رابعًا: حكماء اليونان (الغرب)

(١) الأطباء والشعراء والفلاسفة والملوك

وأبقراط من نسل أسقليبوس، وهو السابع من الأطباء؛ أي خاتم الأنبياء والأئمة طبقًا لرمز العدد في الحضارات الشرقية. أذاع صناعة الطب كما يفعل الحواريون بعد الأنبياء. وأهمُّ شيءٍ في أبقراط قسَمُه الذي يُقسم فيه بالله، ربِّ الحياة والموت، وواهب الصحة، وخالق الشفاء وكل علاج، وبأولياء الله من الرجال والنساء جميعًا. ولمَّا كان الطب أشرف الصنائع كانت أخلاق الطبيب ضروريةً لممارسة الطب. التعليم بلا أجرٍ ولا شرْط، وإقامة الصناعة على الزكاة والطهارة ضدَّ الإجهاض. تروى عنه حكايات نمَطية تروي أيضًا عن حياة كلِّ عظيم مثل سقراط خاصة بأفضلية الحِكمة على المُلك. كان يُعالج المساكين والفقراء. فالطب رسالة وليس حِرفة، خدمة وليس صناعة، يُعالج حسبةً لله مثل تعليم سقراط للناس. وإذا كان أسقليبوس قد أسَّس الطب على التجربة فإنَّ أبقراط أسَّسه على القياس قبل أن يأتي ثاساليس بالحِيَل. يجمع بين طبِّ الأجساد وطبِّ النفوس. وله كلام في العِشق. كان مُتألهًا ناسكًا. وكانت له القُدرة على الفراسة لتعرُّفه على ذلك من فحص جسم رجل.١ ثم يتحوَّل الشخص إلى مجموعةٍ من الأقوال والحِكم المأثورة مثل: الشرَف في الدنيا والنجاة في الآخرة. فما يُهم هو أبقراط الأخلاقي أكثر من أبقراط الطبيب، وتحويله إلى مثالٍ في أبقراط الطبيب الفاضل الكامل. بل تُنسَج له سيرة العظماء. فقد كان قبل الطبِّ ملكًا. ثم زهد في الملك مِثل بوذا في الشرق. وتروى عنه الحكايات النمَطية التي تروى عن ابن سينا أيضًا من أنه عرَف أنَّ ابن الملك أحبُّ من رؤيته لفتاة وجسَّ نبضه.٢
ولمَّا تُوفِّي أبقراط خلَّف من ورائه ذُرية ضعافًا من آل أسقليبوس مثل روفس، دسوقريدس، ولم يستطع خيال المؤرِّخ في كل حالةٍ أن ينسج حولها الروايات أو أن يؤسِّسها، بل اكتفى بمجرَّد إعطاء ثبْتٍ بأسماء مؤلَّفات روفس أو وصف تفصيلي لأعمال دسقوريدس. وتُشير الأقوال المُتأخرة إلى الطب الروحاني أكثر مما تُشير إلى الطب البدَني. ويصبح أبقراط حكيمًا مُتكلمًا صوفيًّا يتحدَّث عن صفات الربِّ تعالى، وكثرة نِعَمه، ويكشف عن تجليَّات ذلك في الطب. فقد خلق الله تعالى في الآدمي ستَّةَ عروق. وإذا عرض للإنسان الجنون ابتلاه الله بالزُّكام. وإذا عرض للإنسان الطاعون ابتلاه الله بزلاجة المَعِدة. وإذا قضى الله تعالى بالعمى ابتلاه الله بشدَّة الرَّمد. وإذا عرض للإنسان البواسير ابتلاه الله تعالى بتشقيق الشفتَين. وإذا عرض للإنسان الجُزام ابتلاه الله تعالى بكثرة العطاس. فما اعتبره أبقراط علامةً على المرض اعتبرتْه الأقوال المُتأخرة ابتلاءً من الله. وأقواله في المرأة تجعلها مجرَّد موضوع للإشباع الجنسي. فالذين يستميلون قلوب نسائهم بالحُلي والمال والكسوة إنما يُعلِّمونهم محبة الأغنياء لا محبة الأزواج، بل تكون الاستمالة بكثرة الجماع. أمَّا إذا أحبَّ الرجال التزيُّن فإن ذلك يكون بالأفعال الجميلة.٣
وقد يُصبح الحكيم اليوناني مؤسِّس مدرسة بأكملها ينتسِب المسلمون إليها. فأنبادقليس الذي كان في زمن داود وسليمان عليهما السلام أخذ الحِكمة من لقمان بالشام، ثم ذهب إلى بلاد اليونان، وتكلَّم في المعاني والصفات والوحدانية وخلق العالم، ولكنه قدَح في ظاهر المَعاد، وهو من السمعيَّات طبقًا لنسَق العقائد التي لا تعتمد إلَّا على الدليل النقلي. وهو دليل ظنِّي في حين أنَّ وجود الله وخلق العالم من العقليات التي تعتمد على الدليل العقلي وهو دليل قطعي. هجرَه البعض وانتسَبَ إليه البعض الآخر. وكان من شيعته أبو الهُذيل من المُتكلمين وطائفة من الباطنية تنتمي إلى حكمة محمد بن عبد الله بن مسرة الجبلي القرطبي.٤ فاليونان تلاميذ الأنبياء. والإسلام يشمل اليهودية في قراءته للتاريخ. وهو أول من جمع معاني صفات الله، وأنها تؤدي إلى شيءٍ واحد، الوحدة والكثرة في الله مثل أبي الهُذيل العلَّاف. بل تخضع تسمية أنبادقليس للطريقة العربية، فهو أنبادقليس بن هادين.٥ وهو أيضًا بن باور؛ أي إنه يشمل الفرس أيضًا. فأنبادقليس من الباطنية مثل الشهرزوري، إسقاطًا من الحاضر على الماضي، لا فرْق بين علي بن أبي طالب والحسن البصري وجماعة من المُعتزلة وجمهور الحكماء بالرؤية الباطنة.٦ والأخلاق إشراقية عند الكل، يونان ومُسلمين. هنا يقوم الموروث بتأويل الوافد حتى يصبَّ الوافد فيه، ويتم التنسيق بين الاثنين. لقد كان الإشراق عند اليهود في البداية كما بدأ في تأويل المسيحية لها، ولكن في النهاية حوَّل الإسلام الإشراق إلى واقع عقلي طبيعي، حوَّله الصُّوفية إلى إشراقٍ من جديد. وهو الحكيم العظيم الربَّاني، وكلها ألقاب إسلامية. تفوق في العلم الإلهي. الباري تعالى هو هويته، يُنير العقل بالنور الإلهي ويفيض عليه، ويُثبِت المعاد، وخلق الله أسطقسات أربعة.٧
والشعراء اليونان أيضًا بداية الحكمة المُحمَّلة بالمعاني والقِيَم الإسلامية مثل قول هوميروس: إني لأعجَبُ من الناس إذا كان يمكنهم الاقتداء بالله عزَّ وجل فيَدَعون ذلك إلى الاقتداء بالبهائم، إنَّ الله عزَّ وجل مُنتقم من الأشرار، إنَّ الشكر موهبة من الله للعبد، الشعر مصدر الفلسفة، الأسطورة تسبق الحكمة. وهو يُعادل امرئ القيس عند العرب. وهو من الشعراء الذين استثناهم القرآن من الشعراء الغاوين الهائمين. ولا ضرَر من ذكر بعض الأساطير مثل مواقعة بهرام الزهرة فتولَّد العالم ما دامت مواعظه مُتفقة مع الشرع. فجميع الناس تُدينهم معرفتهم بأنفسهم كما يُدينهم الله. ومساعدة الأشرار على فِعلهم كُفر بالله عز وجل. فالدين أخلاق، والأخلاق دين. الشعر حكمة، والشاعر حكيم. وفي الأقوال المُتأخرة، يتحوَّل الشاعر إلى صوفي يدعو إلى خَوف الله تعالى وتقواه، ويدعو للناس بالخير دون إلغاء الأسباب. فإذا أراد الله تعالى أمرًا هيَّأ أسبابه. ويظلُّ الله هو العِلة الأولى. أمَّا يسخيلوس فلَه كلام ملغوز مثل الصُّوفية ولكنه كان يعرف الله ويدعو له ويبتهِل إليه «اجلس لأخلصك الله.» وعند سوفكليس الفلاسفة عند العقلاء كالآلهة وعند الجهلاء كالناس.٨ ويبدو سوفكليس صوفيًّا صاحب مقاماتٍ وأحوال مثل المحبَّة والذكر والطاعة والصبر والتقوى والمعرفة والعبودية والذكر والخَوف والزهد. فالمُجتهدون في محبَّة الله عز وجل يجِدون في بُكائهم وقتَ تضرُّعهم إلى الله عز وجل لذَّة. ومَن صحَّت له محبة الله عز وجل اشتغل عن علائق جمع الدنيا. إلا أنه يشتهي التعليم فيجمع محبَّة الله عز وجل حب عمل التخليص، ويحسُن الافتخار بمحبَّة الله تعالى والخوف منه لا النار كما هو الحال في حبِّ الله لذاته عند الصوفية. ولا يكره الموت من يُحبُّ الله حقَّ محبَّته. ولا يخافه حقَّ خوفه فاعل شيءٍ من الذنوب. ومعرفة الله تُوجِب محبته. فمن أحبَّ حقًّا اشتغل بخدمته عن خدمة غيره. ومع الحبِّ يأتي الخَوف. فمن أجل تجاوز الفناء على الإنسان ألا يخاف إلا الله واجتناب الأشياء المُهينة. ومن صدق خوفه من الله عز وجل كان موته أحبَّ إليه من فِعل شيءٍ من الأنام، ولم يخَفْ غيره إلا أن يشتهي التعليم. والعبادة لله بالزهادة لله. خوفًا من الله ومحبَّته لله لا لشيءٍ خلقه الله. غاية الموهوبات في الدنيا للإنسان. وهناك أيضًا مجموعة من الأقوال حول الرياضات والمُجاهَدات كما هو الحال عند الصُّوفي. فالمُجتهدون في محبة الله عز وجل يجدون في بكائهم وقتَ تضرُّعهم إلى الله عز وجل لذة، لذَّة التفكُّر في ملكوت الله عز وجل. وأفضل أعمال البدَن ما قوى به على طاعة الله عز وجل، وشرُّها ما قوى به على معصية الله عز وجل واجتناب الأشياء المُهينة، ومن يقتدي بالله عز وجل في أفعاله لا يفعل إلا الحسَنات. وليس في الدنيا غير عابد الله سبحانه أو اللذَّة «فكن من العابدين لله تعالى ولا تكن من العابدين للذَّات أشباه البهائم.» والملائكة لا يَفتُرون ولا يملُّون من ذِكر الله عز وجل. وقد قيل للحكيم ما يُرضي في الدين؟ قال: الدين مثل. فما يزيد اليقين؟ قال: العقل، حفظ اللسان، الصبر، التقوى، قلة القنية، الرضا بالقلب، ذكر الموت، والمعرفة، والعبودية. وعادةً ما تنتهي الأقوال بطاعة السلطان من الموروث السياسي القديم والحديث. فطاعة الولاة في مرضاة الله عز وجل أبقى للعز، سوء تأويل لآية: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.٩
وهل صحيح أن سولون جدُّ أفلاطون الفعلي، أم أنها قرابة روحية، خاصةً وأنَّ كليهما صاحب نواميس؟ كلاهما صُوفي. الله تبارك وتعالى ليس له نهاية. ومن وصاياه ضرورة الاتفاق على التفاني لله سبحانه وتعالى. ولمَّا كان سولون مُشرِّعًا فإن أقواله في العصور المُتأخِّرة تُشير إلى الجور وفساد قلوب العباد.١٠
وعند باسيليوس وهو أحد الملوك الأربعة الذين أخذوا الحِكمة من هرمس الأوَّل أنَّنا نقصد بأكلِنا وشُربنا شكر الله. ولا نقصد بصَومنا وصلاتنا شُكر الله إذا كان قصدُنا بفعل ذلك شيئًا آخَر. وهو ما يُفيد معنى أنَّ الأعمال بالنيَّات. وآمون الملك الحكيم الذي ملك على كثيرين لم يُترجَم من حِكَمه شيء. دعا إلى تقوى الله، ولكنه كان مدافعًا عن الملك وعن الفلاحين في نفس الوقت. وهم كيمياء الأرض. وهو تعبير شرقي مثل ملح الأرض في الأناجيل. فمن قدَح في الملك يضرِب عُنقه. وكان في شريعته قطع يدِ السارق، وقتل قاطع الطريق أو حرقِه بالنار. تعهَّد أمر المجوس، ومنع سجن المظلومين. وكان يعتمد على المشورة ضدَّ الانفراد بالرأي. ومنع المُعاقبة على صغار الذنوب، واكتفى بالاعتذار. والبدء بالنفس قبل البدء بالغَير، وهي كلها وصايا إسلامية أصبحت شاملةً لكل إبداعات الحضارة القديمة.١١
ويُعطي ذوقاليون عشر خصال تُكرِّر أنماطًا مثاليةً للأخلاق الصوفية عن الشكر والصبر والصداقة. ولا يُهمُّ من قائلها أو إذا كان له وجود تاريخي بالفعل، بل القول ومدى تعبيره عن الفلسفة الخالدة.١٢
