخة صحيحة قارنتها بالنص السرياني ثم صححتها، وتلك عادتي التي أتبعها في كل ما ترجمته.»٢ ومع هذا المجهود المضني كانت تمتاز ترجمة حنين برصانة الأسلوب العربي، فقد قارنه المستشرق الشهير برجستراسر Bergstraesser بأسلوب تلميذه حبيش وأشار إلى أنهما … «تجشَّما عناءً كبيرًا في التعبير عن معنى أصول الكتب اليونانية بقدر ما يُستطاع من الوضوح، وكانا يترجمان ترجمة حرفية حتى ولو ضحيا في ذلك بجمال اللغة وتنسيق ديباجتها، ولكن تراجم حنين أفضل ودقتها أعظم، ومع ذلك فإن الإنسان يُخيَّل إليه أنها ليست نتيجة مجهود صادق، ولكن نتيجة تمكُّن وثيق من اللغة وحسن تصرف في مذاهبها، ويتجلَّى هذا في سلاسة التوفيق بين اليونانية والعربية والدقة المتناهية في التعبير مع الإيجاز، تلك هي مميزات فصاحة حنين التي اشتهر بها.»٣
وبجانب ترجمته لكتب جالينوس، نقل حنين إلى العربية عددًا من كتب أبقراط، مثال ذلك: «كتاب الفصول» مع تفسير جالينوس عليه المترجم إلى السريانية والعربية، و«كتاب الكسر»، و«كتاب الخلع»، و«تقدمة المعرفة»، و«تدبير الأمراض الحادة»، وكتاب «في القروح»، وكتاب «جراحات الرأس»، وكتاب «الأبيذيميا»، وكتاب «الأمراض الوافدة»، وكتاب «في الأخلاط»، وكتاب «قاطيطيرون»، وكتاب «الأهوية والمياه والبلدان»، وكتاب «الغذاء»، وكتاب «طبيعة الإنسان»، وكتاب «الكنانيش» لأوريباسيوس بحذافيره، وكتابه إلى أونابيوس، و«كتاب السبع مقالات» لبولس الأجنيطي Paul d’Egine و«المادة الطبية» لديوسقوريدس؛ وكلها كتب ضخمة جدًّا. هذا بجانب الكتب الفلسفية لأرسطو وأفلاطون.

ولم يكتفِ حنين بالترجمة، بل كان كذلك طبيبًا ماهرًا امتاز بمعالجة أمراض العين كما كان مؤلفًا قديرًا في مواضيع شتى، وقد أورد ابن أبي أصيبعة أكمل قائمة لمؤلفاته العربية، وهي تحتوي على أكثر من مائة كتاب في مختلف فروع الطب، نذكر ثلاثة منها لاحتوائها على مسائل تتصل بموضوع العقاقير.

أما الكتاب الأول فهو: كتاب العشر مقالات في العين، يذكر في السنة الأولى منها طبيعة العين وتركيبها، وطبيعة الدماغ ومنافعه، والعصب الباصر والروح الباصر، وجملة الأشياء التي لا بد منها لحفظ الصحة واختلافها، وأسباب الأمراض الكائنة في العين، ويعرض في الأربع المقالات الأخيرة قوى جميع الأدوية عامة (المقالة السابعة)، ثم يذكر أجناس الأدوية للعين خاصة وأنواعها (الثامنة)، ثم مداواة أمراض العين (التاسعة)، وفي المقالة العاشرة الأدوية المركبة الموافقة لأمراض العين، ولننظر إلى هذه المقالات بشيء من التفصيل.

أما المقالة السابعة «في جميع الأدوية المفردة عامة» فهي تبحث عن قوى الأدوية المفردة على نحو ما جاء في البابين: الرابع والخامس من كتاب جالينوس «في قوى الأدوية المفردة»، ويشرح مذهب الطبيب اليوناني في الأدوية، والنظرية مبنية — كما سلف القول — على نظرية تركيب الأدوية من العناصر الأربعة: النار والهواء والماء والأرض.

ويقول في قوى الأدوية ما يأتي: «أما قوى الأدوية فمنها أوائل ومنها ثوانٍ ومنها ثوالث، فالأوائل أربعة: الحار والبارد والرطب واليابس، ولكل واحد من هذه أربع درجات، وفي كل درجة ثلاثة مواضع: أول وآخر ووسط، فما في الدرجة الأولى هو ما غيَّر البدن عن الاعتدال إلا أنه لم يغيره تغييرًا بيِّنًا فيحتاج في تغييره إلى برهان.

