الفصل الأول

التدريس المُتمركِز حول المُتعلِّم: الجذور والأصول

يَحكي هذا الفصل قصَّتين؛ فهو يَسرد كيف صرتُ معلمةً تَتبع أسلوب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، ويعرض نبذةً سريعة عن أصل الأفكار الخاصة بهذا النوع من التدريس وتاريخها. تبدأ قصة التدريس المُتمركِز حول المتعلم قبل فترةٍ طويلة من جهودي المبذولة في سبيل التركيز على تعلُّم الطلاب. وتعتمد الأساليب التي بدأتُ أستعين بها على مجموعةٍ من النظريات التربوية؛ بعضها حديث نسبيًّا والبعض الآخر راسخ وقديم. وهذه النظريات تساعد في تفسير السبب في أن هذه الطريقة في التدريس تُشجِّع على التَّعلُّم وتَشرح كيفية قيامها بذلك. إنَّ الإلمام بهذه النظريات يُسهِّل تحديد ما إذا كانت هذه الفلسفة التدريسية تَتناسب مع المعتقدات التربوية السائدة حاليًّا، أو ما إذا كان التدريس باستخدام هذه الأساليب سيُمثِّل تغييرًا في الفلسفة التربوية. كما يُقدِّم الإطار النظري معايير يُمكن استخدامها لتقييم مدى فاعلية هذه الأساليب عند تطبيقها. وفي النهاية، يُسهِّل الاطِّلاعُ على النظريات تعقُّبَ أصل خطوط البحث المتنوعة التي يستعرضها الفصل الثاني.

ويتسم التداخل بين قصتي وهذه النظريات بالمتعة والتشويق؛ فأنا لم أبدأ مشواري المهني وأنا أطمح في أن أصير معلمة تَتبع طرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم، بل لم أدرك حتى أنَّ التغييرات التي كنتُ أُطبقها يمكن أن تندرج تحت هذا الاسم. فكما هي الحال مع الكثير من أعضاء هيئات التدريس ممَّن هم في منتصف مشوارهم المهني، كنتُ أبحث عن أفكارٍ جديدة، وكان جزءٌ من السبب يُعزَى إلى حاجتي إلى التطوُّر والتغيير، بينما يُعزَى الجزء الآخر إلى أنَّ الكثير مما رأيته داخل قاعات الدراسة بدا أنه غير فعَّالٍ إلى حدٍّ كبير. وقد اخترتُ الأفكار التي راقت لي، والأفكار التي ظننتُ أنَّ بإمكاني إنجاحَها، واستغرقتُ بعض الوقت قبل أن ألاحظ أن الأساليب التي كنتُ أستخدمها تَجمعها خصائص مشتركة؛ بل واستغرقتُ وقتًا أطول قبل أن أكتشف أن ما أقوم به يرتكز على أُسُس نظرية قوية. وحالما اكتشفتُ هذه الأمور، شعرت أنني مُحقَّة فيما أفعل. فما كان يحدث داخل قاعة الدراسة خاصَّتي لم يكن ضربة حظ؛ إذ استجاب الطلاب بالطريقة التي استجابوا بها لأسبابٍ وجيهة، ولكن ليست هذه النقطة التي تبدأ عندها قصتي.

فيما يلي أسرد قصتي، وأضرب أمثلةً توضِّح أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، وتُعطي هذه الأمثلة بعض الرؤى بخصوص الكيفية التي يمكن بها تعريف هذا النوع من التدريس. كما أنني أُلقي الضوء على كل جانبٍ من الجوانب الخمسة التي طبقتُ فيها التغييرات، وهذه الجوانب هي موضوع فصول الجزء الثاني، وهي محور ما أستعرضه حول هذا النوع من التدريس. يلي عرض قصتي مناقشة النظريات، وتتضمَّن تلك المناقشة أمثلةً أيضًا؛ وبهذا، فهي تُوفِّر سياقًا محددًا للنظريات، وتُسهِّل قليلًا تحديد إطارٍ عام للتدريس المُتمركِز حول المتعلم مُستخلَص من النظريات المتنوعة.

(١) قصتي مع التدريس المُتمركِز حول المتعلم

كما هي الحال مع معظم الدروس المهمَّة في الحياة، كان ما توصلتُ إليه من معتقدات متعلقة بالتدريس المُتمركِز حول المتعلم نتاجًا لمجموعة أحداث وتَجارِب وليدة الصدفة، ويتَّسم أهمها بأنها متداخلة ومتضافرة للغاية؛ بحيث إنَّ سردها بأسلوبِ تداعي الذكريات سيَصِف كيف حدثَت على نحوٍ أكثر دقة. ومع ذلك، سأسرد كلًّا منها على حِدَة؛ بهدف الحفاظ على عنصر الترابط.

(١-١) الأحداث والتجارِب: أمورٌ حفزت التغيير

بدأ التحوُّل الخاص بي عام ١٩٩٤، عندما عُدت إلى قاعة الدراسة لتدريس المواد الأساسية للطلاب الجُدد؛ وذلك بعد عدة سنوات من العمل على تنمية مهارات أعضاء هيئات التدريس ومشروعات الأبحاث التعليمية، والتدريس لطلاب السنوات النهائية والدراسات العليا من آنٍ لآخَر. كانت هذه إحدى النقلات التي قمت بها في مُنتصف مشواري المهني، والتي حفزها إدراك أنَّ وقت إنجاز المهام لم يَعُد غير محدودٍ كما كان يبدو. وبينما أخذتُ أُعيد حساباتي وأحاول أخذ قرارٍ بشأن ما أريد القيام به فيما تبقَّى من مشواري المهني، اتَّضح لي أن أهمَّ عملٍ قمت به وكان أكثرَ إرضاءً لي على المستوى الشخصي هو ذلك العمل الذي قمتُ به داخل قاعة الدراسة؛ ولذا قررتُ أن أعود مجددًا لأُنهيَ مشواري المهني كما بدأته، بالتدريس للطلاب الجامعيين.

وقد عدتُ تحدوني رغبة في التدريس بطريقةٍ مختلفة؛ رغم أنه لم تكن لديَّ أفكار واضحة للغاية بشأن ما كان يَسود طريقة تدريسي أو الطريقة التي أردتُ بها إحداث تغيير. انشغلت أكثر بالتفكير في الطلاب وحقيقة أن افتقادهم إلى الثقة بأنفسهم يمنعهم من أن يُبلوا بلاءً حسنًا في مقررات مادة التواصُل اللفظي الأساسية التي أُدرِّسها لهم. كان الطلاب بحاجةٍ إلى تَخطِّي الشعور بعدم الثقة بالنفس والارتباك والخوف من الفشل؛ ليصلوا إلى مرحلة طرح الأسئلة داخل قاعة الدراسة، والمشاركة في إحدى المجموعات، والتحدُّث بسلاسةٍ وترابُط أمام الأقران. وخطر لي أنَّني يُمكن أن أُعالِج المشكلة عن طريق منح الطلاب إحساسًا أكبر بالسيطرة والتحكم. فماذا لو قدَّمتُ لهم بعض الاختيارات وتركتُهم يتخذون بعض القرارات بشأن عملية تعلُّمهم؟

وفي أول فصلٍ دراسيٍّ لي بعد عودتي إلى التدريس داخل قاعات الدراسة، قررتُ أن أُجرِّب هذا الأسلوب في مُحاضرتي الصباحية. صممتُ مقررًا دراسيًّا للمُبتدئين حول التحدُّث أمام الجمهور يحتوي على واجب إجباري واحد فقط؛ ألا وهو واجب «إلقاء خطبة» الذي يَهابه الجميع. فيجب أن يُلقوا خطبةً واحدةً على الأقل. أما باقي المقرَّر الدراسي فيُقدِّم لهم تشكيلةً متنوعة من خيارات الفروض الدراسية، مثل: تصميم سجل سير التَّعلُّم، وتنفيذ مشروعات جماعية مختلفة الأنواع، والحصول على درجات إضافية للمشاركة وتحليلها، ونقد الأقران، وعقد مقابلة شخصية أو الخضوع لها أو القيام بكليهما، والاختبارات التقليدية المعتمِدة على أسئلة الاختيار من متعدد. يَشتمل الملحق الأول الوارد في نهاية الكتاب على نسخةٍ من خطة هذا المنهج الدراسي، كما يُمكنك أن تلاحظ في هذا الملحق؛ فلكلِّ فرضٍ دراسيٍّ قيمة محددة تُقاس بالنقاط؛ فهو ليس مجرَّد فرضٍ يؤديه الطالب للحصول على الدرجة النهائية وحسب. وبإمكان الطلاب أن يختاروا حلَّ العدد الذي يرغبونه من الواجبات الدراسية، كَثُر هذا العدد أم قَل؛ وذلك استنادًا إلى التقدير الذي يرغبون في الحصول عليه في تلك المادة. وكل واجبٍ من هذه الواجبات الدراسية مُرتبط بتاريخٍ محدَّد لتقديمه؛ وبمجرد انقضاء هذا التاريخ، لا يُمكن تقديم ذلك الواجب.

خلال أول يومين، كان الطلاب مرتبِكين تمامًا. أتذكَّر حوارًا دار مع أحد الطلاب حول ما إذا كانت الاختبارات إجبارية. قال لي: «يجب أن تكون إجبارية؛ فإذا كانت الاختبارات اختيارية، فلن يخضع لها أحد.» فأجبت: «بالتأكيد سيفعلون؛ فالطلاب بحاجةٍ إلى درجاتٍ لاجتياز المادة.» رد قائلًا: «ولكن ماذا سيَحدث لو لم أخضع للاختبارات؟» قلت: «حسنًا، عليك بحلِّ الواجبات الدراسية الأخرى، وستحصل بهذه الطريقة على درجاتك.» فسأل: «ولكن ماذا سأفعل في أيام الاختبارات؟» فقلت: «نَمْ!» قال بعض الطلاب إنه لم يكن في استطاعتهم تحديد أيٍّ من الواجبات الدراسية ينبغي لهم تأديته، وطلبوا مني أن أتخذ القرار نيابةً عنهم، بل إن كثيرًا منهم أرادوا مني الموافقة على مجموعة الواجبات الدراسية التي اختاروها.

وحالما مرَّت مرحلة الارتباك بسلام، فوجئتُ بما حدث خلال بقية الفصل الدراسي. لم يكن لديَّ سياسة لمتابعة الحضور والغياب، ولكنني حظيتُ بمعدل حضور أفضل من أي فرقةٍ دراسية أخرى يُمكنني تذكُّرها. بدأ المزيد من الطلاب (ليس جميعهم، وإنما مُعظمهم) العمل بكدٍّ في وقتٍ مبكر من دراسة المادة، وأعلن بعض الطلاب بإصرارٍ شديد أنهم سيؤدُّون كل الواجبات الدراسية إذا كان هذا ما يلزم للحصول على درجاتٍ كافية لنَيل تقدير ممتاز. اندهشتُ من هذا التغيير في موقف الطلاب! يا للعجب! أيوجد طلاب راغبون في العمل وبلا شكوى؟ استمرَّ مستوى الطاقة العالي والحس التفاؤلي اللذَين لاحظتهما على الطلاب في الغالب خلال الأيام القليلة الأولى من مُدة دراسة المادة، وحتى حين بدأ الضغط في الفصل الدراسي. كان هؤلاء الطلاب أكثر انخراطًا ومشاركة؛ حيث إنهم كانوا يَطرحون الأسئلة بصفةٍ دورية، ويُواصلون النقاش لوقتٍ أطول، وفي النهاية كانوا يختلفون في الرأي معي ومع طلابٍ آخرين على نحوٍ فاقَ الطلابَ المستجدِّين الآخَرين على قدر ما أتذكر. كلا، لم يكن الأمر أشبه بالوصول بالعملية التعليمية إلى حالةٍ مثاليةٍ حالمة، بل ظلَّت هناك إخفاقاتٌ في الوفاء بالمواعيد النهائية لتسليم الواجبات، وأعمالٌ دون المستوى، واختياراتٌ تعليمية مُتواضعة، إلا أن كل هذه الأمور حدثت بوتيرةٍ أقل. كنتُ بصدد التوصُّل إلى شيءٍ ما بالتأكيد، ومِن ثَمَّ قررتُ أن أواصل التجربة على تلك الفرقة.

