الفصل الرابع

مكانة بطريركية السريان وعدد أبرشياتها في العصر الذهبي

انتشر السريان انتشارًا عجيبًا غريبًا لا في أقطار سوريا وما بين النهرين والعراق وبلاد فارس وملبار فحسب، بل في الأنحاء اللبنانية أيضًا، فإن بطريركيتهم الأنطاكية كانت إلى عهد الصليبيين أعظم وأهم من بطريركيات سائر الفرق النصرانية في الشرق دون جدال، وفاق عددهم يومئذٍ عدد سائر الملل النصرانية حتى في أنطاكية عاصمة الكرسي البطريركي.

فكان عدد أساقفة السريان في تلك الحقبة يربي على مائة وستين أسقفًا، يخضعون قاطبة لبطريركهم الأنطاكي ولمفريان الشرق اللائذ به، وكان لكل من أولئك الأساقفة أبرشية خاصة برعايته؛ لأن القوانين البيعية حرَّمت تنصيب أسقف دون أبرشية شرعية، يتضح ذلك كله جليًّا من فهارس الأساقفة الملحَقة بتاريخ ميخائيل الكبير، ومن التاريخ البيعي تأليف المفريان ابن العبري، ومن ثقات المؤرخين في العصور الغابرة.

وبالجملة فإن الكتبة المدقِّقين سريانًا وغير سريان، أجمعوا على أن عدد السريان في القرنين العاشر والحادي عشر ناهز المليونين من النفوس، أما عدد الملكيين في تلك الحقبة فلم يتجاوز النصف مليون، وكان عدد أبرشياتهم خمسين أبرشية،١ وذكر الأب هنري لامنس أن غليلم الصوري في «تاريخ الصليبيين» أحصى الموارنة أربعين ألفًا،٢ ذلك كله يثبت ما أحرزته بطريركية السريان في العصور السالفة من المكانة والاعتبار بين الشعوب المجاورة لها.

هوامش

(١) معجم التاريخ والجغرافية الكنسي، للكردينال بودريار: مقال للمستشرق كرلفسكي (كيرلس شارون)، صفحة ٦١٣.
(٢) تسريح الأبصار: جزء ٢، صفحة ٥٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