الفصل العشرون

مكتبات السريان في عصرهم الذهبي

عديدة هي المخطوطات التي نمقتها قديمًا أيدي العلماء والمؤلفين والنسَّاخ في اللسان السرياني؛ لأن سوق المعارف كانت رائجة بينهم رواجًا عظيمًا كما أثبتنا في فصول سابقة، فكان ذلك داعيًا إلى إنشاء المكتبات الوافرة وإقبال الخاصة والعامة على ارتيادها والانتفاع من كنوزها.

غير أن الرزايا الجسيمة التي حلَّت بديار الشرق في مختلف العصور أجهزت على كل ما فيها ومَن فيها فلم تُبْقِ ولم تَذَرْ. وحسبنا أن نذكر أسماء الطغاة زنكي وهولاكو وجنكزخان وتيمورلنك وأشباههم ممَّن أعملوا السيف والنار في البلاد حتى جعلوها خرابًا يبابًا، هكذا تَلِفَتْ تلك الذخائر العلمية التي صرف مؤلفوها وناسخوها والمولعون بها قرونًا طويلة في وضعها وجمعها، فذهبت كالهباء المنثور.

وقد أحسنتْ صنعًا دول الغرب في التقاط ما تيسَّر لها من المخطوطات السريانية القديمة، فحرصت عليها في الخزائن والمتاحف صيانةً لها من التلف وخدمةً للعلم الشريف. ودلالة على كثرة تلك المخطوطات، فقد أحصى منها الأب شابو المستشرق الفرنسي ثلاثة آلاف ونيفًا في سبع خزائن فقط من مكتبات أوروبا.١ ولما كان يتعذر الإلمام بمعظم مكتبات السريان في الأمصار الشرقية، وتدوين أخبارها مكتبة فمكتبة لوفرة عددها، اكتفينا أن نلمع إلى بعضها فيما يلي:

(١) مكتبة الرها الملكية

بلغت مدينة الرها أوج المجد في عصر مدرستها الشهيرة الذي سمَّاه العلماء «عصر الرها الذهبي»، واستمرت العلوم زاهرة في تلك المدرسة الذائعة الصيت حتى انطفأ سراجها الوهاج عام ٤٨٦ بأمر زينون الملك. أما مكتبتها الملكية التي أنشأها الملوك الأباجرة، فكانت مرجعًا يؤمه الكَتَبة والأئمة والأدباء من مختلف الأقطار الشرقية والغربية، وينقلون عن مخطوطاتها الثمينة ما احتاجوا إليه.

قال أوسابيوس القيصري (٢٦٥–٣٤٠م) إمام المؤرخين ما تعريبه: «نرى في مصاحف الرها بينات نُقِلت عن الوثائق المحفوظة هناك منذ أصبحت تلك المدينة عاصمة المملكة (الأبجرية)، وكانت تلك المصاحف تشتمل على أخبار الوقائع التي جرت من زمن الأسلاف حتى عهد الملك أبجر. وما برحت هذه المصاحف مصونة في الرها إلى زمننا الحاضر (أعني إلى القرن الرابع للميلاد)، وعليه فلا نرى مانعًا يصدنا عن سرد هذه البينات التي نقلناها عن وثائق مكتبتها وترجمناها بالحرف الواحد من اللسان السرياني إلى اليوناني.»٢

وقد احتاج غير واحد من مشاهير الكَتَبة والمؤلفين إلى استنساخ الشيء الكثير من مخطوطات تلك المكتبة الملكية ومحفوظاتها، ولبثت المكتبة الرهاوية عامرة زاهرة في عصر السريان الذهبي يؤمها الطلاب ورواد الأدب من كل ناحية، ذلك ما حملنا على أن نتغنى بها في بيتين من الشعر نظمناهما، واستكتبناهما بحروف ضخمة مفضضة، وجعلناهما فوق مدخل دار الكتب اللبنانية التي أنشأناها في بيروت، وهما:

للكتب أنشئ مقدس أوحى لنا
عصر الرها ومآثر المأمون
في بابه ازدحمت أساطين النهى
سعيًا وراء الجوهر المكنون

وبتوالي الأزمنة جدَّد السريان في الرها مكتبةً حَوَتْ مخطوطات كثيرة نفيسة، نقلوا قسمًا صالحًا منها من دير أبحاي المجاور لكركر الذي ظل عامرًا حتى القرن الثامن عشر، وقد نسخ قسم من تلك المخطوطات على رق غزال، بينها «تاريخ الأزمنة» تأليف البطريرك ميخائيل الكبير، وواعظ يوحنا فم الذهب، ومار باسيليوس القيصري، وتصانيف أخرى نفيسة. وعندما أُجلي السريان كسائر النصارى من مدينة الرها عام ١٩٢٢ بأمر الحكومة التركية، نقلوا معهم تلك المخطوطات إلى حلب وإلى غيرها من المدن التي استوطنوها.