في تلك الفترة، طُلب مني مراجعة مسوَّدة كتاب لبروكفيلد (١٩٩٥) بتعاقُدٍ مع دار نشر جوسي-باس، وبعد ذلك نُشر الكتاب تحت عنوان «كيف تصبح معلمًا ذا تفكير نقدي؟» وهو الكتاب الذي أشيرُ إليه في كل عملٍ أُؤلفه. عدد قليل من الكتب التي قرأتُها قبله أو بعده كان له مثل هذا التأثير البالغ على تفكيري التربوي. في البداية اكتشفتُ مقدار ما يُمكن للمرء أن يتعلَّمه بخصوص طريقته في التدريس؛ وذلك عن طريق ممارسة التأمُّل النقدي؛ حيث يصف بروكفيلد طرقًا تُتيح للمُعلمين تحليل الممارسات المرتبطة بعملية التدريس؛ بحيث يمكنهم تحديد الافتراضات التي تَستند إليها بكل وضوح. ومنذ ذلك الحين، تعلمتُ الكثير جدًّا من تربويين آخَرين في مجال تعليم الكبار يَدرسون ويَصِفون ويُشجِّعون هذا النوع من التأمُّل النقدي وما يَنتج عنه عادةً من تعلُّمٍ تحويلي (ميزيرو وزملاؤه، ٢٠٠٠؛ وكرانتون، ٢٠٠٦). وسأُناقش نظرية التَّعلُّم التحويلي، ضمن نظرياتٍ أخرى، في موضعٍ لاحق من هذا الكتاب. ولكن كان بروكفيلد أول مَن مكَّنني من الإمساك بمرآةٍ لرؤية الطريقة التي أتبعها في التدريس، والصورة التي رأيتُها لم أكن أتوقَّعها على الإطلاق؛ إذ كانت بعيدةً تمامًا عن الإطراء.

رأيتُ في تلك المرآة معلمةً مستبدة ومتسلطة تُدير كلَّ شيءٍ تقريبًا يحدث داخل قاعة الدراسة. كنتُ أتخذ جميع القرارات، وأفعل ذلك دون الاكتراث كثيرًا بتأثير هذه القرارات على تعلُّم الطلاب وتحفيزهم. ونظرًا لأنني كنت تقريبًا مُركِّزة تمامًا على عملية التدريس في حد ذاتها، فقد خلقتُ بيئةً تعليمية داخل قاعة الدراسة تستعرض براعتي في التدريس. وهكذا، كانت عملية تعلُّم الطلاب تحدث من تلقاء نفسها وحسب؛ باعتبارها نتاجًا لتفانيَّ في التدريس الفائق المستوى. وبصرف النظر عن الموضع الذي وجَّهتُ إليه المرآة، لم أكن أرى أحدًا مطلقًا سوى شخص المعلمة.

قبل قراءة كتاب بروكفيلد، كنت أُجرِّب بعض الاستراتيجيات الجديدة المثيرة للاهتمام؛ أما بعد قراءته، فقد حاولتُ أن أُغيِّر المعلمة ذاتها. وقد اتَّضح أن إعادة صياغة المقرَّر الدراسي أسهل كثيرًا من «إصلاح» طرق التدريس المُتمركِز حول المعلم التي كنت أتبعها بحذافيرها. ونجح فلاخمان (١٩٩٤) في وصف ما كنتُ أشعر به بالضبط حينها عندما قال:

أشعر بالإحراج قليلًا حين أُخبرك أنني اعتدت الشعور بالرغبة في تلقِّي الإشادة بما لديَّ من رؤًى وأفكارٍ ذكية داخل قاعة الدراسة. ولقد بذلتُ جهدًا كبيرًا لأتعلم هذه الحقائق … كنتُ أرغب، في داخلي، أن ينظر إليَّ طلابي نظرةَ تبجيلٍ وإجلال. أما الآن، فإنني أُومِن بأن العكس ينبغي أن يحدث؛ أي ينبغي أن يكون كل طالب هو مصدر المعرفة ومالكها، وأن يكون هدفنا الرئيسي باعتبارنا معلمين أن نساعد طلابنا على اكتشاف أهم الحلول، وأدوَمها، لمشكلات الحياة داخل أنفسهم. وحينئذٍ فقط يكون في مقدورهم أن يمتلكوا حقًّا المعرفة التي نتقاضى أجرًا نظير تعليمهم إياها [ص٢].

وفيما يلي يوضح معلمٌ مُحنَّك آخَر هذه النقطة قائلًا: «أصبحتُ أُدرِك أن الأمر لا يرتبط بحجم معرفة الطلاب، وإنما يرتبط بما يُمكنهم القيام به. وعلى المنوال نفسه، فالتدريس لا يرتبط بما أعرفه، وإنما بما أُمكِّن الآخَرين من القيام به» (فيلبس، ٢٠٠٨، ص٢).

كان لحدثٍ آخَر أثناء هذه الفترة تأثيرٌ قوي أيضًا على طريقة تفكيري؛ فعلى مدار سنوات، كان زوجي، مايكل، يرغب في بناء قارب خشبي. وقد أخذ يجمع الكتب ويشتري الرسومات التوضيحية، واشترك في مجلة «وودين بووت»، وكان يشاهد بتمعُّنٍ برنامج «كلاسيك بووت» على شاشة التليفزيون، حين كان يُذاع على قناة سبيد فيجَن. بعد ذلك اشترينا قطعة أرضٍ على إحدى الجُزر، وخطَّطنا لبناء منزل عليها، وكنا بحاجةٍ إلى قاربٍ كبير الحجم يَكفي لنقل المؤن والمعدات إلى الموقع. ومع تسلُّحه بمجموعةٍ من الرسومات التوضيحية الأولية (اختيرت بعد مُعاينة المئات)، بدأ مايكل بناء هيكل القارب الخشبي. تسلَّلت كلمات جديدة لقاموس مفرداته؛ فكان يُثرثر على العشاء عن العوارض الخشبية، وشكل الزوايا المُنحنية لمقدمة القارب والحواف الجانبية، ورافدة القص، والألواح الطولية. بعد ذلك، غطَّى هيكل القارب بطبقة خشب رقائقي ضد المياه، وهو شيء لا يُحصَل عليه بسهولةٍ في وسط ولاية بنسلفانيا غير الساحلية. اجتمع الحيُّ بأكمله ليساعد في قلب هيكل القارب. ثم حان الوقت لتشييد الأرضية وتصميم غرفة القيادة وتجديد المحرِّك. كانت كل خطوة يصحبها تعلُّم مجموعة جديدة تمامًا من المهام. وخلال الأمسيات، كان يُشاهد شرائط الفيديو التي توضِّح تقنيات الألياف الزجاجية، وفي كل يومٍ يظهر كتالوج جديد للإمدادات البحرية في صندوق الرسائل الإلكترونية الواردة.

وبعد ساعات من العمل امتدَّت على مدار شهور، ظهرت «سفينة نوح»؛ وهي عبارة عن قارب خشبي طوله سبعة أمتار على شاكلة القوارب البخارية الطويلة. كان للقارب هيكل أبيض اللون، أملس السطح، وخط رائع الشكل، أصفر اللون، وغرفة قيادة مصنوعة بإتقان من خشب الدردار، ويُزوِّده بالطاقة محرك طراز ميركروزر تمَّ تجديده بالكامل، إلا أنه لا يتسم بالكفاءة في استهلاك الوقود. علا القاربُ صفحةَ المياه في سلاسة، وتهادى فوق السطح في نعومة، وشقَّ طريقه عبر قِمَم الأمواج البيضاء اللون وفوق المياه المائجة بثباتٍ وثِقة، وسحَب بثقةٍ مَركبًا كبيرًا محمَّلًا بشحنات من مواد البناء؛ لافتًا الأنظار دومًا عند انطلاقه على مرأًى من الجمهور. وقد تجرَّأ أحدهم على سؤال زوجي قائلًا: «مِن أين حصلت على ذلك القارب؟» وكان زوجي يُجيب، وهو عاجز عن إخفاء نبرة التفاخُر في صوته، قائلًا: «بنيتُه بنفسي.»

لقد استغرق بناء قاربٍ خشبي وقتًا ومالًا أكثر مما كنتُ أتخيل. وإلى جانب تلك المفاجآت، اندهشتُ من الثقة التي تَعامَل بها زوجي مع المهمة. من أين جاءته هذه الثقة؟ ما الأساس الذي ارتكز عليه؟ لم يَبنِ زوجي قاربًا من قبلُ قط؛ أجَل، لقد بنى منازل، وصمَّم أثاثًا، ولكنه لم يَبنِ قاربًا. وبينما كان المشروع يُحرِز تقدمًا وكانت النفقات المقيَّدة على بطاقة الائتمان تتزايد، شعرتُ أنه من الحكمة — من الناحية المالية — أن أتساءل بصفةٍ شهرية تقريبًا قائلة: «هل تعرف ما الذي تقوم به؟» «هل سيكون فعلًا قاربًا يُمكننا استخدامه؟» وظلَّت إجابته واحدةً دائمًا: «كلا، لا أعرف ما الذي أقوم به، ولكنَّني أتعلم. بالتأكيد، سينتهي الأمر. إننا بحاجةٍ إلى قارب، أليس كذلك؟»

ثَمَّةَ مُفارقة لم تَفُتْني، بل إنها في الواقع أزعجتْني؛ فمايكل خِريجٌ جامعي؛ حيث إنه حصل على درجةٍ علمية في الهندسة الصناعية في أوائل الثلاثينيات من عمره، وبالنسبة إليه لم تكن الدراسة الجامعية تَجرِبةً طورت إحساسه بالثقة بنفسه كمتعلم. في الواقع، لقد حدث العكس تمامًا؛ إذ تخرَّج في الجامعة وهو يتملكه شعور بأنه أفلت بشِقِّ الأنفس، وشعور بالإحباط الشديد حيال ما تعلمه، وإحساس بالتوتُّر بسبب الظروف التي كان يُتوقَّع منه أن يتعلم في ظلها؛ فهو يعزو الفضل في تطوير ثقته بنفسه إلى والده. وضايَقني أن تَجرِبته في الجامعة شككتْه في إيمانه فيما كان باستطاعته القيام به. ينبغي أن تكون الجامعة مرحلةً ومكانًا يُتيحان للطلاب تنمية مهارات التَّعلُّم التي يرتكز عليها الشعور بالثقة.

وفي أثناء التفكير مليًّا، حاولتُ أن أتخيَّل مَن مِن طلابي قد يكون لديه استعدادٌ ليتعامل مع مشروعٍ تعليمي مُعقَّد يَعرف عنه القليل. لم يخطر على بالي أحد. لم أرَ في طلابي أو في نفسي، إحقاقًا للحق، شيئًا يُشبه الثقة والمثابرة اللتين واجه بهما زوجي حاجته لتعلُّم كيفية بناء قاربٍ خشبي. وهذا قادني إلى التفكير في نوعية التجارِب المتاحة داخل قاعة الدراسة التي من شأنها أن تُنمي هذه الثقة بالنفس، وتُنمي مهارات التَّعلُّم المتطورة هذه. لم أستطع الإجابة عن ذلك السؤال على الفور، ولكنَّني صرت مقتنعةً فعلًا بأن إحدى مَهامِّي بصفتي معلمةً هي تنمية مهارات التَّعلُّم وتنمية الثقة بالنفس لاستغلال هذه المهارات.

