التشخيص
«إذن دعني أولًا أتفحَّص حالتك النفسية وأختبرها ببضعة أسئلةٍ بسيطةٍ؛ لَعَلِّي بذلك أقف على أفضل طريقةٍ لعلاجك.»
فأجبتُها: «سَلي ما شئت، وسوف أُجيب.»
قالت: «هل ترى أن هذا العالم تُسيِّره المصادفة والأحداث العشوائية، أو تعتقد أنه ينطوي على مبدأ عقليٍّ ما؟»
قلت: «حاشاي أن أعتقد أن أحداثًا على هذا الاطراد المنتظم يمكن أن تكون وليدة المصادفة والاتفاق، إنما أؤمن أن الله الخالق يسهر على خلقه، ولا أراني أحيدُ يومًا عن هذا الاعتقاد ما حييتُ.»
قالت: «هذا حق، بل هو بعينه ما كنت تشدو به للتو عندما كنتَ تتحسَّر على أن بني البشر وحدهم من لا تشملهم عناية الإله، إن اعتقادك لراسخٌ بأن كل شيءٍ آخر محكومٌ بالعقل، وإنني لأعجب كيف يصيبُك المرض مع هذا الرأي السليم، ولكن دَعني أمضي بالفحص إلى ما هو أعمق، إنني ليَغْلبني حسٌّ بأن ثمة شيئًا مفقودًا بشكل ما، قل لي إذن: ما دمت لا تشك البتة في أن الله يحكم العالم، فما هي، في رأيك، المبادئ التي يُسيِّر بها العالم؟»
قلتُ: «لا يسعُني أن أجيب عن سؤالك لأنني لا أتبيَّن معناه.»
قالت: «لقد صدق ظني إذن أن هناك شيئًا مفقودًا، أن ثمة ثلمًا في دِرعك نَفَذ منه هذا المرض المُخبِّل إلى روحك، أخبرني إذن هل تذكر ما هي غاية الأشياء جميعًا، وما الهدف الذي تتجه إليه الطبيعة بأسرها؟»
قلت: «كنتُ أعرفها جيدًا، ولكن ذاكرتي كليلةٌ من الحزن.»
ولكن من لطف الله أنك لم تهجُركَ طبيعتُكَ كلُّها، فما تزال لدينا الشرارة الكبرى لشفائك، وهي رأيك الصائب عن إدارة الكون، فأنت تؤمن أن الكون لا تحكمُه المصادفة العَشواءُ بل العقل الإلهي، إذن لا تخش شيئًا، فمن هذه الشرارة الضئيلة سوف ينبثق فيك وهج الحياة.
ولكن لأن وقت الدواء الأقوى لم يحن بعد، ولأن من طبيعة العقل أنه مقابل كل فكرةٍ صحيحةٍ يفقدها يكتسبُ فكرةً زائفةً تنفثُ ضباب الوهم ليُغشِّي على بصيرته الصحيحة، فسوف أحاول أن أبدد هذا الضباب شيئًا فشيئًا باستخدام علاجات خفيفةٍ ومتوسطة القوة، فإذا ما تبدد ظلام الانفعالات المضلِّلة سيكون بوسعِك إذَّاك أن تُبصر أَلَقَ الحقيقة.»