(٢) مكتبة المفارنة في تكريت

لم تكن مكتبة تكريت أقل شأنًا من مكتبة الرها، بل اغتنت بثروة علمية بفضل المفارنة السريان الذين تسلسلوا في كرسيها. واشتهر في تلك المدينة من العلماء ماروثا المفريان (†٦٤٩م)، وأنطون البليغ (٨٢٠م)، ويحيى بن عدي (†٩٧٤م)، ويحيى بن جرير وأخوه الفضل وهما من أعلام القرن الحادي عشر وغيرهم.

وكانت خزانة المفارنة غاصَّةً بالمخطوطات النادرة القديمة العهد، وعلى رغم إجهاز الغزاة البرابرة عليها فقد تمكَّن أدباء تكريت أن يخفوا منها ما استطاعوا إليه سبيلًا، وخيفة أن تلحق الرزايا بتلك البقية العلمية الأثرية نقلوا بعضها إلى دير مار متى الشيخ بجوار الموصل، وبعضها الآخَر إلى دير والدة الله في وادي النطرون بمصر، وإلى غيرهما من الأديار.

(٣) مكتبة آمد (ديار بكر)

أزهرت النصرانية في آمد منذ أقدم عصورها، وعُدَّ كرسيها مطروبوليتيًّا في قيود الكنيسة السريانية. وجاء في أخبار مارا الثالث مطرانها (†٥٢٩م) على ما صرح معاصره وابن وطنه يوحنا الآمدي المؤرخ٣ أنه جمع خزانة كتب نفيسة عديدة نقلها تلامذته بعد وفاته ووضعوها في كنيسة آمد. ولما اتخذ بطاركة السريان في القرون الوسطى تلك المدينة مركزًا لهم، عزَّزوا مكتبتها المشار إليها وأغنوها بالذخائر العلمية حتى أصبحت من أهم المكتبات، وممَّن صرف الهمة في ازدياد ثروة تلك المكتبة العلَّامة يعقوب الصليبي الذي تولَّى كرسي آمد من السنة ١١٦٧ حتى السنة ١١٧١، فأغنى تلك المكتبة بتصانيفه وبما جمعه مدة حياته من مؤلفات مشاهير الكَتَبة.

(٤) مكتبة مذيات

للسريان في مذيات حاضرة طور عبدين كنيسة باسم الشهيدة شموني، اشتملت إحدى غُرَفها على مخطوطات قديمة العهد مرصوفة بانتظام، نُقِلت إليها من شتى الأديار المجاورة، بينها مخطوطات على رق الغزال نذكر منها كتاب «ديدسقالية الرسل»، وكتابًا نادر المثار ذكره الرحَّالة باري قال: «من الذخائر النادرة التي لم يروِ التاريخ مثلها، مخطوطة ثمينة للإنجيل كانت مصونة في مذيات، ويرتقي عهد كتابتها إلى القرن التاسع، وهذه المخطوطة الفريدة المنسوخة على رق الغزال تحوي نص الإنجيل باللغة اليونانية مكتوبًا بحروف سطرنجيلية.»٤

