التوقيت، والسياق الكوني للفعل
يلفتنا علاج «الفلسفة» لمريضها وإيقاعه، وتناوب القبض فيه والبسط، وتناوب الشعر والنثر، إلى فكرة السياق الكوني للأشياء والكائنات جميعًا، فالكائن ليس معلقًا في فراغ، وإنما هو منسلك في منظومة كونية ذات حركيةٍ وإيقاع، والظواهر النفسية والعقلية وثيقة الصلة بحركة الكون، ولا يمكن تناول الجزء الإنساني بمعزل عن الكل الكوني، ومن هنا يأتي الحضور القوي والدائم للطبيعة وللكونيات في قصائد «العزاء» وفي مقاطعه النثرية.
ويلفتنا العلاج أيضًا لفكرة «التوقيت»: ليس يكفي أن تفعل، بل ينبغي أن تفعل في التوقيت الصحيح، كل شيء يجري في سياق، والوجود كله دوراتٌ وإيقاعات وحركة وسيرورة، ولا بد للفعل الناجع من أن يضرب في اللحظة الصحيحة، كأنه النغمة تقع في النغم والإيقاع موقعها الصحيح فتؤتي أثرها ولا تكون نشازًا منفِّرًا، وليس التدخل العلاجي من ذلك ببعيد، وطوال «عزاء الفلسفة» نجد الطبيبة حريصة كل الحرص على القصد في اختيار لحظة التدخل، ونوعيته، وضبط الجرعة، في عملية دفع حركة العلاج قُدُمًا وتهيئة المريض للخطوة القادمة وتمهيد طريقه للحركة التالية، وكأنها تعزف لحنًا بقدر ما تعالج مريضًا!