إن تحديد ذلك الهدف غيَّر من طريقة تفكيري حيال العديد من الجوانب الخاصة بعملية التدريس؛ فبدأتُ أرى محتوى المقرَّر الدراسي من زاويةٍ مختلفة. لقد تحوَّل من كونه غايةً إلى كونه وسيلة، وتغيَّر من كونه شيئًا أقوم بتغطيته إلى شيءٍ أستعين به لتنمية مهارات التَّعلُّم وتنمية الوعي بعمليات التَّعلُّم. توقفتُ عن افتراض أن الطلاب كانوا يتعلمون كيف يَشتقُّون الأمثلة، ويَطرحون الأسئلة، ويُفكِّرون بطريقةٍ نقدية، ويكتسبون عددًا كبيرًا من المهارات الأخرى عن طريق ملاحظتهم لي وأنا أقوم بذلك. فإذا كان للطلاب تنمية هذه المهارات، فعليهم أن يكونوا هم مَن يمارسونها؛ وليس أنا. كما رأيتُ التقييم بوصفه أكثر من مجرَّد آليةٍ تُنتج التقديرات الدراسية؛ فقد صار موضعًا فعالًا لتعزيز عملية التَّعلُّم وتنمية مهارات التقييم الذاتي وتقييم الأقران.

وهكذا، بينما استمر تحوُّل طريقة تدريسي نحو التدريس المُتمركِز حول المتعلم، أدركتُ مدى ضآلة ما أعرفه حقًّا عن التَّعلُّم. لقد عرَّفني كتاب بروكفيلد، المستنِد إلى عددٍ من المراجع الجيدة، بجميع أنواع المصادر الجديدة. وفي الوقت نفسه، انتشر الاهتمام بالتَّعلُّم في مرحلة التعليم العالي انتشارًا سريعًا. لوهلةٍ بدا الأمر تقريبًا وكأنَّ التَّعلُّم قد اكتُشف أو ربما أُعيد اكتشافه من جديد. كانت هناك مطبوعات من شتى الأنواع متاحة للقراءة، وقد قرأتُها بطريقةٍ غير منظَّمة، تاركةً أحد المصادر يقودني إلى مصدرٍ آخر. وبينما كنتُ أتعلم المزيد عن عملية التَّعلُّم اكتشفتُ أن الأساليب الجديدة التي كنتُ أتبنَّاها ترتكز على مجموعةٍ متنوعة من النظريات التربوية، وأن الكثير منها تدعمه أبحاثٌ علمية.

(١-٢) تنظيم معرفتي

لم أُجرِّب تنظيم خليط الاستراتيجيات وأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم التي كنتُ أُطبقها حتى بدأتُ العمل على الطبعة الأولى من هذا الكتاب. كان هذا هو التوقيتَ الذي لاحظتُ فيه أنه يمكن جمع تلك التغييرات حول خمسة جوانب أساسية خاصة بممارسة مهنة التدريس. وظلَّت تلك الجوانب الخمسة تُنظِّم طريقة تفكيري حيال التدريس المُتمركِز حول المتعلم. وفي كلٍّ من الطبعة الأولى وهذه الطبعة، ثَمَّةَ فصل واحد مُخصَّص لكل جانبٍ من هذه الجوانب. وأعتبر هذه الفصول الخمسة جوهر عملي في موضوع التدريس المُتمركِز حول المتعلم.

ونظرًا لأن هذه الجوانب الخاصة بعملية التدريس محورية للغاية، فإنها تستحق الآن أن تُفرَد لها مقدمة خاصة. أبدأ بالكيفية التي يُغيِّر بها التدريس المُتمركِز حول المتعلم من «دور المعلم». لم أبدأ بهذا الفصل في الطبعة الأولى، ولكني أفعل ذلك في هذه الطبعة لسببين؛ أولًا: هذا موضعٌ جيد للبدء من عنده؛ لأنه أمر منطقي بالنسبة إلى أعضاء هيئات التدريس؛ فطُرق التدريس التي تُشجِّع عملية التَّعلُّم ليست تلك الطرق التي تُخبر الطلاب باستمرارٍ بما ينبغي لهم أن يفعلوه وما ينبغي لهم أن يعرفوه، وإنما هي تلك الطرق التي تُشجِّع عملية التَّعلُّم عن طريق تيسير اكتساب المعرفة؛ فلا يَستطيع أحد أن يضطلع بمهمة التَّعلُّم الصعبة والمعقَّدة سوى الطلاب أنفسهم. وثانيًا: أبدأ من هذا الموضع لأن تغيير دور المعلم هو أمر محوري ذو أهمية بالغة. لستُ متأكدةً من كونه أول شيء يجب تغييره؛ إلا أنه لا يُمكن إحداث أي تغييرٍ آخر إذا بقيَ دور المعلم على حاله. وأُكرِّر أن هذا الأمر ذو أهمية بالغة؛ لأنه على الرغم من أن هذا التغيير قد يَسهُل قَبوله على المستوى الفكري، فقد اكتشَف معظمنا أن تيسير عملية التَّعلُّم داخل قاعة الدراسة ليس أمرًا بسيطًا على الإطلاق؛ ومن ثمَّ، يَطرح هذا الأمر أمام المعلمين مجموعةً من التحديات المتواصلة.

يتطلَّب تغيير «توازن السلطة» داخل قاعة الدراسة قدرًا أكبر من المرونة على مستوى المفاهيم. تُعَد سُلطة المعلم أمرًا مسلَّمًا به؛ فهي من البديهيات، لدرجة أنَّ معظم المعلمين لا ينتبهون إلى ذلك الأمر. وسواءٌ أيُدركون ذلك الأمر أم لا يُدركونه، يبذل المعلمون جهدًا هائلًا للسيطرة على عمليات التَّعلُّم الخاصة بالطلاب؛ فهم يُقررون ما سيتعلمه الطلاب وكيف سيتعلمونه، ويُحددون الإيقاع، ويُهيئون الظروف التي في ظلِّها تحدث عملية التَّعلُّم، ويُنظِّمون انسياب عملية التواصل داخل قاعة الدراسة، وفي النهاية يُمنحون شهادةً تُبرهِن على ما إذا كان الطلاب قد تعلموا جيدًا، ومدى جودة التعليم الذي تَلقَّوه. إذَن، ماذا يتبقى للطلاب لكي يُقرِّروه؟ من قبيل المفارقة أن ما تبقى للطلاب هو أهمُّ قرارٍ على الإطلاق؛ ألا وهو أن يُقرِّر الطلاب إن كانوا سيتعلمون أم لا. وعلى الرغم من أن المعلمين لا يستطيعون أن يضمنوا نتائج التَّعلُّم، فإنَّ بإمكانهم أن يؤثِّروا بإيجابيةٍ على تحفيز الطلاب لكي يتعلموا؛ وذلك حين يَمنحون الطلاب قدرًا من السيطرة والتحكم في عملية التَّعلُّم. والتحدي الماثل أمام المعلمين، الذين يَتبعون التدريس المُتمركِز حول المتعلم، هو العثور على هذه الاستراتيجيات التي تتيح للطلاب الإمساك بزمام الأمور وتحمُّل المسئولية، بما يَتناسب مع قدرتهم على التعامل مع الأمر. إن الهدف وراء اتباع هذا النوع من التدريس هو إعداد طلابٍ ليُصبحوا متعلمين يَتسمون بالاستقلالية وتوجيه وتنظيم الذات.

تَبرز «وظيفة المحتوى» بوصفها العائق الأقوى أمام التغييرات الرامية إلى جعْل عملية التدريس متمركزة أكثر حول المتعلم؛ فالمعلمون لديهم قدر كبير من المحتوى ينبغي لهم تغطيته، وعندما يعمل الطلاب على محتوًى جديدٍ وغير مألوف بالنسبة إليهم، فهم لا يُغطُّونه بالقدر نفسه من الكفاءة مثل أعضاء هيئات التدريس. لا تزال المقررات المُتمركِزة حول المتعلم تحتوي على قدرٍ كبير من المحتوى، ولكنَّ المعلمين هنا «يُوظِّفون» المحتوى بدلًا من تغطيته؛ وهم يُوظِّفونه — كما اعتادوا دومًا — لتنمية القاعدة المعرفية، ولكنهم يُوظِّفونه أيضًا لتنمية مهارات التَّعلُّم التي سيحتاجها الطلاب على مدار حياتهم التعليمية. إن تسليح الطلاب بمهارات التَّعلُّم يتيح لهم تعلُّم المحتوى مُعتمدين على أنفسهم، وأحيانًا يكون هذا أثناء دراسة المادة نفسها أو بعد الانتهاء من دراستها عادةً.

يَشرع المعلمون، الذين يتبعون طرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم، في إحداث التغييرات التي تجعل الطلاب يتحملون قدرًا أكبر من «المسئولية تجاه عملية التَّعلُّم»؛ فهم يعملون على خلق أجواءٍ باعثة على التَّعلُّم، ويُحافظون على تلك الأجواء، سواءٌ أَجتمعَ الطلاب داخل قاعة الدراسة أم عبر شبكة الإنترنت! لقد صار المعلمون والطلاب يعتمدون كثيرًا على التحفيز الخارجي للدفع بعملية التَّعلُّم إلى الأمام. فالطلاب يؤدُّون المهامَّ من أجل الحصول على الدرجات والتقديرات الدراسية؛ لأنهم سيَخضعون للاختبار، أو لأن ثَمَّةَ نوعًا آخر من المتطلبات الدراسية التي تستلزم ذلك. ومن دون أساليب الترغيب والترهيب هذه، تتوقف الأنشطة التعليمية بالتدريج. من ثَمَّ، يجب أن يُوجَّه الطلاب نحو التَّعلُّم بطريقةٍ مختلفة؛ لذا يُتيح المعلمون الذين يتبعون طُرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم للطلاب فرصةَ خوض عواقب القرارات التي يتخذونها حيال عملية التَّعلُّم، مثل: حضور الدرس دون تحضير، وعدم المذاكرة للاختبار، وعدم المشاركة في العمل الجماعي. ويبذل المعلمون الذين يتبعون هذا النوع من التدريس أفضل ما لديهم من جهد لنقْل حب التَّعلُّم ومُتعته. فالمعلمون يقضون حياتهم في التَّعلُّم ولا يُفكِّرون مطلقًا في الدرجات.

وفي النهاية يُعيد المعلمون، الذين يَتبعون طُرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم، التفكيرَ في «أغراض التقييم والعمليات المرتبطة به». وبدايةً بالغرض، يُقيِّم المعلمون ما يعرفه الطلاب وما يستطيعون القيام به لسببين؛ فهم مُلزمون مهنيًّا بالشهادة على مدى إتقان الطلاب للمادة العلمية؛ إلا أنهم يستخدمون الأنشطة التقييمية مثل الاختبارات لأن التحضير للاختبارات والخضوع لها وظهور نتائجها كلُّها أمورٌ يُمكن أن تُشجع عملية التَّعلُّم. فهدف المعلم الذي يَتبع هذا النوع من التدريس هو زيادة القدرات التعليمية للحد الأقصى كجزء متأصِّل من أي تَجرِبة يُنتِج فيها الطلاب منتجًا أو يؤدُّون مهارةً أو يَستعرضون معرفتهم. أما بالنسبة إلى العمليات المُرتبطة بالتقييم، فتكون المشكلة في هذا المقام هي قلة الفُرص المتاحة أمام الطلاب لتنمية مهارات التقييم الذاتي، وتقييم الأقران أثناء الدراسة الجامعية. ونظرًا لأن التقديرات الدراسية لا تزال على قدرٍ كبير من الأهمية، يجب على المعلمين أن يَضعوا تقديرًا دراسيًّا لأعمال الطلاب؛ غير أن المتعلمين الناضجين يتمتعون بمهارات التقييم الذاتي ويستطيعون تقديم تقييمات للآخرين بطريقةٍ بَناءة. ويُصمِّم المعلمون، الذين يَتبعون طرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم، تَجارِب تعليمية تُتيح للطلاب فرص استكشاف هذه المهارات المهمة وتنميتها، ويَطمح هؤلاء المعلمون للتوصُّل إلى استراتيجيات وأساليب لا تمسُّ نزاهة عملية وضع التقديرات الدراسية.