وتكشف الأقوال المُتأخِّرة لزيمون الشاعر عن شاعرٍ صُوفي يدعو إلى شكر الله تعالى، وطاعة الله تعالى، وتقوى الله تعالى، ويدعو إلى تزيين السرائر حتى يُحسِّن الله العلانية طبقًا لحديث الرسول؛ ويُحذِّر من عصيان الله، ويدعو إلى الخَوف منه، ويُكثِر بالقسم بالله والحلف بالله العظيم.١٣
وأخذ فيثاغورس الحِكمة من سليمان بمصر حين دخل عليها من الشام. وأخذ الهندسة عن المصريين. وعاد إلى اليونان حاملًا معه الهندسة والطبيعة والدين. وأضاف الألحان وادَّعى النبوَّة. امتحنه أماسيس ملك مصر حتى ثبَتَ ورَعُه وعِلمه. وأعطاه سلطانًا على الضحايا للرَّب «تعالى». ولم يُعطَ ذلك لغريبٍ قط. ووضع كهنوتًا يُقرِّبه إلى الله «تعالى». وإذا كان الله «سبحانه» هو سبب وجودنا وخالقنا، فإنَّ النفوس ينبغي أن تكون مُنصرِفة إلى الله «تعالى». الفكرة لله، ومَحبَّتُها مُتصلة بالله. ومَن أحبَّ الله عمل بمُحابَّةٍ ليقرُب منه وليفوز بالنجاة. الضحايا والقرابين كرامات لله «تعالى ذكره». والأقوال الكثيرة في الله «سبحانه» علامة تقصير في الإنسان عن معرفته. هنا تتحوَّل قراءة التاريخ إلى «أسلمة التاريخ». وكان يرمُز بالحكمة. ومات مقتولًا كما يروي الشهرزوري أسوةً بأستاذه السهروردي. فالعظمة في الشهادة، والإجلال في التضحية، والخلود في المَوت. وكتَبَ عنه الشهرزوري أكثر ممَّا كتَبَ عن هرمس، نسَبه وأسرته، بطريقة المؤرِّخين العرب. ويذكر أكثر من رواية عن حياته، وكأنها حكايات صُوفي أو إشراقي. وتذكر له مجموعة من الأقوال المُتفرِّقة التي لا رابط بينها في السياسة والجنس. وهو نقطة الاتصال بين الشرق والغرب، بين النبوَّة والحكمة.١٤ أول ما خلق الله الأعداد. والله مبدأ أول. بدء الخلق والوجود من الله سبحانه وتعالى، ونفوسنا ينبغي أن تكون مُنصرفة إلى الله. فهو يؤمن بالخلق والبعث، ويدعو إلى التمسُّك بالشرائع.
وبالرغم من أنه لا تُوجد حضارة قديمة عظَّمت اليونان قدْر الحضارة الإسلامية، يحكُم البيروني على أقوال فيثاغورس بالخُرافات. هو الفيلسوف المُتألِّه، نفس ألقاب حكيم الإشراق. وعظَ النفوس وحثَّها على الجهاد والإكثار من الصيام وبشَّر ببقاء النفوس ومعادها. والباري تعالى واحد كالآحاد. وحدة الباري قبل الدهر، ووحدة العقل مع الدهر، ووحدة النفس ووحدة الزمان بعد الدَّهر. والوحدة إمَّا بالذات كالله أو بالعرَض كالمخلوقات. الوجود والخلق من الله سبحانه، وهدف النفس انصرافها إلى الله. ومعرفة الله مشروطة بالانصِراف عن الناس، ومعرفة الله باليسير من الكلام. والحكمة خالِصة لله ومَحبَّتها مُتصلة بمحبة الله. ومن أحبَّ الله عمل بمحبَّته وقرَّبه منه الله فحيا وفاز. والإنسان والحكيم المُراقِب لله سبحانه هو عند الله معروف. والمُتقدِّم عند الله من الحكيم ليس بالكلام بل بالأفعال. والأفعال الجليلة بالفعل لا بالقول. والكلام في الله جلَّ وعلا يجِب أن تتقدَّمه الأعمال التي يرضاها الله عز وجل. والأفعال الكثيرة في الله سبحانه علامة تقصير الإنسان عن معرفته. ليست الضحايا والهدايا والقرابين بكراماتٍ لله تعالى ولكن الاعتقاد الذي يليق به. وانشغال النفس بالله تجعل الأفعال منه. لسان الرجل المُتخرِّص غير المُرتاض، وصلواته وضحاياه نجاسة عند الله. لذلك يدعو فيثاغورس إلى التمسُّك بالأفعال بداية بالله الرب عز وجل، وجعل كل الزمان مصروفًا في طاعة الله. والقول يشفعُه العمل. فليس لسان الحكيم مُتقدمًا عند الله تعالى ذكره بالتكرِمة بل أفعاله التي يُريدها الله تعالى منَّا، ولذلك خلقَنا. والحصول على النفس الجليل بالفعل لا بالقول. والكلام في الله يجِب أن تتقدَّمه الأعمال التي يرضاها الله عزَّ وجل. والحكمة لله خالصة، ومحبَّتُها مُتصلة بمحبة الله تعالى، ومن أحبَّ الله تعالى عمِل. وفيثاغورس صاحب أقوالٍ ومقامات مثل الصوفية؛ المُراقبة والطهارة والتوكُّل والرضا والمحبة. ويُركز على بعض المقامات والأحوال الصوفية مثل التوكُّل على الله دون التشكُّك فيه. أساس مخافة الله الرحمة. والرِّضا يؤدي إلى الفضيلة الإلهية. والإنسان الحكيم المُراقِب لله تعالى معروف عند الله. وليس لله تعالى في الأرض موضع أولى من النفَس الطاهر. ومن الأحسن للإنسان أن يحيا على سرير من خشب وهو حسَن التوكُّل على الله عز وجل أفضل من سريرٍ من ذهَبٍ وهو مُتشكك في الله عزَّ وجل. والرضا يُقرِّب إلى الفضيلة، والرجل المحبوب عند الله تعالى هو الذي لا يُذعِن لأفكاره القبيحة. والرحمة أساس مخافة الله. وجميع الحياة في طاعة الله سبحانه وتعالى، رجاؤه دائمًا لله ومع الله عز وجل. وكلام الاستواء هو أطيَبُ بخورٍ يُقرِّب إلى الله عز وجل. ومع ذلك ليست الضحايا والقرابين كراماتٍ لله تعالى جل ذِكره.١٥ وفي العصور المُتأخِّرة أيضًا أقواله كلها حِكَم إسلامية صوفية تركز على الزهد وتدلُّ على حال الأُمَّة في هروبها إلى التصوُّف، التمسُّك بالله، والإيمان بالآخرة، والابتهال إلى الله، وبتوفيق الله والالتزام بأوامره ونواهيه حتى دون إشاراتٍ إسلامية مُباشرة واضحة. فالرُّوح غير الحرف. وهي ثُنائية موجودة في كلِّ تصوف، تتمُّ الإحالة إليها في العادات والمِلَل السابقة والأُمم المُتقدِّمة. ويبدو البُعد السياسي بالنصائح الأخلاقية الموجَّهة إلى الملوك، والدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر. قد يكون التصوُّف ذاته دعوةً سياسية بالابتعاد عن العالم للسلطان يفعل كما يشاء خاصَّةً لو تمَّتْ صياغات أقوالٍ لمدح السلطان. وقد يكون نقدًا سياسيًّا واجتماعيًّا مُقنَّعًا في ثوبٍ دِيني لا سياسي. وقد أخذ فيثاغورس الحِكمة من معدن النبوَّة، وهو الحكيم الفاضل ذو الرأي المَتين والعقل الرَّصين. الباري واحدٌ كالآحاد، لا يدخل في العدد، ولا يُدرَك بالعقل أو النفس.١٦
وطاليس تعلم الحِكمة في مصر، وأقواله كلها إسلامية إيمانية أخلاقية إنسانية. يعقِد حواراتٍ مع حواريِّيه مثل المسيح ومحمد. وكل قول له سبب نزول مثل آيات القرآن. وكل حكاية بها رواية وقول مُبشِّر كما هو الحال في علم الحديث، السند والمتن. وهو صاحب مدرسة فكرية منها مانقسانس، أنكساجوراس، أرملاوس، في مقابل مدرسة فيثاغورس، سقراط وأفلاطون وأرسطو، مدرسة الطبائعيِّين في مقابل مدرسة الرياضيين.١٧ ويدخل الوافد في الموروث. فإذا قال طاليس إنَّ أصل الأشياء هو الماء، فإنَّ الموروث يحمله داخل: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.١٨ ويقول طاليس بخلْق الله للماء وليس أنَّ الماء أصل العالم، وهو ما يتَّفق مع التوراة أنَّ مبدأ الخلق جوهر خلقه الله تعالى، وموافق أيضًا للدِّيانات السماوية والقرآن في آية: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. نظرة طاليس إلى العالم نظرة إلهيَّة وليست مادية. طاليس يقول بالتوحيد والإبداع. ويستعمل الشهرزوري مصطلحات الكندي في الأيس والليس. وقد تلقَّى طاليس عِلمه من مشكاة النبوَّة. فالعنصر الأوَّل وهو الماء شبيهٌ باللوح المحفوظ. وتسمية الطبيعيِّين الأوائل وعلى رأسهم طاليس بالدهريِّين هو صبٌّ للوافد في مقولات الموروث حتى تسهُل إدانته.١٩ فالوجود لا مُوجِد له «تعالى الله العظيم»، وهو قول جمهور أهل الهند. فالماديَّة من الشرق القديم، من الهند كما لاحظ الأفغاني في «الرد على الدهريِّين». وفي الأقوال المُتأخِّرة يتحوَّل طاليس من فيلسوف طبيعي إلى فيلسوف إلهي صوفي يعرف لذَّة العبادة، وأنَّ العُمر بركة، وأنَّ من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، وهو حديث عن الرسول.٢٠ العنصر مثل القلم الأوَّل، والعقل مثل اللوح القابل للنقش. ومن مِشكاة النبوَّة اقتبس وبعبارات القوم التبَس.
بل إن الطبائعيِّين أيضًا فلاسفة مؤمنون بالله وبالخلق. فعند أنكمندريس أول ما خلق الله هو ما لا نهاية له. وعند أنكسمانس أول ما خلق الله الهواء. والباري تعالى أزلي لا أوَّل له ولا آخر، مبدأ الأشياء. وعبَّر عن التوحيد بلغة النور. وأعدَّ الله ذخائر الإثم للفجار. وعند أنكساجوراس وفلارمانيوس أول ما خلق الله المُتشابه الأجزاء. الباري تعالى أزلي لا أول له ولا آخر. مبدأ الأشياء لا بدء له، لا تُشبهه هوية، مُبدع، صورته في عِلمه الأوَّل، بلا نهاية، أزلية، لا تتكثَّر ولا تتغيَّر، أبدع بوحدانيته صورة العنصر. وفي العصور المُتأخِّرة أقواله موجهة إلى شكر الله تعالى والاستعاذة به. وهو أيضًا من القائلين بالوحدانية، إلا أنَّ المبدأ لدَيه هو المتشابه الأجزاء. وافق سائر الحكماء أنَّ المبدأ الأوَّل هو العقل الفعَّال، وخالفهم في قولهم أنه ساكن غير مُتحرك. وعند أرسلاوس بن أبولوذس؛ أول ما خلق الله ما لا نهاية له مثل أنكسماندريس، ولا يُهمُّ صاحب الرأي بقدْر ما يُهم الرأي بداية باستقلال الرأي عن الشهرزوري. وعند أبيقورس بن تاونيس، خلق الله مبادئ الموجودات أجسامًا مُدرَكة عقلًا لا خلاء فيها ولا لون لها، سرمدية غير فاسدة، تتحرَّك في الخلاء والملاء إلى أن يشاء الله. وبعد موت زينون وُجِد له كتاب بلغة أفريقيا مملوء بفاحش القول في الأمور الإلهيَّة. تلك صورة زينون الأيلي السوفسطائي وتحويل إنكاره الحركة في الطبيعيَّات إلى فاحش القول في الإلهيَّات. ومع ذلك تكشِف آدابه عن مثاليةٍ أخلاقية عكس ماديَّتِه الطبيعية. وهذا يدلُّ على قوة أسلمة التاريخ على خلق تاريخ جديد يُعبِّر عن الشهرزوري بعد تكبيرها وتضخيمها.٢١ وعند زينون الأكبر أنَّ فناء الصور وبقاءها في عِلم الباري تعالى، والعلم يقتضي بقاءها، والباري قادر على أن يُفني العوالم كلها. الأصول هو الله والعنصر فقط، فالله هو العلة الفاعلة، والعنصر هي العِلَّة المُنفعلة، والباري مُتحرك.٢٢

