تمهيد

عندما طُلب منِّي أن أكتب مقدِّمةً عن العناصر ككتاب مصاحِب لكتابي «قصص الأشياء غير المرئية» — وهو في حدِّ ذاته مقدِّمة للجزيئات — انتابتني مشاعر مختلطة. فعلى كل حال، في الكتاب السابق ربما لم أُعطِ الجدول الدوري الشهير، الذي يتضمَّن جميع العناصر الكيميائية المعروفة، الاهتمامَ الواجبَ. كنتُ على وجه التحديد قد اقترحتُ أن يتوقَّف الكيميائيون عن الترويج لفكرة أن علم الكيمياء يبدأ بهذا الجدول؛ لأن الفهم الأساسي لعِلم الجزيئات يحتاج إلى اعتناق مجموعة محدودة جدًّا فحسب من المائة عنصر، أو أكثر، التي يتضمَّنها الجدول حاليًّا؛ فمعلِّم البيانو لا يَحتاج لأنْ يبدأ بتعليم تلميذ صغير السن كيف يعزف كل نغمة موسيقية على لوحة المفاتيح، بل الأفضل بكثير أن يُبيِّن له كيف أن بضعة مفاتيح تكفي لصنع مجموعة من الألحان البسيطة. فكما أن الموسيقى تتعلَّق بالألحان والإيقاعات والتناغمات، وليس بالنغمات في حد ذاتها، فكذلك الكيمياء تتعلَّق بالمركَّبات والجزيئات، لا العناصر.

ولكنْ لا يستطيع دارسٌ مخلِصٌ للكيمياء أن يقاوم العناصر، وهذا يشملني ويشمل أوليفر ساكس أيضًا، الذي شرع في صباه في جمع العناصر كما يجمع معظم الصبية الآخرين الطوابع أو العملات؛ فقد أراد امتلاكها جميعًا. وفي أربعينيات القرن العشرين لم يكن يصعب كثيرًا أن يضيفها المرء إلى مقتنياته؛ فكان ساكس يستطيع الذهاب إلى شركة «جريفين آند تاتلوك» في فينشلي بشمال لندن، وأن ينفق مصروفه على شراء قطعة من الصوديوم، ليقذف بها في بِرَك «هاي جيت» بالقرب من منزله ويشاهدها وهي تفور. إني أحسده؛ إذ إن أفضل ما كان يمكنني القيام به حينذاك هو تهريب قطع من الكبريت وزجاجات من الزئبق من مختبر المدرسة.

كانت هذه العناصر مثل الأحجار الكريمة أو الحلويات الرائعة، فكنتُ أريد لمسها وشمَّها، على الرغم من أن الحذر ردَّني عن تذوُّقها. ومما زاد هذه التجربةَ اللمسيةَ الحسيَّةَ إثارةً لي معرفتي أن هذه المواد كانت نقيَّة وغير مخلوطة وغير قابلة لأنْ تنحلَّ إلى ما هي مكوِّنات أبسط منها. كانت المادة الأولى للخلق تقبع بين يدي.

وهكذا عرفتُ أنني لن أكون قادرًا على مقاومة إغراء الكتابة عن العناصر. ولكنني بدأتُ أُدرك أيضًا أن مقدِّمةً عن العناصر لا ينبغي أن تصبح رغم ذلك جولةً في أرجاء الجدول الدوري؛ والتي قدَّمها على أي حال آخرون قبلي بمهارة أكبر أو على نحو أكثر استفاضةً مما أقدر عليه. إن قصة العناصر هي قصة علاقتنا مع المادة؛ شيءٌ ما يسبق أيَّ فكرة تتعلَّق بالجدول الدوري. فلا تعتمد أُلْفتنا بالمادة على معرفة مفصَّلة بالسيليكون والفوسفور والموليبدينوم، وإنما تتدفَّق من الكثافة الممتعة لسبيكة الفضة، وعذوبة المياه، ونعومة حجر اليشم المصقول. هذا هو مصدر السؤال الجوهري: مِن أيِّ شيءٍ صُنع العالم؟

لذلك توجد «عناصر» في هذا الكتاب لن تجدها في أي جدول دوري؛ منها الماء والهواء والملح والفلوجيستون الخفي. وبغضِّ النظر عن أن الكيمياء فَكَّكَتها الآن أو نَفَتْ وجودها تمامًا، فإنها جزءٌ من إرث الجدول، وجزءٌ من مجموعة رموزنا الثقافية.

وأنا ممتنٌّ للغاية للتعليقات والنصائح والمواد التي تلقيتُها حول موضوعات محدَّدة ومتنوِّعة في هذا الكتاب من آل جيورسو ودارلين هوفمان وسكوت ليمان وينز نورسكوف وجيم وايت. وأتوجَّه بالشكر أيضًا إلى شيلي كوكس على حماسها وإيمانها في تكليفي بهذا الكتاب.

فيليب بول
لندن
مارس ٢٠٠٢

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