(٥) أشهر مكتبات السريان في أديارهم

(٥-١) مكتبة دير مار متى الشيخ

عُدَّتْ مكتبة دير متى الشيخ من أقدم مكتبات الشرق عهدًا وأوفرها ثروة، وكانت غنية بالمخطوطات النادرة التي ذاع أمرها في البلاد،٥ ومن أثمن ما انطوت عليه هذه المكتبة نسخة سطرنجيلية قديمة جليلة تُدعَى «هكسبلة» اشتملت على كتاب «العهد القديم»، ويوجد في كل صحيفة منها ستة أعمدة،٦ ولما سمع طيمثاوس جاثليق النساطرة (†٨٢٣م) بأمرها، كتب إلى رئيس الدير٧ في استنساخها، ثم استعان الجاثليق بجبرائيل بن بختيشوع (†٨٢٨) — كاتب ديوان الخليفة عبد الله المأمون وطبيبه — في استحضار هذه النسخة إلى بغداد واستكتابها، وكانت هكسبلة دير مار متى المشار إليها مكتوبة على رقوق بخط نصيبيني بديع، وما كاد يظفر بها الجاثليق حتى استدعى ستة نسَّاخ ماهرين وكاتبين من جهابذة بغداد يمليان عليهم، فنسخوها كلها بالشكل الكامل، ونقل الجاثليق عينه ثلاث نسخ عنها بخط يده.٨
وتتابعت غوائل الأكراد على دير مار متى عام ١١٧١، و١٢٦١، و١٢٨٢، و١٣١٩، و١٣٦١، فقتلوا عددًا عظيمًا من رهبانه، ونهبوا ذخائره وأمتعته ومصاحفه الخطية، فأمست أثرًا بعد عين.٩

(٥-٢) مكتبة دير قرتمين

أسس هذا الدير الفخم مار جبرائيل القسطني في السنة ٣٩٧ ميلادية، وكان طلاب العلم والصلاح يتقاطرون إليه من شتى الأطراف، وبتوالي الأزمنة حشد فيه رهبانه البالغ عددهم مائة وخمسين راهبًا مكتبة ثمينة عظيمة أصبحت آية بغرائبها وعجائبها، وأضاف إليها المطران شمعون الزيتوني (†٧٣٤م) مائة وثمانين مجلدًا، ثم نسج على منواله داود ابن أخته ويوحنا مطران الدير (٩٩٨–١٠٣٤م) الذي جدَّد الكتابة السطرنجيلية بعدما أُهمِلت نحو مائة سنة، ثم الراهب عمنوئيل ابن أخي المطران يوحنا، فقد كتب بخط يده على رق الغزال سبعين مجلدًا من ترجمة الكتاب المقدس البسيطة والسبعينية والحرقلية، ومن فناقيث الصلوات القانونية والميامر وغير ذلك من «المخطوطات التي لا مثيل لها في الدنيا».١٠
وفي السنة ١١٦٩ أضاف جبرائيل بن بطريق، واليشع أخوه، وموسى الكفرسلطي مائتين وسبعين مجلدًا إلى ثورة ذلك الدير الكتابية، وممَّن ساعد أولئك النساخ على تعزيز تلك الثروة سكانُ قرية قرتمين الذين كانوا يهيئون الجلود أو رقوق الغزال لنسخ المخطوطات. وقد حلَّتْ بهذه المكتبة العامرة نوائب شتى عام ٥٨٠م و١٠٧٥، ولا سيما عام ١٠٨٩، فإن الفرس نهبوها وأحرقوا الدير، ومكثوا أربعة وعشرين يومًا يعيثون فيه، وتركوه قاعًا صفصفًا.١١

(٥-٣) مكتبة دير والدة الله في وادي النطرون بمصر

أنشأ السريان في وادي النطرون ثمانية عشر ديرًا، عددها الخوري إسحاق أرملة نقلًا عن أوثق المصادر.١٢ وجمعوا في أغلب تلك الأديار مكتبات حَوَتْ كنوزًا ثمينة جدًّا، ولولا غارات البربر الذين نهبوا جميع ممتلكات الرهبان، وهدموا كنائسهم وأحرقوا مساكنهم،١٣ لتألَّف من تلك المخطوطات عشرات الآلاف بلا أقل مبالغة.
غير أن العناية الربانية شاءت أن تصان من تلك الذخائر النفيسة بقيةٌ في دير والدة الله المعروف بدير السريان بوادي النطرون، وهذا الدير تأسَّس قبل السنة ٦٠٣ للميلاد، وأخذ رهبانه يجمعون فيه مخطوطات قديمة العهد، ألَّفوا منها مكتبة أصبحت كما وصفها بعضهم «أشهر خزائن الكتب السريانية، بل أقدم مكاتب الدنيا».١٤ وظل أولئك الرهبان يعتنون بتلك المكتبة ويضيفون إليها ما عز وجل من المخطوطات، يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام.