(٢) سقراط وأفلاطون وأرسطو

وسقراط من تلاميذ فيثاغورس. اقتصر من الفلسفة على العلوم الإلهية. أعرَضَ عن ملاذِّ الدُّنيا جامعًا بين النظر والعمل. حاجَج رؤساء الملَّة بالأدلَّة والبراهين على التوحيد. آراؤه في المعاد ضعيفة مثل سائر حُكماء اليونان. كلامه رمزي، وعاش ما يناهز مائة وسبعة أعوام. قال إن العقول مواهب والعلوم مكاسب مثل تعريف الأحوال والمقامات عند الصوفية. وقال إنَّ خير الأمور أوسطها، أسلمة للأخلاق أو توافقًا للحضارات. وهو شاعر يدعو إلى الزهد والبُعد عن زُخرف الدنيا:

إنما الدُّنيا وإن وقعت
خطْرة من لحْظ مُلتفتِ
وتحدث عنه البيروني؛ لأنه صوفي زاهد كما تحدَّث عن أفلاطون أكثر مما تحدَّث عن أرسطو. وهو مُوحِّد بالله كما لاحظ مسكويه والشهرزوري. لا ينقل علومه من مَيِّت عن ميِّت، بل من الحي الذي لا يموت. غلب عليه الزُّهد والتنسُّك، شامي ناسك زاهد يعبُد الله. وقف في أوجُهِ الملوك والحكام. وله نوادِرُه. وتكلَّم عن النفس التي تصير إلى القدس وحرَّم قتلها. شهد عليه سبعون شيخًا أنه نقد آلهتهم وحكموا عليه بالموت دون أن ينزعِج كما هو الحال عند الشهرزوري. حاور تلاميذه. ولما سُئل عن ماهية الرب أجاب بأنَّ القول فيما لا يُحاط به جهل؛ تَوجُّهًا من النظر إلى العمل مثل السؤال عن الروح والإجابة بأنها من أمر الرب. ولمَّا سُئل عن علَّة خلق العالم أجاب بأنها جود الله. ناهَضَ ذوي الشرك بالحُجَج والأدلَّة فأثاروا العامَّة عليه.٢٣

ولتعظيم سقراط يُضاف ألف ولام التعريف فيُصبح السقراط. وهو مِثل الرسول، خالف اليونان في الدين، وقابل ذوي الشرك بالحِجاج والأدلة، فثوَّروا العامَّة عليه وألجئوا مَلِكهم إلى قتله. ويُستشهد بسقراط على أهمية الحِكمة، فهي من الله. لذلك قال: «أف، كل من قال مَن يحضُرنا يزعم أنه حكيم، وإنما الحكيم أيُّها الرجال هو الله سبحانه وتعالى.» وهو في رواية الآمدي مُسلم موحِّد بالله. اقتصر على المعارف الإلهية، وأعرض عن ملاذِّ الدنيا، وواجه الشرك بالأدلة والحُجَج، وثوَّر العامة مما أدَّى إلى قتله، فهو شهيد لحُرية الفكر.

سقراط هو المُتألِّه الزاهد الحكيم، مُوحِّد بالله. خالف اليونانيين في عبادة الأصنام بالحُجَج والأدلة. فالباري تعالى واضع وخالق كلِّ شيء؛ أي مُقدِّر كل شيء، وعزيز أي مُمتنِع أن يُضام، حكيم أي مُحكم الأفعال ومُتكلم، وكذا سائر الصفات. أقصى أوصافه أنه الحي القيوم. شرط الحياة الإلهية إماتة النفس، خَوف الله ومحبَّته ومُراقبته، عجب السياسة الإلهية تقريب الأضداد. معرفة حقِّ الله عزَّ وجلَّ في العبادة والتقوى. كتَبَ لعزاء أحد الملوك أنَّ الدنيا دار بلوى والآخرة دار عُقبى، وبلوى الدُّنيا سبب ثواب الآخرة. وإذا كانت عبادة الأصنام ضارَّة لسقراط فإنها نافعة للملك، فالوعي الفردي اليقِظ شيء والوعي الجماعي الخامل شيء آخر. ثم ينتقل سقراط من العقيدة إلى الشريعة. فإرضاء الله في لزوم الجماعة والعمل بالشريعة. الحِكمة سُلَّم العلو إلى الباري عزَّ وجل والإخلاص في الشرائع. من عرف الله حقَّ معرفته وما يُرضيه لم يحتج ما يربِطه بالسيئات. ثم استحمَّ وصلى قبل الشهادة وقال: «إني أسلمتُ نفسي إلى قابض أنفس الحُكماء.» فسقراط حكيم صُوفي إشراقي كالسهروردي، يقرأ المؤرِّخ نفسه فيه. فالعقول مواهب والعلوم مكاسب كما يقول الصوفية: الأحوال مواهب والمقامات مكاسب. تعامل مع أفلاطون تعامُل الشهرزوري مع المُريد، الجواب والسؤال في المُحاورات.٢٤
ومن أقوال سقراط يمكن معرفة فلسفته الإلهية الأخلاقية. فمن يُريد أن يحيا حياة إلهية يُميت نفسه من جميع الأفعال الجسيمة. ومن زهِد في الدنيا أحبَّه أهلها، ومن رغب في الآخرة نال خيرَها وحمد عاقبتها. فعل السياسة الإلهية إنما يتمُّ عن طريق قرْن الأضداد بعضها ببعض حتى يتمَّ خلاص أحدَيها من الآخر. فبالله والأطبَّاء يتمُّ خلاص المرَض. وتكون الهمَّة في المحافظة على حقِّ الله تعالى في العبادة والتقوى. والحكمة سُلَّم العلو، وبدونه لا يكون قُرب من الله عزَّ وجل. ومن عرف الله حقَّ معرفته وما يُرضيه لم يحتج إلى ما يربِطه ويردَعُه عن السيئات. وتظهر نفس الرُّوح في الأقوال المُؤلَّفة، الدعوة إلى الآخرة، الثقة بالله والتوكُّل عليه، الاستسلام لإرادة الله ولقُدرته ورعايته والإقبال على عبادته والحكماء: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ مثل المؤمنين، وبعبارة قرآنية صريحة. وهناك أقوال تكشف عن صراعِه السياسي والدِّيني ضد الملوك. فالملكية عبودية وتبعيَّة تشغل رجال الدين ضدَّ حرية الفكر كمُقدِّمة للحرية السياسية. ولا تعني القراءة إغفال نواة التاريخ وإلَّا كانت انتحالًا. كما لا تعني إسقاط بعض الجوانب التاريخية أنها بلا أساس تاريخي. فمن المعروف أنَّ سقراط كان ضدَّ النساء مُمثَّلًا في امرأته. ولا تظهر هذه الواقعة في القراءة. في حين تظهر مقابل سقراط، فارس، تعبيرًا عن التقابُل بين أنصار حِكمة فارس وحكمة يونان. اقتصر على الإلهيَّات والأخلاقيَّات. الباري لم يزل هويَّة فقط. فقد اقتضَتِ الحكمة الإلهية تناهي الصور. أقصى ما يُوصَف به أنه حي قيُّوم. فباقي الصفات تندرِج تحت الحياة.٢٥
وأفلاطون الحكيم الإلهي يقول بخلق العالم، ويُثبت النبوَّة، لا فرق بينه وبين الكندي في كتاب التوحيد أو الفلسفة الأولى، لا فرق بين الحكيم اليوناني والحكيم الإسلامي، بين الفلسفة والدِّين، بين العقل والوحي. وهو شارح أسرار النبوَّة، معروف بالتوحيد والحِكمة. للعالم مُبدع أزلي. وليس في العالم رسْم ولا طلل ولا مِثال إلَّا الباري تعالى. فلا مثال إلا مثال المُثُل وهو الله؛ ومن ثمَّ فهو يخالف أرسطو في المعاني العقلية الكليَّة. الباري لا عِلَّة ولا نهاية له، ولا شخص ولا صورة له، مُنزَّه عن كل نقص. أنشأ الله الهيولى وتمَّمها بالصورة. والحكمة ليست بالقول بل بالأعمال الصالحة. وليس في عطايا الله خيرٌ من الحِكمة، والمُكافأة بالخير والصفح عن الشر. ويُوجِّه أفلاطون عدَّة مواعظ بضمير المخاطب الجمع وكأنه نبيٌّ يدعو قومه. لقد انقطع أفلاطون للعبادة. اختلف مع سقراط في الصِّلة بين العقل والتقوى، والنظر والعمل، وفي الصِّلة بين الأخلاق والشِّعر. وهي إعادة بناء للفلسفة اليونانية بناءً على توجُّهات الفلسفة الإسلامية. تحدَّث عن أسرار الحكمة الإلهية، وهو تعبير إسلامي. وأفلاطون مثل الحُنفاء كما بدا ذلك في محاورة «طيماوس» بالرغم من أنه يقول في الظاهر بتعدُّد الآلهة. ويُسمِّيها السكينات. تخلَّى عن التعليم وعكَفَ على عبادة الله. ولمَّا تاجَر قومه بالحِكمة ابتلاهم الله بالوباء، فخلَّصهم أفلاطون بالهندسة. تعلَّم الشِّعر ثم انتقل إلى الفلسفة بعد مُقابلته مع سقراط مُنتقلًا من الأسطورة إلى العقل.٢٦ وعبَّر عن الحِكمة بالرَّمز كما فعل فيثاغورس وسقراط لأسبابٍ ثلاثة: كراهة اطلاع من ليس من أهل الحكمة عليها، عناية العاشق لها والصبر عليها، وتشحيذ الطِّباع كما هو الحال عند الصُّوفية. واستعمل أسلوب المُحاورات وليس الكتُب. أقواله مُعظمها مواعِظ أخلاقية أقرب إلى الأخلاق العقلية عند المُعتزلة، لذلك يُسمِّيه أرسطو الروحاني. الدين للدولة وليس للأخلاق المُستقلة بذاتها مُدركًا الصِّلة بين الدين والسياسة. كان له ١٢٠٠٠ تلميذ؛ أي إنه مدرسة بأكملها.٢٧ وعند أفلاطون المبادئ ثلاثة: الله «تعالى» الذي خلق العُنصر والمادة. اشتغل بالعلوم الإلهية دون الطبيعية والرياضية، وتخلَّى عن الناس لعبادة ربِّه «تعالى». وقد أتَتْ إسرائيل طلبًا للمساعدة من اليونان زمن الوباء، فأمرَها أفلاطون بتضعيف مساحة المذبح، فزاد الوباء، فأوحى الله إلى أفلاطون بأنهم لم يُضعِّفوا المكعب. وكان سبب الوباء نفور بني إسرائيل من الهندسة، فأفلاطون يُوحَى إليه أفضل ممَّا يوحى لبني إسرائيل.
ومن الأقوال يبدو أفلاطون صوفيًّا صاحب مقامات وأحوال كذلك مثل الشكر والخوف والمعرفة. فالشكر لله على نِعَمه على الناس ليل نهار على مُساواة الله بين خلقه في مواهب النعم على الناس أجمعين والالتزام بها ضدَّ تخصيصها بشعبٍ مُعين. والخوف من الله جليس الإنسان. وشرطه ألا يقتني الإنسان شيئًا سوى النفس. ومعرفة الله ووصفه من واجبات الإنسان. والحِكمة أن يكون الباطن صحيحًا خالصًا لله عزَّ وجل، وأن يكون الخوف من الله وليس من الإنسان. فرأس الحِكمة مخافة الله. والصَّمْت أيضًا مقام. فقد جعل الله للإنسان أُذنَين ولسانًا واحدًا، من أجل أن يسمع ضعف ما يتكلَّم. ولا يجِب الاستهزاء بالشريعة. والفضيلة الإنسانية التَّشبُّه بالملائكة، التشبُّه بالصورة المُحرَّكة بالقوة التي أنشأ فيها الخالق سبحانه دون الهُيولى التي أنشأها الله ودعمَها بالصورة. وكل صياغات الأقوال تُشبِهُ صياغة أدب الكتُب المقدَّسة مثل «الحق أقول لكم.» كما هو الحال في الأناجيل. وكل الأقوال بها روح أفلاطون إن لم تكن صحيحةً تاريخيًّا مما يجعل القراءة قريبة من الانتحال. وتكشف أقوال أفلاطون عن نفس النزعة الصوفية، بداية إسلامية ونهاية إسلامية، مثل طاعة الله سبحانه وتعالى وعدَم سُوء الظنِّ به ممَّا يدلُّ على سيادة التصوُّف على الفلسفة في هذه العصور المُتأخِّرة. كما تظهر أقوال على لسان صاحب «الجمهورية» و«النواميس» تتعلق بالسياسة ضدَّ الظلم والغدْر وتغيُّر معاني الوفاء والعدل والصدق. كما تُبرز علاقة التلميذ أفلاطون بأستاذه أرسطو مثل علاقة المُريد بالشيخ عند الصوفية. ويعني أفلاطون بالأول وجود الباري، وهو الذي نظم الإسقاطات، الأشياء كلها مُتفِقة فيما بينها لأنها من الله تعالى.٢٨
وهناك أفلاطون الطبيب، خوف الله جليسه، وذِكر الله أنيسه.٢٩
أمَّا أرسطو بن نيقوماخوس الحكيم وتعني مُحبَّ الحكمة أو الفاضل الكامل فهو أقربُ إلى النبوَّة منه إلى الحِكمة. ليس بالضرورة أن يكون الوحي من سلسلة أنبياء بني إسرائيل التي يعرفها العرَب والتي ذكرها القرآن. فالوحي مُتعدِّد السلاسل، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ، في الصين والهند وفارس وبابل واليونان. كان إسلام أرسطوطاليس بوحيٍ من الله تعالى في هيكل بوثيون. ومقالته أنَّ لِبارَتِنا التقديس والإعظام والإجلال والإكرام، أيها الأشهاد. العِلم موهبة الباري والحِكمة عطية، والتسبيح والتقديس لمُعلِّم الصواب ومُسبِّب الأسباب. والعدل ميزان الله «عزَّ وجل» في أرضه. فمن أزال ميزان الله عمَّا وضعَه بين عباده فقد جهل أعظم جهالة، ومن أقامه اعتزَّ بالله «سبحانه» أشدَّ اعتزاز. وكل ما كان بسيطًا ففِعله بسيط مثل فِعل الله لأنه بسيط. عاش واحدًا وستِّين عامًا مثل الأنبياء. وبالرغم من الحديث عنه كتاريخ، حياته وكتُبه ووصيَّتِه ومقالاته وآدابه، إلا أنه تحوَّل إلى خيال من كثرة التعظيم. وقد اختلفوا في مَوته بين موتٍ طبيعي وقبر معروف، ورفعه إلى السماء في عمودٍ من النور. وورَدَ في أخبار اليونانيين أنَّ الله أوحى إليه أنه أقرَبُ إلى المَلَك منه إلى الإنسان. وهي نفس العبارة التي قيلت عن أسقليبوس مما يدلُّ على وجود أنماطٍ مثالية تُلقى على أي شخصٍ عظيم. ويتم الحديث عن أرسطو وكأنه نبيٌّ يهدي الإسكندر ويُرشده ويُعلمه. وهي علاقة تُشبه علاقة لقمان بابنه وهو يَعِظه، يقرؤها الشهرزوري ناقلًا لها من الفلسفة إلى الدين، ومن الدنيا إلى الآخرة. وأرسطو فيلسوف مُؤرِّخ للفلسفة اليونانية. فهو خاتم الحُكماء، كما أنَّ الإسلام مؤرخ لمراحل الوحي السابقة ومحمد خاتم الرسل. ولم يستعِن أرسطو بوحيٍ كما استعان الرسول، وغير مُستنِد إلى كتاب مُنزَّل ولا إلى قول نبي مرسل. أحيانًا ضلَّ الطريق وفاتتْه أمور لم يصِل عقله إليها.٣٠
سقراط وأفلاطون وأرسطو ثُلاثي واحد. سقراط أعرض عن الدُّنيا، وأفلاطون عبدَ ربَّه، وأرسطو سمَّاه أفلاطون العقل. وقد روى زينون عن أرسطو عن أفلاطون عن سقراط.٣١ أرسطو هو المعلم الأوَّل الحكيم المُقدَّم المشهور المُطلَق عند اليونانيين، المعلم الأوَّل لوضعه المنطق. ونِسبته إلى المعاني كنِسبة النحو إلى الكلام، والعروض إلى الشِّعر. تعلَّم اللسان والنحو في الصِّغَر. لذلك وضع المنطق، وهي قراءة عربية تُشبِهُ قراءة السيرافي في المناظرة الشهيرة بينه وبين متَّى بن يونس. ومع ذلك وكاستثناءٍ في هذا السياق من الإعجاب باليونان وتعظيمهم وأسلمتِهم ينقُد الشهرزوري أتباع أرسطو. ويُلاحِظ قلة أسلوب المواعظ وقلَّة الإلهيَّات عند أفلاطون. ولكنه استكمل العلوم الأخلاقية والسياسية والتعليمية والطبيعية والإلهية. عذل أفلاطون على ما أظهر من الحِكمة كما يفعل الصوفية في شطحاتهم. وأحيانًا يُقدِّم الشهرزوري قراءة نظرية. فالنظرية جزءٌ من تاريخ الإسلام منذ أثبَتَ قومٌ من النصارى هذه الظُّلمة أو العماية التي يتحدَّث عنها أرسطو. وتظلُّ ميزته أنه نقد اللغة والشِّعر السابقَين على الفلسفة، وحوَّل الحكمة اليونانية من الأسطورة إلى العقل. فالشعر قبل الفلسفة عند اليونان كما أنَّ الدين قبل الفلسفة عند المسلمين. ويُقارن طاش كبري زاده بين المنطق والنحو. فالمنطق من فروض العين لكونه موقوفًا عليه معرفة الواجب لله تعالى، وما يتوقَّف على الواجب فهو واجب. بل أن رياضة المُتصوِّفة تقوم على المنطق. وهو مُستقًى من الهندسة. فالمنطق هندسة الفكر، والهندسة منطق المساحة.٣٢

