رجل المفاجآت!

توقَّف الحراس عن إطلاق الرصاص وتلفَّتوا ذاهلين … لم يكن هناك أيُّ أثر للشياطين المحاصرين منذ لحظة … كأنما انشقت الأرض وبلعتهم …

وصاح قائد الحراس في غضب شديد: إنهم هنا في مكان ما … ابحثوا عنهم فلا يمكن أن يكونوا قد طاروا في الهواء …

ولكنه كان مخطئًا …

فمن فوق رءوس الأشجار سقط الشياطين على الحراس في مفاجأة صاعقة … وبضربات قليلة ترنَّح الحراس، ثم سقطوا فاقدي الوعي، واستولى الشياطين على أسلحتهم، وانطلق الرصاص يئزُّ مرة أخرى … وأسرع مزيد من الحراس لتطويق الشياطين من كل اتجاه.

وصاح «عثمان» وهو يضغط على زناد مدفعه الرشاش بقوة وهو يصوبه نحو مهاجميه: سوف يأتي المزيد والمزيد من الحراس، ونحن في منطقة مكشوفة وخطرة …

أحمد: إن لديَّ فكرة … سوف نشغل بها انتباه بقية الحراس، فلتبقوا أنتم في مكانكم وسأسرع بتنفيذ خطتي …

واندفع «أحمد» وسط الأشجار القريبة فاختفى فيها … على حين صنع بقية الشياطين ساترًا من الأشجار المحطمة حولهم واحتموا خلفه وهم يُطلقون الرصاص.

اقترب «أحمد» جهة اليسار … وسمع أحد الحراس وهو يقول: استدعوا مزيدًا من الحرس، ولتقم الزوارق بتطويق المكان.

اقترب «أحمد» في هدوء … ووقعَت عيناه على المدفع الكبير المختفي وسط الأشجار بالحديقة، وكان هناك عددٌ من الحراس حوله وهم يصوبون فوهته باتجاه مكان الشياطين، وفي خفة تسلق «أحمد» أقرب الأشجار إليه … وقفز فوق رءوسهم في رشاقة … وصاح أحد الحراس: استعدوا لإطلاق المدفع …

وكان هذا آخر ما نطق به في حياته؛ فقد سقط «أحمد» فوقه من أعلى، وبضربة قوية أرسله إلى الجحيم … وبالمدفع الرشاش حصد الباقين … وكان عليه أن يعمل بأقصى سرعة … فقد بدأت الزوارق الحربية تحاور بقية الشياطين من خارج الحديقة … وانطلق سيل من الرصاص عليهم … ومن أعلى أخذت طائرة هليكوبتر تحوم في دوائر فوقهم مطلقة سيلًا آخر من الرصاص …

وكان المدفع أمام «أحمد» متأهبًا للانطلاق.

وحدد «أحمد» وِجْهةَ المدفع وضبط اتجاهه، وأشعل الفتيل … وأصم أذنيه، وانطلقت قذيفة المدفعية فوق الزوارق الحربية خارج الحديقة … ثم انفجرت في وسطها وتحول المكان إلى جحيم، وتعالى الصراخ وأصوات الانفجارات … ومرة أخرى صوَّب «أحمد» مدفعه الكبير نحو بقية الزوارق ثم أطلقه …

وعلى الفور أسرعَت بقية الزوارق التي نجَت من الانفجارات بالهرب من المكان منطلقةً بأقصى سرعتها ليخفَّ الضغط والحصار على الشياطين.

وابتسم «أحمد»، لقد نجحَت خطته جزئيًّا … وفجأة انقضَّت الطائرة الهليكوبتر على «أحمد» مطلقةً وابلًا من الرصاص؛ فأسرع «أحمد» يحتمي تحت بدن المدفع.

وانفجر صاروخ بالقرب منه … وعاودت الطائرة هجومَها مرة أخرى وهي تستعد لإطلاق صاروخ جديد لنسف المدفع و«أحمد» معه.

وكان «أحمد» يعرف أنه لا نجاة للشياطين ولا فوز لهم إذا تم نسف المدفع الكبير … وبسرعة اقترب من منطقة مكشوفة ليسهل على مهاجميه بالطائرة مشاهدته ليُغريَهم بإطلاق الرصاص عليه وعدم نسف المدفع بالصواريخ.

وحدث ما توقَّعه «أحمد» … فقد اقتربت الطائرة الهليكوبتر وهي تحصد المكان برصاصها، ثم أطلقوا عدة أشياء في اتجاه «أحمد».

