خطة إلى الجحيم!

جاءت صرخة «زبيدة» متأخرة … لأن تصرُّفَ بقية الشياطين كان أسرعَ منها … فقد التقطَت عينَا «أحمد» فوهة المدفع الرشاش الذي صُوِّبَ نحوهم … وما إن لمح الإصبع التي تضغط زناد المدفع حتى دفع ﺑ «إلهام» و«زبيدة» نحو الأرض … في اللحظة التي صرخَت فيها «زبيدة» … وكان «عثمان» من السرعة ودرجة التيقُّظ بحيث إنه ما كاد يلمح «أحمد» يفعل ما فعله حتى قفز وألقى بنفسه على الأرض بعيدًا.

وهكذا طاشَت الرصاصاتُ القاتلة … وفي اللحظة التالية زحف الشياطين بأجهزة تصوير الفيديو التي كانوا يحتفظون بها، واحتموا خلف عددٍ من التماثيل المرمرية الثمينة، ومرة أخرى انطلقت دفعة من الرصاصات نحو الشياطين، ولكنها أصابَت أطراف رءوس التماثيل فحطَّمَتها. وصاح «أحمد» بصوتٍ عالٍ يخاطب مهاجميه بالإسبانية: لا أظن أن البارون سيُعجبه ما فعلتموه وتحطيمكم لتماثيل قصره.

وساد صمتٌ وسكون بعد كلمات «أحمد» … وتلفَّت الشياطين حولهم من خلف التماثيل … لم يكن هناك أيُّ أثر للمهاجمين …

وهمسَت «إلهام»: هل تظنون أنهم ابتعدوا؟

أحمد: لا أظن أنهم ابتعدوا كثيرًا … ولعلهم يبحثون عن مكان لاصطيادنا من الخلف دون مزيد من الخسائر لتماثيل القصر … إنهم يدبِّرون كمينًا.

قالت «زبيدة» بقلق: وما العمل الآن … إننا أشبه بمن نكون في فخ، وليس معنا أيُّ سلاح لندافع عن أنفسنا … وقد اختفى حراس هذا القصر من الشرطة والجيش بطريقة مريبة!

عثمان: لسنا بحاجة إلى مَن يحمينا حتى لو كنَّا بلا سلاح.

وأخرج كرته المطاطية، وأخذ يعبث بها وهو يقول: إن «بطة» صارت متأهبة للقتال تمامًا، ومستعدة للانطلاق كالعاصفة وإصابة الهدف كالقذيفة.

إلهام: المهم أن تجد «بطة» ما تُصيبه … لقد اختفى مهاجمونا … إنهم من رجال حرب العصابات وهم يُجيدون التخفِّي!

قطَّب «أحمد» حاجبَيه، وقال: إن لديَّ فكرة.

سألت «زبيدة»: ماذا ستفعل يا «أحمد»؟

– انتظروني هنا.

وزحف «أحمد» مبتعدًا وعيون الشياطين تُتابعه في قلق حتى اختفى داخل غابة صغيرة من النباتات الاستوائية الكبيرة المزروعة في المكان.

ووقف «أحمد» يُنصت لحظة … كان متأكدًا أنه اختار المكان المناسب، وأن مهاجميهم من رجال العصابات اختاروا نفس المكان للاختفاء واصطياد الشياطين من الخلف … وأرهف «أحمد» أُذُنَيه … وابتسم لصحة استنتاجه.

فمن اليسار سمع صوت أقدام فوق الأرض تسير في حذر … وقدَّر «أحمد» أنها لشخصين فكمن في مكانه.

وظهر له الشخصان … كانت هيئتهما تدل على أنهما رجال عصابات المخدرات، وليس من شك أنهما من رجال «البادرينو» والأب الروحي … «بابلوجوانزالو» … وكانَا يحملان في أيديهما المدافع الرشاشة وهما يسيران بحذر مقتربين من الناحية الخلفية للشياطين ليصطادوهم من الخلف.

وفكَّر «أحمد» في أن وجود هذين القناصَين بداخل القصر وظهورهما السريع، وأيضًا اختفاء رجال الشرطة والجيش من المكان، كل هذا يعني أن قصر «البادرينو» لا يزال تحت سيطرته هو … وأن رجال عصابات المخدرات وإن كانوا قد غادروا «ميدين» فإن نفوذهم لا يزال يبسط ذراعَيه حول المدينة.