ويبدو أرسطو أيضًا صوفيًّا صاحب مقاماتٍ وأحوال مثل الشكر كما يبدو خطيب مسجد يوم الجمعة على المنبر. يتوجَّه بالحمد لله الذي سوَّى الخليقة والذي قسَّم البرية والذي سبق الكَيف والماهيَّة والذي اختبر عباده بأقلَّ من مقدار الطاقة والذي أفاض بنِعَمه على الإنسان ممَّا استوجب شُكره وعبادته والاستعانة به والتوكُّل عليه راجيًا السلامة والتوفيق. فالشكر واجب لله تعالى، والمنُّ له سبحانه على البرية، والطَّول من عنده، له الحمد، وهو الملجأ والمُعين على المُهمِّ في الكبير والصغير من الأمور، وهو الشكر الواجب ممَّن يعرِف مِنَنه ولا يُحصي نعِمَه ممَّن يقول إنه واحد لا أوَّلَ له ولا زوال لمُلكه. أنشأ الخليقة لا من موجودات، وأحدَثها من مُتقدِّمات، خلق الرءوس الأوائل كيف شاء، وبَرَأ الطبائع الكلية من تلك الرءوس على ما شاء. وهو إعلان توحيد خالص من النبي أرسطو بعد أن تمَّت أسلمتُه كليةً. ولكل قول سبب نزول كما هو الحال في «أسباب النزول».

وبالرغم من أنَّ مُعظم الأقوال على العلم وهو ما يتَّفق مع فلسفة أرسطو، إلا أنه عِلم صُوفي ذَوقي. العقل فيه يتوجَّه نحو الله وليس نحو الطبيعة أو نحو ذاته. ومن خدم العقل وعبد الله عزَّ وجلَّ وفعل الفضيلة مُحبٌّ لله عز وجل. ومن أحبَّ الله محبَّةً إلهية وأحبَّ العقل والفضائل أكرمه الله وأحسن إليه. وإذا أعطى الله الإنسان ما يُحبُّ من الظفر فعلى الإنسان أن يفعل ما يُحبُّ الله من العفو. ولكن للعقل حدودًا، وأن يعقل الإنسان الله أمر عسير، وأن ينطق به الإنسان غير مُمكن. والخير المُوجَب لا يصدُق على الله ويصدُق على ما دونه، ولا يجوز الله لفلانٍ ولا لشيءٍ من المُضافات. إنما السالب فقط يصدُق على الله. فهو لا صفة ولا حدَّ ولا نظيرَ له كما هو الحال في آيات أسلوب وفي اللاهوت السلبي. ويتحوَّل أرسطو من لغة العقل إلى لغة الذَّوق وبأسلوب الرمز. كان يشرَب ولا يروى فلمَّا عرَف الله روي من غير شُرب. فهذا هو قدَر الله الجاري في خلقه. والعدل ميزان الله عزَّ وجلَّ في أرضه. فمن أزال ميزان الله عمَّا وضَعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة، واغترَّ بالله سبحانه أشدَّ الاغترار. ومن أجل إيجاد نواةً تاريخية لهذه القراءة تتمُّ الإحالة إلى «السماء والعالم».٣٣
وتضمحلُّ قيمة أرسطو في العصور المُتأخرة، وتقلُّ أقواله وتفيد نفس المعاني الروحية والحياة الباطنية. فمن تمسَّك بالدين علا قدرُه، ومن أطاع الله تعالى ملك، والثقة بالله تعالى أقوى أمَل وأولى ما يَعتمِد عليه المرء في كلِّ حال، لا فرْق في ذلك بين ملكٍ ورعيَّة. وتظهر بعض الصِّياغات القرآنية في الأقوال مِثل: لو كان له قلب يفقَهُ به وأذنان يسمَع بهما عاد معي إليك. كما يُشار إلى علاقته الخالدة مع الإسكندر، الأستاذ مع التلميذ، النظر والعمل، النبيُّ والقائد، المُفكر والعامل. ويتمُّ الكشف عن بنية القيادة في الحضارات المُقارنة. فالبطريق هو القائد من قوَّاد الروم ورئيس رؤساء الأساقفة والعالِم عند اليهود. والصُّوَر عند أرسطو أزليَّة في علم الله تعالى، والباري لم يزَل بالأزلية. ومن الشنيع أن يُقال إنَّ الباري لا يعلم شيئًا البتَّة. ومع ذلك، وفي هذا الجوِّ الصوفي المُغرِق يظهر دور أرسطو التاريخي في الفلسفة اليونانية. فهو الذي نقد الشعر ناقلًا إيَّاه إلى الفلسفة، من الأسطورة إلى العقل. وهو الذي نقد اللغة ضدَّ سوء استعمال السوفسطائيِّين لها كما نقَل الحكماء المُسلمون حياة العرب من الدين إلى الفلسفة. وأكمل أرسطو العلوم الناقصة عند مَن سبقوه، العلوم الأخلاقية والسياسية بعد أن برَع من سبقوه في العلوم الطبيعية والتعليمية.٣٤

وقد تحوَّل الإسكندر ذو القرنَين إلى مَثلٍ أعلى للملك الفيلسوف، مُعلم أرسطو، الصديق للقوَّاد، الفاتح للبُلدان، المُبلِّغ رسالة التوحيد، سواء كان هو ذو القرنين الذي ذُكر في القرآن أم غيره. انقشع الشرك في بلاد اليونان في أيَّامه. لقد بلغ الإسكندر الذِّكر في الآفاق. غايتُه توحيد الممالك. وغلَب اليونان الفُرس كما غلَب الرُّوم اليونان. لقد حرَّر الإسكندر اليونان من جِزية كانوا يؤدُّونها إلى دارا، ودعا له أرسطو أن ينصُره على دارا. ومن نُبل الإسكندر تعظيم دارا عند مَوته وإقامة جنازة مَهيبة له وعقاب الخونة. أرسطو هو النظر والإسكندر هو العمل.