منذ صدور الطبعة الأولى لهذا الكتاب، استعان آخَرون بهذا النسق التنظيمي للتفكير في أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم عند تقديم العروض التقديمية ونشر الإصدارات. ولا يزال هذا النسق منطقيًّا ومفهومًا؛ ومن ثَمَّ فهو يُمثِّل الهيكل الأساسي لهذه الطبعة الثانية كذلك.

(١-٣) وتستمر عملية التَّعلُّم

دَرَّستُ لمدة خمس سنوات أخرى بعد إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، وواصلتُ تنقيح الأساليب التي كنتُ أستخدمها وتطبيق أساليب جديدة. لكن لا يُمكنني تحديد التوقيت الذي تحوَّلتْ فيه مجموعة الأساليب التي جمعتُها من مجرد أشياء كنتُ أستمتع بتطبيقها إلى فلسفةٍ خاصة بالتدريس. هكذا، انتهى بها المطاف بالتأثير على الطريقة التي أفكر بها في كل جانبٍ من جوانب ممارستي لمهنة التدريس؛ فلقد تغيَّرتْ أشياء كثيرة لدرجة أنني أجد صعوبة في التعرُّف على المعلمة التي صِرتُها.

قبل تقاعُدي عن العمل، توصلتُ إلى عدة نقاط أخرى بخصوص هذا الأسلوب في التدريس؛ أولًا: هذا الأسلوب ليس طريقةً أسهل للتدريس؛ فهو يتطلَّب مهاراتٍ متطورةً خاصة بالتصميم التعليمي، فحين يعتمد الطلاب على أنفسهم أكثر من أجل التَّعلُّم، يرتبط ما يتعلمونه وكيفية تعلُّمهم له ارتباطًا مباشرًا بالأنشطة المستخدَمة لإشراكهم في عملية التَّعلُّم؛ ومِن ثَمَّ سيتعلمون قدرًا أكبر وبطريقةٍ أفضل إذا كانت هذه الأنشطة جيدة التصميم، سواءٌ أكانوا داخل قاعة الدراسة أم في المنزل. كان الكثير من الأنشطة التعليمية، التي كنتُ أستخدمها، هو الأنشطة ذاتها التي يؤدِّيها الطلاب في العديد من الموادِّ الأخرى؛ على سبيل المثال: اختبارات الاختيار من متعدد، وتقديم الأبحاث، والعروض التقديمية الجماعية. وكنتُ أستعين بها دون التفكير في إمكانية تغيير مواصفاتها والتحكم بها بطُرق تؤثر فيما تعلَّمه الطلاب وطريقة تعلُّمهم إياه. وعندما أعدتُ التفكير في هذه الواجبات والأنشطة، لم يكن من الواضح دومًا أيُّ التغييرات يمكن أن يسفر عن خبرات تعليمية أفضل. وقد توصلتُ إلى التغييرات المناسبة عن طريق الحصول على الكثير من التقييمات من الطلاب بخصوصها، واتباع أسلوب التجربة والخطأ. وتوقفتُ عن سؤالهم عما إذا كان نشاطٌ بعينه «أعجبهم» أم لا، وتقصَّيتُ تأثير هذا النشاط على الجهود التي يبذلونها للتعلم.

بالإضافة إلى ما يتطلَّبه التدريس المُتمركِز حول المتعلم من وقتٍ أكثر من أجل التخطيط المسبق لجوانبه، فهو يتسم بقدرٍ أكبر من الصعوبة لأنه لا يَعتمد كثيرًا على وجود سيناريو محدَّد يجب اتباعه؛ فأنت لا تدخل قاعة الدراسة الفعلية أو الافتراضية عبر الإنترنت ومعك محاضرة مُعدَّة بإتقان، محاضرة تحتوي على جميع الأمثلة والخطوات الانتقالية والأسئلة (وربما حتى الإجابات) والروابط الخاصة بالمادة العلمية السابقة ونماذج المشكلات الجاهزة للعرض على شرائح برنامج باوربوينت المُبهرة من الناحية البصرية، وإنما تستعدُّ جيدًا بمجموعةٍ كاملة من المواد العلمية لتكون تحت تصرُّفك؛ حيث يكون تحت يدَيك مجموعة أدوات مُعدَّة جيدًا، وكأي خبير يعمل في الموقع مباشرةً، تعرف ما الذي ستحتاج إليه أغلب الوقت. وبالرغم من ذلك، ثَمَّةَ احتمال بأنك لن تَمتلك كل شيءٍ تحتاجه في بعض الأيام. وفي هذه الحالة، تعتمد على خبرتك السابقة مع المحتوى، ومع عملية التَّعلُّم، ومع الطلاب. حينها لعلَّ شيئًا آخر من مجموعة الأدوات يفي بالغرض، أو تكون قادرًا على الاستعانة بما هو متاح لديك في الوقت الراهن إلى أن تتمكَّن من الحصول على ما تحتاج إليه فعلًا فيما بعد.

كما أدركت أن المعلمين لا يعملون بمفردهم داخل قاعات الدراسة التي يتبعون فيها أسلوب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، بل يصير الطلاب شركاء في عملية التَّعلُّم أيضًا؛ فالطلاب يستكشفون مع المعلمين ما سيساعدهم على فهم الموضوع أو النظرية أو المسألة على نحوٍ أفضل، وهذا النوع من الشراكة مع الطلاب لم يسبق لي أن وجدته من قبل. ونظرًا لأننا كنا نركز على قدرٍ أكبر وأفضل من التَّعلُّم، قدَّمنا جميعًا مقترحاتٍ وتقييمات، واحتفلنا جميعًا بتلك الإنجازات التي تحقَّقت على مستوى الفهم والرؤية. وقد أضفى هذا نوعًا من الحماس والتلقائية على أجواء قاعة الدراسة؛ وهذا بالضبط ما كنتُ أحتاج إليه للحفاظ على اهتمامي وحماسي وحبي لمهنة التدريس خلال تلك السنوات الأخيرة لعملي داخل قاعة الدراسة.

كلما زادت خبرتي بأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم وجدت نفسي منجذبةً إلى الأنشطة الدراسية التي مثَّلت لي حافزًا وتحديًا. وبقيت عندي رغبة في أن أُجرِّب أشياءَ جديدة. هكذا تُعَد التَّجارِب الإيجابية التي كنتُ أُطبِّقها — حتى تلك التَّجارِب التي لم تنجح كثيرًا — السببَ وراء أنني الآن أوصي بصفةٍ منتظمة بضخِّ أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم تدريجيًّا كترياقٍ لطُرق التدريس التي صارت مُمِلة أكثر مما يتخيله أحد. وخلال تلك السنوات القليلة الماضية انتابني شعورٌ بالارتياح تجاه نفسي بصفتي معلمةً أكثر من أي وقتٍ مضى خلال مشواري المهني.

وقبل أن أتقاعد عن العمل، فهمتُ أيضًا أن اتِّباع هذه الطريقة للتدريس يوفر نوعًا أعمق من الشعور بالرضا على المستوى الشخصي؛ فهذه الطريقة للتدريس ليست طريقةً تُبرز مهاراتٍ استعراضيةً على المستوى التربوي، وليس لها علاقة بأداء المعلم؛ وإنما هي طريقة تدور حول تعلُّم الطلاب وتقديم المعلمين للإسهامات التي تساعد في حدوث عملية التَّعلُّم على أرض الواقع؛ فيُمكنك، باعتبارك معلمًا، أن تقوم بأشياء تُؤثِّر مباشرةً على قدر المحتوى الذي يتعلمه الطلاب، وإلى أي مدًى يُجيدون تعلمه. أحيانًا، تثير التصوُّرات الذهنية التي تأسر فكرك شغف الطلاب، كما يُمكنك أن تُساعد الطلاب على تنمية مهارات التَّعلُّم التي تُغيِّر طريقة تعاملهم مع كل مهمةٍ من مهامِّ التَّعلُّم. ويُمكنك أن تُساعدهم على تعلم القراءة بعينٍ ناقدة، والاعتراض على الفرضيات، وطرح أسئلة جيدة، وتقييم الإجابات؛ فبإمكانك أن تُساعد الطلاب على النمو والتطوُّر بوصفهم بشرًا، وبإمكانك أن تُغيِّر حياتهم، وهذا ما يجعل مهنة التدريس عمليةً تستحق الجهد المبذول فيها. إنها مهنة تُحدِث فارقًا.

منذ تقاعُدي، أُواصل العمل في هذا المجال، ويُحفزني جزئيًّا الاهتمام الذي يُثيره هذا الأمر في نفوس الآخرين. لقد ألَّفتُ كتبًا أخرى، ولكن عندما يُطلب مني التحدُّث أمام الجمهور، يكاد يدور حديثي دائمًا حول التدريس المُتمركِز حول المتعلم. ولقد واصلتْ هذه المناقشاتُ المتواصلة مع مجموعات أعضاء هيئات التدريس المتنوعة تغييرَ طريقة تفكيري في التدريس المُتمركِز حول المتعلم، وكانت بمنزلة تحفيز آخر لإصدار طبعةٍ جديدة من هذا الكتاب.

كما أثَّرَت مطبوعات جديدة عديدة، نُشرت منذ إصدار الطبعة الأولى من هذا الكتاب، على طريقة تفكيري في الموضوع؛ فهناك كتب ومقالات، وبعض الحكايات التي تَروي نجاح أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، والبعض الآخر يصف فشلها أيضًا. توجد توصيفات للأساليب الجديدة، بعضها مُبتكَر، والبعض الآخر بمنزلة تعديلات بسيطة أُدخلت على الممارسات الشائعة. وهناك عدد كبير من الأبحاث؛ بعضها عن التربية والتعليم عمومًا، إلا أن الكثير منها متعلق بتخصُّصات دراسية معينة. وتشير بعض الدراسات إلى آثار أسلوب معين على النتائج التعليمية؛ في حين تشير دراسات أخرى إلى أثر مجموعة متنوعة من التغييرات المُتمركِزة حول المتعلم، والتي طُبقَت على مادة واحدة. ونظرًا لأن هذه الأبحاث موجودة في عددٍ كبير جدًّا من التخصُّصات الدراسية المختلفة، فإن الكثير من الأسئلة والنتائج لا يعرفه مَن يعملون في مجالاتٍ أخرى، على الرغم من أنهم يتشاركون في الاهتمامات نفسها، وقد يتعلم بعضهم الكثير من أعمال بعضٍ. وتستعين الأبحاث بعددٍ كبير للغاية من المنهجيات المختلفة التي لا يُمكن استخدامها كلها من الناحية العملية؛ لكن من الممكن الاستفادة من نتائجها واستكشاف تبعات تطبيقها. وقد اعتبرتُ هذا الأمر سببًا آخَر لإعادة النظر في كتابٍ قديمٍ بمقاييس الوقت الراهن، وإعداد كتاب جديد.

