المقدمة

في جلسةٍ هادئة قلتُ لزوجي بين المزاح والجد: لماذا لا تكتب عن حياتنا؟ لقد كتبتَ عن حياة الآخرين، ولم تفكر أن تكتب عنا. إن حياتنا مليئة بالمشاعر؛ فيها أيامٌ هادئة وأيام يتأجج نارها، إنها ليست حياةً مملة ولا روتينية ولا تشبه حياة كل الناس؛ فنظر إليَّ نظرةً طويلة وقال: يجب أن تعلمي أنه لا يُطلَب إلى كاتب أن يكتب في موضوع يُحدَّد له.

– إنه ليس أمر تكليف وإنما أنا أقترح عليك، ومع ذلك سأكتبها أنا. وكتبتها فعلًا، ولكني لم أنشرها، وكان ذلك سنة ١٩٧٥م وكانت كتاباتي حينئذٍ ما زال فيها ومضة الشباب. ورحل زوجي سنة ٢٠٠٢م، وقابلتُ الكاتبة المعروفة لوسي يعقوب في حفل تأبين لزوجي، الذي أقامه اتحاد الكُتاب والذي يرأسه الآن الكاتب فاروق خورشيد؛ بمناسبة ذكرى الأربعين، وكان مُنظم الحفل هو الروائي فؤاد قنديل، قابلت لوسي يعقوب وقالت لي في حماسٍ ظاهر: اكتبي عن ثروت أباظة كما كتبتِ عن أبيك عزيز أباظة.

فقلت لها: إن شاء الله، ولكنني غارقة في أحزاني، وليس في استطاعتي أن أكتب أو حتى أفكر. إلى أن مرَّت الشهور واستطعتُ أن أتمالك نفسي وفكرتُ في الكتابة، وأكون بذلك قد أرضيتُ نفسي وأرضيت لوسي يعقوب، وبدأت أكتب عن ثروت الذي أسعدني أن أعيش معه مرةً أخرى.

ورجعت إلى الكتاب الذي كتبته عن حياتنا سنة ١٩٧٥م وأخذت نصفه الأول المليء بالمشاعر الجميلة وحماس الشباب، وأكملته بكتابة ما يناسب سني الآن.

وقد دام زواجنا ما يربو على خمسين عامًا، ولا أستطيع أن أقول إن هذه الأعوام الطويلة كانت كلها سعادة وسلام؛ فليس هذا من طبع الحياة، ولن يصدِّقني أحد إذا ادعيت ذلك، ولكني الآن لا أذكر إلا الأيام الجميلة واللفتات الرقيقة، وما عدا ذلك فقد غاب عن مخيلتي ونسيته تمامًا.

ولو حاولت أن أكتب الجزء الأول من الكتاب الآن ما استطعت؛ لن تكون الأحاسيس بالنضارة التي كتبتها بها سنة ١٩٧٥م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