وقد علَّم أرسطو الإسكندر، الأمر بتقوى الله عز وجل وطاعته، «الله تعالى ربِّي وربُّكم، خالقي وخالقكم.» ونقد عبادة الأوثان والغلبة لمن يشاء. خرج الإسكندر داعيًا إلى الله ومُطالبًا الناس بتأدِية الخراج ومُعاقبة دارا. وأحسن الإسكندر مُعاملة البراهمة، ووجد أنه هو الذي يحتاج إلى تلقِّي الهداية منهم. لذلك صالَحَ أهل الهند على الخراج. فالإسكندر رسول الله إلى الهند وفارس. ربما اعتمَدَ الشهرزوري على القَصَص القرآني في أسلمة الإسكندر: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ، ووضع النار في أخيلة النحاس. ودُفن في الإسكندرية في موكب العظماء. كلُّ شيءٍ زائل إلَّا الله. وقال وهو يحتضِر في بابل: «ربِّ أنِلْني رضاك، فكلُّ ملكٍ باطل سواك.» وعلاقة أرسطو بالإسكندر، هي نفس العلاقة بين أبي سليمان وملك سجِّستان، علاقة الفيلسوف بالملك.٣٥ وهناك ما يُنسَب إلى الإسكندر وما لا يتَّفِق مع استنارته وعقله وهو أنه حرَق كتُب المجوسية من فارس وأبقى على كتُب النجوم والطبِّ والفلسفة، ونقلها إلى اليونانية، وأحرَق أصولها.

والتوحيد من أرسطو أو من الإسكندر أو من أفلاطون أستاذ أرسطو. فهي وحدة حضارية واحدة. علَّم أرسطو الإسكندر، وأظهر الخير، وفاض العدْل، وقمَع الشرك في بلاد اليونان. ويستشهد طاش كبري زاده باعتماد الإسكندر على عِلم العَرافة في مُحاربته للفُرس. وكان عِلم العَرافة في هذا العصر المُتأخر قد أصبح هو نموذج العلم. والإسكندر هو ذو القرنين. وهي صورة إسلامية بصرْف النظر عن مدى التطابُق بينهما في التاريخ. وعلاقته بأرسطو علاقة المُريد بالشيخ. وهي قراءة إسلامية. ورسالة الإسكندر في نشر التوحيد وتسمية حروبه فتوحات قراءة إسلامية. وتسليم أفلاطون لأرسطو كان بوحي من الله مِثل عهد الشهرزوري للمُريد وقراءة المُريد على الشهرزوري في مناهج التعليم في أصول الفقه والتصوُّف. أمَّا صورة أرسطو المُهتم بالدُّنيا فإنها رسم لسلوكٍ من فلسفة الطبيعة في العصور المُتأخِّرة بعد أن حاول الفارابي الجمع بينه وبين أفلاطون في رؤية مُتكاملة تجمع بين السماء والأرض، بين الآخرة والدنيا.

لقد وحَّد الإسكندر اليونانيين كما وحَّد مينا مصر. وحرَّر بلاد اليونان من الجزية التي كانت تؤديها إلى دارا ملك الفرس. هذه هي نواة التاريخ. ثم تبدأ القراءة بأنَّ الإسكندر هو الذي سمَّى نفسه ذا القرنين، وكتَبَ رسائله من ذي القرنين. وهو الذي مدَحَه القرآن لأنه حكيم أو نبي. فالحكيم هو النبي الطبيعي والنبيُّ هو الحكيم الإلهي. الله يُعطي الحِكمة، والحكمة تفتح آفاق النبوَّة. والله يؤتي المُلك من يشاء. وقد بشَّر الإسكندر بالتوحيد ودعا إلى الإيمان بالله الخالق رب الجميع. لذلك انهزم دارا لأنه إنسان ضعيف طاغية، تَسَمَّى باسم الإله الذي لا يموت وهو ميِّت. وانتصر الإسكندر بتأييدٍ من الله الخالق والذي عليه التوكُّل والذي به الاستعانة. وهو المعبود الحقُّ الذي ينصُر من ينصرُه. وقد قتَلَ الإسكندر دارا لتشتُّت وعيه حين التفت لمصدر الصوت. تُمثِّل معركة الإسكندر ودارا حربَ الشرق مع الغرب، كما تُمثل الحرب بين روما وقرطاجة حروب الشمال والجنوب. وتُستعمل لغة الفتوحات الأولى لوصف حروب الإسكندر وقسَمه بالنصر وثِقته بالفتح، فتح مكة. هو صاحب دعوةٍ وفتح وتأييد. ويعرض شروطه: الإسلام أو الجزية أو القتال. وهنا لا فرقَ بين القراءة والانتحال. فالقراءة بداية الانتحال، والانتحال نهاية القراءة. ويُصرِّح الإسكندر بالدعوة. ويبلغ به الوجْد لدرجة التصوُّف. فإنه مُجاهد في سبيل الله «إلى أنْ يُكرمني الله باللُّحوق بدارا الحبيب.» الإسكندر إلهٌ ونبيٌّ وبشَر، ولا يُوجَد فرق بين هذه المستويات في الخيال الجمعي والثقافات القديمة. والغريب أنَّ هذا التوجُّه الإلهي موجود في السيرة أكثر من وجوده في الأقوال. فالسيرة بطبيعتها من صُنع الخيال.٣٦ وتقلُّ أقوال الإسكندر في العصور المُتأخِّرة بعد أن ينتهي عصر الفتوح ويعزَّ الخيال السياسي. ولا تزيد عن الدعوة إلى تقوى الله وإلى تجنُّب النساء. فالاستكثار من النساء والخلوة بهنَّ يُفسد العقول السليمة والطباع المُستقيمة. ولا يجِب السجود لغَير بارئ الكل. وأفعال الله مجرَّدة عن الشهوات.٣٧
وعند أوديموس أنَّ الله تعالى تفرَّد بالكمال ولم يَعْرَ أحدٌ من خلقه من النقصان. ويذكر طاش كبري زاده الإسكندر الأفروديسي وتقدير شرحه عند اليونان والمسلمين.٣٨ وديوجانس الكلبي الناسك الذي عاصر الإسكندر في القرن الرابع قبل الميلاد يُخاطب ويُحاور الشيخ اليوناني في القرن الثالث الميلادي، وبينهما سبعة قرون. هو حوار فكري روحي وليس حوارًا جسديًّا تاريخيًّا. وربما كان هناك خلْط بين ديوجانس الكلبي وديوجانس اللايرتي الذي كان مُعاصرًا لأفلوطين. فالحوار الفكري لا حدود له في الزمان أو المكان. ليس لدَيه إلهيَّات كغيرِه من الحكماء. ومع ذلك لدَيه نصائح عملية مثل عدَم الجزَع من المرض، فإنَّ الرحمة من أمر الله تعالى. ورأى رجلًا يدعو ويسأل الله أن يرزقه الحِكمة مع أنه لو أجهد في التعليم لرُزِقها.٣٩ وفي العصور المُتأخِّرة تغرَق صورة ديوجانس في التصوُّف. فأفضل الكلام ذِكر الله تعالى. وقد عزم على المُضي إلى مكة للدعوة إلى الله تعالى من هناك ثُم العودة إلى وطنه، فمكة مكان الدعوة ومُنطلقها لليونان والمسلمين على حدٍّ سواء! ويأخذ على الناس العهد والقسَم.٤٠
وعند ألينوس لا يحتاج الفلاسفة إلا إلى الله «تعالى». وهو شيخ من شيوخ يونان. وأريباسيوس القابلي كثيرًا ما كان يُشاور في أمور النساء. وعند فرفوريوس رتَّب الله الكون وأنَّ الكثرة جاءت من عند الباري تعالى.٤١
أمَّا جَالينُوس فقد نُسجت حوله أيضًا حكايات خيالية لشدِّ انتباه العامة نحو المناطق الخصبة في الشعور، نجدة الضعيف، ونُصرة المظلوم. وبالرغم من وجود نواة تاريخية في حياته ومسكنه وأخلاقه ومُصنفاته، إلا أنَّ صفة تجميد الماء أقرَب إلى المُعجزة منها إلى العلم. يتضخَّم عرض المُصنفات على حساب عناصر رسم الشخصية الأخرى. ويعتمد على أبقراط وشروح أعماله. تكثُر التشبيهات. ومع ذلك التاريخ فيه أكثر والقراءة أقل. حكايته طويلة، نموذج بشخصه قبل أقواله. ولا يُهم التاريخ. فكان يسكن في مقدونية وهي أرض مصر. هو نموذج الطبيب المؤمِن الذي يرى أنَّ الله هو الشافي إذ يقول: لمَّا خلَّصَني الله «تعالى» من مرض فتاك. وسمع لطفانس يدعو ربَّه أن يحرُسه من أصدقائه. ولكن لا تعطى أقواله ولا تروى حتى يمكن بناء فكره. وارتباط جَالينُوس بالسلاطين رؤية مُتأخِّرة. ولا بدَّ أن يتعاصَر جَالينُوس مع المسيح. بل إنَّ جَالينُوس ذكر المسيح في تفسيره كتاب أفلاطون في السياسة المدنية ناقدًا الرهبنة، واعتراض القفطي مؤرِّخًا مع ذلك بأنَّ الرهبنة تالية على المسيح بمائة سنةٍ على الأقل، والأصح أربعمائة عام بعد أنْ أسَّسها أنطونيوس في صحراء مصر الغربية.٤٢
وتُحوِّل الأقوال المُتأخرة صورة جَالينُوس الطبيب إلى جَالينُوس الأخلاقي الصُّوفي الذي يدعو إلى مُراقبة الله تعالى. ثم تتضخَّم الصورة فيُصبح العالِم بأخلاق الشعوب وطبائع الأُمَم ممَّا يُوحي باستمرار الشعوبية. وتنقسِم الأحكام عليها إلى ثلاثة أنواع. الأوَّل المدح وبيان المحامد مثل الحِكمة في الهند والرُّوم، والكِبر في الفُرس، والقِرى للأخيار عند العرب، والصِّدق في الحبَشة، والعِلم في أهل العراق، والحساب في قبط مصر، والفصاحة في أهل الحجاز. والثاني أحكام تجمَع بين المحامد والمَثالب مثل قسوة القلب وعدَم الغِيرة والأمانة في الزنج والتُّرك، والطمَع والشجاعة في الأكراد والفرنج. والنوع الثالث أحكام المَثالب وحدَها مثل القذارة والقتامة والخيانة في الأرمن، والجهل في أهل الشام، والخلاف في الرُّوم واليهود، والبُخل في أهل المغرب والبطائح. وتتخلَّل صفات الجماعة سِمات الأفراد والجبلة بين الجسد وصفات الروح. فالحُمق في الطوال والكذِب في القِصار.٤٣
وحرص بطليموس على عِلم كيفية بُنيان بابل وخبر النمرود. فوجد الإجابة عند بني إسرائيل في بيت المقدس. فبعثَ إليهم برونم الترجمان فترجَم له التوراة من العبرانية إلى اليونانية، فوجد فيها خبر النمرود. فاليونان هنا تلاميذ العبرانيين، وبطليموس هو الذي أمر بالترجمة السبعينيَّة. والأخلاق أهمُّ من العلم. وليس شيء أحسن عند الله تعالى من الإحسان إلى المُسيء. والعمل سفير الآخرة. وتتمُّ المقارنة بين بطليموس واضع علم الفلك مع سيبويه واضع علم النحو. وفي الأقوال يتحوَّل بطليموس إلى مُتكلم سياسي وصوفي. فالعاقل من عقل لسانه إلا من ذكر الله. ورضا الله عن نفسه مقرون بسخط الله سبحانه عليه. ولله في السراء نِعمة المُفضِّل وفي الضرَّاء نعمة التطهير والثواب. وينصح بأنه كلما قارَب الإنسان أجلًا فليزِدْه عملًا. وفي الأقوال المُتأخِّرة يتحوَّل بطليموس من جغرافي إلى صُوفي أخلاقي يدعو إلى الاستعانة بالله في حال البلاء. ويُقسِم بالله العظيم، ويدعو للسلطان، ويتمنَّى له طول العمر والبقاء. وينتقل من الدين والسياسة إلى الجنس طبقًا للمُحرَّمات الثلاث في العصور المُتأخِّرة وحتى الآن. فلا يقدِر أحد من الخلق على حفظ المرأة إلَّا نفسها.٤٤
وإقليدس المذكور في كتُب التاريخ هو الأخلاقي الروحي أكثر منه الهندسي الرياضي. وطبقًا للشيخ اليوناني أفلوطين ليس للباري صورة ولا حِلية مِثل صور الأشياء تنزيهًا لله. والغائب المطلوب في طيِّ الشاهد الحاضر. ويتحدَّث مهادرجيس باسم الله وليِّ الحِكمة ومُنتهى الإنعام والرحمة وغاية الطَّول والإحسان، الواحد في كل مكان، الذي جاد بالخير تفضله، وجعل الشكر سببًا للزيادة من عطاياه ومواهبه، والكُفر تمحيقًا لرزقه ومِنَنه. وأرطيبوس يؤمن بقدرة الله تعالى، ويدعو إلى طاعة الله تعالى، ولا يخاف غير الله تعالى، ولا يتَّقي إلا الله تعالى، ولا يعبُد إلا الله تعالى عبادة ذي الجلال، ولا يسرُّه إلا الله تعالى.٤٥ وفي النهاية يقول الحكماء نفس الشيء كلهم مُوحِّدون مؤمنون بالله وبالخلق ومُقِرُّون بالنبوَّة والمعاد، لا فرق بين وافدٍ وموروث بين شرقي وغربي، مصري أو يوناني، شمالي أو جنوبي.
أمَّا الإسكندرانيُّون فهم نقطة انتقال الطب من اليونان إلى العرب عبر النصرانية في الإسكندرية. يكتُبون في الطب وفي التوحيد تبشيرًا بالإسلام الطبيعي الفطري نظرًا لاتفاق الوحي والعقل والطبيعة. ولغة التأليف السريانية. ويبتعِدون عن التعصُّب، وهي صورة مقلوبة للإسلام المُتسامح. وأبرزهم يحيى النحوي الذي ردَّ على أبروقلس في تسمية اليونانيين الأجسام المحسوسة آلهة. وهو نصراني ناقل فيلسوف يُعتبر مثل خالد بن يزيد أول الأطباء عند الأُمويِّين. نقَم عليه النصارى لشرح كتُب أرسطو ورفضه التشبيه والتجسيم. وعند الشهرزوري ينتهي تاريخ اليونان بروايةٍ أخرى من يحيى النحوي الإسكندراني. وأبرقلس ألف في قِدَم العالم كتابًا ووافقه أرسطو. ولا عيب في قول أرسطو به ما دام النقد مُتاحًا. وقد ظهرت شُبَهُ قِدَم العالم بعد أرسطو.٤٦