وما في الدرجة الثانية هو ما غيَّره تغييرًا بينًا ليس بشديد، وما في الدرجة الثالثة هو ما غيَّره تغييرًا شديدًا ليس بمفسد، وما في الدرجة الرابعة هو ما غيَّره تغييرًا مفسدًا، والحار يفسد بالإحراق، والبارد بالخدر وكل ما هو في الدرجة الرابعة من اليبس فإنه أيضًا يُحْرَق، فهذه الأوائل. وأما الثواني، فالمنضج maturing، والملين softening، والمصلب hardening، والمسدد obstructive، والفتاح للسدد aperient، والجلاء cleansing، والمخلخل rarefying، والكثَّاف condensing، والمفتح لأفواه العروق والمضيق لها، والمحرق caustic، والمعفن putrefactive، والناقص للحم that which reduces flesh، والدامل that which produce cicatrisation، والباني that which make flesh grow، والجاذب attracting، والبازهر antidote، والمسكن analgesic.
وأما الثوالث، فمثل أن يكون الدواء يفتِّت الحجارة أو يعين على نفث ما في الصدر، أو يولد اللبن ويدرُّ الطمث أو يدرُّ البول.»٤

وتتناول المقالة الثامنة «أدوية العين وأجناسها وفنون استعمالها»، فمنها ما هو من النبات ومنها ما هو من المعادن، ومنها ما هو من الحيوان، والتي هي من النبات منها صموغ مثل الحلتيت والسكبينج والأفربيون والمر والكندر والأفيون والصمغ والكثيراء والبارزد والأنتر روث والخضض والأشق، ومنها ما هي عصارات كعصارة الهوفوقسطيذاس والأقاقيا وماء اللقاح وماء البابونج والصبر والنشاستج، ومنها ما هو ورق مثل الساذج، ومنها ما هو خشب مثل السليخة والدار صيني وعيدان البطباط، ومنها ما هو قشر مثل قشر الكندر وقشر اليبروح، ومنها ما هو عقود مثل الحماما، ومنها ما هو سنبل مثل سنبل الطيب.

وأما الأدوية المعدنية، فهي الشاذنة، والملح، والنوشادر، والزرنيخان، والزنجار، والأقليميا، والزاج، والرصاص، والإثمد، والقلقنت، والقلقديس، والنحاس، والإسفيذاج، وزهرة النحاس، وأبسوريقون، والنوتيا، وتوبال الحديد، وتوبال النحاس.

وأما الأدوية التي من الحيوان، فبعضها من رطوباتها كالمرارات واللبن وبياض البيض، وبعضها من أعضائها كالقرون والجندباستر، ثم يبين حنين قوة كل واحدٍ منها بإيجاز.

أما أجناس الأدوية المستعملة للعين فسبعة: الأول مسدد والثاني مفتح والثالث جلاء والرابع معفن والخامس قابض والسادس منضج والسابع مخدر.

وفي المقالة التاسعة يضع حنين علاج كل واحد من الأمراض ولكن بدون ترتيب، مع الخوض هنا وهناك في تفسير الأمراض العامة من الوجهة النظرية، ثم يأخذ حنين في وصف علاج الأمراض المذكورة في المقالة السادسة مع توسع في بعضها.

أما المقالة العاشرة فهي تحتوي على تحضير الأدوية المركبة لعلاج أمراض العين، فيتكلم حنين عن تحضير مراهم العين (الشيافات)، وأورد قائمة بأربعين مركَّبًا منها وأربعة أكحال نقلها عن الأطباء اليونانيين، وقد وُفِّق الدكتور مايرهوف الذي نشر هذا المخطوط لأول مرة إلى تحقيق معظمها والكشف عن جلية الأمر فيها معتمدًا على المصادر اليونانية، وهي خير معوان في تحقيق المصطلحات العربية العلمية المترجمة عن التراث اليوناني القديم، ونذكر بعض هذه الوصفات:

صفة شياف منجح يسكن العلة من يومه وينعت بخرء الكلب ويحلل الورم من ساعته.*  Recipe for a useful eye-salve wich soothes the pain from the very first day, with the epithet “dog’s excrement”.
يؤخذ: Take:
إثمد أربعون مثقالًا 40 drachms Stibium
قاقيا أربعون مثقالًا 40 dr. Acacia
قليميا ستة مثاقيل 6 dr. Cadmia
مر أربعة مثاقيل 4 dr. Myrrh
صبر مثقالان 2 dr. Aloes
سنبل الطيب أربعة مثاقيل 4 dr. Nard
حضض أربعة مثاقيل 4 dr. Indian lycium
جند بادستر مثقال 1 dr. Castoreum
نحاس محرق مغسول أربعة عشر مثقالًا 14 dr. Burnt and washed copper
أسفيذاج ثمانية مثاقيل 8 dr. White load
أفيون مثقالان 2 dr. Opium
قلقطار محرق مثقالان 2 dr. Yellow burnt vitriol
صمغ عربي أربعون مثقالًا 40 dr. Gum-Arabic
تُعْجَن هذه الأدوية بماء طبيخ الورد، ويُستعمل الشياف ببياض البيض Knead these remedies with the water of decoction of roses, apply the eye-salve with white of eggs and dilute it well. Thus it will be quiet excellent.
نفس المصدر، ص١٣٣ و١٩٩.
صفة شياف يُقال له: ليبيانون ينفع من الاحتراف والمدة الكامنة في العين ونتوء الطبقة العينية في القروح*  Recipe for an eye-salve called libianon useful for inflammation hypopyon, prolapse pf uvea (iris) and ulcers.
يؤخذ: Take:
إثمد محرق مغسول ١٢ مثقالًا 12 drachms Burnt and washed stibium
أقليميا محرق مغسول أوقيتان 2 oz. Brunt and washed cadmia
أسفيذاج ١٦ مثقالًا 16 dr. White lead
أسرب محرق مغسول ٨ مثاقيل 8 dr. Brunt & washed lead
طين يعرف بالكوكب ٨ مثاقيل 8 dr. Clay known as “star-clay”
توتيا ٨ مثاقيل 8 dr. Tutty
مر مثقالان 2 dr. Myrrh
أفيون مثقالان 2 dr. Opium
نشا ١٢ مثقالًا 12 dr. Starch
كثيرًا ٨ مثاقيل 8 dr. Gum-tragacanth
صمغ ٤ مثاقيل 4 dr. Gum-Arabic
تُسْحَق الأدوية بالماء Pound the remedies with water
نفس المصدر، ص١٤٤ و٢١٢.