اقترب «أحمد» بهدوء من القناصَين … وعندما شاهدهما يصوبان مدافعهما الرشاشة نحو ظهور الشياطين … وقبل أن تنطلق أولى الرصاصات طار «أحمد» في الهواء مطلقًا صيحة عالية.

وما كاد القناصان يُديران وجهَيهما في دهشة عظيمة نحو مصدر الصوت، حتى حلَّ الذهول والألم الشديد محلَّ الدهشة في وجهَيهما … عندما انطلقَت قدمَا «أحمد» كالطوربيد لتُصيبَ كلًّا منهما … فألقت بهما للخلف، وقبل أن يشرعَا في استخدام أسلحتهما ضد «أحمد» طارت قبضة «أحمد» في ضربات سريعة متتالية نحو القناصَين، فاستلقيَا على الأرض وهما يتأوهان، وقد تورَّم وجهاهما من الضرب … واستولى «أحمد» على أسلحة القناصَين، وأخذ يتأمل الأسلحة … وكان من الواضح له أن تلك الأسلحة قادمة من دولة إرهابية تساعد كلَّ المشبوهين في العالم وتمدُّهم بالسلاح لإثارة الاضطرابات في العالم وخاصة بالمنطقة العربية.

أسرع بقية الشياطين نحو «أحمد» وشاهدوا القناصَين ملقَينَ على الأرض، وقد استولى «أحمد» على سلاحهما، فقال «عثمان» ساخرًا: يبدو أن القطط قد وقعَت في المصيدة بدلًا من الفئران … وأرى أن نتخلص منهما؛ فهناك المزيد من القطط في حاجة لمن يقطع ذيلها …

أشار «أحمد» ﻟ «عثمان» ألَّا يتحدث … وبلغة العيون كان ينقل إليه الرسالة التالية: «ليس في صالحنا قتلُ هذين القناصَين … بل لديَّ خطة أفضل ستؤمِّن لنا الوصول إلى مكان «البادرينو» بسهولة … سوف نتبع تكتيكًا مختلفًا هذه المرة …»

قرأت «إلهام» و«زبيدة» رسالة «أحمد» … وصمتوا جميعًا … وقال «أحمد» للقناصَين: إنني آسف لما جرى لكما … ولكنكما بادرتما بالهجوم قبل أن تسألَا، وبالطبع ما كان يمكننا أن نقابل التحية إلا بأحسن منها …

ضاقَت عينَا أحد القناصين، ومسح خيط الدماء الرفيع الذي سال من أنفه، ونظر إلى الشياطين في ريبة، وقال: مَن أنتم؟

قالت «إلهام»: كما ترى … نحن مجموعة من مصوِّري إحدى المحطات التليفزيونية الأوروبية، جئنا لتغطية أحداث حرب المخدرات في هذا البلد.

قال القناص الآخر: لم يَعُد يأتي إلى هذا المكان أيُّ صحفيِّين … إن مصيرهم معروف هنا … الموت!

أحمد: ولكننا أتينا بالرغم من ذلك تحديًا للموت.

قال القناص الأول بشك: إنكم تبدون كما لو كنتم مجموعة من القناصة … لا مصورين تليفزيونيِّين …

عثمان: هذه هي نصف الحقيقة … فعندما اختاروا مَن يقوم بهذه المهمة كان عليهم أن يختاروا مَن يُجيد التعامل مع الرماية والقنص … ومن هنا كان اختيارهم لنا … أظن أن هذا يفسر المسألة كلها …

زبيدة: ولكننا جئنا في عمل وليس للقتال … نحن طرف محايد تمامًا، ولا شأنَ لنا بما يجري في هذه البلاد غير نقل صورة أمينة عما يحدث هنا للعالم … ولا بد أنكم أدركتم ذلك بعد أن قمتم بتفتيش كلِّ أمتعتنا فلم تجدوا غير الأجهزة والكاميرات التي نستعملها في عملنا.

ظهرَت الدهشة على وجه القناص الثاني، وقال: يبدو أنكم تعرفون أشياء كثيرة … ولا يسهل خداعكم!

إلهام: أخبرناكما من قبل أننا لسنا مجموعةَ هواة … إننا محترفون ونعرف ما نفعله جيدًا … وإلا ما تركنا بيوتنا الآمنة وجئنا إلى هذا المكان.