(٣) الألقاب والصُّوَر الجسمية والذهنية

وتكشف الألقاب عن صورة الحكماء في الوعي الجمعي، وصورة الآخَر في وعي الأنا. وألقاب الوافد أكثر من ألقاب الموروث في علوم الحكمة مما يدلُّ على درجة تعظيم الوافد. فبُقراط سيد الطبيعيِّين واضع الطب؛ أي إنه العالِم الأوَّل في الطبيعيات. وهو صحيح بالنسبة للطبِّ الخالص على عكس جَالينُوس الذي يجمع بين الطبِّ والمنطق والأخلاق. وهو الحكيم أبقراط، الطبيب، الفاضل الكامل، وحيد دهرِه، كامل الفضائل، عالِم يبسط الأشياء التي بها يُضرَب المَثَل، الطبيب الفيلسوف. وسقراط الحكيم، أحكم البشر. وهو الزاهد المُتألِّه الحكيم، وهرقل الحكيم. وأرسطو المُعلم الأوَّل، واضع المنطق لضبط البُلغاء والشعراء والخطباء. وهرمس الحكيم، أوميثوس الحكيم. وجَالينُوس أعلم اليونانيِّين بعد أرسطو. وظلَّت مُؤلَّفاته بين أيدي الإسكندرانيِّين يشرحونها ويمارسون الطب بناءً عليها، فاضَلَ المُتقدمين والمُتأخرين. وأفلوطين الشيخ اليوناني وأحيانًا الناسِك الشيخ اليوناني نظرًا لما في تاسُوعاته «أثولوجيا» من إشراقيَّات. وأفلاطون الإلهي. وأحيانًا يوضع اللقب قبل الاسم، الشيخ اليوناني أفلوطين، وإقليدس الصوري واضع الهندسة، ممَّا يدلُّ على الحُكم على الهندسة بأنها صورية، وأسقليبوس النبي. ويمكن استنباط صورة الحكيم من المعنى الاشتقاقي لاسمه وحتى يكون الاسم على مُسمَّى. فتعني صُوفي منْع اليُبس أو البهاء والنور. وديسقوريدس الله مُلهم للشجر والحشائش وأشجار الله، وأرسطوطاليس تامُّ الفضيلة، وفيثاغورس قاهر الخصم. فالنحويُّون مُعلمو الصبيان، والشعراء أصحاب أباطيل، والبُلغاء أصحاب مُحاباة. وقد يُشتقُّ اللقَب من صِفةٍ في الجسد أو اللباس أو الهيئة مثل الإسكندر المُلقَّب ذو القرنين.٤٧
ويُعطى الآخر ألقاب الأنا. فأرسطو بالنسبة إلى المنطق هو سيبويه بالنسبة للنحو والخليل بن أحمد بالنسبة للعروض. ويمكن أن يُشتقَّ اللقب من الأستاذ مثل قابس السقراطي. وهناك ألقاب مِهنية مثل يحيى النحوي، وهوميروس الشاعر، وبيراطوس الملك، وآرون الملك، وسولون واضع شرائع أثينه، وحنين بن إسحاق المترجم، ومتَّى بن يونس المترجِم. وهناك لقب مُشتَق من فلسفة صاحب اللقب مثل ديوجانس الكلبي. ويمكن أن يُشتقَّ اللقب من أجل التعظيم المُطلق مثل: هرمس الهرامسة، أو زينون الأكبر، تمييزًا لزينون الأيلي عن زينون الرواقي. ويمكن أن يكون اللقب نسبةً إلى المكان مثل: أنكساجوراس الملطي، الإسكندر الأفروديسي. أو القوم مثل: الإسكندر الرومي.٤٨ أخذ حكماء اليونان ألقابًا إسلامية مثل: ربَّاني، إلهي، حكيم، نبي، عظيم، مع الصلاة والسلام عليه مثل آدم أول الحُكماء صلوات الله تعالى عليه وسلامة، أسقليبوس. وهناك ألقاب للأبوَّة والبُنوَّة مثل آدم أبو البشر، شيث بن آدم، أرسطاطاليس بن نيقوماخوس الحكيم، زينون الأكبر بن طالوطاغورس، حنين بن إسحاق وابنه إسحاق، أنبادقليس بن بادن النبي الحكيم عليه السلام، أنبادقليس الحكيم العظيم الرباني، فيثاغورس الفيلسوف المُتألِّه، أفلاطون الحكيم الإلهي، غريغوريوس المُتكلِّم على اللاهوت، لقمان الحكيم المذكور في القرآن العظيم. ويمكن الجمْع بين أكثرِ من لقب، فأنبادقليس العظيم الربَّاني بن بادر، أرسطاطاليس بن نيقوماخوس الحكيم، ديوجانس الكلبي الناسك بالرغم من تعارُض الصِّفتَين.٤٩ واللقب هو الذي يُحوِّل الحكيم إلى نمطٍ مثالي. وهناك حكماء آخرون بأشخاصهم دون ألقابهم.٥٠
وتُوصف أجساد الحكماء كجزءٍ من رسم الشخصية. لم يرَ المؤرخ الجسد، ولم يقرأ أو يسمَع عنه، لكنه تَخيَّله ورسمَه بناءً على شخصيته وفِكره ومنهجه كما هو الحال في فنِّ رسم الشخصية المُتخيَّلة كما يعيشها الفنان. ومُعظم وصف الجسد للوافد وليس للموروث باستثناء لقمان وهو مصدر الوافد. ولم يُنقَل هذا الوصف من صورةٍ أو رسم، فلم تكُن العادة كذلك عند القدماء، وربما ليس من وصفٍ سابق بل بناءً على تَخيُّل المؤرخ واستنباط الجسد من مضمون الرُّوح.٥١
فهرمس مثلًا آدم اللون؛ أي لون الأرض، لأنه أول البشر علمًا وحضارةً، حسن الوجه كثُّ اللحية، عريض المَنكِبَين، ضخم العظام، قليل اللحم مما يدلُّ على العظمة والأصالة والبداية مثل صور هرقل وزيوس والأبطال في الخيال الشعبي، برَّاق العينَين، أكحل مما يدلُّ على العلم والفراسة. ينظر إلى الأرض، يُحرِّك السبابة عند الكلام كالمُعلم، ورفع السبابة علاقة في الديانات الشرقية مثل بوذا، سبابة إلى أعلى تُشير إلى السماء وسبابة إلى أسفل تُشير إلى الأرض. ومن صفاته النفسية كثرة الصمت وقلَّة الكلام ممَّا يُشير إلى التأمُّل والحكمة وجوامع الكلم. في أصبعه فصٌّ عليه: الصبر مع الإيمان يُورث الظفر.٥٢
وسقراط أبيض أشقر أزرق، دليلًا على الاستنارة، جيد العظام، قبيح الوجه، دلالة على أن الحُسن في الروح وليس في البدن، ضيِّق ما بين المَنكِبين، بطيء الحركة كالمُتأمِّل، سريع الجواب كالذكي، شعْث اللحية للمَهابة. إذا سُئل أطرق وتمتم تمعُّنًا في الإجابة، كثير التوحيد لأنه من المُوحِّدين، قليل الأكل والشرب لأنه من الزاهدين، كثير التعبُّد لأنه من النُّسَّاك، شديد التعب لأن قوته في الروح وليس في البدن، يُكثر ذكر الموت للعظمة، قليل الأسفار، فالعالم فيه وليس هو في العالم. جحيد الرياضة، بدَنه خسيس، ملبَسُه مَهين لأنه لا يهتمُّ بالبدن، حسَن النطق لأنه محاور. مات بالسُّمِّ وقد ناهز المائة عام. له آراء ضدَّ النكاح بالرغم من زواجه لأنه هتْك الأستار، وولوج الأقذار، ونهْك القوى، وإنجاب خلقةٍ سيئة.٥٣

وأفلاطون أسمر اللون، مُعتدل القامة، حسَن الصورة، مُهَاب اللحية، قليل شَعر العارِضين ممَّا يُوحي بصاحب الجمهورية وضرورة كمال الأجسام في تربية المدينة، ساكن، خافض، برَّاق العينَين، لطيف الكلم.

وأرسطو أبيض اللون دليلًا على العلم والنور، حسَن القامة للمَهابة، عظيم العظام كالمنطق، صغير العينَين لحدَّتهما، كثُّ اللحية للمَهابة، أقنى الأنف للدقة، صغير الفم للزُّهد، عريض الصدر لاتِّساع المعارف، مُسرِع بمُفرده إحساسًا بالزَّمن، مُبطئ مع أصحابه شفقةً بهم، ناظرٌ في الكتب لا يَمل، يقِف عند كل حُكم، قليل الجواب، كثير السؤال، يتجوَّل في الطبيعة وهو فيلسوف الطبيعة، ويستمع للألحان وأصحاب الجدَل. مُنصف مع نفسه، معتدل الملابس والمأكل والمشرب، فالفضيلة وسطٌ بين طرَفَين.٥٤

وأبقراط ربع أبيض لون العِلم، حسن الصورة فهو الطبيب، غليظ العظام، فهو القوي، مُعتدل اللحية أبيضها للمهابة، مُنحني الظهر للاحترام، عظيم الهامة للتفوُّق، بطيء الحركة للجلال، كثير الإطراق، مُصيب القول، مُتأنٍ في الكلام للعِلم الرَّصين، كثير الصوم، قليل الأكل. فهو الطبيب الذي يعرِف نظام الغذاء. تُوفِّي عن خمسٍ وتسعين عامًا، وترك ستة عشر تلميذًا غير الأساتذة، ترك الملك من أجل الطب.

وكان هوميروس رقيقًا ثم أُعتق، فالشِّعر للأحرار، مُعتدل القامة، حسن الصورة، لِهَيبة الشِّعر، أسمر اللون، عظيم الهامة للمهابة، ضيِّق ما بين المَنكِبين، سريع المشي للخفَّة والخيال، له صوت جهوري لإلقاء الشِّعر، مهذار مُولع بالسبِّ لمن تقدَّمَه، مزَّاحًا مِضحاكًا، فالشعراء يتَّبِعُهم الغاوون، والضحك يُميت القلب. مات عن مائة وثمانين عامًا.

وسولون أبيض الشَّعر للهيبة، أزرق العينَين، أقنى الأنف للدقة والحدَّة، مُستطيل اللحية ضعيف المَنكبين مُنحني الأكتاف جمعًا بين النقيضتَين، حلو المنطق قوي اللسان في صياغته للقوانين، تُوفِّي عن سبعة وثمانين عامًا.