ووقع الانفجار … ولم يكن انفجارًا واحدًا … بل اثنين … حدث الانفجاران في لحظة واحدة، فعندما انطلق الصاروخ من الطائرة باتجاه «أحمد» قفز الشيطان الماهر بأقصى ما يستطيع مصوِّبًا مدفعه الرشاش نحو خزان الوقود في الطائرة … وما إن لامسَت قدماه الأرض خلف حاجز من الأشجار بعد قفزته العالية، حتى دوَّى الانفجاران … انفجر الصاروخ بالقرب منه ولكن الأشجار الصلدة التي احتمى «أحمد» بها حمَته من الشظايا واللهب، وفي نفس الوقت انفجرت الطائرة الهليكوبتر وسقطت وسط البركة القريبة.

ونهض «أحمد» وهو يتنفس الصعداء … وتلفَّت حوله … لم يكن هناك غير بضع عشرات من الحراس قد اقتربوا مطلقين رصاصهم وقنابلهم اليدوية، وكان يسهل التعامل معهم … ولم يكن أمرهم يهمُّ «أحمد» … كان يريد القبض على الرأس الكبير «البارون».

وكان مستحيلًا على «أحمد» الوصول من مكانه إلى قصر البارون عبر مساحة مكشوفة، خاصة وقد اعتلى سطح القصر ونوافذه العشرات من الحراس لحماية البارون وهم يُطلقون رصاصهم في كل اتجاه، ولم تكن هناك غير وسيلة واحدة لتبديل الموقف.

وابتسم «أحمد» وربَّت على المدفع الكبير … ووجَّه فوهته نحو قصر البارون … ثم أطلقه ودوَّى انفجار رهيب … وعلى الفور ظهرَت فجوة بداخل القصر … لم يكن «أحمد» يرغب في قتل البارون، بل كان يريد الحصول عليه حيًّا، ولذلك أطلق المدفع نحو الطابق السفلي للقصر بعيدًا عن مكان إقامة البارون.

وحدث ما توقَّعه «أحمد» … فقد سمع صرخات مرتعبة وطلقات رصاص طائشة … فقد أصابت قذيفة «أحمد» حراس القصر بالرعب … وكان عليه أن يستثمر تلك اللحظات … ومرة أخرى صوَّب «أحمد» المدفع … وأطلقه … ودوَّى الانفجار الثاني محطِّمًا جدارًا كبيرًا في القصر … وسمع «أحمد» من الخلف صوتًا يقول: أنت رائع!

والتفت بدهشة فشاهد «إلهام» … كانت واقفةً تُراقبه بعينَين مليئتَين بالحب والإعجاب … وأكملت في ودٍّ شديد: منذ لحظات كنا كالفئران في المصيدة، ولكن فكرتك الرائعة في الاستيلاء على المدفع غيَّرت الأمور تمامًا …

أحمد: علينا أن نستغلَّ تلك اللحظات بسرعة … أين «عثمان» و«زبيدة»؟

إلهام: إنهما لا يزالان يقاتلان بعض الحراس، والموقف في صالحهما …

أحمد: إذن هيَّا بنا للقبض على البارون، فقد هرب أغلب رجاله …

واندفع الشيطانان من المساحة المكشوفة وهما يطلقان رصاص مدفعَيهما الرشاشَين لحماية أنفسهما، ولم تكن هناك غير مقاومة ضئيلة … وقفز «أحمد» و«إلهام» إلى داخل القصر عبر الفجوة التي أحدثتها قذيفة المدفع.

ووقف الاثنان يُنصتان في حذر وسط بقايا الأشياء المحطمة حولهما … كانت هناك بعض الأصوات المختلطة آتية من بعيد.

همس «أحمد»: يبدو أنهم يستعدون لمغادرة المكان والهرب.

إلهام: فلنُسرع بالقبض على البارون قبل هربه.

واندفع الاثنان إلى الساحة الخارجية للقصر … وكانت طائرة هليكوبتر واقفة تنتظر ومروحتها دائرة … والبارون يتأهب لركوبها مع بعض حراسه …

اندفع «أحمد» و«إلهام» نحو الطائرة … وفوجئ حراسها بهجوم الشيطانَين … وأسرع «أحمد» بإطلاق مدفعه الرشاش عليهم في اللحظة التي تأرجحت فيها الطائرة لأعلى وفي قلبها البارون متجهة بعيدًا، وأسرع «أحمد» يتعلق بقاعدة الطائرة، وبقفزة أكروباتية ماهرة صار في قلبها … وفوجئ البارون ﺑ «أحمد» وحدق فيه بعينَين ذاهلتَين … وعلى الفور أخرج مسدسًا من جيبه، ولكن حركة «أحمد» كانت أسرع، وبضربة منه أسقط المسدس على الأرض، ثم تناوله وصوَّبه نحو البارون وهو يقول: أخبر الطيار أن يعود لالتقاط بقية مجموعتي وإلا كان الموت نصيبك …

وفي صوت مرتعد طلب البارون من الطيار العودة.