وفي السنة ٩٢٧م سافر القس موسى النصيبيني رئيس الدير إلى بلاد سوريا وما بين النهرين، فجمع مائتين وخمسين مجلدًا من أنفس المخطوطات وأندرها وأعتقها، ثم نقلها إلى ديره عام ٩٣٢، وهناك ابتنى لها قاعة خصوصية ونظمها تنظيمًا محكمًا. ويرتقي عهد بعض تلك المخطوطات إلى القرن الخامس والسادس للميلاد مما يندر وجوده اليوم في أعظم دور الكتب وأهمها.

وجاء في بعض الحواشي: أنه بعدما نُهِبت الرها وآمد وملطية وغيرها من المدن الآهلة بالسريان، جُمِع بعض ما سلم من مخطوطات خزائنها، ثم نُقِلت إلى دير والدة الله بوادي النطرون على خمسة عشر حمل بعير.١٥
ظلت هذه المكتبة الثمينة في نمو وازدياد حتى أربى عدد مخطوطاتها في ذلك العهد على ألف مجلد.١٦ وذكر القس توما المارديني أنه شاهد عام ١٦٢٤ في تلك المكتبة «صحفًا كثيرة مكوَّمة بلا حساب ولا عدد».١٧
وفي السنة ١٧٠٧ ارتحل القس إلياس السمعاني إلى دير والدة الله المشار إليه، واشترى من الرهبان بعض مخطوطات سريانية نقلها إلى المكتبة الواتكانية، ونحا نحوه العلَّامة يوسف شمعون السمعاني، فتوجه عام ١٧١٥ وتعهَّد مكتبة ذلك الدير واشترى منها ما اشترى، واستنسخ كتبًا تعذَّر عليه اشتراؤها؛ لأن الرهبان لم يكونوا يستغنون عنها ولو بوزنها ذهبًا.١٨ ثم شحن السمعاني ثلاث سفن من المخطوطات، يُقدَّر ما غرق منها بعشرة آلاف مجلد.١٩
وفي السنة ١٨٤٢ قصد تلك المكتبة عينها المستر تاتام السائح الإنكليزي، «فأخذ ثلاثمائة قطعة من الخطوط اليدوية المكتوبة على رق غزال، خلاف عدد عظيم من الكتب المهمة التي لا تُقدَّر قيمتها … ونقلها إلى إنكلترا».٢٠ هكذا اغتنت خزانة المتحف البريطاني بتلك الثروة العلمية السريانية، وأصبحت تباهي بها سائر خزائن الدنيا على الإطلاق، وما عدا ذلك فقد نُقِل من مكتبة دير والدة الله الغنية العجيبة مخطوطات جمة إلى مكتبات الفاتيكان، وباريس، وأوكسفرد، وكمبردج، وبرلين، وميلانو، وإلى بعض مكتبات الشرق.

وروى لنا مرارًا العلَّامة البطريرك أفرام رحماني أن الإنكليز ابتاعوا من مخطوطات دير والدة الله ما يوازي ثقلها ذهبًا، فكان الرهبان يضعون كل مخطوط منها في كفة الميزان، وكان المستر تاتام يضع ذهبًا في كفة الميزان الأخرى!

(٥-٤) مكتبة دير سرجيسية

أسَّس السريان هذا الدير عام ٩٥٨ في جوباس بجوار ملطية تيمُّنًا باسم الشهيدَيْن سرجيس وباخس، وقصده العلَّامة الشهير يوحنا تلميذ مارون، وتولى فيه منبر التعليم مدة اثنتي عشرة سنة، فتخرَّج عليه مؤلفون ونسَّاخ عديدون أغنوا خزائن الدير بمؤلفات وافرة، واعتنى إيليا رئيسه بالكنيسة فزيَّنها بالحلل والسجوف والمخطوطات السريانية والأواني الذهبية والفضية. ولما ازداد عدد الرهبان والطلبة ابتنوا في ناحية الدير الجنوبية طبقتين لسكنى الأساتذة والكَتَبة والنسَّاخ والتلامذة، فذاع فضل الربان يوحنا وانتشر صيته بين أبناء ذلك العصر الذين أطلقوا عليه لقب «ملفان وبحر الحكمة»، وحلت وفاته عام ١٠٠٣.٢١

(٥-٥) مكتبة دير الزعفران

أنشئت في القرن الثامن بهمة مار حنانيا مؤسس الدير، ثم جدَّدها وأضاف إليها يوحنا مطران ماردين الرهاوي (†١١٦٥م)، وازدادت مخطوطاتها عندما صار الدير مقرًّا للبطاركة، واحتوت تلك المكتبة في أيام عزها على أسفار قديمة ضُرِبت بها الأمثال، بينها ما كُتِب على رق غزال بحروف سطرنجيلية، وأثمنها مصاحف دُبجت بصور بديعة ملوَّنة.