حين بدأتُ العمل على هذه الطبعة الجديدة، كان بناء منزلنا على الجزيرة قد أوشَك على الانتهاء. كان مايكل قد بنى مدفأةً كبيرةً في غرفة المعيشة، وكانت المدفأة تستند إلى الصخرة الضخمة التي تُشكِّل الحائطَ الخلفيَّ لمنزلنا وتحيط به. أظنُّ أن لدينا منزلًا غريبًا أشبه بالمنازل التي يعرضها برنامج «منازل عجيبة»، ولعلك ترانا يومًا ما في ذلك البرنامج التليفزيوني. كان بناء هذا المنزل بمنزلة مشروعٍ آخَر من المشروعات التي اشتملت على قدرٍ كبير من التَّعلُّم والتجريب وحمل الأثقال والنتائج المذهلة، وقد اكتملت هذه النتائج بمجرد أن شقَّت الأدخنة طريقها بثقةٍ مُنبعثةً من المدخنة. وفي الورشة الموجودة بالطابق السفلي، كانت ملامح النسخة الثانية من «سفينة نوح» تتشكل. بالنسبة إلى القارب الأول، فسَّر مايكل قائلًا: «لم أتعلم كل شيءٍ كنتُ أحتاج إلى معرفته في المرة الأولى.» فعند وضع قارب خشبي في المياه وتَرْكه في الهواء الطلق لمدة أربعة أشهر خلال فصل الصيف، يصبح تسوُّس الخشب مشكلة. بدأ هذا القارب بنفس الرسومات التوضيحية لهيكل القارب الأول، ولكن بدا مختلفًا، واتَّسم بتغيُّرات بالغة الأهمية من حيث التصميم. وعلَّق مايكل قائلًا: «أنا أبني هذا القارب ليدوم لخمسة عشر عامًا.» حسنًا، سنرى إن كان ذلك سيتحقق فعلًا! وبعد الانتهاء من «سفينة نوح» الجديدة، كان هناك قارب من طراز «كريس كرافت» يعود لعام ١٩٦١ بانتظار ترميمه في مرآب السفُن الآخر. تساءل مايكل وأجاب عن نفسه قائلًا: «كيف تُرمِّم قاربًا خشبيًّا عتيقًا جدًّا؟ لا أعرف، ولكن هناك الكثير من الأشياء ينبغي لي تعلُّمها.»

(٢) النظريات التي يقوم عليها التدريس المُتمركِز حول المُتعلِّم

كي ننتقل من هذا السرد لتجربتي إلى مناقشة النظريات ذات الصلة بموضوعنا، دعني أُلخِّص ما أصبحت أُومِن أنه المقومات الأساسية للتدريس المُتمركِز حول المتعلم. إنه أسلوب للتدريس يُركز على التَّعلُّم؛ بمعنى أن ما يقوم به الطلاب هو الشغل الشاغل بالنسبة إلى المعلم. يَسهل فهم عبارة «يُركز على التَّعلُّم» على مستوًى سطحي، لكنَّ تعريفها يكشف المزيد من التفاصيل والتعقيدات:
  • (١)

    إنه طريقة للتدريس تُشرك الطلاب في جوانب عملية التَّعلُّم التي تتسم بالصعوبة والفوضوية.

  • (٢)

    إنه يُمكِّن الطلاب ويُحفِّزهم عن طريق منحهم بعض السيطرة على عمليات التَّعلُّم.

  • (٣)

    إنه يشجع التعاون، مُعتبرًا قاعة الدراسة (سواءٌ أكانت افتراضية أم واقعية) مجتمعًا يشترك فيه الجميع في الأهداف التعليمية نفسها.

  • (٤)

    إنه يحثُّ الطلاب على التفكير فيما يتعلمونه وكيف يتعلمونه.

  • (٥)

    إنه يشتمل على تعليماتٍ واضحة بشأن مهارات التَّعلُّم.

ويوجد المزيد والمزيد عن كل هذه التفاصيل المعقدة في الفصول القادمة.

وسأركز الآن على استعراض الكيفية التي خرجتْ بها هذه الخصائص الأساسية للتدريس المُتمركِز حول المتعلم من رحم عددٍ من النظريات التربوية المختلفة وكيفية تطبيق هذا الأسلوب التعليمي لهذه النظريات على نحوٍ فريد. وعلى الرغم من أن عددًا كبيرًا مِنا ممن يستعينون بهذا النوع من أساليب التدريس قد يدَّعون أنها تُمثِّل بالنسبة إلينا الفلسفة التي تقف وراء قراراتنا التعليمية وتُشكِّل أساسًا راسخًا لممارستنا المهنية، فإن هذا الشكل من التدريس لا يُشار إليه في الأدبيات التربوية باعتباره نظريةً أو فلسفةً تعليمية. عِوضًا عن ذلك، فهو يرتبط عادةً بنظرياتٍ قائمة كتلك الموضَّحة بإيجاز فيما يلي.

(٢-١) نظرية العزو والكفاءة الذاتية

تُحدِّد نظرية العزو (أو الإسناد)، عند تطبيقها على مجال التعليم، السببَ الذي يَعزو إليه الطلاب نجاحَهم أو فشلَهم. ويرجع الفضل في وضع هذه النظرية إلى هايدر (١٩٥٨)، وطُورت أكثر على يد وينر (١٩٨٦) وباحثين مثل كوفينجتون (١٩٩٢). عندما يُحاول الطلاب تفسير إحدى النتائج الأكاديمية (مثل أدائهم في اختبارٍ ما)، فإنهم يَعزون هذه النتيجة بصفةٍ عامة إمَّا إلى القدرة أو المجهود؛ أي مدى الكفاءة التي يتَّسمون بها أو مدى الجهد الذي بذلوه. ولقد لاحظْنا جميعًا مدى قوة تأثير العزو على سلوك الطالب. فيدخل الطلاب عادةً قاعة الدراسة وهم مقتنعون بأنهم عاجزون عن القيام بشيءٍ ما، مثل الكتابة أو حل المشكلات أو الرقص أو إلقاء الخطب. وذات مرة أخبرني معلم مُحنَّك يُدرِّس مادة الكتابة التطويرية أن أصعب تَحدٍّ واجهه عند التدريس لأشخاصٍ لديهم مشكلات في الكتابة كان إقناعهم بأن في مقدورهم الكتابة فعلًا. فكيف تستطيع أن تكتب إذا كنت لا تتحلى بالقدرة على ذلك؟ وبعض هذه المعتقدات نراها في أنفسنا أيضًا. أنا لا أُجيد التعامل مع أجهزة الكمبيوتر، ولا أستطيع تشغيل معظم أدوات التكنولوجيا، وعندما يُغادر زوجي المنزل لا أشاهد التليفزيون؛ لأنني لا أعرف كيف يعمل جهاز التحكم عن بُعد، السخيف الخاص به، فهل كل هذه الأزرار الخمسة والثلاثين الموجودة به ضرورية حقًّا؟

تَستكشف نظرية العزو أيضًا كيف أن السبب (أو مصدر العزو السببي) تُحدِّده عناصر عرَّفها وينر (١٩٨٦)، وهي: إمكانية التحكم والثبات والموضع. هل يتحكَّم الطالب في السبب؟ يميل الطلاب إلى اعتبار القدرة شيئًا يُولَدون به، لا شيءَ يُمكِنهم التحكم فيه، هل السبب ثابت أم مُتغير؟ إذا كان الافتقار إلى القدرة هو السبب مثلًا وراء ضعف أدائك في مادة الرياضيات، فإن هذا السبب ثابتٌ ولن يتغير على الأرجح؛ مما يُصعِّب تفسير النجاح ما لم تَعزُ سببه إلى ضربة حظ مثلًا. هل الموضع مرتبط بعوامل داخلية أم عوامل خارجية؟ على سبيل المثال: الاعتقاد بأن المعلم يضع أسئلة «مُحيرة» في الاختبار أو يضع مسائل مختلفة عن تلك التي أعطاها كواجب منزلي يُتيح للطلاب لَومَ قوًى خارجيةٍ على ضَعف الأداء، وهذا يوضِّح أيضًا إلى أيِّ مدًى يرتبط الموضع بعزو السبب.

ترتبط الكفاءة الذاتية — وهي قريبة الصلة من نظرية العزو — بمعتقدات الطلاب حيال قدراتهم؛ أي ما إذا كان بإمكانهم تعلُّم شيءٍ ما أم لا. وقد أوضح باندورا (١٩٩٧)، صاحب الدراسات الأكثر تأثيرًا في هذا المجال، أن ما يعتقده الطلاب بخصوص ما يُمكنهم إنجازه وما لا يمكنهم إنجازه يُؤثِّر على جميع أنواع القرارات الأكاديمية، بدايةً من اختيار التخصُّص الدراسي وحتى المشاركة في الأنشطة، وسعيهم وراء مقابلات العمل. وقوة هذه المعتقدات توضحها أشياء مثل: توتُّر الامتحانات؛ حيث ربما يكون الطالب على دراية جيدة جدًّا بالمادة العلمية، ولكن نظرًا لأن موقف الاختبار يُثير جميع أنواع الشكوك في قدراته، فإن أداءه بالاختبار يكون ضعيفًا.

ونظرًا لأن المعتقدات الخاصة بالكفاءة الذاتية تتشكَّل من مجموعةٍ متنوعة من المصادر المعلوماتية المختلفة، فقد يكون المعلمون وزملاء الفصل عاملًا مساعدًا ذا أهميةٍ كبرى في هذا الصدد. ومن أجل بناء شعور بالكفاءة الذاتية، يجب أن يُوجَد الطلاب في مواقف تعليمية «(١) تُفسِّر القدرة على أنها مهارة يُمكن اكتسابها. (٢) تُقلِّل من أهمية المقارنات الاجتماعية التنافسية وتُسلِّط الضوء على المقارنة الذاتية لقياس التقدُّم والإنجاز الشخصي. (٣) تُعزِّز قدرة الطالب على ممارسة بعض السيطرة على البيئة التعليمية» (ستيدج، ومولر، وكينزي، وسيمونز، ١٩٩٨، ص٢٦).

الخلاصة هي أن عددًا كبيرًا من الطلاب لا يثقون بأنفسهم كثيرًا بوصفهم متعلمين. ويأتي ردُّ أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم عن طريق تحدي هذه المعتقدات بأشياء مثل تقديم مجموعات واجبات دراسية متسلسلة بإحكام، من شأنها أن تزيد احتمالية تحقيق النجاح، وعن طريق توضيحات جلية للكيفية التي يُحدِث بها المجهود فارقًا، وعن طريق طُرق التدريس التي تُتيح للطلاب تحمُّل المسئولية تجاه عملية التَّعلُّم، وتجاه القرارات التي يتخذونها حيال التَّعلُّم.

(٢-٢) التعليم الراديكالي والتعليم النقدي

أوضح الموجِّه التربوي البرازيلي فريري هذه النظرية التعليمية، ذات الشهرة العظيمة في الوقت الحالي، لأول مرةٍ في كتابه الذي نُشر عام ١٩٧٠ بعنوان «علم أصول التدريس للمضطهدين» (الذي أعاد ناشر أمريكي نشره عام ١٩٩٣). وتَعتمد الفرضية الرئيسية للتعليم الراديكالي أو النقدي (سأستخدم المصطلحين هنا بالتبادل، على الرغم من أن العاملِين في هذا المجال يُميزون بين المصطلحين) على فكرة أن التعليم أداة للتغيير الاجتماعي. ويستفيض كلٌّ من ستيدج ومولر وكينزي وسيمونز (١٩٩٨، ص٥٧) في الشرح موضحين أن: «دور التعليم هو التصدي لعدم المساواة والخرافات السائدة بدلًا من دمج الطلاب اجتماعيًّا للمشاركة في الوضع الراهن. فالتَّعلُّم مُوجَّه نحو التغيير الاجتماعي وتغيير العالم ككلٍّ، والتَّعلُّم «الحقيقي» يُمكِّن الطلاب من التصدي للظلم والاضطهاد في حياتهم.»