ويحتوي مخطوط «العشر مقالات في العين» على خمسة رسوم تخطيطية للعين، وكانت في الأصل ثمانية أو عشرة، ويقول مايرهوف عن هذه الرسوم: «ولما كان الكتاب مقتبسًا من كتب اليونان فإن هذه الرسوم كانت لا شك موجودة في النسخ اليونانية، ونقلها الأطباء العرب والسوريون الذين ترجموها، ثم هي أيضًا أول رسوم معروفة لتشريح العين، وهي أرقى بكثير من تلك الرسوم التي زُيِّنَت بها الكتب الأوروبية في القرون الوسطى» (ص٥٧).

وقد نَشَرَ هذا المخطوط الفريد الدكتور مايرهوف نشرة علمية، وقدَّم له مطولًا وترجمه إلى الإنجليزية بالقاهرة سنة ١٩٢٨م.

ولحنين بن إسحاق كتاب آخر في العين عنوانه: «كتاب المسائل في العين»، وهو ثلاث مقالات ومحرَّر على طريقة السؤال والجواب ألَّفه لولديه: داود وإسحاق، وهو مئتان وتسع مسائل وقد نشره الأب سباط والدكتور مايرهوف بالقاهرة سنة ١٩٣٨م، وقدَّما له وترجماه إلى الفرنسية، والكتاب لا يعرض للأدوية.

وهناك بعض كتبه التي ذاعت بها شهرته في القرون الوسطى بأوروبا، مثل: تفسير كتاب الصناعة الصغير لجالينوس «المدخل» والذي تُرْجِم إلى اللاتينية تحت عنوان Isagoge Johannitii.

أما كتاب «المسائل في الطب»، فهو عبارة عن مقدمة للطب العام على شكل أسئلة وأجوبة، وقد كان هذا الكتاب مرجعًا فسَّره كثير من أطباء العرب وعلَّقوا عليه، ويوجد في أوروبا عدد وافر من هذه المخطوطات لم تُنْشَر بعد، وقد أحصى المستشرق جيرييلي ٤٧ كتابًا من مؤلَّفات حنين الخاصة بالطب فُقِدَ أكثرها لسوء الحظ، هذا بخلاف ما كتب في مواضع شتى مثل المنطق والنحو وتاريخ جامع وصل به إلى حكم العباسيين ومسائل دينية؛ ولذا لم يبالغ الدكتور لوكلير في شيء حينما قال مستهلًّا بحثه المسهب عن حنين بن إسحاق:

«يعد حنين أقوى شخصية أنجبها القرن التاسع، بل من أشد رجال التاريخ ذكاءً وأحسنهم خلقًا، فنطاق أبحاثه الشاسع الأطراف واختلاف أنواعها وامتيازها وأهميتها، والمحن التي تحمَّلها بشجاعة ونبل في بدء حياته العلمية وفي أثنائها مما يبعث الاهتمام ويجذب القلوب إليه، وهو وإن لم يكن باعث النهضة في الشرق إلا أن أحدًا لم يشارك في تلك النهضة مشاركة فعالة وراسخة ومثمرة كما فعل حنين.»٥
١  البخلاء، طبعة فان فلوتن، ليدن، ١٩٠٠م، ص١٠٩، طبعة القاهرة (الحاجري)، ١٩٤٨م، ص٦٠.
٢  ذكر هذا النص الدكتور مايرهوف في مقدمة كتابه: كتاب العشر مقالات في العين، ص٢٩.
٣  نفس المصدر، ص٣٠.
٤  نفس المصدر، ص١٥٧.
٥  LEGLERC (L.), Histoire de la médicine arabe ج١، ص١٣٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