ومن أثمن ما حوته المكتبة الزعفرانية: إنجيلان سطرنجيليان مكتوبان على رق غزال، ومنها سبعة مجلدات ضخمة مكتوبة كذلك على رق غزال تضمَّنت ميامر مار يعقوب السروجي (†٥٢١م)، وشرح إيريثاوس، ونسختان من كتاب أخبار القديسين مكتوبتان بحروف سطرنجيلية، وغير ذلك من المخطوطات المكتوبة على الرق أيضًا.

(٥-٦) مكتبة دير مار مرقس في القدس

هي مكتبة قديمة العهد اعتنى بتكوينها وتعزيزها مطارنة الكرسي الأورشليمي، وأضيفت إليها في القرن الرابع عشر بقايا خزانة دير المجدلية بالقدس بعد اندثاره، وإليها نُقِلت أيضًا بعض مخطوطات دير الزعفران بعد الحرب العظمى (١٩١٤–١٩١٨) وللبحَّاثة الربان يوحنا دولباني وصف دقيق لأهم مخطوطات الخزانة المرقسية، نشره على صفحات المجلة البطريركية السريانية في أورشليم.

ومما حوته هذه الخزانة المرقسية ذخائر ثمينة مكتوبة على رق الغزال بخطوط سطرنجيلية بديعة، عددها اثنان وثلاثون مجلدًا، بينها ميامر مار يعقوب السروجي في ثلاثة مجلدات ضخمة، تبلغ سماكة كلٍّ منها ٣٠ سنتمترًا في طول ٤٠ وعرض ٢٥س. وتشتمل كل صفحة على خمسة حقول بخط جلي ظريف. أما فهارسها فهي مكتوبة في صفحات شتى مدبجة بألوان بنفسجية وحمراء وزرقاء وخضراء وبرتقالية … إلخ.

وحوت الخزانة المرقسية علاوة على ذلك صكوكًا ووثائق وحججًا قديمة العهد، يحافظ عليها رؤساء الدير ورهبانه بكل حرص وإجلال.

(٥-٧) بقايا مخطوطات كنيسة مار بطرس ومار بولس في الرها

كانت هذه الكنيسة تشتمل على خزائن مخطوطات سطرنجيلية وسريانية غالية الأثمان قديمة الأجيال نادرة المثال، لكنها تضعضعت مع كرور الزمان، ولم يَبْقَ منها إلا النزر اليسير. وعندما اضطر الأتراك نصارى الرها أن يرتحلوا عن وطنهم سنة ١٩٢١، نقل السريان بقايا مكتبتهم إلى حلب، وجعلوا بعضها في موفه الكنيسة التي ابتنوها حديثًا، وصانوا البعض الآخَر في صناديق مقفلة أودعوها عند كبار أعيانهم. ومن جملة تلك المخطوطات: تاريخ ميخائيل الكبير، وميامر مار أفرام، ومار يعقوب في السطرنجيلية، وبعض مخطوطات السريان الملكيين … إلخ.

(٥-٨) مكتبة دير الشاغورة في صيدنايا

انطوت هذه المكتبة على مخطوطات سريانية قديمة ثمينة، حُفِظت فيها حتى أواسط القرن التاسع عشر، وكانت مصونة في خزائن دير الشاغورة أو بالحري دير الشاهورة بالهاء بدلًا من الغين، وهي لفظة سريانية يراد بها الرهبان الساهرون في الصلاة وأعمال العبادة. وظلت تلك المخطوطات الوافرة العدد ومعظمها من نفائس المؤلفات المكتوبة على رقوق الغزال مصونة في ذلك الدير حتى عهد رئيسته الحاجة كاترينا مبيض، ووكالة والد الخوري ميخائيل كك، والشخاشيري وجبران الميداني، فخشى الوكلاء من كثرتها أن تكون حجة بيدِ السريان يتقَوَّون بها على إثبات حقوقهم على الدير، فأجمعوا على إتلافها بأسرها، وأخرجوها من خزائنها وكدسوها وجعلوا يحرقونها أولًا تحت القناطر، ثم كرهوا أن تذهب نارها ضياعًا، فجمعوها في فرن الدير وخبزوا عليها خبزتين، وظلت النيران تشتعل في تلك المخطوطات أربعة أيام؛ إذ كانت الخبزة تبتدئ مساء الخميس وتنتهي صباح السبت، خلا ما أُحرِق منها تحت القناطر.٢٢

