ها … ها … هوه

تنامين أنت الآن والليلُ مُقمرُ
غانيه أنسام وراعيه مزهر،
وفي عالم الأحلام، من كلِّ دَوْحةٍ
تلقَّاكِ مَعْبَر
وبابٌ غفا بين الشجيرات أخضرُ.
لقد أثمر الصمتُ (الذي كان يُثمر
مع الصبح بالبوقات أو نوح بائعِ)،
بتينٍ من الذكرى وكرْمٍ يقطَّرُ
على كلِّ شارع
فيحسو ويسكر
برفق فلا يهذي ولا يتنمَّرُ.
رأيتُ الذي لم صدق الحُلم نَفْسَهُ
لمدَّ لك الفما
وطوَّق خصرًا منك واحتاز معصمًا؟
لقد كنتِ شمسَهُ
وشاء احتراقًا فيك، فالقلب يُصهر
فيبدو، على خدَّيكِ والثغرِ، أحمر
وفي لَهَفٍ يحسو ويحسو فيسكرُ.
لقد سئم الشِّعرَ الذي كان يكتبُ
كما ملَّ أعماقَ السماء المذنَّبُ
فأدمى وأدمعا:
حروب وطوفان، بيوتٌ تُدمَّرُ
وما كان فيها من حياةٍ تصدَّعا.
لقد سئم الشعرَ الذي ليس يذكرُ
فأغلقَ للأوزان بابًا وراءه
ولاح له بابٌ من الآسِ أخضر
أراد دخولًا منه في عالم الكرى
ليصطاد حلمًا بين عينيك يخطر
وهيهات يقدر!
من النفس، من ظلمائها، راح ينبع
وينثال نهرٌ سال فانحلَّ مئزر
من النور عن وضَّاء تخبو وتظهر.
وفي الضفة الأخرى تحسِّين صوته
(فما كان يُسمَعُ)
كما يشعر الأعمى إذِ النور يظهر،
يُناديكِ:
«ها … ها … هوه»
ماءٌ ويقطر
من السَّعفة النَّشوى
بما شربتْ من غيمةٍ نثُّها نجوى
وأصداء أقدامٍ إلى الله تعبرُ.
وناديتِ: «ها … ها … هوه» لم ينشر الصدى
جناحيه أو يبكِ الهواء المثرثر.
ونادى وردَّدا:
«ها … ها … هوه!»
وفتَّحتِ جفنًا وهو ما زال ينظر،
يُنادي ويجأر.
لندن، ٢٩ / ٢ / ١٩٦٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