جاء ربط فريري للتعليم بالتغيير الاجتماعي من واقع خبراته العملية في تعليم الفلاحين الأُميِّين القراءة؛ وهي مهارة استخدموها بعد ذلك في التصدي للأنظمة السياسية الفاسدة التي قمعتهم لفترةٍ طويلة. ويعترض أولئك الذين يَنظرون إلى نمو المعرفة بوصفها عمليةً عقلانية موضوعية على ربط هذه الأجندة «السياسية» بالتعليم، بينما يردُّ خبراء التعليم النقدي بأن كل «أشكال التعليم ذات سياق محدَّد وبُعد سياسي، سواءٌ أكان المعلمون والطلاب مدركين لهذه العمليات أم غير مُدركين لها.» (ستيدج، ومولر، وكينزي، وسيمونز، ١٩٩٨، ص٥٧). ويُقدِّم تومبكينس (١٩٩١، ص٢٦) وصفًا واضحًا للطريقة التي تبرز بها هذه الأجندة السياسية نفسها داخل قاعات الدراسة بقوله: «أصبحتُ أُفكِّر أكثر وأكثر فيما يُمثِّل أهميةً حقًّا … فما نتحدث عنه داخل قاعة الدراسة ليس بنفس قدر أهمية ما نقوم به … فَقاعة الدراسة عبارة عن نموذج مُصغَّر للعالم؛ إنها فرصة لتطبيق المُثل العليا التي نَعتنقها؛ أيًّا ما كانت هذه المُثل العليا. وتُعَد نوعية الموقف الدراسي الذي يخلقه المرءُ داخل قاعة الدراسة اختبارًا حاسمًا لما يُؤيِّده ويُدافع عنه فعلًا.»

كما قد تظنُّ، لا تُقِر هذه النظرية باعتبار التدريس عمليةً لنقل المعرفة من أصحاب السلطة. ويشرح أرونويتز (١٩٩٣، ص٨٩) خُطَط فريري فيما يخصُّ قاعة الدراسة قائلًا: «إنه ينوي تقديم نظام ينتقل فيه موضع عملية التَّعلُّم من المعلم إلى الطلاب. وهذا الانتقال يُشير بوضوحٍ إلى تبديل علاقة السلطة، ليس داخل قاعة الدراسة وحسب، وإنما أيضًا على صعيد النسيج الاجتماعي الأوسع نطاقًا.»

لا تُعد فكرة اعتبار التعليم أداةً لإحداث التغيير الاجتماعي سمةً سائدةً في الممارسات المهنية الحالية المُتمركِزة حول المتعلم. ولا يُحاول مَن يستخدمون منَّا هذه الأساليب الخاصة بالتدريس، لا سيَّما في الدول والثقافات الأكثر تطبيقًا لمبادئ العدل والمساواة، تعليمَ جموع المواطنين بهدف القضاء على أوجه الظلم الاجتماعي. ربما يكون ذلك هدفًا ضمنيًّا لكل أشكال التعليم، ولكنه ليس السبب عادةً وراء تَبنِّي هذه الأساليب؛ فالاهتمام مُوجَّه أكثر نحو التغلب على مَيل الطلاب إلى السلبية. إننا نحاول أن نتبنَّى طُرق تدريس تُشجع الطلاب على قَبول تحمُّل المسئولية تجاه عملية التَّعلُّم. إننا نريدهم أن يغادروا محاضراتنا مؤمنين بأن ما تعلموه، وطريقة تعلُّمهم إياه، يُمكِّنانهم من فهم المزيد من الأشياء بمفردهم ولصالح أنفسهم.

أقنعتْني تَجارِبي بخصوص الحديث عن طرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم بأن القضايا المتعلقة بالسلطة، والمثارة بسبب هذه النظرية، هي الشغل الشاغل لأعضاء هيئات التدريس. وفي ورش العمل، يُخبرني المعلمون مرارًا وتكرارًا بأن الطلاب ليسوا مستعدين للتعامل مع القرارات التعليمية؛ حيث إنهم غير مجهَّزين وغير محفَّزين للقيام بذلك. إنهم يحتاجون ويريدون معلمين يخبرونهم بما عليهم القيام به بالضبط، والطريقة التي عليهم اتباعها للقيام بذلك.

وقد نُوقش موضوع انتقال السلطة إلى الطلاب — هذا الانتقال الذي تحقَّق مبدئيًّا عن طريق منح الطلاب بعض السيطرة على القرارات التعليمية — في حوارٍ خضع لتحريرٍ بارع بين فريري وهورتون (هورتون وفريري، ١٩٩٠). نشأت نظريات هورتون عن التعليم من عمله لإعداد المواطنين الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية المحرومين من حق التصويت ليجتازوا اختبارات أهلية التصويت. وقد تَقاسَم كلٌّ من فريري وهورتون السلطة مع أقلِّ الطلاب تأهيلًا على الإطلاق؛ أولئك الذين لا يستطيعون القراءة. فهل وجدا أن هؤلاء الطلاب يمكن أن يؤتمنوا على القرارات الخاصة بعملية تعلُّمهم؟ أجل؛ كانوا أهلًا للثقة فعلًا، فعندما اؤتُمن الطلاب بقدرٍ كبيرٍ زاد حافزهم للتعلم زيادةً هائلة.

تُعارض نظرية التعليم الراديكالي الكثير من الافتراضات الشائعة حول ما يتحمَّله كل طرفٍ من مسئوليةٍ داخل عملية التدريس والتَّعلُّم. إنها نظرية تُشكِّك في الدور الذي تلعبه سلطة المعلم فيما يتعلق بالخبرات التعليمية التي يخوضها الطلاب، وهي نظرية تُحفز المعلمين على استكشاف طُرق موثوق بها من الناحية الأخلاقية لمشاركة السلطة مع الطلاب. ربما يكون اتخاذ جميع القرارات التعليمية نيابةً عن الطلاب هو ما يُريده الطلاب، ولكنه ليس بأسلوبٍ يصنع متعلمين مُحفَّزين وواثقين من أنفسهم؛ فنظرية التعليم الراديكالي تتمحور حول تغيير ديناميكيات السلطة داخل قاعة الدراسة، بما يؤدي إلى صالح الطلاب وصالح عملية التَّعلُّم.

(٢-٣) التعليم النسوي

تدور نظرية التعليم النسوي حول تغيير ديناميكيات السلطة داخل قاعة الدراسة، لكن لأسبابٍ تتعلَّق بالمعلمين أكثر مما تتعلق بالطلاب. وكما هي الحال مع نظرية التعليم الراديكالي، ترى هذه النظرية أن معظم طرق التدريس تتسم بقدرٍ مُفرط من الاستبداد؛ فلا تتوزَّع السلطة داخل قاعة الدراسة بعدلٍ وإنصاف؛ ومن ثَمَّ يؤثِّر عدم توازن السلطة تأثيرًا سلبيًّا على نواتج عملية التَّعلُّم لا سيما بالنسبة إلى النساء. للتعليم العالي تاريخ حافل بالهيمنة الذكورية على ربوعه؛ حيث ضربَت النماذج — التي غرسَها الحُكم الأبوي السلطوي في المجتمع — بجذورها داخل المؤسسات الأكاديمية وقاعاتها الدراسية. وكنتيجةٍ لذلك، يُعامَل الطلاب (عادةً الطالبات، خاصةً في المجالات التي يُهيمن عليها الذكور) بأساليب متفاوتة، وتُعرقَل عملية تعلُّمهم بسبب هياكل السلطة التي تحمي أصحاب السلطة.

ترى نظرية التعليم النسوي الحكم الأبوي السلطوي شكلًا من أشكال إساءة استعمال السلطة؛ فأصحاب السلطة يُحبون سلطتهم ويحمونها على نحوٍ يتعارض مع مصلحة مَن يحكمونهم، إنهم يُقاومون التخليَ عن السلطة، ولا يعترفون بحبهم للسلطة؛ وعِوضًا عن ذلك يُقدِّمون أسبابًا تُبرِّر عجز الجالسين في قاعاتهم الدراسية عن اتخاذ القرارات بأنفسهم. بعبارةٍ أكثر صراحةً، تتعلَّق مسألة السلطة على نحوٍ أكبر بأعضاء هيئات التدريس، وعلى نحو أقل بالطلاب.

يَحظى الشخص الممسك بزمام الأمور داخل قاعة الدراسة بمجموعةٍ مُغرية من المزايا تتضمَّن القدرة على تحديد الموضوعات المطروحة للنقاش، واتخاذ الإجراءات، وإسكات معظم أشكال المعارضة، واستعراض المهارات الفكرية والتربوية. ربما تكون فوائد الإمساك بزمام الأمور سببًا وراء مُعارضة بعض المعلمين لأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، والتي تُجبرهم على مشاركة هذه السلطة. وهكذا، تُشجِّع هذه النظرية المعلمين المستقلين على استكشاف الأسباب الحقيقية التي تَحُول فيما يبدو دون استمرارية أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم والدفاع عنها.

داخل قاعات الدراسة التي تُطبِّق نظرية التعليم النسوي يكون المعلمون مُيسِّرين لعملية التَّعلُّم، وبالاستعانة بتعبيرٍ مجازي أكثر، يكون المعلم أشبه بقائد الفرقة الموسيقية الذي يُوجِّه الآخَرين لعزف لحنٍ موسيقي، أو البستاني الذي يُجهِّز ويَزرع ويُغذي ويَسقي ويُهذِّب ويُقلِّم، كي تتفتَّح زهوره ناثرةً الجمال والأريج في كل مكان، أو أشبه بالقابلة التي تستحضر التَّجارِب والخبرات كي تُخرج عملية التَّعلُّم إلى النور.

كما تَنتقد النظرية النسوية الجوانب التنافسية لعملية التعليم؛ إذ تقول إن عملية التعليم تنجح بشكلٍ أكبر في تعليم الطلاب التنافُس أكثر من تعليمهم التعاون. وعلى الرغم من أن كُون (١٩٨٦) ليس باحثًا في النظرية النسوية، فإنه يَحشد مجموعةً مقنعة من الأدلة التي تُفنِّد الجوانب التنافسية للممارسات التعليمية؛ مثل وضع تقديرات الطلاب وفقًا لنظام مُنحنى الدرجات. تُشجِّع أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم التعاون؛ حيث تُقدِّر هذه الأساليب عملية التَّعلُّم التي تحدث حين يتعاون الطلاب فيما بينهم وتؤتي ثمارَها على نحوٍ أفضل داخل قاعات الدراسة؛ حيث يُمكن لعملية التَّعلُّم أن تحدث في أي مكان، بل وينبغي أن تحدث في كل مكان. وتصف الكاتبة النسوية المشهورة بالاسم المستعار بيل هوكس (١٩٩٤، ص١٢) هذه القاعات الدراسية بأنها «أماكن ثورية للإمكانيات المستقبلية.»

ونظرًا لأن الرسائل الخاصة بنظريتَي التعليم الراديكالي والتعليم النسوي تتسم بالطابع الهجومي، ومرتبطة بأجندة سياسية، تدور مناقشة هذه الرسائل غالبًا في أماكن بعيدة كل البُعد عن قاعة الدراسة؛ ونتيجةً لذلك، معظم أعضاء هيئات التدريس غير مطَّلعين على الجهد المبذول في هذه المجالات؛ بالرغم من أن الكثير من الأفكار الخاصة بالتدريس المُتمركِز حول المتعلم يُمكن تعقُّب أصله وصولًا إلى هاتين النظريتين. وتدعو هذه الآراء المُنادية بالمزيد من الديمقراطية والمساواة في عملية التعليم إلى التشكيك في هياكل السلطة التقليدية، والدور الخاص بسلطة المعلم، وهي تُطالب بتمكين الطلاب كي يتحمَّلوا مسئولية التَّعلُّم، وتُشير إلى أن نجاح المعلمين يتحقَّق عندما تنتفي الحاجة إليهم.