وحلَّقت الطائرة فوق قصر البارون المحطَّم … ولم تكن هناك أية أصوات للمقاومة؛ فقد أسرع بقية الحراس بالهرب والنجاة بأنفسهم …

وألقى «أحمد» بسُلَّم من الحبال لأسفل، فتعلَّقَت به «إلهام» وخلفها «زبيدة» و«عثمان» … وشاهد «أحمد» أحدَ الحراس وهو يبرز من أسفل، ويصوِّب مدفعه الرشاش نحو الشياطين الثلاثة المعلَّقين بالسلَّم في الهواء … وعلى الفور صوَّب «أحمد» مسدسه وأطلقه … وترنَّح الحارس وسقط، وفوجئ «أحمد» بحركة مباغتة فاختل توازنه وهو جالس بجانب باب الطائرة المفتوح … فسقط منه، ولكن وبأسرع من لمح البرق امتدَّت يدَا «أحمد» لتُمسك بإفريز الباب … وحاول البارون غلق الباب على يدي «أحمد»، ولكن الشيطان القوي تعلَّق بيد واحدة في حلقة الباب، وبيده الأخرى أمسك بالباب محاولًا منع إغلاقه فوق يديه وهو يتأرجح في الهواء … والطائرة تعلو وتندفع بسرعة، وأخذ البارون يضغط على يد «أحمد» بقدمَيه في غيظ شديد محاولًا إفلات يدي الشيطان القوي. ولم يكن أمام «أحمد» غير تصرف واحد … وفي عنف شديد امتدت يدُه لتمسك بقدم البارون وجذبه بقوة إلى الخارج …

وكانت حركة «أحمد» من القوة بحيث انتزعت البارون، وألقت به خارج الطائرة، فصرخ في رعب شديد وهو يجد نفسه يسقط في الهواء …

وجاء صوت سقوط البارون بداخل بركة التماسيح … والتي لم تمهله غير ثوانٍ قليلة قبل أن تنقض عليه بأسنانها الرهيبة.

واستقر الشياطين الأربعة بداخل الطائرة … وتولَّت «زبيدة» القيادة، على حين قام «أحمد» بتقييد الطيار لتسليمه إلى السلطات المسئولة.

وقالت «إلهام» بقلق: لقد أنهينا الجزء الأول من مهمتنا … وللأسف فقد مات البارون، وكان وجوده أسيرًا معنا سيسهل لنا العودة إلى «ميدين» والتخلص من معامل صناعة الكوكايين!

أحمد: مهما حدث فلن يُثنيَنا شيء عن الذهاب إلى «ميدين».

وقاطعَت «إلهام» «أحمد» هاتفة: إن هناك رسالة من رقم «صفر».

وأسرعَت تُخرج جهاز الاستقبال الصغير من جيبها … وكانت الرسالة تقول بلغة الأرقام الشفرية: «أهنئكم على إتمام مهمتكم الشاقة … لا داعي لذهابكم إلى «ميدين»؛ فقد قام بقية الشياطين بهذه المهمة خير قيام … وتحولت معامل الكوكايين إلى أطلال … وتم حرق أغلب مزروعاتها، انتهى.»

ظهر الذهول على وجه الشياطين الأربعة … وهتفت «إلهام»: كيف حدث ذلك … ومتى؟

أحمد: لا بد أن رقم «صفر» كان يعرف أننا سنتجه إلى هنا أولًا للقبض على البارون «البادرينو» أو التخلص منه، فأرسل بقية الشياطين لإكمال باقي المهمة في «ميدين» …

زبيدة: ولكن لماذا لم يخبرنا بذلك؟

أحمد: ربما لكي يخدع البارون الذي ظن أننا المجموعة الوحيدة التي جاءت للقبض عليه ونسف معامل المخدرات، فاهتم بالقبض علينا وإحضارنا إلى هنا، ولم يعطِ أيَّ اهتمام لمعامل الكوكايين في «ميدين»، فسهَّل ذلك من مهمة بقية الشياطين … لقد قام رقم «صفر» بخداع البارون، وكانت مهمتنا مزدوجة بدون أن ندري!

إلهام: إنها مفاجأة حقيقية لنا!

قال «أحمد» باسمًا: هذا صحيح … إن رجل المفاجآت الحقيقية هو رقم «صفر» وليس أي أحد آخر في هذا العالم!

وتعالَت ضحكة الشياطين الأربعة عالية … لأول مرة بعد أحداث مثيرة متلاحقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