مقدمة المؤلف

بقلم  فريدريخ مكس مولر

الحرقة اللاذعة قلب من جلس إلى منضدة طالما اتكأ عليها صديق نام الآن في القبر ليستريح، ترى من لا يشعر بتلك الحرقة بعد فراق الحبيب؟ من ذا الذي لم يحاول ولو مرة فتح أبواب حفظت أسرار فؤاد يختفي اليوم وراء هدوء المدافن وجلالها؟

هذه رسائل أحبها كثيرًا ذاك الذي أجمعنا القلوب على محبته. وهذه صور، وأشرطة، وكتب وضعت بين صفحاتها العلامات والرموز. من ذا الذي يستطيع الآن تقليبها ليستشف الغاية منها؟ وهل من يد سحرية تلم شمل هذه الوردة الممزقة الجافة وتنفث فيها من جديد روح الحياة وأريجها؟

كان اليونان يضعون موتاهم على فراش ناري فيلتهمها اللهيب. واعتاد الأقدمون إيداع النار كل عزيز لديهم، وإنما النار مستودع أمين لهاتيك الذخائر.

كذلك يقرأ الصديق الأسيف صحائف لم تقع عليها عينٌ غير تلك التي أطبقت إلى الأبد. وإذ يتثبت من خلوها مما يعبأ به العالم يحملها بيد مرتجفة ويلقيها في النار، فيضم اللهيب وديعته هنيهة ولا يطول حتى ينقلب وإياها رمادًا.

لقد نجت الصفحات التالية من مثل هذا المقدور. ولم يكن يراد في البدء سوى إذاعتها بين خلان الصديق الراحل. أما وقد وجدت أصدقاء بين الغرباء فهي جديرةٌ بالانتشار في العالم الوسيع. وكان يود ناشرها إظهارها على صورة أتم إلا أن الأوراق بالية في الأصل لا يتيسر نشرها بحذافيرها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