(٢-٤) النظرية البنائية

تقع العلاقة بين المتعلمين والمحتوى في صميم هذه النظرية التعليمية الشهيرة حاليًّا؛ حيث «تؤكد المناهج البنائية على أن المتعلمين يَبنون معرفتهم الخاصة على نحوٍ فعَّال ونَشط بدلًا من تلقِّيهم المعلومات في سلبية، منقولةً إليهم من المعلمين والكتب الدراسية المقررة. من منظورٍ بنائي، لا يُمكن منح المعرفة للطلاب وحسب، وإنما يجب على الطلاب أن يَبنوا المعانيَ الخاصة بهم» (ستيدج، ومولر، وكينزي، وسيمونز، ١٩٩٨، ص٣٥). وتستفيض فوسنوت (١٩٩٦، ص٢٩) في هذا الوصف عن طريق توضيح أن التَّعلُّم «يتطلب ابتكارًا وتنظيمًا ذاتيًّا من جانب المتعلم؛ ولذا، على المعلمين أن يسمحوا للمتعلمين أن يُثيروا تساؤلاتهم الخاصة، ويضعوا واجبياتهم ونماذجهم باعتبارها احتمالاتٍ قائمة، ثم يتحقَّقوا من صحتها.» وتَعتمد هذه النظرية في مجال التعليم والتَّعلُّم على أعمال عددٍ كبير من علماء النفس والفلاسفة، أشهرهم: بياجيه وبرونر وفون جلازرسفيلد وفيجوتسكي.

وعلى عكس نظريتَي التعليم النقدي والنسوي، اللتين لا يكاد يأتي ذِكرهما أبدًا في أعمال مُمارسي العملية التعليمية الفعليِّين، عادةً ما تُذكَر النظرية البنائية بوصفها مُبرِّرًا لاستخدام أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم. كثيرًا ما تتضمَّن أساليب التدريس المرتبطة بالنظرية البنائية عملًا جماعيًّا، برغم أن تلك الكتابات التي تتناول النظرية تشير بانتظامٍ إلى قيام المتعلمين المستقلين بربط المعلومات الجديدة بما يعرفونه حاليًّا بطُرقٍ ذات مغزًى بالنسبة إليهم. إن التفريق بين الأمرين مسألةٌ محلُّ خلاف؛ لأنه عندما يتعاون الطلاب معًا في مجموعاتٍ يتعامل كل عضوٍ في المجموعة مع المحتوى على حِدَة، اعتمادًا على تَجارِبه وفهمه الخاص.

وفي مرحلةٍ مبكرة، كان العمل الجماعي المرتبط عادةً بالنظريات البنائية عبارةً عن شكلٍ من أشكال التَّعلُّم التعاضُدي، كما روَّج له بروفي (١٩٩٣) الذي أيَّد فكرة استكشاف مجموعاتٍ طلابية مسائلَ معقَّدةً عبر تخصُّصاتٍ دراسية متعددة. ومع وجود معلم أو معلمِين بين هذه المجموعات الطلابية باعتبارهم متعلمين بارعين، تبحث هذه المجموعات عن حلولٍ جديدة ومتكاملة ومبتكرة عادةً للمسائل. أنتج هذا العمل المبكر مجموعةً متنوعة من نماذج شبكة التَّعلُّم التي تستخدم نسقًا عامًّا للمادة يَربط بين الطلاب والمحتوى والمعلمين في مواقف تعليمية استكشافية. وتُعَد تَجارِب شبكة التَّعلُّم جزءًا من المناهج الجامعية في عدة مؤسسات تعليمية.

تتوافق فكرة إشراك الطلاب في بناء المعرفة توافُقًا تامًّا مع مجالَي العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية؛ حيث يَدعم المحتوى استنتاجاتٍ أقلَّ حسمًا وأكثر تجريبية. وتزداد صعوبة تحديد إلى أي مدًى يمكن بناء المعرفة «من الناحية الاجتماعية» داخل مجالات العلوم والرياضيات والهندسة؛ حيث يُوجد قدرٌ كبير من الإجابات «الصحيحة»، وقدرٌ قليل جدًّا من الاختلاف على حجم المعرفة التي تم التوصُّل إليها؛ وكنتيجةٍ لذلك، تأتي أوائل الاعتراضات على النظريات البنائية من هذه المجالات، رغم أنها أُثيرت كذلك على يد تربويين في مجالاتٍ متعددة.

ومن أوائل هذه الاعتراضات التي أُثيرت عدمُ فاعلية السماح للطلاب باستكشاف المعرفة بأنفسهم؛ فهذا الأمر يستغرق وقتًا، وغالبًا ما ينطوي على وقتٍ مُهدَر في تعقُّب الإجابات في مواضع لن يعثروا على إجابات فيها أبدًا. إن المقررات الدراسية للمواد مُرتَّبة في تسلسلٍ يُفترَض به «تغطية» قدْر محدد من المحتوى، ويُمكن التوسُّع فيه عن طريق المقرر الدراسي التالي، على الرغم من أن مُعظم المعلمين قد اكتشفوا أن تغطية المحتوى لا تعني دومًا تعلم المحتوى أو حفظه. ويرد أصحاب النظرية البنائية بأن الطلاب يُنمُّون مهاراتِ تعلُّم قيِّمةً في سياق استكشافهم الأمور بأنفسهم؛ فهم يتعلمون حل المشكلات عن طريق حل المشكلات عمليًّا، حتى وإن كانوا لا يفعلون ذلك بإتقان؛ وهم يتعلمون طرح الأسئلة عن طريق طرح الأسئلة، ويتعلمون تقييم الإجابات عن طريق تقييم الإجابات، ويتعلمون التفكير النقدي عن طريق ممارسة هذا النوع من التفكير.

لقد كان مُمارسو مهنة التدريس هم مَن أشاروا إلى أهمية الموازنة بين حاجة الطلاب إلى الاكتشاف وحاجة المعلم إلى التلقين. وقد كتب ديتزير وريتشي (١٩٩٤، ص٦٨٧)، وهما مُدرسان لمادة الكيمياء، يقولان: «تطلَّب الأمر حشد جميع مهاراتنا التربوية، بصفةٍ يومية؛ لاكتشاف المزيج المناسب للتفاعل النشط، والملاحظة السلبية من أجل موازنة الحاجة لتقديم طريقة التفكير الرائعة التي يتسم بها الكيميائيون مع مراعاة أهمية تشجيع مَلكة الإبداع لدى الطلاب أيضًا.» داخل قاعة الدراسة، ينبغي ألا يكون الأمر اختيارًا بين هذا أو ذاك، وإنما يُمكن إيجاد موازنة بين كلا الخيارين. وأحيانًا يوضِّح المحتوى ذاته متى ينبغي أن يتلقَّى الطلاب الإجابة بكل بساطة، ومتى ينبغي لهم أن يعملوا على اكتشافها بأنفسهم.

ثَمَّةَ اعتراض آخر يتعلق بدور المعلم داخل البيئات التعليمية؛ حيث يقوم الطلاب بأنفسهم بالجهد التعليمي الذي يتسم بالفوضوية. ويقول المعترضون إنه ليس من العدل أو الأخلاق أن يُعطى الطلاب مسألةً معقَّدة، ثم يُترَكوا ليواجهوا مصيرهم إما بالفشل أو النجاح. ويردُّ أصحاب النظرية البنائية بأن هذا الأمر بعيدٌ عما يقترحونه؛ فهم يريدون من المعلمين أن «يدعموا» عملية التَّعلُّم، لا أن «يُديروها» إلى ناحيةٍ بعينها. ويوضِّح دافي ورايمر (٢٠١٠) في كتاباتهما عن التَّعلُّم الاستقصائي — وهو مثال لأحد الأساليب البنائية — أن التوجيه المقدَّم للمتعلمين هو جزءٌ مهمٌّ من أسلوب التدريس: «غير أن التوجيه في حد ذاته يُركز على تشجيع التأمل النقدي لدى الطلاب بدلًا من إخبارهم بما يتعين عليهم القيام به أو ما يتعين عليهم الانتباه إليه» (ص٤). يُلقي المدرسون الذين يتبعون أساليب التدريس البنائية المحاضرات فعلًا، ولكن هذا النقل المباشر للمعلومات بصفةٍ عامة يحدث بعد أن يَقدح الطلاب زناد فكرهم في استيعاب الموضوع، وبعد أن يُدركوا ما يحتاجون إلى معرفته. وفائدة الانتظار هي أنه بمجرد أن يُدرك الطلاب حاجتهم إلى معرفة شيءٍ ما، فإنَّهم يُنصتون بانتباهٍ إلى الإجابات المطروحة.

وأخيرًا، يعترض البعض لأنهم يعتقدون أن النظرية البنائية تعني أنه يجب على المعلمين أن يولوا اهتمامًا متساويًا لما يقترحه الطلاب أيًّا كان، وأن كل معنًى خاصٍّ يَصوغه الطلاب مقبول، حتى تلك المعاني التي تتسم بأنها غير صحيحة أو غير جيدة جدًّا. ويبلغ هذا الاعتراض ذروته بالتأكيد على أن النظرية البنائية تنال من السلامة الفكرية لمحتوى المقررات الدراسية؛ إذ إنها تُضحِّي بالصرامة والمعايير الأكاديمية.

على الجانب الآخر، يرى أنصار نظرية التَّعلُّم البنائي هذا الاعتراض بوصفه تشويهًا لما يقترحونه؛ فبناء المعرفة لا يعني أن المتعلم يبتكر المعرفة؛ وإنما هو شيء مُقارب أكثر لاختيار الموضع المناسب للمعرفة الجديدة؛ بحيث يتم الربط بينها وبين شيءٍ يعرفه المتعلم بالفعل؛ ومن ثَمَّ يكون مفهومًا بالنسبة إليه، فعلى المعلمين أن ينتبهوا لطرق الفهم والاستيعاب التي يتبناها الطلاب، ليس لكونها بدائل فعَّالة للحقائق الراسخة، وإنما لأن الطريقة التي يُفكِّر بها الطلاب ينبغي أن تُشكِّل طريقة التدريس لهم. علاوةً على ذلك، بمجرَّد أن يتوصل الطلاب إلى استنتاجٍ أو يختاروا معنًى، فإن الخطوة التالية من العملية هي مطالبة المتعلمين بتوضيح طريقة تفكيرهم. وعلى المعلمين أن يطرحوا الأسئلة على الطلاب ويُصمِّموا الأنشطة التي تُجبر الطلاب على أن يشرحوا ما يقترحونه ويُدافعون عنه. والهدف هو إعداد الطلاب لرؤية نِسَب مختلفة من الجودة بين الحلول المطروحة على الساحة.