وزينون مُعتدل القامة، أخفس الأنف، حسَن الصورة، أدعج العينَين، عظيم الهامة، مُعتدل اللحية كالشيخ المَهيب، سريع الالتفات، رافع الرأس علامة على الذكاء، كثير الكلام، حلو المنطق، رزين العقل للجدَل والمُحاجَّة، بطيء الحركة، سريع المشي لانتباهه على حجج نفي الحركة اعتمادًا على بطء السلحفاة وسرعة أخيلاوس. تُوفِّي عن ثمانيةٍ وسبعين عامًا أيضًا.٥٥

والإسكندر لا يُشبه أباه أو أمَّه لتفرُّده. عيناه مُختلفتان، واحدة زرقاء والأخرى سوداء، واحدة تنظُر إلى أعلى وأخرى إلى أسفل جمعًا بين الشرق والغرب، الحِكمة والنبوَّة، السماء والأرض. أسنانه دقيقة حادَّة، وجهه كالأسَدِ للشجاعة.

وبطليموس مُعتدل القامة، أبيض اللون، تامُّ الباع، لطيف القدم، كثُّ اللحية أسودها، فهو الجغرافي. جسدُه مثل الكون، صغير الفم على نقيض اتِّساع العالم، حسَن اللفظ، حلو النُّطق لتعبيره عن نظام الأفلاك، شديد الغضب، بطيء الرِّضا، ضيِّقًا بجهل الناس، كثير التنزُّه لتجواله في العالم، قليل الأكل، كثير الصيام، طيِّب الرائحة، نظيف الثياب. فالعلم يقتضي الزهد، والنظافة من الإيمان، والمِسك سُنَّة.

