الطبيعة المتقلبة للحظ
بعد ذلك لزمت الصمت لحظةً، فاستوقفني تَرَفُّق صمتها نفسه والتفت إليها، هنالك أنشأت تقول: إذا صحَّ تشخيصي لعلَّة مرضك وطبيعته فأنت متحرِّقٌ إلى حظك الماضي، ويناجيك خيالُك بأن هذا التغيير قد أوقع الكثير من الاضطراب في روحك وعقلك، إنني أعرف الأقنعة العديدة التي يتنكَّر بها هذا المسخ — الحظ — وأعرف كم يغوي بالصُّحبة الأشخاص أنفسهم الذين يسعَى إلى خداعهم، ثم يَتَخلَّى عنهم ويتركهم في حزنٍ غامر، ولو تَذَكَّرت طبعه وطرائقه ومزاياه لَتبيَّنت أنك لم تُفِد منه ولم تخسر بفقدانه شيئًا ذا بال، ولكني لست بحاجةٍ إلى تذكيرك بهذا، فلطالما هاجمته، عندما كان يحالفُك ويداهنك، بكلماتٍ قويةٍ جريئة، وطالما فنَّدته بعباراتٍ اقتبستَها من حرمي المقدس، على أن كل تغييرٍ مفاجئ في الظروف لا بدَّ من أن يُوقع في النفس شيئًا من الاضطراب، هذا ما أخرجك أنت أيضًا عن طورك بعض حينٍ وسلب منك السكينة.
لقد آن لك إذن أن تأخذ جرعةً خفيفةً سائغةً تَشيع في داخلك وتُمهِّد الطريق بعد لجرعاتٍ أنجع، جرِّب إذن الأثر المهدِّئ للبلاغة المعسولة التي تمضي في طريقها الصحيح ما لم تَحِد عن مبادئي، ودعنا نُصغي إلى الموسيقى، خادمة داري، ترن في أوزانٍ خفيفةٍ أو ثقيلةٍ وفق طلبي.
لقد تبَيَّنْت الوجه المتقلِّب لهذا الإله الأعمى، إنه ما زال يُخفِي شَخْصَه عن سواك بينما تَكشَّف لك أنتَ بتمامه، فإذا كنت مقتنعًا بطرائقه فإنَّ عليك أن تَقْبَلَها ولا تشكو، وإذا راعَتْك خيانته فاهجره وأَقلع عن ألعابه الخطرة، فإن ما يسبب الآن لك الأسى والحزن كان خليقًا بأن يجلب لك السلام، فلقد تخلَّى عنك من لا يأمن له أحدٌ ولا يثق ببقائه إلى جانبه على الدوام، أم هل تُقدِّر ذلك الصنفَ من السعادة المحتومة الزوال؟ هل يعزُّ عليك حظٌ تعلم أن بقاءه موضع شكٍّ وأن زواله يورث الحزن؟ فإذا كان المرء لا يملك التحكم في الحظ وَفْقَ إرادته، وإذا كان زواله يترك وراءه البؤس، فماذا عساه أن يكون هذا الشيء الروَّاغ سوى نذيرٍ بشؤمٍ قادم؟ إن العاقل لا يقنع بالنظر إلى ما هو أمام عينيه، فالحصافة تُقدِّر عواقب الأشياء، والعبرة بالخواتيم، إن تقلب الأحوال نفسها بين عسرٍ ويُسر ليجرِّد الحظ من سلاحه، فلا تعود تهديداته تُخيف ولا ابتساماته تُغري.
وأخيرًا، فما دُمت قد انحنَيْت للحظ ووضعت عُنُقَك تحت نيره، فإن عليك أن تتحمل، بجأشٍ ثابتٍ، كل ما يحدث في ملعب الحظ، وإذا كنت اخترت الحظ بملء حريتك ليكون سيدًا لك مسيرًا لحياتك، فمن الخطل بعد ذلك أن تُملي عليه قاعدةً تحكم مجيئه وذهابه، وإن لهفتك نفسها سوف تزيد مرارة أي نصيب لك لا تملك تبديله.
إنك إذا أسلمت شراعك للريح فستدفع بقاربك إلى حيث تشاء هي لا إلى حيث تشاء أنت، وإذا أنت أوْدَعت بذورك الأرض فسوف توازن ما بين سنوات الرخاء وسنوات القحط، وما دمت الآن قد أسلمت نفسَكَ للحظ فعليك أن تخضع لأحكامه، أتريد حقًّا أن توقِف دولاب الحظ عن الدوران؟ ألا تعلم، يا أشدَّ الفانين حمقًا، أن الحظ إذا بدأ في التوقف لا يعود حظًّا؟!