ولم يسلم من تلك المكتبة العامرة إلا بضع مخطوطات سبق المستشرقون والسياح فاشتروها، وزيَّنوا بها مكتباتهم في بلاد أوروبا، ولا سيما المكتبة الواتكانية، فيا للخسارة الباهظة ويا للجهالة!

(٥-٩) بعض مكتبات السريان المندثرة

كان للسريان في عصرهم الذهبي مكتبات عامرة في أغلب أديارهم التي أربى عددها على المئات، كأديار جبل الرها، وطور عبدين، وجبل الأزل، وأنطاكية، ولبنان، نخص بالذكر منها: دير مار بسوس، ودير تل عدا، ودير أوسيبونا، ودير كفربيل، ودير الجب الخارجي في أطراف أنطاكية، ودير مار يوحنا في زغبة، ودير قنسرين، ودير مار موسى الحبشي في النبك، ودير مار يوليان الشيخ في القريتين، ودير تل بسم غربي ماردين، ودير العمود قرب الرقة، ودير قرقفتا عند رأس العين، ودير قنقرات بآمد، ودير برصوما بملطية، ودير ابن جاجي، ودير زوقنين، ودير مار بهنام بالموصل … إلخ. فهذه الديورة بأسرها كانت تشتمل على مكتبات عظيمة مزدانة بأقدم الصحف وأثمن المخطوطات.

هوامش

(١) الآداب السريانية، تأليف شابو: صفحة ٩–١٣.
(٢) تاريخ أوسابيوس: قسم أول، جزء ١٢، صفحة ٦٨-٦٩، من طبع الأب بيجان.
(٣) سِيَر النساك الشرقيين: عدد ٣٥.
(٤) O.H. Parry: Six Monthe in a Syrian Monastry: 1895, p.338.
(٥) مجلة الآثار الشرقية: مجلد ٣، سنة ١٩٢٨، صفحة ١٧.
(٦) لهذه الهسكبلة نسخة في ميلانو، طبعها بالنور والحجر العلَّامة تشرياتي سنة ١٨٧٦.
(٧) رسالة طيمثاوس ٣٣.
(٨) مجلة الآثار الشرقية: مجلد ٣، سنة ١٩٢٨، صفحة ١٨.
(٩) الدروس السريانية، للبطريرك أفرام رحماني: مجلد ١، صفحة ٣٢. والمشرق: مجلد ٢٢، صفحة ٤٢٣ و٥٢٠ و٥٢٣.
(١٠) تاريخ ابن العبري السرياني: مجلد ١، صفحة ٤١٧.
(١١) سياحة في طور عبدين: نقلًا عن حجر مكتوب بالسطرنجيلية، مركزه شمال الداخل إلى الكنيسة.
(١٢) بحث تاريخي عن السريان في القطر المصري: فصل ١٠.
(١٣) كتاب «وادي النطرون»، للأمير عمر طوسون المصري: صفحة ٤٢-٤٣.
(١٤) اللؤلؤ المنثور: صفحة ٢٤.
(١٥) اللؤلؤ المنثور: صفحة ٢٤.
(١٦) بحث تاريخي عن السريان في القطر المصري: فصل ١٢.
(١٧) فهرس المخطوطات السريانية في المتحف البريطاني: رقم ٣٧٤.
(١٨) السريان في القطر المصري: فصل ١٢.
(١٩) خطط الشام، لمحمد كرد علي: مجلد ٦، صفحة ١٩٨.
(٢٠) الأقباط في القرن العشرين، تأليف رمزي تادرس.
(٢١) تاريخ ميخائيل الكبير: صفحة ٥٥٢. وتاريخ ابن العبري الكنسي: جزء ٢، صفحة ٤٠٣ و٤٠٧.
(٢٢) خزائن الكتب في دمشق وضواحيها، تأليف حبيب الزيات: ص١١٣–٢٢٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