وجَالينُوس أسمر اللون، حسن التخاطيف، عريض الأكتاف، واسع الراحتَين، طويل الأصابع، حسَن الشعر. وهي صورة الطبيب الجرَّاح الماهر، مُحبٌّ للأغاني والألحان وقراءة الكتب، فالطب موسيقى الرُّوح وتآلُف البدن، وباب العلم؛ معتدل القامة، ضاحك السِّن، كثير الهذر، قليل الصمت لشخصية الطبيب في تآلُفه مع المرضى، كثير الأسفار للمعرفة، طيب الرائحة لعلمه بالكيمياء. يُحب الركوب دليلًا على الإحساس بالوقت. تُوفِّي عن سبعة وثمانين عامًا. ويُلاحَظ جمع هذه الصفات بين البدنية والنفسية، البعض منها مُتكرر كمقياس نمَطي لحُسن الشخصية. كلها إيجابية لا يُوجَد الأعور أو الأعمى أو الأعرج.٥٦
ويُمكن استنباط عناصر الشخصية من المعنى الاشتقاقي للاسم اليوناني مثل سقراط الذي يعني الصوفي أو المُعتصم بالعدل، وغاثاذيمون السيد الجد، وأرسطاطاليس المُشتق عن أرسطا أي حسَن، وطات أي الذي، ليس يقول؛ أي حَسُن الذي يقوله. وبالرومي إرشاد الأليس. كما تعني الكامل الفاضل. وتعني فيثاغورس في أصله الرومي تيواغورس؛ الله الشاب أو شاب الله مع تقديم المُضاف إليه على المضاف. ويعني إيلاوس الرحيم، ونيقوماخوس المُجاهد القاهر، وثامسطيوس المؤمن، وديوجانس يا مجنون، وجَالينُوس الساكن. كما تدلُّ الكتب أيضًا على معانيها مثل المجسطي لبطليموس أي العظيم الشامخ.٥٧
وقد لا تكون القراءة دائمًا إعادة بناء الآخر داخل ثقافة الأنا، بل قد تكون اعتبار ثقافة الأنا امتدادًا لثقافة الآخر. فحكماء الإسلام امتدادٌ لحكماء اليونان، والشرَّاح العرب استئناف لحُكماء اليونان المُتأخرين، نصارى ويهود ومُسلمين. فيضع صاعد الكندي مع المُعلم اليوناني. وقد تحوَّلت الفلسفة اليونانية على أيدي الشُّرَّاح المسلمين إلى فلسفة أخلاقية وسياسية ناقِلين لها من مستوى الطبيعة إلى مستوى المدينة. ويهاجم صاعد الرازي ويفضل أرسطو عليه، ويتَّهِمه بالإلحاد ويعزو إلى أرسطو الإيمان. الرازي كافر بالتوحيد والنبوَّة، وأرسطو هو المؤمن بهما. وبالتالي يبدأ منطق الاستبعاد. ولكن هل العلم الإلهي والطب الروحاني انحراف عن أرسطو؟ فأرسطو هو نموذج الفلسفة. الصحيح ما أتفق معه، والخاطئ ما أختلف معه. فالرازي على مذهب فيثاغورس. انتصَرَ للفلسفة الطبيعية القديمة وانحرف عن أرسطو. واستحسَنَ الثنوية والأتراك والبراهمة في إبطال النبوَّة والقول بالتناسُخ مع عموم الصابئة. ولو وفَّقه الله لكان أرسطيًّا، وكأنَّ الله مسئول عن فلسفات البشر. ولِمَ رفض انحرافات الرازي لو كان الله مسئولا عن فِكر البشر؟ لقد اضطرب الرازي في العِلم الإلهي، وله آراء سخيفة، وانتحل مذاهب مُتناقِضة، ولم يفهم أقوال اليونان، وعَمِي في آخر عُمره.٥٨ ويهاجم ابن حزم دفاعًا عن أرسطو لأنه خالَفَه في «التقريب إلى حدِّ المنطق» بجوامع شرعية لأنه لم يفهم غرضه في حين أن أرسطو هو واضع أصول العلم. ولم يَرْتَضْ في كتابه. لذلك جاء كتاب ابن حزم كثير الغلط وبَيِّن السَّقط بعد أن استكثر من علم الشريعة. وهو على مذهب داود وأهل الظاهر ونُفاة القياس والتعليل في أصول الفقه.٥٩
والنصارى العرَب امتداد للرومان وهو غير صحيح. هم خدَّام الملوك مثل غيرهم من يهود ومسلمين وحرَّانيين ومجوس. فقد كان الملوك والأمراء والوزراء رُعاة العلم.٦٠
ويمدح طاش كبري زاده الفارابي وابن سينا لأنهما هما الوحيدان اللذان فهِما أرسطو ومقاصده، ولكنهما كفَرا بكُفره، ولم يَرُدَّا عليه كما فعل أبو البركات في «المُعتبر». ويعتمد على الغزالي في «التهافُت» في تقسيم أقوال الحكماء إلى ثلاثة أقسام: قسم يُجيب تكفيرهم، وقسم يُجيب تبديعهم، وقسم لا يجِب إنكاره أصلًا. فالحكمة الرياضية والمنطقية لا تتعلَّق بالدِّين أصلًا. ولكنهما يخدعان ويجعلان الناس تُصدِّق بالإلهيَّات التي تستعصي على المنطق وتؤدي إلى الكُفر. كما تؤدي الطبيعيات إلى جحْد الصانع. الإلهيَّات كلها أغاليط مثل إنكار حشْر الأجساد وإنكار عِلم الله بالجُزيئات والقول بقِدَم العالم بالإضافة إلى سبع عشرة بدعة. أمَّا السياسات المدنية فمأخوذة من كتُب الله المنزَّلة، والسياسة الخلقية مأخوذة من أهل التصوُّف. ولقد تمَّ إحراق الكتُب قبل ابن رشد خوفًا من الإلحاد في الشريعة والخروج على الملَّة.٦١
وقد يبلغ الإعجاب بالوافد لدرجة خلْق أبي الفرج بن الطيب الجاثليق لنفسه أسطورة نَسَبه إلى اليونان، وأنه من أولاد خولوس ابن أخت جَالينُوس، شيخًا عاجزًا وقت ظهور المسيح.٦٢ مع أن جَالينُوس وُلد بعد المسيح بتسعةٍ وخمسين عامًا. ولكن الأسطورة تريد التقريب بين المسيح وجَالينُوس وأبي الفرج. وادَّعت النصارى أنَّ خولوس صار بعد شمعون الصفا نبيًّا. وله كتاب فيه دلائل البعث والحشر. وربما هو القدِّيس بولس. تتجاوز الأسطورة الزمان وتضع الحكماء في حوارٍ متبادل، جَالينُوس والمسيح مثل أرسطو ومحمد، ابن رشد وابن عربي، تحقيقًا لنمَط اتفاق الفلسفة والدين. كما سُمِّي أبو موسى عيسى بن حيتا بن وردان قالون، وتعني بلُغة الروم جيد أنه كان يسمع القرآن ويقول قالون قالون kalon لأنَّ أصله رومي مما يدلُّ على أن اللغة اليونانية كانت شائعةً في الحياة اليومية.
ويجمع الشهرزوري مقالات الفلاسفة وتصنيفهم للحكمة أوَّلًا قبل أن يعرض لفيلسوفٍ فيلسوف.٦٣ ويقرأ الحكمة النظرية ويجعلها مُساوية للحكمة العقدية. وبالتالي تكون قِسمة الفلسفة إلى نظرية وعلمية مثل قسمة الإسلام عقيدة وشريعة. ويرى تطوُّرًا بين الأوائل والأواخر، المُتقدِّمين والمُتأخِّرين في أكثر المسائل. كانت مسائل الأوَّلين محصورة في الطبيعيات والإلهيات، الكلام في الباري، ثم زادوا الرياضيات. وجعلوا العلم الإلهي هو الذي يدرُس ماهيات الأشياء. ثم أضاف أرسطو المنطق آلة للعلم. موضوع العلم الإلهي الوجود المُطلق. أمَّا النبوَّة فغايتُها تأييد القسم العملي والفلاسفة ومدُّها بمدَدٍ روحاني في حين أن الفلاسفة قد مُدُّوا بمدَدٍ عقلي لتأسيس القسم العملي. غاية الحكيم أن يتجلى لعقله كلُّ الكون ويتشبَّه بالإله الحق. وغاية النبيِّ أن يتجلَّى له نظام الكون حتى تنتظم مصالح العباد. وذلك لا يتأتَّى إلا بترغيبٍ وترهيب وتشكيل وتخييل. فكلُّ ما قال به أصحاب الشرائع مُقرَّر عند الفلاسفة. ومن أخذ عِلمه من مِشكاة النبوَّة يُعظِّم الفلاسفة وكمال درجتهم. ويدور كلام الفلاسفة على موضوعٍ واحد؛ وحدانية الله وعلمه المُحيط بالكائنات والإبداع وتكوين العالم والمبادئ الأولى والمعاد. وربما تكلموا في الباري بنوعٍ من حركةٍ وسكون. وقد أغفل المُتأخِّرون من فلاسفة الإسلام ذكرهم رأسًا إلَّا من بعض النوادر تزييفًا لهم. والأفضل نقلها عنهم ونقْد رواياتهم ثم المُقارنة بين الأواخر والأوائل.
١  السجستاني، ص٢٤، ٢٠٨، ٢١٠، ٢١٣.
٢  ظهر أيام ملوك الطوائف وهي تسمية أندلسية لوَصف الحروب بين المدن اليونانية.
٣  ابن أبي أصيبعة، ص٥٧–٢٥٩؛ فقر الحكماء، ص٢٥٥–٢٥٩.
٤  صاعد، ص٢١–٢٢؛ ابن أبي أصيبعة، ص٦١؛ السجستاني، ص٨٢-٨٣.
٥  الشهرزوري، ص٢١، ٥٢، ١٧١–١٨٢؛ طاش كبري زاده، ص١٥-١٦.
٦  الشهرستاني، ج٤، ص٤٤-٤٥، ٤٩–٥١. الباري لم تزل صعوبته وهو العِلم المحض والإرادة والوجود والقُدرة والعدْل والخير. أبدع الصور. وأفضل وصف له هو نفي صفات النقْص عنه. وتألُّف العناصر في الكون بالحِكمة والموعظة الحسنة. وتكلم في الباري بلغة الحركة والصور. العقل والنفس يتضرَّعان إلى الله ويستمدَّان نورهما منه: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.
٧  الشهرزوري، ص٩٦.
٨  السجستاني، ص١٨٢–١٩٨، ٢٣٢؛ الشهرزوري، ص٣٥٣–٣٦٣؛ ابن فاتك، ص٣٠٢، ٣١٩–٣٥٣؛ فقر الحكماء، ص٢٦٢–٢٦٦.
٩  المُبشر بن فاتك، ص٣١٩–٣٥٣.
١٠  السجستاني، ص١٩٠؛ الشهرزوري، ص٣٦٣–٣٧١؛ المُبشر بن فاتك، ص٣٥؛ فقر الحكماء، ٢٤٦–٢٤٨.
١١  السجستاني، ص٢١٥؛ القفطي، ص٧-٨.
١٢  «عشْر خصال يُدان لله عز وجل بها: إذا أُعطِيتَ فاشكر، وإذا بُليتَ فاصبر، وإذا نَطقتَ فأصدق، وإذا وعدْتَ فأنجز، وإذا عزمتَ فأحكِم، وإذا قدرتَ فاعفُ، وابدأ بمعروفك قبل السؤال، وأكرم من يودُّك، وأقِلْ عثرة الصَّديق والعدو، ولا ترضَ إلا ما ترضاه لنفسك» (المُبشر بن فاتك، ص٣١٦).
١٣  فقر الحكماء، ص٢٧٠–٢٧٥.
١٤  ابن أبي أصيبعة، ص٦٤–٩٦؛ السجستاني، ص٨٢-٨٣؛ الشهرزوري، ص٩٣-٩٤، ١٨١–٢١٤؛ المُبشر بن فاتك، ص٦٠–٦٢.
١٥  المبشر بن فاتك، ص٦٢–٧٢؛ فقر الحكماء، ص٢٠٨–٢١٦.
١٦  الشهرستاني، ج٤، ص٥٤–٦١.
١٧  السجستاني، ص١١٣-١١٤؛ الشهرستاني، ج٤، ص٤٣.
١٨  الشهرزوري، ص١٧، ٨٨-٨٩؛ الشهرستاني، ج٤، ص٣٠–٣٦.
١٩  ابن خلكان، ج١، ص١٠٧ (انظر كتابنا: جمال الدين الأفغاني، دار قباء، القاهرة ١٩٩٨م).
٢٠  فقر الحكماء، ص٢٧٦-٢٧٧.
٢١  الشهرزوري، ٨٩–٩٥، ٣٠٩–٣١٢؛ السجستاني: ص٢١٢، فقر الحكماء، ص٢٤٩–٢٥١؛ الشهرستاني، ج٤، ص٣٩، ٦٦، ٣٦-٣٧؛ المبشر بن فاتك، ص٤١–٤٤. وهذا هو رأي برجسون أيضًا.
٢٢  الشهرستاني، ج٤، ص١٠٧.
٢٣  صاعد، ص٢٣؛ البيروني، ص٥٧. يدلُّ على ذلك سقراط لمَّا خالف عبادة الأوثان عامة قومه وانحرف عن تَسمية الكواكب آلهةً في وعظِه، كيف أطبق قُضاة أهل أثينه (ص١٨-١٩، ص١٣٣). البيروني، ص٦٥–٤٨١؛ ابن أبي أصيبعة، ص٧٠–٧٩؛ ابن جلجل، ص٣٠-٣١؛ السجستاني، ص٨٣؛ ابن خلكان، ص١٩٩–٢٠٦.
٢٤  الشهرزوري، ص٩، ٢٥، ٧٨، ١٠٠، ٢١٤–٢٦٥.
٢٥  المُبشر بن فاتك، ص٨٤–٩٥؛ فقر الحكماء، ص٢١٧–٢٢٤؛ الشهرستاني، ج٤، ص٧٤–٧٦.
٢٦  الأسطورة Mythos، العقل Logos.
٢٧  البيروني، ص٢٦-٢٧؛ ابن أبي أصيبعة، ص٧٩–٨٦؛ السجستاني، ٨٣؛ الشهرزوري، ص١٠٠–١٠٥، ٢٦٦–٢٨٩.
٢٨  المبشر بن فاتك، ص١٢٩–١٧٨؛ فقر الحكماء، ص٢٢٥–٢٢٨؛ الشهرزوري، ص٩٠–٩٤.
٢٩  الشهرزوري، ٩٧–١٠٢، ٢٦٦–٢٨٩؛ ابن أبي أصيبعة، ص٨٢؛ طاش كبري زاده، ص١٧–٢٧.
٣٠  ابن أبي أصيبعة، ص٦٧، ٨٦–١٠٧؛ طاش كبري زاده، ص٨٠–١٥٠؛ ابن جلجل، ص٢٧؛ السجستاني، ص١٤٨.
٣١  السجستاني، ص٢٢٧، ١٨٥؛ طاش كبري زاده، ص٨٣، ٢٨٨؛ الشهرزوري، ص٩–٢٨، ٢٠٩. «كان أرسطو وأكثر أتباعِه أخطئوا في مسائل كثيرةٍ من المهمَّات الحكمية والمَضايق الفلسفية، ويُطلَب تحقيق ذلك من كُتُبنا» (الشهرزوري، ص٢٦٠، ٩٩).
٣٢  انظر دراستنا: «جدل الوافد والموروث، قراءة في المناظرة بين المنطق والنحو بين متَّى بن يونس وأبي سعيد السيرافي»، هموم الفكر والوطن، ج١، ص١٠٧–١١٨.
٣٣  المُبشر بن فاتك، ص١٨٥–٢٢٢.
٣٤  فقر الحكماء، ص٢٢٩–٢٣٦؛ والشهرستاني، ج٤، ص٩٨-٩٩.
٣٥  السجستاني، ص٨٥، ٣١٥؛ الشهرزوري، ص٨٠–٨٥، ٣٧٧–٤٣١.
٣٦  «افتحوا فإني غير داخلها حتى يَنصُرني الله على دارا … إنَّ إلهي، الله الذي أيدَني بالنصر، وأعزَّني بالفتح، وعلَّاني بالنصر إلى الأعداء، وبعثني نِقمةً على من كفَر به وجحَدَه، فإني أدعوك إلى إلهي وإلهك وخالقي وخالقك، وخالق كلِّ شيءٍ وربِّ كلِّ شيءٍ أن تَعبُده ولا تعبُد غيره، فإنه قد استحقَّ ذلك منك … وابعَثْ إليَّ بالأصنام التي تُعبَد وأدِّ إليَّ الخراج تسلَم منِّي وإلَّا فإني أُقسِم عليك بإلهي لأطأنَّ أرضك … فقد رأيتَ ما صنَعَ إلهي بدارا … ربي بعثَني لإظهار دينه وقتْل من كفر به … ولكني مُطيع لربِّي، مُنفِّذ أمرَه» (المُبشر بن فاتك، ص٢٣١، ٢٢٨–٢٤٢).
٣٧  فقر الحكماء، ص٢٤٣–٢٤٥؛ الشهرستاني، ج٥، ص٤.
٣٨  طاش كبري زاده، ص٨٠، ٢٧–٥٥. يمكن إعداد رسالة جامعية عن صورة الإسكندر عند الحكماء.
٣٩  السجستاني، ص١٦٩–١٧٢؛ المُبشر بن فاتك، ص٧٦–٧٧؛ فقر الحكماء، ص٢٤٣–٢٤٥.
٤٠  السجستاني، ص٢٦٢؛ الشهرزوري، ص٣٣٢–٣٤٣؛ طاش كبري زاده، ص٦٥-٦٦.
٤١  طاش كبري زاده، ج١، ص٥٦؛ الشهرستاني، ج٤، ص٣٨-٣٩.
٤٢  ابن أبي أصيبعة، ص١٠٩–١٥٠؛ السجستاني، ص٢٧٢، ٢٦٤؛ الشهرزوري، ص١٦٨، ٤٦١–٤٧٩؛ المبشر بن فاتك، ص٢٩٧؛ ابن خلكان، ج١، ص١٢٦–١٢٨.
٤٣  فقر الحكماء، ص٢٦٠-٢٦١. وذلك مِثل المَثل الشعبي «كلُّ قصير مكير».
٤٤  ابن جلجل، ص٣٥-٣٦؛ الشهرزوري، ص٤٣١–٤٣٦؛ ابن خلكان، ج١، ص٩٧؛ المبشر بن فاتك، ص٢٥١، فقر الحكماء، ص٢٧٨–٢٨٨.
٤٥  السجستاني، ص٢٠٧؛ الشهرزوري، ص٣٢٦–٣٢٩؛ المبشر بن فاتك، ص٢٨٠؛ فقر الحكماء، ص٢٨٩-٢٩٠.
٤٦  البيروني، ص٢٦-٢٧؛ ابن أبي أصيبعة، ص٨٢، ١٥١–١٥٩؛ السجستاني، ص٢٧٦–١٧٩؛ الشهرزوري، ص٤٧٩–٤٨٨، ٣١٩–٣٢١؛ الشهرستاني، ج٥، ص١٧؛ ابن خلكان، ص٢٦٨.
٤٧  صاعد، ص٢٧-٢٨؛ ابن جلجل، ص٢١؛ السجستاني، ١٢١، ١٣٥، ١٧٢-١٧٣، ٢٠٣؛ الشهرزوري، ص٤٤١، ٢٤٣، ٢١٤، ٢٢٦، ٤٤٣. يذكر الشهرزوري سبعةً وعشرين فيلسوفًا، عشرة بألقابهم: زينون الأكبر، هرقل الحكيم، أموروس الشاعر، سولون الشاعر، أبقراط واضع الطب، السجستاني الرومي، ديوجانس الكلبي، الشيخ اليوناني، السجستاني الأفروديسي.
٤٨  صاعد، ص٣١–٣٣؛ الشهرزوري، ص٣٥٣، ٣٦٣، ٣١٩.
٤٩  الشهرزوري، ١٢٥، ٢٨٩، ٣٧١، ١٧١، ١٦٦، ٣٠٩، ٣٢٤، ٤٣٨، ٤٤٣، ٤٩١، ٥٠٢.
٥٠  عند الشهرزوري في «نزهة الأرواح» مثل: طاطو ص١٦، ثاوفرسطس ص٣١٣، أوديموس ص٣١٤، أسخيلوس ص٣١٦، ديموقريطس ص٣١٥، أبرقلس ص٣١٩، أرسطيس ص٣٢٢. فلوطرخس ص٣٢٢، سفيداس ص٣٢٣، ثامسطيوس ص٣٢٣، زرادشت ص٣٢٩، بطليموس ص٤٣١، مهادرجيس ص٤٣٦، باسيليوس ص٤٤٠.
٥١  وهذا موجود عند البيهقي، والمُبشر بن فاتك، والشهرزوري، وابن أبي أصيبعة.
٥٢  الشهرزوري، ص١٣٨-١٣٩.
٥٣  السابق، ص٢٢٩-٢٣٠.
٥٤  السابق، ص٢٧٢-٢٧٣، ٢٩٨.
٥٥  السابق، ص٣٤٨-٣٤٩، ٨٧، ٣٦٦.
٥٦  السابق، ص٤٠١، ٤٣٢.
٥٧  السابق، ص٢١٤، ١٣٦، ٢٨٩-٢٩٠، ١٨١، ١٣٦، ٢٩١، ٣٢٣، ٣٣٥، ٤٦١.
٥٨  صاعد، ص٣١–٣٣، ٧٦.
٥٩  «ولو أنَّ الرازي وفَّقَه الله تعالى للرُّشد وحبَّب إليه نصر الحق لوصَف أرسطوطاليس بأنه محَّص آراء الفلسفة، ونحَل مذاهب الحكماء، فنفى خَبَثها، وأسقطه عنها، وانتقى لُبابها، واصطفى خيارها. فاعتقد منها ما تُوجِبه العقول السليمة وتراه البصائر النافذة، وتَدين به النفوس الطيبة. وأصبح إمام الحكماء وجامع فضائل العلماء.»
وليس على الله بمُستنكر
بأنْ يجمع العالم في واحدِ
٦٠  صاعد، ص٣٦-٣٧، ٦٦.
٦١  طاش كبري زاده، ج١، ص٥٣.
٦٢  تقول الأسطورة إنه بعث إليه جالينوس ابن أخته مُعتذرًا بأنه عجوز، وكتب له كتابًا؛ فقد كان عيسى أيضًا يقرأ ويكتُب قائلًا: «يا طبيب النفوس ونبي الله، ربما عجز المريض عن خدمة الطبيب بسبب عوارض جسمانية. وقد بعثتُ إليك بعضي وهو خولوس لتُعالج نفسه بالآداب النبويَّة والسلام.» أكرم عيسى خولوس وكتَبَ إلى جالينوس: «يا من إن صدَق من علم الصحيح لا يحتاج إلى الطبيب لأنَّ حِفظ صحته والمسافة لا تحجُب النفوس عن النفوس والسلام» (القفطي، ص٤٣–٥٣؛ طاش كبري زاده، ج٢، ص٢٩).
٦٣  الشهرزوري، ص٢٥–٢٨–٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