مرَّت لحظاتٌ من الصمت … وتبادل الشياطين النظراتِ … وأمسك «أحمد» بأسلحة القناصَين ثم ألقاها إليهما في جرأة قائلًا: استردوا أسلحتكم …

وظهر الذهول على وجوه الشياطين الثلاثة … ولكن نظرات «أحمد» أقنعَتهم بالتزام الصمت … وظهر تساؤل عميق في عينَي القناصَين … وفي بطءٍ تناولَا أسلحتهما … وقال «أحمد» في هدوء: إنني أريد إثبات حسن نيتنا تجاهكما … إننا كما قلت من قبل طرف محايد … ليس لنا عداء معكم ولا مع البارون.

قال القناص الأول وهو يستعيد سلاحه: يبدو أنكم على حق … لقد كنَّا نظنكم بعضًا من رجال القوات الخاصة التي تعمل بالتنسيق مع الحكومة ضدنا … ولكن ما حدث الآن يلغي تلك الفكرة تمامًا.

وضاقَت عيناه وهو يقول: والآن … ماذا تريدون؟

وبهدوء أجاب «أحمد»: لقد جئنا لمقابلة البارون «البادرينو» وسنقابله.

صاح القناص الأول: هذا مستحيل تمامًا … إن ما تقوله جنون.

أحمد: ولمَ لا؟ … لا شك أن البارون يريد أن ينقل وجهةَ نظرِه للعالم … إنكم تقاتلون الحكومة ولا يسمع العالَمُ غيرَ وجهة نظر الحكومة … لقد جئنا لنسمع وجهة نظر البارون في هذه الحرب، وننقلها إلى العالم … ولا شك أن البارون سيرحِّب بذلك تمامًا.

– يبدو أنكم واثقون مما تقولونه.

– أخبرتكما من قبل أننا لسنا هواة.

– هذا حسن … فالبارون لا يحب التعامل مع الهواة … انتظروا هنا قليلًا … وسنأتيكم بردِّ البارون …

تبادل الشياطين النظر في صمت مع القناصَين اللذَين ابتعدَا واتجهَا داخل قصر البارون …

وهمس «عثمان»: هذا مذهل … كانت خطتك بارعة يا «أحمد»! سوف نَصِل إلى مكان البارون بأسهل وسيلة وبأسرع ما يمكن … وبلا حاجة إلى اقتحام مكانه أو البحث عنه.

تساءلَت «زبيدة» في قلق: هل تظنون أنهما صدَّقوا روايتنا … وأن البارون سيقابلنا بالفعل؟!

أحمد: سوف نعرف إجابة ذلك حالًا.

إلهام: هل تظنون أن البارون … لا يزال في قصره؟

أجاب «أحمد»: لا أظن … إنه في مكان قريب ولكنه لن يبقى في قصره … وأعتقد أن القناصَين ذهبَا لإبلاغه بطلبنا باللاسلكي أو التليفون … سوف نتأكد حالًا.

ومرَّت لحظات قليلة متوترة كأنها ساعات … وبدأ الشياطين يحسُّون بالقلق … تُرَى هل جازت خدعتهم على رجال عصابة المخدرات … وهل تصرَّف «أحمد» بذكاء عندما أعاد سلاح رجلَي العصابة إليهما في حين أن الشياطين كانوا يستطيعون الوصول إلى مكان البارون من خلال رجلَي العصابة وتهديدهما بالقتل … وهل سيسمح لهما البارون بمقابلته … وأخيرًا … حتى بفرض سماح البارون لهم بمقابلته، فكيف سيتمكنون من التخلص منه وسطَ آلاف من رجال عصابته وهم بلا سلاح؟!

ولمعَت عينَا «عثمان» وبلغ أشدَّ التوتر وهو يقول: يبدو أن هناك خدعة تُدَبَّر لنا! علينا باقتحام هذا القصر و…

ولم يُكمل «عثمان» عبارتَه … حتى ظهر رجلَا العصابة وقد كسَا ملامحَهما الجمود، وقال أحدهما وهو يضع يدَه على مدفعه الرشاش متأهبًا: لقد وافق «البادرينو» على عرضكم … سوف تُقابلونه.

عثمان: هذا حسن جدًّا … دعونا نذهب.

نظر إليه رجلَا العصابة في صمت ولم يردَّا … ومن بعيد تعالَى صوتُ طائرة عمودية راحَت تقترب حتى هبطت أمام الشياطين.

وأشار رجلَا العصابة للشياطين بالركوب … وفي صمت ركب الشياطين الأربعة وخلفهم رجلَا العصابة …

وما إن حلَّقَت الطائرة عاليًا … حتى شعر الشياطين أنهم باتوا في قلب المعركة، وأنهم ذاهبون إلى الجحيم … بإرادتهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