يُستخدم التَّعلُّم التعاوني — وهو شكل من أشكال العمل الجماعي ذو مهمة محدَّدة مسبقًا بدقةٍ واعتمادٍ متبادَل بين أعضاء الفريق، ولكن مع تحمُّل كل فردٍ بالفريق المسئولية — على نطاقٍ واسع في التخصُّصات الدراسية ذات الطابع العلمي، وجزءٌ من السبب يعود إلى أن هذا النوع من التَّعلُّم يردُّ على بعض هذه الاعتراضات السابقة الذكر. ومع ذلك، لا تتسم معظم أشكال التَّعلُّم التعاوني بالبنائية إلا على نحوٍ محدود جدًّا. وقد شهدت السنوات الأخيرة ظهور مجموعة كبيرة من نماذج العمل الجماعي (على سبيل المثال لا الحصر: أسلوب التَّعلُّم الاستقصائي الموجَّه نحو إتقان المهارات العملية، والاستقصاء الموجَّه، والتَّعلُّم القائم على فريقٍ يقودُه الأقران) التي تطمس الفوارق بين التَّعلُّم التعاضُدي والتَّعلُّم التعاوني. تحتفظ معظم هذه النماذج الجديدة بالمقومات الأساسية للنظرية البنائية؛ إذ يعمل الطلاب، في مجموعات، على مسائل مفتوحة، ويُتيحون الوصول إلى المعلومات التي اكتشفوها ويُرتِّبونها بنسقٍ معيَّن يُسهل ذلك، ويَصوغون الحلول الخاصة بهم. وتُوثِّق أبحاثٌ حديثة موضَّحة في الفصل التالي إلى أي مدًى يُمكن لبعضٍ من هذه الأساليب أن تكون فعالةً على نحوٍ مدهش.

وإلى جانب استعانة أعضاء هيئات التدريس فُرادى بمبادئ نظرية التَّعلُّم البنائي، تُستخدم هذه المبادئ من أجل إعادة ترتيب المناهج الدراسية بأكملها، وتسلسل محتوى المقررات الدراسية وأجزاء مُتعدِّدة من الدورات الدراسية المستقلة. على سبيل المثال، انظر مقال إيجة وكوبولا ولوتون (١٩٩٦) الذين استعانوا بالنظريات البنائية ليُعيدوا تصميم مادة مقدِّمة إلى الكيمياء العضوية، التي يدرسها طلاب المواد التخصُّصية بأقسام الكيمياء والأحياء والدراسة التمهيدية لكلية الطب في جامعة ميشيجان.

تتوافق نظرية التَّعلُّم البنائي مع العديد من الممارسات الخاصة بطرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم. وبصفةٍ أساسية، تقترح النظرية البنائية أنه يجب على الطلاب أن يتفاعلوا مع المحتوى، وهو أمر يختلف تمامًا عن تلقِّي المعلومات في سلبيةٍ من مصدرٍ ما. وخلال التفاعل البنَّاء يُنشئ الطلاب رابطًا بين المادة العلمية الجديدة وبين ما يعرفونه من قبل. وقد يَصوغون المعلومات الجديدة ويُشكِّلونها لكي تتناسب مع ما يؤمنون به ويعرفونه بالفعل، أو قد يستخدمون المعلومات الجديدة ليُعيدوا تشكيل فهمهم الحالي ويُعمِّقوه ويُوسِّعوا مداركهم. وكما يوحي الفعل «يبني» المشتق منه اسم النظرية، فإن هذه النظرية تدور حول بناء الطلاب للمعرفة في ضوء توجيه من المعلمين الذين استقَوا هياكل المعرفة من هذه المادة العلمية مُسبقًا.

(٢-٥) التَّعلُّم التحويلي

تَعتمد نظرية التَّعلُّم التحويلي على افتراضات النظرية البنائية، وفقًا لباتريشيا كرانتون (٢٠٠٦، ص٢٣)، وهي خبيرة تربوية في مجال تعليم الكبار قدَّمت الكثير لهذا المجال. تقضي هذه النظرية بأن المتعلمين يبنون معانيَ خاصةً بهم ويقومون بذلك عن طريق عمليات الفحص وطرح الأسئلة والتحقُّق من صحة الافتراضات وإجراء المراجعات، أو ما يُطلِق عليه الخبراء التربويُّون في مجال تعليم الكبار: التأمل النقدي. غير أن النتيجة الخاصة بعملية التأمل هي التي تُفرِّق نظرية التَّعلُّم التحويلي عن النظرية البنائية؛ فكما يُشير الاسم، هذا النوع من التَّعلُّم يُحوِّل ويُغيِّر المتعلمين بطُرق عميقة وتفصيلية ودائمة. ما يتغير عادةً هو المعتقدات المسلَّم بها، والافتراضات التي لا نزاع عليها، والعادات الذهنية التي لم تكن محل تشكيكٍ من قبلُ قط. في بعض الأحيان، قد يكون هذا النوع من التَّعلُّم نتيجةً لحدثٍ فردي — أو ما يُطلِق عليه ميزيرو وزملاؤه (٢٠٠٠) «المأزق المُحيِّر» — أو قد يَحدث التحوُّل على نحوٍ تدريجي ومع مرور الوقت؛ حيث إن الأحداث والتَّجارِب تُثير المزيد من التأملات النقدية. وعلى أي حال، هذا هو نوع التَّعلُّم الذي يُغير ما يؤمن به الناس، وكيف يتصرفون، بل ومَن يكونون. وينبغي أن يكون هذا هو الغرض الأساسي للتعليم، ولا سيما التعليم العالي.

هذا جانب آخر من النظرية والبحث العلمي، لا يَعرفه غالبًا المهتمون بطُرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم؛ حتى وإن كانت أدبيات الأبحاث الخاصة بالممارسين تَزخَر بحكايات عن التغيرات التي حدثت للمتعلمين والتي قد يَصفها العاملون في مجال تعليم الكبار بأنها تغيُّرات تحوُّلية. بكل أسف، يعزو المعلمون عادةً التغيرات التي تتسم بأنها تحوُّلية إلى الحظ؛ أي إنها قد تَحدث أو لا تَحدث؛ ومن ثمَّ لا يمكن التخطيط لها أو التحكم بها. وعندما يتبنَّى المعلمون وجهة النظر هذه، فإنهم لا يُفكِّرون في أمورٍ محددة قد يفعلونها لتشجيع احتمالية خوض تَجارِب التَّعلُّم التحويلي وحثها، أو بالأحرى زيادة هذه الاحتمالية. وعلى الرغم من وجود أدلة (لخَّصها ببراعة كلٌّ من باسكيرليا وتيرنزيني، ١٩٩١، ٢٠٠٥) تُفيد بأن التَّجارِب الجامعية تُغيِّر الطلاب؛ فإن ثَمَّةَ احتمالية قائمة بتوفير المزيد من تَجارِب التَّعلُّم التحويلي إذا ما أدرك المعلمون دورهم في تعزيز هذا النوع من التَّعلُّم.

هناك أيضًا احتمالية قوية تُفيد بأنه نظرًا لأن أساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم تجعل الطالب يُركز على نحوٍ مباشر للغاية على عملية التَّعلُّم؛ فإنها تقود الطالب في اتجاه خوض تَجارِب التَّعلُّم التحويلي. وهذه الأساليب تُشجِّع مهارات التأمل والنقد وتنمية الوعي الذاتي. ويُمكن أن يتغير المتعلمون في مجموعةٍ شاسعة من المجالات، وفقًا لنظرية تعليم الكبار، ولربما زادت طرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم من احتمالية عيش التجارب التحوُّلية على اختلاف أنواعها.

وقد لاحظ معظم الذين يستعينون منا بهذه الأساليب أنها غيَّرت ما يؤمن به الكثير من الطلاب بخصوص عملية التَّعلُّم؛ فحالما يشرع الطلاب في تحمُّل المسئولية تجاه عملية التَّعلُّم واتخاذ بعض القرارات المتعلقة بها، يُدركون ما يمكنهم تحقيقه عندما يُصبحون متعلمين مستقلين يتَّسمون بالتوجيه الذاتي، وعند مرحلةٍ ما، لا يكون هناك نقطة عودة أو تراجع. ولقد فوجئتُ بهذا الأمر ذات مرة أثناء تدريسي لمادة التدريس الجامعي لطلاب الدراسات العليا؛ إذ قمنا بدعوة عالِم شهير لحضور إحدى المحاضرات لمناقشة الأسئلة التي طرحها الطلاب حول أبحاثه وكتاباته، دخل العالِم قاعة الدراسة، وانطلق ليلقي محاضرته من مجموعة ملاحظات أعدَّها بإتقان، وبعد مرور فترةٍ قصيرة على بدء المحاضرة، قاطعه أحد الطلاب قائلًا: «لقد طلبنا منك الحضور، يا دكتور، لأننا لدينا أسئلة نودُّ أن نناقشها معك. ونُفضِّل أن تجيب عن تساؤلاتنا وتشاركنا أفكارك.» من الواضح أن العالِم تفاجأ، ولكن توالت المناقشة، وبعد انتهاء المحاضرة عقَّب قائلًا لي: «لم ألتقِ بطلاب تعاملوا معي بهذه الطريقة من قبل، ولكن أسئلتهم أفصحَت بكل وضوحٍ أنهم ليسوا بحاجةٍ إلى الاستماع إلى محاضرةٍ عن الموضوع.»

على الرغم من أن طُرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم تُغيِّر بقوةٍ المُعتقدات المتعلقة بعملية التَّعلُّم، فإنها لا تُغيِّر جميع الطلاب. ربما كانت ستفعل ذلك لو أن الطلاب درسوا المنهج بهذه الطريقة على نحوٍ أكثر انتظامًا، أو لو كنا نعرف المزيد حول أي التصميمات وأي الترتيبات لها التأثير الأعظم، فربما صار بإمكاننا أن نُعضِّد التَّعلُّم التحويلي على نحوٍ أفضل. ومع ذلك، فنحن نعرف القدر الكافي لتبرير تدخُّل المعلمين — على نحوٍ هادف — في عملية التَّعلُّم التي تُغيِّر الطلاب بهذه الطرق العميقة والتفصيلية.

علاوةً على ذلك، لا تُغيِّر تَجرِبة اتباع طرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم من الطلاب وحسب، بل إن هذه الطريقة المتبَعة للتدريس تُغيِّر أيضًا ما يؤمن به المعلمون بخصوص عملية التعليم ودورهم باعتبارهم معلمين. لقد وصفتُ بالفعل كيف غيَّرت هذه الطريقة تمامًا من معتقداتي عن التدريس والممارسات التي تتمُّ داخل قاعة الدراسة. وهذه التغيرات ذات الأهمية المتساوية يأتي وصفها باستمرارٍ في الأدبيات الخاصة بالممارسين، ولكن لا يحدد المعلمون ما يحدث لهم في تجربة التَّعلُّم التحويلي. على سبيل المثال، انظر تومبكينس (١٩٩١) ومازور (٢٠٠٩) وسبنس (٢٠١٠).

•••

بدأ هذا الكتاب بأُولى تجاربي الخاصة بأساليب التدريس المُتمركِز حول المتعلم، ثم تبع هذا استكشافٌ للنظريات التي ترتكز عليها هذه الأساليب. ومن واقع تجاربي الخاصة، وكذلك ارتباط الأفكار الخاصة بطُرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم بعدة نظريات تعليمية متنوعة، يتَّضح أنه ليس هناك تطوُّر مُحكَم ومُرتَّب للتجارب أو الأفكار أو الروابط، بل تتسم الأمور بأنها مختلطة ومشوَّشة أكثر من كونها واضحةً ومترابطة. وهذه الطبيعة المختلطة والمشوَّشة التي تتسم بها المعرفة المتوافرة عن هذا المجال تسري على عالم الأبحاث أيضًا، كما يوضح الفصل التالي؛ حيث إن طرق التدريس المُتمركِز حول المتعلم لم تُكتشف وتُفسَّر عن طريق نظريةٍ ما؛ ثم أُثبِتَت بعد ذلك بسلسلةٍ من الأبحاث المنهجية. لكن رغم الفوضى المتأصلة في الطريقة التي اكتشف بها أحد المعلمين هذه الأفكار بالصدفة وطريقة تداخل هذه الأفكار مع مجموعةٍ متنوعة من النظريات التعليمية، يوجد دعم — نظري وتجريبي وعملي — لفكرة أن هذه الأساليب المستخدَمة في التدريس تُعزِّز تعلُّم الطلاب على نحوٍ أقوى وأفضل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